هبطت إلى أسفل لتجد كلاً من أنجى التى كانت تنتظر زوجها على مائدة الأفطار ...وعمتها التى كانت تبتسم لها ولازالت عينيها تعتذر عما بدر منها صباح الأمس ..لتمنحها كارمن ابتسامتها ،و أخيراً يوسف الذى نظر لملابسها بعدم رضا ...لتزفر بحنق ، فمابال ذلك الأبلهين معها ...سحبت الكرسى المجاور له بغيظ مكتوم ...، ليميل عليها بعدما جلست ويهمس لها بصوت خافت " مالقيتيش بنطلون أوسع من كدة ؟! " ، رمقته بطرف عينيها وهى تعد بسرها حتى رقم عشر لترسم بسمة سمجة على شفتيها وتجيبه من بين أسنانها " لأ ....ومش هغيره " ، تغضن جبين يوسف من عندها هذا ...ليلمح بطرف عينيه دخول غاضب أخر يسحب كرسى رأس المائدة وعيناه تطلق شرراً على من تجلس بجواره ...فيبدو أنهما تقابلا و أصبح مزاجها عكر من أجل هذا ..... ،
" صبا ح الخير ..." قالها عمر للجميع ولازالت عينيه تركز على تلك العنيدة التى سبقت الجميع فى أكل طعامها وتمضغه الأن بعصبية ، لم يفلت مابينهما من تحت أنظار عمتهما التى كانت تراقبهما بأعين ثاقبة ...ربما هى قست على كارمن باتلأمس وأعتذرت لها ولكن ذلك لن يمنعها عن مراقبتهما هما الأثنان ، ويبدو أن عمر ..تحتاج معه وضع النقط الواضحة فوق الأحرف ....فعيناه لم تترك كارمن لحظة واحدة منذ مادخل إلى الغرفة غير مهتم بوجود زوجته بجواره ...ووجودهم حولهم ...لتلتفت إلى كارمن و يوسف أبنها حينما سمعت كارمن تصيح بجزع وكادت نبرة صوتها تكون باكية " أيه اللى فى أيديك ده يا يوسف" ...لتجد كارمن تمسك أيد يوسف بآيادى مرتعشة وهى تشير بعينيها للخدوش الظاهرة من أكمام سترته الرياضية المرفوعة حتى مرفقه ...فوق ذراعه ، لتسأله ليلى بقلق خفيف " أيه ده يوسف ؟! " ، ليضحك يوسف بلا مبالاة ويهتف بنبرة متهكمة من خوفهما المبالغ فيه " شوية خرابيش ...عادية يعنى " ، لتصيح كارمن به " من خناقتك مع سليم صح ؟! " ، ليلتف لها ويجيبها بعنجهة ذكورية " لأ ....طبعاً ، الحيوان ده ما لمسنيش " ليضع كفه فوق يدها التى ترتعش وهى تمسد خدوش ذراعيه ويبتسم لها مطمئناً إياها " ده شوية خرابيش .....من الشباك " قالها وهو يغمز لها ...أشارة على دخوله إلى غرفة والدها من الشباك ولكن نتيجة لصغر حجم الشباك بالمقارنة بيوسف فقد جرح بحوافه تاركاً أثار فوق ذراعه ...،
رمى عمر معلقته بحدة فوق المائدة وقدميه تهتز بشدة وغضب تحتها فنيران الغيرة قد أضرمت فى أوردته نيران لا تطفئ وهو يلعن نفسه مائة مرة والظروف و زوجته الصغيرة ألاف المرات ...فأى رجل هذا يجلس بكل هدوء وهو يرى زوجته تمسك بأيدى مرتعشة يد رجل يعرف تمام المعرفة أنه يكن مشاعر لها ، بل تكاد تبكى عليه متأثره من خدوشه الحمقاء مثله هو .... وعن أى شباك يتحدث هذا، ليجد زوجته المبجلة تهتف بالفرنسية بصوت متهدج " إياك أن تأذى نفسك بسببى " ...، أستغرب الجميع من رد فعلها المبالغ بها حتى يوسف رغم شعوره بالبهجة لقلقها عليه إلا أن رد فعلها غريب لينادى بأسمها " كارمن ..." ، كان لا يعلم أن ذاك الكابوس يزعجها ....هى تخاف عليه ...تخاف أن تفقده بأى شكل من الأشكال ...تخاف أن يتآذى بسببها ...، وهاهى البداية لتصيح بحنق وغضب بالفرنسية وصدرها يعلو ويهبط بسرعة " أذ كنت أحترق فى نار جهنم ...لا تهتم مادام ذلك سوف يأذيك " ،
حسناً هذا كفى ...فالمشهد أصبح له مثيراً للغثيان و أى إضافة زيادة له سوف يصيح أمام الجميع وهى أولهم بأنها زوجته ...شاهراً عقد زواجهما ...ليخبط بيديه فوق المائدة بينما يصيح بحنق وغيرة زوج مغلفة برداء السخرية والتهكم " تمام يا مدام كارمن ..حضرتك تعرفى دكتور كويس عشان الجروح الخطيرة اللى فى أيد يوسف " ، ألتفت الجميع إليه ...زوجته أنجى مندهشة من تهكمه ، ويوسف الذى يعلم سبب سخريته ولكن هناك شئ فى جملته لا يستغيسه ...وعمته التى أخترق أذنها كلمة " مدام ..." ، وكارمن التى تنظر له بغيظ مكتوم و أعين غاضبة ...نعم لطالما تتحول إلى نمرة شرسة من أجل يوسف ...لطالما كان يوسف !!! ، وهذا يحرقه بل يمزقه تمزيقاً .
" كارمن ...يوسف كويس ، ده شوية خرابيش مش حاجة ، وأنت بنت خاله طبيعى يبقى جنبك ، يوسف و عم زى أخواتك بالظبط " كانت ترسل بكلمتها رسالتان واحدة مطمئنة لابنة أخيها ...حتى تهدئها ، و إلى ابن أخيها الأخر رسالة مبطنة ..التى فهم معنى كلماتها بعدما رمقته بنظرة ذات مغزى ...أما يوسف تغضن جبينه فهو لم يستغيس كلمة " أخواتك..." ..ليتململ على كرسيه بعدم راحة ، التفتت ليلى إلى أنجى لتغير الأجواء المحيطة " أنا مش ناسية أن النهاردة عيد ميلاد أدم " ، أبتسمت أنجى برقة " هبة وطارق مستنينك النهاردة أنت ويوسف ...." لتلتف إلى كارمن تلك التى أرتجف جسدها كله عند ذكر أسم أدم وبهتت ملامحها " و أنت أكيد معزومة يا كارمن " ، لترفع أنظارها إليها وهى تحاول الأبتسام " أدم ؟! " ..كانت سؤال أكثر منه ترديد لأسم الفتى ..
لتومأ أنجى رأسها لها وعيناها تلمع بحب لأبن أخيها أدم " أيوة أدم أبن أخويا ...ولد جميل جداً ...هيكمل النهاردة سبع سنين " ، هزت كارمن رأسها بأنفاس متحشرجة ..لتبتسم بحنين وعيناها تلمع بالدموع " أدم ...أسم جميل " ،
مالت أنجى بجسدها قليلاً ناحية عمر الذى سمرت أنظاره فوق كارمن وهو يعرف سر ما أصابها وقلبه يهدر بصريخ عالى " عمر هو اللى مختاره ..." ،
رفعت أنظارها ناحيته لتتقابل مع خاصته عبر المائدة وكلاً منهما تزوره نفس الذكرى ليوم أختاروا فيه أسامى أولادهما إذ أنعم الله بهم عليهما ...أسمهان و ...أدم.
يتبع.. |