عرض مشاركة واحدة
قديم 29-03-20, 10:53 PM   #2293

Nor BLack
 
الصورة الرمزية Nor BLack

? العضوٌ??? » 455746
?  التسِجيلٌ » Oct 2019
? مشَارَ?اتْي » 593
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » Nor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   star-box
Rewitysmile7

الفصل التاسع والعشرون ج1



أنا أحبّك يا سيفاً أسال دمي.. يا قصّةً لست أدري ما أسمّيها

أنا أحبّك حاول أن تساعدني.. فإنّ من بدأ المأساة ينهيها

وإنّ من فتح الأبواب يغلقها.. وإنّ من أشعل النيران يطفيها

يا من يدخّن في صمتٍ، ويتركني في البحر، أرفع مرساتي وألقيها

ألا تراني ببحر الحبّ غارقةً.. والموج يمضغ آمالي ويرميها

انزل قليلاً عن الأهداب يا رجلاً ما زال يقتل أحلامي ويحييها

نزار قباني

*********



لطالما كان يتساءل في نوبة فلسفية يبدو أنه اكتسبها من أبيه بالفطرة "عن سبب تشبيه الوطن بالأم؟!" ورغم كل ما قرأه أو سمعه من المقالات المنمقة وخطب وطنية رنانة والتي كان يعتقد بسذاجته وسخريته في هزلية كاتبيها... لم يحصل على تلك الإجابة إلا عندما لفظته الأم الأولى وزهدت فيه، عندما خان هو عهدها...!

والآن بينما تطفر دموع الحنين داخل عينيه الخضراوين، وهو يراقب من شباك الطائرة التي تحلق منخفضة على تراب الوطن ويسمع بأذنيه طرب المغتربين النازحين مثله، وهم يهللون بفرحة العودة بدخولهم كنف سماء الوطن.. يجد على حين غرة منه إجابة سؤاله المعلق.. الوطن شبه بالأم الكبرى كرمز لكل ما هو مقدس وطيب وطاهر دون زيف يمنح من فيض عطفه.. دون شرط يحنو بحب ويلفظ بألم وهو يحتضن راجيك البقاء..!

هل منحته عائلته أرض وبيت كان يرجوهم.. إذاً لماذا كان دائماً يشعر بوحشة الغربة ويجد نفسه في تلك اللحظة فقط يشبع وحش حنينه.

"حمداً لله على سلامتك يا بطل" همس جوشوا ضاحكاً بينما يرصد كل هفوة تخرج من ابنه، كل نظرة لهفة تنسيه ارتباكه، بل خوفه الذي يتصاعد بداخله من رفض متوقع ستقابله به أمه...

التفت لأبيه وهو يهمّ بالوقوف من مقعده ثم قال ساخراً "وأي بطولة قد يحملها الطير الشارد الغريب؟!"

فتح جوشوا حزام الأمان يتبع استعداد ابنه للهبوط وهو يقول مغيظاً إياه كالعادة "لا تبتأس يا بطل.. أنتَ لم تكن طيرًا يوماً بل حماراً سويدياً أصيلاً!"

نظر إليه نزار شذراً ثم قال "لن أنجر لمحاولتك استفزازي، إذ أن ما أنا مقدم عليه كل ما يشغل عقلي الآن!"

ادّعى جوش الصدمة وهو يقول "هل تقول أنك تغيرت؟!.. كيف وأنتَ كالطفل الذي يسهل إغوائه بضوء النار المتقد تحت رماد السنين، نابش عنه مسبب حريق يأكل كل من حوله؟!"

أسبل أهدابه مبتلع ريقه بصعوبة قبل أن يقول بهدوء "ناري لم تحرق إلا من هرعت إليّ بكل حنان وقدسية أمومية، لتنقذني غير عابئة بحياتها هي!"

انمحت روح جوشوا الهزلية في لحظة وهو يلمس كالعادة جرح ابنه الذي لم ترممه الأيام رغم جهده بأن يفعل، أن يثبت لهناء مرة واحدة أنه قادر على الإيفاء بوعد أخير منحه إياها في إنقاذ ابنهما ثمرة حبهما الجاذب للأضداد.. ربما نجح بالفعل في تقويم رجل جديد ماحياً شخصيته الصبيانية القديمة ولكنه لم يستطع يوما نزع مرارة الفراق التي ترهق ولده سارقة منه كل فرحة تقدم أو إنجاز حققه... قطع الصمت أخيراً وهو يضع يده على كتفه مشجعاً "أخبرتك ملايين المرات أنها ستغفر فور إدراكها أنك واقف في مكانك منتظر عفوها!"

"فعلتي لا تنسى!"

"نحن الآباء دائماً ما ننسى بني"

اغتصب ابتسامة متفهمة وهو يهز رأسه ثم شرع في فتح الدرج العلوي بالمقعد وهو يقول "أتمنى يا أبي.. فكل ما أتوسله هو ضمة بين ذراعيها!"

*********

كانت تراقب شاردة طفليها الذين يمرحان كالعادة في بيت هناء مسببين ضجيجاً مدوياً وفي محاولة باهتة لإيقافهم كانت تقول بحزم مهدد "إن لم تهدآ خلال ثوانٍ وتجلسا كأي طفلين مهذبين، لا قدوم إلى هنا مرة أخرى ولا زيارة لماما بدور أيضاً كما وعدتكم؟!"

رمقها ابنها غاضباً ولكنه قال سريعاً بأدب "آسف ماما، سأتوقف"

بينما ابنتها كانت كالعادة تتعامل معها بندية وهي تقول "هذا ليس عدلاً مريم، ألا يكفي رؤيتي بكائكِ وو.... ماذا قال بابا لنا صباحاً إياس؟!"

رد أخوها ببراءة " قال أنها كئيبة بسبب موت جدي لوليتا!"

صرخت فيهما فاقدة أعصابها "توقفا وإلا سأضربكما!"

أخفض إياس وجهه بحزن، بينما ردت ليبرتا مغيظة "لن تستطيعي مريم؟!"

تدخلت هناء وهي تتوجه نحو الصغيرين تمنحهم بعض الحلوى وهي تقول بحزم لطيف "ماما ليست في مزاج رائق، لا تحزن إياس.. وأنتِ حقنة هانم توقفي عن إزعاجها!"

توسعت عينا ليبرتا بفضول وهي تقول "هل أنا دواء؟!"

"بل داء عضال صنعه والدكِ من دلعك الزائد" همست داخلياً قبل أن تزج بكليهما نحو الدرج وهي تقول "اصعدا لغرفتكما وأكملا لعبكم بالأعلى, أريد الحديث مع ماما قليلاً!"

هزا رأسيهما في طاعة فورية وهما يأخذان طبقيهما متتبعين أمرها..

عادت هناء نحو مريم وهي تحمل كوب عصير مرطب تمحنه إياها قبل أن تجلس جانبها وهي تقول "ما ذنبهما في وجع ضميرك يا مريم؟!"

قالت دون تفكير "ضميري لا يؤلمني عليه، وربما هذا ما يوجعني؟!"

قالت هناء بهدوء "ولكنكِ نادمة؟!"

ارتعشت يديها للحظة قبل أن تنظر لهناء بعينين فضحتا الجرح فيهما ثم قالت "نادمة لأن الوقت كالعادة لم يمهلني لأسترد بعض من حقوقي فيه!"

اقتربت منها هناء حتى أمسكت كفيها تسحب منها الكوب واضعة إياه على إحدى الطاولات الصغيرة المنثورة بين المقاعد.. ثم ربتت عليها بحنان وهي تقول "رغم أن ما سأقوله قاسي قليلاً ...ولكن هذه هي الحكمة المرافقة للموت دائماً عزيزتي.. الوقت هو مجرد رصيد في بنك العمر، ننفقه ببذخ, بطيش غير مقدرين أنه ينقص من أرواحنا، متغاضين عن جراحنا الغائرة التي قد يمنحها لنا أن نعفو عن إنسان..و أن نتواصل مع أحبائنا!"

هزت كتفيها ورأسها يميل بحزن وهي تقول "أجدني هذه المرة لا أستوعب حكمتك ِ؟!!"

قالت هناء بهدوء وهي تمسح بباطن كفها دمعة هبطت على خدها "عندما دخل إيهاب بابن بدور ثم توجه إليكِ يحتضنكِ دون تردد رغم همهمة الحاضرين, بماذا شعرت؟!"

ابتسمت من بين حزنها مشرقة وجهها الصبوح قبل أن تقول "بأني عدت للوطن، بأن كل تخبطي وهذياني محي وكأنه ما كان!"

قالت هناء بحرص "هل تذكرين قبل ست أعوام كيف كان غضبكِ من أيهاب. كرهكِ أفعاله ووجيعتك منه؟!"

اغرورقت عيناها بالدموع مجدداً وهي تهمس "نعم"

خبطت هناء على يدها مرة أخرى وهي تقول بتأمل "أحيانا أفكر ماذا لو هربتِ منه ولم تعودي، ماذا لو لم تمنحي إيهاب صفحكِ؟!"

قالت بدون تردد "لم أكن لأحصل على سلامي يوماً، ولم أكن لأتذوق معنى السعادة، كنت لا زلت أعيش في ألم يتكدس بداخلي مضيعة نفسي وطفلاي قبلي!"

رمشت هناء وهي تحدق فيها مجفلة، هل كانت تحاول أن تهدئها, تنصحها، وتطمئنها.. إذاً ما بال إجابتها تصيب هدفاً بداخل صدرها هي و يدميها دون رحمة؟!

لم تنتبه مريم لما تعاني روح هناء من تخبط وهي تكمل بإيمان "أنا وهو وأبنائي كنا نستحق صفحي, و سعادتنا التي حصلنا عليها بعودتي إليه يا هناء!"

حدقت فيها هناء بدمعة تحجرت داخل عينيها وهي تقول بنبرة فضحت الأنين فيها "بالضبط يا صغيرتي الغالية, ربما الصفح الذي تمنحيه لبعض الأشخاص ما هو إلا غاية ووسيلة لتعطيكِ أنتِ السلام، تخفف عنكِ وطأ الألم الذي يتكدس داخل روحك، تبعد عنكِ شبح (لو) الذي يأتي دائماً مصاحباً للندم بعد فوات الأوان!"

"ولكنه مات على كل حال, ما عاد للحديث نفع؟!"

قالت هناء بهدوء "موته منحكِ حكمة، لا تأجلي حبكِ وتقربكِ في من يرغبه من أخوتكِ، وسعي دائرتكِ قليلاً صغيرتي وابتهجي بأخ كخالد يفعل المستحيل ليمنحكِ عائلة تستحقين انتمائكِ إليها، اسعدي بأخت كبدور وشيماء وحتى تلك العاصفة المسماة نوة، تخلصي من كل ضغائنكِ لتسلمي أنتِ صغيرتي ...أما هو إن رغبت بحق في الصفح عنه أخيراً ادعي له بالرحمة علّ هذا يخفف عنه ثقل ذنبه يوم الحساب!"

هزت رأسها بموافقة دون أن تنطق بالمزيد.. ثم أمالت رأسها قليلاً تستند على كتفها وهي تقول بسلام "أنا أحبكِ يا هناء، أنتِ أول أم أعرفها، أستعجب أحيانا من ذاك الغبي الذي ترك كل هذا الاطمئنان وشرد ..أنتِ امرأة بدرجة ملاك"

ضحكت هناء متعجبة من منطقها.. من إنكارها المتعمد لكل ما تعرفه يقين عنها ثم قالت "لا ملاك يحمل في قلبه الإنساني بعض الشيطنة يا مريم؟!"

قالت مجادلة "أنتَ لم تحملي يوماً صفات شريرة, ما فعلته كان لحماية نفسكِ وذلك الأحمق"

قالت هناء "تلك هي الحقيقة صغيرتي.. قد أكون فعلتها بالفعل لحماية نفسي واسم أسرتي ولكن هذا لا ينكر أن جزء مني كان يرغب في الانتقام منه، في ذبح كرامته وكبريائه كما فعل معي.. إذ أني أعلم أي رجل متملك حد الجنون كان هو!"

قالت مريم بخبث "بعض الصفح يمنحنا نحن السلام وسعادة نستحقها بعد طول عناء... أليست هذه كلماتكِ.. إذاً لماذا ما زلتِ تستمرين في طرد الرجل المسكين ورفض الزواج منه؟!"

تصلبت واخشن صوتها وهي تقول "هذه قضية أخرى, لا تخلطي الأمور ببعضها!"

قالت باستفزاز وهي تعتدل محدقة فيها بلوم "فقط قلبي الطيب يشفق عليه, وكل مرة أراه فيها أقاوم نفسي بأعجوبة بأن لا أتوجه إليه مطيبة خاطره، وأقنعه باختياري له عروس راغبة في إسعاد أمير مثله بكل رضى؟!"

تقبض قلبها الذي اشتعل بالغيرة للحظة قبل أن تقول من بين أسنانها "أنتِ..."

قاطعتها مريم سريعاً ضاحكة "حقنة كابنتي؟!"

قالت هناء باقتضاب "بل إنسانة مستفزة كما أختكِ!"

استرخت مريم على المقعد ومزاجها الحزين يتبدد بعيدًا للحظات ثم قالت بمشاكسة "آه المجنونة الأخرى.. أيضاً أحاول إقناعها بكل ضمير عن مدى أهمية الرجال في حياتنا وكيف أن وجود الرجل الصحيح في حياتكِ يجعل أنوثتكِ تزدهر دائماً، مانحكِ كل السعادة التي تستحقيها!"

استنكرت هناء وهي تقول "من هذا الغبي الذي أفهمكِ هذا.. الرجال ليس سر الحياة عزيزتي، سعادتكِ قد تحصلين عليها بتفوق دراسي أو عملي، أو حتى نجاحكِ في تربية أبنائكِ ..هناك طرق عدة للحصول على ازدهاركِ دون رجل سيدة مريم!"

قالت بعدم اقتناع "ومن قد يحتويكِ عند غضبكِ أو حزنكِ.. يسندكِ عند وقوعكِ؟!"

قالت هناء بهدوء "أخوكِ، أختكِ, صديقة حقيقية، أو حتى نفسكِ قد تمنحكِ كل الحنان الذي تنتظرين استجداءه من رجل؟!"

صمتت مريم مفكرة للحظة قبل أن تضيق عينيها وهي تحدق في هناء بتلك النظرة التي تعلم جيداً أن ما سيأتي خلفها سؤال سيرفع ضغطها ويصيبها بالشلل اللحظي.. لم تتأخر مريم عندما قالت بامتعاض "إذاً أنتِ مقتنعة أننا نستطيع الاكتفاء دونهم, وهم بلا فائدة.. إذاً هل يمكنكِ إخباري كيف سنحصل على المتعة السابقة للإنجاب تلك التي يمنحها رجل بارع جاعل إياكِ تطفين فوق السماء السابعة بين ذراعيه ؟!"

احمر وجهها خجلاً و انتفضت هناء من مقعدها وهي تنهرها غاضبة "اصمتي، أنتِ قليلة أدب!"

أخرجت لسانها وهي تضحك بقهقهة عالية ثم قالت "زوجي جعلني عاشقة لقلة الأدب.. وهذا سبب آخر أدعى لصفحي عنه مهما فعل!"

قالت هناء بذهول "وماذا قد أتوقع من فاشلة مثلكِ, تأخذ عام الجامعة في عامين؟!"

هرشت مريم فروة رأسها بسماجة دون أن تقدر على التعليق هذه المرة، إذ أنها بالفعل فاشلة دراسياً وعن جدارة، وتأخذ من رعاية صغيريها ذريعة لتبرير رسوبها عام يعقبه عام.. على كل حال طالما إيهاب يتقبل دون أن يعاتبها هي ليست بقلقة مطلقاً.. بالطبع إن استمرت في التغاضي عن معايرته لها بالفشل الدارسي!

*******

بعد وقت كانت قد أنهت مكالمة مع زوجها تخبره فيها عن دعوة هناء لهم على الغداء ورغبتها في البقاء معها إذ أنهم اتفقوا على زيارة بيت الراوي مرة أخرى حيث أن هناء لم تذهب إليهم منذ ليلة العزاء...

وقفت مريم تتكئ على باب المطبخ وهي تقول بمشاكسة "لماذا ترفضين الاستعانة بخادمة، ألم تكبري قليلاً على الوقوف لساعات في المطبخ؟!"

رمقتها هناء دونما اهتمام وهي تقول "هل مزاجكِ يعتدل عند إغضابي؟!"

"لا.. فقط أحاول التعامل معكِ بجملتكِ الشهيرة"

صمتت قبل أن تقول باستفزاز مقلدة إياها "هل تعلمون عمري الآن.. هذا الرجل مجنون نسي عقله في مكان ما وفقد حسه الناضج ليدرك أننا ما عدنا نصلح للزواج كالصغار؟!"

قالت هناء بغضب "إن لم تغلقي فمكِ الثرثار الذي تم عدوته بجدارة من الحمقاء ابنة أخي، سألبس رأسكِ الفارغ بطنجرة الأرز؟!"

امتعضت وهي ترمقها ببرود... حتى أتاهم رنين الباب، والذي سمعت اندفاع صغيريها على الفور يتشاجران على فتحه..

"أنا رجل البيت وسأفتحه.. ابتعدي!"

قالت ليبرتا بسخط "إنه بابا ويحب رؤيتي أولاً بدل منك!"

تنهدت مريم بتعب ثم قالت "سأذهب أنا لفتحه قبل أن يشتبكا مع بعضهما!"

هزت هناء رأسها موافقة إذ أنها ترحب بأي شخص قد يلهي تلك المستفزة بعيداً عنها.. ابتسمت وهي تنحني لإخراج صواني الطعام من الفرن متذكرة أن وجود مريم في حياتها كان أفضل شيء حصلت عليه... من كان ليصدق يوم دخولها عليها أول مرة أن تلك الشاردة المضطربة والتي التجأت إليها لتحميها من الضياع، هي من ستمنحها الأمل، وتطبب قلبها بالصبر بعد فقدها ابنها؟!

هشت مريم صغيريها المتناحرين بعيداً وهي تفتح الباب قائلة "لقد أتيت باكرا عن الموع.....!" توسعت حدقتاها وهي تبتلع باقي حروفها عندما ردّ عليها الشاب المرتبك مازحاً "كالعادة مخطئة.. لقد تأخرت ما يقارب الثلاث أعوام ونصف..!"

همست بصدمة "نزار؟!"

توقفت الزمن لثوانٍ كما تجمدت أمامه في مكانها غير قادرة للحظة على معرفة ما قد تفعل، هل تحتضنه لا بالطبع هذا لا يجوز ولكنها اشتاقت لصديقها الأشقر الأحمق.. ربما الفعل المناسب هو طرده قبل أن يتسبب لهناء في الأذى مجدداً.. اممم.. لا ستصرخ بكل ما تحمل من فرحة وجرح خلفه الغبي بالمغادرة، لتطبيب أمومة هناء "لقد عاد الغائب!"

لم تدرك أن توأمها كان خلفها ينظران لبعضهما ببعض ببلاهة الصغار بينما يرمقان الوجه الجديد بفضول حتى قالت ليبرتا هامسة "من نزار؟!"

رد إياس بجدية مضحكة وعيناه تلمعان بنظرة العارف لكل شيء والمجيب عن كل ما تجهله ليبرتا دائماً "شخص تحبه هناء كثيراً!"

"أممممم.. لماذا لم أره من قبل؟!"

قال بنفس النبرة العارفة تلك التي تعني أن أخته مجرد غبية لا تعرف ما يفهمه هو عن عالم الكبار "لأنه كان يغني في التلفاز يا حمقاء.. اسمه نزار قباني!"

"أهاااااااااا؟!" لمعت عيناها بامتنان لتوصيلها المعلومة الخطيرة تلك ...ثم اندفعا سابقين قرار أمهما أي من تفكيرها قد يكون رد فعل مناسب...

"خالتي هناء لقد أتى نزار قباني ليغني لنا!"

جرى الصغيران نحو المطبخ مرددين جملتهما سابقين في نقل الخبر...

دائماً قلب الأم يعرف, يشعر بقرب الحبيب بشم رائحته، بالهفو إليه جاذب إياها بآلية نحو جزئه الذي يستغني عنه ليمنح الحياة لروح منه تمشي علي قدمين.. ولكنها ببساطة لا تريد التصديق أنه بعد كل هذا أتى أخيراً من نفسه.. هتفت بخشونة لا تليق بها "هل انتقلت تسليتكِ لصغيريكِ، بماذا يهذيان؟!"

عبس إياس وهو يعقد حاجبيه ثم قال "أنا لا أمزح، هناك رجل على الباب ماما قالت أنه....؟!"

"نزار، هل ما زلتِ تذكريني أم محوتني من حياتكِ كوالدة؟!"

أحست ببرودة تسري في أطرافها، بالتجمد يصيب كل قطعة فيها عل حدة رغم ذلك الصهد الذي اشتعل فيها فجأة مسبباً عرق شعرته يصيب جبينها ..كانت تغرق بحق داخل غيبوبة من نوع آخر، غيبوبة رؤيته، تلمس كل جزء منه بقلبها تطبع كل ملامحه الجديدة داخل عقلها، لقد رأته على مر أعوام عبر الصور أو حتى لقطات فيديو مصورة كان يرسلها جوش باستمرار.. ولكن دائماً لرؤى العين وقعاً آخر على النفس، لقد شبّ الفتى، كبر صغيرها وأصبح رجلاً حقيقياً... هل تبالغ إن قالت بأنها عرفت كل هذا من نظرة، ولكن من قد يلومها فهي تراه بعين أمومتها...

تقدم نزار خطوة حريصة منها وهو يقول باختناق عاطفة الفؤاد "هل مل زال مسموح لي بدخول بيتكِ، بأن أطلب التقرب منكِ يا أمي؟!"

الفرحة والحنين، لا بل الاشتياق كانت مشاعر عديدة تتخبط بداخلها، حتى انفجروا جميعاً مرة واحدة، ضحكت ثم بكت بانهيار وهي تكتم فمها بكلا كفيها علّها تمنع نفسها من فضح ضعفها اتجاه وليدها..

"أنا جائع إليكِ يا أمي, تائه من دونكِ، ضائع في عالم نبشت فيه بكل إخلاص باحث عن كل ما منحتني إياه طوال عمري، وبغبائي لم أره، لم أجد تلك الراحة يا هناء، لم أعرف دونكِ طعم للوطن!"

كان صوتها يرتعش من البكاء وهي تقول بتخبط ضاحك "لقد أصبحت تجيد الكلام المنمق مثله؟!"

ابتسم.. ابتسامة حقيقية كان افتقدها في نفسه منذ زمن طويل، قبل أن يقول باستسلام "لقد اكتشفت أن لا شيء مميز به أو بي، بل أنتِ دائماً من كنتِ مميزة لتدفعي كل من يحبكِ لغزل أحلى الكلام!"

قالت ببحة مؤلمة "لقد تأخرت يا قلب أمك؟!"

"هل انتظرتني... هل رغبتِ في رؤيتي بعد كل ما فعلت =؟!"

"كل ليلة يا أرعن"

هبطت دموعه بينما يفتح فمه في محاولة واهية للسيطرة على نفسه "كنت خائف من وجع الرفض، كنت مرتعب أن أخسر معكِ كل فرصي ..فقط لو كنت أعرف يا أمي؟!"

كان قد اقترب.. اقترب لحد لم تستطع أن تقاومه.. أن تمد يدها نابشة إياه من مكانه محتضنة إياه بعنف، مقبلة وجهه, رأسه، وجنتيه وجبهته، بينما هو يقاوم منحني ليقبل يديها, راكع تحت قدميها مقبلهما ...فشدته إلى صدرها مرة أخرى تضمه إليها بقوة غير راغبة في إفلاته أبداً... ليخالط دمع عينيها دمع عينيه، كما صوت بكاء كليهما الحاد.. ومن قد يستطيع استنكار فعلتها فهي أم، مهما غضبت ونددت, هددت وأجزمت برفضها إياه، بعدم الغفران أبداً، تضيع كل وعودها كأنها هباءً منثوراً أمام عودته مطالباً وسائل احتياجه إليها!

مسح جوش دمعة فرت من عينيه سريعاً وهو يطالع مريم التي تحاول السيطرة على بكائها هي الأخرى دون جدوى... فهمس "لقد تعبت وأنا أخبره بأنها لن ترفضه أبداً.. ولكن دماغه سميكة لا يستوعب الأمور سريعاً.. لقد استحق لقب حمار!"

"هاه؟!"

نطقت مصدومة من لقب نزار الجديد بجانب الأرعن والأحمق.. ولكنه على كل حال يستحقه...

شعرت ببطء بيد تمتد لتلف كتفها وبصدر يملك رحاب الأرض يضمها بقوة لم تحتج لترفع عينيها لتعرف من هو.. بل تمسكت في مقدمة قميصه كالمعتاد وهي تهمس "لقد عادوا جميعهم, قدموا ليداووا الأفئدة المبعثرة!"

انحنى يضع فمه على رأسها بحنان ثم قال بهدوء "الجميع يستحق فرصة أخيرة ليصحح بشاعة الماضي ويحصل على سلامه وسعادته، كما فعلنا نحن صغيرتي!"

*************



ضربتها بكفها المدببة على يدها كالأم التي يئست من تعليم ابنتها يابسة العقل، الفاشلة في الأمور الحياتية وهي تقول بنزق "أكلكِ مائع وليس له طعم أو رائحة, متى ستتعلمين, تعبت معكِ يا بنت"

سحبت جوان يدها وهي تقول بمسكنة مشاكسة "أنتِ من لا يرضيكِ شيء أبداً, والله إنكِ ظالمة!"

امتعضت عفاف وهي تزيحها من أمامها ثم سحبت إحدى الحافظات البلاستيكية الضخمة المجاورة لبعضها بعناية والتي ترتب فيها كل خزينها، ترتيب دقيق مذيل باسم كل مكون ثم وضعته أمامها بغضب وهي تقول "بلا فطيرة الشيفرد بلا كلام فارغ، زوجكِ يحتاج شيء يسد وحشه الجائع!"

أشارت جوان بنفور نحو محتوى العلبة ثم قالت "وهل هذا الشيء اللزج هو من سيشبعه؟!"

رفعت عفاف إحدى حاجبيها ثم قالت بتعالي وغرور "لزج ولكن رائحته الزكية تجعل كل الجيران يطرقون بابي مطالبين بنفحة من طبيخي، كما أن المحروس زوجكِ يكاد يلعق الطنجرة كل مرة وليس كطعامكِ المائع الذي يكاد يتقيأ عقب تناوله!"

عبست جوان مدعية الحزن وهي تقول "هذا ظلم على فكرة يا عفاف، أنا أفعل كل ما بوسعي لإرضائكِ وأنتِ لا فائدة ترجى منكِ!"

عادت تزم فمها بالامتعاض الشهير للحموات ثم قالت "هذا لأن رأسك يابس ولا فائدة من تعليمكِ، أنتِ آخركِ أن تعطي حقن وتقيسي ضغط دمي.. غير هذا أنتِ ستضيعين دوني!"

ضيقت جوان بين عينيها ثم قالت بتشكك "هيا، لقد أمسكت بكِ، ما سر هذا العرض، أنتِ تلتفين حول شيء تريدين إجباري على فعله بمشاكستكِ تلك؟!"

هزت كتفيها المدببتين الممتلئين ثم لمعت عيناها بالرضا أخيراً وهي تقول "الآن أنتِ ابنتي وحبيبتي التي تفهمني، ستفعلين ما أقول؟!"

توجست جوان وهي تقول "أرجوكِ أن لا تكون نصيحة جنونية تقلبه عليّ؟!"

مصمصت عفاف شفتيها بحركتها الشهيرة الممتعضة مرة أخرى ثم قالت "لا تخافي يا فالحة، أعدك بأنه سيحب ما سأخبركِ بأن تفعليه هذه المرة!"

لم يختفي توجسها وهي تسأل "ألا وهو؟!"

أخرجت من جيب جلبابها الواسع المليء بالورود الغامقة لفافة مطوية بعناية ثم همست بصوت المؤامرة "اتركي أكلك المائع جانباً.. واعدي له طبق "البصارة" الذي يحبه"

عادت ملامح جوان لتتغضن بالقرف قليلاً مما دفع عفاف لأن تصفعها على ذراعها بغضب وهي تهتف فيها "إن لم تكفي عن دور الأجنبية هذا، سأطعمكِ البصارة في حقنة شرجية ؟!"

هذه المرة كانت تومئ برعب حقيقي، إذ أنها تعرف جيداً رغم حنان عفاف الذى لم تجرب مثله قط، تبقى حماة من الطراز الأول صارمة ولا تطلق التهديدات من فراغ.

رفعت عفاف وجهها المكتنز بكبرياء المسيطر على الأمور ثم قالت "ضعي من هذه الأعشاب مع المكونات الأخرى للطبخة، وجهزي المبخرة وضعي البعض الآخر عليها لأنكِ ستستخدمينها أنتِ هذه المرة في حمام بخار خاص!"

سألت بعدم فهم "ماذا تعنين بخاص تلك؟!"

تنحنحت عفاف بخجل نادر وهي تقول بتلعثم "خاص، تعني خاص في تلك الأماكن المخفية يا طبيبة الغبرة!"

صمتت للحظة وهي تراقب وجه جوان الذي تلون بالأحمر القاني.. ثم ادّعت الغضب بل وصرخت فيها بسخط حتى تداري على إحراجها مما قالت وستقوله "وبعد ان تنتهي من هذا الجزء، ستطعمين نضال من طبختكِ، وتجريه لفراشكِ، يجب أن يتم هذا الليلة"

أخفضت وجهها وهي تغطي فمها بيدها ضاحكة ثم قالت "وماذا إن رفض، أو كان متعباً؟!"

"أجبريه، استخدمي تأثيركِ الأنثوي.. بالنهاية هو رجل يسهل جره بقطعة حلوى!"

رغم أن تدخل عفاف في حياتهما أصبح لا يزعجها مطلقاً، وهذا بسبب ما رأته من هذه المرأة الطيبة عبر سنين من تفهم, احتضان، وأيضاً التقبل والرضا.. ولكنها لم تقاوم أن ترفع وجهها شبه باسمة حتى تحجب عن عينيها شبح دموع تلوح هناك بالهبوط وهي تقول "وما نفع كل هذا أنتِ تعلمين أن العيب بي خالتي، نضال يستطيع إنجاب عشر أطفال لو ارتبط بغيري؟!"

لوقت عم الصمت بينهما وتبدد كل المرح من مناوشات عفاف المفتعلة المعتادة ليغيم الحزن على كلتيهما.. قبل أن تقول عفاف أخيراً "ولكنه يحبكِ أنتِ، ما نفع أن أرى أولاده من امرأة أخرى ستجعل قلب ولدي تعيس يا جوان؟!"

أغمضت عينيها بقوة كي تتمالك ذلك الجرح الذي لا يفارق صدرها، ذاك الألم الذي يقسمها لأشلاء عند تذكر كم هي امرأة أنانية معه ومع تلك المرأة الجميلة التي لم تنبذها أبداً حتى وهي تعترف لها بالجزء الخاص بأنها لن تستطيع أن تنجب بسهولة ويكاد يكون أملها معدوم ثم تمتمت بنبرة مجروحة "ربما لن يحبها، ولكن رؤية صغير منه قد تغير كل شيء؟!"

رفعت عفاف كفيها تحتضن وجهها بينهما ثم قالت بحنان "ابنتي المسكينة الحمقاء، هل أنتِ جادة، زوجكِ يتمسك بكِ, يحبكِ ويريدكِ أنتِ، ورغم هذا تريدين دفعه ليتزوج عليكِ يا معدومة العقل؟!"

كيف تخبرها بالحقيقة المرة بأنها رغم انتزاع طفلتها منها جربت معنى الأمومة، معنى الضنا، ذلك الشعور الذي لا يقارن البتة بأي أحاسيس ومشاعر أخرى حتى وإن كان حب رجل لامرأة، أو عشق امرأة لرجل كما أصبحت هي... هي فقط تتمنى أن يجرب رجل بروعة نضال معنى أن يحتضن بين ذراعيه قطعة منه... ولكن كيف لها أن تفصح عن سر يعتقد نضال أن دفنه وغلبها بعاطفته وأسرته المحبة لتتخطاه، ربما هو ضمد بعض من جروحها ولكنه تناسى أن لا أم تنسى وليدها أبداً، ربما تتعايش مع مستقبلها, تمنحه سعادة يستحقها، لكنها أبداً لن تمحو أملها في لقاء قريب مع "نمرتها الحنونة!"

عندما طال صمتها أتاها صوت عفاف الرقيق وهي تقول "اخرجي ذلك الأمر من رأسكِ، واحمدي ربكِ على عطاياه كما أنا افعل من يوم أن علمت بحالتك .. رب العباد موجود كما الأمل موجود!"

قالت ببطء "ربما فقط أنا محبطة، وجع فشل عملية الحقن المجهري لم يمحى بعد!"

افتعلت عفاف الغضب، لتبدد عنها شبح الألم الذي يلوح بالاقتراب ثم قالت "لأنكِ دئماً متعجلة على تدخل هؤلاء الجزارين، ما بها وصفاتي يا محدودة العقل، على الأقل تمنحكِ مزيد من الترفيه؟!"

ضحكت رغم عنها وقالت من بين أنفاسها "إن علم نضال بأني أغريه بناءً على مخططاتكِ سيترك لنا البيت ويرحل بغير عودة؟!"

مصمصت شفتيها مرة أخرى وهي تقول "هذا لأنكِ وهو ناكرين للجميل!"

هزت رأسها في موافقة مضحكة ثم قالت "بالطبع هذا صحيح، أعذريني لقلة تقديري لأعشابكِ المبهرة، ولكن نضال ليس له ذنب.. أنا التي تتعجل الأمر...؟!"

صمتت لبرهة قبل أن تقول برقة بنبرة نابضة من داخل فؤادها "أنا أرغب في رضيع بكل كياني يا أمي، أكاد أفقد عقلي لأحصل على طفل منه ينبض بأحشائي، أتمسك بأي أمل مهما كانت عدم منطقيته كتلك الأعشاب، أو صعوبته كالعمليات التي أجريها"

لم تغضب عفاف منها بل قالت بهدوء "تمسكي بالصبر والإيمان حبيبتي, إن شاء الله سيجبر الله بخاطركِ وخاطري قريباً"

دعت من كل قلبها بتضرع لله مصدقة على كلام حماتها، من تخشع في ركوعها إلى ربها كل ليلة متذللة أن يغفر خطيئتها الماضية، ربما نضال يستمر في إخبارها أن رب العالمين يغفر ذنب التوابين مثلها، ولكنها رغم كل هذا أيضاً ورغم إيمانها بأن رب العالمين وضع تلك الأسرة في طريقها لتعويضها عن كل الظلم الذي لقيته في حياتها... يظل جزء منها محمل بالذنب خائف من لقائه يوم الحساب، بجريمة ارتكبتها رغم أنها كانت مضللة لا تفقه شيء عن حلال أو حرام أو حتى تقاليد مجتمع قد تحميها ولو عرضاً!

انصرفت عفاف وهي تقول "هيا أخذتِ الكثير من وقتي الثمين، سأذهب لصلاة العصر واخرج في زيارة لابنتي و ربما سأبيت عندها الليلة!"

ستبيت عندها كالعادة عقب كل مؤامرات أعشاب او نصيحة شعبية تمنحها لها، حتى تترك لهما المجال لتحقيق مخططاتها.. هزت رأسها ضاحكة متوقعة اتصال صباحي ساخر من أخت زوجها تشاكسها فيه.. رباه كم تحب هؤلاء الناس، ربما في البداية لم يتقبلها أشقاء زوجها بسهولة وتشكك بالطبع في قصة نضال الغير منطقية، ولكن كل من أخيه الذي يعمل في الخارج وأخته التي تشابه قلب أمها الأبيض بتطابق عجيب.. لم يحاولا نبش ماضيها بل عوضاها عن أبيها الذي لم يقابلها بالعطف يوماً بل ما زال من وقت لآخر يتواصل معها لينغص عليها حياتها.. ولكنها ببساطة تتجاهل، متمسكة بحياة صنعتها لنفسها ما بين عيادتها الصغيرة التي افتتحتها من مال نضال الخاص, إذ أنه رفض بكل تعنت أن تمس المال الذي تركته لها والدتها، في سرية تامة بعيد عن والدها، مخبرها أنها إن أرادت بالفعل فتح صفحة جديدة معه، ستعيش بمدخوله هو وهذا ما حدث بالفعل, كما هو افتتح مشروعاً بعيداً عن الحراسات تماماً نازع نفسه من عالم الكبار بعد ما حدث مع راشد الراوي.. تحركت بتثاقل عند هذه النقطة ورغم عنها عادت عيناها تملئ بالدموع.. ترى أين أنتِ صغيرتي، هل ما زلتِ تذكرينني وإن فعلتِ حبيبتي هل ما زلتِ تكنين لأمكِ الغبية الضغينة على تحطيمها عالمكِ دون أن تقصد؟!

************



أغلق إيهاب باب مكتبه بالمفتاح حتى لا تدخل زوجته وتستمع عرضاً وترى ما قد يتسبب في انهيارها، إذ أنه بالفعل لديها حالياً من التخبط ما يكفي.. كما أنه قد وعدها قبل أعوام طويل أن سيرة هذا الكلب انتهت بغير عودة..

أخرج ورقة من جيبه تحمل بعض الأسماء التي حصل عليها من إسراء بدافع الفضول لا أكثر إذ أن هناك حدس فيه رغم كل شيء لا يستطيع محوه من شخصيته.. أو ربما هو أراد أن يعرف بنفسه ضحية ابن عمه الجديدة، تلك الفتاة التي أوقعها حظها العاثر في براثين وغد مثله.. أسند ساعده على مكتبه وهو يفرك وجهه بتعب وحزن.. حزن مرافق للألم وهو يتخيل امرأة تنتهك رغم إرادتها وأمام زوجها... بعد كل شيء ورغم أمنيته التي يهفو لتحقيقها بكل كيانه في تقطيع ممدوح إرباً... يبقي آخر أمر كان قد يستوعبه أو يتمناه هو أن يدفع الثمن في عرضه.. في زوجة تحمل اسمه وشرفه ويراها كما وصف وهو عاجز، تغتصب..!

"رباه.. كيف يتعايش كلاهما مع هذا الحدث المرير، كيف به حتى هذه اللحظة أن يستمر في التنفس، ومؤكد خيالات ما حدث ما زالت تطارده ناشرة إياه لقطع يصعب جمعها؟!"

لم يشعر بيديه التي تشد في شعره رغماً عنه متوتر, مضطرب من مجرد تخيل مشهد كهذا، لامرأة لا يعرفها, لحدث اعتقد أنه لا يهمه... أخذ نفس عميق قبل أن يحاول التماسك.. ثم فتح هاتفه طالب رقم الشخص الذي استعان به قبل يومين... تميم الخطيب!

"كيف حالك سيد إيهاب، كنت على وشك مخابرتك!"

تمتم إيهاب في هدوء بسلام باهت حاول أن يغلفه باحترام زائف يفقده تميم عنده تماماً.. إذ أن الشائعات التي تدور حوله كافية لأن ينفره رافض أي مبادرة للسلام معه، أو حتى يعقد صفقة عمل معه كما حاول تميم عقب أن قبل به ياسر الراوي وادخله مجموعته "بخير، وأنت؟!"

تلبسه المخادع بأنه يتقبله لا ينطلي على رجل مثله يجيد التلون وإيهام الناس حوله بما يريد, هو يعلم جيداً مدى رفض إيهاب زيدان له، وكم ينفره شريكه الشاب خالد الراوي، ولكنه كان يكفيه في مرحلة سابقة تقبل ياسر العملي البحت له والذي أيضاً كان يعلم جيداً أنه قَبِل بشرائه أسهم في مجموعته لأنه اعتقد بأنه قد يستطيع السيطرة عليه، وهو كان كل ما يريده اسم قوي شهير يمنحه مكانة وحصانة اجتماعية سريعة... كما بات يعرف جيداً الآن أن عليه أن يحارب مرة أخرى في جبهتين بعد عودة المدعو راشد للساحة.. قلب بدور الراوي، ومكانته في شركاتهم، على الجميع أن يعلم أنه ليس بالخصم السهل، وهو سيفعل هذا سوى بالتلوّن وبالمساعدة لمن يطلبها ويكسب ودّهم رغم أنوفهم... أو بالقسوة والشراسة إن تطلب الأمر...

قال بعد برهة "شكراً للسؤال.. أما عن مطلبك لقد تحقق!"

قال إيهاب بجفاء "بتلك السرعة ؟!"

تنفس تميم بضيق قبل أن يقول "ولما التعجب، ألم تخترني لأني أستطيع بعلاقاتي البحث في هذا البلد بأريحية؟!"

سخر مرغماً وهو يلعن ممدوح وفضوله الخاص ألف مرة "بالطبع، علاقاتك تلك هي المعضلة!"

بالتأكيد لم يرى إيهاب ابتسامة تميم المتهكمة على الجانب الآخر، إذ أنه قال بنعومة خطرة "لا تدّعي وطنية وعروبة باهتة سيد إيهاب، إذ أن رغبتك الملحة وأنتِ تلجأ إليّ تغلبت عليهما، لذا دعني أخبرك كل منا له أسبابه المتقنة عندما يصبح الأمر شخصياً للغاية!"

تماسك إيهاب بهدوئه وحكمته المعتادة بأن لا ينفجر فيه غضباً لاعناً إياه بسيل شتائم تليق وهو يقول "أصبت الهدف الذي يجعلني أخبرك أنك أيقظت حسي الوطني للتو، والذي يدفعني لرمي مساعدتك تلك في وجهك, ما عدت أريدها!"

سريعاً كان يقول تميم بخبث "حتى وإن علمت أن هناك (أملاً صغيراً) لا تعرف عنه شيئاً كما يبدو.. مخفياً يحمل لقب عائلتك؟؟"

تراجع إيهاب عن غلق الهاتف في وجهه واشتعلت كل حواسه وهو يقول "ماذا تعني؟!"

أخذ تميم نفس عميق وهو يتلاعب بكرة صغيرة مطاطية بين يديه بنوع من الاستخفاف ثم قال بعد برهة "غايتك لم يكن صعب العثور عليها كما تعتقد، إذ أن تلك الأسرة تعيش على الطرف الآخر من نهر الأردن، صوت مطالبتهم "المزعجة" للبعض لا يكف.. مطالبين بحق العودة!"

تغاضى إيهاب عن لهجته العفنة, ثم سأل بتعجب "الأردن؟!"

اعتدل تميم في مقعده وهو يضغط على تلك الكرة بغضب أعمى كاد يحطم كل وجوهه الغامضة الخادعة والتي تحمل تحتها سهام مشتعلة إن أطلقت ستحرق الأرض ومن عليها.. ثم قال أخيراً مدعي عدم الاهتمام "نعم، مؤكد أنتَ لديك فكرة أن الأردن هي واجهة كل فلسطيني نازح يطالب بحق العودة "المستحيلة" لبلاده، تلك الأسرة تعيش هناك ما يقارب لأربع أعوام، ثلاث فتيات وأبيهن الذي دخل لفلسطين بتصريح مرتين لا أكثر.. ولكن طبيبتك المنشودة يبدو أنها عنيدة صلبة الرأس تصر أن تعود لبلادها بمواطنة حرمت منها!" كان يتخلل صوت تميم الإعجاب في آخر جملته مما دفع إيهاب للتعجب والاستنكار!

"نازحة عنيدة، أي مناضلة وطبيبة أيضاً، تدفع شخص مثل تميم للتحدث عنها باحترام.. كيف أوقعت نفسها بغباء في طريق رجل كممدوح، كيف لها بأن ترضى بمن هو أقل؟!"

سأل إيهاب بتحكم "وماذا تعني بأملٍ يحمل لقب عائلتي؟!"

صمت تميم لما يقارب الخمس دقائق، يقارن بين اسم الفتاة الكامل واسم ذلك المهندس الذي أتاه يعرض صفقة عمل في الظاهر.. وصفقة من نوع آخر في الباطن، كاد أن يعتقد أن تلك الأسرة تتفق عليه من البداية، ولكن تنازل إيهاب ومطلبه في البحث عن الاسم بسرية وتنكر أيضاً ممدوح لاسمه في مقابلته معه جعله يدرك أن الرجلان لا يتفقان بالأساس وكل منهما غايته مختلفة تماما.. ولكن إذا أوضح إيهاب بالفعل مسعاه، ماذا قد يريد منه ممدوح بعد؟!"

تحفظ بالطبع على معرفته وشكه لنفسه حتى تكشف جميع الأوراق ثم قال أخيراً مجيب بدايةً تذمر إيهاب من الانتظار "الأمر غير رسمي، وكشفته بالصدفة البحتة من إحدى الأصدقاء، عندما تبين أن هناك فتاة صغيرة بصحبتهم توضح أنها لا تحمل نفس لقب العائلة بل اسم شخص يدعى ممدوح زيدان؟!!!"

***********

ما زال متسع العينين مصدوم بالمعرفة، من كم المعلومات التي تلقاها، والتي دفعته لأن يطلب مراد مباشرة رغم غضبه الذي لم يمحى منه بعد وفور أن أجابه بلهفة محاول أن يوضح موقفه كان إيهاب يقول من بين أسنانه بخفوت "هل كنت تعلم أن هذا النذل لديه ابنة، لم يخبرني عنها شيء وهي هدفه من البداية وليس تلك المرأة التي يكذب في أنه يحاول التكفير عن ما سببه لها من أذى؟!"

تمتم مراد بتشوش "من تعني؟!"

صرخ فيه بنفاذ صبر "وكم من نذل نملك في العائلة الكريمة؟!"

نفض مراد رأسه من ذهوله وهو يستوعب الأمر شيئاً فشيئاً ثم قال "هل أنت متأكد من المعلومة، اذ أني على يقين أن زوجته رفضت الإنجاب منه بالأساس، فكيف يمكن تواجد ابنة؟!"

استقرت أعصابه قليلاً.. قليلاً فقط وهو يطلق سباب عنيف من بين شفتيه.. دفع مراد أن يبعد الهاتف حتى يفرغ من نوبة سخطه حتى قال إيهاب "تصرف مثالي منه، لماذا التعجب، إذاً أنتم تجهلون وجودها؟!"

"ولكن هي رفضت..." كرر مراد

مما دفع إيهاب لأن يقاطعه بتهكم "نعم, نعم فهمت ولكن يبدو أنها لم تفعل، لأسباب غير منطقية رغبت في أن تأتي للعالم بطفلة محكوم عليها بالظلم لمجرد انتمائها للوغد!"

ابتسم مراد وهو يقول ببهوت "بعض الأشخاص المكروهين لدينا، قد يكونوا مثاليين ومحبوبين جداً لغيرنا!"

"هل تحاول استفزازي؟!"

قال مراد ضاحكاً "لا والله، ربما أحاول استوعب صدمة الخبر الذي لا أعلم كيف أزفه له؟!"

صمت لبرهة قبل أن يقول بجدية "بما أننا نعلم من هو ممدوح قد يفقد عقله مسبب لزوجته المزيد من الأذى؟!"

قال إيهاب بنفاذ صبر "عن أي زوجة تتحدث، تقصد طليقته، على حسب المعلومات التي وردتني من المستحيل أنها ما زالت في عصمته!"

"لا ابن عمك يجزم بأنها ما زالت زوجته"

صمت إيهاب محاول أن يفهم أسباب ممدوح في الادعاء الكاذب... إذ أن بناء على معلومات تميم القاطعة أن الشابة على وشك الزواج من طبيب زميلها فلسطيني الأصل ومقيم في الأردن؟!

ولكنه وبهدوء مستفز تغاضى عن إخباره لعلّ من العدل أن يرسله يوم عقد قرانها ليرى بعينيه !

لذا قال بهدوء "إذاً لن نخبره، ستأتي به إليّ في الشركة غداً لأمنحه ما لديّ بنفسي ودعه يكتشف بنفسه!"

قال مراد مستنكر "هل أنت في كامل تعقلك.. تريد إرساله بمفرده لامرأة تهرب منه منذ ثلاث أعوام ونصف وأيضاً اتضح أنها تداري عنه ابنته... نحن نتكلم عن ممدوح هنا سيتسبب في مصيبة لا محالة؟!"

قال إيهاب بذلك الهدوء الذي يكون مستفز أحيانا أكثر من عصبيته "دعه يحاول لمسها بأي سوء ليأكله رجال الحي السكني خاصتها دون ملح!"

قال مراد باقتضاب "أنا لا أوافقك!"

رد إيهاب بنبرة غاشمة "أنت مجبر لتنفيذ الأمر على طريقتي، اعتبره تكفير عن دفعك له في حياتي وأبنائي من جديد!"

**********

بعد ساعات من العمل الجاد بالطبع كانت تتغاضى عن تذمر خالتها الغالية وتعد له "فطيرة الشيفرد" خاصتها.. بعد أن اجتهدت في إتقان طبخة "البصارة" بأعشاب عفاف المبهرة..

ابتسامة أثيرة كانت تكلل شفتيها الممتلئتين وهي تراجع المكونات في رأسها "بطاطا تم هرسها، وقطع خضار تم غسلها.. شرائح لحم مشوي سأقطعها الآن!"

"الرائحة زكية وغريبة، وأنتِ في المطبخ وأمي ليست هنا... إذاً مؤامرة جديدة؟!"

رفعت وجهها الضاحك نحوه لتجده كالعادة يعقد ذراعيه على صدره, رافع أحد حاجبيه وهو يرمقها بغيظ ممتع..

حركت كتفيها باستسلام وهي تقول "هذه المرة الوضع تطور، إذ أنك مجبر على أكل تلك الأعشاب الفتاكة، ولست أنا فقط"

تحرك من مكانه يقترب منها ببطء متلون.. حتى وقف وراءها يحاوط خصرها بخشونة وهو يقول "ألا يحق لي الاعتراض على ما تفعلانه بي؟!"

ارتعاشة استجابة جسدها المعتادة كانت تفصح تأثرها به، تفاعلها من مجرد التلامس معه وهي تقول "لا، وستستمر في ادعائك الجهل، أنا لن أخسر وفائها من أجل خاطرك!"

دفن وجهه في عنقها يمنحها قبلات صغيرة وبطيئة وهو يهمس بنبرة حسية مقصودة "ألا تخافي عليّ ولو قليلاً أن تسبب لي بالضرر؟!"

تنفست بجهد وهي تهمس "هي لن تضرنا, كما أني أتأكد من أنها مجرد أعشاب طبيعية يعتقد البعض في قدراتها على المساعدة في الإنجاب!"

همهم ويده تتسلل تحت بيجامتها ملامساً بشرتها "متى تقتنعين بأن أكتفي بكِ أنتِ، وجود ذلك الطفل لن يمنحنا أكثر مما لدينا، رابطنا يا جوان!"

ارتبكت وفي محاولة واهية كانت تحاول أن تبتعد عنه وهي تقول بتقطع "لا تحاول أن تعدل من رغبتي, أنتِ بتّ تعلم أنه حلم أطارده بكل قوتي!"

لقد حاول بالفعل أن يجعلها تتوقف عن توجيه كل طاقتها وتوقف كل أحلامها في الحصول على الحمل، ولكنه عند هذا الأمر فشل تماما لذا استسلم.. مجاريها هي ووالدته في رغبتهما، بالنهاية من هو ليقف حائل بينها وبين تعويض أمومتها؟!

كانت شفتيه وصلت جانب فكها لثمها بخفة وهو يهمس "ألا تحبيني؟!"

كانت اختنقت الآن بعاطفتها التي نجح في تأجيجها بسهولة، وتحكم ببساطة في استجابتها بين يديه وهي تهمس بانبهار "أحبك جداً، أنتَ عمري كله!"

حرك أصابعه ليحاوط يدها المرتعشة، وهي تقوم بتقطيع شرائح اللحم دون أن تدرك حقاً ما تفعله، تحرك مع حركتها قاصداً، يعبث بقبلاته في أنوثتها، بينما يتصنع المساعدة في طهوها حتى قال "يبدو أنكِ لا تفعلي حقاً، أنتِ غير مشتاقة لي والدليل عدم تجاوبكِ معي؟!"

هل يمزح الأحمق أم يتلاعب بأعصابها إذ أنها تكاد تتوسله أن يرفعها على تلك الطاولة وينالها ببريته دون شفقة...! كادت أن تجاهره كالعادة بما يدور في عقلها، من تصورات فتاكة تعلم أنها تزيد من جنونه فيها ولكنها تذكرت على حين غرة أعشاب عفاف الجديدة لذا صرخت فيه، مجفلة إياه ليبتعد عنها وهي تقول "ابتعد عني حالاً!"

فرك أذنه بإصبعه وهو يقول بسخط "ماذا هناك يا مجنونة, لقد أصبتني بالصمم؟!"

لوحت أمامه بالسكين وهي تقول بتحذير شديد اللهجة "أعلم كيف تتلوى حولي للتهرب من الأمر، ولكن انسى, أنتِ ستأكل البصارة بالأعشاب لآخر لقمة قبل أن تنال مرادك مني!"

هل من أمامه هي بالفعل جوان ابنة الأكابر تربية إنجلترا، لماذا إذاً يشعر أن من أمامه إحدى بنات الأحياء الشعبية، هل لهذا الحد تأثير أمه الجبار طبع على الطبيبة الرقيقة المسكينة ليحولها لتلك المشعوذة المفترسة؟!

فتح ذراعيه بمسرحية مشيراً بالسمع والطاعة..

شمخت برأسها بطريقة أمه الشهيرة المضحكة وهي تفرد كتفيها بأناقة ثم وضعت السكين جانباً متجهة نحو الموقد..

راقبها باستمتاع وهي كالعادة تهمس بمكونات الطعام في محاولة مستميتة وفاشلة لتذكر كيفية طهي أي من أنواعه.. ومن خلف قناعه الذي يجاريها، كان يبتسم وهو يتذكر حالها الذي وجدها عليه، وبين حالها الآن والذي لم يكن سهلاً مطلقاً تحقيقه، لقد عانى كثيراً في حمايتها من أبيها والذي يعلم يقين أنه ما زال يطاردهم محاول أن يدفعها للافتراق عنه.. حتى أنه تبرأ منها رسمياً أمام عائلته، ولكنها لم تهتم وقتها وأخبرته أنه بالفعل قتلها يوم رماها في ذلك القبر، بجانب طبعا فراق سَبنتي والذي يعلم أيضاً أنها أبداً لن تتخطاه..

ولكنه نجح في صنع امرأة تتقبل الحياة, تتخلص من عقدة جلد الذات التي كانت تلاحقها، طبيبة أطفال ودودة وناجحة في حيهم الصغير، وكنة هادئة الطباع وصديقة مخلصة لوالدته وأخته اللتين ساعدتاه كثيراً معها دون أن تشعرا.. بالطبع ماضي جوان لم ينبشه أحد وهو نجح أيضاً في قتله، ربما عائلته ستتقبل الفتاة التي أحبته وتزوجته رغم أنف عائلتها ثم اكتشفا مشاكلها مع الإنجاب, ولكن من المستحيل أن يتقبلا فتاة لديها ماضي وابنة.. بالنهاية هو يقدر ويفهم أن لا احد بهذه المثالية!

"يا ويلي.. لاااااا.. لقد فسدت كالعادة!"

تنبّه لعويلها وهو يتقدم منها سريعاً ضاحكاً.. إذ أنه لم يستعجب وهو يقول من بين أنفاسه "هل نسيتِ وضع الماء وشاط منكِ كالمرة السابقة؟!"

هزت رأسها بالنفي ثم قالت بنبرة من يوشك على الانفجار في البكاء "لا, لقد وضعت الماء والبصل والثوم أيضاً.. وشهقت هكذا كما علمتني خالتي.." قلدت تلك الأصوات بنبرتها الناعمة الرقيقة جاعلة إياه ينظر لها بتسلية عابثة وهو يقول "أخبريني مرة أخرى كيف شهقتِ؟!"

لم تنتبه لتلاعبه وهي تقلدها مرة أخرى..

اقترب يحاوطها ملصق صدرها بصدره وهو يقول "مرة أخرى جوان.. لم أسمع؟!"

أعادت ظهرها للوراء مطمئنة لذراعه الذي يوازنها ثم فعلتها.. ولكن هذه المرة بمكر أنثوي مغوي إذ أنها التقطت أخيراً مداعبته...



ادعى التقييم والجدية وهو يفتح أزرار بيجامتها يلامس بشرتها "مؤكد السر في الشهقة، لقد فسد طبيخكِ لأنه ذاب أمام سحر تلك الشفتين!"

همست بنبرة ارتعشت استجابة " لا لقد. نسيت وضع حبات الفول المجروش "

شفتيه مرت علي جانب عنقها أسفل الاذن متتبع شريانها النابض هناك بإثارة وهو يقول " اذاً كنت تعدى لنا ماء بالشهقة أعيدها مرة أخرى من اجلي ؟!.

أمسكت كتفيه وهي تزفر بحرارة ثم شهقت بدلال خفيض مائع ....

دفعه ليهتف بصوت جهورى " اللهم احفظ لي شهقات زوجتى التي ستذهب بعقلي ؟!"

أطلقت ضحكة رائقة زلزلت له فؤاده كما رجولته، جاعلة إياه لا يقدر أكثر على المقاومة.. رفعها بين يديه بخشونة محقق حلمها السابق، ثم وضعها على طرف الطاولة رافع ساقيها لتحاوط خصره ثم انحنى يقبلها بشراسته المعتادة، قاومته بمياعة وهي تدّعي الضيق محاولة دفعه بعيداً في الظاهر بيديها بينما ساقيها كانت تحاوطه بإحكام دافعة إياه نحوها ليلتصق فيها أكثر..

أطلق تذمر نافذ الصبر من داخل حنجرته وهو يمسك بكلا يديها لاويهما خلفها ثم تركها لبرهة وهو يهمس أمام شفتيها "لقد اشتقت أليكِ، فكفي عن الخبث الأنثوي!"

ادّعت التفكير وهي ترقص حاجبيها ثم قالت "اممم.. بما أن الجزء الخاص بإطعامك ذهب مع الريح، يتبقى لدي أمر خاص أريد فعله قبل أن تنال مرادك"

ادّعى الغضب وهو يقول "توقفي يا امرأة وإلا أخبرت عفاف أنك ناشز، ووقتها لن أحميكِ من سخطها!"

زمت شفتيها بميوعة وهي تقول "عشر دقائق فقط أجلس على ذلك البخار، أرجوك حبيبي من أجلي!"

توسعت حدقتاه وهو يقول بنوع من البلاهة "أي بخار تقصدين هذه المرة؟!"

كتمت ضحكتها مع تقلص كتفيها ثم قالت "بخار السيدة عفاف لفتح كل طريق مسدود، ولزيادة الخصوبة"

قال ساخراً "وردّ المطلقة، وتزويج العانس وفكّ العمل من تحت أظافر نملة يتيمة، هل أصبحت أمي مشعوذة دون أن أدري؟!"

هتفت باستنكار "لا تسخر من صديقتي العزيزة وإلا لحقتها لبيت "هبة" جاعلة إياك تبيت وحيداً مكموداً بأشواقك؟!"

أفلت يديها وهو يقول "حسناً وقت مستقطع وجديّ, هل تؤمنين حقاً بتلك الخزعبلات؟!"

تغضنت ملامحها بألم باهت وهي تقول "لا بالطبع، ولكن من يطارد حلم يطرق كل أبوابه!"

لمست أصابعه شعرها بحنان وهو يقول "حبيبتي، ربما نحتاج لعدم التفكير ف هذا الأمر قليلاً، حتى يأذن الله بتحقيقه؟!"

صمت لبرهة قبل أن تعبس ملامحه متذكر غضبه القديم منها, سخطه عندما اكتشف أنها أخبرته كذباً بعدم قدرتها على الإنجاب واعتقاده أن والدها تسبب في استئصال رحمها مع ابنتها..

"فرصتكِ ليس معدومة لهذا الحد يا جوان.. هناك احتمال خمسين بالمئة أن يحدث طبيعياً!"

أبعدته قليلاً ثم هبطت من على الطاولة متغاضية بتعمد ذكر الماضي الذي تسبب في هجره إياها لأكثر من شهرين ثم قالت "وحتى يحدث هذا لن أطالبك بعملية حقن أخرى وسأكتفي بالأدوية ووصفات والدتك!"

أمسك ذراعها مانعها من تركه ثم قال "إلى أين؟!"

رقصت حاجبيها بمرح ثم قالت "لجلسة البخار!"

عاد لمزاجه العابث بسهولة وهو يقول بتحايل "هل تحتاجين مساعدة؟!"

"قليل أدب" هتفت وهي تندفع من أمامه جريًا نحو غرفتهما، ثم نحو الحمام مغلقة إياه خلفها، مقابلة خبطه وتهديده الغاضب بضحكات خالية من الهمّ والوجع أصبحت تلازمها منذ استسلمت متقبلة عشقه الهمجي فيها!!

............

بعد وقت قصير فتحت الباب بحرص، وكما توقعت وجدته هناك ينتظرها بتجهم، تقدمت نحوه ببطء مستعرض، مرتدية غلالة نوم سوداء لامعة أظهرت بشرتها القشدية، اعتدل من مكانه ببطء متخلي عن غضبه وهو يفتح ذراعيه في دعوة، تعمدت المشية المائعة وهي تهمس بنبرة وضعت كل خضوعها فيها "أأعجبك، إنه هدية أخرى من والدتك؟!"

استطال يجذبها بقوة موقع إياها على ركبتيه ممراً يديه ببطء حسيّ على نحرها ومواطن أنوثتها المكشوفة بين كتفيها ثم همس قبل أن ينقض عليها دون صبر "ستتسببان أنتِ وهي في قتلي بمكركن الأنثوي، ألا يكفيني جنوني بكِ أنتِ دون الحاجة لإغراءات خارجية ؟!"

متنعمة بالتناغم بين ذراعيه، منسجمة مع كل دقة نابضة من قلبه الصاخب فوق قلبها الذي اعتقدت أنه تحطم لتكتشف على يديه أنه ما زال هناك يحمي نفسه من الوجع منتظره هو أن يحميه وأن يخرجه ويحبه... همست بكل ما تحمله من غرام "أنا أحبك بقوة يا نضال، بل متيمة بكل تفصيلة منك، حدّ أن رغبتي في حمل صغيرك نافست رغبتي في الأمومة!"

*********
يتبع الان



التعديل الأخير تم بواسطة كاردينيا الغوازي ; 30-03-20 الساعة 03:58 PM
Nor BLack غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس