عرض مشاركة واحدة
قديم 08-06-20, 08:00 AM   #3

**منى لطيفي (نصر الدين )**

مشرفةوكاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء وبطلة اتقابلنا فين ؟

 
الصورة الرمزية **منى لطيفي (نصر الدين )**

? العضوٌ??? » 375200
?  التسِجيلٌ » Jun 2016
? مشَارَ?اتْي » 4,633
?  نُقآطِيْ » **منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute
افتراضي

*الفصل الثاني*

راقب المشهد لبرهة قبل أن يخطو إليهم، حين بدءا بدفع الرجل المسن دون رحمة أو احترام .
• ابتعد يا عجوز .....نريد أن نرى بأعيننا ...ماذا ستفعله قطعة الشوكولا هذه؟..... نريد أن تأدبنا و تعلمنا الاحترام.
• ابتعدا ....اتقيا الله ....ألا أخوات لديكما ؟
• دعك منهما يا عم ....قطعة الشوكولا هذه ستعلمهما كيف يكون الاحترام...... شباب منحل .
هتفت تفاح باشمئزاز ضحكا له بسفه قبل أن يختفي صوتهما تماما حين سُحبا من الخلف يلقا بهما على الأرض بقوة . شهقت تفاح و جحظت عيني العم بتساؤل أمام هتافه الغاضب، وجد له متنفسا مناسبا.

• أقسم إن لم تبتعدا الآن حالا ..... أنا من سيعلمكما الأدب و هنا .
تناظر الاثنين في بينهما، يقارنان ضخامة جسده المتأهب مقارنة بهما فنهضا بسرعة، يفران ساخطين .التفت عبد الحكيم الى المبهوتين أمامه، ليكتشف أن الصغيرة نائمة على كتف الفتاة التي تحملها، يستدرك بأسف .
• لا تقلقا ..... لن يعودا .
استدار مغادرا فتحدثت تفاح توقفه.
• يا سيد !!
عاد ينظر إليهما، فأضافت بامتنان.
• انتظر لنشكرك يا سيد... فلست بأكرم منا .
هز رأسه برفض قاطعته تناول موز، للعم محمد .
• اجلس من فضلك .
أشارت الى الكراسي فجلس قبالة الرجل المسن والفتاة تقتني له فاكهة على ما يبدوا، تسترسل شاكرة.
• أشكرك يا أخي ..... أعدت ثقتي بوجود الخير و النخوة.
لم يستطع إخفاء تعبه، يجيب ببسمة واجمة تخلو من الحياة.
• لم أفعل شيئا صدقيني .
ناولته كيس الفاكهة ،تقول بمودة .
• لقد فعلت الكثير ..... صدقني .
هز رأسه بامتنان يحمد الله أن رزقه طعاما و قام ينصرف، قائلا بامتنان .
• شكرا لك آنسة ..... عن إذنكم .
ودعاه و أقفلا المحل لينتظرا سيارة أجرة توصل الفتاتين أولا ثم يكمل بها الى بيته.
لمحت تفاح ذلك الشاب يجلس على أحد الكراسي العمومية على الرصيف المقابل، يتناول الفاكهة بنهم دون ان تُغسل حتى فتحدثت مقطبة بريبة، تقصد العم محمد.
• أنظر يا عمي ..... ما به يا ترى ؟... أليس له بيت؟
أجابها بنفس ريبتها .
• الله أعلم ... قد يكون تعبا و جلس ليستريح.
تأخرت سيارة الأجرة بسبب ظروف العيد، فعقبت تفاح بسخط.
• أول شيء سأفعله بإذن الله هو استخراج شهادة سياقة.... سيارة أبي مركونة دون فائدة .
• بإذن الله ..... أفضل بكثير من سيارات الأجرة....لا أمان لها خصوصا في الليل .... حفظك الله من كل سوء.
بدافع مجهول التفتت نحو الشاب مرة أخرى، تستشعر غموضا يشع منه فيصيبها بالشفقة عليه.
اتسعت مقلتيها، تهتف ببهوت.
• أنظر يا عمي ..... لقد غفى على المقعد ..... ألا يجب علينا سؤاله و الاطمئنان عليه؟
تأمله العم قليلا قبل أن يهز رأسه موافقا وتوجها إليه ليربت على كتفه، فانتفض فزعا، يهتف بجزع.
• من ؟؟ ...أنا ...!!
سارع العم يهدئه، قائلا بلطف.
• اهدأ يا بني ..... لا تفزع .....أردنا الاطمئنان عليك ....لماذا أنت غاف هنا بني؟.... أليس لك بيت؟
نظر إليهم بتوتر يلجم لسانه عن الرد فتدخلت تفاح تقول بريبة.
• لا أظنك مشردا ...فثيابك ليست مهترئة ولا هيئتك .
حينها تذكر أهله وبيته، يعبر بوجوم شارد و كأنه يحاور نفسه.
• لا بيت لي بالفعل ..... فأبي طردني اليوم .
ضغط على شفتيه بقوة كما قبض على حديد المقعد بقبضتيه المشدودتين وتفاح، تتساءل بصدمة.
• لماذا؟.... ما الذي قد يدفع بوالد لأن يطرد ابنه ببساطة الى الشارع؟
هز كتفيه، يجيب بحسرة .
• لأنني أخجلته بين زملائه ووسطه العلمي ولم أفلح في دراستي.
ثم رفع إليهما أنظار غائمة، يستطرد .
• هو الدكتور في الفيزياء وأمي أستاذة الرياضيات ....و شقيقي دكتور جراح ......و أنا ..... نكرة لم أستطع تجاوز السنة الأولى في الجامعة .
راقباه بشفقة فهيئته تنم عن شاب محترم صادق ليس بِلَاهٍ أو تافه، يسترسل بألم فاض به صدره، فلم يستطع كتمانه كما تعود.
• أقسم حاولت بجهد .....و لم أوفر طريقة لم أجربها في المذاكرة ... لكني لم أفهم شيئا من تلك المعادلات ثم تلك الكلمات المعقدة والكثيرة جدا في كلية الطب ...... لا أعلم ماذا أفعل؟
ربت العم محمد على رأسه، بشفقة يعقب.
• لا تقلق بني إنه والدك .... لا يستطيع نسيانك و لا التبرؤ منك .... سيهدأ و يعود للبحث عنك.
هز رأسه بلا معنى ، فسألت تفاح بما يفيد.
• و أين ستبيت ليتك ؟..... هل لديك أقارب؟
أومأ إيجابا، يرد.
• أجل ... لكن لا أستطيع اللجوء إليهم ....لن أسبب إحراجا آخر لأبي .
تناظر العم محمد وتفاح قبل بوحه القلق.
• لكن يا بني .... لا تستطيع البقاء في الشارع ؟..... إنه الليل .
أسند ظهره الى الخلف على المقعد، يزفر بحزن صامت فقالت تفاح بتصميم، تفكر في أمر ما .
• ما رأيك بأن تأتي معي ؟
قطبا الإثنين، يرمقانها بحيرة بينما تفسر .
• إن أردت عملا و مسكنا مؤقتا!..... أقترح عليك مساعدتنا هنا في المحل... فنحن نحتاج إليك خصوصا ليلا ... و في سطح بيتنا توجد غرفة بحمام يمكنك استغلالها .
تسمر عبد الحكيم مندهشا أمام استرسالها الحازم، قاصدة العم محمد.
• هكذا يمكنك البقاء في المحل الآخر قرب بيتك يا عمي .
لم تمهلهما، تعود إليه متسائلة بفضول.
• هل لديك شهادة سياقة ؟
أومأ دون وعي فابتسمت، تكمل .
• جيد جدا .....و ها قد وجدنا سائقا أيضا .
لمحت الجمود الذي طغى على وجهه فقالت بنبرة ذات معنى.
• أم أن العمل لا يناسب مقامك؟.
أجفل يحدق فيها مقطبا والعم محمد يبتسم بمكر فقال أخيرا و هو يستقيم واقفا .
• بل أنا موافق و شاكر لك .
اتسعت ابتسامتها الهادئة توجه حديثها للعم محمود .
• يمكنك المغادرة عم محمود، فالسيد...
التفتت إليه، تسأله بفضول مرح.
• ما اسمك على فكرة ؟
ابتسم يرد بمرح، أجبرته عليه فترتخي ملامحه رغم عدم زوال كامل الهم والتعب من عليها.
• عبد الحكيم.
هزت كتفيها، تعقب.
• إسمي تفاح و هذا العم محمد ...و الصغيرة على كتفي اسمها موز.
رفع حاجبيه ذهولا، فضحكت تستدير عنه.
• إنها قصة طويلة قد نخبرك بها يوما ما..... هيا! لقد تأخرت كثيرا .
أوصاه العم محمد عليهما وراقب مغادرتهم في سيارة أجرة ظهرت أخيرا ثم عاد الى بيته، يستغرب تصاريف القدر.
…………..
**بيت آل فاكهاني**
• أنا جائعة أمي ....تفاح تأخرت كثيرا .
رمقتها بحنق برقت به مقلتيها دون قسماتها الهادئة، ترد.
• رمان !! لن يلمس أحدكما طبقا قبل دخول شقيقتيكما .
تدخل عبد الحميد، يعقب بانزعاج.
• لا يجب أن تتأخر هكذا يا امي ..... لن أتحمل حديثا مشينا من أحد.
رفعت حاجبا واحد، ترد بسخط متأهب.
• و لماذا سيتحدث عنها أحد بينما هي تكد في العمل ؟.... بدل أن تقف معها و تساعدها؟ ....ماذا فعلت أنت و هي؟ ....أخذتما منها المال ومني وخرجتما لتصرفاه بسفه .
صمت و تغضنت ملامحه بينما رمان لم تكترث فنفخت بيأس، تضيف .

• يا بني ....عاجلا أم آجلا ستتحمل مسؤولية هذا البيت .... أنت رجلنا ويجب أن تساند شقيقتك لا أن تثقل الحمل عليها .
عادت الابتسامة تلمع بها عينيه، يرد بأوداج منفوخة.
• بالطبع أمي ...... و سأكون جديرا بها .
شردت رمان تفكر في أمر رأته و ليس للمرة الأولى، لا تعلم هل تخبر شقيقتها أم لا؟
ثم مع صوت الباب ينفتح وصوت تفاح ينبعث مرحبا بأحد ما، تاهت عنها الفكرة، تشاركهم الاستقبال فضولا و ريبة . التقطت نظراتهم الحذرة فابتسمت، تعرفهم عليه.
• أمي!... هذا عبد الحكيم آل العلمي سيعمل في المحل الرئيسي ان شاء الله... بعد إذنك سنؤجر له الغرفة في السطح لأنه سيتكلف أيضا بسياقة السيارة .
هزت والدتها رأسها مقطبة بينما تفاح مسترسلة بحديثها.
• عبد الحكيم .....هذه والدتي و هذا أخي عبد الحميد ....و تلك أختي رمان .
تعلقت مقلتيه لبرهة خاطفة بمقلتي رمان ثم تهرب بسرعة بعد أن حدجته بنظرة متعجرفة.
صافح عبد الحميد المتوجس بينما يهز رأسه بتحية لوالدتهم التي أرجأت التفسير لما بعد فابنتها لا تتخذ قرارات متسرعة أو غير مسؤولة لذلك بسطت شفتيها تبتسم في وجهه قائلة بلطف وهي تشير للمائدة.
• مرحبا بك بني ..... تفضل لتأكل معنا .
ابتسم بدوره بمودة فطلبت تفاح من عبد الحميد أن يدله على الحمام .
ما أن غاب حتى هتفت رمان بسخط خافت .
• من أين أتيت به ....و كيف تستأمنين شابا جسده كالبغل هكذا؟
• ششششش!!
ردت تفاح ناهرة، تستطرد
• ستعلمين..... اجلسي سأضع موز في سريرها وأعود بسرعة!
أطاعتها على مضض، قلبها يرجف، ينبئها عن خطر مجهول يحوم حوله فوجب عليها البعد بسرعة وحزم.
اتخذ كل منهم مكانه، عبد الحكيم لا يصدق حظه، ها هو بين أفراد أسرة طيبين إن استثنى صاحبة المقلتين السوداوين الكبيرتين كرموشهما، تحدق به كأنه مجرم أتى ليسلبهم أرواحهم .
ابتسم لتلك الفكرة، يجبر عينيه على عدم النظر إليها فانتبه الى تفاح التي نطقت بانزعاج.
• عمي المحترم.... بدأ بأفعال لا أعتبرها سوى قلة عقل.
توقفوا عن الأكل والدتها تهتف بخوف.
• ماذا تقصدين؟ ماذا فعل ؟
على غرارهم، استمرت بالأكل بينما تجيب بعبوس جامد.
• بعث فاشلين من بني عمومتنا...ليتهجما علينا الليلة و نحن نغلق المحل ......لم يحترما كبر العم محمد ...و لولا فضل الله الذي أرسل عبد الحكيم في الوقت المناسب .... الله وحده أعلم بما كان سيحدث!
شهقت والدتها بجزع ورمان تتدخل بنبرة لاذعة، شرسة، أسرعت لها دقات قلب عبد الحكيم تنفلت من لجامها.
• ذالك الأحمق المتعجرف أقسم أن...
• رمان!!
نهرتها تفاح بضجر فهتفت بعدم تصديق وغل يشتعل به صدرها.
• ماذا ؟؟؟.... يا إلهي تفاح ...بعد كل ما فعله .
• رمان محقة وأنا لن أسكت!
قالها عبد الحميد وقد نهض يدفع بالكرسي فوضعت الملعقة، ترد باستخفاف بينما تشير له ليعود الى مقعده فيزفر بسخط يكتف يديه رافضا الطاعة.
• لن ننحدر الى مستواه ....ثم هو رجل كبير و لن نبدأ بشتمه....
تأففت رمان بحنق أبرز انتفاخ شفتيها الكبيرتين، فأطرق عبد الحكيم برأسه متهربا من شعور يدهشه على قدره ما يخيفه.
ارتمى عبد الحميد على المقعد، يستفسر منها بغضب لم يهدا عنه.
• كيف علمت بهويتيهما؟..... أنا لا أعرف أحدا منهم سوى ذلك السمج الذي أتى معه صباحا.
مسدت على جبينها، تجيب بإرهاق.
• أعرفهم جميعا يا أخي ..... كنت أرافق أبي رحمه الله الى سوق الجملة .....و كل مرة كان يشير الى أحد منهم و يخبرني عنه ... أتذكر رؤيتهما برفقة أشقائه.
اشتدت أعصاب عبد الحميد، يهتف بوعيد.
• سأعيد تربيتهما بما أنهما لا يدركان معنى الأخلاق.
ضمت تفاح شفتيها استنكارا ووالدتها تمسد جبينها بشرود واجم ليقرر عبدالحكيم التدخل بهدوء.
• إذا سمحتم لي بالتدخل ..... أظن انهما تصرفا من نفسيهما .... لا أظنه تصرفا حكيما من رجل كبير .
حدقوا به بحيرة، يستطرد مفسرا.
• لأنهما لم يحاولا مواجهتي .....بل فرا بسرعة خائفين ....و هذا يدل على ضعفهما .....لو كانت خطة محكمة لكانا صَعَّدا الموقف ..... من رأي أن تنسوا الأمر ولا تمنحوه أكثر من حجمه .
حل الصمت لبرهة يحلق فوق رؤوسهم قبل أن تصدق عليه والدتهم بحزم .
• عبد الحكيم محق ...... سنتجاهل الأمر... و مهمن كان خلفهما لن يتمتع بفوزه في إخافتنا .
هزوا رؤوسهم بوجوم، فاستطردت ممتنة.
• على كل حال شكرا لك بني ...... و أنت مرحب بك بيننا .
شكرهم ثم قام هاربا من قلبه المصر على دق ناقوس خطر موشك فطلبت تفاح من عبد الحميد أن يدله على غرفته بعد أن أعطته مفتاحه.
امتدت الجلسة الأسرية بعد مغادرته لمدة، يتناقشون فيه أمره فقصت عليهم حكايته.
أشفقوا عليه خصوصا رمان التي انسحبت حين شعرت بضعفها الذي تنكره بجبروت، فانتهى اجتماعهم باتفاقهم على قرار تفاح حتى يتحروا صدق أخلاقه .
………………
**في مقهى ما**
• أيها الجبانين ...... لم تقدرا على فتاة و رجل عجوز .
أزال واحدا منهما طرف أنبوبة الأركيلة من بين شفتيه المزرقتين بعد أن أخذ منها أنفاسا عدة، أحرقت رئتيه دون رحمة وبموافقة من صاحبها العاقد لحاجبيه بعبوس نزق.
• أنت مجنون يا راغب.... إن علم والدنا عما فعلناه سيطردنا من البيت ......والدك أيضا لن يقبل مهما بلغت مطامعه ولقد طلب منك الابتعاد عنهم .
عض شفتيه بوقاحة، يجيب وهو يخطف منه الأنبوبة حين قرب الكرسي من خاصة الاخر المراقب بعدم رضى كيف مسح رأسها بقرف مرات عدة.
• كيف أبتعد عنهن و هن الجمال والمال معا؟ ..... محلات عمي لها سمعة حسنة و مشهورة ..... يعني مال كثير ... دون ذكر الجمال الأسمراني .... أعين سوداء كبيرة برموش كثيفة ...و شفتين بارزتين منتفخة .... و الشعر الغجري الأسود.
هتف جليسه المقرب وسط ذلك المقهى الشعبي، عنوان التلوث بكل ما تحمله كلمة من معنى.
• لكن الفتاة التي رأيناها محجبة.
سحب نفسا ملوثا طويلا ثم نفثه في وجهه، يجيبه بسماجة.
• الكبرى....أما الوسطى فلا! ...شعر طويل أسود و مجعد.... ناهيك عن القوام الممتلئ في الأماكن الصحيحة..... لن أبتعد و سأفوز بإحداهما.
ضحكا الاثنين بسخرية ولم يعقب سوى الذي أعاد الأنبوبة بنفس حركة ابن عمه الخاطفة.
• سنرى يا...... ابن الخال .
……………………..
**بعد أسبوعين ......بيت آل العلمي**

• يا أمي ... الى متى تظلين حزينة هكذا ؟
نظرت إليها بعينين غائمتين بغم ودموع حارقة، تجيب ابنتها بحشرجة.
• الى أن نجد شقيقك ... عقلي سيجن .... أين هو؟... العائلة بأكملها لا تعلم عنه شيئا ..عبد العليم بحث عنه في كل مكان قد يلجأ إليه دون نتيجة .
هزت نبيهة، رأسها مؤكدة بوجوم بينما تجاورها على الأريكة في غرفة الجلوس.
• أنا أيضا قلقة للغاية .
رمقتها والدتها دامعة، تقول بنبرة متهدجة.
• أنا خائفة، بل مرعوبة .... لو يتصل بي مرة واحدة ...أسمع صوته فيرتاح قلبي .
ضمتها نبيهة بقوة، تمسد على ظهرها، تهمس لها بكلمات مهدئة تصل الى مسامع عبد العليم الواقف بالقرب منهما لا يقل عنهما حيرة و ريبة.
كيف يختفي شقيقه هكذا دون أن يحاول الاتصال به على الأقل؟
ظن أنه سيختفي لأيام، يداوي فيها جرح كرامته ثم يعود لكن مع مرور كل يوم خوفه يزيد وريبته تتضاعف وهذا ما لاحظه على والده الصامت طوال الوقت، لا هو بقادر على الرجوع عن كلمته وقراره المجحف ولا هو مرتاح لغياب ابنه الغير متوقع.
تفرق أفراد الأسرة كل ينزوي بمخاوفه و حيرته فتحرك متجها الى غرفته وكله تصميم على إيجاد حل جدري و حازم.
………………..
**محل فاكهة المحبة**
• تعال هنا يا عبدُ من فضلك .
رفع رأسه من على صندوق النقد يغلقه وأسرع إليها بينما تكمل مقطبة بحيرة .
• كم من صندوق موز أتينا به اليوم ؟.... أليسوا عشرين ؟
شملهم بنظرة يفكر، ثم قال .
• بلى... عشرين صندوقا...... لكنك أمرت بإعطاء واحد للشيخ إمام المسجد .
ضربت جبهتها بخفة، تعتذر .
• يا إلهي كيف نسيت؟ ..... رمان ستفقدني صوابي يوما ما .... آسفة عبدُ.
ابتسم بإشفاق، يجيبها باحترام يكنه لها.
• لا مشكلة أختي ..... كان الله في عونك ... مسؤولية الأسرة صعبة .
ارتمت على المقعد تجيب بألفة أصبحت تجمعها وأسرتها به ، فقد برهن طيلة الأسبوعين على أمانته و حسن أخلاقه .يعمل بكد و ذكاء أسعدهم ، و جعلهم يتعلقون به خصوصا عبد الحميد الذي اتخذه أخا كبيرا وصديقا قدوة، يقلده في ما يفعله بعد ان تحدث معه مرات عديدة فسلب عقله بحكمته و أدب حواره فكانت موز من لقبته بعبدُ فأصبح الجميع ينادونه به باستثناء رمان الوحيدة التي تتجنبه، متعللة باستفزازه لها والحقيقة أن ما يشعرها به بتلك المقلتين الرماديتين الغامضتين في نظراتهما الخاطفة، يجعلها تفر منه بعد أن ترمقه بعجرفة أو ترميه بكلمتين لاذعتين .
• لا يشغل بالي سوى رمان يا عبد ....متمردة عنيدة والمشكلة أنها طيبة و بريئة عكس ما تظهره تماما ....أخشى عليها من أن توقع نفسها في حفرة لا قرار لها.... لا أريد إفساد فرحتها بنجاحها في سنتها الجامعية الأولى .....لكن عقلي يظل مشوشا أثناء خروجها برفقة صديقاتها .
جلس قبالتها، يعلق بما يشعر به يبحث عن المزيد من المعرفة حولها.
• لاحظت ذالك ....كلما صادفت احساسا قد يُضعفها تفر منه كأنه الموت .
لم تلقى بالا للمعة عينيه، تومئ مؤكدة .
• لا أخفيك أمرا يا أخي ....أنا خائفة عليها ..... موت والدي غير منها الكثير ...لا أعلم إن كانت تلك أعراض الصدمة أم ماذا!
تحدث بحذر يتمنى أن توافقه، فترحمه من وجع قلبه كلما فارقته.
يراوده إحساسا لم يعرف له مثيل كلما لمح مقلتي الغزال وحين ترفرف برموشهما الكثيفة، يرفرف قلبه استجابة دون إذن منه.
• يمكنني إيصالها و إحضارها من مشاويرها ....إذا اردتِ...و هكذا يرتاح قلبك ناحيتها .
نظرت أليه بامتنان، تقول بخجل .
• عبد ....نحن نعتبرك من العائلة ولست سائقا ...إلا ما ناديتك بأخي وتحدثت معك بألفة .
ابتسم بتأثر، يجيب باحترام لتلك الفتاة بمئة رجل.
لَكَمْ ترحم على من رباها، إنسانة تعرف حدودها جيدا إن كانت أمام الناس أو خلف ظهورهم، تخشى خالقها و لا تخاف في طاعة أوامره لومة لائم .
• اذا كنت حقا تعتبرينني فردا من العائلة .... ستقبلين باقتراحي ...... فسأكون حارسا بعيدا لا يتدخل إلا في وقت اللزوم .
زمت شفتيها بتفكير ثم هزت رأسها شاكرة.
• اتفقنا ...... أشكرك يا عبد ...أنت فعلا بعد الله سند لنا.
• من هذا الذي هو سندك يا آنسة تفاح ؟
انتفضت تفاح من مكانها، تحدق في مغتنم بجزع غريب عليها، لاحظه عبد الحكيم الذي استشعر عداوة من هذا الشاب، يتذكر ملامح وجهه ، اقتنى الفاكهة من المحل مرتين خلال الأسبوعين المنصرمين فقام إليه، يقول متأهبا.

• أجل سيدي.... ماذا تريد؟
تأمل مغتنم استقامة عبد وهيئته الضخمة الوسيمة بتلك المقلتين الرماديتين كالرماد الذي يلمع به بعض خصلاته السوداء الطويلة قليلا، لا توحي بكونه شاب مكافح فقير لكن في نفس الوقت ملامحه توحي بجدية تكسبه هيبة أمام من يقابله.
تسلل الحنق الى قلب مغتنم وهو يرى استنفار أطرافه من أجلها فشعر بتهديد جعله ينطق بجفاء بينما يرمق الأخرى الجامدة من خلفه بحدة.
• تفاح !! ..... أريدك في كلمة.
لم يُنسها التوتر ما تربت عليه فقالت ببعض الجدية وإن كانت نبرتها خافتة.
• قل ما تريده مغتنم ..... عبد الحكيم ليس غريبا .
التفتت الى المراقب للمشهد بريبة، تستطرد بنفس اللهجة وكفيها يمسدان جانبي فستانها الواسع بلون أخضر قاتم.
• أعرفك عبد بالسيد مغتنم .... يريد خطبتي و عائلتي على علم بذلك .... لكن أجلنا كل شيء الى حين .
اشتعلت أعصابه غضبا، يصيح بحنق.
• من هو كي تفسري له ظروفنا؟ ....ثم كيف تبقين معه في المحل لوحدكما ؟
شهقت تفاح بشدة، تغطي فمها فهي لم تعتد منه تلك الحدة أو إشارات الاتهام الواضحة فتدخل عبدُ بغيظ يستشعر التوجس وعدم الراحة نحو هذا الكائن السمج رغم أناقته في بدلة سوداء رسمية، متناسقة مع نحافته وطوله المتوسط.
• لا أسمح لك ..... احترم نفسك!
وجدت أخيرا لسانها فحركته بثقل، تعقب بجفاء اسودت له ملامحها المكفهرة.
• ماذا تقول يا مغتنم؟ .... أنا تفاح ! هل نسيت من أكون؟.... و المحل مفتوح على مصراعيه طوال اليوم..... لست أنا من تُتَّهم بهكذا اتهام .
وعى على نفسه فجأة واستعاد رشده فتراجع، يرقق من نبرة صوته توددا يناقض ما يموج به صدره من ضيق وغل مشتعل.
• آسف تفاح .... أنا رجل حر أغار .... على العموم هما كلمتين فقط و سأغادر .
تنفست بعمق تهدئ من روعها ورمت عبد بنظرات التقط معناها فابتعد قليلا، ينشغل بالحاسبات.
أشارت الى الكراسي فجلست و جلس قبالتها، يقول بحقد مسلط على عبد الحكيم.
• أنت تثقين به جدا ....كي تسلمينه الصندوق والحاسبات؟
هزت رأسها موافقة، تجيبه بما ضاعف غله وحقده.
• استحقها عن جدارة .....هو رجل أمين و موثوق.
فابتسم ساخرا، يتعمد إثارة كبريائها.
• لهذه الدرجة يعجبك ؟
رفعت حاجبها، تنظر إليه بملامح سمراء محتقنه .
• لثاني مرة تلمح لشيء إن سمحت لنفسي بتصديقه لن ترى وجهي بعد اليوم ..... فتحدث و ألقي ما بجعبتك .
تدارك زلته مجددا، يقول بلهفة مزعومة.
• أريد القرب منك ....حبيبتي ....الاقتران بك و الزواج منك ....كي لا أغار ممن هب و دب .
زفرت، تستغفر قبل أن تجيب بخفوت لكن حازم .
• مغتنم ..... أخبرتك قبلا ...لا تناديني بألفاظ التحبب حتى نتزوج .....و هذا لن يحدث إلا بعد تخرج عبد الحميد على الأقل كي يستلم مسؤولية البيت .....و قبل ذلك لن يحصل بيننا زواج .... فاعقل هذا يا مغتنم ....و إن شعرت بأنك لن تتحمل فأنا أُحللك من كل التزام تجاهي ....و على قدر ما يؤلمني قول هذا ، إلا أنني لست أنانية كي أربطك بي .
ارتد رأسه صدمة فأسرع يتوسل بتذلل.
• لا .....حبي... أقصد تفاح .... سأصبر.... أنا أحبك و لن أتزوج غيرك.
كتمت ابتسامة، تحارب لتظهر وقلبها الطيب يتأثر رغما عنها بتمسكه فقالت برقة .
• لما أتيت يا مغتنم؟ ....لم نتفق على قدومك .
سبٍل برموشه كي يضحكها فأفلح حين رفعت كفها تخفي فمها بخجل ثم قال بتردد مزعوم .
• إلى جانب أنني مشتاق ....كنت أريد أن أطلب منك طلبا محرِجا ..... لكن ....أظنه ليس الوقت المناسب.
تحدثت بقلق صادق، شع من مقلتيها السوداوين .
• ماذا هناك يا مغتنم ؟...تحدث!
مثّل الاستسلام، يجيب بتَمَسْكُن وقلة حيلة.
• أنت تعلمين بأنني أجهز بيتنا بكل ما يلزمه .... رأيت قطعة أثاث جميلة تناسب غرفة الضيوف ... لكن للأسف كل أموالي تذهب لسداد دفعات القروض.... للبيت وباقي الأثاث، و السيارة .... فكرت في طلب قرض منك .... و بداية الشهر القادم أرده لك .... فأنت أفضل من الغريب .
هزت رأسها، تتنفس براحة تعقب بصدق.
• أفزعتني يا مغتنم ..... أحسنت باختياري كنت سأحزن إن لجأت لغيري.... و أنا لا أريد أن تعيدهم .... أليس الأثاث لبيتنا ؟ إذن نحن شركاء فيه... سأعطيك من نصيبي في الأرباح.
ادعى الانزعاج، يعبر عن رفض مزعوم بينما يلوح بكفه متشدقا.
• تفاح أحذرك ......إن لم توافقي على استرداد المبلغ من الآن لن أقبض منك شيئا ..... لن أقبل بأن تصرف علي زوجتي.
رمقته بعتاب بينما تنهض من مكانها.
• ليس بيننا حساب يا مغتنم ...... فنحن سنتشارك الحياة حلوها ومرها إن شاء الله ....و المال ما هو إلا وسيلة لا تحقق السعادة ولا تجلبها .... انتظرني!
زينت ابتسامة خبيثة ثغره، أسرع بمحوها حين لمح تحديق عبد الحكيم العابس، يرسل إليه تحذيرا مخفيا بأنه مفضوح النوايا أمامه لكنه تجاهل الأمر و نفخ أوداجه عجرفة و تكبرا.
عادت بحقيبتها وأخرجت دفتر الشيكات وبكل طيبة و حسن نية، كتبت المبلغ المطلوب باسمه و منحته له بعد ان قام يراقبها بلهفة.
ثم سألته متذكرة موضوعا ما .
• كيف هي الأعمال مع السيد منصور؟
توتر قليلا، أو هكذا خيل إليها بينما يمنحها الجواب.
• جيدة .... لقد كلفني بسائر قضاياه .... أنا شاكر لك بتعريفي عليه إنه زبون مهم .
اتسعت بسمتها الصادقة، تعقب.
• الرزق من عند الله ....و ما نحن إلا أسباب .
أومأ يقول بترفع، يرمق به عبد المحافظ على صمته وجمود ملامحه الخشنة نوعا ما.
• أنا سأغادر كي ألحق بالمحل قبل أن يغلق .... إن أردت يمكنك مرافقتي لتعاينيها بنفسك.
متأكد هو من رفضها الذي لم يتأخر .
• لا ....أنا أثق بذوقك ..... أعانك الله .
غادر فاقترب عبد الحكيم، يخاطبها مقطبا .
• آسف على التدخل .... لكن أليس ما منحته له قبل قليل ....مالا ؟
أومأت، تجيب بحياء صادق، أثار شفقته ورأفته تجاهها و غضب ينقصه دليل دامغ كي ينطلق منتقما من ذلك المغتنم .
• من أجل .... أثاث لبيتنا المستقبلي ... فجل مدخوله يقسم على دفعات القروض..... مع أنني نصحته أن يبتعد عن القروض الربوية .... فهي تنزع البركة من كل أمر يُقضى بها ..... لكنه يظل يتحجج بعدم مقدرته على شراء بيت بالنقد .... لا أعلم لا زلت غير مرتاحة للأمر برمته.
ضم شفتيه دون أن يجيبها وعاد يجلس على مقعده .
أخرج سكينا صغيرا كان قد اقتناه في صغره من محل بضائع عتيقة، أعجبه شكله و النقش الذي يزين حافته فأصبح مرافقه المخلص.
سحب من جيبه الآخر قطعة خشب صغيرة وشرع يحفر عليها نقشا كالذي في طرف السكين، تلك طريقته التي اكتشفها في وقت ما تساعده على تصفية دهنه و التفكير جيدا.
النقش على الخشب هواية عشقها منذ الصغر لكن والده منعه عنها فاضطر لممارستها سرا.
أجفل من سهوه على نبرة تفاح المبهورة كنظرات عينيها المدهوشة.
• يا إلهي عبدُ ..... أنت موهوب !!
نظر إليها مجفلا وكأنه للتو تذكر وجودها بينما هي تستطرد بانبهار حقيقي.
• أنت نحات موهوب..... أين تعلمت ذلك؟
ابتسم، يلوح بالقطعة مجيبا.
• لم أتعلمه من أحد.... أنظر إلى النقش و أقلده على الخشب .... هواية أحبها.... أجد فيها السكينة و المرح .
قامت بحماس، تقول.
• هذه موهبتك لا يجب أن تضيع .... تعال معي ...هيا ... ساعدني في إغلاق المحل .
نهض من مكانه يتابعها بريبة وحذر.
• كيف ؟....سنقفل المحل ؟ لماذا؟
ابتسمت تجيبه بينما تسحب الأبواب الحديدية الكبيرة فينضم إليها مساعدا بسرعة.
• ساعدني فقط .....و ستعلم ان شاء الله

انتهى الفصل الثاني.... ان شاء الله الفصول الباقية سأقوم بتنزيلها اليوم بإذن الله.


**منى لطيفي (نصر الدين )** غير متواجد حالياً  
التوقيع
لاإله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين
رد مع اقتباس