عرض مشاركة واحدة
قديم 17-08-20, 06:09 PM   #75

سلافه الشرقاوي

كاتبة بمنتدى قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية سلافه الشرقاوي

? العضوٌ??? » 296621
?  التسِجيلٌ » May 2013
? مشَارَ?اتْي » 966
?  نُقآطِيْ » سلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond repute
افتراضي

منهمك في إعداد سلاحه الخاص ، يحرك كفيه بسرعة ومهنية فائقة ، يضيق عينيه وينظر جيدا قبل أن يعيد تركيب بندقيته بسرعة أخذ عليها جائزة من قبل ، ليطبق فكيه بقوة وهو ينهض واقفا يتخذ وضعية إطلاق النار احنى عنقه قليلا وهو يستعد ، يذخر سلاحه ويطلق النار ببراعة فيصيب أهدافه بدقة ليهتف المسئول عن التدريب انتهى .
تراجع للخلف وهو يقيم أداءه فيرفع رأسه بشموخ وهو يرى النتيجة الإلكترونية واسمه الأعلى بها علاماته بجانبه كامله وعداد الوقت الأصغر في الرفاق .
شد جسده وهو يتراجع ليجلس بكرسيه ثانية يربت على بندقيته بحنو وكأنها رفيقته لينتبه على ضحكة خافتة من خلفه فيرمق صديقيه بطرف عينه ويتجاهلهما من جديد فيهتف أحدهما : من يراك وأنت ترتب عليها يشعر بأنها صديقتك .
تمتم بجدية : هي بالفعل صديقة دربي ، من أنقذتني من الموت أكثر من مرة ، التفت ليتابع – وأنقذتك أنت الآخر ، هل تنكر ذلك يا ياسين ؟!
ضحكا الآخرين ليقتربا منه فيهتف ياسين : بل أنا ممنون لها ولك ، هل اقبل فوهتها لترضى عنا سيادتك؟!
ألقاها بمزاح ليقترب من بندقيته فيدفعه أسعد بخشونة : أبتعد يا مقرف .
ضحك ياسين ملئ فيه ليهتف الآخر بمكر : ألا تعلم أن حضرة الضابط يغار على أشياءه ؟
هتف ياسين بمرح : أعلم بالطبع يا فادي ، تابع بمشاكسة – كان الله بعونها من ستتزوج به .
اسبل أسعد جفنيه وأثر الصمت وهو يلملم احتياجاته فيهتف ياسين : هل ستعود الأن ؟ تعال لنجلس مع البقية .
توقف بعد أن نوى الانصراف ليهتف : لا أريد ، فيهتف فادي - أنا الآخر سأعود .
تبادل ياسين النظر مع فادي ليهز ياسين رأسه بتفهم : حسنا سأذهب أنا إذ أردتما سنجلس قليلا قبل التدريب الليلي .
رافق فادي سير أسعد ليسأله بهدوء : هل هناك أخبار عن أي عملية قريبة يا أسعد، أم التدريبات الكثيرة للتمويه فقط ؟
ساد الصمت قليلا قبل أن ينطق اسعد هدوء : لا أعرف .
ابتسم فادي رغم عنه وهمهم : أنت دائما تعرف ولكن لا تبوح .
أشاح أسعد برأسه بعيدا وهو يعدل من نظارته الشمسية فوق عينيه ليقتربا من معسكر الخيم المنصوبة بتتابع فيدلفا إلى الخيمة الخاصة بهما يضع اسعد أشياءه بعناية قبل أن يخلع سترة بدلته العسكرية يحرر قدميه من حذاءه الضخم ويخلع عن خصره حزام السلاح الصغير، تلمع سلساله الفضي حول حدود رقبته لتستريح بطاقة تعريفه الإلكترونية فوق منتصف صدره العار ، يجيء ويذهب بعنف مكبوت بداخله يشعره صديقه فيرمقه بجدية ويهم بالحديث قبل أن يصدح صوت هاتفه فيتنهد بقوة وهو يلتقط الهاتف ليهم بالخروج فيشر إليه أسعد بالبقاء : سأخرج أنا ، ابق وتحدث مع دينا على راحتك.
ضحك فادي بخفة ليسأله : كيف تعرف أنها هي في كل مرة ؟
أبتسم أسعد أخيرا ليهمهم : من تنهديتك القوية يا حبيّب .
ضحك الآخر بقوة وفتح الخط ليجيب زوجته على الفور : حضرة القائد يبعث تحياته إليك يا حبيبتي .
صدح صوت دينا بمحبة : اخبره أني أدعوه لقضاء يوما كاملا معنا بناء على رغبة يوسف وديانا .
نظر إلى أسعد وابتسامته تشع بفرحة حقيقية فأجاب اسعد بهدوء : سآتي لأجل ديانا بالطبع ، فقط ابعثي تحياتي للخالة مارلين يا دينا .
فتح الآخر مكبر الصوت ليصدح صوتها الناعم يهتف بمرح : مرمر هانم تبعث قبلاتها وأحضانها للقائد الوسيم ، تابعت بنزق مفتعل – ستُفسد سمعة أمي من تحت رأسك .
ضحك بخفة : فقط ابعثي لها تحياتي واخبريها أني أتحرق شوقا لأتذوق طاجن السبيط الذي وعدتني به.
هتفت دينا بجدية : لا تقلق لقد أوصت السماك بكل شيء لأجلك فقط لا تتأخرا عن أخر الأسبوع، وهات فادي معك .
تبادل النظرات مع صديقه فيهتف بمرح ماكر: آها لذا تدعونني لات بفادي معي .
ضحكت برقة لتجيبه ببساطة : بالطبع إنها دعوة مردودة الأرباح ، وهل ستأتي يوما دون فادي ؟
أبتسم ورتب على كتف صديقه : أبدا أدام الله نعمة وجوده عليكم يا دينا ، حسنا سنأتي بأذن الله .
هتف بها ليغادر الخيمة ويتركها لصديقه الذي أغلق مكبر الصوت ويهمهم لزوجته : اشتقت إليك يا حبيبتي ، هلا فتحت الاتصال المرئي فأسعد غادر الخيمة بكرم أخلاق غير جديد عليه ؟!
أتته صورتها الرقمية ليعض شفته ويغمغم بعبث وهو ينظر إلى ما ترتديه : سأنتقم منك حينما أعود .
ضحكت برقة : سأنتظر على الرحب والسعة يا حبيبي .
...
جلس أمام الخيمة ليرتدي حذاءه ثانية ويضع سترته على كتفيه لينهض ويغلق أول زرين بها من الأسفل ليدع صدره يتلقى ضوء الشمس القوي وحرارته اللاهبة ، لعل الحرارة الخارجية تقضي على الاشتعال الذي يؤكله داخليا ، لا يريد التفكير فيم سيحدث اليوم ، لا يريد أن يتذكر ما حدث بالماضي ، ولا يريد أن يشعر بالاحتياج لها يبعثره هكذا ، يريد أن يكون قويا .. شامخا .. جبارا ، لكي يقو على مقابلة أبن خالته بوجه لا مبالي ، ويتعامل مع شقيقته بطبيعية شديدة ويراها فلا يتبعثر وتزهق كرامته على حواف رموشها البنية ، جلس فوق احد الكراسي الصغيرة المتناثرة أمام خيمته ، أغمض عينيه وعاد برأسه للخلف ينظر للسماء من فوقه ويستقبل حرقة الشمس بإرادة جادة في أن تحرق جلده بل لتحرقه كله حتى تتوقف غيرته عن إشعاله هكذا .
قبض كفيه واطبق فكيه ليزدرد لعابه وهو يشعر بحنوه يغمره فجأة وهو يفكر بأمرها ، ستذهب رغم عنها لتستقبل الآخر فهي لن تقو على الرفض ولن تجرؤ على البوح بسبب رفضها إذ رفضت ، ستستجيب إلى والدتهما فيم تريد وتنفذه ، ستقهر روحها وتطأ جرحها بقدميها وترفع رأسها بشموخ زائف في حضرته ، ستتقبل كلماته المنمقة وهي تعلم في قرار روحها بأنه مدعي .. كاذب .. خائن ولكنها لن تقو على لطم وجهه والأخذ بحقها منه ، حقها الذي يريد أن يقتلع عيني الآخر لأجله ولكن لا يستطيع ، فليس هو من يهشم أواصر العائلة لأجل ما حدث ، لن يُخَسر أبيه صديق عمره والأكثر من أخيه لأجل ما حدث ، لن تَخْسر والدته ابنة عمها واختها ومن تربت عمرها بأكمله بجوارها لأجل ما حدث، لن يخسر هو عاصم لأجل ما حدث ، ولن يتنازل عن ذكرياتهما سويا طوال سنوات صباه وشبابه لأجل ما حدث ، لو أراد أن ينال خسارة عارمة لفعل منذ تلك الليلة البعيدة ، ولكنه صمت .. كتم السر وانغلق على نفسه فلم يخبر أحد حتى تؤامه الذي حام من حوله كثيرا يسأل ويستفسر .. يتقصى ويحقق ، بل إنه شعر بابتعاده الحثيث عن شقيقتهما فاقترب هو بدعم لم يتخيل أبدا أن يقدمه لأختهما الصغرى،
فعادل كان الأبعد دائما .. المشاكس أبدا ، كان يغار من الحظوة التي تتمتع بها شقيقتهما فكان يعاندها .. يغضبها .. ويحرص على مشاكستها ، أما هو فكان الأقرب .. الحان .. المدلل .. والمراع كما تخبره والدتهم ، ولكن بعدما حدث أبتعد مرغما .. أبتعد غاضبا .. أبتعد متألما لأجله وحزينا لأجلها وخاصة بعدما صدق حدسه وتنبئُه في أبن خالته النذل الذي تركها وهرب كما اخبرها ولكنها عاندت .. كابرت .. وثقت به وهو ببساطة خانها .

أغمض عينيه والذكرى تضرب أعماقه فينتفض جسده رغم عنه وصوتها يصدح في أذنيه بعناد وتشبث بأمل واهي : أنا أحبه ، وهو يحبني .
رمقها من بين رموشه يطبق فكيه بقوة ويجاهد ثورته ..حميته .. غيرته عليها ليناقشها بتروي و عقلانية يتمسك بها بكل طاقته فتابعت بتلعثم : سيتزوجني .
أبتسم بتكشيرة غاضبة مزجت باستهزاء جلي ومض بحدقتيه : سيتزوج منك أنت ، هل أخبرك بذلك ؟!
ارتجفت أمام حدة نظراته و أومأت برأسها في حركة يائسة واستجداء أن يصدقها ليصدر صوتا ساخرا قبل أن يسألها : هل تشبهين صديقاته أو أولئك الفتيات اللائي يقتربن منه ؟! زفر بقوة ليتبع بخيبة أمل - ظننتك ذكية لن تقعي في فخ لطالما رأيته وهو يحيكه لأخريات كان يصادقهن أمامك .
لمعت الدموع حبيسة بمقلتيها فاكمل مزمجرا : ولكنك تصدقينه رغم كل شيء ، تصدقين كذبه .. خداعة .. وعوده للزواج منك ، اتبع بقسوة وهو ينظر إلى عمق حدقتيها - بعد كل الفتيات اللائي كن يترمين بين ذراعيه سيتزوج من المسترجلة التي ليست من نمطه المفضل .
شهقت بقوة وقلبها يتمزع بطعنة غادرة نفذت إليه بيسر فتهمهم وكأنها تنازع الموت : سيأتي أنا أثق به .
رق قلبه لها فهمس بخفوت : كم أتمنى أن لا يكون مخادعا .. كاذبا .. أتمنى أن لا يبيع عشرة سنين كثيرة .. صداقة .. اخوه .. وبيت تربى به مثل بيته ، أتمنى أن لا يخذل روحك ولا يكسر قلبك ، أتمنى أن يكون صادقا لأجلك ، فأنا سأفرح كثيرا بانه - بالفعل - أحب و تزوج من شقيقتي الصغيرة التي لا مثيل لها .

انتفض جسده ثانية على كف صديقه الذي وضع فوق كتفه ليسأله باهتمام : ما بالك يا أسعد ؟!
رمش بعينيه مرة بعد أخرى قبل أن يرفع رأسه وينتبه من شروده على عودة ياسين الذي يرمقه بعبوس فيجيب بهدوء : أنا بخير والحمد لله .
عبس الآخر وتفحصه : لقد شعرت بجسدك ينتفض ، هل أنت بخير ؟
أومأ أسعد برأسه إيجابا ، فلوى الآخر شفتيه بعدم اقتناع وهو يتجه نحو الخيمة فيهدر فيه اسعد بحمية : انتظر ، فادي بالداخل .
توقف ياسين على حافة الخيمة لينظر إلى أسعد بتعجب ويهتف بتفكه : إذا ، أليس بمفرده ؟ تابع وهو يغمز عينه بوقاحة – هل سمحوا لنا باستضافة الفتيات في خيامنا بعد الظهيرة ؟
رمقه أسعد من بين رموشه ليصيح بجدية : قف بانتباه .
شد الآخر جسده ورفعه في حركة رأسية قبل أن يستقر أرضا يؤدي التحية بكفه : تمام يا فندم .
هم بتعنيفه وعيناه تغيم بغضب ليخرج فادي في ذات الوقت ليربت على كتف ياسين بجدية : استرح يا حضرة الملازم .
نقل نظره بين فادي وأسعد الذي أشاح برأسه في رفض ليشير فادي بعينيه لياسين الذي زفر هواء صدره بأكمله قبل أن يغمغم بخوف : كنت أمزح ، ألا يمزح أحدا معه ؟!
كتم فادي ضحكاته ليهتف به : عقابا لمزاحك هذا أعد لنا الشاي ، هيا أذهب ، أشار ياسين برأسه على اسعد فتابع فادي مغمغا – سأرى ما به ، فهو اليوم ليس طبيعيا بالمرة .
أبتعد ياسين ليتجه فادي ويجلس مجاورا لأسعد ليمازحه برقي : الرجل كان يمزح يا أسعد.
__ مزاح ثقيل وغير مهذب ، هو يعلم جيدا أنى اترك لك الخيمة لتحدث زوجتك على راحتك
هتف فادي بتفكه : إذا كان محق حينما تحدث عن استضافة الفتيات بالخيم ، ها أنا استضيف زوجتي بالخيمة .
رمقه أسعد بطرف عينه ليهتف به : توقف يا غبي .
قهقه فادي ضاحكا وهو يرمق أذني أسعد المحقنتين بحمرة قانية ليهتف بإعجاب : لأول مرة أرى شاب في سنك ضابط جيش مهاب يشار إليه بالبنان ، تحمر أذنيه خجلا .
ابتسم اسعد رغم عنه : إنها وراثة من ابي .
اعتلت الدهشة ملامح فادي ليهتف بتعجب : أنتَ تخبرني أن سيادة اللواء مستشار الرئيس لشئون الدولة العسكرية أذنيه تحمر خجلا .
ضحك أسعد بخفة ليهمهم : نعم إذا حدث ما يخجله .
هز فادي رأسه بتعجب فيتنهد اسعد بقوة : أبي ملك التناقضات .
رقت ملامح فادي : أنت تشبهه للغاية يا اسعد ، فأنت حاد ومخيف في بعض الأحيان ورغم ذلك حنون للغاية ، زفر اسعد وأشاح بعينيه بعيدا ليدفعه الآخر بكتفه في لطف - اخبرني عم يضايقك هكذا .
عبس أسعد ليدفعه فادي ثانية فيهتف اسعد به : توقف عن مزاح الصغار يا فادي.
هز فادي كتفيه : ولماذا أتوقف ؟ أنا الصغير فيم بيننا .
لوى أسعد شفتيه بملل : لست صغيرا ، أنت تفرقني دفعة تخرج واحدة يا فادي .
أشار فادي بكفية : وهذا يثبت أني الصغير هنا .
هز أسعد رأسه بيأس واثر الصمت حتى لا يثير جدلا لا فائدة منه ليتابع فادي : افض بم يؤرقك يا أسعد ، زم أسعد شفتيه فتابع فادي بإصرار وهو يرمقه بقلق – أخبرني من الواضح أنه أمر جلل .
ساد الصمت عليهم قليلا قبل أن يهتف اسعد بقنوط : أبن خالتي عاد من سفره اليوم .
رمقه فادي بعدم فهم ليسأله : أنت ضائق لأنك لم تكن متواجدا في استقباله ،
رد أسعد بخفوت شديد : بل أنا ضائق لعودته .
رمقه فادي بتفحص قبل أن يحدثه بجدية : أنت تعلم أني سمعتك ، أليس كذلك ؟ فمن ضمن صفاتي التي التحقت بسببها إلى الفرقة أني حاد السمع .
رمقه أسعد قليلا قبل أن يهتف بجدية : نعم أعلم وأعلم أيضًا أنك لن تسأل .
تأمله فادي قليلا قبل أن يسبل أهدابه ويتمتم برزانة : أيا كان ما فعله ابن خالتك يا اسعد ، فمقاطعتك إليه ليست من ضمن قائمة الحلول، فمهما حدث هو من دمك وأنت ستعفو عنه إن آجلا أو عاجلا ، ولست أنا من سيذكرك بقول نبيك " العفو عند المقدرة " فأنت من كررتها على مسامعنا في المعارك ، أنت من هتفت بها مرارا حتى تحثنا على أسر العدو وليس قتله ، ولن أخبرك أيضا بقول يسوع المسيح فأنا متأكد من معرفتك به " فمن منا بلا خطيئة " .
رمش أسعد قليلا ليربت فادي على كتفه ويهمهم : ولكني سأخبرك أن تنح كل هذا جانبا وأنصحك أن تحكم أخلاق الفارس بداخلك وأنا موقن من عفوك وصفحك أيضاً وانكما ستعودان إلى ما كنتما عليه ، فكما أظن أن من تتحدث عنه هو أبن خالتك الأقرب إليك ، كما أخبرتني كثيرا عنه فيم مضى ، أظن أن اسمه عمار .
التمع الغضب بحدقتي أسعد لينظر إليه فادي بتعجب قبل أن يهتف : هون على نفسك يا أخي .
أشاح براسه بعيدا وأثر الصمت ليصدح صوت ياسين الذي أتى يحمل كوبين من الشاي : الشاي يا حضرات.
نهض أسعد واقفا : لا أريد ، سأغفو قليلا فلدينا تدريب ليلا بالطائرات ، فاستعدا من فضلكما .
تبادلا النظرات ليهمهم ياسين : تدريب بالطائرات؟! ليتابع بتساؤل جاد – هل هناك عملية قريبة ؟
تناول فادي قدح الشاي من يده ليهز كتفيه بعدم معرفة : لا أعلم ، وأسعد لا يبوح إلا حينما تصدر الأوامر رسمية .
تحرك ياسين بخطوات جادة : سأتحدث مع أمي قليلا قبل أن يحين موعد التدريب .
غادر ياسين إلى الخيم الخاصة ببقية أفراد الفرقة التي يقودها هو وأسعد ، فينظر فادي عن كثب إلى خيمته المشتركة مع صديقه المقرب وقائده ، فيشعر بالخوف المصاحب دوما لعملياتهم الخاصة جدا ، ليرتفع كفه الأخر بلا إرادة تتمسك بالصليب المعلق بصدره مع هويته الإلكترونية ، يلتجئ إلى الله ويتشبث بحمايته .
***
وقفت أمام الميكرفون في غرفة الاستديو الخاصة بنادر والتي لا يستخدمها سواهما ، غرفة مخصصة للغناء على أحدث طراز ولكنها غير مخصصة لتسجيل الأغاني فيستخدمها نادر للتجربة أو تستخدمها هي لتخرج مكنونات روحها بمفردها دون أن يستمع اليها أو يراها أحد !!
اغمضت عينيها و وضعت كفيها على سمعتين رفيعتين يحيطان أذنيها فتمتزج الموسيقى مع خلايا عقلها لتشعر بقلبها ينتفض وهي تشدو بصوت خرج من عمق روحها بأغنية قديمة تحفظها عن ظهر قلب فهي لطالما سمعتها .. رددتها .. وغنتها ، لقد جففت دموع عينيها قبل أن تصل ولكنها شعرت بأنها تريد أن تخرج مكنونات قلبها حتى تكن خالية الوفاض لتقف شامخة في مواجهته دون أن يرمش جفنيها .. يخفق قلبها .. تهفو روحها ، ستدعي ثبات أمامه وتخلق قناع تحاوط به نفسها وتعامله برسمية يستحقها .

يا قَلْبَيْيَ شُو بُدّكِ مِنهُ .. بَعْدِكَ عَمّ تُسْأَل عَنهُ
شَكَّلَكِ عَمّ تَنْسَى فَينا شُو صارَ
جَفَّ الدَمْع بِعَيْنَيْ .. وَهُوَ ما سَأَلَ عَلِيِّي
وَلَمّا بتدق عَمّ حَسَّ بِنار
اذا بتحبه اتركني يا قلبي وروح .. صعب عليي اقتل نفس الروح
اذا انت قلبي عن جد ..لازم اسمع منك رد
غدرت وحبيته يا قلبي آه آه

فتحت عينيها وهي تستعيد رؤيتها له اليوم ، ابتسامته .. سعادته .. لهفته إلى عائلته ، لتشعر بالنبذ .. بالهجر .. بالألم ، تجمعت دموع عينيها لتجبر عينيها على الصمود ودموعها على الثبات ، تغيم حدقتيها بانفعالات كثيرة ولكنها تتحكم بزمامهم في قوة وهي ترفع رأسها بثبات وصوتها يحنو لتهدهد روحها وهي تكمل شدوها

انت وأنا يا قلبي انكسرنا حاجة نخبي
ضحينا وحبينا وشو اللي صار
استكتر عليا يودع .. وجرحه ما بقى يوجع
واذا بتدقله راح انهار

أعتلى التصميم ملامحها وهي تخنق دقات خافقها دموع عيناها تنحسر وتجف ماقيها بإصرار شكل ملامحها من جديد وهي تنهي اغنيتها بجبروت بعثته لأوردتها وظهر في طيات نبراتها التي خرجت قوية .. صامدة .. عالية ، وهي تقسم لقبلها بأنها ستنتقم وتعيد حقها – منه – كاملا
إِذاً بتحبه ٱُتْرُكْنِي يا قَلْبَيَ وَرُوح .. صَعْب عَلِيِّي أَقْتُل نَفْس الرُوح
إِذاً أَنْتِ قَلْبَيَ عَن جَدّ .. لازِم أَسْمَع مِنكَ رَدَّ
غَدَرَت وَحُبِّيّتهُ يا قَلْبَيْ آهَ آهَ
شو بدك .. اصالة

***
عبس بتركيز وهو يمر بسيارته من جانب السيارة الصغيرة المعطلة على جانب الطريق ليرفع حاجبيه بدهشة وهو ينظر إلى من تقف بجوار سيارتها يعتلى الإحباط ملامحها فيصف سيارته بعد سيارتها بقليل قبل أن يترجل منها ويقترب منها بخطوات هادئة ، ابتسم بلباقة وهتف : مساء الخير ، هل تحتاجين للمساعدة ؟
تنهدت براحة وهي تنظر إليه كغريق وجد ما يتعلق به فينقذ نفسه من الغرق : دكتور عبد الرحمن ، أنا امي دعت لي في الصباح ليرزقني الله بك الآن .
ابتسم بخفة ليهمهم : ما الذي حدث لسيارتك يا دكتورة مروة ؟
هتفت بقنوط : إنها سيارة خربة ، لتتابع بقلة حيلة – ولكن ماذا أفعل هي ما أملك ؟
رمقها من بين رموشه ليهتف بجدية : هل تسمحين لي ؟
تهلل وجهها بالسعادة : تفضل .
تحرك ليفتح غطاء السيارة الأمامي وينظر إلى الداخل قليلا قبل أن يهتف بها : أديري الموتور أريد ان أسمع صوته .
هتفت وهي تجلس أمام المقود : إنه لا يعمل .
نظر إليها من فوق مقدمة السيارة الحديدية : فقط لنجرب .
هزت رأسها ايجابا لتدير السيارة فيخرج صوت الموتور قويا لتهتف بانبهار : انت صلحتها .
ضحك بخفة واغلق غطاء السيارة : فقط كان هناك سلك من الأسلاك الخاصة بالموتور مفصول .
نظرت إليه باندهاش : وكيف حدث ذلك ؟!
ابتسم بمكر : لا اعلم ولكن لا يهم كيف حدث ذلك ، المهم الان أنها صلحت وتستطيعين العودة إلى بيتك على الفور .
ناولته محرمات ورقية كثيرة لتقف بالقرب منه وهي تهتف : سلمت يداك ، اتعبتك معي .
ابتسم ببرود : تعبك راحة يا دكتورة .
اتسعت ابتسامتها وهي تقترب منه أكثر : لا أعلم كيف أرد جمائلك ؟!!
اسبل اهدابه ورد بهدوء : لا يوجد جمائل بيننا فنحن زملاء عمل ثم أنا كنت سأساعد أي شخص بموضعك .
همهمت برقة : هذا من طيبة قلبك وكرم أصلك .
زفر بهدوء ليبتسم بعملية : أشكرك يا دكتورة ، أشار إليها – هيا لتعودين إلى بيتك وأنا سأتبعك لفترة حتى اطمئن أن السيارة لن تتعطل ثانية .
اتسعت ابتسامتها لتهمهم بخفوت وهي ترمش بعينيها : شكرا لك يا دكتور ، خالص الشكر لك .
راقبها من بين رموشه ليشير إليها بكفه قبل أن يتخذ مكانه أمام مقود سيارته لينظر إليها من خلال مرآة السيارة الجانبية تنطلق أمامه لتجمد ملامحه وتحتد عينيه بقسوة قبل أن يختفي كل شيء وهو يتابعها عن قصد !!
***
تجلس أمام الطعام تتلاعب به وذهنها شارد فيم رأته وهي عائدة إلى منزلها ، رؤيته وهو يقف بجوار الأخرى يتحدث معها بجانب سيارتها بعد أن ترجل من سيارته الرابضة على بعد بسيط من وقفتهما سويا ، توحي بأنهما على موعد سويا ، توحي بأنهما أتفقا على اللقاء ، توحي بأن بينهما ما هو أكثر من العمل ، وخاصة حينما اتبعها بسيارته في الطريق ومضيا سويا باتجاه مخالف إلى طريق عودته ، اهتزت حدقتيها وهي ترفض من عمق روحها أن يرتبط بهذه العلقة التي تجاهد لتلتصق بأي شخص فتمتص دمه لآخر قطره وتنول مآربها كاملة منه ، وعقلها يحلل الموقف بأكمله فتشعر بأن هناك ما هو أكثر بالفعل بين عبد الرحمن وتلك الطبيبة الوصولية التي على ما يبدو أنها فقدت الأمل بعادل فاستدارت عليه ، هذا الأجنبي ..الساذج .. الذي يفضل السمراوات وينجذب إلى المصريات بشكل خاص فيدله بهن !!
هتفت بغضب : مغفل .
رمقتها أمها بتعجب : من هذا يا رقية ؟!
رفعت رأسها وهي تنتبه أخيرا أنها هتفتها بصوت مسموع فتمتمت : لا شيء يا ماما أمر يخص العمل فقط يشغل تفكيري .
ابتسمت مديحة برقة : ما هو يا روكا اخبريني لعلني استطيع أن أشير عليك ؟
تمتمت وهي تتحاشى النظر إلى أمها : أنه أمر لا يخصني ، يخص شخص آخر ولكنه غبي ذو عقل صلد لا يستوعب مكر النساء على ما يبدو .
رمقتها مديحة جيدا لتبتسم بمكر وتهمس : لماذا تحكمين عليه بإجحاف هكذا ؟ ثم انت لا تعرفين أسبابه الفعلية ، اليس من الممكن يكون محقا ويكون حكمك جائرا يا حبيبتي ؟
زفرت لتهتف بقنوط : من يذهب إلى فخ معد بأحكام يا اماه ، ألا يعد مغفلا ؟
تأملتها مديحة لتناقشها بهدوء : ما الذي دفعك لتقرين أنه فخ وليس شيء طبيعي ؟
همت بالحديث لتقاطعها مديحة بإشارة من رأسها وتهتف : ما فهمته منك أنه احد زملائك بالعمل اليس كذلك ؟
هزت رقية رأسها بالإيجاب لتتابع مديحة بمكر انثوي : معجب بأخرى تعمل معكما أيضا .
توردت رقية لتهمهم : أعتقد ، لتتابع باندفاع – ولكنها سيئة ، وصولية وتريد أن تستفيد منه .
اتسعت عينا مديحة وهي تتذكر حديث محمود عن الطبيبة حديثة التخرج التي تريد أن تقفز لتصل إلى القمة فتحاول أن تصعد على اكتاف الأخرين فتريد استغلال عادل ، لتتميز بجراحة المخ والأعصاب على حساب الأخير ، شعرت بالاندهاش فعادل ليس بأحمق ليندفع وراء هذه الطبيبة ، ولكن ما ذهلها حقا هي غيرة رقية الجلية والتي تسيطر عليها لدرجة لم تلحظ ابنتها ما ألم بها ، بل إنها لم تستطع السيطرة على مشاعرها التي فاضت من حدقتيها لتسالها برزانة : أنت تتحدثين عن عادل ؟
هتفت رقية بعفوية : لا يا أماه عادل لم يكن يوما احمقا ؟!
عضت شفتها وحدقتيها تتسع بإدراك أن والدتها توصلت إلى شخصية من تتحدث عنها لتهمهم : كيف عرفت أني اتحدث عنها يا أماه ؟
ابتسمت مديحة لتهتف بهدوء : سمعت أباك وهو يحدث عمك أحمد وحينما سألته قص لي الأمر كاملا ، تابعت باستفسار حان – إذا لم يكن عادل من تقصدين ، من هو المغفل الذي استنفر غضبك لأجله ؟
رمشت عينيها ليحتقن وجهها بتلقائية وهي تهمس بجدية : عبد الرحمن .
__ الخواجة ، القتها مديحة بعفوية وهي تنظر لابنتها باندهاش فعبد الرحمن الأبعد عن ذهنها ، وإعجاب رقية وغيرتها عليه شيء غير متوقع بالنسبة لها !!
سألت رقية بجدية : لماذا تدعون العم خالد بهذا اللقب يا أماه ؟
هزت مديحة كتفيها بعدم معرفة : لا أعلم ، ولكن هذا ما اعتدت أن أسمعهم يدعونه به ، من الممكن لأن أصوله ليست مصرية خالصه وأنه بالفعل خواجة فهو ولد خارجا وملامحه ليست مصرية ، لذا ابناءه يتوارثون اللقب من بعده فهم أيضا ملامحهم لا تنتمي للمصريين بشيء .
لوت رقية شفتيها باستياء لتسالها مديحة بفطنة : إذاً هو المغفل الذي تتحدثين عنه ؟
تمتمت رقية بحرج : لا أعرف ولكن هذه الفتاة تحوم من حوله وهو لا يبعدها عنه .
رمقتها مديحة بطرف عينها وهتفت باستفزاز تعمدته : من الممكن أنها تروق اليه بالفعل .
شحبت ملامح رقية لتتمتم بصوت هادئ : نعم من الممكن جدا ، فهو يميل إلى السمراوات ، ويعشق ملامحهن المصرية أيضا ، تابعت ببوح عفوي – طوال سنوات الجامعة كان يصادق الفتيات ذوات الملامح المصرية الخالصة ، بعض منهن لم يكن يمتلكن شيء مميز سوى أنهن ببشرة سمراء لامعة .
صمتت فجأة وهي تنتبه أنها تثرثر أمام والدتها بل إنها باحت ببعض افكارها التي تختزنها لتشيح برأسها جانبا قبل أن تنهض واقفة وهي تمتم بجدية : اعتقد أنه يدرك جيدا ما يفعله يا اماه فهو كبير بم يكفي ليستطيع أن يعرف معادن الناس دون أن ينصحه أحد ، التفت إلى أمها وسألتها بجدية - أليس كذلك يا ماما ؟!
ابتسمت والدتها بحنو وهزت رأسها ايجابا واثرت الصمت وهي تتأملها تلملم الأطباق التي لم تمسها ، تحمل الأطباق وتبتعد عنها ، تتحرك بجدية ورزانة ورثتهما من ابيها ليرق قلبها بأمومة خالصة وهي تسأل نفسها " هل أدركت رقية أنها مغرمة بالخواجة الصغير أم تجاهد قلبها بكبرياء وشموخ يقيدان مشاعرها اتجاه الآخر الذي من الواضح أنه لا يراها رغم سمار بشرتها وملامحها المصرية "
هتفت بارتياع وعيناها تلمع بإدراك لحال أبنتها : يا الله ، ما الذي علي فعله معها ؟!!
***
يتلقى ترحاب خالته الحان فتجبره أن ينحني إليها ويضمها إليه ثانية بعد أن استقام واقفا لتدمع عيناه تلقائيا وهو يهمهم بخفوت : إشتقت إليك يا خالتو .
ربتت على وجنته : وأنا الاخرى يا ولد ، لتعاتبه بعينيها قبل صوتها الذي همست به – قلبك أصبح قاسيا يا عمار .
شحبت ملامحه ليرف جفنه قبل أن يخفض رأسه ويتحاشى النظر اليها لا يقو على الرد .. النطق .. الحديث فينقذه عادل بهتاف مرح وهو يقترب منه : هل شبعت من أبن أختك يا ماما أم لازال هناك بجعبتك قبلات واحضان لم تمنحيهم له ؟
أبتسم عمار رغم عنه وخاصة حينما تابع عادل بهمس ماكر وهو يغمز لوالدته : سأخبر الأمير عن كل هذا حينما نعود يا ماما ، التفت إلى عمار ليكمل- وحينها من الأفضل لك أن تعاود السفر قبل أن يقتلك ابي ويريحنا منك .
تصلب عمار بتجهم وهو يتفرس في ملامح عادل يحاول أن يصنف حديثه هل هو جاد أم إنه يمزح معه كالعادة ليضحك عادل بمرح وهو يربت على كتفه : هل خفت حقا يا عمار ؟ قهقه عادل ضاحكا حينما زفر عمار بقوة ليتابع – لا تقلق يا صديق فأبي لن يفعل فهو يعدك واحد منا ، لذا يرسل إليك سلامه لأنه بالعمل فلم يستطع المجيء بنفسه .
تمتم عمار بصوت مختنق : سأذهب إليه أنا بنفسي فأنا اشتقت إليه للغاية ، صمت وهو يشعر بغصة قوية تحكم حول حلقه وندم حط في قلبه بقوة ، وترقب يحاوطه فحديث أبن خالته يحمل الكثير ، وخاصة أنه – للان- لا يستطيع أن يجزم بأن أسعد اخبره أم لا ولكن عتابه الأن بكلمات مواريه .. مبطنة .. تحمل أكثر من معنى يقصده عادل ولا شك فهو أكثر من يعرف عادل الماهر للغاية في التلاعب بالألفاظ منذ الصغر والبارع في منح الآخرين شعورا مخالفا لما يشعر به ،
أنتبه من افكاره على لكزه عادل المرحة بأخوية اعتادا عليها فيما مضى : ماذا بك يا رجل ، هل اكتسبت برودة الحواس من الأجانب ؟ أنا أقف أمامك منذ خمس دقائق ولم ترحب بي .
وكأن عادل القى إليه بطوق نجاه فتشبث به في قوة وهو يحتضن عادل بأخوة وترحاب لاقاه به الآخر حينما ربت على ظهره بقوة : اشتقت إليك يا سمج ، رغم أنك لا تستحق ولكن للأسف أنا اشتقت
ضحك عمار وعيناه تدمع وهو يضم عادل إليه بقوة ، يشعر بأن بعض من روحه ردت إليه في ترحاب عادل به ، أبعده عادل قليلا عن صدره ليهتف به : يا نذل خمس سنوات لا تحدثني بهم مرة واحدة ، تابع وهو يغمز له بعينيه – هل الشقراوات انسوك اصدقاءك طفولتك وشبابك ؟
ضحك عمار ليجيب : لم أصادق أحد هناك .
رفع عادل حاجبيه بتعجب قبل أن يهتف بعدم تصديق : لو اقسمت لي أغلظ الإيمان لن اصدقك ، كنت تصادق بالوطن شقراء لكل أسبوع تريد مني أن اصدق بأنك توقفت في بلد المصدر .
ابتسم عمار وهو يخفض نظره ليجيب بهدوء : ذهبت للدراسة وليس للصداقة .
تفرس فيه عادل والتفكير يحتل حدقتيه ليهتف بجدية : ماذا حل بك ؟! أقترب براسه ليهمهم – هل أصابك العشق لا قدر الله ؟!
تصلب فك عمار وهو يقبض كفيه بقوة وهو يتحاشى بثبات عيني عادل الثاقبة ليصدح صوت عاصم من خلفه منهيا حديث لا يريد الخوض به – خاصة – مع عادل : لا والله ، هل نسيتني لأن عمار عاد ؟
قهقه عادل ضاحكا ليقترب من عاصم يصافحه : بالطبع لا هل يستطيع احدنا نسيانك يا كبير ؟! تابع بمرح وهو يستجيب إلى اشارة عاصم له بالجلوس فيستريح بجانب والدته – بالمناسبة الدكتورة إياها تسأل عنك هل زالت آلام كتفك ؟
اسبل عاصم اهدابه وهو يبتسم بمكر ليهتف عمار بتعجب : اية دكتورة ؟
رمق عادل عاصم بطرف عينه ليهمهم : إنها دكتورة انضمت إلى نادي معجبين المهندس عاصم الجمال ، ناظره عمار بتساؤل فتابع مفسرا- أخيك أتى إلى المشفى يشكو من كتفه عاد إلى البيت ونصف طاقم المشفى من الفتيات يشكون من قلوبهن .
هم عاصم بالرد حينما تصاعد صوت جنى بمرح ونبرة عالية وهي تجلس فوق ذراع الأريكة فتقابل جلوسهم : أخبره عن الفتاة التي ظلت يوميا لمدة أسبوعين تسألك عنه يا عادل .
عبس عادل وهو ينظر إليها بتساؤل فأشارت اليه براسها في حركة طفيفة التقطها عادل بسرعة بديهة لتتسع عيناه ويهتف وكانه تذكر : آها تلك ، كيف نسيتها ؟!
عبس عاصم وهو يجلس على كرسي منفردا ، ينقل نظره بينهما بعدم معرفة فيبتسم عمار وهو يدرك اللعبة الفكاهية التي تقودها ابنة عمه ويشاركها عادل فيها ببراعة ليصدح صوت والدته التي أتت ومن خلفها العاملة تحمل كؤوس العصير: عمن تتحدث يا عادل ؟
اتسعت عينا عاصم بتحذير لابن خالته لتهتف جنى بمرح : فتاة أعجبت بعاصم يا خالتي حينما اتى إلى المشفى عندنا .
التمعت عينا ياسمين بانتباه وهي تحتل الأريكة بجانب عمار : حقا ؟! هل هي جميلة يا جانو ؟
لوى عادل شفتيه لينطق بانبهار مفتعل : صاروخ يا خالتي ، تابع بثرثرة وهو يقترب من ياسمين برأسه ويصف بيديه جسدا أنثويا فاتنا : شقراء .. هيفاء .. حسناء.
هتف وليد بعبث و الذي إنضم إلى الجلسة بعد أن ودع البقية ، فسيادة الوزير لديه مجاملة اجتماعية سيذهب ليؤديها وصحب مع زوجته ، وأحمد لديه عمل هام بالمشفى ، وشقيقته صحبت ابنتها والأولاد الثلاث إلى مراجعة هامة لديها بالبيت وخاصة أن اختباراتهم قاربت على البدء : حسناء اخرى ، ألا تكفيه الحسناء التي تعمل لديه ؟!
عبست ياسمين بعدم فهم : من حسناء ؟
أجاب وليد بأريحية وهو يعاود الجلوس على كرسي منفرد يقابل كرسي ولده : مديرة مكتب ولدك .
أكمل عادل بشقاوة : وواقعة بغرامه يا خالتي ، أطبق عاصم فكيه ورمق عادل بحدة فتابع عادل غير أبها بتحذيره - ولكن السيد المستبد لا يأبه لأمرها ويحرجها دوما .
همت ياسمين بالحديث ليصدح صوت نوران التي ترتشف العصير على مهل وهي تقف بجوار الشرفة تنتظر من بالخارج وتتحدث بهاتفها: إنه محق ، هذه الفتاة خرقاء للغاية ، ثم إن عاصم لن ينظر إليها بالطبع حتى لو ظلت أمامه طوال عمرها .
تصلب جسد عاصم لتومض عينا عمار بتفكير وخاصة حينما مطت جنى شفتيها وهتفت بجدية : لماذا إن شاء الله ؟
أجابت نوران بترفع : لأنها لا تمتلك المقومات اللازمة .
اغمض عينيه بنزق والتزم الصمت وهو يرتدي قناع اللامبالاة ليسألها عمار بهدوء : وما هي المقومات اللازمة يا نوران هانم من وجهة نظرك ؟
هزت كتفها بتلقائية لتجيب بهدوء : عاصم يريد نداً قويا له ، لا فتاة خانعة تسايره وتجلس تحت قدميه لترضيه .
عبست ياسمين والغضب يسيطر عليها : يا سلام ، ولماذا لا تجلس تحت قدميه وترضيه ؟! هل ينقصه شيء يا ابنة الوزير ؟!
توترت نوران لتتحرك بعفوية وتندس بجوار عمها في الكرسي الضيق ليسيطر وليد على ضحكاته فلا يقهقه ضاحكا على ملامح ابنة أخيه الخائفة من زوجته التي ستلتهما حية إذا استطاعت ، فيحيطها وليد بذراعه بينما تمتمت نوران بخفوت : لم اقصد شيء يا آنتي ، ولكني لا اتخيل أن عاصم يليق به دور سي السيد هذا .
رفعت ياسمين حاجبها باعتداد : بل يليق به واكثر ، هزت نوران كتفها ببرود – حسنا هو حر فقط كنت أبدي رأيي .
صاحت ياسمين بفظاظة : لم يطلبه أحد .
لوت نوران شفتيها بتبرم وعبست بضيق فيهمهم هو اخيرا : أماه ، ليهتف ابيه بجدية – اهدئي يا ياسمين ، لم يحدث شيء لكل هذا .
اتسعت عيناها بغضب فتابع وليد بهدوء وهو يربت على ظهر نوران بحنان وينظر إليها بفخر : ثم نوران محقة ، عاصم حينما يريد أن يتزوج ، سينتقي الأفضل ، تابع وهو يرفع نظره إلى ولده - وتلك الحسناء ليست الأفضل ، أليس كذلك يا عاصم ؟
تعلقت نظراتها به تنتظر رده الذي أتى هادئا وهو يجابه أبيه بنظراته في تحدي غير معلن بينهما : حتى أن لم تكن الافضل ، أنا سأرى أنها الأفضل .
ومضت عينا جنى بنظرات مستمتعة وهي تقابل نظرات عمار الماكرة ليهتف عادل بانبهار : واو ، هذا هو السيد العظيم حينما يعشق ،
هتفت ليلى أخيرا بحنو :هنيئا لها الفتاة التي ستمتلك قلبك يا عاصم ، فانت مميز من صغرك يا بني .
هتفت جنى بفخر : بل هو Unique يا خالتي .
هتف عمار بمرح : ما رأيك يا عادل ، أنا أرى أن ليس لنا حاجة بجوار السيد الفريد من نوعه ؟
هز عادل رأسه بيأس : نعم لو كنا نخلتين لكانت لنا فائدة أكثر ، ولكن نحن خيالين بهذه الجلسة .
ضحكت ياسمين لتهتف ليلى بصوت ضاحك : الن تتوقف أبدا عن مزاحك الساخر ؟
إجابتها ياسمين : بل إنه مميز به يا ليلى .
هتف عادل بسخرية : اوه وجدت شيء مميزا به .
ضجت الجلسة بضحكاتهم ليرمق عادل ساعته قبل أن ينهض واقفا فيساله عاصم : إلى أين ؟
أجاب بعفوية : سأنظر ما الذي أخر موني هكذا ، فهي قد أتت معنا ولكنها انتظرت في الشرفة بالخارج إلى أن تنهي هاتف ضروري أتاها بخصوص عملها .
القى جملته وهو يتحرك بأريحية للخارج ليرجف جفن عمار ويتصلب جسده ، يسمر قدميه أرضا حتى لا ينهض خلف عادل ليراها ، قلبه ينتفض ووجهه يشحب تدريجيا فينتقل عاصم بتلقائية ليجاور جلوسه ، يهمس له بخفوت : اهدئ سيمر الأمر على ما يرام .
***
يلتفت من حوله باحثا عنها منذ أن عاد عادل واخبرهم أنها قادمة فنهض واقفا بلا هدف سوى انه لن يقو على انتظارها جالسا ، ليغطي على توتره بأنه أبتعد يجلب بعض من المياه يرشفها باستمرار وعيناه تتقد وهو يستمع إلى حديث عادل الشيق الذي يقص على والدتيهما إحدى حكاياته المرحة والصاخبة بتفاصيل كثيرة فيشد انتباه الحاضرين ويجذبهم بسلاسة وطريقة ممتعة ،
يستمع إلى حديث عادل بذهن مشغول بتأخر ظهورها وعقله يفكر بأنها أتت مع عادل وخالته ، وأن زوج خالته لم يأت لأجل عمله - فقط - كما فهم من حديث عادل ، إذا فاسعد يقاطعه ، بل ويخبره برساله واضحة أنه يرفض رؤيته بل لن يتعاطى معه وسيعلنها على الملا أنه لا يهتم لأمره ولا يريد أن يتعامل معه ابتسم بألم وهو يعلم بقرار نفسه أن اسعد محق ، فهو أخطأ ولكن إذا كان أسعد سيصارح الجميع بم حدث كيف أتت هي اليوم وكأنها لا تهتم .. لا تأبه .. لا تبالي .
رجف جفنيه رغم عنه وهو يشعر بوجودها حتى قبل أن يراها ، تتسع عيناه تلقائيا حينما أدركها نظره ، فيتأملها بشغف وقلبه يتضخم وكأنه يتشبع وجودها ، أوردته تتسع ، ودماءه التي ضخت بتدافع يتسابقون فيم بينهم ليرتفع ضغطه ويشعر بعقله يغيب في غيمة لا وعي حقيقي يخيم عليه حينما تشربت روحه وجودها فينتفخ صدره وهو يشتم عبيرها ، خافقه يضطرب بدقات غير منتظمة معلقة بخطواتها ، حدقتيه تراقبان اقترابها بتحديق يريد أن يلم بكل تفاصيلها المختلفة تماما عم كانت عليه من قبل ، لعق شفتيه رغم عنه وهو يتأملها من اخمص قدميها المنتعلتان حذاء أنيق رسمي بكعب رفيع عال فأصبحت توازيه طولا ، تنورة رماديه ضيقة تحدد رشاقة ساقيها وتخفيهما من عند أخر ركبتيها ، قميص حريري بلون أزرق لامع محتشم يلتصق بجذعها فيعلن بجاذبية عما تخفيه من خلفه من فتنه ، بقبة عالية مفتوحة طوليا فتظهر أول عنقها الطويل بتلك الحسنة التي تقع بين عظمتي الترقوة فتثير شغفه بها ، خصلاتها المرفوعة بشكل انثوي مبعثر لخفقاته ، بعضها يتهدل حول وجهها بفوضى ضربت صميم حواسه فتركت عقله مغيب .. غارق تماما بها فلم يدرك أنها توقفت أمامه إلا حينما ابتسمت بلباقة ورسمية شديدة ثم هتفت بصوت طبيعي : حمد لله على سلامتك .
أغمض عينيه لوهلة فتغلل صوتها إليه حينما مر من اذنيه فأحيى خلاياه من جديد ، أعاده إلى موطنه من جديد .. وغرسه بأرضه من جديد ، وجودها أمامه أزاح ضباب اكتنف روحه لسنوات مضت فأشرقت بشمسها الآن وبددت حزن ألم به حتى كاد أن يغرقه في دوامة غربته ، ومنفاه الاختياري كاد أن يبتلعه لولا شوقه إليها من دفعه للقدوم والعودة من جديد .
رجفا حدقتيه ليبتسم بسعادة وعشق اعتلى ملامحه فلم يحاول أن يخفيه أو يهرب منه بل صرح به في رعونة ونظرة منحها إليها وهو يهمهم بصوت خافت اجش مضطرب باضطراب مشاعره : سلمك الله يا مونتي .
اهتزت حدقتيها برفض لتبتسم بلا مبالاة اتقنتها لتجيبه : أشكرك .
مد كفه ليصافحها وكأنه يريد تأكيدا لنفسه أنها هنا .. أمامه .. معه ، فترمقه ببرود وقبل أن تمنحه كفها رن هاتفها فتشاغلت به لتعتذر منه بإيماءة رسمية وتهتف : المعذرة ، إتصال هام .
أجابت هاتفها وهي تبتعد عنه وسط نظراته الذاهلة والتي انقلبت إلى غضب عارم حينما صفع قلبه صوتها الذي غرد بحبور : كيف حالك زياد ، اشتقنا إليك متى ستأتي ؟!


انتهى الفصل الخامس
اتمنى يحوز على اعجابكم
في انتظاركم دوما


سلافه الشرقاوي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس