عرض مشاركة واحدة
قديم 09-06-20, 12:20 AM   #10

**منى لطيفي (نصر الدين )**

مشرفةوكاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء وبطلة اتقابلنا فين ؟

 
الصورة الرمزية **منى لطيفي (نصر الدين )**

? العضوٌ??? » 375200
?  التسِجيلٌ » Jun 2016
? مشَارَ?اتْي » 4,633
?  نُقآطِيْ » **منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute
افتراضي

الفصل الرابع
رفع يده ليلمس وجهها ،هامسا بأنفاس لاهثة.
• ربما ......لكنك حتما ... ستكونين لي .
ارتدّت الى الخلف كي لا يتمكن من لمسها وصاحت تستنجد فكتم فمها بقوة، جسدها ينتفض بشدة كي تزيل يديه التين قطعتا عليها أنفاسها.
جحظت مقلتيها ترى النهاية تلوح لها عبر سواد ظلمة الزقاق وفي لحظة شعرت بنفسها تُسحب للخلف مع راغب فارتطم ظهرها بصدره وانسابت الى أذنيها نغمة أجشه، خشنة تعزف على أوتار قلبها سنفونية خاصة به .
• إن لم تطلق سراحها حلا سأذبح هذا العنق الجميل ولن يعرف أحد من فعلها ..... فنحن لوحدنا والظلمة لن تمكن أحدا من شهادة حق.
صاح الجبان بجزع بينما يتركها بسرعة لتتراجع الى الخلف.
• حاضر ..... حاضر .... سأتركها ... سأتركها!
لم يُزل سكينه الأثري من على نحره، ينتظر منه تركها وحين فعل أبعد السكين دون أن يحرر جسده، يمسكه من قميصه ليديره إليه قبل أن يوجه لأنفه ضربة قوية من رأسه، تاركا إياه ليهوي على الأرض يئن ألما.
رماها بنظرة مليئة بمشاعر متلاحمة بين الغضب والقلق والخوف، يستفسر منها بنزق.
• هل أنتِ بخير ؟
أومأت بتيه صادم كلها يرجف فتمسك برأسها بينما تحدق بهما دون تركيز.
سحبه من جديد، يلكمه بقوة هاتفا بغضب .
• أقسم إن رأيتك تحوم حولهن من جديد ..... سأقتلك ....يا عديم الرجولة و الأخلاق .
تركه أخيرا يرميه على الأرض حين لاحظ عدم رده لضرباته ثم بصق عليه وصاح في الأخرى التي اهتز بدنا ترميه بنظرات متوجسة
• تقدمي ..... أمامي! .... هيا!
قدمت رجلها بتزعزع ترتعد فتنفس بعمق يستجلب الصبر. يخشى أن يراهم أحد في ذلك الموقف، لتمسي علكة داخل أفواه الناس بأحاديث شائنة . فتح لها باب السيارة ثم أقفله حين دخلت.
زفر يتخصر لاعنا والتف يقتحم مقعده.
تسمر في مكانه، يمسك بالمقود متطلعا الى السراب أمامه بملامح منغلقة حتى أجفله الهاتف كما فعل بها، يومض برقم تفاح.
• أجل تفاح .....لا تقلقي ..... انها معي .
رمته بنظرة تحمل إليه مشاعر شتى شتتته بين الصدمة والخوف والكبرياء، يناظرها بعاصفة من الجنون اللحظي، تساوره أفكار عدة ستورده الجحيم لا شك فنزع عنها مقلتيه مشيحا بوجهه، يجيب تفاح بنبرة جامدة.
• انتظرتها الى أن أنهت مشوارها مع صديقاتها .... سأوصلها الأن..... أجل..... الى اللقاء .
أخذ أنفاسا متتالية ثم انطلق بالسيارة والصمت ثالتهما، أحشائهما تصرخ بهواجس عدة وأحاسيس تشتعل بينهما مهما أنكراها.
هي تستنكر، ترفض! لولا الخزي الذي تشعر به الآن، يفضحها أمام نفسها، ممتنة له بحياتها، بشرفها، بل بكل شيء كانت ستفقده لو لم يرسله الله إليها و في نفس الوقت كارهة لوجوده هو بالضبط في ذلك الموقف، أن يراها في قمة ضعفها و خوفها.
هل سيحتقرها مستقبلا؟ فلم يُبدي سوى الانزعاج حتى حين سألها إن كانت بخير، مقلتيه المظلمتين غضبا و شراسة ، أضافت الى رعبها أضعافا فهل سيتشفى ويحتقرها مستقبلا بما أنها كانت دائما تُحجمه و تهينه بكلمات لاذعة.
لا! .....صاح فكرها و انتفض قلبها، لن تسمح له بالانتقاص من قدرها ...هي رمان آل فكهاني، مدللة والدها، مستجابة الطلبات والتي لا يناديها سوى بحلاوة الرمان.
حين تغار من خير التفاح، يوشوش لها بحنان العالم بأكمله .

• انت الحلاوة بأكملها..... و هل هناك حلاوة تضاهي حلاوة الرمان ؟.....فيها حبة من الجنة كالترياق.
تبرق عينيها بحب الكون أجمع، فترتمي على صدره تتمرغ في الأمان والحماية.
شهقت بشدة حين أوقف السيارة بحدة كأعصابه الثائرة تبحلق فيه بذهول.
لم يشعر يوما بغضب مشابه ، يستجمع كل الحكمة والمنطق من خلايا عقله كي يمنع نفسه عن العودة الى ذلك النذل وقتله حتى يشفى غليله.
لكن ما يؤجج من نار قلبه أكثر تمردها الغبي الذي كان سيؤدي بها لا محالة.
ماذا لو لم يُصر على مراقبتها رغم إهانتها التي تلقي بها و هي تتهرب بمقلتيها لتثبت غبائها بجدارة؟
ما الذي يؤلمها لهذه الدرجة ؟ بدل أن تثور أو تبكي كالفتيات تجلب على نفسها مشاكل ستدمر حياتها و تتلبس شخصية ليست لها تلك ال.........جميلة .
• الى أين؟
هتف فرفعت رأسها، لأول مرة تنظر إليه، لم تفعلها حتى وهو يوسع الحقير ضربا لينقذها.
عيناها جاحظتين بصدمة، ضائعتي التركيز.
رفع حاجبيه بخفة، ينتظر جوابها فقالت أخيرا بنبرة يائسة، جافة، خالية من الحياة.
• ماذا تظن؟
أشار الى وجهها، يعقب ساخرا.
• ليس قبل أن تتمالكِ نفسك..... و تتخلصي نظرة الرعب هذه من على وجهك .
رمته بنظرة حانقة لازالت تحمل بعضا من البهوت فاستطرد.
• سترعبينهم و قد يتهور شقيقك و يدمر مستقبله.... فكري جيدا ..... ذلك السمج لن يتعرض لك من جديد ....أعدكِ!
هل تلك الراحة التي تسللت إلى قلبها ؟هل صدقته ؟ بلى، تلك السكينة التي احتلت قلبها بعد وعده تؤكد لها بأنها وبكل بساطة تثق به.
عضت شفتها و تنفست بعمق فقال بنبرة حاول أن يُضفي عليها بعض اللامبالاة .
• فقط لو تقللين من مشاورك ....خصوصا الليلية ....و ....
استعد يلتفت اليها، يعلم مسبقا ماذا سيجده من سخط و استنكار سيشمل قسمات وجهها لكنه لم يهتم ، يلفظ الكلمات تباعا فحسب.
لماذا يهتم وخطوات حياته لم يبدأ بها بعد؟
لا يعلم شيئا عن مستقبله فكيف يساير قلبه و هو لم يرسى على شاطئ أمان؟
يواجه المجهول، يتلمس طريقه كالأعمى فماذا لديه ليقدمه لها؟
بماذا سيفرق عن ذلك الحقير الذي أرادها راغبا في مالها و جمالها.
لن يكون مثله أبدا وسيلتزم بمسافة وافية عنها الى أن يكون على استعداد للمسؤولية.
لكن لا بأس من بعض الاستفزاز .
• تلك الملابس ...س...
• لا يحق لك التدخل في حياتي !!
شرع بحديثه فهمست بشراسة فاجأته، تردف من بين أسنانها.
• لم أفعل شيئا مشينا تمسكه علي زلة .... هو من تهجم علي...... لست فتاة رخيصة قبضت عليها في الزقاق مع عشيقها .
لم يشعر بغضبه، يهتف مستديرا إليها بكليته بما أجفلها وأخافها فلم يسبق لها أن لمحت ملامح غضبه من قبل حين يشتد فكه القاسي فتبرز اللحية خشونة ملامحه أكثر ولا حين تتراقص الخصلات السوداء على جبهته من هز رأسه بقوة لتكتمل اللوحة المبهرة بقتامة الرماد وسط البياض في مقلتيه
• أقسم يا فتاة إن ارتديت لباسا غير لائق مرة أخرى سأقوم بسجنك في البيت.... سأفعل أي شيء كي لا تخرجي .... فلا تستفزيني...... لأنك لن تقدري على مجابهتي .
همت بفتح فمها فهدر حتى انتفض جسدها مجددا.
• أخرجي !!
فتحت الباب مقطبة، مزمجره بغضب، تضرب الأرض كالريح العاصف فزفر بقوة و ترجل بحنق، يسأل الله السلامة.
…………………
**بيت آل الفاكهاني**
• كفي عن ضم شفتيك بذالك العنف ...ستصل قريبا ....بإذن الله .
بمهادنة توجه الحديث لابنتها فيتأفف عبد الحميد بغضب بينما تفاح تهتف بتحذير.
• أمي يجب أن تكوني حازمة .... يا إلهي لو لم يلحق بها عبد الحكيم كيف سنستعلم عن مكانها؟..... لكُنا الآن نبحث عنها كالمجانين .... لا تتهاوني أمي من فضلك.
هزت رأسها متفهمة بوجوب القيام بدورها كأم ورمان قد تمادت، عذرتها بداية فمنحتها مساحة لتحزن على والدها بطريقتها فهي أكثر من يعلم بتدليله لبناته بل و لها قبلهن فكان صعب جدا تقبل فقدانه لكن تطور طبعها الذي اختلف للأسوأ أضحى يخيفها.
رفعوا رؤوسهم حين انفتح الباب وطل عليهم وجه رمان العابس بشكل شائك، أول من تحدث والدتها التي نطقت بقلق يرتسم على ملامحها.
• أين كنت يا رمان ؟ ..... و لما تأخرتِ؟
انتقلت أنظارهم من وقفتها المتوترة الى الوالج خلفها، يرمقهم بقلق هو الآخر فردت أخيرا من بين أنفاسها اللاهثة حين شعرت به خلفها .
• هل يمكن تأجيل الاستجواب الى الغد ؟.... أنا تعبة .
همت بالتقدم عبر الردهة حيث كانوا ينتظرون فتحرك عبد الحميد بخطى واسعة، عنيفة ليوقفها تحت أنظارهم المدهوشة من تصرفها اللامبالي .
• توقفي!! ......بل ستجيبين حالا .... هذا بيت له حرمته لن نسمح لكِ بتدنيسه!!
• عبد الحميد!
هتفوا بنفس واحد زاجر ولم يتوقعوا انفجار رمان الغير متوقع، تداوي جرح كرامتها المهدورة أمامه ......أمامه وحده .
• لا أسمح لك... لا تحدثني هكذا مرة أخرى.... أنت لست أبي ...هل سمعت؟ ...لست أبي!... و لا كلمة لك علي ..... لا تمارس علي رجولتك الواهية التي تحاول تقمصها فأنت بالكاد أنهيت عامك الأخير في الثانوية.
اقتربت منهما تفاح المصدومة كأمها الفاغرة لفمها لا تصدق ما يحدث بين أولادها بينما عبد الحميد يصيح، فاقدا لكل ذرات صبر قبالة عبد الحكيم المراقب للوضع بعين مختلفة.
يعلم أن انفجارها سيفضي لكارثة ما لا يعلم كنهها لكن تأهبها ذاك وحالتها الغير سوية، منذ خروجها من المقهى حتى قبل الحادث، ينبئه بوجود أمر آخر.
• أنا رجل رغما عنك! ..... و لي كلمة عليك ستسمعينها أو سأعيد تربيتك من جديد!
ازدادت توحشا تهم بصفعه فحالت بينهما تفاح، تشير لعبد الحكيم الذي اندفع يمسك عبد الحميد الثائر.
والدتهم ترتمي على مقعدها السابق صدمة وفزع مما يحدث في عائلتها الهادئة.
• اخرس!! ..... أنا تربية أبي .... و لن أسمح بتدخلات من صبي وُلد بالأمس.
• رمان ؟... هل جننتِ؟ ...ما هذا الذي تقولينه ؟
نهرتها تفاح فنظرت إليها تتذكر الآخر وما حصل بعدها بسبب صدمة تخصها هي! و الآن تلومها، تنصُر شقيقها عليها! طبعا فهي حكيمة زمانها و من يقرر في ذلك البيت وقد قررت أنها مخطئة وانتهى الأمر، لهذا نصبوا لها محاكمة برئاسة والدتها التي هي واجهة، أجل واجهة!
تعلم بذلك قبل موت والدها الذي صنع لها واجهة من حديد يوهمهم أنها الآمر الناهي في البيت والآن بعد موته لن يكون الحاكم الحقيقي سواها، خير التفاح كما كان يناديها. زمت شفتيها ،تبلع ريقها بصعوبة ثم رمت الآخر الذي يمسك بشقيقها بنظرة قوية لا تقبل الانكسار بينما هو يحدق بها يحذرها من إخبارهم بما حدث! لكن هيهات! لن تكون رمان إن سمحت له بأن يمسك عليها زلة مهما حدث. نظرت الي شقيقها، بسخط متحدي تهتف بغل.
• إن كنت حقا رجلا فهات لي حقي من الحقير ابن عمك وانتقم لشرف أختك .
أسدل عبد الحكيم جفنيه يأسا والباقي متسمرين أماكنهم بمُقلٍ جاحظة مصدومة بينما هي تضيف بتشفي، تريد في تلك اللحظة بالذات، ايلامهم كما تتألم، أن تُشعرهم بتلك النار الحارقة المتأججة في صدرها.
• بل و حق شقيقتك الأخرى من حقير الآخر .
أرهف عبد الحكيم سمعه جيدا، يستشعر صدق تكهنه قبل أن يشد على جسد عبد الحميد الذي اهتز يحاول الانفلات من عقاله.
• أي شرف ؟ ماذا تقصدين؟ ....تحدثي !
اتسعت بسمتها الخالية من المرح، باردة ، شاحبة كشحوب بشرتها السمراء، تجيبه بتهكم أسود.
• يشرفني أن أبلغك أن ابن عمك المصون راغب..... تهجم علي و حاول ..... حاول...
تفاجأت بصعوبة التلفظ بواقع حدث.... حدث لها فأصبح التعبير عنه كحدوثه من جديد، عادت بأنظارها الى شقيقتها التي هزتها بعصبية، تهتف بقلق بالغ .
• كيف ؟و أين ؟..... و .... م .... أقصد هل أذاكِ ؟
ثَقُلَ لسانها و لم تقوى على تحريكه، ترمق شقيقتها بملامح متشنجة من الألم، الخزي و الكثير ..... الكثير من الكبرياء.
شعر بعجزها بتدخل حين لمح الدموع على وجنتي والدتهم، الفاغرة فمها بذهول و رعب .
• لم يحدث شيئ ..... لقنت الحقير درسا لن ينساه في حياته .
تجمعت حوله الأنظار وكأنهم الآن تذكروا وجوده و بطريقة ما تنفسوا براحة وسط توترهم و خوفهم.
كزت على أسنانها تهتف بشراسة.
• لم يحدث شيئ ؟...... كان سيعتدي علي و كتم أنفاسي حتى لاحت لي نهايتي .....و تقول أنت لم يحدث شيء؟
تلبسته رغبة قتل ذلك الحقير من جديد، مستغربا من تجاوب أعصابه و أحاسيسه معها، لكنه نطق بحنق معاتب .
• لو لم تتهوري وتسلكي ذلك الطريق المظلم وحدك... لما توفرت لديه الفرصة ليفعل ما فعله .
اهتز بدنها، تدافع عن نفسها بشكل عنيف بدافع من رغبة حارقة في إزالة تلك النظرة من على مقلتيه تحرق صدرها.
• الفضل في ذلك لشقيقتي الساذجة .
ارتفعت حواجبهم، يبحلقون فيها ببلاهة، أولهم تفاح التي صاحت بغضب حقيقي تهزها من ذراعيها.
• و هل أنا من أمرك بالتأخر عن البيت ؟....و سلوكِ طريق موحش بمفردك؟ ألم أحذرك من تلك الملابس الضيقة؟.
ها هي تتهمها مجددا، تحكم عليها و تؤمن بحكمها، هي من جلبته على نفسها إذن!
رفعت حاجبا واحدا ساخطا، تقول بهدوء غريب قلب موازينهم وضرب شقيقتها في مقتل شل أطرافها فسقطا ذراعيها الى جانبيها.
• بل تفكيري فيك ما جعلني أنصرف من المقهى بعقل غائب فلم أتبين طريقي ...... فمن يُفترض به أن يكون خطيبك يواعد ابنة السيد منصور... لم يترك مقهى في المدينة لم يدعوها إليه .
حل الصمت بثقله الصاعق على رؤوسهم، فكان وقع الخبر أشق من الحادث، نطقت والدتها بتقطع، تشعر بقلبها مجهدا من فرط سرعته وصدماته.
• هل ..... أ...نت ...حممم .....أقصد ..... كيف؟... أين ؟....... أنت متأ...كدة ؟
عضت شفتها حين لمحت حالة والدتها فانتقلت بسرعة الى عبد الحكيم الذي يرميها بنفس نظراته اللائمة بتلك المقلتين الرماديتين لتكتشف فجأة هول ما نطقت به يرتسم بكل فظاعة على ملامح أختها الشاحبة شحوب الموتى فصارت شفتيها البنيتين المكتنزتين بيضاوين، مجعدتين جافتين، مقلتيها المظلمتين اتسع فيهما البؤبؤيين على إثر الصدمة ليطغى على بياضهما، تتلمس أعلى ذراعها ، ترجوها بنبرة متوسلة بائسة .
• هل ...رأيته بعينيك؟...أقصد قد يكون اجتماع عمل ....فهو...
• أرجوك تفاح !!!...كفّي عن سذاجتك !!
نطقتها بنفاذ صبر، تردف بغل.
• رأيته مرتين بأمي عيني ....و الجميع يتحدث عن خطبتهما الوشيكة ......و إن ذهبتِ الآن .....اللحظة..... قد تجديهما في المقهى يتبادلان كلمات الحب والغزل.
صاح عبد الحميد بغضب جارف، يهم بالمغادرة .
• الحقير !!.. الحقير!!
إلا أن تفاح تجاوزته ووقفت أمامه، تلهث! تشعر بالهواء كسكاكين تنهش من لحم صدرها دون رحمة.
بلعت ريقها فأغمضت مقلتيها على إثر ألم الشوك الذي سلّكته بدل اللعاب عبر حلقها وأجبرت لسانها على النطق ، فخرجت النبرة بحة، مهزوزة .
• أنت ستبقى مع أمي و موز ..... أنا من سيذهب و سيرافقني عبد الحكيم و رمان .
• تفاح !!....لا...
استنكر بضيق فأمسكت بكفه، متوسلة ببؤس .
• أرجوك أخي ..... ابقى مع أمي .
تدخل عبد الحكيم، يربت على كتف عبد الحميد، قائلا بهدوء.
• لا تقلق عليهما....... سأحميهما بحياتي .
دق قلب رمان بعنف، كأن لم تكن سرعته الأولى أشد بينما والدتها ترمقه بامتنان حقيقي لا تستطيع الوقوف على قدميها فهز عبد الحميد رأسه على مضض ومال عليه يهمس بحقد شع من عينيه المسلطتين على وجه شقيقته تفاح المكفهر.

• هشّم عظامه يا عبد الحكيم .... لأنك إن لم تفعل ... سأفعل أنا ...حينها لن أتحكم في نفسي وقد أقتله.
أومأ بتجهم فحل الصمت من جديد حين صدحت نبرة موز الناعسة، تقول بخوف وهي تمسد على مقلتيها الصغيرتين .
• ما بكم ؟ لماذا تصيحون ؟ هل مات أحد ؟
اتسعت مقلتيها على آخرهما، تتأمل بحلقتهم الغريبة فيها . فقالت تضم ما بين حاجبيها ، بطفولية .
• لما تنظرون الي هكذا ؟
ارتد رأس تفاح الى الخلف بخفة، تحاول التنفس دون ألم ثم نظرت الى رمان، تهتف بحزم واجم .
• هيا رمان !!
انصرفوا، فسألت موز أمها بعد أن اقتربت منها .
• أين ذهبوا أمي؟ .... لما لم يأخذوني معهم ؟
أجفلت والدتها على صوتها من شرودها فانحنت نحوها تسحبها لتضمها الى صدرها، تسأل الله أن يحفظ لها أولادها من كل شر .
ركبت السيارة بتردد، تكتوي بين ناري الشك و الخيبة . عقلها لا يستوعب خيانته، مغتنم .....الرجل الأول و الوحيد في حياتها و لم تكن لِتَكُنّ له مشاعر لو لم يدخل في حياتها برسمية، تقدم لوالدها قبل وفاته بعد أن أصبح زبونا دائما لديهم وكأي فتاة عادية ، تأثرت بمطاردته لها و مغازلته التي تنهره عليها على الدوام فسلمت بكونه الزوج المستقبلي ولولا وفاة والدها المفاجئة، الصادمة للجميع لكانت الآن زوجته .
تسترق النظرات الى الجامد جوارها، تعلم أنها تمادت و جرحت من حولها وهو أولهم.
تتساءل ترى ما يشغل فكره اللحظة ؟
وإذا كانت جزءا من تفكيره؟
تأففت بغيظ تلوم قلبها الغبي الذي نسي أمر المصائب وانشغل به.
من هو أساسا ليشغل بالها؟
التفتت الى النافذة غير مسرورة أبدا من الجواب الذي أُرْسل لها كالسهم من قلبها فلاحت ابتسامة ساخرة تعلو شفتيها على هتاف عجرفتها ... هي حلاوة الرمان، تهتم برجل فاشل في التعليم ومطرود من بيت والده .
يشعر بحركاتها فيتجاهلها، إن ظنت أنه لم يفهم كل ما قامت به بينما ترمقه بحذر فهي غبية عكس ما تدعيه!
لا يعلم حقيقة أيسمح لقلبه أن يسعد لنظراتها المدافعة أمامه، و المهتمة رغما عنها؟
أم يحزن لعجرفتها و معاملتها الدونية له؟
لكن ما هو متأكد منه جيدا ، أنه غاضب من فعلتها، لم تنصت إليه و أخبرتهم رغم بكل شيء.
حانت منه نظرة الى الرابضة خلفهما، فتجهمت ملامحه، يشد على فكيه غِلّا من عديم النخوة و الرجولة، يخدع فتاة طيبة كتفاح، يستغلها كي يخدع الأخرى بمستواه المادي الواهم ويقتنص فرصته مع الاثنتين.
استعرت النار في الرماد فأشعلت مقلتيه بلمعة الغضب و الاحتقار ليتوجه بكل حقده من النذل الأول الى الثاني و سيلقنه نفس الدرس ، إن لم يكن أكبر.
ترجلت رمان من السيارة واستدارت تفتح الباب لشقيقتها، انتظرتها فلم تتحرك من مكانها مما اضطرها لتنحني تتفقدها فهالها سهوها البائس، استقامت واقفة تمسد على جبينها بتيه و وجوم، فأجفلها بهمسه الحازم وهو ينحيها عن طريقه دون أن يلمسها .
• أجل ....كان يجب عليك التفكير قبلا .
غير من نبرته الى اللطف و الحنو بينما ينحني قليلا.
• تفاح ؟.... ليس عليك الدخول .... يمكنك الانتظار هنا .
اهتز بدنها بخفة فنظرت إليه ببهوت ثم ما لبتت أن هزت رأسها سلبا وتحركت مُترجلة بتصميم .
تقدمتهم بخطى متعثرة و جسدها يرجف، تتلفت حولها و تستنجد ربها سرا أن يخيب ظنها لكن هيهات !!!... فكم من صدمة كانت شفاء للإنسان من هَمٍّ كان سيتجرع هول ألمه بقية حياته.
تجمدت أنظارها على وقفته المعتادة، أنيق ببدلته السوداء كمحامي درجة أولى، يرمي ساعته النفيسة بنظرات فاقدة للصبر ثم يعود للتحديق تجاه الحمامات.
بلعت ريقها ثم تنفست بعمق وحركت رجليها مصممة تستجمع قواها.
لن تضعف أمام صدمتها مهما كانت، هي خير التفاح! الرجل الذي تركه والدها لأسرته، هكذا أخبرها و هو يلفظ آخر أنفاسه، لذا ستنبذ كل ضعف الفتيات وخنوعهن وتصبح رجلا يتحمل المسؤولية بكل تجلد وصبر، لم ترغم نفسها على الابتسامة حتى برودا أو جمودا بل واجهته بملامح متجهمة مظلمة ملأها الخيبة والاحتقار.
• مغتنم ....ما هذه الصدفة الجميلة؟
رمش بجفنيه مرات عدة، كأنه يحاول محوها من أمامه فحاول تمالك نفسه، متجاوزا دهشته ينطق بتلبك.
• ت.....تقاح ؟!!.... ماذا تفعلين هنا ؟
رفعت حاجبها، تجيبه بجمود.
• ماذا تفعل أنت هنا ؟
رمى بنظرة خاطفة متوترة تجاه الحمامات قبل أن يبتسم بتزعزع، يرد بارتباك.
• أتيت لتتعشي هنا ؟.... كيف ؟..... أقصد ... لستِ من هواة الأكل خارجا .
ضمت ذراعيها الى صدرها والبسمة الساخرة تفرض نفسها على شفتيها الشاحبتين .
• و كيف علمت ذلك يا مغتنم ؟... بل ماذا تعلم عني أساسا ؟
• ها!
رد ببلاهة فتحركت مقلتيه المتأهبين خلفها إلى شقيقتها التي ترمقه بنظرات حقد مميتة ثم الآخر جوارها، يبتسم بتشفي و شماتة و أمر آخر ...... الشراسة .
• لا ..... أقصد ....ما ...
• مرحبا!
ألقتها " مُجِدّة " ببسمة سرور، تستطرد وهي تميل على تفاح، تقبل وجنتها بألفة .
• تفاح ..... كيف حالك ؟...اشتقت إليك كثيرا .... لكن الأعمال لا تنتهي.... إنها صدفة رائعة .
شُلت أطرافهم وحل الصقيع من حولهم فمال عبد الحكيم ناحية رمان، يهمس لها باستغراب مبهوت .
• هل هي صديقة لتفاح؟
انتفض قلبها من قربه ورائحة أنفاسه الدافئة فأومأت بحياء أسبغ على بشرتها السمراء الشاحبة، احمرارا لفت انتباهه دون أن يسلب تركيزه على إحساسه المشمئز تجاه خيانة مغتنم، فعاد يهمس لائما.
• أنت قاسية !!
التفتت إليه لكن عكس ما كان ينتظره لم تحدجه بقسوة أو تنهره بنبرة دونية بل كانت نظرة استجداء أو عتاب، تخجل أمام مواجهته لها بما سبق و اتهمت به نفسها .
• هل أتيتم لتتعشوا جميعا هنا ؟ لو أبكرتم قليلا ....لكنا اجتمعنا سويا .
لازال الجمود هو الطاغي وتفاح لا تحيد بأنظارها عن مغتنم، تحاصر نظراته الخجلة، المرتبكة بينما الأخرى مسترسلة بتلقائية لم تتعمد ما يحملها من سهام سامة مميتة .
• على الأقل كنت لأحدثك عن مغتنم .
ثم ضحكت بمرح مستحي، تمسد على جانبي سترتها العملية البنية، تضيف.
• مع أنه أنت من عرفه على أبي ....و لأجل هذا أنا شاكرة لك .
• انتظري!
ألقتها تفاح فصمتت و ملامح مغتنم تحمر و تسوَد دون أن يتجرأ على قول كلمة فقط يترقب المحتوم باستسلام الجبناء.
• أنت بالفعل ستشكرينني لكن بعد أن أعرفك عليه أنت أيضا....... ففي النهاية ..... أنا من يعرفه حق المعرفة.
قطبت مجدة جبينها بريبة، تنتظر إكمال حديثها فتحولت مقلتي مغتنم البنيتين إلى نار، تحذرها من التهور لكنه كان مخطئا...... مخطئا جدا حين اعتقد أنها قد تخشاه .
• أعرفك على مغتنم ...... خطيبي أو من يفترض به خطيب لي ... لو لا وفاة والدي المفاجئة لكنا الآن متزوجين .
كان دور مجدة لتجحظ بمقلتيها وتتجمد ملامحها، تسأله بصدمة شلت لسانها.
• هل ...... ما ... ت...قوله ..... صحيح؟
صمت قليلا يفكر فطار قناع اللطافة و الرقة ليظهر ملامح الخبث و القبح، يدعي التظلم .
• لماذا يا آنسة تفاح ؟.... ماذا فعلت لكِ كي تشوهي سمعتي ؟... هذا جزائي؟ مقابل كل الخدمات التي قدمتها لوالدك ؟! ..... هو من عرض علي خطبتك .... فصمت قبلا لكوني احترمه لكن الآن هو متوفي ....و لست مضطرا لمتابعة هذه التمثيلية.....آه !!!
أخرسته بصفعة مهينة دون أن يرف لها جفن فشهقت كلٌّ من رمان و مُجدة بينما هم عبدُ بالإجهاز عليه لكنها منعته بكفها، تقول ببرود جليدي قبل أن تلتفت الى صديقتها المصدومة كليا.
• تلك الصفعة ليست من أجلي ..... بل من أجل والدي رحمة الله عليه ..... كي لا تتجرأ مرة أخرى على انسان لا يستطيع الدفاع عن نفسه ...... أتعلمين يا مجدة ؟ ..... هو فعلا و منذ هذه اللحظة حر .... و أنت أيضا حرة في تصديقي من عدمه ....... لكن .... أنا آسفة لن أبارك لك .....فأنا لست بمنافقة بل سأدعو لك الله بالحفظ منه و من أمثاله .
ثم استدارت الى شقيقتها و عبدُ، تطلب منهما بحزم .
• هيا بنا !!.... و لا أريد أي كلمة أخرى بخصوص هذا الموضوع مستقبلا .
تقدمتهما من جديد ولم يكادوا يبلغون باب المقهى حتى تناهى الى أسماعهم صوت صفعة أخرى رجت جدرانه، التفتوا فلمحوا مجدة تحدثه بغضب.
حثهما على المغادرة وحين استقلتا السيارة طلب منهما بغموض.
• من فضلكما انتظراني في السيارة .... سأعود حالا .
همت رمان بالتحدث جزعا فسبقتها تفاح، تحذره بنبرة جدية
• عبد الحكيم ....إنه لا يستحق .... دعنا نرحل .
ابتسم ، يدعي التهكم بجدارة .
• تكفيه الصفعتين من الفتاتين...ذلك يُعد أسوء عقاب بالنسبة لأي رجل يملك ذرة كرامة ..... أنا ذاهب الى الحمام سأعود بسرعة
انصرف ممتنا لخجلهما فما كان ليترك ثأرهما أبدا، يهمس باستهانة.
• لكن ذلك الحقير لا يملك ذرة كرامة.
لقد بات يظن أن طرْده من بيت والده حكمة بالغة كي يحمي أفراد تلك الأسرة الطيبة.
خطى في أثره بخفة الى أن وصل الى مكان ركن سيارته فشكر حظه لكونه تركها في ركن منزوي و مظلم، أنصت لسِّباب المنطلق من فمه، يلعن عائلة آل فاكهاني و عائلة السيد منصور ليشهق بحدة حين أمسكه يشد على عنقه، دافعا جسده على السيارة بعنف .
• تظن بأن بنات الناس لعبة يا حقير ..... سأعلمك كيف تحترمهن يا نذل!
• ابتعد عني ....ما دخلك أنت آآه !!
أغدق عليه بلكمات وافرة، شلت لسانه فلم يستطع سوى الأنين ألما.
عاد الى السيارة بملامح عادية كأنه لم يفعل شيئا وحل الصمت بثقله من جديد، كل شخص منهم غارق في صخب أفكاره.
ركن السيارة فترجلت تفاح دون كلمة واحدة، انتظر نزول الأخرى لكنها لم تتحرك من مكانها فالتفت إليها ملاحظا سهوها الواجم.
تحدث بجمود خافت .
• رمان !!
• أنت ضربته.
كان تقريرا و ليس بسؤال، تبت أنظاره عليها فلم يظهر من جانب وجهها الكثير بسبب الظلام إلا من بقايا ضوء مصباح عمومي بعيد.
ظل على صمته فأردفت بوجوم.
• لماذا نصبت نفسك حاميا لنا ؟


**منى لطيفي (نصر الدين )** غير متواجد حالياً  
التوقيع
لاإله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين
رد مع اقتباس