عرض مشاركة واحدة
قديم 08-06-20, 07:57 AM   #2

**منى لطيفي (نصر الدين )**

مشرفةوكاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء وبطلة اتقابلنا فين ؟

 
الصورة الرمزية **منى لطيفي (نصر الدين )**

? العضوٌ??? » 375200
?  التسِجيلٌ » Jun 2016
? مشَارَ?اتْي » 4,633
?  نُقآطِيْ » **منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute
افتراضي

*الفصل الأول*

يوم العيد ....

الله أكبر الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر، و لله الحمد.......الله أكبر كبيراً، و الحمد لله كثيراً، و سبحان الله بكرةً و أصيلاً........لا إله إلا الله وحدهُ، صدق وعدهُ و نصر عبدهُ و أعز جندهُ و هزم الأحزاب وحدهُ........لا إله إلا الله و لا نعبدُ إلا إياهُ، مُخلصين له الدين و لو كره الكافرون.


توالت تكبيرات العيد من الأفواه بسرور وحب خالص لوجه الله لتبعث فرحة العيد في القلوب المؤمنة فتغدوا مرفرفة بالسعادة و الأمل وانشراح الصدر للحب و الرحمة و التسامح.

** بيت آل فاكهاني **
خرجت من المطبخ تزفر بتعب، تنشف يديها بالمنشفة، وقفت في قلب بيت أهلها تتفقده من حولها وكأنها تبحث عن ضالة أفكارها.
وضعت المنشفة من يديها، تخطو نحو غرفة والدتها.
دقت الباب بخفوت ثم دخلت حين أتاها صوتها الخافت، قبلت رأسها قبل أن تجاورها على سريرها، تسألها برقة .

• أمي ...كيف حالك اليوم ؟
أرخت أصابعها عن حبات السبحة، تجيب بنبرة تهدجت حزنا.
• الحمد لله يا ابنتي .... نحمده ونشكر فضله .
ضمت كف والدتها بين يديها، تقول بتوسل رقيق .
• أمي .....يجب أن تنفضي عليك الضعف و الحزن .... انت إنسانة مؤمنة .... وأنا أحتاجك بشدة .
هزت رأسها بإشفاق، ترد.
• أعلم يا بنيتي... أثقلت عليك بالمسؤولية...... كنت في حاجة لوقت أحزن فيه على رفيق دربي .....والدك لم يكن فقط زوجي ....بل أبي و أمي و عائلتي..... كان السند و الحنان ...... فحُق له أن يحزن على فراقه قلبي قبل روحي .
ربتت تفاح على كف أمها، بعد أن قبلتها بحنو، تعقب.
• أولا ....أنا لا أشعر بأي ثقل....و أنت أعلم بي بعد ربي ......ثانيا .....أنا أطلب منك أن تقومي بقوة من أجل أسرتنا و بيتنا ......لطالما اعتبرك إخوتي الآمرة الناهية في أمور البيت ....فتربوا على الخوف منك و سماع كلمتك.
توالت الدموع متدحرجة على وجنتيها فاقتربت منها تفاح أكثر، تضمها بحنو.
• ليس صحيحا ...والدكم من حبه لي لم يستطع ان يرد علي طلبا .... حتى لو لم يقتنع به ... فكانت النتيجة أن أصبحت لي هيبة أمامكم.
أومأت سلبا، تفند حديثها بلهفة.
• لا يا أمي ...ليس ذلك السبب الوحيد ....بل أنت عماد هذا البيت ...و يجب أن تبقى بقوة شخصيتك وهيبتك ....أنا مهما كنت أبقى الشقيقة ....لكن أنت الأم و الخط الأحمر الذي لا يمكنهم تجاوزه .....و خصوصا رمان .....يا أمي ...أتوسل إليك ....قومي و شدي أزرك .....و سأكون خلفك ...و الله معيننا جميعا .
مسحت والدتها دموعها، تجيب بحنو وحب جارف نحو بكريتها.
• هل فكرت في الخُطاب؟
أسدلت جفنيها هنيهة، تخفي ما يجول دواخله ثم قالت ببعض الرفض.

• خطاب!...يا أمي؟ ...أنا لن أتزوج حتى يكملوا دراستهم ...واحدا ...واحدا..
• لكن !!
قطعتها، تشد على كفيها بينما ترمقها برجاء يشوبه الفخر فاستدركت تفاح بإصرار.
• لا ....أمي ...أرجوكِ ..... أنهي الموضوع .
رمقتها بحيرة، تتأمل تفاصيلها قبل أن توجه لها استفسارها الحائر.
• و هل سيصبر عليك ؟
هزت كتفيها، تجيب بأمل .

• الله أعلم ..... كل ما يهمني الآن هو الوقوف مكان أبي رحمه الله في محلاته ..... و تربية إخوتي ليكملوا دراستهم .....و كل شيئ بعد ذلك ان شاء الله يهون .
ربتت على كفيها، تسحبها قليلا لتتفحص قسمات وجهها تبحث عن ضالتها بتركيز.
• و دراستك أنت يا تفاح ؟
ابتسمت بتهكم ساخر .
• دعينا من الفضائح يا أمي......انا بالكاد تخرجت من الثانوية العام الماضي بعد رسوب لمرتين... لقد كنت صريحة مع أبي رحمه الله و أخبرته انني أحب حرفته وأريد مساعدته ...فأنا كبرت في محلاته و كنت أقضي فيها أكثر ما أقضيه في البيت من وقتي ..... لذا نسيت أمر الجامعة فليس كل البشر علماء.
أفلحت في إضحاك والدتها التي هتفت تصحح بينما تربت على وجنتها بحب.
• بل كما قال والدك رحمة الله عليه ......كلٌّ عالمٌ في مجاله .
تنهدت تهم بالوقوف، تكمل بإقرار.
• أنت حرة يا ابنتي وأعلم بنفسك وأنا أساندك في كل قراراتك...... أين اخوتك ؟... لازالوا نائمين ؟
قامت هي الأخرى باسمة، تساعدها على تغيير ملابسها، ترد.
• عبد الحميد غادر باكرا مع موز من أجل صلاة العيد ورمان لا تزال نائمة... أسعدي قلوبهم أمي وليجدوك على مائدة الإفطار.
• حاضر ...يا خير التفاح .
نطقتها بحب جلل ورضى من صميم قلبها، متذكرة كلمات زوجها، حبيبها ورفيق دربها عن خير التفاح، كما كان ينادي بكريتهما.
...................................
**بيت آل العلمي**

• صباح الخير أماه .
التفتت إليه والدته بجزع، تجيب بخفوت .
• عبد الحكيم ؟..... يا إلهي بني! ... لا تُظهر نفسك لأبيك اليوم.
تغضنت ملامحه بعد أن كانت مستبشرة، يتطلع الى والدته بجزع لا يليق بجسد الرجولي الأطول منها بكثير.
• رسبت !! أليس كذالك ؟
همت بالرد مشفقة فانتفضت حين صدح صوت والده المزمجر بغضب ينضم إليهما وسط بهو البيت المفروش بأثاث حديث بلون الفضة.
• و هل تفلح سوى في الرسوب ؟
التفت إليه، يرمق وقفته المتأهبة، عائدا من الصلاة بجلبابه التقليدي الأبيض وشقيقه الأكبر يقف من خلفه، يرميه بنظرات غير راضية، تنبئه بمدى عِظم الأمر .
• فضحتني وسط زملائي في الجامعة ....كما فضحت شقيقك هو أيضا ....لا أعلم أي بلاء ابتلينه فيك .
ضغط على شفتيه بقوة، مطرقا برأسه، يخفي حزن ملامحه، يتحمل وصلة التأنيب والتأديب على أمر لا يد له فيه فيتفتت قلبه إلى أشلاء دون دراية ولا رحمة من أعز الناس إليه.

• ابن الدكتور عبد الخبير آل العلمي أستاذ علوم الفيزياء في الجامعة وابن الدكتورة ذكية آل العلمي أستاذة العلوم الرياضية... ليس هذا فقط ...بل شقيق الدكتور عبد العليم آل العلمي متخصص في جراحة القلب وأستاذ مساعد في كلية الطب ...... لا يستطيع تجاوز السنة الأولى، في كلية الطب ؟!!!
تدخلت والدته بمهادنة وإشفاق على فلذة كبده.
• عبد الخبير ....من فضلك ... اليوم عيد ....دع الحدي...
• لا تتدخلي يا ذكية !!
قاطعها بحدة ، يقترب من ولده، هاتفا بسخط أمام رأسه المطرق وكتفيه المتهدلين.
• ثلاث سنوات إعادة لنفس السنة ؟.... أنا لا أصدق أنك من دمي ...شقيقتك الصغرى أذكى منك .... لم يتبقى لها سوى سنة واحدة و تلحق بك!
أجفل من إهانته فهم بالرد بحرقة حين أخرسه باستطراده المُحقر.
• لقد طردوك يا فاشل ..... منحت لحاسدي فرصة يشمتون بي .....بسببك ....بسبب فشلك .... يا فاشل!
لم يتحكم بنفسه من كم الإهانات، فهتف بحسرة موجعة تتقطع بها ملامحه الخشنة بعض الشيء.
• آسف يا أبي لأنني لا أرقى الى مستوى عائلتك المرموق .....تبرأ مني كي تريح نفسك ...و لا يشمت بك حسادك .....آآآه..
• عبد الخبير!!
• أبي!!
• بابا!
صيحات مستنكرة، انطلقت من أفواه الحاضرين و نبيهة التي انضمت إليهم حين أجفلها صراخ والدها لتُفاجأ بصفعة قوية، حط بها والدها على وجنة شقيقها.

• أنا فعلا أتبرأ منك و أخرج من بيتي حالا ... ألم تكن تريد العيش على هواك ؟..... ها قد أتتك الفرصة .... أنت مطرود من بيتي و حياتي !!
تجمدوا أماكنهم بصدمة لا يصدقون ما يسمعونه، من بينهم عبد الحكيم الذي اهتز بدنه حين صاح والده مؤكدا.
• ماذا تنتظر ؟.... أخرج من بيتي !!!
انتفضت والدته ، تمسك ذراعه و تصيح متوسلة زوجها .
• عبد الخبير .... ماذا تفعل؟... إنه ابننا...أين سيذهب؟...عبد..
قاطعها كما منع بكريه عن التدخل هو الآخر فمهما بلغ غضبه منه يظل شقيقه و يحبه .
• لا أريد تدخلا من أحد .... إن لم يخرج حالا .... خرجت أنا .....و لن أعود أبدا .
جحظت أعينهم صدمة بِعِيدٍ انقلب إلى عزاء فتحرك عبد الحكيم ، يربت على يد والدته، قائلا بوجوم.
• أنا آسف لأنني كنت السبب في حزنكم في يوم العيد...... أبي هذا بيتك و لن يخرج سواي .
نحبت والدته مع شقيقته وعبد العليم يراقب الوضع بصدمة شلت أطرافه للحظات.
رفع والده رأسه بأنفة غاضبة، ينفي أي شعور بالشفقة أو الحنان عن قلبه، مراقبا أحد أبنائه فلذات أكباده ، يخرج من كنفه و بيته مطرودا و صاغرا .
.....................................
**بيت آل فاكهني**
• هيا يا بنات ......الفطور جاهز.
هتفت بها رمان بينما تمد يدها لتلتقط قطعة من الحلوى، فأمسكت موز بكفها، تنهرها بحنق طفولي .
• هل جننت؟ ...انتظري قدوم عبد الحميد ...لن نفطر من دونه .
نفضت رمان يدي شقيقتها بسخط ، تهتف بشراسة .
• ابتعدي عني و لا تلمسيني !!!
• شششش!!!
نطقت تفاح بعتاب والصغيرة تختفي خلف والدتها بعد أن أخرجت لرمان لسانها ثم أسرعت تفتح الباب لأخيها الذي تأخر عنها خارجا، يعيّد على أصدقائه.
همت بالهتاف في وجه أخيها حين وسع مقلتيه إشارة، فعادت للخلف، ترمق عمها المصاحب له مع بكريه راغب، يبتسمان بتكلف فتنحنح حين أشار له عبد الحميد بالدخول.
• حممم ..... السلام عليكم .
تناظرت تفاح و والدتها في ما بينهما بريبة قلقة فعائلة والدها كانت متباعدة وخصوصا ذلك العم بالذات.
أخفت تفاح تغضن ملامحها أمام بسمة راغب العابثة وأجبرت نفسها على التقدم لتصافح عمها باحترام ، تقدم ابنه و مد لها يده ليصافحها فتأملتها ببرود قبل أن يمسكها عبد الحميد، يعقب بمرح.
• تفاح لا تصافح الرجال يا راغب .
ابتسم بسماجة، يرد بينما يعدل ياقة كنزته الأنيقة .
• حممم .... تقبل الله يا ....تفاحة.
• تفاح!!
• ها !!
صححت ببرود فرد ببلاهة، لتستطرد بجدية أجفلت والده قبله .
• إسمي تفاح عبد الصمد الفاكهاني.
هز رأسه يبلع ريقه بحرج فتدخلت والدتها، قائلة بود حذر.
• مبارك عليكم العيد ......أين الحاجة مباركة زوجتك؟
تجاهل حديثها باحتقار، يرفع دقنه الحليقة بأنفة، يشمخ بجسده النحيف داخل جلبابه البني وتحدث يقصد تفاح بقوله الحاد الحازم.
• جئت بعد اجتماع العائلة و تنصيبهم لي لأباشر أعمال أخي رحمة الله عليه ولكم عندي حقكم كل آخر شهر ..... أنت وشقيقتيك تلتزمن حدودكن في البيت لا ينقصنا مزيدا من الفضائح ....يكفي ما سبق!
احتقنت وجوههم وتأهب عبد الحميد يهم بالرد عن أهله الاهانة الفجة فرفعت تفاح يدها تحذره ليعود الى الخلف وتقدمت لتقف أمامه بكل شموخ ذكره بوالدها رغم قصر قامتها النسبي ثم قالت بكل شجاعة تعلمتها على يد والدها و تلك المرأة التي تلمع مقلتيها بدموع المهانة.
• عمي كبير أل فاكهاني ... اسمعني جيدا لأنني لا أريد اهانتك كما جئت أنت تفعل وسط بيتنا... بيت أخيك رحمه الله الذي علمني كيف أحترم من هم أكبر مني سنا حتى بعد لو أهانوني...لكن!
ارتفعت نبرة صوتها قليلا عند تلك الكلمة وعمها جامد، يرمقها ببرود.
• والدتي ....خط أحمر قد أقتل دفاعا عنها .
لم يكن وجهها بذي علامة سخرية أو تهكم بل جدية حازمة أجبرته على الثبات في مكانه رغما عنه.
• أخبر العائلة الكريمة أن عبد الصمد رحمه الله أنجب بدل الولد أربع ..... كل فرد منهم قادر على إدارة محلات والدهم .....حتى تلك الصغيرة ذات العشر سنوات تشرّبت صنعة والدها بكل فخر واعتزاز وتعرف جيدا كيف تبيع الفاكهة.....اسمها موز إن كنت لا تعلم .
أشارت الى الصغيرة التي نفخت صدرها داخل فستانها الزهري، تعيد ضفيرتها البنية خلف ظهرها بينما تزم شفتيها بعبوس غاضب جعل أفراد أسرتها يبتسمون بفخر يشوبه بعض المرح.
أومأت لعيني عمها المترصدتين لهم كأنها تؤكد له ما لمحه بفطنته المعطوبة من قوة وتلاحم بينهم، تكمل بأدب جم.
• شرفتنا يا عمي تفضل لتفطر معنا ..... فلا حاجة لنا بكم سوى بالود وصلة الرحم لوجه الله ..لا أكثر .
احتدت ملامح وجهه، يجيب بغضب قبل أن يلتفت مغادرا خلفه ابنه الراغب.
• أخبرتهم أن تربية الرقاصة ناقصة لكنهم لم يصدقوني ......هيا يا بني ....لنغادر!!
شهقوا بذهول صاعق باستثناء تفاح الواجمة، تسرع الى والدتها التي ارتمت على المقعد باكية، تهتف مواسية.
• أمي لا تحزني .....أنت على علم بسبب مجيئه؟ انه الطمع ...فتجارتهم بارت ويريدون اسم والدي ليستغلوه.. وقوله ليس سوى رد فعل أهوج ....لم يرضى بالهزيمة ....كوني قوية أمي.
تدخل عبد الحميد، يسأل بريبة وتردد، يغلب حبه واحترامه لأمه الفضول القاتل.
• هل ما قاله صحيح يا أمي ؟ ...أنت كنت ....كنت؟
لم ينهي السؤال و ثلاثتهم، يحدقون بها ينتظرون تفنيدا لما سمعوه ...فقالت تفاح بهدوء تُحسد عليه.
• أمي لم تكن يوما راقصة ....كانت مغنية شعبية تدق الدفوق ...تحي الأفراح بين النسوة ...و فرضا كانت راقصة و رب العالمين منَّ عليها بالتوبة ..... فماذا نملك ضد من تاب عليه الله ؟ ...... أمي لم تحي عرسا واحدا بعد زواجها من والدي حتى كمجاملة لأقاربها لشدة غيرة والدي عليها...هو من أخبرني بذلك رحمه الله... فمن يريد أن يصدقنا فليفعل ...و من يريد اللحاق بالعائلة الكريمة فليتفضل الآن.
هرولت الصغيرة تتشبث بثوب والدتها، تهتف بحزن .
• امي حبيبتي .. لا تبكي أبدأ.
رمت تفاح الباقين بنظرة متسائلة فاقتربا يضمان والدتهما يهمسان لها بحبهما و أسفهما.
ابتعدت تفاح قليلا، تراقب المشهد بتأثر، تفكر أن القادم قد يكون صعبا لكن الله لا ينسى عباده.
…………
**بيت آل العلمي**
كلما حدث لم يغير من عاداتهم يوم العيد فبعد خروج عبد الحكيم صاغرا ، أمرهم والدهم بعدم التحدث عنه أو يأتوا على ذكره في البيت وبأن يتجهزوا لقدوم شقيقتيه و أبنائهن.
أنهت زوجته الأشغال بعينين دامعتين كما ابنتها أما عبد العليم فحاول الاتصال بشقيقه ليكتشف انه ترك الهاتف و لم يأخذ معه سوى أوراقه الثبوتية.
وصل الضيوف فاعتلت وجوههم أقنعة الترحاب و السرور. التفوا حول مائدة الغداء، فقالت احدى العمتين .
• أين عبد الحكيم ؟ لم يعيد علينا.
انتبه الجميع وعبد الخبير، يقرأ التساؤل في أعين أسرته قبل عائلته فتنحنح بكريه يجنبه الكذب فهو أعلم بوالده جيدا لا يحب الكذب و في نفس الوقت قول الحقيقة ستجرحه بعمق .
• أحد أصدقائه دعاه على الغداء ولهذا كما ترون أبي غاضب ....لأنه فضل صديقه على لقاء العائلة في العيد.
ابتسمت في وجهه، و ربتت على ذراع شقيقها، تهادنه بالقول.
• لا تغضب يا أخي..... انهم شباب صغار .... سيأتي اليوم الذي يقدرون فيه العلاقات الأسرية بإذن الله.
هز رأسه بصمت واجم فقالت العمة الأخرى، تغير الموضوع كليا لمصلحتها .
• ألم أخبركم بعد ؟
التفت حولها الأنظار فأكملت بفخر، ترمق و حيدتها بفرح.

• ابنتي فاتنة ..... تخرجت و الحمد لله و ستُعين أستاذة مساعدة في المدرسة العليا .... علمنا بالخبر أمس ....و أنتم أول من يعلم.
عبرت لمحة حسرة على مقلتي عبد الخبير التقطها أفراد أسرته قبل أن يغتصب ابتسامة حاول أن يضفي عليها بعض الدفيء ،يقول مهنئا بصدق.
• مبروك عليكم أختاه ..... لطالما كانت فاتنة فتاة ذكية و نبيهة .
ضحكت بقولها المازح بينما تعدل حجابها بطرف.
• زوجتك و ابنتك مرة واحدة ؟ ابنتي محظوظة .
ضحكوا بمرح حول المائدة الكبيرة باستثناء أسرة عبد الخبير المبتسمين بحزن.
حدقت فاتنة في هدفها، تدعي الحزن، قائلة بملامحها الفاتنة وشفتيها المكورتين كتعبير واجم.
• ألن تبارك لي يا عليم ؟
رفع إليها وجهه دون أن يدقق في النظر، يجيبها بهدوء.
• مبروك عليك .... و اسمي عبد العليم يا ابنة العمة.
تبسمت بإغواء، تملك مقوماته ببشرتها البيضاء الناعمة ومقلتيها الخضراء مع خصلتها الشقراء، لتكتمل اللوحة برشاقة بارزة.
• أفضل عبد العليم ..... ما رأيك ؟
تهرب بتوتر فنفخ باقي الشباب بضجر و والدتها تبتسم برضى لاحظه شقيقها ففكر في وجوب فتح موضوع الزواج مع ابنه، لقد حان وقت استقراره ليكون أسرة مع نجاحه المهني و لا أنسب له من ابنة شقيقته بينما المعني الذي تحرك يترك المائدة مستأذنا بأدب لا يفكر سوى في شقيقه.
..........................
**بيت أل الفاكهاني **
• الى أين يا ابنتي ؟
ردت و هي تسوي الطرحة الرمادية الواسعة حول رأسها لتنسدل على كتفيها وصدرها، ترمق المرآه على أحد جدران بهو الاستقبال لبيتهم.
• سأفتح المحل الرئيسي يا أمي .
نهضت والدتها من على المقعد، تقول بدهشة .
• ستفعلين كوالدك ؟
ردت بتأكيد بينما تستدير إليها بفستانها الأغمق بدرجتين على لون طرحتها.
• طبعا أمي ....لدينا بضائع للعيد خصيصا ...كما أن هناك أناس اعتادوا عدم اقتناء الفاكهة قبل العيد لأنهم متأكدون من فتح محلنا .
هرولت موز، تهتف بسرور .
• خذيني معك أختي .....أرجوك.
ابتسمت لها بحنو، تجيب بينما تنحني نحوها.
• حاضر صغيرتي ....ارتدي حذائك هيا.
اسرعت الصغيرة ،تضحك بسرور فعقبت والدتها برقة وفخر.
• أسعد الله قلبك يا بنتي.....
قبلت يدها و توجهت الى الباب، الذي حالت رمان بينها و بينه، تهمس لها بخفوت.
• تفاح ....يا خير التفاح .
ابتسمت بمكر، ترد.
• كم تريدين يا حلاوة الرمان ؟
لم تفت تفاح تلك النظرة المتأثرة العابرة لتتأكد انها أبدا لم تنسى والدها وكل ذلك التمرد و البرود الذين تظهرهما ليسا إلا غطاء لمشاعر فقدان و حزن .
عضت شفتها السفلى ، ثم قالت تعلل بجمود غلف ملامحها المليحة.
• صديقاتي دعونني الى أحد الكافيهات الراقية وسط المدينة.
رفعت تفاح حاجباها فأسرعت تفسر.
• هو شيء بين المقهى والمطعم يقدم العصائر مع البيتزا.
بحركات من رأسها المطرق على حقيبة يدها تعبيرا عن يأسها، أخرجت لها أوراق ماليه، تقول بهمس لا يصل والدتها ولا الصغيرة التي اقتربت منهما .
• انتبهي لنفسك أختاه... فالأشياء مهما غيروا من أسمائها لن يستطيعوا تغيير مضمونها ....والكافيه كان وسيبقى مقهى يا رمان.
ابتعدت كأن لم تسمعها فأوقفها عبد الحميد هو الآخر، يطلب نفس الشيء.
مدته بالمال باسمة بحنو وخرجت تهمس بتاثر.
• رحمك الله يا عبد الصمد .
ترجلت من سيارة الأجرة برفقة موز، متوجهتان الى المحل تسبقها بسمتها السعيدة حين لمحته مفتوحا واللافتة الكبيرة تزين أعلى بابها الكبير بالاسم الذي اختاره والدها الحبيب، "فاكهة المحبة " بينما العم محمد أمامه، يرتب الصناديق مكانها .
• السلام عليكم عم محمد.
ضحك العم محمد، يستقبل الصغيرة موز بترحاب صادق يقبل رأسها، مجيبا بود يكنه لكل من يمت لرب عمله المتوفى بصلة.
• عليكما السلام ورحمة الله وبركاته...مبارك عليكم العيد ....كيف حالك و أهل البيت؟
• الحمد لله ....بخير .
أجابته تفاح وهي تضع حقيبتها على الطاولة حيث صندوق النقد فهتفت الصغيرة بعبوس، تشتكي لصديق والدها الوفي.
• زارنا رجل يقول أنه عمي..... لم أحبه أبدا.
• موز !!!
رمتها تفاح بغضب، فهز العم رأسه بمهادنة .
• لا يجوز يا ابنتي أن نخبر الناس عما يحدث في بيوتنا .
زمت شفتيها تعبس بخديها الزهريين، تبرر بنبرة مذنبة .
• لكنك أنت عمي وصديق بابا حمه الله.
ابتسم العم بحنو، يربت على رأسها فتدخلت تفاح، تفسر قصدها بنظرات معتذرة.
• لم أقصد عدم إخبار العم محمد ...لكن لا يجدر بنا التحدث عن أحد في غيابه و بتلك النبرة الغير محترمة ...مهما كان فهو عمك و رجل كبير قبل كل شيئ .
• اسمعي من شقيقتك يا صغيرة ..... انها الأخلاق الحسنة.
هزت رأسها باسمة تهتز معها ضفيرتها على كتفها الصغير فالتفت الى تفاح ينتظر منها التفسير، تومئ له برجاء ليؤجل أمر الحديث لاحقا.
رن هاتفها فابتسمت حين لمحت الرقم وابتعدت قليلا تفتح الهاتف تصغي لصوته المرح.
• عيد مبارك على أحلى فتاة لمحتها مقلتاي .
احمرت تنهره، بحياء .
• مُغْتَنِم !!
• يا روح مغتنم ...يا قلب مغتنم.
ردت بحنق بينما تتلفت حولها بقلب يخفق بخجل وانزعاج حقيقين .
• إن لم تكف عن قولك سأنهي الاتصال.
• لا ...لا .... آسف لأنني أغازل زوجتي .
قطبت بضيق، تجيب.
• لست زوجتك بعد .
• و من السبب؟ ..... أليس انت ؟
ثم تنفست بضجر ترمق الفراغ باستياء.
• لقد تحدثنا قبلا يا مغتنم .... لن أعيد الحديث من جديد .
• حاضر ....اللهم لا اعتراض .....هل يمكنني القدوم لرؤيتك على الأقل ؟
عادت تبتسم بحياء ، تجيب .
• سأنتظرك في المحل .... لكن كالعادة ..
• أتظاهر بشراء الفاكهة ....يا تفاح الجميع يعلم أنني أحبك و أريد الزواج منك .
ردت، تكتم ضحكتها .
• لا يهمني ....لا يجوز أن نتحدث بألفة دون أي روابط رسمية ...و بما أنني لست جاهزة..... ستصبر يا مغتنم ...أراك لاحقا إن شاء الله .
• قدري ....ماذا أفعل ؟..... الى اللقاء.
..............................
ليلا ......*بيت آل العلمي**
• بني .... هل وجدته؟
زفر عبد العليم بتعب، يرتمي على أول مقعد قابله، يجيب .
• للأسف يا أمي .....بحثت في كل مكان ظننته قد يلجأ إليه.... دون جدوى .
غطى وجهه بكفيه يدعكه بإعياء ووالدته تهتف بخفوت قلق .
• أين سيذهب ؟ أنت تعلم عن شقيقك..... لم ينم يوما خارج البيت وأصدقائه معدودين .... ضف على ذلك عزة نفسه... لن يرضى بطلب المساعدة من أحد.
رفع رأسه إليها، يجيب بوجوم .
• ذلك ما يحيرني أماه.... خرج دون مال و لا هاتف .... بملابسه التي عليه و أوراقه الثبوتية .
لمح دموع والدته المنهمرة من جديد فاقترب منها، يمسك بكفيها بين يديه، يستطرد برقة.
• لا تحزني و لا تقلقلي ...عبد الحكيم رجل و ليس بفتاة كي تخشي عليه من الشارع ... أعدك لن أهدأ قبل أن أجده.
ربتت على وجنته بحنو و هو يمسح لها دموعها، غافلين عن قلب آخر مهما بلغت به القسوة، يبقى قلب أب و قلق .
.................
**محل فاكهة المحبة **
ترمق آخر الشارع في كلا الجهتين تارة وأخر تتفقد ساعة يدها، تزفر بانزعاج قبل أن تتنبه للحيرة الطاغية على نبرة العم محمد.
• ابنتي... لقد تأخر الوقت و يجب أن نغلق المحل.
رمت شقيقتها الصغرى النائمة على الكرسي بنظرة مشفقة، ثم قالت مقررة.
• حاضر يا عم لنغلق المحل.
................
يمشي في الشوارع دون هدف، يتذكر كلمات والده اللاذعة فيسأل نفسه ما كان ذنبه؟ لقد حاول كل شيء، ذاكر بجد و حاول بجهد، لكنه لم يفهم أي كلمة مما يفرضونه عليه.
أخبرهم مرارا أنه لا يفهم الدروس إلا بمشقة وأنه لم يتخرج من الثانوية إلا بمساعدة الأساتذة إكراما للتاريخ العلمي لعائلته ليتفاجأ بقبوله في كلية الطب التي لم يتقدم لها بنفسه بل والده من تكفل بكل شيء كالعادة، يقرر عنه وينفذ دون الرجوع عليه.
لم يكن يوما من محبي المدرسة و الدروس ، بالكاد كان يفك طلاسم المعادلات و الفيزياء ولم يكن يريحه قليلا سوى مواد الحفظ، يرددها كببغاء مجبور.
جلس في احدى الحدائق العامة حين تعبت قدماه، يفكر في حل لمعضلته و لم يجد.
كرامته لا تسمح له بالعودة وفي نفس الوقت نفسه تنفر من الشوارع.
أين سيسكن و ماذا سيفعل ؟ و الأهم ، ماذا سيأكل ؟
ارتفع أذان العشاء، فقام يدخل الى المكان الوحيد الذي احتواه دون سؤال أو شروط، يروي فيه ظمأه ويريح جسده قليلا قبل أن يعلموه برغبتهم في إقفاله . تلفت حوله في وسط الشارع بعد أن فرغ من صلاة العشاء وتوسل لربه الفرج فعاد للمشي على غير هدى.
لفت انتباهه صوت مشاجرة فتتبع مصدرها ليجد شابين يتطاولان على فتاة تحمل أخرى أصغر، لا يظهر عليها الخوف، تصرخ فيهما بتهديد أن يبتعدا ، معهما سيد كبير في السن يحاول دفعهما دون جدوى .
راقب المشهد لبرهة قبل أن يخطو إليهم، حين بدءا بدفع الرجل المسن دون رحمة أو احترام .

يتبع بالفصل الثاني في المشاركة التالية👇👇


**منى لطيفي (نصر الدين )** غير متواجد حالياً  
التوقيع
لاإله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين
رد مع اقتباس