عرض مشاركة واحدة
قديم 09-08-20, 12:22 AM   #9

heba nada

كاتبة في منتدى قصص من وحي الأعضاء

 
الصورة الرمزية heba nada

? العضوٌ??? » 460821
?  التسِجيلٌ » Jan 2020
? مشَارَ?اتْي » 202
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » heba nada has a reputation beyond reputeheba nada has a reputation beyond reputeheba nada has a reputation beyond reputeheba nada has a reputation beyond reputeheba nada has a reputation beyond reputeheba nada has a reputation beyond reputeheba nada has a reputation beyond reputeheba nada has a reputation beyond reputeheba nada has a reputation beyond reputeheba nada has a reputation beyond reputeheba nada has a reputation beyond repute
افتراضي


الفصل الثاني

في دنيا المال هناك من تعود على طعم المكسب ينتشي بالنفوذ و تتضخم ذاته بالسلطة
يسعى دائما للفوز مهما كانت الوسيلة
ففي عرفه الغاية هي الأهم
وعليه الوصول مهما كان الثمن.

في مقر شركته الكبير ذو الخمس طوابق بأحد أهم الأحياء الإدارية بالقاهرة الجديدة مكتب فاخر يتصدر غرفة واسعة في المنتصف ، على يساره تتوسط القاعة طاولة اجتماعات ضخمة يجاورها في أقصى الغرفة أرائك على الطراز الحديث وعلى يمينه مقعد مخصص للمساج ، كان يدرس تغير معطيات السوق و ظهورًا جديدًا لبعض صغار الشركات لا يعلم كيف تجرأ أحدهم لخوض مناقصة أمامه بينما هو يراها حق مكتسب له، يجلس خلف مكتبه الفاخر يرتدي مئزر من الحرير الطبيعي باللون الأسود يعلو بنطال بذته السوداء و قميص باللون الأبيض دون رباط للعنق و خصلاته بلون الأرز تتراجع للخلف تاركةً مقدمة رأسه صلعاء ناسبت تخطيه لمنتصف عقده الثامن، رفع أنظاره لمحدثه، و بنظرة ثعلبية تسبر أغواره نفخ دخان سيجاره الكوبي ببطء و قطع الصمت المهيب:
ـ نويت تعمل إيه في المناقصة الجديدة ؟
اعتدل الآخر في جلسته مستندًا بظهره إلى المقعد بينما قدمه اليمنى تعلو ركبته اليسرى و كفه الأيسر يعبث بحذائه و أجابه بثقة من تتجمع بيديه كل الخيوط
ـ متقلقش يا باشا المناقصة في جيبنا
أمعن النظر لمقابله يتحرك بمقعده الدوار يمينًا و يسارًا ببطء بينما يتلاعب بسيجاره بين سبابته ووسطاه
ـ و الشركة دي اللي طلعالنا جديد
لم يتخل محدثه عن ثقته؛ أخفض قدمه و تقدم من حافة المكتب قليلًا يتكئ عليها بساعده الأيمن بينما تؤكد نظرته الجانبية على كلماته
ـ أنا ليا رجالتي في كل حتة يا باشا متقلقش
هز رأسه قليلًا ثم أطفأ سيجاره الكوبي و أشار بسبابته محذرًا:
ـ لو غلطت حسابك هيكون معايا عسير
و دون أن ينتظر إجابة نهض خالعًا مئزره الحريري واتجه لغرفة الساونا الملحقة بغرفته و أغلقها خلفه
***

وسط أمواج الحياة المتلاطمة نحتاج دومًا
للمسة حانية ، لحظات دفء تربت على أكتافنا المرهقة
تتساقط على قلوبنا كقطرات ندى تروي تربة عطشى
و في واحة راحته كان موعده مع يوم دافئ اعتاده منذ سنوات
فبيته مزين بالبالونات مختلفة الألوان التي اشترك طفليه في تحضيرها و تفننا في توزيعها بأشكالٍ متناسقةٍ خاصة هذا القلب الذي احتضن صورة زفافه التي طالما زينت صالة بيته، و باقي البالونات التي انتشرت على سقف و حوائط المنزل فمنحته بهجة من نوع خاص،
و على طاولة الطعام كان قالب الحلوى الكبير المزين بالشيكولا التي يفضلها قد توسطها،
حسنا، يبدو التزيين غير متقنٍ تمامًا و لكن زوجته قد طورته عامًا بعد آخر مع إصرارها كل عام على صناعته بنفسها لأنها كما أخبرته تسقي الحلوى بحبها فيتجرعه مع كل قطعة يلتقمها، لا تعلم أنه قد تشرب حبها منذ أول لحظة وقعت عليها عينيه.
و على إضاءة الشموع بدأت نسمة و الطفلين في غناء أغنية عيد الميلاد الشهيرة و مع انتهائهم و إقبالهم عليه مهنئين، بدأ بتوزيع هدايا عيد ميلاده على عائلته كما اعتاد، نعم في عيد ميلاده هو من يمنح الهدايا لا من يتلقاها أخرج كيس بلاستيكي و بدأ بصغيره الذي التمعت عيناه بشغف:
ـ دي بدلة سبايدرمان اللي كنت عايزها لحفلة المدرسة
ابتهج الصغير و أسرع يبدل ملابسه لتجربة حلته الجديدة ، بعدها توجه نادر إلى صغيرته التي كانت تنتظر هديتها، أخرج لها علبة ما إن لاحظت محتواها حتى تعلقت بعنق أبيها و غمرته بقبلاتها:
ـ ده التابلت اللي كان نفسك فيه بس هنلتزم بالساعات اللي ماما تقول عليها و مفيش باسوورد
أومأت الصغيرة إيجابًا و هي تكاد تطير من الفرح
التفت بعدها نادر لمالكة قلبه و منحها زجاجة من عطرها المفضل
ـ إيفوريا
نطقتها بعشق خالص و عيناها متعلقتان بمقلتي أسيرها و آسرها،
رفعت جسدها على أطراف أصابعها واحتضنت وجنتيه بكفيها تخفض رأسه وتقلص فارق الطول بينهما لتطبع قبلة على وجنته و تتبع بحنان :
ـ على طول تجيب لنا و مجبتش حاجة لنفسك
احتضن خصرها بيديه فارتاحت كفيها على صدره و انحنى تلفحها أنفاسه بينما يهمس بأذنها دون أن يلحظه الصغيرين المنشغلين بهداياهما
ـ ما أنا جايب البرفيوم ده لنفسي
و غمزته الشقية منحته خجلها الذي لم تتخلص منه رغم امتداد سنوات زواجهم
رمق الصغيرين بطرف عينه فتأكد من عدم انتباههما، اعتقل خصرها بذراعه يسحبها برفق و سبابته أمام شفتيه في إشارة لها بالهدوء التام بينما عينيها تتساءل عن هدفه الذي علمته ما إن دخلا لغرفتهما الخاصة و أحكم إغلاق بابها، دفعها للحائط جوار الباب و ذراعيه تحكمان حصارها بين جسده و الحائط، يميل ليدفن أنفه بتجويف عنقها و يهمس برفق :
ـ كنا بنقول إيه برة ؟
بينما ذراعاها متعلقةً بعنقه و عيناها مغمضة تسبح معه في فضاء العشق و تهمس:
ـ كنا بنتكلم في هديتك
مال بالقرب من شفتيها يهمس أمامهما فانفرج جفناها لتتعلق عيناها بأمانها في مقلتيه :
ـ طيب مش هتديلي هديتي؟
ابتسمت بنعومة تذيبه و كفيها تدفع صدره برفق تقاوم الذوبان فيه بينما عيناها تحذره الاقتراب و نبرة صوتها تنفي بدلال:
ـ مش وقت شقاوة يا بابا
أهمل دلالها و شفتيه تكمل طريقها الذي تحفظه ينوي اقتناص اللحظة بينما ترتفع طرقات متسارعة على باب الغرفة مع نداء الصغير :
ـ ماما... بابا
زفر بغيظ عندما تراجع عن تقبيلها مع تعالي ضحكتها لغيظه و نظرتها المتسلية التي تقول أخبرتك أن الوقت غير مناسب ليكمل بنفاد صبر قبل أن يفتح الباب:
ـ الواد ده فصيل
اندفع الصغير للغرفة بينما يتحدث ببراءة
ـ بتعملوا إيه هنا
ـ شفتوا سبايدرمان
و انطلق يقفز على الفراش بحركات طفولية ممتعة يستعرض أمام أبويه حركاته و يثني ذراعيه الصغيرين و كأنه يبرز عضلاته الغير مرئية، اندفع نادر لصغيره فأسقطه على الفراش بحركة خاطفة فتعالت ضحكات الصغير المستمتعة بينما والده يدغدغه و أخته التي انضمت للحفل الصاخب على صوت ضحكات أخيها المتعالية فاختلطت الأيدي بين مدغدغة و مدافعة عن نفسها و تداخلت أصوات الضحكات و هي لازالت عند الباب تراقب تركتها التي أنفقت سنواتها حفاظًا عليها و منحتها السعادة المستحقة بأعين تفيض حبًا و حنانًا غافلةً عما يدخره القدر لها .
***
كالآلة تحيا
تطوي الأيام علها تنقضي
لقد استسلمت لقدرها منذ البداية و لا فرار
لا أب يحمي ...
لا أم تحنو...
و لا عمل يدعم...
إذًا فالتعايش فرض عين...
ولا سبيل للخلاص...
بدأت يومها بصلاة و دعاء أن يجعل الله جنينها ضياءًا في ظلمة حياتها استسلمت للأعمال المنزلية المعتادة و حمدت ربها أن زوجها لن يعود من عمله قبل المساء، إذًا لديها ساعات من الراحة مع طفلها سيتخللها زيارة والدتها التي ترغب في الاطمئنان على صحتها ، ابتسامة ساخرة ارتسمت على شفتيها و كأن أمها لا تعلم حالها و لم تختبر مثل تعاستها من قبل ، تطلعت لوجهها الذابل في المرآة؛ لقد خفُت جمالها يومًا بعد يوم و لم يتبق منه إلا لمحات حزينة بعينيها العسليتين التي ارتسمت الهالات السمراء حولها، وخصلاتها الطويلة بلون حبات القهوة التي اعتادت جمعها دون عناية تذكر
انتفخ أنفها قليلا بفعل الحمل..
شحوب وجهها صاحبه جرح لزاوية شفتيها الباهتة مع زرقة إثر صفعة الأمس ، لم تهتم بإخفاء أثرها أو محاولة علاجها...
و كأن أحدا سيهتم !
أو أن أمها ستبالي بما ترى!
استقبلت أمها التي حضرت بحذاء مرتق وعباءة مهترئة تمتلكها منذ عشر سنين أو ربما يزيد فهي لا تذكر أنها رأت أمها ترتدي غيرها إلا يوم زفافها المشئوم و قد استعارت أخرى من إحدى جاراتها لتحفظ ماء وجهها
لو كانت تعلم أن أبيها فقيرًا لما اهتمت لكنها تعلم أنه يكنز الكثير بينما هذا الكثير لنفسه فقط
حاولت استعادة تركيزها علي سؤال أمها
-عاملة إيه في حملك ؟
أجابتها هامسة بالحمد ، كانت واثقة أن أمها لاحظت جرح وجهها و تعلم سببه لكنها لن تسأل حتى لا تستمع لشكواها، لا تعلم أنها لن تشكو لها ببساطة لأنها تشكوها لخالقها كل يوم ، ربما لو رفضت أمها الهوان يوما لما اضطرت هي لعيش مثيله.
تأملتها و هي تتنقل بين غرفات بيتها تنظف هذه و ترتب تلك
هل كانت أمها تستطيع الثورة حقًا و تخاذلت ؟
أم أنها استسلمت لقدرها مرغمة أيضا؟
هل تكرهها و تحملها مسئولية تعاستها؟
أم أنها تشفق عليها؟
لم تعد قادرة على تحديد مشاعرها تجاهها لكنها متأكدة أنها لا تكرهها
هي غاضبة،
غاضبة من ظروف أمها التي ألقت بها في طريق أبيها دون سند
غاضبة من أبيها الذي لا يحمل من معنى كلمة أب شيئًا،
غاضبة من زوجها الذي كانت تأمل به فلم يختلف كثيرًا،
و غاضبة من نفسها من خنوعها و ضعفها،
من كل شيء حولها يدفعها للاستسلام لوضع يستنزف روحها

ـ أنا خلصت لك معظم شغل البيت ألحق أروح بقى قبل أخوكِ ما يرجع من المدرسة
على ذكر شقيقها تذكرت أنه هو الآخر أحد ضحايا والدها الذي لا تعلم كيف سبيل نجاته، ودعت أمها و استسلمت بعدها للنوم علها تخرس أفكارها التي لا تتوقف

**
أن يتقدم بك العمر بينما لازلت تحملين لقب آنسة
فهذا يجعلك تعتادين بعض المشاهد
كأن تري والدتك تحضر صالون منزلك لاستقبال مرشح جديد طالبًا منحك اسمه
في البداية قد تتحمسين لتلك اللقاءات كأي فتاة غرة
ثم قد تبدأين بالتذمر لعدم جدواها
هذا من وجهة نظرك طبعًا
ففي عرف مجتمعاتنا هذه اللقاءات من المسلمات
ثم في النهاية تعتادينها حد الرتابة
و هذا ما واجهته فور عودتها إلى منزلها
لتتذكر لقاءها المرتقب مع عريس الغفلة كما أسمته في نفسها ثم أسقطت موعده من ذاكرتها سهوًا أو عمدًا لا فارق
لكنها استجابت لرغبة أمها، أبدلت ملابسها و توجهت للصالون كما المعتاد،
جلست أمام العريس المُنتَظر
وبنظرة بسيطة علمت أن ما قيل عن هيئته السابقة كان محض عبث،
متوسط القامة و امتلاء جسده الزائد يخدع الناظر ليعتبره من قصيري القامة وسط الرجال،
امتد الشيب لفوديه كزحف طبيعي لمن هو في أول عقده السادس و يبدو أن زحف الصلع قد أخذ طريقه هو الآخر لمقدمة رأسه:
ـ منور يا أستاذ حسان
عبارة ترحيبية اعتادتها في لقاءات مماثلة ليبادلها مثيلتها ، اعتدلت في جلستها تبدأ اللقاء كما خططت له ممسكة بزمام الحديث
ـ اسمحلي أسأل حضرتك شوية أسئلة
هز رأسه موافقا:
ـ اتفضلي
استندت إلى ظهر مقعدها ورفعت ساقًا فوق أخرى شامخة برأسها للأعلى بينما تسأل :
ـ معلوماتي إن حضرتك مُطلق ممكن أعرف سبب الطلاق؟
ارتبك قليلا ولكنه أجاب:
ـ الحقيقة متوفقناش مع بعض
غمغمت كمن توقع الإجابة فمعلوماتها التي استقتها من أمها تخبرها أن الزواج دام لخمسة عشر عامًا و هو ما يجعل إجابته محض روتينية للتملص من الحقيقة:
ـ يا تري حضرتك متكفل بمصاريف أولادك
تنحنح محاولًا كظم غيظه، أخرج محرمة ورقية و جفف بعض من قطرات عرقه المتساقط:
ـ أنا ببعتلهم نفقتهم طبعا
انفرجت شفتاها عن بسمة خفيفة لتخفض ساقها عن الأخرى و تتقدم قليلا بجلستها تمنحه بعض من أمل زائف:
ـ طبعًا حضرتك عارف إني دكتورة في الجامعة و لو حصل نصيب حكون مضطرة آخد إجازة
التمعت عيناه و ظهرت الحماسة واضحة عليه و كأنه ارتاح لتغير مجرى الحديث:
ـ فرص حضرتك للشغل في أي جامعة هناك موجودة و متقلقيش إن شاء الله هنلاقي عقد بمرتب كبير
ابتسمت بخبث فهو لم يخلف ظنها و إذا كانت مضطرة لمجالسته فما المانع من بعض التسلية رفعت كفها تطالع طلاء أظافرها بمكر:
ـ بس أنا تعبت من الشغل و فرصة أرتاح بقى و أعمل شوبينج في دبي
حاول جاهدًا إخفاء خوفه، استقام بظهره و لين نبرته تشي بما يخفيه بينما يحاول استحضار بعض المنطق لإقناعها بعدم جدوى فكرتها:
ـ معقول دكتورة في مكانة حضرتك تقدر تتخلى عن شغلها
ـ اسمحيلي و إن كان الكلام سابق لأوانه بس واحدة بتشتغل من سنين صعب تبقى ست بيت و بس
طالعته بنظرة مبهمة تسبه بسرها بكافة السباب الذي تعرفه و بصوت هادنه أظهرت بعض الاقتناع:
ـ طيب لو اشتغلت نظام المصاريف بيننا حيكون إزاي بمعني مرتبي و مرتب حضرتك
حاول الحفاظ على هدوء أعصابه ليجيبها و عينيه تتفحصها:
ـ أحنا حنكون كيان واحد و المفروض نقف جنب بعض علشان نكبر و أنا كأي راجل مسئول عن بيته لازم أفكر في مستقبلنا و أقرر نعمل أيه بالفلوس
ضحكت رغما عنها فكما توقعت الإجابة وجدتها لتقرر إنهاء عبثها سريعًا
ـ هي طليقة حضرتك كانت بتشتغل لما كانت معاك
أومأ برأسه إيجابا دون رد بينما عقدة حاجبيه تشي بغضبه فأكملت:
ـ و طبعا فلوسها كانت معاك لحد ما طلقتها و يا عالم عرفت تاخدها بعد ما أطلقت ولا....
صمتت و ثغرها لايزال محتفظًا بابتسامته المتسلية ، تميل برأسها جانبًا فتسمح لعقله بإكمال الصورة التي وصلتها عنه
أجابها و قد شعر أن زمام الأمور قد يفلت منه و لم يستطع إخفاء غضبه الذي ظهر جليًا بصوته:
ـ ياريت نتكلم في مشروع الجواز بيننا بدل طلاقي
نهضت من جلستها بهدوء تجيبه بنبرة واثقة و تنهي اللقاء
ـ مفيش مشاريع مشتركة بيننا نتكلم فيها ، شرفت يا أستاذ حسان
نهض بعنف و لم يحاول حتى كبح غضبه، عيناه ترسلان لها شرارات حارقة يلوح بذراعه في الهواء بينما نبرته تعلو:
ـ أنا غلطان أني جيت أساسا أنتِ رافعة مناخيرك علي إيه أمال لو كنتي صغيره ولا جميلة شوية
و لم ينس حمل صينية الحلويات التي أحضرها معه و صفق الباب خلفه لتستقبل عاصفة أمها الغاضبة كما اعتادتها في كل مرة ترفض فيها أحدهم:
ـ تاني عملتي اللي في دماغك و طفشتيه
ارتمت على الأريكة مقابلها بينما تغرغرت عيناها بالدموع و هي تكمل:
ـ يا بنتي نفسي أطمن عليكِ قبل ما أموت
ابتلعت غصتها و اقتربت من أمها تربت على كتفها و تقبل رأسها و ككل مرة ترفض فيها خاطبًا تعيد عليها جملتها
ـ ربنا يبارك في عمرك و يخليكِ ليَ
استقامت بظهرها و لم تتخل عن حنان نبرتها بينما تكمل بحسم:
ـ أنا مش حتجوز لمجرد الجواز يا ماما
حاولت كبح دموعها فهي و إن كانت ترفض رغبة أمها بتزويجها بأية طريقة ممكنة لكنها تتفهم عاطفتها و مخاوفها كأم لتتركها و تختلي بنفسها قليلا و أمام مرآتها تفحصت هيئتها ، الغليظ غرس نصله بجرحها دون رحمة حتى يسترد بعضًا من كرامته التي سكبتها، تعلم أنها تخطو نحو منتصف عقدها الرابع و في عرف الكثيرين عليها تقديم التنازلات لتلحق بركب المتزوجات و هو ما ترفضه،
تعلم أنها بمقاييس الجمال لا تُعتبر من الجميلات
بشرتها حنطية ، أنف متوسطة و شفاه مرتفعة قليلا عينان بنيتان واتساعهما يجعلهما أشد ما يميز وجهها المستدير بامتلاء يتبع امتلاء قوامها المتوسط الطول
شعر أسود حالك ينسدل حتى أسفل كتفيها بقليل
نعم تعلم أنها لا تمتلك ذاك الجمال المبهر للعيون و لكنها تثق أن شخصيتها قادرة على إبهار الجميع علّهم فقط ينظرون داخلها.
طرقات خافتة على باب غرفتها دلف بعدها والدها الذي جاورها على حافة فراشها يحيط كتفيها بذراعه بينما يغمرها بحنانه:
ـ عارفة لو مكنتيش طردتيه كنت طردته أنا
رفعت نظرها لوالدها بينما دمعة وحيدة فرت من عينيها لتمتد كفه تربت على وجنتها و إبهامه يجفف دمعتها مؤكدًا
ـ أنتِ جوهرتي الغالية عمري ما أفرط فيها غير للي يستاهلها
ابتسمت ريم باطمئنان دائمًا ما يبثه فيها حنان والدها و دعمه بينما الأب يضيف:
ـ أوعي في يوم تبكي طالما مقتنعة بقرارك
أومأت برأسها إيجابا و قد زالت غصتها التي تركها لقاء ذلك المتعجرف
***

في مملكتها الصغيرة تتنقل بين أرجائها كملكة تتفقد حال رعاياها و مع ارتفاع رنين منبه الفرن ارتفع صوت جرس الباب بلحن متسارع مع طرقات منغمة منتظمة تعلن عن هوية صاحبها بقوة
انطلق الصغير فور سماعه للطرق المميز بينما يهتف باسم الطارق و نسمة تنهره ليتمهل حتى يتسنى لها ارتداء مئزرها الذي التقطته سريعًا ترتديه فوق ملابسها البيتية المتحررة
اتجهت ناحية الباب الذي فتحه صغيرها بلهفة فوجدت نور محمولًا على كتف أخيها الذي رفعه بذراع واحدة على كتفه ليتدلى رأس الصغير خلف ظهره كما يحب دوما
تقدم رائد من أخته يصافحها و يطبع قبلة على وجنتها بينما يمد أنفه في الهواء يلتقط الرائحة المنتشرة بالمنزل:
ـ إيه الريحة الحلوة دي؟
انتبهت نسمة من غفلتها و أسرعت نحو المطبخ بينما تهتف بحنق
ـ البيتزا نسيتها
ارتاحت قسمات وجهها و وضعت كفها على صدرها تحمد الله أنها أنقذتها قبل أن تحترق لترفع صوتها:
ـ لو كانت اتحرقت كنتوا هتاكلوها غصب عنكم
أتاها صوت أخيها بمرح:
ـ طب الحقي أخوكِ اللي جاي من الشغل واقع من الجوع
حملت صينية الطعام إلى الخارج ووضعتها على الطاولة لتنضم نادين عقب سلامها على رائد الذي توقف قبل أن يبدأ بالأكل مفكرًا
ـ أنا كده هاكل نصيب نادر
ابتسمت نسمة بحنان قبل أن تجيبه مطمئنة:
ـ نادر مش جاي على الغدا النهاردة
ـ و أنا عاملة بزيادة، نور بيحب يآخد بيتزا في اللانش بوكس
نظر رائد للصغير بمداعبة بينما يلتهم شريحة بتلذذ:
ـ لانش بوكس!
لوى شفتيه يدعي الامتعاض و أتبع:
ـ ماله بس الكيس البلاستيك

عبس الصغير و لم يستطع تبين دعابة خاله و همس بحنق:
ـ لازم لانش بوكس كل الولاد معاهم
ليضحك الجميع و رائد الذي عبث بخصلات الصغير
ـ طيب يا سيدي ربنا يخلي لك بابا اللي بيجيب اللانش بوكس
عقب انتهائهم من الطعام التفت رائد للصغيرة و أمسك بكفها يربت عليه:
ـ نفسي في شاي من إيدك يا نودي
همت نسمة بالكلام فأمسك رائد بكفها هي الأخرى و بضغطة خفيفة أخبرها ألا تعترض، استجابت الصغيرة و توجهت لإعداد الشاي التفت رائد لنور يحادثه و يطلب منه صراحة اللعب بغرفته فتلقى رفض الصغير:
ـ أنا عايز أقعد معاكم
ضحكت نسمة من سذاجة أخيها عندما اعتقد أنه يستطيع التخلص من الماكر الصغير بسهولة فطلبت من ابنها بحزم:
ـ نور، أنا و خالو هنقول كلام كبار ممكن تلعب في أوضتك
عقد الصغير ذراعيه أمام صدره بينما يلوي شفتيه رافضا
ـ أنا كبير يبقى أقعد معاكم
أكملت نسمة بتحذير:
ـ أنت كبير نص نص أحنا أكبر
ـ العب شوية في أوضتك و لما نخلص هنادي عليك
استجاب الصغير حانقًا و تركهما متجهًا لغرفته، التفتت نسمة إلى شقيقها مستفسرة عما يريد و هو لم يتأخر عندما بدأ الحديث:
ـ ماما زعلانة علشان بقالك كتير مجيتيش أنت و الولاد
تنفست نسمة فملأت صدرها بالهواء ثم زفرته ببطء قبل أن تجيب
ـ ما أنا بكلمها كل يوم في التليفون، و أنت عارف أني ما بخرجش كتير
ربت رائد على كتف شقيقته و أودع نبرته كل لين ممكن:
ـ التليفون مش كفاية، حقها تشوفك أنتِ و الولاد بانتظام
أومأت نسمة برأسها إيجابًا و هو اكتفى بهذا القدر بعد أن فشل لسنوات في إذابة الجليد بين والدته و أخته، لا يعلم ما سبب تلك الحالة التي تعيشانها منذ سنوات، لا سلم لا حرب، كان يعتقد أن الزمن كفيل بإذابة الجليد بينهما لكنه أيقن خطأه عندما تزايدت الفجوة بمرور السنوات،
شيدت كل واحدة منهن جدارًا حول نفسها و تباعدت الطرقات كلما دفع واحدة خطوة للأمام عدَت الأخرى خطوات في الاتجاه الآخر و كأنهما اتفقتا على عدم اللقاء، حتى اللحظة لا يجد سببًا لتتحول علاقة أم بابنتها الوحيدة إلى مجرد واجبات تؤديها كل منهن تجاه الأخرى دون حرارة العائلة، وحده الله هو القادر على تبديل حالتهما تلك فقد اكتفى من المحاولات.
***
وسط معاملات شركته يفقد إحساسه بالزمن ، و رغم القلق الذي يقتاتُ على أعصابه لكن العمل يظل شغفه في الحياة.
لم يعد لمنزله منذ ثلاثة أيام يتخذ من الأريكة الوحيدة بمكتبه فراشًا يختطف عليها بضع ساعات قليلة من الراحة تعينه علي مواصلة عمله
التقط هاتفه و ضغط بعض الأرقام ليأتيه رد الطرف الآخر و هو المحامي المكلف بمتابعة عقود شركته:
ـ صباح الخير يا متر أخبارنا إيه؟

استمع قليلًا لمحدثه الذي بدا و كأنه يرفض طلبه و هو ما اعترض عليه نادر فأضاف بحسم:
ـ متأكد يا متر
ـ من فضلك مش عايز تأخير
صمت قليلًا ريثما ينهي الطرف الآخر حديثه و قد بدا أنه أصاب هدفه عندما أذعن الآخر لطلبه
ـ لما الأوراق تجهز كلمني علشان آجي أمضيها
أنهى محادثته وعاود الغوص بملفاته و ما هي إلا دقائق حتى ارتفع رنين هاتفه وما إن وقعت عيناه على اسم المتصل حتى ابتسم بسمة حنين
يعلم أنها هاتفته مرارًا طوال اليومين الماضيين لكن هاتفه إما كان على الوضع الصامت أو أنه كان بلقاء عمل و لم يستطع الإجابة بينما سحبته دوامة عمله فغفل عن معاودة الاتصال بها، التقط الهاتف و أجاب بلهفة:
ـ وحشيتني
استمع قليلا لصوت محدثته الغاضبة ثم أجابها بحنان
ـ يا حبيبتي عارف
ـ أنا آسف
صمت بينما تواصل تقريعها فأجابها في محاولة لاسترضائها
ـ طيب متعمليش غدا أنا هجيب أكل و آجي أتغدى معاكِ
استند بظهره لمقعده بينما يغمض عينيه يستمع لتأنيبها برحابة صدر، انتظر انتهائها من حديثها فأجابها و علامات اعترافه بذنبه جلية بصوته
ـ هجيبلك حاجة بتحبيها
ـ البيت ناقصه حاجة أجيبها معايا؟
صمت مرة أخرى و بدا مرتاحًا لتبديد غضبها و همس قبل أن يغلق الهاتف:
-مش هتأخر يا دودو أنا مقدرش على زعلك


heba nada غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس