عرض مشاركة واحدة
قديم 30-03-20, 03:45 AM   #2307

Nor BLack
 
الصورة الرمزية Nor BLack

? العضوٌ??? » 455746
?  التسِجيلٌ » Oct 2019
? مشَارَ?اتْي » 593
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » Nor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   star-box
Rewitysmile7

الفصل الثلاثون ج1



إذهبْ..

إذا يوماً مللتَ منّي.. واتهمِ الأقدارَ واتّهمني..

أما أنا فإني.. سأكتفي بدمعي وحزني..

فالصمتُ كبرياءُ والحزنُ كبرياءُ

إذهبْ.. إذا أتعبكَ البقاءُ..

فالأرضُ فيها العطرُ والنساءُ.. والأعين الخضراء والسوداء

....................................

"هل يمكنك أن تحتضنني، دون أن تسأل عن ما حدث بالأمس القريب ؟!"

ابتسم بحنان وهو يفسح لها مكان بجانبه فاتحاً ذراعيه قائلا "وهل يمكنكِ أن تكفي عن محاولة أن تجعليني أراكِ فتاة كبيرة؟!"

اندفعت تجلس بجانبه سامحة لرأسها أن تميل متخذة من صدره سنداً ثم قالت بهدوء "أنتَ الوحيد الذي أريده أن يستمر في رؤيتي كبقة صغيرة بابا!"

أخذ نفساً عميقاً ويداه تربت على شعرها بحنو ثم سأل بهدوء "هل تعتقدين أني ظلمتكِ مرة أخرى بعودتكِ إلى هنا؟!"

ابتلعت ريقها بصعوبة قبل أن تقول برتابة "نعم، أنتَ فعلت هذه المرة، ولكن في الماضي لم تظلمنى لقد كان القرار حينها سليماً جداً يا أبي"

زفر بتعب وهو يقول "ولكنكِ ما زلتِ تعتقدين أني ظلمتها هي؟!"

اغرورقت عيناها بالدموع قبل أن تقول "لو رأيتها وهي تتوسل إياب بأن يسمح لها فقط بلمسه والتعرف عليه، تترجاه بانكسار أن يتقبلها، وقتها فقط ستفهم أنك جنيت علي كلاهما؟!"

"سَبنتي!!" قال معترضاً

وفهمت دون أن يتفوه بالمزيد، عندما ردّت بصوتٍ مكتوم "لم أقل أنك أخطأت في إبعادي وهو عن ذلك الهواء المسموم، أعلم جيداً أنها لم تكن لتصلح لتربية إياب في تلك الفترة، ولكن هي أم وما فعلته كان قاسياً جداً!"

"بدور ليست جوان يا سَبنتي!"

"ولكنها أم فُصِل عنها رضيعها رغماً عن إرادتها، تعلم جيداً أن ولائي الكامل لك، إلا في هذه النقطة.. سنظل أنا وأنت متضادين تماماً"

لا فائدة من مجادلتها، فرأسها اليابس لا يُقدم تنازل عن قناعاتها، لذا ما كان منه إلا أن يترك النقاش في أمر "زوجته السابقة" ويسألها مباشرة "يبدو أنكِ رأيتِ الأحمق، هل هذا سر اضطرابكِ بالأمس؟!"

شعر بتقبض أصابعها على ساعده بتشنج وتصلب جسدها بالرفض والغضب، قبل أن تهدأ سريعاً كأن شيء لم يكن وهي تقول بقسوة "أي واحد تقصد، إذ أني لا أتذكر أي أحمق قادر على أن يصيبني بالتوتر؟!"

حاوط جسدها بذراعيه أكثر ضاممها إليه بقوة معتذرة ثم قال بيقين "أنت تكذبين..؟!"

رفعت وجهها لأعلى تنظر لعينيه بقوة نمرة صغيرة وبأس شابة صنعت من رماد مراهقتها كيان جديد قبل أن تقول "الكذب على النفس في شؤون القلب يعني أن هناك جرح ما زال يئن واعتراف بأني ما زلت أحب... ورؤيته معها لم تؤلمني... أنا ما عدت موجوعة يا راشد، بالتأكيد هذا يعني أني تخطيته وبنجاح.. فأنا لم أكِنّ المشاعر لهذا الشاب يوماً!"

ابتسم في وجهها بتندر رافعا حاجبيه في علامة ساخرة، تعلم يقينا أنها غير موجهة إليها بالمعنى المفهوم، ولكنها تحوي بينها الكثير مما تعايشه معها، تمتمت وهي تعود لتستكين بين يديه "أنا وعدت نفسي قبل أي أحد منكم... خالد لن يكون جزء في قصتي أبداً"

أغلقت عينيها مانعة ارتجافة عنيفة زلزلت ما يسكن بين أضلعها في محاولة مستميتة لمحو إحساسها بأصابعه وباطن كفه التي ما زالت تشعر بها تحتضن وجهها، مذكرها بحضن يتيم متردد تخطى به الحواجز قديماً عندما أخبرها أنها نصفه الآخر الذي سيتوحد به ليعود لطبيعته الإنسانية.. دعسوقة بريئة وغبية وصدقته بطفوليتكِ.. ها هو قد وجد نصفه الحقيقي الذي اختاره له أبوه، نصفه الذي يشبهه وسيسانده, امرأة تستحقه كما أخبركِ ياسر الراوي وأنتِ في منفاكِ!!

لانا حميدة...

لم تشعر بتلك الدمعة التي شقت جفنيها المطبقين، متذكرة صمودها أمام انقلاب كيانه في حضرتها، قوتها أمام صدمته وهي تلقي سؤالها الميت عن هويته، الغبي هل كان يتوقع منها أن تأخذه بالأحضان, أن تتوسله، وتلاحقه كما كانت تفعل بطفولية في الماضي، هل اعتقد خالد الراوي بأنه لن يُمحى من حياتها ببساطة... وما فائدة أي من تساؤلها أو حتى ذهوله هو إذ من كان منحها الإجابة لم يكن هو مطلقاً، بل خطيبته الهادئة العاقلة التي تقدمت منهما تسحب يده من على وجنتها وتشبك أصابعه مع أناملها التي حملت حلقته الذهبية، ثم قالت بهدوء وابتسامة ناعمة رغم ذلك الجرح العميق الذي كانت تراه ينزف داخل حدقتيها "أخوكِ، هل هناك فتاة تجهل أخاها الذي تربت معه في منزل واحد؟!"

كادت تضحك منقلبة على ظهرها من وجه خالد الذي نظر إلى وجه لانا فجأة وبدون إنذار، وكأنه كان مستغرقا داخل حلم طويل، واستيقظ دفعة واحدة على كابوس أسود داخل واقعه...

أومأت ببساطة شديدة وهي تبتسم في وجه لانا ثم قالت "اعتذر منكِ لوقاحتي لانا، ولكن أنا ليس لديّ أخوة، وإلا ما كان تم محو كل ذكراه كما هيئته من عقلي؟!"

ابتلع خالد ريقه بعنف بينما بدا متخبطا وهو يقلب نظراته بينهما، وهي لم تكن لتبقى سامحة بإهانة نفسها بل همّت بمغادرة كليهما وتركهما وراء ظهرها... ولكنه أوقفها وكأنه يتحرر في سطوة حضرتها بقسوة فراقها من جديد، ليجد صوتاً يعبر به عن نفسه "سَبنتي انتظري... أنا....!"

كانت تشعر بيده التي تجرأت لتمتد ناهشة كتفها من جديد، بنبرة صوته التي خبأت التوسل بين طياتها كنغمة موسيقية حزينة تلعن الفراق من بين حروفها... دفعت نفسها دفعا للتقدم والبعد غير سامحة له بأي تماس... ولا لم يكن لها هي الرد الحاسم الرادع تلك المرة بل لتلك الزوجة الكاملة، التي اختارها دون أي ضغط كما علمت وارتبط بها بإرادته الحرة كما توقن "خالد يريد الاعتذار منكِ يا سَبنتي، سامحيه لم يقصد التطاول، ربما هي فقط صدمة اللقاء بعد طول غربة؟!"

كانت قد وصلت عند الباب الكبير، عندما التفت من وراء كتفها تنظر لكليهما باستخفاف وقالت "ليست أنا من تحتاج للاقتناع بهذا، صدقيني لانا كلاكما كالماء البارد بالنسبة لي.. طابت ليلتكِ يا طبيبة"

وبابتسامة رقيقة متمكنة كانت تركب السيارة وتغادر تاركة وراءها كومة رماد تعبث بها رياح أشجار حديقة آل الراوي... رماد فارسهم الذي احترق لتوه دون أن تمسها نيرانه كما كانت تتوهم...

دخل نضال إلى صالة التدريب التي افتتحها عقب تخليه عن عالمه القديم في أعمال الحراسة، مبتعداً تماماً عن المجال، مكتفيا بذلك العمل الذي يدرب فيه من يريد تعلم حماية نفسه أو يساعد النشء الذين يؤهلون لتلك المسابقات الكبيرة في المصارعة أو الملاكمة، بمجرد دخوله كانت عيناه تبحث سريعاً عنه عالِماً بتواجده من خلال سيارته المركونة في الشارع...

خلع معطفه وعلقه.. نظر لأحد موظفيه وسأله بهدوء "منذ متى وهو هنا؟!"

هز الشاب كتفيه في تعجب ثم قال "لقد وجدته قبل أن افتح المكان، وهو لم ينزح عن كيس الملاكمة منذ ساعة على الأقل!"

تنهد بتعب وهو يومئ برأسه مقتربا من خالد بتثاقل لاعناً حظه الأسود الذي دائماً ما يدفعه في تلك الدوامة، رافضاً على ما يبدو خلعه من عائلة الراوي كما كان يتعشم، ظهر أمامه دون مقدمات ماسكاً الكيس من الأعلى مثبته أمامه, فرفع خالد رأسه يرمقه من بين قسمات وجهه المتعرق ودون أدنى كلمة كان يعود ليفرغ غضبه في ذلك الكيس بيديه العاريتين... استمر الصمت دقائق لا يسمع إلا تنفسه العنيف المرافق لتلك اللكمات الحادة، حتى قال نضال أخيراً بهدوء "أليس لديك عمل في هذه الساعة؟!"

ارتفع طرف فمه بتهكم بينما يقول "لا لم يعد لديّ، لقد عاد النمر، وقد منحه الأسد العجوز كل شيء حتى وهو بين تراب القبر!"

لم يبدو أي علامات للصدمة على وجه نضال مما دفع خالد أن يضرب الكيس لكمة عنيفة بعض الشيء مرفقة بصراخه "أليس لديك أي مشاعر مساندة لصديق نسيَ نفسه ليمنح والده ما يريد... أي تعاطف يا نضال؟!!"

قال نضال بهدوء وهو يبعد وجهه عن مرماه "لا.. إذ أنه تصرف نمطي من والدك!"

قال من بين أنفاسه "بالطبع هو كذلك، وأنا المغفل الذي اعتقدت أني منحته كفايته وطمأنته على وريثه؟!"

قال نضال "تعلم جيداً أنه لم يرك هكذا ولا يحق لك محاسبته لخوفه على إرث عائلته، لا تأخذ كلامي بمحمل الإهانة يا خالد ولكن المنطق يقول أنك لست مستعد لتحمل تلك المسؤولية بمفردك!"

قال بخشونة "لماذا طاردني إذن لأعوام... لما حمّلني كل الأمر وانسحب منذ انسحاب راشد تاركا كل شيء على عاتقي وحدي؟!"

قال بهدوء "ربما هذا صحيح، ولكنه كان يساندك في الخفاء، ويظهر علانية عندما تحتاجه، كان أبوك يحتاج خط دفاع آخر ليحمي ظهرك, إذ أنه على يقين أنه عقب موته ستظهر كل الحيتان الشرسة للفتك بك.. أنت رجل أعمال الآن وتفهم جيداً أن هذا العالم لا يرحم؟!"

ضربه أخرى منهكة كان يوجهها لهذا الكيس قبل أن يقول بضحكة مشحونة "هذا أن قَبِل راشد بالوصية.. لقد أعلن رفضه من اللحظة الأولى!"

ابتعد نضال ووقف في مواجهته عاقداً ذراعيه على صدره محدق فيه بتفرس قبل أن يقول "أنتَ هنا من أجل شيء آخر يرهقك، ولا يمت لذلك الإرث بأي صلة؟!"

تخلى عن ضرب ذلك الشيء أخيراً راحمه من عنفه، ثم ابتعد خطوة وكتفاه تتهدلان بألم قبل أن يقول بنبرة خالية من الحياة "كيف تستطيع أن تتجول متنقل بجسدك وعقلك تطارد المنطق وما يستوجبه عليك تفكيرك السليم، لتكتشف فجأة وبعد مرور الأعوام أن روحك ما تزال عالقة في سجن صنعته بيديك؟!"

قال نضال بنبرة ذلك الصديق المتفهم دون أن يحاول أن يلومه أو يجلده بعِظَم ذنبه "سجن يعود لجنية عابثة بنفسجية العينين؟!"

لقد كان متوتراً كما لم يره من قبل، محاصراً كما لم يكشف نفسه أبداً، عندما رفع يديه يفرك بها وجهه المتعرق كما جسده من أثر مجهوده الذي بذله ثم غمغم أخيراً بعصبية "كنت أعتقد أني نسيت، تحررت من أسرها لي وضربت بكل وعودي عرض الحائط بعدما تيقنت أنها غدرت هي الأخرى بوعودها.. لأجدني أقع في حفرة ليس لها قرار من جديد عندما لمحتها بعد طول فراق!"

صمت لبرهة قبل أن يقول بتهكم مرير "لقد ادّعت جهلها بي، بأني مجرد ماء بارد لا يعنيها، لقد رأت يد لانا تتشابك مع يدي كما كانت تفعل هي قديماً ولم يرف لها جفن واحد وكأنّ الأمر لا يعنيها!"

رمقه نضال بطرف عينه قبل أن يتوجه لجهاز حديدي يجلس على مقعده ببطء، ثم قال "هناك سؤال وجب عليك الآن إجابتي عليه؟"

فرك خالد رأسه بتعب ثم قال "لماذا ارتبطت بلانا، أليس كذلك؟!"

قال نضال "أنا لم أسألك أبداً واحترمت رغبتك وقرارك عندما أتيت تخبرني، لم تأخذ برأي صديق مقرب ولكن الآن وجب عليّ أن أفهم لأستطيع منحك إجابة مريحة؟!"

جلس خالد على جهاز آخر مقابلا له، قبل أن يقول ساخراً من نفسه "أردت تخطي الماضي بكل عثراته مع إنسانة أعلم أنها تحبني، فتاة جميلة من أسرة عريقة، تجمعها بعائلتي علاقة طيبة، كما أن والدها وقف بجانبنا في أزمتنا!"

قال نضال بجفاء "إجابة نمطية لا تعجبني، كما أن والدها وقف بجانبك بمقابل، ولم يفعله مجاني بدافع الشفقة!"

أغلق خالد عينيه بقهر لثوانٍ قبل أن يقول بنبرة مكتومة "الإجابة الأخرى لن تعجبك يا نضال... إذ أني أردت أن أنسى كل شيء، ان أؤسس أسرة أرغب بها .. بيت مستقر وأطفال امتداد لاسم عائلتي مع امرأة تعفّني من كل المغريات التي اتعرض لها يومياً مزينة لي الخطيئة حولي كرؤوس الشياطين!"

أطرق نضال برأسه لبرهة قبل أن يقول "أردت أن تمنحك سكن طيب، كما ستمنحها أنت زوج محب ومخلص؟!"

تغضن وجهه ببعض اليأس ثم قال بخشونة "نعم، رغبت في هذا بكل كياني"

"وما الذي جدّ إذن.. ماضي قديم ظهر أمامك، وأنت تبجحت أنه لم يكن ذو قيمة في قلبك من الأساس؟!"

قال من بين أسنانه "لم أخبرك مطلقاً أنها بغير قيمة، بل غدرت بعهدها"

قال نضال ببرود مستفز "ليست هي من تم خطبتها وعلى وشك الزواج يا خالد؟!"

قال بصوت أجش "توقف يا نضال!"

قال بصرامة "أنت تريد أن تهرب من الحقيقة، كما تفضلت وقلت سَبنتي تختطك بالفعل بينما الأخرى تتشبث بك، وتريد ظلمها بتخبطك هذا"

أخذ نفساً عميقاً عله يكبح ذلك الغضب الأعمى الذي كان يجتاحه كلما تذكر فعله الأرعن وكأنه كان رجل آخر يسيطر عليه في حضرتها.. حتى قال أخيراً بصوت مكتوم "أنا لست متخبط, ربما فقط هو عنصر المفاجأة كما قالت لانا عندما رأتني وأنا...؟!"

صمت مغلقا عينيه بقوة.. يا الله لقد جرحها, بل قتلها بتصرفه غير المحسوب، طعنها للأعماق من أجل خاطر فتاة لا تذكره حتى كما ادّعت!

تلاشت الصرامة من عيني نضال ثم قال "أنا أفهم يا خالد, أعلم كيف هي مرارة الحب دون أمل، ولكن خطيبتك ليس لها ذنب في دوامتك تلك؟!"

رفع ذراعيه لأعلى رأسه ثم أسند جبهته بكلا كفيه ثم صاح بعنف "توقف يا نضال، أخبرتك أنا لا أحب سَبنتي!"

لم يجفله عنفه غير المألوف بل ظلّ يحدق فيه بنظرة العارف، بصمته المغيظ، وكأنه بطريقة ما يضعه تحت ضغط نفسي ليخرج كل ما في صدره ولقد أفلح عندما قال بعصبية مفرطة فضحتها يداه اللتان تضغطان على عينيه وصدغيه من الجانبين "كيف تستطيع أن تعيش بين طيف عينيّ أخرى، أن تلمس روحها في كل تفصيلة حولك، أن تحتفظ ببقايا عطرها الطفولي داخل أنفك، أن تحمل يداك رغم مرور السنين ملمسها، أن تشتاق ذراعاك لضمة تخطيت بها كل حدودك لتزرعها بين ضلوعك مرات ومرات دون أن تتركها، كيف تقنع قلب عاصي أنها لم تكن صاحبته أبداً، بينما هو بالأصل سرق منك بفعلتك أنت وحبسته مع قلبها هي في أقصى منفى بالكون؟!"

اتسعت عينا نضال بينما يحدق فيه عاجز هذه المرة عن إجابته أو حتى سجاله، وانهار كل تصلب خالد وودّع كل غضبه في لحظة بينما يكمل بتعب "كيف تقنع عقلك بأنها ليست حلالك, بأن أمل التقرب منها مباح، رغم أنك ترفضه بكل كيانك مع غيرها.. كارثتي الحقيقية يا نضال أنه حتى ضعفي بالأمس أو ضعفي السابق معها لم اعتبره يوماً ذنب وجرم عليّ التوبة عنه وتكفيره, فدائماً ما كنت أشعر أن سَبنتي حقي وحدي، ملكاً لي.. فكيف لها أن تفارقني وتنساني؟!"

همس نضال شاعراً بالجزع داخله على كليهما "خالد هل تستمع لنفسك، إن سمحت لكل هذا بأن يطفو ستدمر كل شيء وأولهم...أنتَ"

وقف خالد من مكانه بنوع من الوحشية وسريعا كان يضع على وجهه ذلك القناع الجديد المخيف، قناع يعلم نضال حقيقة زيفه وكأنه بطريقة أو أخرى عبر إفراغه كل إحباطه وتخبطه عاد ليوازن نفسه ليفكر بنفس المنطق الذي اتبعه منذ ما يقارب الأربعة أعوام.. قاطعا كل شكوكه بيقينه عندما قال بنبرة غريبة "ومن قال أني سأسمح بهذا، أنا قطعت وعد لامرأة أخرى بالزواج ولن أطارد مطلقاً غيرها.. أنا لن أخون لانا، لن أؤذيها أو أحرجها أبداً مرة أخرى.. أنا لست ياسر الراوي يا صديقي!"

وقفت بدور على باب غرفة المعيشة ودسّت كفيها في جيوب سترتها السوداء الأنيقة وهي تراقب نوة التي تجلس مفترشة الأرض تلاعب إياب بمرح حتى قالت أخيراً بخفوت "هل يتوجب عليكِ حقاً المغادرة الليلة أنتِ وشذى؟!"

لم ترفع نوة رأسها بل استمرت في تركيب قطع البازل متسابقة مع ابنها المنهمك بتركيز.. ثم قالت "لو تعلمين كم هذا كريه على قلبي، ولكن كلتانا لن تستطيع أن تترك بيتها وأولادها أكثر من هذا، البنات يحتجنني وقد طالت غيبتي"

تجرأت واقتربت وجلست على الأرض طاوية ساقيها تحتها ثم مدّت يدها نحو إياب الذي اندفع مبعداً نفسه عنها بينما ينظر لها بعينين غاضبتين كالعادة، فضمّت كفها بألم بينما تقول "أنا أريد أن أشارك كالخالة نوة يا إياب, ألن تسمح لي حبيبي؟!"

هز رأسه رافضاً بتزمت وهو يلملم لعبته بعيداً، ثم يسرع في الابتعاد عنهما جالسًا على أحد المقاعد وهو يصيح "أريد ماما، لِمَا لم تأتي إلى الآن؟!"

أطرقت بدور بوجهها تبعد عنه دموع عينيها المحترقة بينما تهمس لنوة "أخبريني كيف أقنعه بأني تلك الماما التي تهفو روحه إليها... بأني هنا أموت ألف مرة في حضرته كما غيابه, ليسكن على صدري مانحني ترياق الحياة؟!"

ربتت نوة على ظهرها في مساندة ثم قالت برفق "امنحيه الوقت هو فقط يحتاج للثقة كي يعرف بهدوء، حتى لا تجرحي طفولته"

رفعت رأسها ترمق وليدها بتعب ثم قالت "وكيف سأفعل هذا، هل سأستمر في أسره لديّ واختطافه كما يعتقد.. أنا أراقبه وهو يتألم لفراق ذلك.. ال..!"

صمتت لبرهة وهي تغلق جفنيها مهدئة انفعالها قبل أن تقول "لفراق أبيه، معتقداً أني اختطفته وحرمته من أسرته السعيدة تلك"

ضغطت نوة على شفتيها باضطراب وهي تحدق فيها بنوع من التردد، وكأنها تخشى إخبارها بالحل الوحيد والمنطقي وسط كل هذا العبث، ثم حسمت أمرها وهي تقول "بالأمس أنتِ قلتِ أن عدم المصارحة والمواجهة بالماضي كانت سبب رئيسي في دمار أسرتنا!"

سألت بهدوء "ماذا تعنين يا نوة؟!"

قالت نوة بحرص "إياب طفل ذكي، اجتماعي من الدرجة الأولى، إذ أنه تقبل الجميع برحابة صدر ما عدا أنتِ!"

قالت بتهكم "وكأني احتاج لتذكيري بأن ابني لا ينفر إلا مني؟!"

أخذت نوة نفس عميق، وهي ترمق الصغير الذي يجلس مواجهاً لهما رامقهما بتجهم وسخط شديد موجهاً لأمه التي يعتقد على ما يبدو أنها أفسدت لعبته معها ثم عادت تنظر لوجه بدور وهي تهمس بحسم "كما فهمنا، راشد من أرسله إليكِ، هو من دفعه لأن يتقبل مشاعركِ دون ذعر يمليه عليه سنه، إذاً يا بدور الحل الوحيد عنده، يجب أن تجدي معه طريقاً تتفقان فيه، ليعرف إياب الحقيقة مبكرا!"

لحسن الحظ لم تغضب ولم تصب عليها وابلا من السباب والرفض، بل رفعت عيناها نحو ابنها تتشرب تفاصيله كما كل مرة تقع نظراتها عليه.. وكأنها لا تكتفي منه أبداً، حتى قالت بخفوت "هذا صعب على نفسي يا نوة, أن أمنح أي بوادر سلام مع الرجل الذي حرمني منه"

استغلت نوة ارتخاء كل دروعها في حضرة إياب ثم قالت "إن محاربتكِ لرفض الصغير لكِ لن تأتي إلا بمزيد من الكره، أنتِ تحتاجين أن تقدمي تنازلاً لابنكِ نفسه حتى تكسبيه لصفكِ، إياب مجرد طفل يا بدور وبالقليل من ذكائكِ الأمومي ستكسبين كل ولائه"

قالت باختناق "إن كل ما يريده هو أبيه وسبنتي!"

لمست كفها برقة ثم قالت "أحياناً كل ما تحتاجيه أن تتركي العنان لجناحي فرخكِ الصغير ليعود لعشكِ راضياً و مطالباً بأن ينعم بدفئكِ"

أطلقت ضحكة قصيرة متهكمة وهي تقول "لا تكوني متأكدة من هذا, إذ أن إياب لا يعرف من دفئي شيئاً بالأصل!"

:-" بالفعل إنه يعرف دفء وحنان أخرى، وأنتِ خسرتِ تعاطفها معكِ كما اتضح لنا، أنتِ ليس لديكِ حل آخر!"

هزت كتفيها دون اهتمام ثم قالت "أنا فعلت ما كان يتوجب عليّ، ربما الأمر غير منصف ولكن خالد كان يستحقه!"

قالت نوة بنظرة بعيدة "كان مقصدكِ إبعاد لانا وحتى اللحظة لا أفهم حقاً سر كرهك لها؟!"

قالت بدور بحزم "أنا لا أكرهها، ولكني لا أحب المتطفلات, إذ أنها تعلم جيداً انتمائه لأخرى ورغم هذا لم تتورع عن الاقتراب"

قالت نوة بدون مقدمات أو مراعاة "لانا ليست نادين يا بدور وخالد لم يكن يوماً يشبه راشد!"

أخذت نفساً حاداً قبل أن تقول "أنا لا أُسقط قصتي على أحد يا نوة، أردت بسط الحقائق أمام ثلاثتهم، وللحقيقة أخوكِ لم يصدمني, بل كلا الفتاتين.. إحداهن اكتسبت احترامي وإعجابي الكامل أما الأخرى لم تأخذ من جانبي إلا الاحتقار وسأترك لكِ حرية تخمين من هي؟!"

"لأنكِ ما زلتِ تصرين على رؤية الأمور من داخل فقاعتكِ، قد تكونين تغيرتِ يا بدور ولكنكِ ما زلتِ رافضة لتذوق الحياة بحقيقتها المؤلمة وعدم عدالتها في منحكِ غايتكِ، الدنيا لا تمشي على وتيرة واحدة تسيرها رغباتنا!"

قالت بهدوء "لا أنكر أن كل شيء توقف عند نقطة واحدة لذا لم أعد أفرق بين الدفء والبرد، بين الحب والكره، بين أمل الربيع وجفاف ووحشة الشتاء، كل المشاعر أصبحت لا معنى لها، إذ أني ما عدت أميز مذاقها... ولكن رغم كل هذا أنا أعلم يقيناً أن خالد يحب سَبنتي بكل كيانه, كما هي لن ترى من العالم غيره"

قالت نوة برؤيتها المعقدة للأمور "لا تكوني واثقة يا بدور، إذ أنه يصعب عليّ إخباركِ بأني أرى أن الصغيرة هي الدخيلة بهذه الحكاية... لانا فتاة وُعِدْت لشاب ذهب إليها برغبته ومنحها وعده دون ضغط أحد عليه.. إذاً أي محاولة أخرى لسبنتي ستضعها هي في خانة السارقة لسعادة غيرها!"

"بحق الله أنا لا أدافع عنها ولا أريد دفعها في ذلك الأمر ولكني أعرف كم هي موجعة كسرة الروح والنفس.. إن حبها له لن ينتهي ولن يمحى بل ستظل مكانها ثابتة فاقدة توازنها، لن تهنأ أبداً يا نوة إن لم يحسم هذا الأمر بعدل!"

هتفت نوة فاقدة أعصابها "وأي عدلٍ تريدين تحقيقه بجنونكِ.. أن تظل مكانها تطارد أملاً زائفاً، أن لا تتخطى مجرد مجرم آخر قد دعس فؤادها, إن الوقوف مكانكِ دون التحرك لا يحل شيئاً، لا أنتِ تتخطينه ولا تسمحين له بالاقتراب ليصلح ما فسد بينكما.. إن كانت تلك خطتكِ فأنت جربتها قبلاً ولم تفلح كما نرى وانظري ها هي النتيجة!" أشارت بحدة نحو الطفل الذي فزع والتصق بزاوية الأريكة، ثم قالت بغضب "ضحية أخرى، كما كنا نحن وكما كانت أختكِ غير الشقيقة، إنه سلسال من العقد والوجع.. صورة مبهرة من الخارج بمثاليتها بينما من الداخل فجميعنا يئن من جرحٍ غائرٍ يستنزفه.. وحتى من نجا منّا مثلي أنا وشذى فنعيش في ذعر أن يأتي اليوم الذي سنكون مجبرين فيه على مواجهة شبح الخيانة!"

قست عينا بدور بينما تلك الدمعة العالقة فيهما كما كانت دائماً تطل عليها من بعيد بعتاب المتألم!

وقفت من مكانها دون أي كلمة تتوجه نحو ابنها في محاولة يائسة تعلم فشلها قبل أن تقوم بها حتى، لكنها ركعت أمامه مادة يدها محاولة منحه الشعور بالأمان ورفضها كما كانت تجزم، فجعلها تلتفت مرة أخرى من على كتفها نحو نوة ثم قالت أخيراً بصوت أجش "سَبنتي لن تكون يوماً طاووس الراوي يا نوة، إذ أنها تملك فؤاداً أصلب مني!"

"صدقتِ!" نطقت سَبنتي وهي تدخل عليهما تخلع معطفها ثم ترميه على الأرض دون اهتمام ..ناقلة نظراتها بينهن بحيرة قطعها إياب الذي اندفع يهتف مهلل بعودة والدته إليه، مالت ضاحكة متناسية كلتاهما، لتحرر ساقيها من ذراعيه الصغيرين الملتفين حولها ككماشة ورفعته نحوها، تداعب نحره بأصابعها لتنطلق ضحكاته المنعشة كاسرة حدة التوتر، ماحية كل الألم والغضب!

"لقد تأخرتِ وتلك السيدة قالت أنكِ ربما لن تأتي" قالها من بين ضحكاته بتذمر منعش..

لم تحاول أن تنظر إلى إحداهما ثم تقدمت حاملة إياه لتجلس على أول مقعد مستمرة في مداعبته وهي تقول بلؤم "تلك السيدة المسكينة لا تعرف أنه لا يوجد سبب في العالم قادر على أن يمنع "أم" من رؤية صغيرها، أنت تعلم بأني سأتخطى خنادق النار من أجلك صحيح؟!"

قفز بين يديها يحاوط عنقها بكفيه بقوة، بينما يمطر وجهها بقبلات صغيرة منعشة وهو يقول "إياب يحب ماما السحرية"

أبعدته قليلاً ليجلس على حجرها ثم سألته ببطء خبيث "أنا أم طاووس قصتك؟!"

فكر وهو يضع يده على ذقنه، ثم قال بعد برهة "ماما أكثر، فأنا أحبكِ مئة والطاووس واحد فقط!"

ضمته لصدرها مرة أخرى ثم طبعت قبلة على رأسه سامحة لعينيها أن تواجه الاحتراق كمداً في عيني بدور حتى قالت أخيراً بقسوة "رغم جهلي بسبب ما قلته للتو، ولكنكِ صدقتِ يا بدور أنا لا أشبهكِ، لا في تصرفاتي ولا في ردّ فعلي لذا نصيحة أخيرة لكِ.. إياكِ وأن تحاولي اللعب معي مرة أخرى إذ إني قادرة على أن أحرقكِ!"

"لماذا لم أجدك هنا؟؟" سأل راشد من بين أسنانه وهو يمنح ظهره لذلك الشريك الذي يرمقه بتأهب وكأنه يستعد لمعركة لإثبات الذات معه..

قال خالد بهدوء "لا أعتقد أن لتواجدي تلك الأهمية وأنت هناك بالفعل"

لم يبالي بما يقول ونطق بصرامة "أمامك ربع ساعة لا أكثر وتكون أمامي.. فنحن لا نلعب هنا يا خالد، بحق الله أي نجاح حققته هذا وأنت ما زلت بنفس العقلية المشتتة؟!"

"راشد...."

لم يهتم لأن يسمع باقي جملته وهو يغلق الهاتف.. ثم استدار بخطى ثابتة ليجلس على رأس طاولة الاجتماعات مواجهاً ذلك الشريك الذي سأله بحنق.. "هل يمكنني معرفة ما دورك هنا تحديداً؟!"

سحب راشد سيجاراً من علبة فضية ثم أشعلها وهو يضيق ما بين عينيه ويقول ببرود "أسهمك في الشركة لا تتيح لك طرح هذا السؤال ولكن أنا سأكون كريماً معك وأخبرك أني رئيس مجلس الإدارة الجديد"

رمقه تميم بطرف عينه العميقة الغامضة قبل أن يقول بهدوء مبالغ فيه "لقد علمتني الحياة جيداً أن المثل الذي يقول (أن المركب ذات الرئيسين تغرق) صحيح جداً، فما بالك بمؤسسة كهذه سيد راشد؟!"

وضع راشد كلا ساعديه على الطاولة بأريحية ثم قال بصرامة "ما يحدث داخل العائلة لا يعنيك مطلقاً، أنت لك إجابات محددة تخص العمل فقط"

قلب تميم بعض الأوراق أمامه مدعياً عدم الاكتراث قبل أن يقول بخبث "وربما أنا أنتمي للعائلة بطريقة أو بأخرى ولكن بما أني أعرف جيداً أن هذا الأمر لا يعنيك, سأقول بهدوء أني من حقي أن أعلم كيف لك أن ترأس هذا المكان وهو لديه بالفعل رؤساء أعني السيد خالد و.. بدور"

تعمد نطق اسمها دون لقب يسبقه، قاصداً الدفء والحميمية بنطقه..

استفزاز رجل كراشد لم يكن سهلا على الإطلاق إذ قال بابتسامة بالغة الهدوء "كانا قبل وفاة عمي، من الآن أعتقد أن كل تعاملك سيصبح معي حتى أقرر أنا منح القيادة لخالد مرة أخرى!"

قال تميم بفظاظة "نحن لا نتحدث هنا عن إدارة مؤسسة خيرية يتنازل الأفراد فيما بينهم عن منصبه، لقد قدمت اليوم لنضع النقاط على الحروف بموجب عقود وقعتها شركات الراوي معي!"

عقد راشد حاجبيه ثم قال بمكر "هل أنت خائف سيد تميم.. هل سبب الزيارة ذعرك من أن يُدفع بك بعيداً بعد وفاة عمي؟!"

شحب وجهه كما توقع راشد بالضبط فوجوده لن يكون سهلا مطلقاً على مخططات تميم، إذ أن الرجل لا يتورع عن الانقضاض مكشوفاً على من يحاول أن ينافسه في مكانه.. ولكنه لن يكون تميم الخطيب إن هُزِم من أول جولة إذ قال ببرود "ومن هذا الذي يقدر على إبعادي، شخص انسحب في الماضي تاركاً عائلته تواجه ورطة وسقوط محقق في سوق لا يرحم؟!"

أخذ راشد نفس عميق من سيجاره ثم قال بتربص مفترس "لا أنكر أن تاريخك في صناعة اسمك من اللاشيء يعجبني سيد تميم, مما يجعلني لا أستخف بك مطلقاً إن كان هذا ما تريد سماعه, ولكن دعني أيضاً أخبرك أن لا تحاول اللعب مع رجل تربى على كيفية صدّ هجوم أي فهد يقترب من عائلته، تستطيع القول أن هناك أدوار مرسومة بدقة على مر أجيال طويلة، بالطبع نحن بشر نخفق أحياناً، تتلبسنا الأنانية أحيانا أخرى كثيرة، ولكن عند استلام الراية من الفرد الذي يسبقنا نتلبس دوره بكل أريحية موجهين كل أسلحتنا لحماية أي فرد يحمل نفس الدماء"

يكره الاعتراف بالأمر.. يكره ذلك الحدس الذي يخبره أن معركته لن تكون سهلة.. لقد بدأ الرجل يصارعه وسيجهز عليه دون أن يحرك فيه ذرة غضب واحدة، مما جعله للحظة يتساءل.. كيف تحملت امرأة كبدور أن تبقى زوجة لهذا الرجل الذي تفوح من كل ذرة فيه الوحشية والبرية التي تهدد بالانقضاض فاتكة بعدوه بدم بارد لخمس أعوام كاملة؟!... ولكن بالنهاية ألا يعرف أن هذا ما فعله بالضبط معها قبل أن يتركها محطمة؟!

قال تميم بقوة بعد لحظات طويلة من الصمت "إعجابك آخر شيء أريده، ولكن أن أحمي عملي وشركتي هذا بالضبط ما لن أتهاون فيه.. لذا منذ اللحظة أنا أطالب باطلاعي على كل المجريات، حتى يعود كل شيء لنصابه الصحيح.. بك، بالسيد خالد، أو ببدور!"

أومأ راشد ببساطة، قبل أن يقف من مكانه معلناً انتهاء ذلك اللقاء وهو يقول "لك هذا، ليس لأنك طلبت بل لأنني أردت"

وقف تميم هو الآخر ينظر إليه بجمود، جمود يخفي تحته الكثير من الوعيد أن حربهم لم تنتهي، وسيثبت له أن الغابة لا تتحمل أكثر من ملك واحد مفترس فيها وإن كان على أحدهم أن ينهزم، فمؤكد أنه لن يكون هو بأي طريقة أو وسيلة مباحة أو غير مباحة...

جلس خالد أمام راشد، لقاء خلا هذه المرة من عنف مواجهتهما السابقة، إذ أنه تمحور حول ما هو أهم من وجهة نظر راشد الذي قال بهدوء ما يسبق العاصفة "هل هناك تفسير منطقيّ لما حدث اليوم؟!"

فقال خالد "وهل هناك تفسير لمعنى تقبلك الوصية دون أن يعلم الطرف الآخر بها حتى؟!"

مؤكد أنه لن يخبر خالد الآن ولا في أي يوم آخر عن الجزء المخفي من وصية عمه الذي وكّل إليه وحده حرية البوح به...

"اسمع يا خالد إن لعب الأطفال هذا لن ينفع هنا، هذا المكان مكانك وحدك، لم تأخذه كإرث مسبق بل صنعت مكانتك فيه بيديك، كونك تعود لتخبطك مرة أخرى ضارباً بعرض الحائط كل شيء فذلك ينفي أي حس للمسؤولية لديك!"

قال خالد من بين أسنانه "أنا لستُ طفلا يا راشد ينتظر محاضرتك العقيمة وأعرف جيداً ما أفعله.. كون أن أترك لك المجال لتحدد أنت دورك في لعبة أبي الذي يرفض أن ينهيها حتى وهو يغادرنا، ذلك لا يعني أني أتخلى عن مسؤوليتي تجاه أخواتي وأمي!"

قال راشد "ممتاز ها قد عدنا لطريقنا ونستطيع التحدث كالكبار هنا، ليحدد كل واحد فينا أولوياته، وأولها أن لا تحاول التلاعب مطلقاً بالمجموعة، وأن لا تتخلى أبداً عن إرثك حتى لي أنا بحجة وصية عقيمة!"



أصدر صوت تهكمي وهو يقول "دروس وألغاز, حكم ونصائح لا تنتهي، وبالنهاية أنت من يخفق فيها.. أنتَ وحدك من تترك خلفك نيرانك ليحترق فيها الجميع دون أن تبالي"

أغمض عينيه للحظات بقوة مسيطراً على أعصابه وهو يقول "نعم هذا أنا بالضبط، رجل مخادع، خائن، خاطف أطفال، مفرق أحبة وأخيراً غادر بصديقي الشاب، لذا دعنا من تلك الأيقونات الباهتة ونركز على العمل فقط إذ أنه هو كل يهمني الآن"

اعتدل خالد آخذ الأمر بجدية شديدة وهو يقول "لماذا تُولي العمل كل هذه الأهمية حد أنك ستتخلى عن كل ما حسمت به قرارك منذ يومين؟! لماذا ستخضع لوصية أبي يا راشد؟!"

ضم قبضته وهو يستدير بمقعده مبتعداً عنه علّه يحجب ذلك الألم المخفي فيهما ثم قال بهدوء "لأن هذا هو ما أبرع فيه يا خالد دون إخفاق، أنا رجل غير صالح لأي شيء آخر.. لقد حاولت مرارًا صدقني ولم افلح.. إلا بالطبع عملي وأبوتي لطفليّ.. لذا ببساطة سأقبل بدوري في المؤسسة، وسأقف بجانبك حتى تقف على قدميك وتنتهي حاجتك إليّ، ثم سأبتعد مرة أخرى ببساطة كما فعلت من قبل مع والدك، ولكن هذه المرة سأحرص جيداً أن أخلصك من أي فك مفترس قد يريد الفتك بك"

لن ينكر أنه تلمس بطريقة ما وجع عميق خلفته بقايا حرب لم تحمل إلا الانهزام لكل أطرافها، ورغم تفهمه هذا لم يملك إلا أن يقول بجدية شديدة "وهي.. ألا يحق لها أن ترفض أو تقبل هذا الأمر؟!"

استدار بوجهه وهو يعود ليسيطر على كل انفعالاته، ثم قال ببرود "أخشى إخبارك أني لا أهتم برأيها مطلقاً، تريدها أن تعلم تفضل، لن أمنعك!"

عبس خالد وهو يقول متأففا "الأمر ليس فيه عند أو حرب ستخوضها، إن قبلت بأن تعود لتقود شركات الراوي يستلزم عليك أن تنفذ الطرف الآخر من الوصية، والذي يستوجب موافقتها هي!"

رفع راشد يديه لأعلى وهو يسترخي في مقعده ثم قال بلوم "اذهب وأخبرها إذاً، ودعنا ننهي تلك اللعبة، ما الذي يمنعك؟!"

فتح خالد عيناه بنظرة رعب خالصة، دافعة إياه لأن يضحك على مظهره بينما يسمعه يقول "إن طلبت مني أن أقيّد أطرافي وأرمي نفسي من على جرفٍ عالٍ يطلّ على المحيط الأطلنطي لن أراجعك، ولكن أن أقف أمام بدور وأخبرها أن عليها أن ترتبط بك مرة أخرى لتنقذ المجموعة, هذا في أحلامك فقط!"

******......





كانتا تضحكان متبادلات الهمس بينهن، بينما يجلسن متقاربتين جداً من بعضهن على أول الدرج داخل المنزل.. كما كانتا قديماً متذكرتين طفولتهن المتقاربة منذ زمن بدا بعيداً، دمعت عينا منى بتأثر وهي تراقب شيماء التي تراها أخيراً تضحك بصفاء خالي من الهموم بصدق دون زيف قناعها الذي ترسمه في وجهها مجاملة..

"يقولون بأنكِ تغيرتِ؟!"

قالت سَبنتي ضاحكة "وأنتِ ما رأيكِ هل هم صادقون؟!"

هزت كتفها وهي تهمس "لا أبالي بآرائهم التي دائماً تنظر للصورة دون فهم ما تحويه من حقيقة بداخلها"

أخذت سَبنتي نفسا عميقا ثم قالت بلا مقدمات "إن السيدة هناء نفت عودة نزار، إذن شعوركِ بالأمس كان كاذب شيماء!"

ارتبكت وهي تقول باهتزاز متذكرة انهيارها عندما ذهب لسبنتى مخبره إياها عن شعورها الغريب بل يقينها انه عاد يحيطها "ما كان يجب أن تسأليها!"

قالت بهدوء "أختكِ الحمقاء مصيبة في شيء واحد ، علينا أن نأخذ الوضوح طريقاً، وأنا كصديقة لك لن أسمح بأن توقعي نفسكِ في أحلام كاذبة مرة أخرى!"

لبرهة رسمت شيماء دوائر وهمية بعصاها عبثاً أمامها ثم سألت بحزن "لقد حلمت مرة واحدة يا سَبنتي وأيقظني أبي رحمه الله على كابوس مفزع، لذا لقد توقفت منذ أن دفعته بعيداً عن حياتي، فنزار حتى وإن عاد لن أقبل به مهما فعل"

سألتها "لماذا؟! إن كان وفيّ لعهده وأنتِ لن تجدي آخر يتفهمكِ أكثر منه"

قالت شيماء بتهكم "تقصدين معايرته لي بعمى عينيّ وتبجحه بأنه يستحق فتاة أفضل مني، الأمل والأحلام وتلك السعادة التي تهبط آخر المسرحية معلنة أن الأمير تزوج الأميرة وعاشا في هناء إلى الأبد، مجرد أحلام وردية يصدقها الصغار وقد يحصلن عليها المحظوظات، ومن المؤكد نحن بنات الراوي لا ننتمي إليهن!"

قهقهت سَبنتي بضحكة طفولية قديمة مما دفع شيماء لضربها في كتفها وهي تقول بحنق "هل تسخرين من حكمتي بقة هانم؟!"

"لا, بل تذكرت قولنا قديماً نحن بنات الراوي بائسات للغاية"

تنهدت شيماء ببؤس قبل أن تقول "ربما.. وربما بعضٍ منا المحظوظات لتقديمهن المساعدة لغيرهم؟!"

قالت بعبث "إن كنتِ أنتِ قررتِ الرهبنة فانية عمركِ في تلك المدرسة، فأنا مؤكد لن أفعل، فيوماً ما سأجد رجل رائع يحبني كما سأحبه أنا مقدمة له قلبي ونفسي وسعادتي بكل إخلاص"

ابتسمت شيماء بعصبية قليلاً وهي تقول "إنها أحلامكِ القديمة، لم تتخلي عنها؟!"

هزت كتفها بلا اهتمام وهي تقول "ولماذا أفعل؟ هذه طبيعية إنسانية نفني سنون عمرنا باحثين عن ذلك الشريك الذي يُقدم حباً غير مشروط"

"أراكي تبالغين قليلاً في الأمر، إذ أن الحب أناني يا سَبنتي, دائماً يحمل بين طياته جزء من الوجع من الضعف الذي يستغله الشخص الخاطئ ليؤلمكِ"

قالت بشرود "قلتيها بنفسكِ شوشو, إن الشخص الخاطئ دائماً لا يقدم إلا ألماً صافياً وكسرة الروح.. بينما الحب الحقيقي يُبنى دائماً على التضحيات"

"ربما, المهم في الأمر أن يحدد كل شخص من يستحق تلك التضحية.. كما أنتِ دائماً أفكاركِ منقوصة!"

قالها خالد وهو يقف عند الباب المفتوح قلبه يخفق بعنف بين أضلعه كما كل مرة يراها فيها، انتظر مكانه وهو يراها تقف ببطء وتُعدل ملابسها الملونة!! منشغل بلملمة أشياء وهمية حولها ، قبل أن تقول أخيراً "سأذهب للخارج، لأرى إياب واعتذر منه عن رحلة الملاهي التي أجلت للغد.. هل ستأتين معي؟!"

هزت شيماء رأسها سريعاً وهي تمد يدها لتستند عليها ثم ترافقها للخارج متمتمة باعتذار لأخيها، بينما هي لم تعير لتواجده اهتمام البتّة وكأنه مجرد هواء فارغ مر عبرها...!

لم يحاول لحاقهم، أو حتى يعترض على وقاحتها في تجنبه, بل استند على الباب بذراعه علّه يوازن اختلال جسده ، بينما يشعر بحاجة مؤلمة تلسعه بسياطها حتى يهرع إليها ليفهم منها لماذا نسته، لِمَا لم تمنحه أملاً واحداً في عودتها إليه كما كانت تفعل دائماً.. ربما كان.. لعلّه لم يكن يقدم على ارتباطه بأخرى!

"خالد!" انتفض وهو ينظر بحدة نحو اليد التي ربتت على ظهره، ليجد وجه أمه المتشحة بملابس الحداد وتحدق فيه بهدوء.. هدوء لم يخلُ من غضب قديم "أتتهرب من الحديث معي منذ ما حدث؟!"

قال بصوت مكتوم "ربما لأني أعرف ما تريدين قوله وأفهم أن ما أفعله ليس منصفاً لخطيبتي"

قالت منى بجمود "لا لن أخبرك بهذا, بل سأكرر عليك ما قلته لك قبل أن تخطب لانا ، أنت تظلم نفسك وما يحدث معك كلانا يعلم أنه ليس ردّ فعل على رؤية الصغيرة بعد طول غياب"

لم يبدو عليه أنه تأثر بأي مما قصدت قوله، او أنه سيصغي لأي رأي متعقل قد تمنحه إياه، عندما قال من بين أسنانه "إن وجودها حولي يخنقني, يرهق عقلي كما مشاعري، وهذا صعب.. صعب للغاية، إذ أنه يعيد إليّ ذكريات شاب أحمق يصيبني بالضعف وأنا ما عدت أريد أن أكونه يا أمي"

قالت منى بثبات "ربما كل ما تريده فرصة حقيقية يا خالد بعيداً عن كلتيهما، فرصة لتفهم نفسك وما تريده، أنا لا أرغب بأن أراك تتألم بني"

حدّق فيها لبرهة متصلب الوجه، بينما التوتر يعصف بملامحه التي ناقضت الغضب الأهوج داخل عينيه حتى قال "أنا تألمت كثيراً بالماضي، لقد تحطمت وذبحت دون شفقة ولم يلتفت أحد لجرحي هذا، شهر يعقبه آخر.. سنة تأكل سابقتها وأنا أجلس على أمل، ربما.. ربما الجنية العبثية تشعر، تضعف, تفهم، وتمنحني ترياقاً ولكنها لم تفعل قط.. لذا أنا أخبرك الآن أني فهمت بالفعل ما أريده وما أرغبه هو فتاة تمنحني ذلك الحب والتضحيات كما تفضلت وقالت هي من دقائق... أريد امرأة تفهمني أمي وبعد آخر موقف أثبتت لانا تعقلها وتمسكها بي وأنا أوقن أن كفّتها ترجح وبقوة"

"خالد!" هتفت من بين أسنانها بعصبية...

ولكنه لم يبقى ليرد بل انسحب من المكان، دون أن يرى حقيقة ما حوله.. مسبباً ذلك الأذى الدائم لأخرى!

************

دخل خالد المنزل الفخم دقيق الترتيب كان كل شيء في مكانه الصحيح كل قطعة ديكور منتقاه بعناية شديدة لتتوافق مع باقي المنزل دون غلطة .. منزلا أتاه مرتين بالسابق ونفس ملاحظاته لا شيء يتحرك من مكانه لا غلطة تشوب سكانه حتى الخدم كل واحد منهم يرتدى ملابس مماثلة ويتكلف في أداء دوره لقد بدا منزلا كما أصحابه كاملين مثاليين .... وخالين من ذلك الدفء الذى يأتيك بعبثية ليفتعل بكيانك الفوضى !!!!!!!!! ....

" مرحباً بك يا خالد ستسعد لانا كثيراً للزيارة الغير متوقعة"

قالت إبتسام بمجاملة مبالغ فيها وهي تمد يدها نحوه ، فبادلها السلام وهو يقول بأدب " أعتذر عن المفاجأة ولكن كنت أحتاج للتحدث معها ولم أستطع الإنتظار "

قالت إبتسام بمكر " بالطبع بنى أنتَ لا تحتاج إذن هي خطيبتك رسمياً وكما يقولون وعد الزواج نصف الكتاب !"

تصلب وجهه كما خلت كل المشاعر من صوته وهو يقول متقصد " لا تحايل في الشرع سيدة إبتسام أنا لم أعقد قرانى عليها لذا أنا مجبر بالإلتزام بحدود الخطبة!"

قالت إبتسام بلؤم وهي تجلس على المقعد واضعه ساق فوق الأخرى " هذا صحيح ولكن بناء على إتفاقنا عقد القران بعد شهرين من الآن ؟!"

نظر إليها مستنكرا ما خطب هؤلاء الناس تحديداً والده لم يكمل الأسبوعين على وفاته وهي تحاول مناقشته في حفل زفاف !"

إلتزم بهدوئه الشديد وهو يقول " نظراً لحالة الحداد التي فرضت علينا لوفاة والدي أعتقد أن هذا الأمر سابق لأوانه !"

بان بعض الغضب علي محياها ولكنها دارته جيداً وهي تقول " أنا أُقدر بالطبع ما تمرون به ولكن منذ متى عنِىَ الحزن توقف الحياة ؟!ربما إستمرارك في العهد الذى قطعته مع لانا ، أن يمحو الحزن من على قلب والداتك وأخواتك ويدخل الفرح منزلكم مرة أخرى "

أخذ خالد نفسا عميقا ثم قال بتحكم " أعتقد أن هذا الأمر يخصنى ولانا سنحدده سوياً دون تدخل أحد ليملي علينا حياتنا القادمة "

دخلت لانا مرتديه ملابس بسيطة من اللون الأسود كما أخوته ثم وقفت جانبه وهي تقول برقة " خالد محق يا أمى حالة الحداد الذى نعيشها لا تسمح بفتح هذا الأمر الآن "



لم تعجبها الإجابة مطلقاً وهى تقف من مكانها مخبره إياهما ببرود " بالطبع .. سأتركما علي راحتكما "

فور أن خرجت مغلقة الباب خلفها بهدوء ، إعتدلت لانا تقف أمامه مباشرة وهي تقول " لماذا أتيت يا خالد ؟"

مرر أصابعه في شعره بنوع من العصبية وهو يقول

" ألا تريدين رؤيتى ؟!"

زفرت بقوة قبل أن تقول " لقد غبت ليومين كاملين بعد ما حدث !"

ساد صمت ثقيل تخلله صوت أنفاس خالد العنيفه قبل أن يقطعه قائلا " أتيت لأعتذر عن ما بدر منى أنا تسببت في جرحك مع أول إمتحان حقيقي لعلاقتنا "

رفعت رأسها في وجهه ثم قالت بجمود " ليس هذا ما إنتظرت سماعه منك !"

سأل بهدوء " لم تريدين إعتذارى هل ستنسحبين سريعاً يا

لانا ؟!"

قالت بنفس الجمود" لا يا خالد لقد أخفقت مرة أخرى وبقوة .. ما أردت سماعه أنها لم تكن تمثل أي نوع من

الإختبار لرابطنا .. ألم تقل إنها ماضى ولى بغير عودة وأن قلبك لم يعرف يوماً سواي !"

كان يشعر بغليان داخله بحقيقة يريد الجهر بها دون تردد ولكنه سيطر على نفسه بقوة وهو يقول بخشونة " لقد وقفتي منذ ليلتين تدافعين عن حقك في تواجدك جانبي بقوة أصلحتِ صورة كلينا دون تردد لعبتِ دورك الصحيح بتعقل لتأتى الآن تحاسبينى بغوغائية نسائية ؟!"

قالت بعصبية " هل أنت مجنون أم لم ترى حجم فعلتك الحقيقية ؟؟ لقد كنت تلامس فتاة غيرى فاقداً عقلك في وجودها ، متناسيا من الأساس أن لك خطيبة تعجز عن مس يدها يا سيد خالد بالمناسبة وتأتي الآن لتحاسبني على غضبي منك ؟!"

قال سريعاً قاطعا سيل سخطها " مازلتُ أريدكِ أنتِ ، ربما أخفقت وجرحتك بفعلتى لم أسيطر على نفسى ولكن الأمر ليس كما تعتقدين يا لانا ؟!"

هدأت كل إنفعالاتها فجأة ليس لأن رغبته فيها و تمسكه بها أطفئها بل لأنها ببساطة تجيد إستخدام منطقها وعقلها وحكمتها بعيداً عن تأثير ذلك الفؤاد الذى أنّ بوجع عند رؤيته معها بجوارها وقريبة منه يتلمسها كما عجز أن يفعل معها لقد ذبحها خالد من الوريد للوريد وإنتهك كرامة المرأة فيها مشعلا جانب لم تعرفه قط.. ذاك الجانب المسؤول عن غيرة مجنونة أحرقتها كما تمنت أن تحرق كليهما بدلاً منه

" كيف كان إذاً هل يمكنك أن تفهمني؟ حتى أستطيع إصلاح كل تهوراتك تلك عندما نراها مجدداً إذ أنها كما يبدو أصبحت واقع ستفرضه السيدة بدور علينا "

سأل بشك" وما دخل شقيقتي في الأمر ؟!"

سخرت بداخلها بحرقة إذاً رجل شديد الإخلاص لمشاعرها لم يحاول أن يفهم حتى سر هذا اللقاء المرتب مع تلك ال....

أغلقت عينيها في محاولة لكبح لجام نفسها إن رجل كخالد لا يحتاج أبداً للتعامل بالندية ، بالعناد ، ربما قليل من قوة الشخصية والكثير الكثير من التفهم والإحتواء المجاور لسيطرة العقل ، ستجعلها تكسب ذلك الرهان لا محالة خالد الراوى لها شاء أم أبى ،هو خطيبها هي إختارها هي كما تورطت هي فيه ولن تسمح مطلقاً لأي شيء مهما كان أن يجعلها تفقد شاب مثله ، يتشبث بوجودها بحياته عندما

طال ردها كان يقترب منها بهدوء يخبرها برفق " لانا، لقد منحتكِ أنتِ أمام الجميع وعدي بالزواج وأن أُخلص لك دائماً أنا لا أريد أن أجرحك مرة أخرى مازلتُ أريدك بجانبي "

نظرت إليه بعينين غرقتا في الدموع وهي تقول " وماذا إن ظهرت من جديد وستفعل بالتأكيد يا خالد ، ماذا إن أتيت لي يوماً مخبرنى أنك لا تستطيع محوها بأنك تشعر

بالحنين إليها !"

مسح وجهه بكلا كفيه قبل أن يقول بصوت أثار كل حواسها " لقد رأيتها اليوم بالفعل بعيدا عن الضغوط بعيدا عن صدمة أول لقاء ؟!"

سألت بإختناق بينما تشعر بنار الغيرة تحرقها حرقاً دون رحمة " وماذا فعلتْ ؟!"

قال بإبتسامة باهته " أتيت إليكِ مباشرة إذ أنى شعرت أنى

أفتقد الفتاة التي سأبنى حياتى معها !"

منحته هذه المرة إبتسامة حقيقة ... إبتسامة دافئه أشرقت لها حواسه وهو يفخر بإحترازه هدف مباشر معها ثم قالت " لن أتحمل نظرة واحده منك إليها أرجوك خالد لا تجعلنى ألعب هذا الدور إن كنت منحتنى تلك الحقوق فيك وأنى

الأولى وشريكة حياتك الأخيرة إياك بأن تظلمنى بحنينك إليها !"

هز رأسه موافقاً بينما يمد يده ليلامس كفها بتوتر وبتردد ثم قال " لن أفعل كل المشاعر حسمت لصالحك كما حسمها عقلي منذ أشهر !"

إبتسمت برضا شديد وهى تمد يدها الأخرى تلامس حلقتها الفضية في إصبعه ثم قالت برقة شديدة وخجل متوارى وكأنها تكافئه علي نجاحهما سوياً في أول جولة " لم أعتقد أنى سأقولها الآن ولا في أي وقت .. ولكن تذكر .. أنا أحبك يا خالد ..."

رفع رأسه بحدة يحدق في وجهها مجفلاً وكأنه ما كان يتوقع هذا مطلقا بل لم يكن يريد سماعها منها أبداً ، فكيف له أن يأخذ منها ما لن يستطيع أن يبادلها إياه في المستقبل القريب ...

........................

يتبع الان



التعديل الأخير تم بواسطة كاردينيا الغوازي ; 30-03-20 الساعة 04:07 PM
Nor BLack غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس