عرض مشاركة واحدة
قديم 31-08-20, 05:44 PM   #207

سلافه الشرقاوي

كاتبة بمنتدى قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية سلافه الشرقاوي

? العضوٌ??? » 296621
?  التسِجيلٌ » May 2013
? مشَارَ?اتْي » 970
?  نُقآطِيْ » سلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond repute
افتراضي

يتحرك بأريحية بين المعروضات ينتقي بعض من الملابس التي يحتاجها لأجل السفرة التي سيذهب إليها غدا ، رن هاتفه بإشعار أخر يصل إليه لينظر إليه ، عبس بضيق و حرك أنامله على شاشة الهاتف ليأتي بالإشعار الذي أخرج إليه صورتها التي شاركتها على صفحتها الشخصية للتو .
اتسعت عيناه بصدمة وهو يدير عينيه على الصورة من اخمص قدميها بحذائها الاسود اللامع بكعبه العال ، يزين ساقها اليسرى المرفوعة للأعلى قليلا عن ساقها الأخرى خلخال ذهبي خفيف ترتدي فستان عملي مغلق من الأمام كميه يصلا قبل مرفقيها بلون رمل الصحراء يصل لمنتصف ركبتيها وازيح للخلف بسبب وقفتها الغير عاديه ، شعرها منسدل فيصل بخصلاته الطويل لآخر ظهرها ، وهي تنظر إلى شاشة هاتفها الذي تحمله بكفها المرتفع بعدما اثنت ساعدها المعلق به حقيبتها الكبيرة لتتصور فتنعكس صورتها غير واضحة الملامح في المرآة الواقفة أمامها لتكتب فوق صورتها بالإنجليزية " shopping " .
اطبق فكيه وعيناه تتابع التعليقات التي توالت على صورتها بطريقة مكثفة معظمها من فتيات صديقات لها أو معجبات بها فهي غدت الصحفية اللامعة التي يتابع اخبارها الكثيرون .
لينتفض جسده دون وعي وهو يقرأ هذا التعليق الذي حفر بعقله بسبب صاحبه الذي كتب بعفوية " دائما متألقة "
ارتجفتا حدقتيه وهو يعود إلى تلك الليلة التي لم يستطع أن يمنع نفسه من الدوران حولها ليقتنص فرصة كانت فيها وحيدة فيسألها دون مواربة وبصوت حاد : ما قصة زياد معك ؟
نظرت له بدهشة ورددت : زياد ؟! ما باله ؟!
__ أريد أن أعلم علاقتك به ، من هو ولماذا يحوم من حولك ؟
رفعت حاجبها بسخرية : وما شانك ؟
زمجر : يمنى توقفي عن اثاره غيرتي وغيظي ،
ضحكت هازئة : غيرتك ، ولماذا تغار ؟ لست بأخي ، ولا أبي .. لست زوجي وبالتأكيد لست حبيبي ، الغيرة لا يوجد لها مجال بيننا يا عمار ،
اقترب خطوة منها ليهمس بغل : بل حبيبك ، مهما انكرت ، سيظل قلبك هذا مملوكا لي ،
نظرت له بتحدي وهمست بفحيح ساخر : إذا كان هكذا كنت اقتلعته ورميته على الطريق ، قلبي لا يحب خائنا لعهد .. ووعد .. وبيت تربى به فتسلى بأبنة من رباه حينما كبر
رمش بعينيه قبل أن يهتف بجدية : لا تتهربي من إجابة السؤال ، وأخبرني ما شان زياد بك ؟!
مطت شفتيها بتلذذ أنثوي فتعلقت عيناه بهما وهما مضمومتان كحبة كرز آن قطافها لتبتسم بمكر فيرفع نظره إلى عينيها لتهمس بتسلية : أتعلم اكتشفت حينما كبرت أن من الرائع أن يكون لديك معجبين كُثر ، يحومون من حولك ويطلبون رضاك ، يتحملون دلالك ويجيبون أوامرك ، يعاملونك كملك متوج على قلوبهم وينتظرون منك إشارة رضا ،
اقتربت منه برأسها في حركة مرحة : علمت الآن لما كنت تصادق الكثير من الفتيات، إنه شعور رائع يا رجل
اتسعت عيناه بغضب اهوج ، ليطبق كفه على مرفقها ويضغط عليه بقسوة : هل جننت يا ابنة الأمير ؟!
ازاحت يده من فوق يدها ببساطة لتهتف بجدية : لا تضع إصبعك علي مرة اخرى وإلا أخبرت أسعد ، وأنت تعلم ماذا أسعد بفاعل بك ،
__ بل أنا من سيخبر أسعد بهذا الهراء الذي تسمعيني إياه ، هل جننت يا يمنى ؟
تمتمت برقة : بل عقلت ، لا أعلم ما الذي اغضبك بالضبط ، فأنا أتحدث معك كصديق للعائلة ، كفتاة يأتي لها عشرات العرسان يوميا ، جميعهم يخطبون ودي ، ويريدونني أكمل لهم حيواتهم
وضعت طرف سبابتها بجانب شفتيها واكملت بحيرة : أنا بالفعل محتارة وأمي لا تنفك أن تسألني عن رأيي ولا أعلم ما السبيل لذلك ، سأقبل بزياد فهو الأقرب لي إلى الآن .
حينها أطبق على ساعدها بقوة ليهتف بسخرية : لن يحصل عليك غيري يا يمنى ، فأنا تقدمت إليك رسميا وعليه لن يقو أحدا على الاقتراب منك .
ابتسم ساخرا : فلا يخطب المرء على خطبة أخيه يا ابنة الأمير .
ارتجفتا حدقتيها بتوتر شملها ليتركها مبتعدا بعد أن حرص على اغراقها في التفكير الذي اعتلى هامتها .
نفض رأسه وهو يعاود النظر إلى صورتها ، يدقق بالمكان الذي تقف فيه ليدور من حول نفسه لينظر إلى واجهة المتجر المقابل إليه وينظر إلى الصورة ثانية لتومض عيناه بمكر وهو يتحرك بخطوات واسعة نحوها .
أبدى اهتمامه بالمعروضات حينما دلف إلى المتجر وعيناه تبحث عنها لتلمع بظفر حينما وقعت عليها تقف عند المعروضات الرياضية ، تحرك بخفة من حول المكان وهو يفكر في أن من الرائع مقابلتها بالصدفة لتدور من حول نفسها مرة أخرى لتلتقط وجوده بعبوس طفيف داعب محياها ليتظاهر هو بالنظر إلى بعض القمصان القطنية أمامه .
توترت وقفتها ليرفع عينيه مفتعل الدهشة قبل أن يقترب منها بهدوء : مرحبا يا ابنة الخالة
ابتسمت بلباقة : مرحبا بك
سألها بهدوء : تتسوقين ؟
هزت رأسها بالإيجاب فيتبع : أنا الآخر أفعل لأجل سفرة غدا .
عبس بتعجب : ظننتك ستغادرين اليوم برفقة خالتي .
زمت شفتيها لتهمس بصوت ابح : لا سأسافر غدا مع عادل ، كان لدي بعض الأعمال انهيتها اليوم .
هتف بتشجيع : وفقك الله .
سالته : وأنت ؟
عبس بتعجب : ألا تعلمين ؟ أنا وعاصم سنغادر في الغد مع عادل .
بهتت ملامحها لتعبس باستنكار : لم يخبرني عادل .
ضحك بخفة : ها أنا أخبرك ، تشكلت ملامحها برفض ليبتسم بلباقة هاتفا - هل تريدين المساعدة ؟
رجفا جفنيها لتهمهم : أشكرك ، فأنا انتظر وصول حبيبة فهي أخبرتني أنها قادمة .
هز رأسه بتفهم : حسنا إذا أردت شيء أخبريني ستجدينني في الجوار ، اتبع وهو يمأ لها بالتحية – عمت مساء يا ابنة خالتي .
ابتسمت وهي تراقب خطواته المبتعدة ليرجفا جفنيها وهي تتذكر أخر ليلة عيد مولد آسيا حينما وقف أمام جلستهم العائلية وكأنه فقد أخر ما تبقى من صبره ليعلن بوضوح عن رغبته في الحديث معها مستأذنا من أبيها ان يسمح له بالحديث معها .
حينها نظرت إليه بدهشه و تساؤل لمع بمقلتيها ، أهداها نظرة غاضبة فتلكأت بحركتها في رفض تعمدته ولكن أبيها أومأ لها بالموافقة وهو يبتسم بمكر تفطن إليه جيدا فذهبت معه صاغرة وتساؤل لمع بمقلتيها ، أشار اليها أن تسير بجواره نحو جلسة منفردة تقع بعيدا عن الأعين قليلا فتتبعه على مضض، توقفت بضجر حينما سحب الكرسي ليشير إليها بالجلوس فتفعل وهي تزفر بعصبية ، تتحاشى النظر إليه وخاصة مع احمرار خديها ليقول بتهذيب حينما جلس أمامها : ات لك بشيء تشربيه ؟
تمتمت بحنق : لسنا في موعدا بحق الله يا عمار ، أخبرني بم تريد لأعود إلى عائلتي .
جلس أمامها ليريح ساعديه على الطاولة أمامها يشبك كفيه في بعضهما ليهمهم بأريحية : بل نحن بموعد وبعلم والدك أيضا فهو منحني موافقته على الجلسة معك والحديث اليك .
أطبقت فكيها في حركة تشبه شقيقها الواقف جانبا ينظر إليه دون رضا فيتجاهله عمار ولا يهتم بشيء لتنطق بجدية : هلا تحدثت عما تريد ؟
زفر أنفاسه ببطء ليرفع عينيه إليها متأملا ملامحها ببطء قبل أن يعتقل نظراتها بمقلتيه اللتين غامتين بلون قاتم : هلا منحتني فرصة ثانية يا يمنى .. هلا منحتني قربك .. صداقتك .. قرابتك من جديد ، هلا منحتني حبك .. قلبك .. روحك من جديد ، هلا منحت لنفسك فرصة واحدة لتستمعي لي ؟
اشاحت برأسها بعيدا لتسأل بعد صمت قليل : هل تتوقع أن ما ستخبرني به سيجعلني اسامحك .. أغفر لك .. امحنك عفوي .. رضاي .. قلبي .
قاطعها بجدية : لا تستطيعي منحي ما هو لي يا يمنى ، أخرجي قلبك من الأمر فأنا سبق وحصلت عليه .
ابتسمت بألم : يا لغرورك وصفاقتك .
رجفا جفنيه ليتمتم : لا أقصد أن أكون صفيق ولكننا نتحدث بصراحة دون مواربة ، لذا أردت أن نتفق على بعض نقاط ، أنت تحبيني ورغم ما حدث بيننا لم تقوي على أنت ، لازال قلبك ملك لي .
اغتص حلقها وهي تنظر إليه مليا لتهمس ببطء وصوت مختنق : نعم لا أنكر أن قلبي لازال ملك لك ، ولكن ثقتي .. أماني .. حياتي ليس ملك لأحد سواي .
نهضت واقفة لتهمهم بجدية : أنت طلبت فرصة امنحها لك وها أنا أخبرك رفضي ، فأنا توقفت عن المنح ، رفعت رأسها بشموخ لتهمس متابعة - وأنت لست مطالب بأي شيء نحوي ، فتوقف عن كل ما تفعله لأنه دون فائدة .
اتبعت وهي تدير رأسها تنظر إليه من علو : نصيحتي إليك ألا تهدر كرامتك أكثر يا عمار ، فكل ما تفعله دون فائدة ، لقد كُسِر ما بيننا وما كُسر بالماضي صعب إصلاحه بالحاضر
نهض واقفا بدوره ليتحرك فيواجها بتحدي : بل نستطيع إصلاحه ..لن يعود كما كان شكلا ولكن نستطيع أن نجعل مضمونه أقوى ، أن ننظر إلى الندبة التي تركها لنتذكر كم تألمنا .. توجعنا بالماضي فنتفادى بالمستقبل أن نحصل على الألم .. أو الوجع ، اتبع وهو ينظر إلى عمق عينيها - حتى النبات الذابل يا يمنى حينما تهتمين به - من جديد - ينمو من أوراقه المتساقطة .
رجف قلبها ولكنها ظلت صامدة أمامه ليتبع : ولكنك محقة من الأفضل أن لا أهدر كرامتي أكثر وأن أتوقف عن الدوران حولك ، أعتذر إن ضايقتك بوجودي
ابتسم بألم ليهمهم بخفوت : سأتوقف عن الظهور أمامك .. محاولة الاعتذار منك .. نيل صفحك ومغفرتك ..
اتبع سائلا بتهكم : هل أسافر ثانية لأريحك مني ؟
تمتمت بانفعال : لم أقل ذلك ولم اطلب منك أن تفعل ، أنت من تسارع إلى الهرب حينما لا تحصل على ما تريد ، اتبعت وهي تقترب منه بغضب - كالمرة الماضية فضلت الهرب على الوقوف والمواجهة .
رجف جفنه ليتمتم من بين أسنانه : بل وقفت .. واجهت .. واعترفت لأخيك بكل شيء، دافعت عنك ولكنه كان كثور هائج لم يعي ما أخبره به .
ترقرقت الدموع بعينيها : تركتني بمفردي .
تمتم بصوت مختنق كصوتها : كنت أنا الآخر بمفردي .. كنت وحيدا .. منفيا دونك .. دون عائلتي ، لم أجد من يواسيني .. يضمني .. يحتضنني .. ويرعاني .
هتفت بحرقة قلب : فعلت هذا بنفسك ، لم يطلب منك أحدا أن تكون بمفردك .. أنت من أخترت الإبتعاد عن القرب .. اخترت برودة وحدتك على دفء العائلة .. أخترت جحيم منفاك على جنة الوطن
أجاب بشجاعة : اخترت خطأ ودفعت ثمن اختياري غاليا .
هزت رأسها نافية : لم تسدده كاملا بعد .
ابتسم رغم عنه بتهكم : أخبرتك أن تمنحيني الفرصة لأسدد ما تبقى منه ولكنك رفضت.
أجابت بهدوء : لأن مهما دفعت لن توفي حقي عندك سيكون ثمنا بخس لا أريده ، فبئسا لهذا الثمن الذي يأتي بعد فوات وقته واوانه .
هزت رأسها دون أمل : مهما فعلت الآن أو قلت لن يغير من الأمر شيئا لذا أنا أخبرك أن تتوقف .
نظر إليها مطولا لينطق أخيرا بجمود : سأفعل ، اتبع بطبيعية - أشكرك على وقتك يا آنسة ، سررت بالحديث معك .
أجفلت لوهله قبل أن تجيب بطبيعية تماثل طبيعته التي أثارت تعجبها : لا شكر على واجب يا ابن الخالة .
حياها برأسه : إذًا أراك على خير ، عمت مساءا .
همست بخفوت وقلبها يختض بقوة : تصبح على خير .
أجاب وهو يتحرك باتجاه مخرج الحديقة : وأنت من أهل الخير يا يمنى .
تسارعت أنفاسها وهي تراقب مغادرته لتشعر بقلبها يئن وجعا وهو يختفي من أمام ناظريها لتشعر بنفس ألمها الذي هشم قلبها حينما سافر المرة الماضية !!
ومن حينها وهو لا يتقرب منها وحينما تقابله مصادفة يتبادل معها حديثا عاديا وكأنه غريبا قابلته للتو ، ارتجفت وهي تنظر إليه يغادر فتشعر بنفس الشعور فيختض قلبها وتختنق روحها وهي تراه يبتعد كدائم عهده
فترفع رأسها بشموخ تحدث قلبها بصرامة أن هذا ما تريد .. وتبغى وعليه سيطيع ويخضع لتعنتها .. تزمتها .. وصلابتها .
التفتت تنظر إلى المعروضات من جديد لترفع عينيها لوهلة فيرتفع حاجبيها بتعجب لينتفض قلبها فرحا وهي تراه مقبل عليها ثانية يبتسم باتساع فيتشتت تركيزها لبرهة قبل أن تبتسم رغما عنها وهي ترى عمر المجاور إليه والذي يهتف بسعادة : من الجيد أني قابلتك قبل أن تغادر يا عمار .
تحكمت في ضحكتها لتقابل حبيبة التي أقبلت عليها لتصافحها فتحتضنها بترحيب لتصافح عمر الذي أخبرها بمرح : لقد أخبرته أن يتسوق معنا بدلا من وجوده بمفرده .
ابتسمت لتمأ برأسها فيتحرك عمر بعيدا قليلا وهو يشير إلى حبيبة بصوت مرح : أنظري يا بيبا هذا رائع .
اتبعته حبيبة ليقف بجوارها ليهمهم بعد أن كح بخفة : اتمنى أن لا يزعجك وجودي .
رفعت نظراتها إليه : لا أبدا ، تصرف على راحتك .
هز رأسه بتفهم ليصدح صوت عمر من جديد مناديا عليه فيتحرك نحوه لتتقدم حبيبة نحوها فتثرثران سويا وهما تدوران حول المعروضات .
***
صف سيارته تحت البناية الواقع بها منزلها لينظر أمامه بشرود ويعود لهذا اليوم الذي اتخذ فيه هذا القرار المصيري الذي لم يفكر فيه من قبل ولكن لصالح ابنته سيفعل ، بل مستعد أن يفعل المستحيل لأجل ابنته العنيدة .. الحمقاء والتي لم تخرج من عباءة طفولتها للآن
يتذكر ليلة حفل مولد آسيا وكيف كانت ترتجف بين كفيه وهو يعالج جرح كفها ، ولكنه لا يقو على علاج جروح روحها ، لا يستطيع أن يهديها إلى طريق تسلكه ولا يقو على اجبارها ، فهو في وقت ما التقط إشارة أسعد بالنفي وتجهمه البادي على ملامحه ليعلم أنها رفضت الشاب الذي يعشقها ثانية ، كاد أن يفقد عقله وهو يفكر في أمرها وخاصة حينما كان يستمع إلى بكاءها الصامت ليلا ويشعر بنحيب روحها صباحا
فيفكر ويفكر دون أن يهتدي الى بر أمان يقو على إنقاذها منه ليرن هاتفه في اليوم الرابع برقم هاتف من نساها مع أحداث يومه العادية ليجدها تصرخ في اذنه أن ينجدها فحور مرضت ثانية
زفر بقوة وهو يرتجل من سيارته ينظر إلى البناية متوسطة الحجم ليخطو إلى الداخل ليعترف بانه بعدما أنقذ مربيتها من نوبة ضغط مرتفع كادت أن تودي بها إلى الموت لم يجد على لسانه سوى عرض الزواج رماها به في وجهها دون حسبان أو تفكير وخاصة حينما اختلط عليه الوجهان فهيأ إليه أن وجها الباكي بنظراتها التائهة سوى وجه جنى الفزع ودموعها التي ملأت وجنتيها على مدار الليالي الفائتة لتقابله هي بصدمة أدت إلى طرده من بيتها هذه الليلة ، ولكنه لم يتراجع بل قرر أن يتقدم إليها رسميا بعد أن أخبر ابنته أنه سيتزوجها ، ابنته التي صدمت .. انتحب ..رفضت ..شجبت .. احتدت وابتعدت ، فلم يعيرها اهتمامه قاصدا كي تلجئ إلى الآخر ، من تلتجئ إليه دوما وهي في اضعف حالاتها ، رغم أنها لم تفعل إلى الآن ولكنه موقن أنها ستذهب إليه وهو يريدها أن تفعل، لذا رغم غضبها منه ومخاصمتها له وذهابها للمكوث عند عمها في القصر إلا أنه لم يتراجع بل سيسير في الطريق لآخره وسيدفعها دفعا أن تتزوج من أسعد الواقف منتظرا إشارة منه ليهجم وينهي الأمر من أساسه .
ابتسم رغم عنه ليسحب نفسا عميقا حينما تذكر أنها قابلته تلك المرة بعبوس طفيف وكادت أن ترفض دخوله لبيتها إلا أنها لم تستطع وكأن أخلاقها وتربيتها لا تسمح لها بأن تفعل ، ضحك بخفة وهو يتذكر أن كل عبوس داعبها اختفى وعيناها تلمع بسعادة طفولية حينما قدم إليها الورد وهو يعتذر إليها عم فعله المرة الماضية فتتورد وتخفض بصرها وهي تشير إليه بأن يستريح وكأن البيت بيته
ليكرر عرضه ثانية بطريقة أفضل وبأسلوب متزن اكثر لتتشنج بجلستها ويعتلي الرفض هامتها فيقاطع رفضها باتزان ويمهلها مدة للتفكير وها هو اليوم ينتظر ردها . ***
رن جرس الباب فيتوتر جسدها وهمت بالنهوض من أمام المرآة لتهمهم إليها حور بحنو وهي تربت على كتفيها : لا تجزعي يا حبيبتي أكملي زينتك وأنا سأفتح الباب .
توردت فابتسمت مربيتها وقبلت أعلى رأسها : استمعي إليه يا ابنتي دون خوف هو رجل محترم لا يملك وقت للمزاح ، وإذا أراد الزواج بعد كل هذه المدة من وفاة زوجته فمن المؤكد أن له أسبابه .
رفعت عيناها بتساؤل لتربت مربيتها على كتفيها ثانية : أنه فرصة جيدة لك لا تضيعيها ولا تفكري في الناس وحديثها فكري في صالحك لا أريدك أن تكوني وحيدة من بعدي وهو يعتمد عليه وسأكون مطمئنة عليك إن قابلت وجه الكريم وأنت معه
تحركت مربيتها بخطوات بطيئة للخارج وخاصة حينما عاود جرس الباب إلى الرنين لتسحب نفسا عميقا وهي تنظر إلى نفسها فترتجف خوفها وحدقتيها ترتعش بتوتر تملكها ليأتيها صوته الهادئ بحنو يختص به حور وهو يرد على ترحيبها به فيسألها عن صحتها ويهتم بها ويشاكسها أيضاً ليطلب قهوته في الأخير كالمعتاد وصوته يغيب فتستنتج أنه ذهب إلى صالون بيتها ليجلس على الكرسي الذي يقع بصدارته
تنهدت بقوة وهي تنهض واقفة لتتحرك إلى الخارج فتقابل حور التي تحمل الصينية الفارغة خارجه من غرفة الصالون وتهم بإغلاق الباب لتهمهم إليها : اتركيه يا دادة.
أومأت اليها حور بتفهم لتشير إليها بعينيها فتمأ بتفهم وهي تدلف إلى غرفة الصالون ليضع قدح قهوته وينهض واقفا لاستقبالها همهمت بصوت خافت : مرحبا يا دكتور أحمد .
ابتسم برزانة و أومأ لها برأسه : اعتذر أني اتيت متأخرا عن موعدي فقط اتت لي حالة حرجة بالمشفى فلم أستطع المغادرة إلا حينما اطمأننت عليها .
ابتسمت وأشارت إليه بالجلوس لتجلس أمامه : لا عليك ، اتبعت – تفضل قهوتك .
ابتسم وهو يتناول قدح قهوته ليهمهم : إنها لأفضل قهوة احتسيتها بحياتي ، حور رائعة في إعدادها ، أكمل بشجن – تذكرني بتلك التي كانت تعدها والدتي رحمة الله عليها .
رددت معه : رحمة الله عليها تعيش وتتذكر يا بك .
__ عشتِ يا هانم ، أنهى قهوته ليضع القدح على الطاولة ويستقيم بجلسته لينظر إليها بتساؤل قبل أن يهمهم – أنا أنتظر ردكم يا هانم .
عم الصمت عليهما قليلا قبل أن تنظر إليه مليا وتتحدث بجدية واتزان : هل أستطيع أن أسأل عن السبب ؟
عبس بتعجب فاتبعت بابتسامة رزينة : بالطبع تفكر أني مجنونة فمن مثلي لا يحق لها أن تسأل عن السبب وراء عرضك للزواج ، بل من المفترض أن اتيه فرحا وارقص طربا ، فسليل القصور يريد الزواج مني ، أنا العانس التي لم يسبق الزواج لها
اضطربت جلسته ليقاطعها متحدثا بجدية : أولا أنت من حقك أن تسألي كما تريدين ، وأنا من واجبي أن اجيبك عن كل ما تسالين ، ثانيا أنا ارفض هذا اللقب الذي تلصقينه بك ، ثالثا عدم زواجك من قبل لا يعد وصمة لتنطقيها بهذه الطريقة ، أكمل بنبرة حانية وعيناه تومض ببريق خاص - بل هي ميزة في رأيي .
احتقنتا وجنتاها بقوة لترمش بعينيها قبل أن تهمس بصوت محشرج : لازلت انتظر إجابتك .
تنهد بقوة وجلس مستريحا ليجيبها بهدوء : سأجيبك بالطبع ، وسأكون واضحا وصريحا يا آنسة لمياء ، فأنا لست بصغير في السن ولست بشاب لوحني الهوى فتقدمت إليك ، بل أنا رجلا كبيرا سبق لي الزواج ومعي بنت وولد اصغرهما يعد بالجامعة ، لا أنكر أن هناك قبول من ناحيتي نحوك وأني حينما فكرت في الأمر ظهرت أنت أمامي وكأنها اشارة من رب العالمين ينبهني فيها للقدر الذي جمعنا أكثر من مرة سويا ، وخاصة أني كلما نظرت إليك رأيت ابنتي بين ملامحك ، فاشعر بأني أريد رعايتك .. الاهتمام بك .. وأن اشملك بحمايتي ، ولكن كل هذا لا يعني أني اشعر نحوك بمشاعر خاصة ، فقلبي لا يدخل بالأمر بل عقلي هو من طلب مني أن اقترن بك ، فأنا أريد رفيقة لآخر أيامي بعد أن تتزوج الفتاة وينشغل الشاب بعالمه ، لا أريد أن ابقى وحيدا في ليالي كثيرة ستأتي ، لا أريد أن استجدي وجود أولادي من حولي ، لا أريد أن اثقل عاتق ابنتي واشغلها معي ، أريدها أن تحلق بعيدا تهتم بنفسها وبمن ستتزوج منه وتنشئ عائلتها وتنخرط في عالمها ، وجودي وحيدا سيعقيها على الأقل نفسيا وأنا أريدها أن تتحرر من مسئوليتها نحوي .
صمت ليتابع بعد برهة : جنى فعلت لأجلي الكثير وحان الوقت لأمنحها حريتها وافك قيدها .
ابتسمت برقة وعيناها تدمع تأثرا فيكمل بهدوء وعيناه تشرد بعيدا : تزوجت المرة الماضية عن حب ، حب نمى معي منذ نعومة أظافري وبعده توقعت أني لن أقوى على الزواج ثانية ، لطالما حثتني شقيقتي على الزواج وخاصة أن مازن كان صغيرا ولكني لم اقدر أن ات بزوجة تحتل مكان حبيبتي ، ولكن الآن سأفعلها ليس من احلي بل من أجل ابنتي ، لابد أن تتحرر جنى من عبئي عليها ومسئوليتها نحوي وتقترن بالشاب الذي يعشقها ويريد الزواج منها ولا تفعل كالمرة الماضية .
رجفا جفنيها لتهمس : ماذا حدث المرة الماضية ؟
هز رأسه بعدم معرفة : لا أعلم بالضبط ولكني أتوقع أنها أبعدت الشاب العاشق لها لأجل أسباب كثيرة غير معلنة وقضت أفضل سنوات عمرها في بؤس لأجل أفكار تافهة ومعتقدات بالية .
عم الصمت قليلا لتهمس بهدوء : المفترض أن أرفض بعد هذه الإجابة ،أن اتمسك أنا الأخرى بوهم الحب والرومانسية ولا أقبل تصريحك بحب زوجتك الأولى رحمة الله عليها وأن لا اتزوج منك فما شأني بأمور ابنتك أو ما تفعله أنت لأجلها .
رفع نظره يتأملها مليا وينتظر اجابتها بثبات لتتبع : ولكني أقبل ، لكل الأسباب التي قلتها أقبل ، فأنت إنسان صادق .. نزيه .. ومحب لعائلتك ، وأنا لا أريد أكثر من هذا لا أريد اكثر من مودة ورحمة تجمعني بك ،
صمتت قليلا لتهتف بجدية : أنا أقبل الزواج منك يا أحمد بك .
اتسعت ابتسامته ونظر إليها بامتنان لتصدح صوت زغرودة متقطعة من فم حور التي اقبلت عليهما لتهتف بفرحة عارمة : مبارك يا ابنتي ، مبارك يا حبيبتي .
احتقن وجهها بقوة لتهمهم بخجل : أرجوك يا دادة توقفي .
زغردت حور من جديد غير مهتمة بحديثها لتقبل إليه تهنأه فيضحك بخفة ويقبل رأس حور بسعادة : مبارك علي وجودكم معي يا دادة .
زغردت حور ثانية ليقترب منها بتؤدة ليهتف : حسنا لأجل هذه المناسبة السعيدة سأطلب منك شيء وأتمنى من كل قلبي أن تقبليه .
اختفت ابتسامتها وهي تنظر إليه بفضول : أريدك أن تقبلي بدعوتي إليك لقضاء يومين في الساحل مع عائلتي إنها متجمعة هناك وستكون فرصة رائعة لتتعرفي عليهم جميعا.
توترت لتنظر إلى حور فيتابع : سيكون لكما مكانكما الخاص أنت وحور لا تقلقي ، فقط أريدك بمحيط عائلتي يا لميا .
نظرت إلى حور بتساؤل فأمات إليها برأسها موافقة لتهز رأسها بدورها إيجابا فيبتسم بسعادة ليتحدث بهدوء : إذًا سأمر عليك بعد غد لنذهب سويا ، فمازن ذهب اليوم وجنى ستأتي معنا بإذن الله .
تمتمت حور : على بركة الله ، اجلس يا ولدي ساعد إليك العشاء .
هتف بأريحية : لا داع يا دادة .
غادرت حور دون أن تهتم بحديثه تخطو بسعادة انتقلت إليه فضحك بخفة واقترب منها بعفوية ليهمس : سعيد بموافقتك .
ابتسمت لتهمهم إليه وهي تشير إليه بالجلوس فيشاركها الأريكة هذه المرة لتساله : مع من سافر مازن ؟
تمتم بخفوت : مع عمته ليكمل بصوت أجش – وكما أتمنى ستأتي جنى معنا .
نظرت إليه مليا لتساله بجدية : هل هناك ما يجب أن أعرفه ؟
ابتسم بحنان : لا تخافي سأخبرك بأي شيء يستدعي أن تعرفيه .
تأملته قليلا قبل أن تتحدث بثبات : قبل أن يتم أي شيء يا دكتور أريد أن أتأكد من موافقة ابنتك على زواجك بي .
اخفض عينيه ليهز رأسه بتفهم : دون شك يا لميا لا داع للقلق ستقبل بك جنى وسيحبك مازن أنا متأكد ، اتبع وهو يقترب منها – فقط توقفي عن قول دكتور هذه تشعرني بالغربة .
رمشت بعينيها لتهمهم : مع الوقت سأعتاد .
غمغم بتسلية وهو يراقب توردها وحيائها : اسمي سهل جدا ، أنه أحمد .
ضحكت وهي تشيح بعينيها بعيدا : بإذن الله سأعتاد عليه .
سحب نفسا عميقا وهو يشعر بالسعادة تخيم على روحه ليهتف وهو ينهض واقفا : حسنا سأذهب أنا .
نهضت بدورها : لا ، لا يصح ستغضب حور وتلومني إذا غادرت دون عشاء .
تمتم وهو يتحرك ليغادر غرفة الصالون : مرة أخرى بإذن الله ، اتبعته لتهتف بعفوية -انتظر يا أحمد من فضلك .
استدار على عقبيه لينظر إليها من علو تومض عيناه بمشاكسة فتهمهم بحرج : فقط انتظر حتى لا تغضب حور .
همهم بخفوت : سأنتظر ولكن لأجل هذه الأحمد التي خرجت منك بعفوية وكأنك تنطقيها طوال عمرك .
همهمت بخجل : فقط ابقى ، أومأ برأسه - سأبقى .
***
جلس أمامها يفرد ذراعيه ليسند معصميه على طرف الطاولة ينظر إليها مليا قبل أن يهمس بجدية : تناولي طعامك يا جنى .
نظرت إلى الطعام الذي أتى به لها دون رغبة فعلية منها لتهز رأسها نافية : لا أريد ، لا أشعر بالاشتهاء لأي شيء .
شردت ببصرها بعيدا لتهمهم بصوت مختنق : أشعر بأني منهكة أريد الوصول لآخر الطريق ، اتبعت وهي تنظر إليه بعينين خاويتين - أريد الموت .
انتفض فكيه بحركة عصبية ليهتف بحدة : أقسم بالله إن لم تتناولين طعامك وتتحدثين باعتدال لتري مني وجه لم تتخيلي أبدا أن امتلكه .
بكت بطفولية أحرقت تعقله ليهدر بها في خفوت : لماذا تبكين الآن ؟ ما الذي حدث ؟ لا أرى ما يسيء فيم يريد أبيك ولا أرى ما يدعو للبؤس الذي تغرقين نفسك فيه .
رفعت عيناها إليه تتوسل إليه بأن يحنو عليها ليرمقها بغضب ارتجفت رغم عنها بسببه لتهمهم: حقا لا ترى سببا للبؤس الذي اغرقني ، أبي يريد الزواج على أمي ، دون أن يعترض طريقه أحد ، مازن صامت ومكتئب رغم أنه لا يبدي ذلك ولا يتحدث بشيء .
صمتت لتتبع بصياح مختنق : وأنت تبتعد عني بتعنت لم تقابلني به من قبل.
سحب نفسا عميقا ليجيبها بهدوء جاد : هل أنت مجنونة ؟!
نظرت إليه بدهشة ليتبع بجدية : أبيك سيتزوج على أمك ؟!! جنى والدتك متوفية هل تفهمين الفارق ؟!
غمغمت بضيق : لم يحبها كما ينبغي ليحيا على ذكراها .
أجاب بعصبية : بل عاش على ذكراها نصف عمرك بأكمله وأكثر .
صاحت بقهر : إذًا لماذا الآن ؟! ما الذي حدث دفعه للزواج من أخرى وجلب زوجة أب لي ولأخي .
سحب نفسا عميقا ليهمس بجدية : أخبريني يا جنى هل إذا أخبرتك الآن أني أريد الزواج بك هل سترفضين لأجل أبيك أم ستقبلين ؟!
انتفضت ووجهها يتورد بعفوية لتغمغم : لن تفعل بالطبع .
رفع حاجبيه بتعجب قبل أن يهمهم بهدوء : أنا امنحك مثال فقط اجيبِ .
همهمت : لا أريد الزواج .
عبس بغضب : توقفي عن المراوغة ، هل ستبقين طوال حياتك بجوار أبيك وأخيك ؟
هتفت بسرعة : نعم لقد أخبرته أني سأبقى بجواره ولكنه أصر على الزواج.
ابتسم ساخرا : بالطبع لابد أن يصر على الزواج ، أنه يتزوج لأجل أن يحررك من اوهامك واشباحك وافكارك الغبية التي تسيطر على عقلك وفكرك .
رمشت بعينيها لتهمس بحدة : أفكاري الغبية .
هدر بجدية : نعم كل أفكارك غبية ، أبيك لا يتزوج على أمك فامك رحمها الله وغفر لها ماتت منذ كنت بعمر الخامسة عشر ، أخيك لا يعاني كما يهيأ لك عقلك ، بل هو متفهم لرغبة أبيك أن يمضي بقية حياته مع احداهن ترعاه وتوده بعد أن ينصرف كلا منكما لحياته . وأنا لا اتعنت معك بل أحافظ على حدودي التي رسمتها أنت بيديك
ارتجفت رغم عنها لتهمس بتلعثم : لم أرسم أي حدود بيننا .
ابتسم ساخرا : أليس الصداقة لها حدود يا دكتورة ؟!
رجفا جفنيها لتهمس : وأين أنت يا صديقي ؟
ابتسم ساخرا : ها أنا ذا يا جنى ، حينما احتجت لي أتيت إليك .
دمعت عيناها لتشيح بهما بعيدا عنه ليزفر بقوة ويقترب بجسده من الطاولة ليهمهم بخفوت آمر : تناولي طعامك يا جنى ، هزت رأسها نافية ليكمل بتسلية - هل تريدني أن اطعمك بنفسي ؟
زمت شفتيها برفض طفولي ليبتسم رغم عنه فيهمهم بمكر : هيا يا جنى لا تدفعينني أن اتجاوز حدود صداقتنا.
انتفضت بخفة لتلتقط شوكتها تحاول أن تتناول بعض من الخضروات المطهوة على البخار كما تحب لتضع الشوكة مرة أخرى دون أن تؤكل لتهمس بصوت باكي : لا أريد أن اؤكل يا أسعد لا تجبرني أرجوك .
سحب نفسا عميقا ليزفره ببطء قبل أن يبدأ في تناول طعامه بهدوء ولا مبالاة فعبست بضيق تملك منها وهي تراقب ضحكته المرسومة على شفتيه بطريقة استفزتها لتهتف بعصبية : أريد العودة للمشفى .
همت بالنهوض ليهدر بجدية : إياك والحركة ، اتبع بأمر صريح - اجلسي وتناولي طعامك يا جنى واهدئي لنستطيع التحدث سويا .
ارتجفت وهي تنظر إليه برهبة فيمأ إليها بأن تستجيب لتعود إليه ثانية تعقد ساعديها أمام صدرها في ضيق ألم بها ليبتسم بلباقة : تناولي طعامك وسنتحدث ثانية ولكني لن اتناقش معك إلا حينما تبدأ بتناول الطعام
لفت رأسها بعيدا عنه ليلتقط بعضا من طعامه فيقرب شوكته من ثغرها فتبعد رأسها للوراء مغمغمه برفض : توقف يا أسعد .
استجاب إليها ليتناول ما بشوكته في هدوء ليردد أمرا : كلي .
تلاعبت بطعامها ليراقبها من بين رموشه :هل أخبرك عمو أحمد عمن اختارها زوجة له ؟!
انتفضا كفيها بعصبية لتغمغم : لا لم يفعل ولكنه سيفعل عم قريب ، لقد أخبر عمو وائل أنه سيدعوها لتمضي يومين معنا بالساحل فتتعرف علينا أقرب ونحن نتعرف عليها ، تحشرج صوتها بالبكاء - ستأتي مع مربيتها فهي وحيدة لا أهل لها .
هز رأسه متفهما : اذا ليست قريبة لكم ، لم يخبرك كيف تعرف عليها أو أين قابلها ؟! مطت شفتيها لتغمغم بصوت ابح - أنا لا أتحدث معه ، وامكث هذه الأيام بقصر جدي .
اتسعت عيناه بصدمة ليغمغم بعصبية : تخاصمين أبيك وتتركين له البيت لأجل أنه أراد الزواج ، عبس بصدمة - هل أنت أنانية لهذه الدرجة يا جنى ؟!
أطبق فكيه بغضب نمى إليه : لا أصدق ، أنا لا أصدق أنك بكل هذه الأنانية يا جنى ، أنت لا تفكرين إلا فيم تريدين ، لا تهتمين سوى بم تشائين ، لم تفكري يوما أن أبيك كان يحق له الزواج منذ أن ماتت والدتك ولكنه لم يفعل ، أثقل كاهله بفتاة مراهقة وطفل رضيع لأجل ألا يأت لكما بزوجة اب ، لم يفعل كما يفعل غيره من الرجال ، بل رباكما بمفرده لأجلكما ، ولأجلك أنت خاصة ، لأجل ألا يأت إليك بأخرى تشاركك فيه، لأجل ألا يعكر صفو ذكرى والدتك معه أمامك ، لأجل أن يحافظ على مشاعرك وألا يثير ضيقك ، وبعد كل هذا أنت تصادرين حقه في زيجة طبيعية ليقضي بقية أيامه مع امرأة ترعاه وتخاف عليه وتوده ويمنحه السكينة والطمأنينة حينما تتركيه أنت واخيك ؟!!
هتفت بعصبية : ومن أخبره بأننا سنتركه ، أنا سأظل معه .
زفر بقوة لينظر إلى عمق عينيها : هو لا يريدك إلى جواره يا جنى ، بل يريدك أن تذهبي إلى حال سبيلك تتزوجي وتكوني أسرة وتأتين بأطفال يملئون حياتك وحياته .
ارتجفت بخوف طل من عينيها قبل أن تغمغم : لازال الوقت مبكرا ، ضغط فكيه سويا قبل أن يهمس بهدوء - ولكن ما سمعته من عمو أحمد أن هناك عريس تقدم إليك ، طبيب زميل لك في المشفى وكان زميل دراسة أيضا ، أليس كذلك ؟!
رجفا جفنيها وهي تتورد بحرج لتغمغم : لم أقبل به .
__ حقا ؟! تساءل بدهشة ليكمل بسخرية - لماذا ؟! ما أعرفه أنه يكبرك بأربع سنوات أليس فارق السن مناسب لك .
اتبع باستهزاء صدر بصوته جليا : آها نسيت المقاييس الرسمية عندك خمس سنوات فارق بينك وبين من تتزوجيه ، إذًا هو خارج التصنيف .
تحشرج صوتها : توقف يا أسعد أرجوك .
زفر بقوة لينظر بعيدا قبل أن يتحدث بهدوء : إذ لم تقبلي بهذا الطبيب ستفعلين في وقت لاحق بأخر غير باهر ، اتبع بتساؤل غير مهتم - أليس اسمه باهر ؟
نظرت إليه بصدمة لتهتف بعدم فهم : من أين عرفت ؟
غمغم بجدية : لا يهم ، ولكن ما يهم إن اليوم باهر مرفوض بعد غد سيكون هناك آخرا غيره يريد الزواج منك، يوما ما ستقبلين بأحدهم يا جنى فلا تستكثرين على أبيك أن ينتقي من تشاركه حياته القادمة .
نظرت إليه مليا لتساله بعصبية لم تستطع التحكم فيه : وأنت يا أسعد ؟ تساءل ببراءة - ماذا بي ؟
تمتمت باختناق : موافق على زواجي من باهر أو أي شخص آخر غيره ؟
ابتسم ساخرا ليرفع عينيه : وما لي أنا بهذا الأمر ؟
شحبت ملامحها بصدمة لتغمغم : كيف ليس لك علاقة بالأمر ؟!
هز كتفيه ببساطة : هل تطلبين رأيي في شخص باهر ، أم في أمر الزواج عامة ؟!
هتفت بعصبية : في كل شيء يا حضرة الضابط .
ابتسم بتسلية ومضت بعينيه ليغمغم وهو يبتلع بعضا من طعامه : إذا أردت يمكنني أن اجلس مع باهر واخبرك عن رأيي فيه ، أكمل وهو يرتشف بعضا من الماء - وإذا أردت أن استعلم لك عنه أيضاً سأفعل .
اتسعت عيناها بغضب لتهدر بعصبية : أريد أن أعود للمنزل .
سألها ببراءة : هل حدث ما ضايقك ؟!
غمغمت باسمه في ضيق لتتبع بعصبية : أريد أن أعود لأبي ، فبعد حديثك الممتع اكتشفت أنه على حق لذا سأذهب إليه وأقبل كفيه واعتذر منه وأخبره أن يتزوج كما يريد ، بل سأستقبل زوجته المختارة بالأحضان .
رفع حاجبيه بدهشة ليكمل إليها مغمغما بضحكة تحكم بها في صعوبة : هل ستوافقين على الزواج من باهر أيضا ؟!
انتفضت واقفة لتهتف بعصبية : أريد العودة للبيت لأستطيع اللحاق بأحمد وأميرة لأسافر معهما .
هز رأسه بتفهم : هذا أمر جيد ، نهض بدوره ليسالها وهو يسير إلى جوارها - أبيك سيلحق بك ؟
غمغمت باختناق عاودها : لا أعلم لم أتحدث اليه بعد ، اتبعت بتساؤل لم تستطع أن تمنع نفسها عنه - هل ستأتي ؟
زفر بقوة : بالطبع فقط لدي يومين اقضيهم في الأكاديمية وسألحق بكم .
وقف بجوار سيارته ليسالها ببرود : ألن تدعي باهر لتتعرفي عليه عن قرب ؟!
احتقن وجهها بقوة لتغمغم بعصبية : أسعد ات لي بسيارة أجرة أريد أن أعود إلى البيت
سأل بتعجب : لا تريدين مني أن أوصلك للبيت ؟
هتفت بعصبية : لا أريد منك شيئا .
هز كتفيه لينطق ببرود : حسنا على راحتك ، سأهاتف احدى سيارات الأجرة لتوصلك إلى المنزل
بهتت ملامحها ورأسها ترتد للوراء تتراجع بخطواتها في بعثرة آلمت قلبه ليبتسم بحنو لم يحاول التحكم به ليمد كفه إليها هامسا بحنو أمر : تعالي يا جنى ، سأوصلك للمكان الذي تريدين ،
دمعت عيناها لتشيح برأسها بعيدا ليردد اسمها بهدوء فتنظر إليه بعتاب فاض من مقلتيها ليمأ لها بعينيه أن تستجب فتطيعه دون أن تمسك كفه ولكنها تحركت بشموخ لداخل السيارة فيجلس أمام المقود سائلا : إلى أين يا جنى ؟
هتفت بصوت باك : أريد أبي ، أريد الذهاب لأبي .
أدار محرك السيارة لينطلق بها فتغرق هي في بكاء صامت شعر به ولكنه التزم الصمت وتحكم في حنانه المتدفق إليها ليتركها وحيدة .. باكية .. بائسة تحيا بوسط أحزانها .
***


سلافه الشرقاوي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس