عرض مشاركة واحدة
قديم 15-09-20, 05:55 PM   #303

سلافه الشرقاوي

كاتبة بمنتدى قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية سلافه الشرقاوي

? العضوٌ??? » 296621
?  التسِجيلٌ » May 2013
? مشَارَ?اتْي » 970
?  نُقآطِيْ » سلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond repute
افتراضي

تجلس أمام مقود سيارتها لا تعلم إلى الآن لماذا خرجت ثانيةً بعدما عادت إلى البيت ولكن اجواء البيت المتوترة .. صراخ أبيها الغاضب .. تصريحه الغريب و رفضه الأغرب لخبر خطبة ابنة عمتها أثار توترها .. خوفها .. رعبها ، فوجدت نفسها تستأذن والدتها بالخروج لمقابلته لانتقاء بعض الاشياء معه .. اشياء تخص زواجهما القريب ، واخفت عن أمها بتعمد ما حدث بينهما صباحًا ، بل هي اخفت عن الجميع أن الصدام الذي نشأ بينهما تطور لصدع هز أركان علاقتهما حينما جرؤ واعترف لها بمشاعره ثم خيرها بين القبول والرفض .
قبضت على مقودها بكفيها في قوة إلى أن هربت الدماء من سلاميتها وعقلها يعيد عليها صوته الرخيم وهو يهتف مصرحًا دون مواربة " أنا أحبك يا حبيبة ، و لطالما أحببتك .. ارتبطت بك لأني أحبك و سأتزوج منك لأني أحبك ، و لن أتوقف عن حبك يومًا حتى إن لم تتزوجي مني ، سأظل أحبك."
ارتجف قلبها مرغمًا من ارتواء غير محسوب وفيضان لم يكن محسوب لديه ، لا تنكر أن خفقاتها تزداد وتيرتها حينما تستعيد اعترافه لها ولكن وتيرة قلبها لا تزداد فرحًا فقط بل خوفًا أيضًا ، فيمزج الخوف بالفرح ليمنحها مشاعر متضاربة لا تقو على التحكم بها أو السيطرة عليها .
سحبت نفسًا عميقًا وهي تتذكر مغادرته حينما ظلت واقفة تنظر إليه بعينين متسعتين والخوف يحتل ملامحها تنظر إليه بجزع ليحني رأسه بهزيمة اعتلت ملامحه ليهمهم بخفوت : سأمنحك وقتك كاملًا يا حبيبة .
حينها همهمت بصوت أبح غير مصدق : أنت تنفصل عني يا عمر .
توقف وجسده يشتد برفض ليصرح ببساطة : أبدًا ولن افعلها عمري حتى لو لم تبادليني مشاعري، أنا معك دائمًا يا حبيبة لم اخيرك لأني أريد الانفصال عنك بل اخيرك لتتقبلي مشاعري وأنت معي ، لتعلمي أن اقترن بك لأني أحبك .
انتفض جسدها ثانيةً وهي تقاوم دموعها ألا تنزلق على خديها فترفع رأسها عاليًا تتنفس بعمق وتطرد خنقتها المسيطرة على حلقها لتنظر من حولها وتتعجب أنها أتت إلى هنا ، إلى ذاك المقهى الأنيق الذي صحبها إليه ليحصل على موافقتها على الارتباط فيه ، موافقة حصل عليها حينما أسمعها ما أرادت أن تسمعه منه ليس ما يكنه لها بداخله .
ترجلت من سيارتها حينما شعرت بأن هناك رغبة خفية تتحكم فيها تجبرها أن تدلف إلى الداخل فتتوتر قليلًا وهي تفكر في أبيها وما الذي ستخبره به إذا علم أنها جلست بمفردها في مقهى وعرضت نفسها للغادي والرائح بجلستها المنفردة والتي تجعلها مطمع لكثيرين سيئين النية والتفكير لتنفض كتفيها و رأسها وهي تنحي أبيها عن تفكيرها فتشد جسدها بصلابة تغلق سيارتها وتخطو للداخل بخطوات متزنة راقية .
لفحتها رائحة المقهى المميزة لينساب إلى أذنيها حينما دخلت موسيقى لإحدى اغاني فيروز و كأن المقهى لا يدير إلا اغانيها فتبتسم بشجن وهي تتذكر أنه اخبرها بولعه الشديد بفيروز لذا يأتي ويجلس هنا فإنهم يديرون اغاني فيروز مخصوص له .
انتبهت من جم افكارها على صوت النادل يهتف بزميله بجدية : أعد الأغنية من أولها لأجل عيون عمر بك .
لم تلتقط اجابة الآخر تفصيليًا ولكنها توقعت أنها تضمنت الموافقة حينما عادت موسيقى الأغنية تنبعث من جديد ، فتيقظ عقلها من سباته واذنيها تلتقط اسمه .. روحها تلتقط وجوده .. وأخيرًا حطت عيناها عليه جالسًا في الطاولة التي كانا يجلسان عليها المرة الماضية ، انصتت باهتمام للأغنية التي طلب اعادتها ليرتجف قلبها وعقلها يدرك كلماتها جيدًا
اهواك ولي قلب بغرامك يلتهب ...تدنيه فيقترب تقصيه فيغترب
في الظلمة يكتئب ويهدهده التعب ...فيذوب وينسكب كالدمع من المقل
اهواك .. اهواك .. اهواك بلا امل
ارتجفت مرغمه وهي تقترب بخطواتها منه عيناها تتسع بانزعاج دموعها تتجمع بعينيها وهي تنظر لجلسته الوحيدة .. جسده المتشنج بألم لا يظهر لمن لا يعرفه .. كتفاه منحنيان بثقل .. و رأسه منخفضة بهم هي السبب فيه ، ملامحه عابسة كما لم تراه من قبل ، عيناه تشرد بتفكير واحساس الخذلان يفوح منه ، همهم قلبها " إنه يتألم !! "
لتهمهم دون وعي منها : بسببي ، يتألم بسببي .
ارتعد جسدها وهي تقترب منه دون وعي حقيقي فتقف على مقربة من طاولته تتأمله بحنو عيناها تحتضنه كما تود أن تفعل لعلها تستطيع أن تخفف عنه الايذاء الذي تسببت فيه
انتفضت ثانيةً وهي تسمعه يردد بصوت أجش حزين يدق بسبابته فوق الطاولة مع اللحن الشرقي الهادئ :
في السهرة انتظر ويطول بيا السهر ...فيسالني القمر يا حلوة ما الخبر
فأجيبه والقلب قد تيمه الحب ...يا بدر انا السبب احببت بلا امل
اهواك .. اهواك .. اهواك بلا امل ... وعيونك .. وعيونك تبسم لي
وورودك تغريني بشهيات القبل ... وورودك تغريني بشهيات القبل
اهواك بلا امل .. فيروز
__ عمر ، لم تدرك أنها همست بها إلا حينما استدار إليها ينظر نحوها بصدمة مزجت بدهشته لوجودها لينتفض واقفًا يهرع إليها بلهفه واهتمام صدح بين نبراته : حبيبة ، ما بالك يا حبيبتي ؟! هل أنت بخير ؟! هل حدث لك شيء ؟!
هزت رأسها نافيه وهي لا تعي أنه يلف جسدها بذراعه والاخرى احتضن ساعدها بكفه وهو يدفعها معه لتجلس على الاريكة بجواره من الداخل ليهمس بصوت بٌح من اللهفة : إذًا لماذا تبكين؟!
رددت دون وعي : ابكي !!
رفعت كفها ليتلامس وجهها فتشعر بالدهشة وهي تمسح دموعها المنهمرة فعليًا من مقلتيها لتهمهم دون معرفة : لا أعلم لماذا ابكي ؟!
تنهد عمر بقوة ليبتعد عنها للخلف قليلاً يقرب منها محرمات ورقية كثيرة : كفكفي دموعك يا حبيبة .
استجابت إليه وهي تهرب بعينيها بعيدًا عن نظراته المسلطة عليها تمسح دموعها برقة ليهمس بخفوت : هل أنا السبب في بكائك يا حبيبة ؟!
اجابته بصوت أبح خافت : مثلما أنا السبب في تعاستك يا عمر .
عبس بتعجب ليسألها بهدوء : من أخبرك أني تعيس ؟!
رجف فمها قبل أن تجيبه وهي تنظر لعمق عينيه : ملامحك العابسة .. عيناك الحزينتان .. كتفاك المتهدلان بخذلان كنت أنا السبب فيه .. قلبك الراجف بخوف من فقداني .
ألقتها وكفها يحط فوق قلبه دون وعي لتتابع باختناق – أرأيت ماذا يفعل بنا الحب يا عمر ؟! أرأيت كيف يحزننا .. يشقينا .. يؤلمنا ..ويهلكنا ؟!!
رف جفنه ليرفع راحته ويضعها فوق كفها فيحتفظ به فوق قلبه ليجادلها بثبات : ومن الممكن أن ينجينا .. يحينا .. يشفينا ..و يسعدنا ، لماذا تنظرين إلى جانبه السيء فقط ، فهو له جانب حلو .. مبهر .. رائع ، هزت رأسها نافية ليتابع بصدق – سأعطيك بعض الأمثلة .
صمت ليحتضن كفها الآخر وهو يكمل وعيناه تضاء بشغف : إنه حلو حينما تنظرين لي .. مبهر حينما تبتسمين لي .. و رائع حينما تكونين معي و إلى جواري .
رفت بعينيها لتهمس بتلعثم : لن تتركني ؟!
أجاب ببساطة : لن أفعل ، هل علي أن أفعل ؟! عبس بتعجب – لماذا تظنين أني سأتركك ؟!
اهتزت مقلتيها ليبتسم بتفكه ساخر : بل أنا من انتظر أن تتركيني ، رمشت بعينيها وهي تنظر له بعدم فهم وتساؤل ليتابع ساخرًا – لأني أحبك ، ألن تتركيني لهذا السبب ؟!
اخفضت رأسها بحرج لتشير بها نافية قبل أن تهمهم بحرج : لست غبية لهذه الدرجة ، ارتفع حاجبيه بدهشة فأكملت وهي تشيح بوجهها المحتقن خجلًا – عمتي ليلى دومًا تقول يا سعدها من تتزوج ممن يحبها .
ضحك بخفة مرغمًا ليهمس بصوت أجش خافت : خالتي ليلى دوما تنطق بحكم .
ابتسمت بتوتر لتنظر نحوه ثانية قبل أن تسأل بوضوح : ستتحمل يا عمر ، ستتحمل أن تكمل معي وأنا ...
صمتت ليقاطعها بأطراف اصابعه التي لامست شفتيها لينطق وعيناه تتوهج بلون ازرق غني : لا تهمسين بم لا تعنيه يا حبيبة ، فما ستتفوهين به الآن ليس حقيقيًا ، فما يموج بداخلك نحوي كبير ، أنت فقط تخافين أن تصارحين نفسك به ، ولست مستعدة للتصريح به بعد ، وعليه أنا ما علي سوى الانتظار .
رددت بتساؤل : الانتظار ؟!
أومأ برأسه إيجابًا : انتظار أن تكوني قوية بطريقة كافية لتصرحي بمشاعرك وتخبريني عن احساسك وشعورك .
اخفضت عيناها لتهمس بم يضج مضجعها : والزفاف ؟!
هز كتفيه بخيبة أمل : عليه هو الآخر أن ينتظر ، فأنا لن اجبرك أبدًا على تقبل ما لا تقوي على تقبله .
انفرجت شفتيها عن زفرة راحة فابتسم وغصة حلقه تتحكم بمجرى أنفاسه بقوة فهمست بخفوت وحياءها يحضر بقوة : هل تحبني لهذه الدرجة يا عمر ؟!
لانت ملامحه و ومضت عيناه بلون أزرق رائق ليقترب منها بجسده هامسًا : بل ما أشعره نحوك لا أستطيع أن أصفه بكلمات يا حبيبة .
رف جفنيها لتحني رأسها قبل أن تهمس بصوت مختنق : آسفة إن كنت اغضبتك اليوم أنا فقط أشعر بالاضطراب لأنك تفعل كل شيء بسرعة كبيرة .
رفعت عيناها لتنظر إليه وسلمت إلى قلبها القيادة لتهمس بصوت أبح وكفيها يرتجفان : انا خائفة يا عمر.
هل انتفض جسده أم خيل إليها لا تعلم كل ما تعرفه أنها وجدت نفسها محاطة بذراعيه القويتين مسجونة داخل صدره العريض مستقرة قريبًا من حضنه الدافئ دون أن يحتضنها فعليًا ، صوته الهامس بخفوت بعد أن لثمها بقبلة رقيقة جانب رأسها فلا يلتقطها أحد آخر غيرها : لا تخاف يا حبيبة عمر أنت ودنياه كلها ، فلا شيء يستحق أن تخافي أو تشعرين بالخوف .
ارتجفت بخجل وهمهمت : عمر نحن بالمقهى .
كح بخفوت ليبتعد قليلًا عنها ليحدثها بجدية : اعتذر إن كنت دفعتك للخوف من جديد يا حبيبة أنا فقط لم أعد أقوى على الابتعاد عنك ، كل ما فكرت فيه أني أريدك بقربي ولكن إذا كانت رغبتي هذه تضايقك سأتحكم فيها بضراوة ولا اخيفك ثانيةً .
هزت رأسها نافية : لا ، لم أقصد أن تتوقف أو تنتظر . لن نؤجل الزفاف للأبد لابد علي أن أواجه مخاوفي و اثق بنفسي أكثر .
ابتسم بسعادة حطت بقلبه وطردت كل خواء روحه الذي كان يشعر به منذ قليل ليحدثها بحماس : هذا تفكير منطقي وسيلم يا حبيبتي ولكن انتظري أولًا أريد أن افهم سبب خوفك و أدركه.
صمت لينظر إليها قليلًا قبل أن يسأل بنبرة أبحه : هل لازلت تخافين مني ، من أن تكتشفي أني ليس الشخص المناسب الذي تتمينه ؟!
ضحكت رغم عنها لتندثر ضحكتها وملامحها تشحب بذهول سرعان ما تحول لصدمة استقرت بعينيها لتهمس بتلعثم : أنت تسأل بالفعل ، لا تمزح .
زم عمر شفتيه واشاح بعيدًا لتلامس طرف وجنته بطرف أناملها فتبتسم مرغمة وهي تشعر بنعومة شعر لحيته تحت كفها لتدفعه برقة أن ينظر اليها : حقًا يا عمر ، هل توقعت أني أخاف منك لذا لا أريد اتمام الزواج ؟!
لم تكن تنتظر اجابته بل إن عيناه اوشتا بكل التوتر الذي يعتمل بداخله فهمست برقة : لا طبعًا أنا أثق بك لأبعد الحدود ، اتبعت بابتسامة متهكمة مريرة – إذا لم تكن أنت الشخص المناسب من سيكون أبي مثلًا ؟!
تصلب جسد عمر بصدمة ونظر إليها باهتمام لتتبع ببوح احتاجت إليه : بل أنت أكثر من مناسب، فأنت شخص عاقل .. متزن .. هادئ .. محب .. عطوف .. راق ، حينما تغضب تتحدث تتناقش .. تستفهم .. وتدرك ، لا تنفعل .. لا تصيح .. حتى إن غضبت لا تجرح ، اهتزتا كفيها ليحتضنهما براحتيه وهو يشعر بأنها تبحث عن اتصاله الجسدي بها فيهدأ من اضطراب مشاعرها لتهمهم برقة – أنت أكثر من مناسب يا عمر ، وخوفي لا يمت لك بصلة
عبس بتساؤل صرح به : إذًا مما تخافين يا حبيبة ؟!
توترت نظراتها لتهمس بصوت أبح شديد الجفاف : من نفسي ، اتسعت عيناه بصدمة فأكملت بألم – أنا خائفة أن اضيق عليك الخناق أكثر من اللازم فتنفر مني .. مشاعرك تتبدل نحوي ، فتستيقظ ذات يوم تكرهني بعدما اندثر حبي بداخلك وانمحى .
ارتفعا حاجبيه بدهشة ليسألها بحدة : لماذا تظنين كل هذه الظنون السيئة ؟!
نظرت لعمق عينيه : ماذا تنتظر من فتاة مثلي كبرت ببيت عاموديه يعشقان بعضهما بنفس مقدار كراهيتهما لنفسهما ولبعضهما البعض ؟!
أطبق فكيه يمنع نفسه بالقوة أن يسب حميه الذي يؤثر على ابنته بهذه الطريقة السلبية ليسحب نفسًا عميقًا يهدأ نبضات غضبه التي تتزايد رغمًا عنه ليكتنف كفيها براحتيه يضمهما برقي ولطف قبل أن يهمس بخفوت : ابويك ليسا النموذج المثالي الذي تتقصين من خبراتك وتضعيه نموذج لتحتذي به في حياتك ، لعدة اسباب أولهم أنك لن تدركي أبدًا ما يحدث أو ما حدث بينهما ليصلا إلى ما هما عليه الآن ، ثانيًا هناك الكثير من النماذج من حولك لماذا تنظرين فقط لما يحدث بين ابويك ، ثالثًا والأهم من كل هذا أنا لا اشبه أبيك و أنت لا تشبهين أمك فلماذا تحكمين علينا أننا سنغدو مثلهما .
هزت رأسها نافيةً لتهمهم بحدة وعصبية : أنت لا تعرف شيئًا ، أنا لست كما ابدو لك .
ابتسم بحنو ليشاكسها متعمدًا : كيف تبدين إذًا ؟!
رفت بعينيها لتسأله : ماذا تقصد ؟!
قهقه بخفوت مرغمًا ليجيبها : لا تشغلي رأسك بي كنت أمزح معك فقط .
تأففت بحنق لتهمس من بين أسنانها : توقف عن قلة الحياء يا عمر .
ارتفعا حاجباه بدهشة ليغمغم بحنق : أين قلة الحياء هذه ؟! اتبع وهو يقرب رأسه منها يهمس بخفوت شديد – لم ابدأ بعد لأتوقف .
توترت جلستها ليهمس بهدوء : ولكن دعي كل شيء لوقته ، عبست بتساؤل تجاهله ليتبع بجدية – اخبريني عن قصدك في كونك لست كما تبدي لي
مطت شفتيها لتصمت قليلًا قبل أن تهمس بخفوت : أنا لست مثالية كما أبدو .. لست هادئة كما أبدو .. لست متسامحة كما يخيل لك ، أنا غيورة للغاية .. مجنونة للغاية .. ولست مثالية على الاطلاق .
ضحك بحبور ليقترب منها يشاسها بملامحه : سعيد أن اكتشف تلك الشخصية المختفية بداخلك يا بيبا ، فقط امنحيني شرف الاكتشاف .
تنهدت بقوة لتسأله بلهفة تحكمت بها : ستتحمل جنوني ..عصبيتي .. حزني .. وغيرتي ؟!
احتضن كفاها بلطف : سأتحمل كل شيء ما عدا أن تبتعدي عني يا حبيبة .
همست بخفوت : لن ابتعد .
اتسعت ابتسامته ليهمس وهو ينهض واقفًا يجذبها معه : تعالي معي .
سألته بفضول : إلى أين ؟!
هز رأسه بحركة غير مفهومة قبل أن يهمس إليها وهو يدفعها من خصرها لتسير إلى جواره محتفظًا بها إلى جانبه : فقط تعالي .
***
يجلس بالحديقة الخلفية لبيت أبيه فوق كرسي واسع خشبي معلق دون أرجل يشبه أريكة دائرية تهتز بطريقة طولية فتدلف إلى أول المسبح قبل أن تعود إلى مكانها الأصلي داخل الحديقة .
ورغم أن تلك الأرجوحة تعد قديمة عن الأرجوحات الحديثة التي ترتفع وتهتز بنظام فيزيائي متطور إلا أن تلك الأرجوحة تعجبه منذ أن كان صبيًا كان يحب الركوب فيها حينما تكون زوجة أبيه غير متواجدة فهو كان يشعر بالنفور منها وبالكراهية منها لم ينظر لها يومًا إلا من خلال أنها سرقت أبوه منه إلى أن اكتشف أن وجوده هو ما سرق منها سعادتها .. هدم عشها .. وهز أركان بيتها . ذاك البيت العصري بتفاصيله الفخمة .. الرقيقة .. الحسية جدًا !!
ابتسم مرغمًا وهو يشعر بأن كل ركن بهذا البيت يناسب مزاج زوجة أبيه الفنانة فهو بيت يشبه قطعة من الجنة مختلف تمامًا عن البيوت الأخرى التي تخص العائلة حتى بيت الفنانين كما يطلق عليهم لا يشابه بيت زوجة أبيه التي وضعت بكل ركن قطعة من روحها فكانت تؤسسه ليناسب أوجه شخصياتها مجمعه ويناسب مزاجيتها المتقلبة ويناسب روحها الصاخبة .
اعتمت عينيه وهو يتذكر انطفاء ذاك الصخب واختفاء وميض عينيها البهي من عينيها حينما تطلعت إلى والدته التي توقفت بكل جبروت تسأل عنه .. تنظر إلى إيناس بتحدي .. كره .. نفور .. ازدراء .. وغيرة تعرف عليها بسلاسة ويسر حينما وقعت نظرات أمه على وقفة أبيه القريبة من إيناس التي تحركت بتباعد آلم قلبه حينما تطلع لوجه أبيه الذي شحب وعيناه تتعلق بإيناس برجاء اوجعه فيتحرك بعنفوان نحو أمه ليتحدث معها بلباقة حاول أن يتمسك بوجودها بينهما حتى لا يغضبها أمام الآخرين المتواجدين من حولهما .
ولكن أمه لم تتصرف بحكمة كما عهد منها طوال عمره بل اعتدلت إليه بوقفتها لتصرخ في وجهه بعنف عن كونه هنا .. عن كونه أنه تركها .. عن كونه اتخذ جانب غريمتها ضدها !!
حاول حينها أن يتفادى ثورتها أو يحتويها ولكنها دفعته إلى صدام قويًا نشأ بينهما إلى أن طلب منها بعجرفة أن تغادر البيت فهذا ليس بيتها !!
حينها اربد وجهها بغضب وعيناها اتسعت بصدمة ألمت بها لتتدخل إيناس بهدوء وتروي تعجب منه وهي تتحرك نحوهما تبتسم برقة مفتعلة وترحب بأمه بكلمات انجليزية قليلة وتدعوها بأن تجلس قبل أن تلتفت إليه تهتف إليه بهدوء : ألن تضايف والدتك ببيتك يا عز الدين ؟!
ارتفعا حاجبيه بدهشة لتضيق إيناس عينيها تحثه بهدوء أن يتحرك قبل أن تبتسم برقة في وجه أمه : تحتسي القهوة يا عائشة هانم ؟!
راقب بعينين متسعتين ملامح والدته التي انغلقت لتومض عيناها بدهاء قبل أن تهمس لإيناس بخفوت : من فضلك يا إيناس هانم .
التفتت إيناس إليه تبتسم بشقاوة معهودة لتهتف بإنجليزية سليمة وهي موقنة بأن أمه ستدرك كلماتها جيدًا : هيا يا عزوز عد إلينا قهوتك المميزة لنرحب بوجودك والدتك .
انتفض جسد والدته بغضب وخاصةً حينما تحرك مطيعًا لإيناس التي اشارت إليه بعينيها فيدلف إلى المطبخ وايناس تتابع برقة – اعتقد أنك تعلمين كم قهوة عز مميزة .
عبست عائشة بغضب في وجهها لتبتسم ايني برقة فيقف هو مترقب للسجال الحاد الذي يشعر أنه سينشأ بين والدته و إيناس التي نادت آسيا وأمير ليرحبا بوالدته التي انكمشت وهي تنظر للعائلة التي اكتملت أمام عينيها بظهور عز الذي انضم إلى أخويه ، بينما أشارت ايناس لأبيه أن يقترب ، أبيه الذي نظر بكره ونفور إلى والدته قبل أن يجلس مجاورًا لايني التي ربتت على ركبة أبيه قبل ان تهمس بهدوء : انرت بيتنا المتواضع يا عائشة هانم .
اطبقت أمه فكيها بحدة لتنهض واقفة بكره لتهتف باستياء ولغتها التركية تحضر بقوة : هل ستأتي معي ؟!
حينها رفع رأسه بعنجهية ورثها على ما يبدو منها ليرفض بأدب جم وهدوء شديد فتندفع والدته نحو باب البيت فتهتف إيناس بجدية وهي تنهض واقفة : القهوة يا عائشة هانم .
توقفت والدته أمام الباب واستدارت تنظر لإيناس بكره فابتسمت ايناس ساخرة قبل أن تهتف بجدية : من فضلك تفضلي لنتناول القهوة سويًا يا عائشة هانم ، اعتقد أننا الاثنتين نحتاج للحديث سويًا .
التفتت لأبيه تبتسم بهدوء : ما رأيك ان تدعو الأولاد على المثلجات يا دكتور ؟!
اهتزت عيني أبيه بتساؤل وحيرة قبل أن يمأ برأسه موافقًا ويدعوهم جميعا للخارج فينظر لأبيه بتساؤل فيشير إليه أبيه برأسه فيستجيب ويتحرك مغادرًا مع اخوته لينظر لوالدته مليًا قبل أن يغادر ويتركها بعد أن تبادل النظرات معها فتشمخ رأسها بعنجهية اثارت ابتسامة ساخرة رسمت على شفتيه وهو يغلق الباب البيت من خلفه .
انتبه من افكاره على صوت خطوات هادئة تقترب منه فيلتفت نحو القادم فيعتدل بجلسته ويقابل ابتسامتها الهادئة بابتسامة متوترة فتهمس إليه برقي وهي تقف خلفه : هل غفوت ؟!
اعتدل بجلسته ليقفز واقفًا من الارجوحة حينما عاد بها إلى الحديقة ليجيبها بجدية : بل أنا مستيقظ
بللت شفتيها برقة لتهمس بهدوء : تعال يا عز أنا أريد الحديث معك .
توقفت خطواته لينظر إليها من بين رموشه هامسًا : سأغادر إذا أردت .
عبست بتعجب قبل أن تهتف بدهشة : تغادر إلى أين ؟!
رفع نظره إليها هاتفًا بتساؤل : ألا تريدين مني مغادرة المنزل ؟!
كتفت ساعديها أمام صدرها : لا ، ثم لو تتذكر طوال سنوات عمرك لم اطلب منك أبدًا مغادرة البيت فهو بيت أبيك وأنا لا أقوى على ارغامك على تركه .
رجفا جفنيه ليهمس بجدية : إذًا ..
صمت لتبتسم في وجهه تهمس ببوح : رؤية والدتك اليوم لم تثير غضبي ولا استيائي كالسابق
رفع حاجبه بدهشة وينظر إليها بتساؤل لتتابع بجدية – لأني اكتشفت اليوم فقط أنها خدعتني فيم سبق ، وأنا اكره أن يتم خداعي والتلاعب بي يا عز الدين .
اشارت إليه أن يتحرك بجوارها ليجلسا سويًا بجلسة الحديقة لتثرثر إليه إيناس بجدية : لن انكر أن والدتك نجحت قديمًا في زعزعة ثباتي .. هدمت أماني .. ونجحت في بعثرة ثقتي بحب عمري واختياري ، صمتت واتبعت بصوت مختنق – وأنا ساعدتها في انجاح مخططها بغباء منقطع النظير حينما اندفعت في عنفوان .. جموح .. وغضب لهدم أركان بيتي وأسرتي .
اطبق فكيه بقوة وهو يشعر بغضبه من والدته يزداد لتكمل ايناس بهدوء بعد أن زفرت أنفاسها بقوة : ولكن الآن وبعدما اقتنعت بحديثك صباحًا شعرت بأن علي الدفاع عن أسرتي .. الوقوف بجانب أبيك كما لم أفعل من قبل .
رفعت عيناها إليه لتهمس بخفوت : اكتشفت اليوم أني خذلت آدم قديمًا فأحببت أن انصفه اليوم وأخبره أني معه حتى إن كان تزوجني و والدتك زوجته .
همس بصوت محشرج : لم يحدث ، بل إنه انفصل عن والدتي قبل أن يبدأ في البحث عنك من الأساس .
هزت رأسها لتهمس بزفرة راحة : كل هذا لا يهم يا عز ، الهام الآن أني أردت الاعتذار منك على موقفي الماضي و أؤكد لك أنك هنا ببيتك و وسط عائلتك كما تحب وتفضل .
ابتسم في وجهها ليهمس بخفوت : لا داع للاعتذار يا ايني ، لو على الاعتذار علي أنا الآخر أن اعتذر عن أفعال أمي الغريبة نوعًا ما .
__ لا تعتذر عن أحد يا عز ، ألقتها بجدية قبل أن تضحك برقة وتهمس بنصح ارادته - حتى وإن كانت أفعالها غريبة عليك تحملها إنها أمك .
لتكمل بجدية : لا تشعرها أبدًا أنك فضلت أحدًا آخرًا عليها ، أو أنك اخترت جانبًا آخر غير جانبها
ابتسم ساخرًا : هل شكوتني لك ؟!
ضحكت إيناس برقة : بل استنتجت حديثكما سويًا يا عز ، أنا لا افهم اللغة التركية ولكن حديثكما المتطاير سويًا اوشى لي بالصدام بينكما ، صمتت قليلا لتبوح إليه بخفوت – ثم إن والدتك اتهمتني صراحة بأني سرقتك منها .
زم شفتيه بغضب : بغض النظر عن كل تلك الأشياء يا عز الدين ، نصيحتي لك لا تحشر نفسك في هذا الصراع ، أمك ستظل أمك مهما فعلت هي أمك ومهما حدث هي أمك .
زم شفتيه بضيق لتربت على كتفه بود بعدما نهضت واقفة : لا ترهق عقلك بالتفكير واخلد إلى النوم هيا ، تحركت مبتعدة عنه – تصبح على خير
اجابها وهو ينظر أرضًا يشعر بالغضب يعتريه بقوة : وأنت من اهل الخير .
شردت عيناه قليلًا أمامه يفكر في أمر والدته ليغلق عينيه بضيق سكن نفسه لينهض واقفًا مقررًا أن يستلقي بفراشه لعله يقوى على الاغفاء ولو قليلاً .
***
يجلس في حديقة بيته الخلفية ، بل إنه بيت جده لامه .. بيت جده الذي تربى فيه وكبر .. جده الذي كان نعم الرجل .. نعم الوالد .. ونعم الصديق . يتأرجح ببطء شديد على أرجوحة لطالما تواجدت في هذا الفناء الخلفي منذ أن كان صغيرًا فكان يمرح هو وتؤامته بها ليجددها حينما أخذ الفيلا لتكن مسكن وبيت له فيسترخي بتلك الأرجوحة مع زوجته .
رجف جفنه وعقله يجبره على التفكير فيها في مطلبها وفي رده القوي عليها لا ينكر غضبه من نفسه ونقمته عليها لأنه تعمد جرح حبيبته بتلك الطريقة الفجة التي قصدها ولكنه لم يجد حلاً آخر ليمنعها من التطرق لما تريده ثانيةً فهو لا يقو على التفكير فيه أبدًا .
ارتعد جسده رغما عنه وهو يستعيد ثباتها قوة نبراتها وشموخها في إعلان ما تريده بصراحة ووضوح " أنا أريد طفلًا يا أحمد "
لقد كان أمرًا لا يقبل النقاش وعليه تنفيذه ولكنه أمر غير واجب الطاعة والنفاذ فما تطلبه هو أسوأ كوابيسه!!
ركن رأسه للخلف يتطلع للسماء القاتمة من فوقه يدفع الأرض بقدميه بثبات فيتأرجح جسده كما تتأرجح أفكاره بين ما تريد حبيبته ويتوق إليه في قرار نفسه وما يفرضه عليه واقعه فهو لا يستطيع انجاب الأطفال ليس لأنه لا يملك القدرة بل لأنه لا يبغي أن يأتي بثمرة فاسدة تلحق العار به وبعائلته وعائلة حماه التي تعد من اعرق عائلات المجتمع ، فيكفي عار واحد متمثل في قدمين يعد كابوسًا حيًا .. واقعًا .. لا فرار ولا فكاك منه !!
وكيف يستطيع الفرار من ماضي يحمل خيانة .. غدر .. وخداع غدى واقع قذر مجسدًا في أخ أكبر نما على كره موجه لهم وانتقام أهوج يضج بخلاياه ويسيطر على عقله ، أخ كان اكتشافه له صفعة مدوية حَطت على وجهه وبعثرت كيانه !!
شخصت عيناه برهبة تملكته حينما تذكر ذاك اللقاء البعيد كان لازال شابًا يافعًا أوشك على إنهاء دراسته بلندن ، كان حينها منطلقًا .. مرحًا .. مقبلاً على الحياة .. باغيًا الانتهاء من دراسته للعودة للوطن .. للعودة لها بعد أن منحته اعتراف بحبها وأهدته سعادة لم يشعر بها من قبل ، فالأميرة تحبه .. تشتاق إليه .. وتغار عليه .
بسمة صغيرة شكلت ثغره وهو يتذكر أنها كانت بأول سنوات مراهقتها حينما منحته اعترافها فاختارته وأعلنتها له أنها تحبه ، ومن حينها وهو يريد الانتهاء للعودة حتى يثبت أقدامه بأرضها أكثر وأكثر فيجبر والدها على زواجه فهو موقن من رفض الأخير له .
كان مجتهدًا و لامعًا وأساتذته تثني عليه كثيرًا حتى ذاك البروفيسور المعروف عنه عداءه الشديد للعرب والمصريين خاصةً ، ولكنه لم يبالي به وخاصة أنه لم يتقصده أبدًا ولم يمنحه درجات سيئة كما كان يفعل بالبقية بل إنه احدى المرات منحه تقديرًا عاليًا رغم اجابته الخاطئة فتعجب أحمد وغضب حينما ثرثر أحد زملائه العرب عن كونه رشى هذا الذي لا يطيقهم فذهب أحمد بعنفوان لينبهه بخطئه ويعترف له أنه لا يستحق تلك الدرجة العالية . رجف فكه بغضب وهو يتمنى الآن أنه لم يفعل فحديثه مع بروفيسور سام فتح عليه أبواب كثيرة لم يكن يعلم عنها شيئًا .
ارتعشتا كفاه رغم عنه حينما تذكر ابتسامة الآخر الخبيثة .. المنفرة .. والتي أزعجته حينما أقبل عليه فأشعره الآخر بانه كان ينتظره بل إن ترحيب الاخر المحتفى به أثار استنكاره واستيائه ليخبره بجديه حينها عن خطئه وأنه لا يستحق الدرجات التي منحها له فيبتسم معلمه بطريقة اقشعر لها بدنه وهمهم بخبث شديد : إنه أقل شيء أقدمه لك فأنت لا تعلم مقدارك عندي.
حينها رفع حاجبيه بدهشة وصدمة استقرت بعينيه وعقله ظن الظنون بالآخر ، ظنون رغم آثامها إلا أنها كانت اهون كثيرا من الحقيقة التي أخبره بها فلم يصدقها بل إنه ثار ورفض .. هاج وماج .. اتهمه بالكذب والادعاء ، ولكن الآخر لم يرف بجفنيه بل ظل ينظر نحوه ببرود إلى أن انتهى فأخبره ببساطة إن لم يكن يصدقه فليأتي لمنزله الليلة وهو سيبرهن إليه صدق أقواله .
يومها رفض وأخبره أنه لا يريد أن يرى دليلاً على خرفه فأقواله خير دليل ، ولكنه ابتسم بشيطانية وأخبره أنه سيأتي فهو موقن من ذلك .
اندفع حينها مغادرًا ليعود إلى مسكنه محدثًا نفسه أنه يحيا بكابوس سينتهي ويفوق منه ولكنه لم يفق .. لم ينتهي .. ولم يهدأ بل إن حرقة صدره وغليان دماءه أجبراه على الذهاب في العنوان الذي أخبره به الآخر وفي الموعد المحدد ليكتشف سر خفي قلب حياته وحقائق مرة شرخت صدر إيمانه وهو ينظر لهذا الشاب الذي يكبره بثلاث سنوات على الاقل يقف أمامه وينظر إليه بابتسامة حاقدة لمعت بعينيه !!
— ألن تسلم على أخيك يا أحمد ؟!
صوت خشن عميق يداعب مسامعه من وقت لآخر ليتذكر هذا اللقاء الذي لم يُمحي أبدًا من عقله ، يتذكر ضربات قلبه التي صدحت عالية لدرجة خُيلت إليه أنها أصبحت مسموعة ، تعرق كفيه جبينه وجسده بأكمله ، توتره الذي جعل أطرافه تنتفض وهو يتطلع لهذا الشاب الذي يكبره و روحه تنتفض برفض جلي وعقله يقارب ملامح الشاب الوسيمة بملامح والده فيجده صوره طبق الأصل منه ما عدا عيناه . فمقلتيه شديدة الزرقة تشبه عينا عمه و والده ومن رباه، فتومض بلون قوي أمامه وكأنه يؤكد إليه مسار أفكاره ولكن دون روح عمه المألوفة لديه فشعر أنه ينظر لنفسه من خلال مرآه زجاجها ازرق عاكس لا يشي بم ورائها !!
انتفض وهو يتذكر الآخر الذي ابتسم إليه ابتسامه مقتضبة ليعاود معلمه الحديث ثانيةً هاتفا : صافح أخيك يا موسى .
تمتم حينها بصوت مرتجف : موسى .
ليجيبه الآخر : أنا أفضل موشيه .. موشيه بنيامين رحوم .
عبس بتعجب واهتزت حدقتيه بتساؤل فابتسم الآخر ليجيب : إنه اسم جدي لأمي سيسيل ، من وهبتني حياتي ومنحتني عمري بأكمله في وطني .
ردد أحمد باستنكار : وطنك ؟! ليتابع بتعجب - هل كنت كل هذه السنين بمصر ولم تعثر علينا ؟!!
رفع الآخر حاجبه بتعجب ليهمهم باستنكار وازدراء صدح بصوته : مصر ؟! ما لي بمصر .
رد بتعجب : اتقصد وطنًا آخرًا غير مصر ، كيف ألست أخي ، إذًا أنت مصري مثلي ، صمت قليلاً ليهتف بجدية - بابا كان مصريًا .
ليشمخ الآخر برأسه ويهتف بإقرار : بابا كان إنجليزيًا .. لوى شفتيه ساخرًا لتومض عيناه بخبث اقشعر جسده وهو يشعر بأن ما سينطقه هذا الشاب الذي يدعي أخوته لن يعجبه لينتفض جسده برفض حينما اتبع الآخر بتشفي - كان إنجليزيًا يهوديًا كجدتنا ماريا
حينها هز رأسه رافضًا ليهتف بصوت قوي : بابا كان مسلمًا .
فيقارعه الآخر بثقة : ادعى أنه كذلك ليتزوج من أمك بعدما سحرته بجمالها ، كان يدعي كل شيء عليها ولكنه لم يكن أبدًا لا مصريًا ولا مسلمًا بل هو يهودي القلب والانتماء ، حياته معها كانت حلقة كبيرة من الادعاء انطلت على والدتك الساذجة .
هتف أحمد بدفاع مستميت : لا دادي مسلم .
ليقترب الآخر منه هامسًا بفحيح أفعى : أنت تتحدث عن أيهما بالضبط أبيك الحقيقي أم من رباك بعدما قتل أخيه !!
اهتز جسده برجفة رفض وهو يعتدل بجلسته حينما شعر بأنه سيقع من فوق الأرجوحة ليتنفس بعمق مرات كثيرة متتاليه يهدأ وجيب قلبه ويسيطر على شعوره الحارق بنقمة على أبيه .. من رباه وكبره ولا يعرف سواه أبً ولكنه اخفى عليه كل شيء لم يخبره .. لم يقص عليه .. ولم يفضي له بأسرار قديمة شكلت ماضي أسرته كلها .
زفر بقوة وهو يستعيد شعوره الموحش بالضياع .. التشتت .. والحيرة التي قصد الآخر أن يغرقه فيها وللأسف مضت أيام كثيرة غارقًا في اسى .. عذاب .. ألم ، إلى أن أتى له اتصالاً من جاك يخبره فيه بضرورة المقابلة !!
ارتعد جسده بعنف قوي وهز رأسه برفض شديد يريد أن يوقف سيل ذكريات كثيرة تكالبت عليه الليلة .. ذكريات أثارتها الليلة دون معرفة أو فهم .. ذكريات حولته من شخص لآخر فأضحى أحمد آخر لا يقوى على الاستقرار مهما حاول فهو بمفرده شريدًا .. ضائعًا .. ناقصًا فلا يشعر بالكمال إلا بجوارها .. معها .. بحضنها .
نهض واقفًا ليسرع بخطواته المتلاحقة نحوها .. يقفز السلم كل سلمتين معًا للوصول إليها .. يشعر بأنه سيفقد روحه إن لم يصل لها الآن وأن كل دقيقة تمر عليه وهي بعيدة عنه يتحول لشخص لا يحبه .. لا يريده .. يكرهه وناقم عليه
دلف إلى غرفتهما لتستقر خفقاته في وتيرة خاصة بوجودها فتهدأ انفاسه السريعة وعيناه تمتلأ بتفاصيلها يتحرك جسده مرغمًا نحوها ليجثو على ركبتيه أمام جسدها .. أميرة نائمة في رحاب مملكتها .. تحنو نظراته ويختض قلبه موبخا أنه أبكاها بسبب غباءه وحيرته فيقترب منها لاثمً جبينها هامسًا باعتذار خافت متوسلًا قربها .
رمشت بعينيها قبل أن تفتحهما على وسعهما فتسقط في نظراته المتداخلة بين مشاعر شتى حللتها بيسر فتلقت عتابه .. حيرته .. ندمه .. اعتذاره .. وأخيرًا شوقه ولهفته .
التوى فمها معلنًا عن موجة بكاء جديدة تعلن عن وصولها ليلتقط شفتيها في اعتذار صريح همس به من بين أنفاسها
اعتذار اتبعه برجاء رخيم صدح من نبراته الملتاعة هامسا : ضميني إليك يا أميرة ، لن أفرض نفسي عليك ولكني أريد أن اتوسد صدرك أريد النوم بحضنك أريد اليوم عطفك وحنيتك واشتاق لضمتك .
دون رد أفسحت له مكانًا بجوارها لينضم لها فتضمه بقوة لصدرها ليغمض عينيه مستسلمًا للنوم هربًا من أفكار عاتية تعصف بكيانه ودنيته
***
يقف بشرفة الشقة المؤجرة ينظر من خلال منظار صغير دقيق يشبه النظارة موضوعه فوق جسر انفه فلا يثير التساؤلات أو الاستنتاجات ، ينظر نحو الشرفة المواجهة بل بالأخص لغرفة النوم التي تظهر من خلفها فيلتقط أدق التفاصيل التي تحدث فيها ، وخاصة مع اهمال الغبي الذي يراقبه فيترك شرفته مفتوحة دوما ، فيركز هو بصره عليه طوال تواجده و رغم أن هناك كاميرات سبق وأن وزعت داخل شقة هذا الحقير الخائن إلا أنه يتسلى برؤية ما يحدث من خلال هذا المنظار المتخفي خلفه فلا يحب أن يراقب الكاميرات ويتركها لشريكه في تلك العملية التي كُلفا بها سويًا
__هيا يا ناصر لقد أعددت القهوة والعشاء ، اترك مراقبة الأحمق وتعال لتتناول أي طعام فأنت طوال النهار لم تؤكل شيئًا .
مط شفتيه وهو مستمر بالمراقبة فلم يتحرك من مكانه بل ظل ينظر بتفكير يعتلي ملامحه ليجيب شريكه : اشعر بأن هناك أمر يعد إليه يا علاء فهو يدور من حول نصفه منذ النصف ساعة دون أن يهدأ
عبس علاء بتعجب ليتحرك نحو الكاميرات يضع سماعة صغيرة فوق إحدى اذنيه : هل تحدث في الهاتف ؟!
هز ناصر راسه نافيًا : لا ولكن اعتقد أنه يعتمد على المراسلات .
داعب علاء شاشة حاسوب محمول ليأتي بنافذة جديدة تكشف له عن مراسلات الآخر بعدما اخترقوا جهازه ليهمهم بتفكه : انه ينتظر زيارة .. صمت قليلا ليتبع بمكر - زيارة خاصة جدًا .
عبس ناصر بعدم فهم لتتسع عيناه لوهلة بادراك فوري حينما نظر إلى تلك الحسناء التي دلفت أمام الآخر إلى الغرفة فيشير لصديقه هاتفًا : من هذه ؟!
ومضت عينا علاء بظفر ليهمس بخفوت وتسلية : إنها المنشودة يا صديقي .
ابتسم ناصر بانتصار وشيك كادا أن يحققاه ليكفهر وجهه قبل أن يخلع النظارة هاتفا بضيق : قذر وحيوان أيضًا ، ضحك علاء ليتابع ناصر بحدة - اغلق الكاميرا يا علاء فليس من الجيد أن تشاهد هذا الفجر .
ضحك علاء بتفكه : إنه فيلم ثقافي وثائقي يعرض مباشرةً يا صديقي ، فيلم لم اسعى لرؤيته هو من أتى لي بقدميه .
زفر ناصر بقوة : أليس علينا ابلاغ البقية ؟!
هتف علاء وهو يراسل الآخرون عن طريق جهاز صغير : حدث يا صديق ، ولكن سننتظر قليلًا حتى يضبطا متلبسان لذا لن أقوى على عدم المشاهدة فسأشاهد مضطرًا حتى أقوى على منحهم اشارة التحرك .
أومأ ناصر برأسه متفهمًا قبل أن يستل هاتف مخصوص بخط محمي ليهتف بجدية وحزم : الطريدة دلفت إلى المصيدة يا سيدي وسنغلق الشبكة عليها على الفور ،استمع الى أوامر حازمة دوت في اذنيه ليهتف بحماس جاد - أمرك يا سيدي .
أنهى الاتصال ليتبادل مع الآخر النظرات قبل أن يشير له على الشاشة أمامهما فيبتسم علاء بظفر قبل أن يبعث رسالة بكلمات محددة محدودة وهو يتابع النشوى التي عمت على من يراقبهما " تحرك الآن "
***
انتهى الفصل ال30
قراءة ممتعة


سلافه الشرقاوي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس