عرض مشاركة واحدة
قديم 17-04-20, 10:25 PM   #111

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي


بسم الله الرحمن الرحيم
.
.
قراءة ممتعة للجميع
.
.
البارت السابع والثلاثون
.

"أنتي حقيقتي ، وأَنا سؤالُكِ

لم نَرِثْ شيئاً إلا أسْميْنَا

وأَنتِ حديقتي ، وأَنا ظلالُكِ

عند مفترق النشيد الملحميِّ ..."

-محمود درويش
.
.

قبل نصف ساعة من وصول الشرطة

دخل بإستعجال من البوابة الرئيسية وهو يركض في ممرات البيت لحد ماوصل لمكتب الرئيس وهو يوقف قدام الباب بثبات

زفر هواء وهو يحاول يتحكم بتعابير وجهه على قدر استطاعته

مايبغى أي أحد يعرف أنه جاي هنا علشان يسترجعها ويآخذها معاه

راح يمثّل عليهم أنه مازال يفكر بالمهمة بجدية علشان علاقته بالرئيس ماتتغير ولايتخللها الشك والحذر

تغيرت ملامحه للبرود وهو يفتح الباب من غير أي صوت

ما تفآجئ راشد لمّا شاف الرئيس جالس بمكانه خلف الطاولة بأريحية تامة ولا كأن في عاصفة جاية بالطريق راح تدمره وتغير مجرى حياته

ناظره الرئيس بإبتسامة جانبية : لقد جئت اذاً !

راشد بنبرة ثابتة : ألم أقل بأني سأجلبها إليك حين يكون الوقت مناسباً.. لماذا خططت لأخذها دون علمي ؟

الرئيس بهدوء غامض: كل ماتم فعله كان لابد من حدوثه مسبقاً..كان من المفترض أن تكون هنا منذ وطئت قدماها فرنسا !

راشد بحزم : ماذا عن الرجال الذين أرسلتهم لقتلي ..أذلك جزءٌ من خططك أيضاً ؟!

تعمد أنه يتكلم معاه بأي موضوع حتى يلهيه عن سبب وجوده بالمقر وعلشان يعطي الشرطة مجال حتى توصل بأسرع وقت ممكن

ابتسم الرئيس من وراء قناعه : كان لابد من موتك ليكتمل مخططنا وحتى لا يعلم أحد بوجودك داخل هذه المنظمة

مافهم كلامه وهو يعقد حواجبه بإستغراب : مالذي تقصده ؟

أستقام الرئيس بظهره : إن كلامي واضح جداً أنت لم تكن جيداً لهذه المهمة منذ البداية
ناظر الرئيس راشد وهو يدققّ في عيونه وكأنه يقرأه

:أنت لم تكن لتسّلم سارة لنا أبداً..لا أعلم لماذا ولكني أظن بأنه ربما كان بسبب أمر سخيف (ناظره بغموض) كالحب مثلاً!

سكت راشد وهو يناظره بصدمة..ماتوقع أن في أحد غيره يعلم هالحقيقة

كيف وصلته مثل هالمعلومة اللي أخفاها في أعماق أعماقه لدرجة حتى هو نفسه يشكك فيها!

ارتفع صوت الرئيس فجأة وهو يضحك بسخرية

: و أمرٌ آخر أيضاً..أنا أكره والدك (قال بتأكيد) أنا أكرهه كرهاّ عظيماً !

راشد بإستنكار : والدي ..

قاطعه الرئيس : أجل والدك الذي مات عندما وُلدت أنت..مات مقتولاً بحادث متعمد و أنت تعلم مسبقاً من قتله

كان مستغرب من سير الحوار لجوانب جديدة عليه

أول مره الرئيس يجيب طاري أبوه بهالطريقة

طول السنتين اللي فاتوا كان يستغله وراشد يدري بهالشي لكنه أبداً ماشككّ بأن هذا الشخص هو الوحيد اللي يعرف أبوه الحقيقي معرفة طبيعية ويمكن يكون صديقه في الواقع

لكن إنه يكرهه ؟!

قاطع أفكاره صوت الرئيس وهو يقول بثقة

: أنا في الواقع أسدي لك خدمة بأخذ بتلك الفتاة.. فبعد كل شيء لقد كان والدها من قتل والدك حتى يستولي على أملاكه (ناظره بتمعن) أم أنك نسيت كل ذلك عندما أحببتها ؟!

كان راشد طول الوقت ساكت يسمع للرئيس بصمت وحذر

كلام الرئيس كان صحيح هو نسى كل شيء لأنها هي المستوطنة عقلة بهاللحظة لكن الإنتقام كان أكبر منه ومنها وذكر الرئيس لأبوها حرّك شي في داخله

شي بقلبه منغرس من سنين ولايقدر يتجاهله علشان أحد..ولاحتى علشانها هي

لكنه سكت وهو يفكّر بمنطقية

قبل ما يحتّل الإنتقام خلايا عقله وقلبه لازم عليه أنه يطلّعها من هالمكان ويبعدها عنه علشان يضل هو مع الرئيس في جلسة مصارحة تامة بينهم هم الإثنين في ذكرى أبوه والحقائق المخفية عليه

راشد بصوت ثقيل : أين هي الآن ؟

الرئيس ببرود : أين تظن أننا نضع من نمسكهم في هذا المقر ؟

ارتعش جسمه لكنه مابين أي شيء للرئيس وهو يقول بجدية

: ستندم إن لم تطلق سراحها وحالاً !

كان يحس بحرارة غير طبيعية وهو يتخيلها في ذاك المكان الرطب المظلم لكنه ماقدر يتحرك بهاللحظه ويروح لها لأن المخطط اللي براسه لازم ينجح

الشرطة ماراح تجي إلا بعد ساعة بالكثير لازم يأخّر الرئيس ويحجزه أطول وقت ممكن !

وقف الرئيس من كرسيه ويدينه وراء ظهره وهو يمشي قريب من راشد ويدور حوله بخطوات بطيئة
تكلم بهدوء مدروس وهو ينقل نظره لراشد : هل تعلم يا راشد أن طوال فترة حوارنا لم تنكر بأنك تحب تلك الفتاة..ولا حتى بكلمة واحدة!.. ألا يعني ذلك بأنك تكّن مشاعر عظيمة بقلبك لها ؟

كان توه بيرد عليه لكن الرئيس ماترك له مجال وهو يقول
: إنساها !.. إنها مجرد ذكرى عابرة تمر بداخلك (ناظره وكأنه يقرأه ) الأهم من هذا هو ذلك الطفل الوحيد القابع بزاوية قلبك..لقد كان يبكي كثيراً ولم يهتم به أحد ! ألا تريد إعطاؤه ولو شيئاً قليلاً من حقه عليك ؟!

تجمد راشد في مكانه وصورته وهو صغير تمر في عقله مثل الفلاش

كل شيء أنجزه كان علشانه..وكل شيء قرر يسويه كان لأجل يرضيه

قبض على يده وهو يتذكر كل الأوقات اللي كان فيها مرمي لحاله

يبكي في الزوايا المظلمة و يتمنى..يتمنى لو في أحد معاه يسمعه ويهتم له ويحبه !

وقف الرئيس جنبه وهو يهمس : إنك تدين له بهذا الإنتقام يا راشد !.. يجب عليك أن تنتقم من كل من حرمك الذكريات الجميلة والعيش بحرية وسعادة مع والدين حقيقين !

صرخ راشد بثقل وهو يجمّع قبضته ويمرّرها قدام وجه الرئيس بإهتياج

لكنه وقف فجأه وهو يناظر قناعه الأبيض الثابت قدامه

همس وهو يتنفس بسرعه : من أنت ؟!

ماهتم الرئيس لسؤاله وهو يناظره ببرود : لقد اتصلت بالشرطة..أصحيح ذلك ؟

توسعت عيونه بصدمة

كـ..كـــ..كيف؟!

كان يناظره بثبات وملامح الصدمة مازالت على وجهه

توه ماصار له ساعه مرسل الأدلة للشرطه..كيف قدر يعرف كل شيء؟!

راشد بحذر وهو يحاول يختار كلماته

: اذاً..بما أنك علمت بأنهم سيأتون..لماذا مازلت هنا ؟!

الرئيس ببرود : سأخرج قريباً.. حينما يكون الوقت مناسباً!

سكت راشد بذهول وهو مو عارف أيش يقول

كان متشتت.. ضايع وهو يحاول يفكر لكن كل الكلمات والأفكار ضاعوا من عقله والحين مافي أي شي يقدر يسويه

نزل راسه بالأرض وهو يتنفس بتعب لكن سرعان مارفعه وهو يتذكرها

بدون تفكير طلع بسرعه وهو يركض لبرا تارك الرئيس لحاله بالغرفة ..نقل نظره بين الممرات بعشوائية وهو يتحرك بسرعه بعقل مرتبك وقلب خايف

كان يتنفس بتوتر وهو يفتح أي باب يمر في وجهه لعل وعسى تكون موجوده وراه لكنها ماكانت
مع كل دقيقة تمر وهو يدوّر عليها كان يحس بثقل داخله مو قادر يشيله..كأن كل شيء يقول له أنه مستحيل يلقاها وأنها خلاص اختفت وصارت مجرد صورة هو الوحيد اللي يذكرها

طلع برا وسط الثلج وهو يركض بأسرع ماعنده متوجه لذاك الكوخ القديم المهجور وراء مقر الرئيس
وقف مكانه وهو يناظر الباب المفتوح بدون تصديق

ماكان في أي أثر موجود داخل الغرفة يدل على أن فيها أحد لكنه دخل من الباب وهو يناظر حوله بتمعن ..ظلام الغرفة وبرودتها أعطته قشعريرة غير طبيعية وهو يفكر بأنهم حبسوها في هالمكان

رقّت جفونه وهو يناظر الكرسي الطايح بالأرض والحبل الملفوف حوله

بهدوء نزل على ركبه وهو يمسك الحبل بين يدينه ويناظره بألم ولهفة

كانت هنا!

كانت هنا بدونه

بدون لايحيمها ويخفيها عنهم

بدون لايحضنها ويطمّنها أن كل شيء خ و أنه هو وصل عشانها

لكنه ماوصل لها

ولا قدر يحضنها ويآخذها تحت ظله وجنبه

لو أنه ما تركها أمس لحالها ماكان صار اللي صار ولاكانوا مسكوها وأخذوها منه

تغيرت ملامح وجهه وكأنه توه يحس أنها مو موجودة و أنها فعلاً اختفت من حياته

كان يآخذ شهيق بدون زفير وهو يحاول يكتم أنفاسه بألم

وين صارت فيه ؟

يبغى يشوفها والحين !

أنها ماتكون حوله..أنه مايلاقيها قدامه مره ثانية..شيء ماتوقع أنه يكون بالصعوبة هاذي

لأنه و أخيراً تأكد أنها تغلغلت بداخله وأثبتت مكانها بين ثنايا قلبه وروحه

تألم وهو يهمس إسمها بشوق : ســــارة !

...........: ر راشــ ـ ــ ــ ـد

تجمد مكانه للحظه وهو مو قادر يصدق اللي يسمعه..صوتها ؟..صوتها هي تنادي بإسمه ؟

معقولة ؟!

التفتت على ورا ببطء وهو يناظرها واقفه على يمينه و ملامح الرعب والخوف تملأ وجهها ..كانت كأنها نور بين هالظلام اللي يحيطه وبدون مايحس وقف على حيله وعيونه مازالت عليها

هي حقيقة ولا خيال ماهو عارف لكنه من شافها ماقدر ينزل عينه من عليها..خايف لاتختفي مره ثانية وكذا بيصدق أنها فعلاً مو موجودة قدامه

مدّ يده لها بإرتباك : انتي حـ.....

قاطعته وهي تمسك يده بخوف وتنزّلها لتحت : أنا ..أنا مو عارفة ليه هم جابوني هنا.. مسكوني وربطوني بهالكرسي ولفوا عيوني علشان ماشوف شي لدرجة حسيت إني انعميت..ماكنت قادرة أتحرك ولا أتكلم..كنت بس أسمع أصواتهم وضحكهم وقلبي يضيق علي من داخل !

سكتت وهي تناظره بعيون دامعة : كـنــت..خايـفــة!

كان يسمع لها وهو مو حاسس بالدنيا..كل كلمة قالتها أثرت عليه وخلته يحس بأنه هو المذنب بكل شيء وكأنه هو اللي حبسها و تركها بالظلام مو هم

مو قادر يصدق أنها بخير وأنها قدامه وتكلمه ..الحين بس يقدر يرتاح ويبتعد معاها عن هالمكان بكبره
رقّت ملامحه وهو يناظرها بتأكيد : في وجودي هنا لاتخافين..طول ما أنا معاك مستحيل أسمح لأحد يـمـسّـك !

قبض على يدها بقوة كأنه يثبت لها كلامه وصدقه لكن اللي استغربه أنها ماتحركت من مكانها
أبد..تعابير وجهها كانت ساكنة بشكل غريب ولا كأنها كانت تسمعه

عقد حواجبه بصمت وهو ينقل نظره ليده اللي كانت محكّمة على يدها ويتفآجأ بأن اللي كان ماسكه هو نفس الحبل المربوط بالكرسي و أن يدها ماكانت غير جزء من خياله اللا واعي

تنفس بتوتر وهو يرفع عيونه لها ويشوف طيفها يتلاشى ببطء من قدامه..الراحة اللي سكنت قلبه اختفت ورجع القلق مكانها..كل شي تحول لظلام بعد ماتأكد أنها كانت مجرد وهم من نسج عقله بسبب إحساسه بالذنب وأنه خذلها

بين أفكاره وضياع عقله تحرك من مكانه وهو يفكر بأنه لازم يفتش كل غرفة وزاوية لحد مايلقاها
طلع لبرا وهو يناظر حوله بتركيز..دققّ نظره وهو يشوف جبال الثلج البعيدة وبداخله كان ينكر فكرة أنهم أخذوها معاهم وأنه لازم يبقى هنا لأنها للحين موجودة بالمقر

تغيرت ملامح وجهه لما حس أنه في صوت كان كلما له ويقرّب أكثر..رجع يناظر على ورا وهو يلمح سيارتين جاية من بعيد..توسعت عيونه وهو يفكّر بإحتمالية وصول الشرطة لهالمكان ومن داخله مو قادر يصدق هالشي

مستحيل أنهم يوصولون بهالسرعه هاذي !

حتى لو كان أقرب مركز شرطة من هنا كان راح يآخذ ساعه عالأقل علشان يجمّعون العدد المطلوب من الرجال حتى يمسكون بالعصابة ورئيسها

بدون تأخير تحرك بسرعه وهو يركض لجهة السيارات اللي بدت تقرّب من مكانه وأشر لهم بيده علشان يشوفونه لما وقفت وحدة من السيارات قدامه بالضبط

قرّب راشد بخطوات كبيرة لعند باب السيارة اللي طلع منها رجّال متوسط البنية و لابس ملابس عادية مثل المحققين

وقف الرجال بثبات وهو يناظر راشد بثقة : هل يمكنك الإبتعاد قليلاً !

راشد بإستعجال : إنه في مكتبه..عليكم الإسراع بالدخول (زفر هواء) أمسكوه قبل أن يهرب بعيداً !

اتكأ المحقق على سيارته وابتسم على جنب وهو يناظر راشد

تغيرت ملامحه وهو يقول بعصبية : مالذي تفعله ؟! أسرع بالدخول هناك ..هو يعلم إنكم قادمون لأجله..إن لديه خطة للخروج من هنا !

أشر له المحقق بالسكوت وهو يهمس : اششش سيحدث ذلك الآن !

ناظره بإستغراب : مالذي.. مالذي تقصده ؟

اقشعر جسم راشد من صوت الإنفجار القوي من خلفه وعيونه مازالت ثابتة على المحقق

ضحك المحقق بخفوت على ملامح راشد الثابتة وهو يأشر على مكان الغرفة اللي انفجرت : هذا !
.
.
.
*****************
.
.
.
رجولها كانت ترتجف وهي واقفة بخوف وتوتر..تسمع صوت الخطوات الثقيلة على الممر الخشبي برا الغرفة و قلبها يدّق بقوة

عقلها وقف عن التفكير وهي تنقل نظرها وعيونها بين الأغراض الطايحة بالأرض والباب اللي حست أنه شوي وينفتح وآخر شي ركزت نظرها على جدران الغرفة بيأس وهي مو عارفة كيف تتصرف في هالموقف

بلعت ريقها وهي تشوف الباب اللي دخلت منه صار بعيد عليها ومايمديها توصل له إلا وهم شايفينها.. تحركت بخطوات مشتتة بنفس مكانها وهي تلف راسها يمين يسار علشان يشتغل عقلها بأي طريقة لكن الخوف والتوتر كان أكبر منها ولاقدرت تفكر بشي

وقفت فجأة وعيونها عالكبت الطويل اللي كان جمبها طول الوقت لكن من كثر الخوف كانت توها تنتبه له..بدون شعور تحركت رجولها بسرعه لدرجة إنها كات بتطيح لكنها تمالكت نفسها وهي ترمي جسمها كله داخل الكبت اللي فتحته

بدون تأخير سكرّت على نفسها باب الكبت بنفس اللحظة اللي سمعت فيها صوت الباب وهو ينفتح..تجمدّت بمكانها داخل الظلام اللي كانت جالسة فيه وماكانت تسمع شي غير نبضات قلها القوية
كل ثانية تمر كانت كأنها جبل على كتفها وبداخلها كانت تستغفر..تقرأ آيات السكينه والمعوذات..وبنفس الوقت كانت تدعي! ..تدعي من كل قلبها أنها تطلع من هالمكان سليمة وترجع لأهلها بأمان

كتمت شهقة عالية كانت راح تطلع منها لما سمعت صوته الواثق من وراء باب الكبت..حطّت يدها لعند فمها وهي تغطيه بإحكام علشان مايطلع صوت تنفسها و ينتبه عليها الشخص اللي برى

كانت مرتعبة لأقصى حد لكن ماقدرت تبعد شعورالغرابة اللي حست فيه لما سمعته يتكلم..كان كأنه يتكلم مع شخص ثاني لكنها ماكانت متأكدة

لو كان في شخصين في نفس الغرفة كان حسّت أو سمعت أصوات خطوات أكثر لكن.. أنه يتكلم مع أحد له نفس صوته تقريباً أو أنه ..

توسعت عيونها لما استنتجت أنه احتمال يكون يتكلم مع نفسه

"معقولة ؟! "

قبضت على يدها بإحكام وهي تستمد القوة من نفسها على الشي اللي بتسويه.. وقفت بمكانها علشان تقدر تفتح طرف الكبت وتشوف الإنسان اللي دخل المكتب بدقةّ..مدّت يدها المرتجفت وفتحت فتحة بسيطة تقدر تطالع منها بعين وحده بس علشان مايكشفها

تأملت ظهر الشخص اللي كان واقف عند المرايه البعيدة وهو يناظر نفسه ويتكلم بصوت غريب أول مره تسمعه

كل الكلمات الي قالها ماقدرت تسمعها زين لأنه كان واقف في الطرف الثاني من الغرفة .. ما كانت فاهمة ليه هو يكلّم نفسه بالمراية لكن منظره أوحى لها بالجنون و صوته كان مبحوح مخيف كأنه صوت قاتل أو مجرم !

ارتجف جسمها فجأة لما سمعته وهو يصرخ بصوت عالي : أيها الغبي !

تكلم الرئيس بعصبية : اصمت في الحال ! (أشر بإصبعه على المراية) أنسيت كل شيء فعلوه بنا ! ألم تخبرني بأنك أردت الإنتقام منهم ؟!

هز راسه : كان ذلك من الماضي.. لقد مرّت اثنا عشرة سنة منذ ذلك اليوم وأنا نسيت كل شيء.. (تنهد وهو يكمّل) لقد سامحتهم جميعاً!

سكت الرئيس وملامح وجهه تبدّلت للبغض وهو يناظره بإهتياج..مسك المراية الطويلة وضربها بالجدار بقوة وهو يرميها بالأرض

شهقت سارة بصوت ضعيف وهي تحط يدها على فمها

كانت منصدمة من الوضع اللي كانت تشوفه قدامها..شخص واحد يسوي ألف حركة في الثانية..فجأة يتكلم بعصبية ويصرخ ويكسّر المراية وفجأة يكون هادي وراضخ للكلام اللي كان يقوله لنفسه..كأنه بثواني بسيطة يتحول من شخص لشخص ثاني مختلف تماماً عن اللي قبله

توسعت عيونها وهي تفكر

"انفصام..ايه ايه هذا انفصام في الشخصية !..بس ليه هالإنسان المريض يكون موجود بهالمكان بالذات؟ "

ركزت نظرها عليه وهي تشوف تحركاته وتركز بكلامه..كان يقول شي عن ناس و إنتقام منهم لكن ايش قصده بهالكلام وليه هذا الشخص هنا بهالمكان..مو المفروض يكون هذا مكتب رشد ؟!

قاطع أفكارها صوت الرئيس العالي وهو يصرخ بجنون

: لاتقل بأنك صنعتني! .. لا تقل ذلك أبداً ! (ابتسم فجأه) نحن شخصـان بـجسدٍ واحد..ألم تفهم ذلك حتى الآن ؟!

أشر الرئيس على جسمه وهو يضغط عليه بقوة : أنت هو أنا..وأنا ...هو أنت !

سكت الرئيس وهو ينتظره يرد لكنه حسّ أنه ماكان له وجود وكأنه طلع من الغرفة..رفع كتفه بلا مبالاة وهو يمشي خطوات بسيطة لمنتصف الغرفة متوجه لعند الطاولة الخشبية

تنهد وهو يكلّمه : أحمد.. إنك ترتكب خطأً كبيراً بحق نفسك وأنت أوجدتني لأنقذك منه..أنت الذي أردتني أن أكون معك وأحميك من مشاعر الإضطهاد والحزن..لا تنس ذلك

تغيرت تعابير الرئيس فجأة وهو يتصلب بوقفته كأنه كان يقاوم شي بداخله يتحرك

الرئيس بمقاومة : أحمـد ! مالذي تـفـعــلــه؟!

أحمد بعصبية : سأسلمك للشرطة..أنت لاتستحق البقاءعلى هذه الحياة (مسك ذراعه وهو يسحب نفسه) لقد حاولت كثيرا التخلص منك لكن لم يكن لذلك جدوى ..هيا لنذهب للشرطة الآن قبل أن أقتلك بنفسي!

الرئيس حررّ يده وهو يمسك ياقة قميصه بيدينه اثنتين : اصمت ! .. اصمت اصمت اصمـــــــــــــــت!

مع صوته العالي عمّ الهدوء المكان واليدين اللي كانت مشدودة ارتخت وماعادت تحاول أنها تطلعه من المكتب

ضحك الرئيس فجأة وهو يناظر حوالينه بجنون : هل تظن التخلص مني سيكون بهذه السهولة؟! ..ابقى بعيداً عني أو ستكون ابنة أخيك الصغيرة في عداد الأموات!

العيون اللي كانت تناظره من وراء الفتحة الضيقة للكبت كانت متوسعة لأبعد حد.. ما كانت قادرة تصدق اللي تشوفه!

كل شيء..كل شيء كان غلط ومستحيل أنه يكون!

هذا الإنسان اللي تشوفه قدامها..معقولة ؟!

الإنسان اللي لجأت له والشخص اللي أعاطها الأمان هو اللي كان مخطط على كل هذا من البداية!
لأ..مستحيل يكون هالشي صحيح ..أكيد عيونها فيها شي.. أكيد أنها قاعدة تتخيل الحين..هي متأكدة !..متأكدة أنه هو عمها أخو أبوها.. عمها اللي طلب منها تسافر وترجع للسعودية علشان تكون بأمان..وحتى أن العصابة اللي كانوا يطاردونها أطلقوا عليه النار قدام عيونها ..هي شاهدة على هالشي
لكن اللي هي تشوفه الحين شخص ثاني ..انسان مخيف..مجنون ..ومافيه أي ذرة شبه من عمها إلا وجهه بس.. ارتجفت يدينها و هي تتذكر الصور اللي كان عمها موجود فيها و ببالها لو كان كل اللي شافته منه بباريس تمثيل عليها علشان تصدقه !؟

معقولة يكون يمثل عليها ؟!

رجعت سارة على ورا وهي تهز رأسها بلا كأنها تقنع نفسها أن كل شي شافته مجرد خيال..وهم من عقلها..مجرد صورة لشخص كان عالق بذاكرتها وتخيلته مكان هالإنسان المريض

لكن سرعان ماتلاشت أفكارها لما فهمت أن الحقيقة اللي كانت تدوّر عليها شافتها بهاللحظة وقدام عيونها !.. مافي داعي للإنكار وهي شافت وسمعت كل شيء

كانوا يمثلون عليها !

ايه كلهم.. كلهم مثلوا عليها وخدعوها! مافي أحد تقدر تصدقه الحين .. كلهم كذابين و استغلوها بكلامهم وألاعيبهم ..ماكانت تعني لهم شي أبداً و كل فكرتهم عنها أنها دُمية ضعيفة يحركونها على هواهم وسط حربهم البشعة !

بلعت الغصة الواقفة بحلقها بجهد وهي تحس بصداع قوي فجأه..قلبها كان ينبض بشكل سريع وهي تناظر قدامها بضياع وبدون ماتحس طاح جسمها بقوة على أرضية الكبت محدث صوت عالي اخترق صمت الغرفة

التفت الرئيس بحدة جهة الصوت العالي وهو يناظر الكبت بعيون متوسعة ومرتابة..بخطوات هادئة متوازنة تقدم ببطء جهة الكبت وقبل مايوصل له وقف فجأة بشرود

ارتجف جسمه بعنف لمّا طلع صوت الإنفجار القوي من برا..كان واقف في مكانه من غير حركة وهو يفكّر بتمعن..ماكان عارف من وين طلع هالصوت ولا خطر على باله أن هالشي ممكن يصير بمكان قريب منهم

لا..هالأثر القوي مستحيل يكون في مكان قريب الأكيد أنه صار هنا في داخل المقر..لكن كيف؟!

مستحيل تكون الشرطة وصلت بهالوقت بالذات..هو حاسب حساب كل شيء ويدري متى بالضبط وصلت رسايل راشد لمراكز الشرطة اللي بالقرية..أقل وقت يحتاجونه هو ساعة كاملة ..علشان كذا كان أسرع بتحركاته وأخلى المقر من كل شي مهم..خططه وأفكاره كلها كانت في أيدي أمينة وواثق منها.. إلا اذا كان ....

تجمدت ملامح وجه الرئيس لما سمع الصوت من خلفه وهو يقول بأمر

..........: ارفع يديك وسلّم نفسك حالاً..سيدي الرئيس !

أطلق الرئيس ضحكة سخرية وهو يبتسم بينه وبين نفسه..مع أنه ماكان قادر يشوفه لكنه كان حاس فيه ماسك المسدس وموجهه عليه بدقة

الرئيس وهو يناظر لقدام : في جميع مخططاتي دائماً ما أكونُ منتبهاً و أعلم ماسيحدث مسبقاً لذا أكون متقدماّ على الجميع بعدة خطوات ولم أسمح لأحد في يومٍ أن يمسكني (سكت شوي وابتسامته اتسعت أكثر ) لكن أن تكون أنت من جميع الناس من يخونني ! لم أتوقع ذلك منك (كمّل بتشديد) لم أتوقعه أبداً يا محمد !

شدّ محمد قبضته على المسدس وعيونه على ظهر الرئيس وبدون مايتأثر بكلامه ردّ عليه و بنبرة جدّية
: لا تماطل بالكلام ! لن أسمح لك بالخروج من هنا حتى لو احترقنا في هذا المكان معاً ومتنا ..أنا ..لن أجعلك تهرب أبداً!

التفت الرئيس بجسمه وهو يناظره بصمت.. مشى بإتجاهه بهدوء.. خطوة خطوة بدأ يقرّب من عنده لمّا وقفت رجوله عن الحركه والمسدس اللي ماسكه محمد صار قدام وجهه بالضبط

تكلم بغموض : اذاً ..لابأس لدي بذلك ..لنحترق معاً!..لن يعلم أحدٌ بأننا هنا وسنموت بذكرياتنا هذه (بتأكيد) معاً نحن الإثنان!

توسعت عيونه ويده اللي ماسكه المسدس اهتزت فجأه وهو يناظر وجه الرئيس بتمعن..أول مرة يشوفه بدون القناع اللي كان يخفي فيه وجهه..أول مره يعرف شكل الشخص اللي كان معاه طول هالسنين وعلّمه كل شي يعرفه في حياته بعد موت أهله

كان يناظره بصدمة وذهول..طول حياته كان يفكر بردة فعله لما يشوف ملامح الشخص اللي كان خلف القناع لكن ماتوقع أنه بيكون بمثل هالصدمة هاذي..اللي زاد عليه أنه كان نفس الرجّال اللي كان مع سارة بالمقهى

يعني هو شافـه من قبل وقدام عيونه!.. لأ ..هو حتى أطلق عليه النار و تأمله وهو يطيح ويحاول يقاوم ألم الرصاصة اللي دخلت في كتفه اليسار

نقل محمد نظره لكتف الرئيس وهو يلمح الشاش الملفوف تحت قميصه الأبيض واللي كان واضح أنه مليان دم من لونه الأحمر..بلع ريقه وهو يثبّت نظره على الرئيس و يحاول بجهد أنه يهدّي مشاعره اللي اضطربت بعد ماعرف جزء بسيط من حقيقة هالشخص الواقف قدامه

ضحك الرئيس بخفه وهو يشوف إنتفاض جسمه ومحاولاته الفاشلة في إنه يضبط هدوءه وتوازنه.. كان فاهم ردة فعله المتوترة.. بعد كل شيء كان توه يكتشف الوجه اللي كان ورا القناع لسنين طويلة وفي لحظه مثل هاذي مستحيل مايكون متوتر أو أقل القليل منصدم !

تكلم الرئيس بحده وهو يناظر عيونه : أطلق النار علي.. الآن !

وقف النفس عند محمد وهو يناظره بدون أي حركه ..ليه ماكان قادر أنه يسوي شي ويتحرك؟ ..ليه لما جات الفرصة إلى عنده علشان يقدر يآخذ حقه ماكان قادر حتى يتكلم !

ضغط على أسنانه بقوة وهو ينزّل مسدسه ويلف راسه للجهة الثانية بتأنيب

طالعه الرئيس والسخرية على وجهه : ما.. مالذي تفعله عندك ؟ ألم ترغب بقتلي ؟! ألم تكن تريد زجي في السجن أو الموت هنا معي ؟!.. أنا .. أنا لا أفهم يامحمد حقاً .. لا أستطيع فهم تصرفك الغريب هذا ؟ ( قرّب منه وهو يمسك كتفه) لمَ أردت خيانتي ؟ ألم تتذكر من كان بجانبك طول هذه السنين .. ألست تعتبرني مثل أبيك ؟

شدّ على قبضته وهو مو قادر يتحمل كلامه أكثر لكنه وبدون وعي منه رفع عيونه له وناظره بعفوية وألم ..كأنه بهالنظره كان ينقل له مشاعره المكبوته و أنه في أعماق أعماقه ماكان قادر ينكر أن الرئيس كان الشخص الوحيد اللي وقّف معه و كان له العون اللي يحتاجه في حياته اليتيمة

لكن هالشخص بقدر ما ساعده حطمّه..وبقدر ما أعطاه أخذ منه .. حياته ماكانت بيده لأن الرئيس تملّكها واستغلها بسلطته و مكانته..حتى أنه أخذ حريته وقيّده عنده هنا في المقر ومتى ما أحتاجه كان يتقدّم له وينفذ له كل أوامره

مع تناقض أفكاره سمع الرئيس وهو يهمس له في إذنه وبدون شعور أرهف السمع وهو يهز راسه بهدوء

الرئيس بهمس : هناك خدمةٌ أخيرة أريد منك تنفيذها لأجلي (ابتسم ) إنها آخر مهمة لك وبعدها أنت حرٌ لتذهب وتقوم بما تريد !
.
.
.
******************
.
.
.
كان واقف بدون أي حركة وعيونه تشوف النار اللي بدأت تكبر بسرعه لدرجة أن الدخان الأسود ملأ المكان بثواني ..بهاللحظه بالذات أشتغل عقله وبدأ يفكّر فيها .. معقولة تكون موجودة بداخل هالمكان ؟!..أو يمكن كانت قريبة من الإنفجار واحتمال أنها تكون محبوسة بداخل هالنار

بدون تفكير تحركت رجوله وهو يركض مره ثانية لجهة الغرفة اللي كانت تحترق لكنه حسّ بيدين قوية تشّده من ذراعه وتوقفه عن الشيء المجنون اللي كان راح يسويه بنفسه

عيونه مازالت على النيران وهو يقاومهم : اتركــوني ! اتركــونـي أذهـب والآن !

قرّب منه المحقق وهو يصّرخ عليه : أأنت مجنون ؟! هل فقدت عقلك وتريد الذهاب للموت برجليك !

رفع عيونه له وناظره بحقد : دعنــي أذهــب!

تنهد المحقق وهو ينقل نظره بينه وبين رجال الشرطه اللي ماسكينه

نطق المحقق بصوت منخفض : أدخلوه في السيارة إلى أن آمركم بإخراجه!

توسعت عيون راشد بشكل مخيف لمّا سمع جملة المحقق الأخيرة..بدون شعور منه حرّك جسمه بكل قوته وهو يفلت من بين يدينهم..مايدري من وين جات له كل هالقوة وهو الإنسان اللي صار له ساعات ما أكل له شي ولا نام زي الناس لكنه عارف أنه كل اللي هو فيه بسببها

كان لازم يتأكد من وجودها هناك .. كان لازم يشوفها قدام عيونه علشان يرتاح ويتطمن أنها سالمة وبخير..أنها مازالت عايشة على نفس الأرض اللي هو فيها !

زفر هواء بعصبية من الفكرة المخيفة اللي طرأت على باله وبدون تأخير ترك الشرطة وراه وركض بأسرع ماعنده لجهة المقر

ناظر المحقق جهته بهدوء وهو يأشر لرجاله بأنهم يوقوفون ومايروحون وراه.. كان يفكر بمنطق وهو يشوف راشد وصل لمقر الرئيس ودخل من جهة بعيدة عن النار اللي تسببوا فيها قبل دقايق

ابتسم المحقق بهدوء وهو يفكّر أن كل شيء كان يمشي مثل ماهو مخطط بالضبط..دخول راشد هناك راح يكون السبب الرئيسي اللي يخلي الرئيس يطلع لهم برجوله وهم بيكونون منتظرينه برا

صرّخ بثبات وهو يناظر رجاله: استعدوا !..دقائق قليلة تفصلنا عن الإمساك بذلك الوغد !

هزوا راسهم وهم يناظرونه بتأهب وكل واحد فيهم كان يجهز سلاحه بيده..الهدوء والصمت خيّم على المكان والكل نقل نظره لجهة مقر الرئيس وهم واقفين مستعدين لأي إشارة تعطيهم الأمر بالحركة
.
.
********************
.
.
في نفس الوقت كان راشد واقف في منتصف الصالة الدائرية داخل البيت الخشبي

ناظر المكان حوله بتمعن وهو يدوّر عليها بعيونه

ماكان لها وجود هنا.. أو كذا هو حسّ بداخله ..كأن إحساسه فيها وبوجودها اختفى فجأة ولا هو قادر يفكّر بمكانها الحين ؟!

هزّ راسه وكأنه يتجاهل شعوره ومشى بين الممرات وهو يدخل كل غرفة تقابله ..كان يدّور بين الغرف ونظره مشوش مو قادر يرّكز هل هو فتّش هالغرفة أو لأ ؟ هل هو دوّر عدل بهذيك الزاوية أو لأ ؟

وقف للحظه وهو يسند نفسه على الجدار اللي جمبه بتعب..رفع يده وفتح أزرار قميصه العلوية وهو يتنفس بصعوبة

كل باب فتحه كان مسّكر.. وكل إحساس كان موجود بداخله بدأ يختفي تدريجياً إلى أن وصل لحالة غريبة من الذهول والحيرة!


ناظر الأرض وعيونه تتحرك بضياع.. ما كان قادر يعرف الصح من الغلط وهو يحس بالمكان يتغير عليه بكل لحظه تمر!.. كأنه كان طول هالوقت يمشي بمتاهة ومستحيل يلاقي الطريق اللي يوديه لها!
نقل نظره للطاولات الخشبية الموجودة بالصالة وبتلقائية مشى بثبات لعند كل طاولة وهو يفتح أدراجها بسرعه جنونية ويطلّع كل شي داخلها من غير فايدة و لما حسّ أنه مالقى شي راح عند الكراسي
والكنبات وهو يقلبها ويبّعدها عن طريقه بكل قوته..رفس الكنبة الأخيرة الموجودة برجله وهو يصرخ : ســـــارة!

كان يشيل كل شيء يشوفه قدامه ويفتح كل الأدراج والكبتات اللي بوجهه وهو يصرّخ بإسمها بأعلى صوته على أمل أنه راح يحصّلها بهالطريقة متخبية بين كل هالأثاث تنتظره يشوفها

لكنه في داخله كان عارف أن كل تصرفاته كانت مجرد تعزية لنفسه وقلبه..كأنه بهالطريقة قاعد يكفّر عن ذنبه وهو يدوّر عليها بكل مكان ولسانه ينطق بإسمها

وقف مكانه لثانية وصدره يطلع وينزل وهو يتنفس بعمق..ناظر الفوضى حوله وحاول أنه يهدّي نفسه من داخل علشان يفكر بشكل صحيح بدال ماينجّن من حركاته و عصبيته

عقد حواجبه بتفكير لما طاحت عينه على الغرفة اللي مافكر أنه يدخلها أبدا.. ليه مافكر في أنه يشوف داخلها ؟ هل لأنه كان متواجد فيها من قبل مع الرئيس ..أو يمكن لأنها الغرفة الوحيدة اللي ماظن ولا توقع أنها ممكن تكون موجودة داخلها

توسعت عيونه وهو يفكّر

معقولة ؟...

تحركت رجوله بتلقائية وهو يناظر الباب بلهفة وكأنها فعلاً كانت موجودة وراه مثل ماكان يتمنى
أول ماوصل عند الباب مسك المقبض بقوة وكان توه بيفتحه لكنه تفآجأ فيه وهو ينفتح من الجهة الثانية للغرفة

وقف مكانه وهو يناظر قدامه بذهول

كان الرئيس بكامل جسمه واقف وراء الباب ويناظر في راشد بهدوء وكأنه كان عارف بأنه هو الشخص اللي كان راح يدخل عليه الحين قبل ماهو يفتح الباب

كان راشد ساكت وهو يناظر فيه بصدمة ..ما كان فاهم سبب وجوده إلى الآن ؟!.. كان عنده الوقت الكافي بأنه يطلع من هنا قبل مايمسكونه الشرطة الفرنسية..لكن أنه يبقى بس كذا من غير سبب ؟
راشد : أنت.. مازلت هنا !

مارد عليه وهو يدفعه من صدره بقوة كأنه يبعد جدار من قدامه..مشى من جنبه وهو يتأمل المكان بنظرات غريبة لكنه ما أخذ ثواني لما تحرك لجهة الباب الرئيسي وهو يلمح رجال الشرطة اللي واقفين برى من وراء قناعه

راشد كان ثابت بمكانه ويناظر الرئيس بدون أي رد فعل..مستغرب من تصرفاته ولا هو قادر يعرف ايش اللي يدور بعقله..ايش اللي يفكر فيه بهاللحظة وليه يتحرك بريبة وشك ؟

قطع أفكاره صوت الرئيس الحاد وهو يناظره ويقول : يجب عليك أن تخرج والآن !

عقد حواجبه : ماذا ؟

قرّب منه لما ما صار يفصل بينهم غير خطوات بسيطه..كان ساكت وهو يناظر راشد بهدوء

الرئيس : لقد أرسلت أحداً للخارج منذ قليل..لقد كلفته بمهمة إبعادهم عن هنا .. أردته أن يخبرهم أن لا أحد موجودٌ في هذا البناء.. (تغيرت نبرته للعصبية) لكنك دخلت إلى هنا قبل أن تذهب الشرطة بعيداً !
كان واقف بدون أي رد فعل وهو يناظره ببرود..ما كان كلامه يعني له شيء و لا فكر أساسا بأنه يسمع له ويعطيه الأهمية اللي هو يطلبها منه

راشد: اذاً؟ ..مالذي تريد أن تصل إليه بكلامك ؟

أشر عليه وهو يناظر الباب : اخرج من هذا المكان واذهب إلى حيث تريد لكن لاترجع إلى المقر أبدا!ً..(ضيق عينه) لأن العواقب ستكون عظيمة ..عظيمةٌ جداً يا راشد !

ابتسم بسخف من كلام الرئيس وناظره بسخرية : عواقب ؟! .. ألا ترى مالذي يحدث الآن ؟ .. إنك هنا لوحدك ولا أحد من أفراد عصابتك يقف بجانبك ..الشرطة تنتظرك في الخارج لتسلم لهم نفسك!..أتظن بأنك ستنجو من كل هذا ؟! أم تريدني أن أخبرك بأنك ستتعفن في السجن !

تنهد بهدوء وهو يأشر له: اسمعني جيداً أنا لا أ........

قاطعه راشد بحدة : لم أعد تحت سلطتك بعد الآن ..ألا تذكر ؟! (قرب منه خطوة) في الحقيقة أرغب سؤالك أمراً واحداً فقط ..

قبض على جاكيت الرئيس بيدينه الثنتين وهو يقربه منه أكثر لدرجة أن وجهه كان مقابل قناعه بالضبط
توسعت عيون راشد وهو يقول بحدة: أيــــن ســـارة؟!

تغيرت نظرة الرئيس فجأة وكأنه انصدم من سؤال راشد الغير متوقع

ســــارة ؟!.. حتى هو ماكان يدري وين مكانها بهاللحظه ولا هو عارف اذا كانوا رجال العصابة أخذوها معاهم أو أنها مازالت موجودة في المقر

طلعت عروق راشد على يدينه وهو يصرخ فجأة : أيـــن هـــي؟!.. لقد قلت أنها كانت في تلك الغرفة ..لقد قلت بأنك كنت تريدها لك ..كيف استطعت تركها وأنت لاتعلم في أي مكان تكون ؟! (هزه بقوة) هل أنت بشرٌ أم مــاذا !

مد الرئيس يده وهو يمسك يد راشد بهدوء ويقرّب يده الثانية من صدره : شششش اهدأ ..ستدعهم يسمعونك الآن !

ارتخت يدين راشد وهو يحس بالمسدس اللي كان ماسكه الرئيس قريب من صدره

نقل نظره للرئيس وعيونه كلها فراغ ..كل أفكاره اختفت وهو يبعد يدينه بإستسلام و يمشي على وراء مبتعد عنه وكأنه ماعنده خيار غير أنه يسوي هالشي

بانت ابتسامة واسعه وضحت على عيونه وهو يناظر وجه راشد المستسلم

: لم أكن أريد أذيتك أبداً.. لكنك اعترضت طريقي وأنت تعلم تماماً مايحدث عندما يعتـرض أحدٌ طريقي (ناظره بأسف وهو يبتسم) أنا .. حقاً ..آسف !

بدون تأخير وجّه المسدس على راشد وهو يضغط عليه ببرود وكأنه بهاللحظه ماكان يشوف غير العائق اللي كان واقف بطريقه والحين بس قدر يتخلص منه !

.
.
.
*************************
.
.
.
خارج المقر

الصمت كان يلف المكان وكل تركيز الرجال كان على المحقق..كان واقف قدامهم بثبات ومكتّف يدينه بإحكام كأنه كان يحاول يتمالك نفسه بهالحركة حتى مايزيد توتره من التفكير

كان ينقل نظره بهدوء بين النار اللي بدأت تخف تدريجياً وبين البيت الخشبي اللي ضحيتهم كانت متواجده داخله..مايدري ليه كان حاس بأن في شيء صار غلط وأن خطتهم اللي كانوا مركزين عليها ماراح تنجح

هز راسه بخفه.. كلها مجرد أحاسيس بداخله لازم مايفكر فيها بهالطريقة أبداً! هو واثق في شريكه لأنه هو اللي فكّر في هالخطة وهو بنفسه أشرف عليها..يدري أنه مستحيل يخون ثقتـه لكن ليه تأخر كل هالوقت ؟! معقولة يكون تأثر فيه ؟!

عقد حواجبه بإقتضاب لكن سرعان ما تغيرت معالم وجهه لمّا طلع صوت الطلق الناري من داخل المقر..رفع كتفه بذهول..ماكان عارف هل سمعه كان زين بهاللحظه أو أنه كان مجرد خيال من خيالاته المعتادة ؟!

التفت على وراء وهو يناظر واحد من رجاله ويسأله بخفوت

: هل سمعت صوتاً الآن ؟

هز راسه بتأكيد : نعم .. أظنه صوت إطلاق رصاص !

توسعت عيونه بشدة وهو يصرخ : اذاً مالذي تفعلونه هنا ؟! هيا أسرعوا للداخل !..إن كان هذا ما أظنه فكل ماخططنا له سيكون لاشيء !

تحرك الكل بأقصى سرعة وهم ماسكين أسلحتهم بإتزان متوجهين لنفس البوابة اللي دخل منها راشد من قبل..أول ماوصولوا لعند الباب وقف المحقق وهو يمسك اثنين من الرجال ويقول بشكل سريع : ابقيا في الخارج تحسباً لأي طارئ.. فـهمتـمـا !

هزوا راسهم بفهم وهم يوقفون مكانهم عند عتبة الباب ونظرهم للأمام

ضرب المحقق الباب بذراعه وهو يناظر المكان حوله بحذر لكنه وقّف فجأه لما طاحت عينه على الدم اللي كان معبي أرضية الصالة ..نقل نظره ببطء لجسم راشد الجالس عالأرض ..كان يحاول بكل قوته يضغط على ركبته قد مايقدر حتى يخفف ألم الرصاصة اللي كانت في ساقه

كان يتأوه بصوت عميق بسبب الألم اللي كان يسري بداخله .. وكأن الرصاصة ما أصابت ساقه وبس..كأنها دخلت في كل جزء من أجزاء جسمه

المحقق كان واقف من غير حركة وهو يتأمله بصدمة..مستغرب من نفسه كيف مافكّر بأن هالشي ممكن يصير ؟!..كان واثق ثقة عمياء في شريكه لدرجة أنه وقف عن التفكير و ترك كل شي للشخص اللي كان العقل المدّبر لهاذي الخطة

قبض على يدينه بشدة وهو يتوجه لعند راشد بخطوات كبيره

المحقق بصوت عالي: بسرعه ..خذوه من هنا وأدخلوه في إحدى سيارتنا في الخارج!

تحرك واحد منهم بسرعه وهو يآخذ ذراع راشد ويحطها على كتفه لكن راشد قاوم حركته وهو يبعده بعنف..مع أنه ما كان قادر يتكلم بشكل مفهوم لكنه حاول يوّصل لهم اللي بباله

قال بصعوبة : أريد رؤية وجهه أولاً!

عقد المحقق حواجبه بعدم إستيعاب وهو يحاول يفهم كلامه : هو مازال هنا ؟

هز راسه بتأكيد : ابحثوا في مكتبه ..من المستحيل أن يبتعد وجميع رجالك هنا ..(غمض عيونه بألم لكنه تحمل ) لابد..وأنه يختبأ هناك الآن

أشر المحقق بيده لكل الرجال حتى يفتشون المكان اللي تكلم عليه راشد..أما هو وقف جمبه بإستعداد وهو يشوف باب غرفة المكتب ينفتح قدامه و رجال الشرطه يدخلون بإستعجال

كان جو الغرفة صامت لدرجة تثير الشك والخوف..كل شي كان يعطيهم شعور بأن المكان خالي ومافيه أحد لكن بنفس الوقت الكل جاءه إحساس غريب بداخله وكأن الغرفة مسكونه!

دخلوا بحذر موجهين أسلحتهم على كل زاوية تطيح عليها عيونهم وهم يحسون بالتوتر بسبب السكون الموجود بالجو

لاحظ واحد من الرجال الكبت الطويل المتواجد بنهاية الغرفة وبدون تأخير مشى لعنده بحذر وعيونه عليه.. وقف قدامه وبكل هدوء رفع يده وهو يفتحه بشويش..في شي بداخله يقول له أن في أحد أكيد يختبأ بهالمكان علشان كذا جهزّ سلاحه بثبات وهو يتأمل الطرف المفتوح لكنه ماقدر يشوف ير الظام بسبب الفتحه الصغيره اللي فتحها

كمّل يفتحه شوي شوي لكنه وقف فجأه لمّا سمع زميله البعيد يناديهم بصوت عالي :إنـه هنـا !
سكّر باب الكبت هو يتوجه لعنده بسرعه..كان واقف عند طاولة المكتب الفوضوية وهو يأشر على الجسم المرتمي فوقها وكأنه من غير حياه : هذا هو من نبحث عنه

تكلم واحد فيهم : هل أنت متأكد أنه هو ؟

هز راسه : إنه يرتدي قناعه المشهور .. من المستحيل أن لايكون هو !

أشر عليه بسلاحه : إذاً لنمسكه الآن .. يجب علينا تسلميه للمحقق بسرعه!
.
.
**********************
.
.
برا الغرفة كان المحقق يتحرك من جهة لجهة بإقتضاب وهو ينتظرهم على أحر من الجمر .. مامضت دقيقة إلا وهم طالعين من المكتب وشايلين معاهم جسم رجل لابس قناع ومنزّل راسه بالأرض

توسعت عيون المحقق بذهول.. ماكان مصدق أنه شايفه قدامه حقيقة مو خيال من نفسه.. بدون تردد أشر لرجاله بحركة آلية: أنزلوه ..بسرعه !

بدون لاينطقون نفذوا أوامره بالحرف وهم ينزّلون جسم الرئيس المتهاوي على الأرض ويبتعدون خطوتين على وراء.. مشى المحقق لجهته وهو يناظره بثبات شديد وكأنه خايف من أنه يختفي فجأه من قدامهم

أول ماوصل جمبه نزل بركبته عالأرض وعيونه مازالت ثابتة على قناع الرئيس..قرّب وجهه منه والابتسامة بدأت تظهر شوي شوي على ملامحه

مسك القناع بيده لكنه ماسحبه على طول..كان يبغى يستمتع بهاللحظه الذهبية اللي وأخيرا قدر يحققها..كل شي راح يتغير بعد مايسلمون هالمجرم ويسجنونه و الأهم من كل هذا أغلب جرائم القتل والخداع راح تنتهي ويعم الأمان!

ماكان المحقق هو الشخص الوحيد اللي يحس بالفضول في الغرفة .. راشد ماكان قادر يتحمل شعوره بالإندفاع وهو يشوف استسلام الرئيس قدامه وبهالمنظر.. لكن الوجع اللي كان يحس فيه منعه من أنه يتحرك ولو حركة بسيطة تخليه يقرب منهم ويشوف كل شي .. كان ينتظر اللحظة اللي ينكشف فيها الستار ويعرف مين الوجه اللي كان يتحكم فيه طول هالوقت

بحركة سريعه رفع المحقق القناع وهو يهمس : حــان الوقــت !

توسعت ابتسامته وهو يشوف القناع بين يدينه و كأنه سوى الشي اللي ماقدر أحد يسويه غيره .. كان يحسّ بالإنتصار في داخله وهو ينقل نظره لوجه الرئيس الحقيقي لكن سرعان ماختفى شعوره فجأه وتبدلت نظرته من الاستمتاع للذعر

كل ملامح وجهه تغيرت لصدمة عنيفه وهو يتأمل الوجه الفاقد للوعي قدامه

قال بخفوت : هذا الشخص .. ليس من نبحث عنه !

رفع راشد عيونه بخفه وهو يحاول يلمحه لكنه من مكانه ماكان قادر يشوف غير جانب واحد من وجهه لأن المحقق كان مغطي عليه .. عضّ طرف شفته وهو يلزم نفسه بالحركه غصب حتى لو كان يتألم ..ماراح ينتظر أكثر من كذا لازم يتأكد بنفسه من هوية هالمجرم

كان يزحف بجسمه بحركات ماتذكر أبدا بسبب إصابته ومع كل حركة كان يتوقف ثواني وهو يضغط جهة ساقه ويمسك ركبته

رفع راشد راسه ونقل نظره جهتهم مره ثانية وهالمره كان قادر بكل وضوح أنه يشوفه ويتمعن بملامحه لكن بدال لايحس بالراحة انقبض قلبه بقوة وهو يناظره بعيون متوسعه

بدون إحساس نطق لسانه : محـمـد !

هز راسه بعنف وهو مو مصدّق اللي تشوفه عيونه..عقله كان في حالة تناقض وهو يشوف هالشخص قدامه بالجرم المشهود ومع ذلك كان يكذّب نفسه !.. هذا محمد؟! ..محمد اللي كان له أخو قبل مايكون صديق..هوالمسؤول عن كل شي صار له ؟!

لا لا لا .. هذا محمد أخوه .. شخص مثله مستحيل يخون ..مستحيل !

غمض عيونه بقوة.. بقوة لدرجة أن كل ألمه اختفى و هو يحاول يضغط على عيونه كأنه يحاول يبّين لنفسه أنه في حلم و أنه اذا فتح عيونه ماراح يكون بهالمكان..ولاراح يشوف محمد قدامه بهذا المنظر ..وكل شي بيرجع مثل قبل..بدون ظنون وشك ..وبدون الخيانة اللي لطخّت صداقة كانت بيوم من الأيام أبدية !

كان خايف متردد لايفتح عيونه وشريط ذكريات الأيام اللي عاشاها معاه يمر بداخله وكأنه أمس .. لكنه مع تناقض مشاعره فتح عيونه تدريجياً و هو يناظر جهته مره أخيرة

الوجه نفس الوجه .. والإنسان اللي بيوم كان صديق طلع هو والغدر واحد!

بكل ثانية كانت تمر على راشد وهو يناظره كانت تختفي كل ذكرى كان هو فيها معاه .. كل اللي كان بينهم انكسر وبالنسبة لراشد..هالشخص صار ولاشي !

بدون إحساس منه قام من على الأرض برجله السليمة وهو يسند نفسه بيده لكن سرعان ماطاح قبل حتى مايقوم بشكل كامل .. ناظر جهة ساقه المصابة وكان توه يستوعب أنه نسى وجعه اللي كان يقتله قبل دقايق ..نسى كل الدنيا بسبب الصدمة اللي كان تأثيرها أكبر من كل شي يحس فيه!

انتبه راشد على رجال الشرطة اللي جوا لعنده فجأه وهم يمسكونه من ذراعه ويرفعونه من على الأرض أما هو كان غير واعي للي كان يصير له..مستسلم لهم وعقله في حالة امتناع عن كل شي
ناظرهم المحقق وهو يمسح وجهه بتحسر ويضرب رجله بالأرض بقوة

: كيف يمكن لهذا أن يحدث ..كيف؟!

نقل نظره لمحمد الساكن بالأرض والشرر يتطاير من عيونه..كان بخاطره يروح ويخنقه لكنه قاوم رغبته وهو يغمض عيونه بغيض

تقدم له واحد من رجاله وهو يسأله : سيدي.. كيف عرفت أنه ليس المجرم الذي نبحث عنه ؟

زفر هواء بعصبيه : لأنه الشخص الذي خطط لهذه المهمة كاملة .. هذا الرجل ليس رئيس العصابة بل شريكي في مهمة القبض عليه !

قاطع المحقق صوت خطوات سريعه كانت متوجهة لعندهم بإندفاع..نقل نظره بهدوء لجهة الشخص اللي قرّب من عندهم وكان واحد من رجاله اللي خلاهم يوقفون برا

كان يتنفس بسرعه وهو يقول : سيدي.. يجب أن تخرج بسرعه .. هناك أمر عليك رؤيته في الخارج !

تحركت رجوله بدون مايحس وهو يدفع الباب الخارجي بقوة ويوقف عنده .. رفع راسه لفوق وهو مستغرب من الصوت القوي اللي يسمعه برا

وقف واحد من الحراس جمب المحقق وهو يأشر بإصبعه على فوق جهة السماء

: إنها هلكوبتر .. لقد تحركت الآن ولانعلم من بداخلها

تغير وجه المحقق فجأه لغضب شديد ولا قدر يتحكم بأعصابه لما عرف كل شي .. كان توه يستوعب اللي صار

وجود محمد بملابس الرئيس وقناعه في المكتب ماكان عبث!.. كل اللي صار كان مجرد إلهاء وتشويش لهم علشان الرئيس يآخذ وقته و يقدر يهرب بطيارته اللي كانت متواجده في المقر بدون لا أحد يشوفه ويشك فيه !

زاد الضيق بداخله وهو يحس بسخافة الخطة اللي نفذّها الرئيس وقدر يخدعهم سهولة..للأسف ضاع تخطيط الشهور اللي سهروا ليالها حتى يمسكونه و ينتهون من جرائمه وكل هذا صار بخدعه بسيطه ماتوقعها أحد

ضرب الجدار اللي جمبه بحنق : كيف كنت غبياً هكذا ! .. لقد أدخلت كل الرجال معي داخل المقر وتركت شخصان للحراسه فقط ! كان لابد من أن أكون أذكى من ذلك !

رفع عيونه وهو يناظر السماء ويلمح الطياره اللي ابتعدت خلاص و لا كأنها كانت موجوده أساساً ..بلع ريقه بصعوبة : كيف سنمسك به الآن؟!
.
.
********************
.
.
عند سيارات الشرطه بعيد عن المقر

وقفوا اثنين من الرجال بعد مادخّلوا راشد في المرتبة الخلفية للسيارة..سكّر واحد منهم الباب وهو ينقل نظره لزميله الواقف جمبه : ربما يكون فقد دماً كثيراً هناك ! ..انظر إلى حاله..إنه لايعّي بأي أمر يحدث هنا

هز الثاني راسه: أجل..لابد أن ننقله لأقرب مشفى في الحال و إلا ستسوء حالته كثيراً (لمح إصابته) إذا تأخرنا في إيصاله لا أظن بأنه سيكون قادراً على الوقوف على قدمه مجدداً

طلّع من جيبه مفاتيح السياره ورماها عليه: اذهب أنت وخذه بسرعه.. أما أنا سأبقى هنا مع باقي الفريق لتفتيش المكان

نقل نظره لراشد وهو يشّد على المفاتيح : حسنا ً!

ركب السيارة بإستعجال وهو يدخّل المفتاح وبدون تأخير تحركت السيارة بسرعه متوجهة للطريق اللي ينزل عن قمة الجبل..كان رجل الشرطه مازال واقف بمكانه وهو يراقب السيارة بثبات لما حسّ أنها ابتعدت لآخر الطريق وبدأت تختفي عن الوجود

زفر هواء وهو يركض بسرعه لوراء متوجه لنفس المكان اللي حّصلوا فيه الرئيس من قبل

دخل داخل المكتب بإستعجال وبدون تفكير توجه لعند الكبت اللي كان راح يفتحه من قبل لكنه ماقدر يشوف اللي بداخله ..كان يحس بشي يجذبه لهالمكان بالذات ولا قدر يكّذب شعوره علشان كذا رجع له حتى يقطع الشك باليقين!

مسك سلاحه بيده وهو يقبض عليه بقوة وإستعداد وبحركة سريعه فتح باب الكبت كامل وهو يناظر داخله بحذر..ارتخت يدينه عن السلاح وهو يتأمل الجسم الضعيف المتكوّم على أرضية الكبت
بذهول..ماكان مصدّق اللي يشوفه وحس بأنه كان يتخيل وهو يتأمل وجه البنت المليان عرق وإرهاق
توسعت عيونه وهو يستوعب أنها كانت فعلا بشر و موجودة قدامه..حرّك يده بسرعة بديهة وهو يحطها تحت راسها والثانية تحت رجولها ويشيلها بخفه من مكانها

ركض بسرعه لبرا وهو يدّور بعيونه على المحقق وأول ماشافه واقف عند عتبة البوابة مشى لعنده وهو يلهث : سيدي !

رد عليه المحقق بدون لايناظره : ألم أخبركم بأن تفتشوا المكان و أن تبحثوا عن أدلة ؟

هز راسه : أجل لكن...

قاطعه بإنزعاج : اذاً إذهب وقم بعملك في الحال !

تكلم بسرعه : لا أعلم إن كان هذا دليلاً لكني وجدت هذه الفتاة في الداخل! .. لقد كانت في الخزانة الطويلة الموجودة في مكتب ذلك المجرم

التفت المحقق بكامل جسمه على ورا وهو مصدوم بالكلام اللي يسمعه..بنت داخل هذا المكان ولا انتبهوا لوجودها ؟!.. معقول هالكلام؟!

اقترب المحقق من الشرطي وهو يناظر البنت اللي كان شايلها بيدينه ولا قدر يخفي نظرة الذهول من على وجهه.. كل شي حولها كان غامض و السؤال اللي كان يدور براسه ليه هي بهالمكان بالذات ؟ ايش سبب وجودها وهل لها علاقة بالرئيس و أتباعه ؟

المحقق بتردد : هل هي ميتة ؟

هز راسه بنفي : لاحظت بأنها تتنفس بصعوبة..لابد وأن ذلك بسبب وجودها في مكان ضيق لفترة طويلة

نقل نظره للشرطي وهو يقول بإهتمام : أنقلها للمشفى بأسرع وقت ممكن واستدعني إن استقيظت (تأمل وجهها) أريد الحديث معها على إنفراد!

رد بإستعداد : حاضر سيدي!
.
.
*******************************
.
.
فتحت عيونها مفزوعه وهي تحس بألم غير طبيعي في كل جزء من جسمها .. ماكانت عارفه سبب هالألم لكنها كانت تحس و كأن أحد أخذها فجأه ورماها عالأرض بقوة لدرجة أن كل ضلع من أضلعها تكسّر

حسّت بالصداع فجأه وتأوهت بصوت مسموع وهي تغمض عيونها بقوة

ايش اللي صار لها يا ترى ؟ ..كان السؤال يدور بعقلها لكنها ماكانت قادرة تجاوب عليه!.ما كانت قادرة تتذكر ولاشي بسبب الصداع

فتحت عيونها بصعوبة وهي تتأمل المكان بدون لاتحرّك وجهها

عدسة عينها كانت تدور بخوف وهي تشوف تفاصيل الغرفة الصغيرة اللي كانت موجودة فيها.. كل شي متهالك وقديم..الجدران رطبة من البروده والأرضية متشققة وواضح أنها ماتغيرت من سنين..كل شي كان مهترئ حتى السرير اللي كانت نايمه عليه أي حركه بسيطه منها كان يهتز بعنف وكأنه بينكسر
مع أن مساوئ المكان كانت كثيرة إلا أنها لاحظت بأن المكان بكامله كان نظيف ومرتب..حتى شراشف السرير كان لونها أبيض وواضح من ريحتها أنها معقمه وهالشي أثار حيرتها .. كيف يكون كل شي مصدّي وقديم لكنه بنفس الوقت نظيف بدرجه مناسبة للعيش؟!

حاولت ساره أنها تجلس على حيلها حتى تقدر تشوف الغرفة عدل وتتأكد بنفسها هي وين..سندت ظهرها بيدها وهي تجلس بصعوبة لكنها تفآجأت من صوت الباب الأبيض وهو ينفتح بشكل سريع

توسعت عيونها وهي تشوف رجّال غريب أول مره تشوفه بحياتها وهو يناظرها بإستغراب .. من قوة صدمتها جلست تناظره وهي ساكته وقلبها ينبض بسرعه من الخوف

ليه هالرجل الغريب يدخل عليها وهي بمكان الله يعلم وين فيه ؟..ايش اللي صار بالضبط علشان تكون بهالموقف!

رمشت فجأه وهي تشوفه يطلع برا الغرفه ويصرخ بلغة مافهمتها لكنها فهمت عليه أنه ينادي أحد من برا علشان يجي معاه لداخل غرفتها..حاولت أنها تتحرك وتقوم علشان تغير مكانها لكنها حسّت بالصداع يرجع لها مره ثانية بشكل أقوى

رفعت يدينها الثنتين لفوق وهي تضغط على راسها بقوة حتى يختفي الصداع..توسعت عيونها فجأه وهي تناظر لبعيد : لحظه ... وين الحجاب ؟!

لمست شعرها بخفه وهي توها تستوعب أن ماكان عليها حجاب و أنها كانت كذا طول الوقت من دون لا تحس ..لفّت راسها بإنتباه لما سمعت صوت خطوات جاية من بعيد وبدون تفكير سحبت الشرشف اللي كان عليها وغطّت نفسها فيه

دخل الجندي الغرفة وعيونه على المحقق اللي كان يمشي جنبه بهدوء

أشر الجندي على سريرها : لقد استيقظتْ يا سيدي..انظر !

عقد المحقق حاجبه وهو يناظر الشي الأبيض الموجود فوق السرير بريبه ..لاحظ اهتزاز جسمها تحت الشرشف وفهم بأنها خايفه منهم لكنه وقف بثبات وهو يسأل الجندي

المحقق: مالذي تفعله تحت الأغطية ؟

التفت الجندي بكامل جسمه وهو يناظرها بإستغراب ويرفع كتفه لفوق : لا أعلم حقاً..(قال بتساؤل) ربما كانت خجولة؟

زفر هواء وهو يقول: لابأس..لابأس.. اتركنا لوحدنا الآن !

وقف بإستعداد وهو يحييه : حاضر سيدي

طلع الجندي من الغرفة وهو يسكر الباب وراه بهدوء أما المحقق فراح جمب الكرسي الصغير الموجود جمب سريرها وجلس عليه ..ناظرها بصمت وهو يحاول يرّتب الكلام بمخه حتى يقدر يخليها تجاوب على أسئلته مثل ماهو يبي

قاطع أفكاره صوتها الناعم : أيـــ..ــن ..أنــا؟

عقد حواجبه وهو يتكلم بالانجليزي : مالذي تقولينه ؟

تحرك الجسم من تحت الشرشف حركه بسيطه : ماهو هذا المكان ؟ولمَ أنا هنا ؟ !

رد بهدوء: انتي في المستشفى القريب من جبال الألب الفرنسية

تغيرت ملامحها : مســتــشفــى ؟!

هز راسه ببطء: أجل .. عن طريق المصادفة وجدكِ واحد من رجالنا في نفس مقر رئيس العصابات المشهور في فرنسا ..(تنهد) لقد كنت بداخل مكان ضيق لفترة طويلة وبسبب ضيق تنفسك أغمي عليكِ ولم يخرجك أحدٌ من هناك إلا في وقتٍ متأخر..لهذا جلبناك إلى هذا المستشفى بالذات لأنه الأقرب إلى جهة الجبال !

سكتت مصدومة وهي تسمع كلامه حرف حرف وذكرياتها بدأت ترجع لها تدريجياً ..صح هي مسكوها رجال قبل ساعات طويلة وخدّروها علشان يآخذونها معاهم لمكان هي ماتعرف عنه شي!

ربطوها بكرسي لحالها وكانوا يهددونها وبعد ماهربت منهم اختبأت بداخل الخزانة علشان محد يشوفها وكان هذا من أسوأ قراراتها.. لو أنها ركضت بالبرد كان أفضل لها من أنها تكتشف شي بشع ويشوه صورة شخص كان بالنسبة لها مصدر أمان بهالدولة الغريبة

بس هي أبداً ماتوقعت أنها هي اللي بتشوف الشخص اللي كان ورا كل شي وأن كل اللي حولها كانوا يخدعونها ويكذبون عليها وهي اللي سمحت لهم بهالشي..هي اللي رمت نفسها للنار وهي اللي صدقتهم وفكرت أنها قد كل شي.. لكن الواقع كان أكبر منها ..كان أكبر منها بكثير!

اهتز جسمها لما تذكرت الفزع اللي عاشته في هذاك المكان وكيف أنها كانت بين الحياة والموت بذاك الوقت .. قرّبت ركبها لعند صدرها وهزّت راسها بعنف وهي تبكي بصوت عالي

وقف المحقق على حيله وهو يناظرها بذهول ..ماتوقع أن كلامه بيغيّر حالتها للأسوأ و أنه راح يخليها تتذكر معاناتها هناك ..الحين كيف راح يقدر يخليها ترجع طبيعية نفس قبل؟

قال بهدوء : لابأس يافتاة لقد انتهى كل شي.. اهدئي الآن فقط ودعينا نتكلم قليلاً

ماكانت تسمع له وجسمها مستمر بالإرتجاف وكأنها في حالة صرع .. بدون تفكير طلع المحقق بسرعه من الغرفة وهو ينادي على أي دكتور متواجد حتى يدخل عليها ويكشف على حالتها الغريبة

بعد دقايق قليلة دخل الدكتور و معاه الممرضة اللي كانت شايله علبة أدوات بسيطه لكنها أساسية في الكشف..بحركه سريعة رفع الدكتور الشرشف الأبيض عنها لكنها مالتفتت له ولا حتى حست بوجوده
كل تفكيرها كان محصور بالحادث الصادم اللي تعرضت له وكيف أنه لازال في عقلها.. كانت تبكي بحرقة وخوف وهي تتحرك يمين يسار بجسمها

أشر الدكتور للممرضة بسرعه : اجعليها تجلس على ظهرها وامسكي بذراعها

هزت راسها وهي تروح عند ساره وتنفذ كلام الدكتور بالضبط مثل ماقاله وكان سهل عليها تسوي هالشي خصوصا وأن ساره ماكانت في وعيها أبدا

قرّب الدكتور منهم بعد ماتأكد من الأبره اللي بيده وبدون تأخير ركّز الإبرة في ذراعها وهو يدفعها ببطء وثبات..غمضت ساره عيونها بألم لما حسّت بحركة الأبرة في ذراعها لكن سرعان ما توقف ارتجافها وتحول لسكون

توقف بكاءها وارتخت ملامح وجهها وهي تحس بخدر غير طبيعي بجسمها إلى أن دخلت بنوم عميق..تقدمت الممرضة لعندها وهي تعدّل جسمها على السرير وتضبط المخده تحت راسها

قاس الدكتور نبضات قلبها بهدوء وهو يتأمل تغيرات وجهها بتمعن..تنهد وهو يشيل السماعات من على أذنه ويكّلم الممرضة : إنها مرهقة الآن وسوف تستيقظ بعد عدة ساعات..يجب عليها أخذ بعض الأدوية المسكنة بعد إستيقاظها مباشرة

الممرضة : حسناً سأجهز الأدوية في الحال

دق المحقق الباب وهو ينقل نظره بين الدكتور والبنت اللي على السرير..قال بهدوء : دكتور..هل أستطيع الدخول الآن ؟

الدكتور : بالــتــأكـيــد

دخل المحقق بثبات وهو يسأل: هل هي بخير؟.. لقد كان الأمر مفاجئاً لي ولم أعلم مالذي علي فعله لها لذا استدعيتك بسرعه

هز الدكتور راسه وهو يتحقق من الأوراق اللي عنده عن حالتها : إنها بخير لقد كانت تمر بنوبة هستيريا بسيطه وذلك بسبب تذكرها لأمر صادم أو موقف مخيف حدث لها من قبل ( ناظره )لن تحتاج للبقاء كثيراً في المستشفى..تستطيع إخراجها في أي وقت لكنها ربما لن تكون قادره على العيش بطبيعية لمدة من الزمن

المحقق : هل تقصد بأنها ستبقى هكذا لبقية حياتها ؟

الدكتور : ليس هكذا بالضبط فحالات الهستيريا تختلف بإختلاف الأشخاص والأفكار..فربما بعد أيام ترجع لطبيعتها وربما تبقى هكذا لعشر سنين أخرى ..لا أحد يعلم ذلك بالتحديد لكنها ستحتاج للعلاج النفسي وللأدوية المسكنه

تنهد المحقق بعمق وهو يسمع كلام الدكتور عنها وفي نفس الوقت أشفق عليها خصوصا و أنه مايعلم بالظروف اللي مرت فيها وكيف قدرت أنها تقاوم كل شي و تعيش

شكر المحقق الدكتور وقاله أنه راح يكون متواجد في المستشفى لفترة بسيطه حتى يشيك عليها لكن كان لازم عليه أنه يطلع و يروح لمركز الشرطه بما أنهم مسكوا بعض أفراد العصابة واللي كانوا ناوين يستجوبونهم بأسرع وقت حتى يعرفون من خلالهم خطط الرئيس ووين مكانه

قال المحقق بتنبيه : أرجوك يا دكتور لاتتركها لوحدها أبداً..إنها شاهدة مهمة لنا و نريد معرفة أقوالها حتى تساعدنا لكشف المجرم ..(بتأكيد) اتصل على رقمي الشخصي إن استيقظت الفتاة و سأترك شخصاً هنا معها حتى يحرسها .. لانريد أي أخطاء هذه المرة !
.
.
*********************
.
.
السعودية

في مبنى شركة الـ.......

فتحت رهف باب مكتب أبوها على وجه السرعه وهي تدخل بخطوات مستعجله وترمي الأوراق اللي بيدها على طاولة أبوها بقوة : بابا لازم تشوف شاللي صاير بفرع شركتنا في باريس !

تغيرت ملامح وجهه وهو يشوف طريقة دخولها وتصرفها اللي ماعجبه : رهف ..أنا كم مره قلت لك مكتب الشركه مو مكان تتصرفين فيه بهالطريقة..أنا موقايل لك قبل اذا تبين تدخلين تنسقين مواعيدك مع السكرتيره مثل الناس وبعدين تتكلمين معي بمواضيع الشغل

رهف بقل صبر : بس بابا هذا مو أي موضوع ..هذا له علاقة بشغل باريس و فرعنا اللي ...

قاطعها أبو راشد : فرع باريس أنا شايل يدي منه من يوم مامسك راشد الشغل ..هو المسؤول عنه ويعرف كل صغيره وكبيره تصير فيه فلا تتدخلين بشغل أخوك وخليك بمجالك

زفرت رهف هواء وقالت باستعجال : راشد من أمس ماداوم في الشركه وهالشي خلانا نخسر شحنتين مهمين كانوا المفروض يوصلون لنا من قبل .. أنا ماكنت راح أعطي الموضوع أي أهمية لكن وصلتنا شكاوي من الشركات والزباين اللي متواصلين معانا من سنين ولا قدرت أعدي هالشي (كتفت يديها بعصبيه) المشكله أني مهما حاولت أكلم راشد مايرد ولما كلمت فرع الشركه ماكان موجود من يومين والحين ماني عارفه كيف أتصرف

سكت أبو راشد بعد ماسمعها للنهاية وبدون مايرد عليها مسك الأوراق اللي حطتها رهف على طاولته وقرّبها له وهو يتصفحها بتركيز واستعجال..الكلام اللي قالته بنته كان بمثابة المنبه اللي صحاه من غفوته خصوصاً و أنه من يوم ماترك راشد وزوجته لحالهم مافكّر أبدا بموضوعهم مره ثانية لأنه بإعتقاده توقع أن مشاكلهم انحلت

بس دام أن هالمشكلة جات لين عندهم احتمال كبير أن يكون صاير لهم شي بباريس .. احتمال كبير أن راشد خدعه و مثّل عليه القبول و الرضا وهو أساساً مانسى ولا شي من الأسرار اللي عرفها من قبل..الشي الوحيد اللي كان خايف منه أنه يلعب ببنت الناس و يوريها الويل والذنب ماكان ذنبها أبدا.. الذنب ما كان إلا من .....

ارتجفت يدينه وهو يحط الأوراق على الطاولة ويغمض عيونه بتعب واضح

توسعت عيون رهف وهي تقرب منه بخوف : بابا.. فيك شي؟..تحس بعوار ؟

هز راسه بلا وهو يأشر جهة الطاولة البعيدة : مافيني شي بس أحتاج دواي يارهف شوفيه بدولايب ذيك الطاولة

بدون تأخير تحركت رجولها لجهة الطاولة الصغيرة وهي تفتحها وتآخذ الدواء بسرعه لعند أبوها ..ناظرته وهو يآخذ الحبوب ويحطها بفمه بدون مايشرب بعدها شي

رهف بتأثر: بابا لازم تشرب مويه مايفع كذا ..

رفع يده لها علشان يقاطعها عن الكلام وهو يقول: مو وقته الحين ..نحتاج نحل هالمشكلة بأسرع وقت..حاولي تتواصلين مع شركة باريس و أنا بشوف وين مكان أخوك وايش اللي صار له ..(تنهد) الله يكتب اللي فيه الخير

هزت راسها بتوتر : ان شاء الله
.
.
*************
.
.
الساعة التاسعة ليلاً- المستشفى

شهقت بقوة وهي تقوم من على السرير بخوف كأنها قايمه من كابوس مرعب ..حطت يدها على صدرها وهي تحس بقلبها ينبض بسرعه وبنفس الوقت كانت تتأمل ظلمة المكان حولها ببطء ..حست بالخوف أكثر وهي تسمع الأصوات اللي برى والحركات البسيطه اللي كانت تقدر تشوفها من الجزء الشفاف الموجود بالباب

زفرت هواء بهدوء وهي تحاول تهدي من خوفها علشان تتذكر هي وين؟

صورة مشوشة بدأت تظهر في عقلها لدكتور كان يتكلم بصوت عالي و لممرضة كانت متواجده بنفس المكان ... صح كان في رجال تكلم معاها بعد وقال لها إنهم موجودين بداخل مستشفى لأنها فقدت وعيها بمكان مجهول

ضمّت نفسها وهي تناظر الباب بخوف من أنهم يدخلون عليها مره ثانية ..أنها تسمع نفس الكلام اللي مازال يرن في عقلها شي مو قادرة تستحمله أبداً..هي مانست كثير.. للحين تتذكر وخايفة بسبب أنها مازالت تتذكر!

نبض قلبها فجأه وهي تسمع كلمات مو مفهومة بعقلها ..كلمات بصوت قديم عليها.. أو يمكن هي تخيلت أنه قديم و حطته بالذكريات المنسية

رفعت يدينها الثنتين وهي تصمّ فيهم أذنها بقوة كأنها كانت تحاول أنها تعزل نفسها عن كل شي.. نزلت دموعها بخفه على وجهها وتغيرت ملامحها وهي تحس بأن محاولتها في صمّ أذنها فشلت لأنها مازالت تسمعه

"صوته ..! "

" صوته للحين في أذني مو قادرة أمحيه! .. ليه مو راضي يروح من بالي صوته ؟ ليه أحس بأنه قريب .. قريب لدرجة أني أسمعه في أذني و كأنه جمبي ؟!"

غمضت عيونها وهي تتذكر هذاك الموقف اللي ياما فكّرت أنها نسته لكن عقلها اللاواعي كان دايما يذكرّها بذاك اليوم ..لما ضاعت بالغابة و من الخوف حضنته بقوة من ظهره لأنها كانت تحتاجه !

كانت تحتاج أمانه و كلامه وضعفه اللي ماكان يظهر إلا لها ..بس ليه هي تسمع صوته والحين بالذات ؟

معقولة تبغى تشوفه ؟!

هزت راسها تبعد أفكارها وهي تدري بداخلها أنها ماتبغاه وأنها الحين مرتاحة بدونه لأنه هو اللي جاب لها المصايب والمشاكل ..هي ماكانت تحتاجه أصلاً ..هي كانت تبغى أي أحد ينقذها وصدفة كان هو اللي موجود بذاك الوقت .. أما الحين هي اللي لازم تتحرك وتهرب من الواقع المزعج وترجع لحياتها القديمة

زفرت هواء بتوتر وهي تمسك اليد اللي كانت عليها المغذي و بحركة سريعه شالته من على يدها بقوة وهي ترميه بالأرض..قامت من على السرير بصعوبة وهي تحط رجولها على البلاط البارد وتحاول أنها تمشي خطوة خطوة

كانت تمشي بهوادة مثل الأطفال بسبب الألم اللي كانت تحس فيه بجسمها..بلعت ريقها وهي تتوجه لعند الدولاب اللي كان مقابل لسريرها وأول ما وصلت له فتحت الأدراج اللي فيه وهي تشوف اللي داخله..كانت تحاول تدور أي شي تقدر تغطي فيه شعرها وجسمها علشان تطلع من هالمكان وهي ساترة نفسها

ماكان في شي موجود داخل الدولاب إلا جاكيتها الطويل ولحاف بني خفيف مركون في الزاوية..لبست الجاكيت بسرعه وهي تقفله على جسمها أما اللحاف أخذته بيدينها وهي تتأمله بتمعن ..شكله كان مقارب لشكل الشال لكن كان صعب عليها أنها تستخدمه كحجاب بسبب طوله وسماكته

" مافي غيره يا سارة ارضي فيه .. أهم شي تطلعين من هنا وانتي مغطية نفسك ! "

هزت راسها بتأكيد وهي تضغط بيدينها على اللحاف وترفعه على راسها ..حاولت قد ماتقدر أنها تساويه على وجهها وبنفس الوقت يغطي جسمها لكنها ماقدرت.. تأففت و هي ترجع تحاول تحطه فوق راسها وتمسكه من النص عند وجهها لكنها حسّت أن هالشي ماينفع أبداّ وهي تشيله من عليها
بدون تفكير مسكت اللحاف وهي تمسكه من النص بيدينها الثنتين وتقطعه بقوة من أوله لآخره لما صارعندها قطعة قماش طويلة لكنها مو عريضة مثل قبل.. حطّت القماش مره ثانية على راسها وهي تلفه أكثر من مره بسبب طوله عليها ..مع أن شكلها ما كان زين وهي عارفة بهالشي لكنها عالأقل قدرت أنها تغطي شعرها و جزء من جسمها بهاللحاف البسيط

زفرت هواء بتوتر وهي تمشي لعند الباب وتفتحه بشويش..ناظرت من الفتحه الضيقه للباب وهي تتأكد بنفسها إن كان فيه أحد برا أو لأ ولما حست أن الطريق خالي طلعت بسرعه من الغرفة وهي تسكر الباب وراها بدون صوت
أول ما لفت على وراء كتمت نفسها بخوف وهي تشوف شخص لابس لبس العساكر جالس عالكرسي قدامها بالضبط لكن الشي اللي استغربته أنه كان نايم بعمق ولا حاس بالدنيا من التعب

بلعت ريقها وهي تمشي خطوة خطوة خايفة لا يصحى فجأه ويمسكها أو أن الممرضة اللي كانت عندها تكشفها وهي طالعه وتدخّلها الغرفة غصب عنها.. قلبها كان ينبض بخوف وهي تفتح البوابة الشفافة اللي وصلت عندها وتطلع من القسم اللي كانت متواجده داخله

وقفت وهي تناظر حولها بإرتباك .. مو عارفة وين تروح ؟ ..المكان كله أبواب من حولها ومصعد واحد نهاية الممر ومافي ولا أحد موجود بهالطابق .. لوين ممكن تتوجه علشان توصل لبوابة الخروج ؟

سمّت بالله وهي تمشي للمصعد بصعوبة وتضغط على زر النزول..وقفت مكانها وعيونها على الإشارة الحمراء اللي كانت تتغير بأرقام الطوابق ببطء وهي كاتمة نفسها من الخوف

كانت تعد الثواني في عقلها وهي تنتظر باب المصعد يفتح .. مع أنها كانت واقفة لثواني بسيطة لكنها حسّت بأن الزمن كان يمر بشويش لدرجة أن كل ثانية تمر كانت كأنها ساعة

مع كل رقم يزيد عل اللوحة كان قلبها ينبض بخوف وهي توها تفكر بأنها واقفة لحالها و أن مافي أحد معاها في هالمكان بالذات.. اذا صار لها أي شي محد راح يدري عنها وهي بهالمكان

بلعت ريقها وهي تسمع صوت المصعد بأنه وصل وبدون شعور منها التفتت بسرعه وهي تمشي جهة الدرج بخطوات ضيئلة لكن بنظرها كانت سريعة ..أول ماوصلت جهة الدرج نزلت رجل وراء الثانية بهدوء حتى ماتتعب نفسها على ماتوصل للدور اللي تحت

سمعت صوت المصعد وهو ينفتح وصوت خطوات تطلع منه أو أنها كانت تتخيل هذا الشي هي مو عارفة في داخلها لكنها من التوتر حاولت تسرع بخطواتها قد ماتقدر وهي تمسك الجدار بيد وبيدها الثانية كان تحاول أنها تثبت القماش اللي على راسها علشان مايطيح عليها وهي تنزل

مع كل درجة تنزلها كانت تقرأ بخاطرها المعوذات بشكل متكرر وهي تضغط على الشرشف بقوة تستمد منه شوية أمان بما أنه مغطيها ..رفعت راسها وهي تستوعب أنها و أخيرا وصلت الدور الأرضي بعد ما نزلت ثلاث طوابق بنفسها

أول ما حطّت رجلها عالأرض وقفت تتأمل المكان بنظرات خاطفة وفي بالها تدّور أي أحد يشتغل بالمستشفى لكنها مالقت

كان الدور الأرضي كله مظلم إلا من أنوار خافتة متفرقة عالجدران..تحركت سارة ببطء وهي تلتفت يمين يسار تحاول أنها تشوف أي أحد علشان يساعدها..رمشت بخفة لما لاحظت أن في شخص جالس بمنتصف المبنى داخل مكتب يشبه الحلقة الدائرية وقدامه كمبيوتر واحد وواضح أنه مفتوح بسبب النور اللي يطلع منه

ما كانت مصدقة اللي كانت تشوفه قدامها اذا كان واقع ولا خيال لكنها قررت أنها تروح له وتتأكد بنفسها لأنها بهاللحظه ماعندها أي شي تخسره

مشت بهدوء متوجهة لعنده ومع أنها كان ودها لو تسرع بمشيتها أكثر لكن كان لازم عليها تخفف الجهد عن رجلها حتى ما تضعف وتجلس من التعب ..أول ماوصلت عند المكتب تمسكت بالطاولة وهي تسند نفسها عليها وتناظر الرجال اللي كان جالس على الكرسي مقابلها

كان مرّكز نظره على الأوراق والملفات اللي قدامه وهو يحاول يدخلّ كل فئة معينة داخل ملف واحد خاص فيها..من شدة انشغاله ما حس أبداً بوجود أحد قدامه ولا فكر أنه يلتفت عليها وهو يحرّك يدينه بسرعه بين الأوراق

بلعت ريقها وهي تدّق بيدها على الطاولة : عذرا !
الفتت بشكل سريع ومفآجئ عليها ..غمض عيونه وفتحها وهو يناظر قدامه بصعوبة ..الحين فعلاً في أحد قدامه ولا هو يتخيل ؟ و بعدين ليه شكلها مبهذل كذا وليه حاطه هالقماش الغريب فوق راسها ؟
كان يتأملها والتساؤلات تملأ عقله .. ما كان مركز معاها أبداً

تنهدت ساره وهي تدق الطاولة مره ثانية : اذا سمحت .. هل لك أن تخبرني عن مكان الخروج من هنا ؟
هز راسها بثبات بعد ماسمعها تتكلم و تأكد بأنها شخص حقيقي يكلّمه

تكلم بشكل سريع وهو يأشر لها : اذهبي من تلك الجهة ثم غيري اتجاهك لليمين من هناك ستجدين بوابة الخروج من المشفى

ردت بإمتنان : حسناً..شكرا لك

كانت توها بتمشي لكنها وقفت فجأه وهي تلتفت عليه : هل تعرف إلى طريق أذهب لأجد محطة القطار ؟
عقد حواجبه : ستذهبين لمحطة القطار في هذا الوقت وانتي بهذا الشكل ؟!

سكتت ساره وهي مو عارفة كيف ترد عليه ..كان أقل اهتمامها شكلها بهاللحظه..هي بس تبغى توصل لأي مكان بعيد عن هالمستشفى والشرطه اللي يراقبونها

قالت بهمس : أرغب بالرجوع لباريس !

ناظرها بصمت وفهم من نبرتها أنها يائسة! ..بالنهاية ماقدر غير أنه يآخذ ورقة من الأوراق الفاضية اللي جمبه ويرسم لها الطريق الأسهل والخالي من المخاطر علشان توصل لمحطة القطار بسهولة
مد لها الورقة : اتبعي هذا الطريق بدقة وستصلين في نهايته للمكان الذي تريدينه

ظهرت ابتسامة على وجهها وهي تآخذ الورقة منه : شكراً.. أنت لا تعلم كم أنك ساعدتني كثيراً!

التفتت على وراء وبدت تمشي بصعوبة متوجهة لعند البوابة الزجاجية البعيدة واللي راح تطلّع منها للمجهول.. مو عارفة كيف راح تمشي كل هالمسافة ولا عندها الفلوس الكافية علشان تروح مع تاكسي..ماعندها الا كم ورقة يورو كانت داخل ملابسها اللي كانت لابستها قبل ولا زالت موجودة بجيب جاكيتها

لفت يمين مثل ما قال لها الرجال ولقت البوابة قدامها بالضبط..وقفت بصمت وهي تتأمل الشارع من الزجاج الشفاف للبوابة..حسّت بإرتجاف أطرافها وهي تشوف الجو المظلم برا المستشفى ولا قدرت أنها تتحرك و تطلع

جلست مدة وهي على نفس حالتها..واقفة بثبات تجاهد نفسها أنها تمشي خطوة وتفتح الباب علشان تطلع..كانت تفكر بداخلها اذا كان قرارها في محله أو لا..هل فعلاً طلعتها من هالمكان بتكون في صالحها أو أنها قاعده تحفر قبرها بنفسها ؟

مسكت مقبض الباب بإصرار لما طرا على بالها اللي صار لها قبل ساعات وكيف أنه ممكن ينعاد مره ثانية اذا ظلت بمكانها و لا تحركت

مع أن العالم الخارجي كان مخوفها بس التجربة اللي عاشتها كانت مرعبة أكثر و مستحيل ترضى لنفسها أنها تعيدها مره ثانية

سحبت المقبض على ورا وهي تطلع برا بسرعه حتى ماتغير تفكيرها وترجع تدخل للمستشفى وتروح للغرفة اللي طلعت منها بنفسها ..مشت ببطء وهي تناظر الخريطة اللي رسمها الرجال بتمعن .. حطت يدها على خط البداية وهي تمشي معاه بهدوء علشان تتجنب الأماكن المشبوهة وتوصل للمحطة

عقدت حواجبها وهي تتأمل اللفات المرسومة بصعوبة وتحاول أنها تفهم الكلمات المكتوبة عليها لكنها وقفت فجأه لما حسّت بيد تمسك ملابسها بقوة وتسحبها من مكانها

صرخت ساره بصوت عالي وهي مو حاسة بنفسها ولا قادرة تشوف شي من الظلام..كل اللي ببالها كان هوية هالشخص اللي لحقها ومسكها بدون لا تحس فيه

سكتت لما سمعت صوت تنفسه السريع : و أخيراً وجدتــك !

شهقت بخوف لما تعرفت على وجه رئيس الشرطة وبدون تفكير بعدّت يده اللي كانت ماسكه جاكيتها وحاولت أنها تركض بصعوبة لكنها ماقدرت تبعد عنه بسبب ألم رجلها

ابتسم بسخرية وهو يناظرها من ورا ويتذكر ردة فعله قبل دقايق لما وصل المستشفى علشان يشوفها لكنه تفآجئ بالغرفة الفاضية تنتظره.. السرير كان في حالة فوضى والكبت اللي بالغرفة مفتوح ومافيه شي..من شدة صدمته وقف ساكت مو قادر يسوعب عدم وجودها

هالبنت كانت الخيط الوحيد اللي يربط بينهم وبين المجرم اللي راح يمسكونه و ما كان فيه غيرها اللي يقدر يعلمهم عنه لكن الحين ...

طلع من الغرفة والشرر يتطاير من عيونه وهو يوقف عند الجندي اللي تركه يراقبها لكنه ما أدىّ مهمته بالشكل المطلوب


صرّخ المحقق بصوت عالي : أين ذهبت الفتاة ؟

فتح الجندي عيونه فجأة وهو يرمش بشكل سريع ..ناظر الشخص اللي كان واقف جمبه بصدمة :سيدي ؟!

قرب وجهه منه : إلى أين ذهبت الفتـــاة ؟!

وقف الجندي من مكانه بإرتباك وتوتر وهو يدخل غرفتها بسرعه ويحاول يدّور عليها ..طلع من الغرفة وهو منحرج من رئيسه ولاقدر يناظر وجهه وهو يقول : لا أعلم حقا إلى أين اختفت ؟!.. لقد كنت موجودا طيلة الوقت ولم أشعر بخروجها من غرفتها

قال وهو يصرّ على أسنانه: لا أصدق أني اعتمدت على جاهل مثلك (سكت وهو يتمالك أعصابه) اذهب إلى الحمامات وابحث عنها هناك أما أنا سأذهب لأسأل الموظفين هنا عنها

هز راسه وهو يتحرك بسرعه مبتعد عن المحقق اللي بدون تأخير مسك جواله وهو يرسل رساله لبعض الرجال علشان يساعدونه في البحث ويمسكونها بسرعه

نزل المحقق بالدرج لأنه حس أنه يبي يوصل الدور الأرضي بنفسه ولاراح يقدر أنه ينتظر المصعد علشان يوصل لفوق ..كان يركض بشكل سريع وهو يحس ان الوقت كان يداهمه واذا مالقى هالبنت راح تروح عليه كل المعلومات

وصل الدور الأرضي وهو يتنفس بشكل سريع ويحاول أنه يدخل أكسجين لجسمه قبل لا يمشي ..عقد حواجبه وهو يلمح جسم من بعيد عند بوابة الخروج وبعد ثواني بسيطه أستوعب أن مافي غيرها اللي بيكون واقف هناك

ركض بأقصى جهده وهو يوصل للبوابة الزجاجية ويفتحها بقوة ..ناظر يمين يسار وشافها هناك تحاول أنها تمشي مبتعده عن المستشفى لكنه ماسمح لها أنها تكمل وهو يشد جاكيتها ويسحبها لجهته

زفر هواء بهدوء لما شافها هربت منه مره ثانية لكنها ماكانت قادرة تحّرك رجلها زين وهذا الشي اللي كان مريحه من داخل ..أخيرا قدر يمسكها بشكل صحيح وهي واعية قدامه

مشى بخطوات بطيئة وراها وقال بصوت عالي : لماذا خرجتي من المستشفى ؟ هل أنتي خائفة من أحد؟

حسّت فيه وهو يمشي وراها وحاولت تسرع بس تألمت رجلها ووقفت

شدت قبضتها بقوة تخفي ألمها : لاتقترب مني !

وقف بعيد شوي عنه : لا تـقـلـقي لقد وقفت بعيداً.. هل رأيت؟ أنا لست بقربك أبداً (كرر بهدوء) لاتقلقي فقط اهدأي قليلاً

كانت صدرها يطلع وينزل والهواء البارد يطلع من أنفها : لم لحقت بي ؟ هل ستأخذني إلى ...

سكتت وهي تحس بالغصة في حلقها لما تذكرت أشكال اللي خطفوها ومعاملتهم لها

حسّ المحقق من سكوتها أنها راح تبكي لكنه تكلم بسرعه : لا لا..من المستحيل أن آخذك هناك..أنا من الشرطه ونحن الذين أنقذناك من ذلك المكان وجلبناك للمستشفى ..ألا تذكرين ذلك ؟

حاولت تهدي نفسها وهي تحط يدها على قلبها علشان لاتبكي

ناظرته وهي تقول : اذاً..مالذي تريده مني ؟

المحقق : أريد المعلومات فقط !

عقدت حواجبها : معلومـات ؟

هز راسه بحماس وهو يشرح : أجل ..كنا نريد فقط سؤالك بعض الأسئلة لنستطيع معرفة الشخص المسؤول وراء كل هذا ولمَ فعل ذلك؟ ..(سكت) عموماً لقد كنا سنرسلك لمنزلك إن انتهينا من الإستجواب وإن أصبحتي في صحة جيدة

توسعت عيونها بشكل مفآجئ من كلامه لأن صورة الشخص اللي كان مخطط لكل شي جات في عقلها وبدون شعور منها دمعت عيونها

استغرب المحقق من ردة فعلها لكنه تذكر كلام الدكتور عنها لما شّخص حالتها بتعب نفسي واحتمال يؤدي للهستيريا اذا رجعت لها كل الذكريات اللي صدمتها قبل

قرب منها وهو يحاول مايلمسها : اهدأي يافتاة وامسحي دموعك انتي في أمان هنا ..لن يقترب منك أحد منهم مرة أخرى اذا ظللتي في هذا المكان ..أفهمتي؟

سكتت سارة وهي منزله راسها بالأرض لكنها سرعان مارفعته وهي تقول بإنكسار : سأعطيكم كل المعلومات التي تريدونها لكن لدي شرط..اذا نفذتم شرطي سأقول لكم ما أعرفه

زاد استغرابه منها : وماهو هذا الشرط؟

ناظرت عيونه بقوة : أريد الرجوع إلى بلدي
.
.
.
.


.
.
.
في مكان آخر بعيدا عن باريس والقرية الفرنسية


بعد جهد جهيد من البحث قدرت شوق أنها تعرف أكثر عن حادثة موت زميلتهم بالجامعه لأن الشخص اللي قتلها انمسك اليوم وهي راحت مركز الشرطه اللي مسكوه بس علشان تفهم سبب قتله لها

ليه كان لازم على نسرين بالذات أنها تموت ..ماكانت فاهمة السبب ؟

أول ماوصلت المركز قالوا لها الشرطه أنهم قدروا يمسكونه لأن في تسجيل كاميرا وصلهم قبل ساعه من شخص مجهول ولا أحد يعرف عنه شي ..لما فتحوا التسجيل لقوا أن الرجال المجرم كان يلحق نسرين لكل محطه راحت لها و في تسجيل ثاني له من كاميرا بعيدة لكنها كانت جنب البيت اللي هي ساكنه فيه ومن جهة دريشة غرفتها بالضبط ..كانت الدريشة مفتوحه وواضح من التصوير أن الشخص اللي كان يلحقها بهذاك اليوم هو نفسه اللي قتلها

استغربت شوق أن تسجيل الكاميرا وصل الشرطه من غير بحث ولما شافت صورة القاتل أبدا ماعرفته و ولاعمرها شافته بحياتها..معقولة يكون شخص يلاحقها من زمان ؟!

غمضت عيونها بأسى وهي تتذكر صورة نسرين في عقلها و ماقاومت نزول دمعه من عينها

كان قلبها مكسور وهي تفتح سيارتها وتركبها بهدوء..حرّكت السيارة بصمت وهي سرحانه بالطريق الخالي وأفكارها تآخذها لمكان بعيد وكأنها مو موجوده داخل سيارتها وتسوق بهاللحظه

كيف الإنسان بلحظه يكون موجود وبلحظه ثانية يختفي للأبد..ماعمرها تمنت الموت لأحد لأن مجرد طاريه يخّوفها ويرجعها لفكرة موت أمها وأنها ماقضت معاها إلا أيام بسيطه لما كانت طفله

دعت شوق بقلبها أن الله يرحم نسرين و يصّبر أهلها على فراقها

رمشت بعيونها فجأه وهي تناظر يسارها بعدم إستيعاب

"لحظة.. من متى وأنا موقفة جمب بيتنا؟ "

كانت عيونها معلقة بباب البيت و هي مو فاهمة كيف ساقت كل هالمسافه بدون ماتحس.. والمشكلة أنها كانت سرحانة طول الوقت لدرجة أنها ماحست بنفسها لما وقفت سيارها بجمب الرصيف..حمدت ربها أن الشوارع كانت فاضية ولا ايش كان راح يصير لها لو كان الطريق مليان سيارات بهالوقت!


سحبت شنطتها لحضنها وهي تدّور على أدويتها بفوضوية..عقدت حواجبها بإستغراب لما مالقت علبة الدواء داخل الشنطة..بحركه سريعه منها طلّعت كل أغراضها لبرا وهي تفتش بينهم بدقة لكنها مالقت شي

حطت يدها على جبهتها وهي تغمض عيونها بإرهاق .. أكيد أنها نست تآخذهم من درج تسريحتها بسبب إستعجالها اليوم ..علشان كذا هي تحس بالتعب زايد عليها ومو قادرة ترّكز

أخذت نفس قوي و زفرته بهدوء..طلعت من السيارة وهي تقفلها من برا في نفس الوقت كانت تحاول أنها تكون مركزة بخطواتها علشان توصل غرفتها بسرعه وتآخذ الدواء قبل لايزيد التعب عليها ويآخذونها المستشفى مره ثانيه

وصلت للباب وهي تطلّع مفاتيحها وتوها كانت بتحطهم بالقفل لكن الشي اللي استغربته أن طرف الباب كان مفتوح لكنها ما لاحظته إلا الحين..عقدت حواجبها وهي تمد يدها وتفتح الباب بشويش وبدون صوت..خافت بداخلها لا يكون أحد غريب داخل بيتهم بدون علمهم خصوصا وأنها ماتدري اذا أبوها و أخوها موجودين ولا لأ

وقفت مكانها قبل لا تدخل وحسّت أنها لازم تكّلم أحد منهم علشان بس تتأكد من شكوكها واذا كان في حرامي بالبيت تكلّم الشرطة قبل لايصير أي شي لأهلها أو لها

بلعت ريقها بصعوبة وهي تآخذ جوالها وتدوّر على اسم أبوها لكنها وقفت فجأه لما سمعت صوت فارس أخوها داخل..تنهدت براحة وهي تدّخل جوالها في شنطتها وترجع تفتح الباب بشويش وهي تبتسم بسخرية على غباء أخوها اللي دخل وترك الباب مفتوح كذا بدون لايقفله


مشت لعند الصالة وهي تتتبع صوت فارس بأذنها وكانت توها راح تتكلم و تسلم عليه بس صوته العالي وقّفها مكانها بدون شعور وهي تتأمل ظهره من ورا

انصدمت من طريقته الإنفعالية وهو يتكلم في جواله و رجعت خطوة للخلف علشان مايحس بوجودها..سكتت وهي تناظره بخلسه وتشوف تعابيره الجادة من على جنب وهو يصرخ بشكل أرعبها.. ماقدرت أنها تبتعد عن المكان لما سمعته يتكلم عن شي كان من آخر توقعاتها أنه يعرفه

فارس بعصبية: أنا لا أهتم إن كان ذلك سيئاً لنا أم لا هل فهمت ! .. إن التسجيلات التي ذهبت للشرطة درس لكم جميعا حتى تقوموا بكل أمر أطلبه منكم(سكت شوي ) نعم أنا من أرسل ذلك الوغد للسجن لأنه خالف أوامري وقام بأمر سيء دون إخبارنا

تحرك بتوتر : كنت أريد حماية أختي فقط وكل ما قلت له هو أن يخيف تلك الفتاة عن طريق الرسائل لا أن يقتلها !.. ألم تستوعب ما أقول؟ إنه هو الشخص المخطئ لأنه قاتل وكل قاتل يجب أن يكون في السجن!

وقف مكانه وهو يسمع الطرف الثاني بهدوء لكن سرعان ما ارتفع صوته : أبي ليس مثله أبدا! إنه شخص طيب و يعرف كيف يتصرف في مثل هذه الأوضاع.. و الآن أخبرني.. أين أبي الآن وهل هو بخير أم عادت إليه حالته المرضية ؟

تغيرت ملامحه للصدمه و لا عرف بإيش يرد..ماكان متوقع أن الدكتور الملازم لأبوه ماكان عارف بمكان أبوه ولايدري إن كان حي أو ميت

قال بضياع : لحظه .. أنت تقصد بأنك لا تعلم مكانه؟..لكن يا دكتور..أنت الشخص الوحيد الذي يعلم بحالته فكيف تتركه وحده فجأه! ألديك فكرة كيف سنجده الآن ..إنه رجل مريض!

سكت فارس فجأه وهو يلتفت على وراء بإستغراب لما سمع صوت ينادي بإسمه..كانت قاعده بالأرض على ركبها وهي تكح بقوة وتحاول تنادي فارس بصعوبة

تأملها بصدمه وهو ينزل الجوال ويركض بخطوات سريعه لجهتها .. نزل على ركبته وهو يمسكها ويناظر بوجهها بتمعن : شوق .. المستشفى؟

هزت راسها بنفي وهي تأشر على فوق : الدواء.. في درجي...

هز راسه بسرعه وهو يروح للدرج وبثواني بسيطه نزل من غرفتها ومعاه علبة دواء جديدة لقاها بدرج أدويتها .. فتحها بسرعه وهو يآخذ حبتين ويعطيها إياها وهو يناظرها بتوتر وخوف

أخذتهم وبلعتهم على السريع بدون ماتشرب شي بعدهم ..كانت تكح بتعب وهي تحط يدينها على راسها تخفف من قوة الصداع اللي جاها بسبب الإرهاق ولأنها ما أخذت أدويتها اليوم

رفعت عيونها وهي تشوف أخوها يناظرها عن قرب والخوف واضح على وجهه

قالت بهدوء : صداع ويروح.. زي كل مرة

فارس : برضو لازم آخذك المستشفى والحين ..على كل ألم يجيك لازم تفحصين !

مسك يدها وهو يحاول يقومها معاه لكنها بعدتها عنه وهي تقول بحذر : في موضوع في بالي أهم من المستشفى

عقد حواجبه بعصبية : ايش اللي أهم من صحتك يا شوق !


ناظرته وهي تحاول أنها تكون قوية : موت نسرين أنت لك علاقة فيه ؟

رد بإستغراب : ايش ؟

شوق : سمعتك وأنت تتكلم .. قلت أنك أنت اللي عطيت تسجيلات الكاميرا للشرطه وأنك أنت اللي دخلته السجن ..علشان كذا أنا أسألك (ناظرته بحقد) أنت لك علاقة بموتها ؟!

زفر هواء بهدوء وهو يناظرها بصمت : أنتي شكلك مو في حالتك الطبيعية (قوّمها من مكانها) روحي الحين فوق وأخذي لك شاور يصحصحك وبعدها ارتاحي في غرفتك لما تحسين نفسك أحسن تعالي وكلميني

توسعت عيونها : أنا ماراح أهدأ الا اذا قلت لي ايش الموضوع وليه كل هذا صار فجأه واليوم ؟!

ارتفع صوته: شـوق ! لاتخليني أطلع من طوري..أنا فيني اللي كافيني و انتي تعرفين أنك اذا زدتي علي بكلامك ماراح أعطيك أي جواب فروحي فوق وخليني أشوف شغلي لحالي

بدون إحساس نزلت دموعها : نسرين ماتت! تفهم ايش يعني ماتت ؟! ..ماعادت موجوده خلاص وتوني اليوم أدري ..رحت مركز الشرطة بس علشان أعرف عنها كل شي وماتوقعت أن أخوي بيكون له يد في السالفة!

غمض عيونه بقل صبر لما شافها تبكي وحس أنه لازم يقول لها أي شي بس علشان ماتتعب نفسيتها ويرجع المرض لها

قال بهدوء : شوفي ..اللي قتلها واحد من رجال العصابات و أنا بس بلغّت عليه الشرطه وهم مسكوه

قاطعته : لا ما كان كذا كلامك .. أنت قلت أنك تعرفه من قبل !

فارس بقل صبر: شوق ...

قاطعته مره ثانيه بصوت مرهق : أبغى أعرف كل شي.. ما أبي عقلي وقلبي يتعبون أكثر..ريّح بالي يا فارس تكفى!

سكت شوي وهو يناظره ويتنهد : طيب روحي جلسي بالصالة هناك..شوي و أجي أقول لك كل شي

بلعت ريقها وهي تمشي ببطء وتجلس عالكنب الأبيض الجلدي اللي كان مقابلها

مسحت وجهها بمنديل وهي تنتظر فارس اللي انتبهت عليه وهو طالع من المطبخ مع كاس مويه بيده

أخذت الكاس منه وهي تناظره بامتنان : شكرا

انتظرته يجلس مكانه وهي تسمعه يقول لها : ايش تبغين تعرفين ؟

حطت الكاس عالطاولة جمبها : كيف تعرف اللي قتل نسرين ؟

فارس :أعرفه من سنين..كان معاي بالشغل ويسمع كلامي اذا طلبت منه أي خدمه بحكم إني كنت زين معاه من قبل

شوق : بس ليش طلبت منه يخوفها و كيف عرفت أنه كان يلحقها؟

فارس بصدق : نسرين كانت راح تسوي مكيدة لسارة وأنا طلبت منه أنه يرسل لها رسائل تهديد علشان تخاف وماتسوي اللي براسها لكنه تمادى لما ماسمع كلامي ولحقها لبيتها وقتلها هناك ولأني كنت شاك في إنه ممكن يسوي هالشي ركبت كاميرات على المناطق القريبه من الجامعه والبيت اللي كانت ساكنه فيه

سكتت وهي تناظره بصدمه ..ماتوقعت أخوها يفكر بهالطريقة ويسوي مثل هالشغلات من ورا علمهم .. لوعرف أبوها عن حركاته ايش راح يقول ؟!

حركت رجلها بتوتر : أنا للحين مو فاهمة كيف هو فكّر أنه يمّوتها من على كيفه ؟.. يعني ليه ؟ أصلا هو ايش راح يستفيد من هالشي ..أنت فاهم قصدي؟ مافي علاقة بين طلبك وبين اللي هو سواه

فارس : ولا أنا فاهم .. كل اللي أعرفه أنه هو اللي غلط وبما أنه قتل شخص فأقل عقاب ممكن يآخذه أنه يدخل السجن

سرحت شوق في وجه أخوها لدقيقة وعرفت بداخلها أن في شي هو مو راضي يقولها عنه

كان واضح عليه أنه يكذب من أول جملة قالها لها .. مستحيل مثل هالشخص المجرم يكون زميل أخوها في الشغل و من متى أصلا كان له علاقة بمثل هالناس وهو مشغول بالجامعه والدراسة؟!

فهمت أن في موضوع كبير مخفي عنها لكنها قررت ماتبين لفارس أنها حست بهالشي..راح تسوي نفسها مصدقته و تنهي الأسئلة لأن استجواب فارس ماراح يفيدها ولا راح تقدر تعرف السر وراء هالجريمة


ارتجف جسمها لما سمعت فارس ينادي بإسمها وناظرته بإهتمام

شوق: شفيك ؟

رد بإستغراب : لا بس صار لك وقت طويل ساكته وسرحانه.. بإيش كنتي تفكرين ؟

سكتت شوي وهي تناظره بعدها قالت بهدوء

: الشخص اللي كنت تكلمه بالجوال.. مين كان ؟

ناظر على جنب: واحد من الشرطه .. كان يبغى يعرف ليه أنا بلغّت عن القاتل

هزت راسها ببطء وهي تتأكد بداخلها أن فعلا أجوبته مالها فايده.. كلها كذب !

قام من مكانه وهو يوجه لها الكلام : اذا خلصتي من الأسئلة فأنا طالع الحين لكن قبل ما أروح أبغى أتأكد أنك مو تعبانة علشان آخذك المستشفى

هزت راسها بلا : ماحس بالتعب ولا أبغى المستشفى..(سكتت) أبغى بس أكون لحالي لفترة

هز راسه وهو يتنهد بقل حيلة..تحرك فارس بخطوات كبيرة طالع من البيت وسط نظرات أخته الضايعة ..ايش كان مخبي وراه وليه كل هالكذب ؟ ..ما كانت عافة الجواب ولا تدري اذا كان لازم عليها تتصرف ولا تعدّي الموضوع وتريّح راسها ؟!

غمضت عينها بقوة

" ياربي .. ايش اللي دخلنا فيه فجأه ؟! "

.

.

***************

.

.

بهدوء فتح عيونه تدريجياً وهو يتأمل المكان حوله بإستغراب..ظلام دامس من كل جهة و كأنه في عالم من سواد.. كان وحيد ومافي أحد بجنبه لكن فجأه انمدت يد من وسط الظلام وتمسكت فيه بقوة..ناظرها بضياع وهو يتأمل الهالة الذهبية اللي حولها وبدون تفكير عرفها

عرف أن اليد يدها وأنها هي صاحبة الهالة المضيئة اللي دخلت ظلامه وغيرته..تمسك بيدها وهو يشد عليها لكنها أرخت وهي تبتسم له..تفاجأ منها وهو يشوفها تبعد يدها عنه وهو يحاول فيها بأنها ماتتركه

ألتفتت ساره عليه بإبتسامه : إنساني يا راشد !

ومع نهاية جملتها تركت يده و ابتعدت عنه لمكان بعيد وكأنها ماكانت موجودة من الأساس ..أما هو حاول أنه يلحقها لكنه لقى نفسه يغرق وسط العالم المظلم اللي كان فيه..غرق جسده وعقله و بقى قلبه معاها

مسك لسانه لا يناديها ولا يبغى أنه يهين من كرامته علشانها لكنه لقى نفسه ومن غير شعور يهمس : ارجعي لي !

شهق بصوت مرتفع وهو يقوم على حيله من السرير ويناظر حوله بصدمه..تغير كل شي فجأه وهو يتأمل غرفة المستشفى الصغيرة اللي هو فيها و كأنه في حلم وبداخله يتساءل هو وين فيه الحين ؟

توسعت عيونه وهو يناظر جهة الباب اللي انفتح قدامه : يبه ؟!

دخل أبو راشد بخطوات سريعه وهو يناظر ولده بلهفة وخوف : شلونك هالحين ؟ تحس بشي ؟ (وقف فجأه) لحظه بروح أنادي الدكتور أقوله أنك جلست

و قبل لا يطلع تكلم راشد بسرعه : يبه..انتظر شوي (غمض عينه ببطء) احنا وين ؟


تنهد أبو راشد وهو يقرّب من سريره : احنا حالياً بمستشفى في باريس (تأمله بحذر) راشد.. أنت مو ذاكر شي من اللي صار لك ؟

تجاهل سؤال أبوه وهو يناظره بإستغراب: أنا متأكد أنك اليوم كنت في السعودية كيف جيت فرنسا بهالسرعه ؟

سكت راشد وهو يناظر غرفة المستشفى بتعجب : وبعدين أنا ليه موجود بهالمستشفى؟..أنا ما كنت بباريس أصلاً علشان أكون في المستشفى .. أنا كنت ....

قاطعه أبوه : أنت كنت في جبال مدينة آنسي و أنا عارف هالشي

توتر راشد من رده : كيف عرفت إني كنت هناك؟!

تنهد أبو راشد بهدوء وكان توه بيتكلم يقول له كل شي لكنه سكت لما سمع باب الغرفة وهو ينفتح بقوة

بدون إحساس منها شهقت وهي تشوف أخوها بعيون متلهفة .. كانت واقفة مكانها بثبات وهي تتأمله بسعادة و بدون تأخير ركضت لعنده وحضنته بخوف : و أخـيـرا صحـيـت !

أبو راشد بابتسامه هادية : شوي شوي على أخوك ترى توه جالس ما صار له دقايق

دموعها نزلت وهي مازالت حاضنته : ماهمني يبه..أبغى بس أحس أنه معانا

أبو راشد : ايه لما سمعنا أنك مو بالشركه ماتوقعناك بتكون تعبان لهدرجة

ماكان راشد مع أبوه بالكلام لأنه من أول ما شاف رهف عقله وقف ولا هو فاهم سبب وجودهم بهالمكان وكيف سافروا من السعودية لفرنسا و عرفوا مكانه ؟! ..كل شي كان مبهم و ما له جواب


ابتسم لأخته وهو يبعدها عنه بلطف ويمسكها من يدها بحنان: رهف ممكن تتركيني مع أبوي دقايق..عندي موضوع مهم معاه

تنهدت رهف بإنزعاج وهي تشد على يده :طول هالوقت كنت خايفة أنك ماتصحى والحين بعد ماجلست خايفة ترجع لنفس حالتك و أنا ماشفتك ولا كنت جمبك

ابتسم بهدوء: و أنا حاس فيك وودي أنك تقعدين معي هالفترة لكن يا رهف أنا أحتاج دقايق بسيطه أسأل فيها أبوي والدكتور عن وضعي الصحي علشان أقدر أفهم ايش اللي صار لي بالفترة الأخيرة

هزت راسها بدون ماتتكلم وبخطوات بسيطة ابتعدت عنه وهي متوجهة لعند الباب

التفتت عليهم قبل لا تطلع :لاتطولون بالكلام (ناظرت أبوها) أنا رايحة أنادي الدكتور

هز أبو راشد راسه : لا تتأخرين يا بنتي ..احتمال كبير الليلة نرجع السعودية

رهف بهدوء: ان شاء الله

طلعت وسكرت الباب وراها و أول ما تأكد راشد أنها مشت تكلم بسرعه وهو يناظر أبوه بتساؤل

راشد : يبه.. ليه سافرت أنت ورهف فرنسا وكيف عرفتوا مكاني ؟

ناظر أبو راشد لقدام وهو يآخذ يدينه الثنتين في حضنه ويقبض عليهم بقلق

تكلم بهدوء : كنا في السعودية قبل أكثر يوم لما وصلنا خبر من شركتنا بباريس أنك ماكنت متواجد في فترات مهمة و أن الكثير من الشحنات وصلت و أنت ماوقعت على وقت الوصول ولا تأكدت من من البضائع اللي استوردناها وهالشي غريب لأنه ماكان من عادتك أنك تغفل عن أمور مهمة مثل شغل الشركة علشان كذا قررت أشوف الوضع و أتطمن عليك أكثر خصوصا وأنك ماعطيتنا أي خبر عنك بفرنسا (سكت وهو يفكر) في ذيك الليلة رن جوالي برقم دولي غير معروف وتوقعته منك أنت علشان كذا رديت على طول لكن تفاجأت لما سمعت صوت رجل غريب يقول لي أنك أنت موجود بمستشفى بمدينة آنسي و أن مافي أحد موجود من معارفك علشان يتواصلون معه غير هذا الرقم اللي خذوه من جوالك

كانت الصدمة واضحة على وجه راشد لما سمع كلام أبوه واللي زاد صدمته أكثر جملة قبل أكثر يوم .. ليه ؟ هو كم يوم جلس مغمى عليه لدرجة أن أهله وصلوا باريس وهو مايدري عنهم ؟!

راشد بتساؤل : انتوا كم صار لكم من جيتوا ؟

تنهد بعمق : تقريبا أربع أو خمس أيام

راشد بصدمة : معقولة ؟!.. بس .. كيف ؟

هز راسه بهدوء : ايه الموضوع كان معقد شوي خصوصا بعد ماعرفنا أنك كنت في منطقة خطرة وأن الشرطة ساعدتك و أخذوك لأقرب مستشفى علشان يطلعون الرصاصة اللي بساقك (ناظره بعطف) انصدمنا لما سمعنا بهالخبر و لا قدرت أقعد بالسعودية دقيقة وحده لأنك كنت هنا بالمستشفى ..على كل حال عرفت رهف ولاقدرت أمنعها من أنها تجي معي لمدينة آنسي علشان ننقلك لمستشفى أفضل من اللي كنت فيه لما تصحى من إغمائتك لكن اللي ماتوقعناه أنك جلست ثلاث أيام بغيبوبة والدكتور قال لنا أنه مايقدر يسوي شي أكثر من اللي سواه و أن جلستك من الغيبوبة تعتمد كلياً عليك أنت و ماكان لنا إلا أن احنا ننتظرك كل يوم هنا علشان نشوفك ونتأكد أنك بخير

لمس يد راشد وهو يبتسم : والحمدلله والشكر له أنك جلست و إن شاء الله أنك بتكون بخير مافيك غير الصحة العافية بإذن الله

ناظر راشد لقدام بدون لايرد عليه .. ماكان عنده كلام يقوله وهو بعقله يجلس يعيد كل الكلام اللي قاله أبوه ويتذكر كل كلمة بحد ذاتها بإنتباه وتركيز..ما كان متوقع أنه بهالحوار البسيط مع أبوه بيعرف أشياء صارت له وهو مايدري عنها.. كان نايم لأيام وهو مو حاس ولا عارف شاللي صار له بوضعه .. كل اللي كان يتذكره الأحداث اللي صارت قبل دقايق لما كان ببيت الرئيس وكان يدوّر على ....

توسعت عيونه بشكل مخيف لما أدرك أنه نساها و أنه مايدري وين كانت ووين صارت فيه الحين..تحرك فجأة بجسمه وهو يقرب جمب أبوه ويناظره بإضطراب

: ســاره! ..ساره يبه وينها ؟

استغرب أبو راشد من ردة فعله المفآجأة لكنه تفهم حالة ولده خصوصا و أنه توه صاحي من بعد تعب.. مسكه من ذراعه وهو يهديه : راشد اهدأ شوي..ما نبغى حالتك تزيد وترجع تنتكس مثل قبل (ناظر عيونه بعتب) بعدين أنت تدري وين سارة أصلا ولا أنك نسيت ؟

كان صدره يطلع وينزل بتوتر ومامنع نفسه من أنه يسأل

: ويــن ؟

أبو راشد كان يظن أن راشد يبالغ في ردة فعله بسبب النسيان لذلك رد عليه بإبتسامة جانبية

: في بيت أهلها طبعاً (قال بعتب) يعني وين بتكون وأنت اللي قلت لها ترجع السعودية بنفسها !

راشد بصدمة : السعودية ؟
.
نهاية الفصل السابع والثلاثون





لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس