عرض مشاركة واحدة
قديم 16-09-20, 05:57 PM   #310

سلافه الشرقاوي

كاتبة بمنتدى قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية سلافه الشرقاوي

? العضوٌ??? » 296621
?  التسِجيلٌ » May 2013
? مشَارَ?اتْي » 966
?  نُقآطِيْ » سلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond repute
افتراضي

بعد ثلاثة ايام
تخطو داخل بيتها بعد أن عادت من مراجعة طبيبتها التي أخبرتها بشيء يصعب عليها تصديقه للآن !!
ترتعش اطرافها وهي تشعر بانها ستقع أرضًا من هول المفاجأة تتذكر ابتسامة الطبيبة الواسعة وهي تبشرها بحملها لأطفالها ، إنه ليس طفلاً واحداً بل ثلاث أطفال دفعة واحدة وكأن الله عوضها خيرًا عن سنين تأخرها الماضية
جلست على كرسي قريب من باب الفيلا لتهرع إليها السيدة التي تساعدها في أمور منزلها تسألها بلهفة : ما بالك يا ابنتي ؟! هل أنت بخير ؟!
ضحكت أميرة وارتعشت بفرحة حقيقة عمّت على أوصالها : بل أنا بأفضل حال يا دادة الحمد لله الحمد لله
نظرت لها السيدة بابتسامة سعيدة وكأن شعور أميرة انتقل إليها : تستحقي الحمد يا حبيبتي ، بارك الله فيك ، افرحيني معك .
رفعت رأسها إليها لتنطق بسعادة ومضت من عمق روحها : أنا حامل يا داداه حامل .
زغرودة طويلة انطلقت من حلق السيدة ملأت الدنيا من حولها فأثارت ضحكاتها ووجهها يتورد بحمرة قانية قبل أن تهتف برقة وهي تخفي وجهها بكفيها : توقفي يا دادة أرجوك.
زغاريد عديدة انطلقت من حلق السيدة التي انهمرت دموعها بسعادة حقيقية لأجل أميرة فتبكي أميرة بدورها فتربت السيدة على رأسها بحنو : مبارك يا حبيبتي مبارك.
مسحت أميرة وجهها بكفيها وهي تلهج بالثناء والحمد لله تشكره على فضله الذي اغدقه عليها من وسع لتنظر إلى السيدة بوجه مشرق : أنا سعيدة للغاية يا داداه ، سعيدة جدًا ، أشعربأنيأريد القفز .. الرقص .. الطيران .
شهقت السيدة بخوف لتهتف بجدية : إياكأن تفعلي ، لابد أن تحافظي على حركتك جيدًا ، لا ركض على السلم ولا تسرعين بخطواتك ، بل تتحركين بهدوء وخطوات محسوبة جيدًا ، احتقن وجه السيدة لتهمهم بخفوت وهي تقترب منها متبعة – ولا تدعي البك يقترب منك هذه الأيامأيضًا .
أكملت السيدة بخجل اعتراها ولم تفطن للفرحة التي انطفأت بعيني أميرة حينما أتت بذكر زوجها : ألم تخبرك الطبيبة بذلك ؟!
ابتسمت بألم لتهمس : لا يا داداه أخبرتنيأن اتعايش بطريقة طبيعية للغاية ، بل أوصت لي بتمرينات خاصة بالحوامل لتساعدهم على الولادة بطريقة سهلة وطبيعية ، واخبرتني أني لازلت بأول حملي فلا اشغل رأسيبشيء ، وأن حينما يزداد وزن الأطفال سيكون لدي نظام آخر .
عبست السيدة بضيق لتهتف : ما تلك الطبيبة الحمقاء لتصمت لوهلة قبل أن تتابع – لحظة ، أنت تقولين أطفال ، هل تحملين أكثر من طفل ؟!
اتسعت ابتسامة أميرة بسعادة وعيناها تلمع بفرحة طغت على لونهما لتعض شفتها بخجل ووجهها يتورد بحيوية لتهز رأسهاإيجابًا فتتسع عينا السيدة بصدمة وشهقة انفلتت من بين شفتيها قبل أن تهتف بفرحة : بسم الله ما شاء الله الله أكبر ، اللهم بارك اللهم بارك ، ربنا يحفظك ويحميك ، لتتبع بعفوية دون قصد – ويحفظ البك ويحميه ، كيف لم اتوقع هذا ، من مثله لابد أنيأتي بأكثر من طفل دفعة واحدة .
احتقن وجه أميرة بقوة لتنهرها بلطف : داداه .
عضت السيدة شفتيها لتهمس بحرج : المعذرة يا سيدتي ، اعتذر .
ضحكت أميرة بخفة : لا عليك .
سألت السيدة بعفوية : ما كان رد فعله ؟! انقبض قلب أميرة فاتبعت السيدة بمرح – ما هذا السؤال من المؤكد أنهطار فرحًا بك ؟!
ارتجفت شفتي أميرة بموجة بكاء اوشكت على مداهمتها ولكنها سحبت نفسًا عميقًا لتتخلص من هنا لتجيب بصوت ثابت : لا لم أخبره للآن ، اتبعت وعيناها تومض ببريق لامع غني – سأفاجئه في الليل .
صمتت قليلاً قبل أن تهتف بحماس : اعدي لنا العشاء يا داداه ، عشاء ضخم يناسب فرحتي الكبرى بالأمر .
أومأت الداداه برأسها قبل أن تتابع أميرة – وكعكة كبيرة أريد أن اصنعها بنفسي ، أو سأوصي بها من الخارج .
هتفت السيدة سريعًا : بل سأعدها أنا بنفسي فقط أخبريني بماذا تريدين وأنا سأفعله على الفور وأنت استريحي واستعدي للاحتفال ومفاجأة البك ، ربي يسعدكما دومًا يا بنيتي ، ابتسمت أميرة بسعادة والامتنان يعتلي ملامحها لتتابع السيدة بسرعة – فقط قبل أي كل شيء سأرقيك وابخرك حتى امنع عنك الحسد .
ضحكت أميرة رغمًا عنها لتهتف باستنكار : حسد ماذا يا داداه ؟!
شهقت الأخرى لتهتف بمدافعه : انثه مذكور في القرآن يا ابنتي ، فقط انتظري سأرقيك و ابخرك و ابخر البيت و ابخر البك أيضًا .
توتر جسدها رغما عنها لتهتف بالأخرى : لا أريد أن اخبره بالأمر هكذا يا دادة .
ابتسمت السيدة تمنحها اطمئنان تحتاجه : لا تخشي شيئًا يا ابنتي ، لن يدرى بالخبر السعيد سوى منك .
ابتسمت برقة وهي تخطو للأعلى بهدوء تومض عيناها بتفكير قبل أن تتسع ابتسامتها والمكر يلون حدقتيها لتداعب هاتفها تجري اتصالاً هامًا للغاية : بابي صباح النور على عيون سعادتك.
ضحكت برقة كعادتها وهي تدلف إلى غرفتها تستمع إلى رد أبيها المحتفى بها كالعادة لتهتف به في سعادة شعت من عمق روحها : اشتقت إليك يا بابي ، منذ مدة لم تشرف بيتي الصغير بزيارتك .
ضحكة أخرى انطلقت من حلقها قبل أن تهتف : حسنًا سأنتظركم على العشاء اليوم ، سأخبر مامي ولكن احببت أن اطمئن أن سيادتك ستكون متواجدًا معنا .
تمتمت برقة : ستنيرنا بوجودك يا بابي ، سأنتظرك يا حبيبي .
اغلقت الهاتف بعد أن تبادلت بعضًا من الجمل المعتادة مع أبيها لتعض شفتها السفلية لتومض عيناها ببريق تفكير توهج اكثر حينما لامست شاشة هاتفها من جديد لتضع الهاتف على أذنها من جديد وهي تدلف الى غرفة ملابسها الواسعة لتنتقي ما سترتديه مساءً ليأتيها صوته الرخيم بلكنته الانجليزية التي لم تندثر بعد : حماي العزيز ، كيف حالك يا عماه ؟!
استمعت إلى ترحيبه الحار بها سؤاله المهتم عن أحوالها لتجيبه برقة قبل أن تهتف بمرح : أنا ادعو اسرتكم الكريمة لتناول العشاء معنا اليوم ، واتمنى أن لا ترد دعوتي .
صمت عم عليهما قليلا قبل أن يهتف بجدية : بالطبع سنأتي يا ابنتي ، وهل نقوى على رد دعوة الأميرة ؟!
عضت جانب شفتها الداخلي لتهمس بتسلية : سننتظركم يا عماه ، سأهاتف خالتي ولكني احببت أن أقدم الدعوة لرب العائلة .
صمت مهيب آخر عم عليه ليهتف بجدية : أنا معك يا أميرة ، وسأكون دومًا بجانبك يا ابنتي ، ستجدينني عندك في الموعد تمامًا .
سحبت نفسًا عميقًا وهي تشعر بخلجات قلبها تعاود دقها المنتظم بثبات وأمان قبل أن تهتف : وأنا انتظرك يا عماه ، ستنيرني بوجودك اليوم .
اغلقت الخط لتزفر انفاسها كاملة قبل أن تراسل شقيقتها بكلمات قليلة تناشدها المساعدة فتجيبها الأخرى بسرعة ودون سؤال عن السبب بأنها ستأتي إليها بعد ساعة على الأكثر .
***
اغلقت الهاتف بعد أن اجابت شقيقتها على الفور لتنهض واقفة تلملم احتياجاتها بسرعة تضرب الجرس لتلك المساعدة التي أتى بها لتساعدها فحسناء تذمرت من العمل المزدوج فقبلت بها ، انها فتاة جيدة .. صغيرة .. وذكية وهذا أكثر ما يعجبها فيها ، طرقت الباب طرقتين قبل أن تدلف إليها تقابلها بابتسامة واسعة : اؤمري يا آنسة نوران .
هتفت نوران بجدية وهي تطلع إلى شاشة حاسوبها المرئية : هل لدينا أية مواعيد هامة اليوم؟!
داعبت الفتاة المفكرة الالكترونية لتهتف بابتسامة جاهدت أن تخفيها : فقط موعد حدده الباشمهندس عاصم اليوم حين قدومه في الصباح الباكر و دعى نفسه على تناول قهوة الظهيرة مع حضرتك .
زمت نوران شفتيها لتهتف بهدوء : من الجيد أن لا مواعيد اليوم فأنا سأتغيب طوال النهار ، شكراً لك يا كنزي .
ابتسمت كنزي وأومأت برأسها قبل أن تتلكأ : والباشمهندس عاصم ؟!
سحبت نفسًا عميقًا لتجيب بثبات : أنا سأتصرف مع عاصم .
رتبت مكتبها قبل أن تحمل حقيبتها و اشيائها الأخرى لتشد جسدها بكبرياء دفعته لأوردتها قبل أن تخطو خارج مكتبها تتجه نحو باب مكتبه وهي تسأل حسناء من باب العلم ليس السؤال : الباشمهندس بالداخل ، أليس كذلك ؟!
رفعت حسناء حاجبها وهمت بالرد ولكن نوران لم تمهلها فرصة الرد بل طرقت الباب لتفتحه بجدية فتتمتم حسناء بتبرم : تفضلي يا آنسة .
كتمت كنزي الجالسة في المكتب امامها ضحكتها لتهتم بأعمالها المكتبية وهي تراقب حسناء بطرف عينها تتمتم بكلمات غير مفهومة خافتة فنوران لم تغلق الباب خلفها بل وقفت قريبة من الباب ليصدح صوتها الطبيعي فتستمعا إليها بوضوح : صباح الخير يا باشمهندس .
إلتفت عاصم نحوها بدهشة ليهتف بحبور امتلكه : يا صباح النور على عيونك ، نهض واقفًا حينما شعر بأنها لا تريد الدخول فيتابع وهو يقترب منها بابتسامة سعيدة – ما هذا النهار الجميل الذي تطلين فيه علي بعينيك الوامضة بحبك لي .
شبه ابتسامة رسمت على ثغرها لتتحدث إليه بجدية نجحت فيها : كنزي اخبرتني بالموعد الذي سجلته لديها اليوم ، رفع حاجبه بجدية لتتابع بهدوء – يؤسفني أني مضطرة لالغائه فأنا سأخرج الآن ولن أعود اليوم ثانيةً للعمل .
رفع حاجباه بدهشة امتلكته لوهله قبل أن يسأل بمرح ساخر وهو يقف قريبًا منها فاصبح ظاهرًا لزوج الأعين المراقبة رغم افتعالها عدم الاهتمام : لماذا هل أنت متعبة .. مريضة .. غاضبة ؟!
ألقى اخر كلماته بنبرة مميزة لتنظر إليه ملياً قبل أن تسأله ببرود : لماذا تظن بكوني غاضبة ؟! هل فعلت ما يغضبني ؟!
أومأ راسه إيجابًا بصراحة و وضوح : اينعم و أعترف بخطأي وأتمنى الصفح يا مدللتي .
ابتسمت رغما عنها لتهمس : وهي تقترب منها بدلال تمط شفتيها بإغواء متعمد : لست غاضبة .
ابتسم بمكر ليخطو نحوها ببطء هامسًا بتفكه : كاذبة .
ابتسامة مغرية داعبت ثغرها لتهمس : لماذا ؟! أنا لم اخاصمك أنت من تشعر بحجم ذنبك فقط
سحب نفسًا عميقًا ليقترب منها برقي قبل أن يحتضن خصرها بكفيه يجذبها نحوه دون أن يودعها صدره كما يريد فقط أنامله تداعب آخر ظهرها بلمسات خفيفة ساخنة كما صوته الذي خرج محملاً بلهيب شوقه لها : ما تفعلينه بي منذ ثلاث أيام يفوق الخصام يا نوران .
نظرت إلى عمق عينيه لتحدثه بهدوء : الباب مفتوح وكلتاهما تنظران إلينا .
لعق شفته بخفة قبل أن يهمس ببساطة : إذًا لنغلقه .
ابتعدت بجسدها في ثبات لتهمس بجدية : لا ، فأنا سأغادر .
رمقها مطولاً قبل أن يفلتها بهدوء ويبتعد للخلف بجدية : كما تأمرين يا مدللة .
ابتسمت برقة : لا تغضب وقتًا آخر سنتحدث ونتفاهم لتقترب منه بخطوات متسارعة تتعلق بكتفيه في خفة قبل أن تقبل وجنته متابعة بصوت أبح – ونتصالح أيضًا .
اغمض عينيه مستمتعا بقبلتها الناعمة التي حطت فوق طرف وجنته ليبتسم بخفة : حسنًا ، سأنتظر هذا اليوم حينما تدعونني لعشاء متأخر بالمطبخ الخارجي .
قبلة أخيرة حطت على وجنته الأخرى ليضمها إلى صدره يقبل جبينها بلطف : سأشتاق إليك .
ابتسمت برقة لتهمس بصدق : وأنا الأخرى ، أراك غدًا بأذن الله ، سلام .
استدارت لتنصرف لتكتم ضحكتها على الفتاتين اللتين اسرعتا في مراقبة عملهما لتشير إليه بكفها مودعة : سلام يا عاصم .
ألقتها بدلالها الطفولي فضحك بخفة ليراقب انصرافها بعينين متقدتين باشتياقه لها ينظر إلى الباب الذي اغلقته من خلفها ويفكر أنها كانت متفهمة رغم غضبها .. ضيقها .. وغيرتها الجلية عليه ، إلا أنها تفهمت رغبته في الانتقام وصدقت ما أخبرها به ، لقد قص إليها كل شيء حدث بينه وبين ابنة عبد المعز الحريري ليقص إليها أيضًا كيفية معرفة أبيها بالأمر وأن هذا المجنون كاد أن يقتله لأن ابنة عمه قابلته لأجل العمل ، لقد سَبّت زيد بكل ما تعلمه من مسبات بالعربية و ازادت عليهم مسبات انجليزية وقحة أجبرته أن يزمجر في وجهها أن تتوقف عن قلة الادب والحياء وأنه لا يحب أن تتواقح أمامه في الحديث ، حينها رفعت حاجبيها بدهشة لتغمغم بجدية : حسناً فقط تذكر أنك من طلبت .
لينفجر ضاحكًا حينها ويخبرها وهو يسحبها ليجلسها بحضنه أن تتواقح كما تريد معه ولكن يكون هو محور وقاحتها ليس شخصًا آخرا ، فنظرت إليه طويلاً وهمست وهي تنهض واقفة باستقامة : ستنتظر وقتًا طويلاً كما يبدو حتى أعود إلى الوقاحة معك .
عبس بضيق ليهمهم اسمها بعتاب : نوران .
مطت شفتيها قبل أن تنطق بهدوء : اسمع يا عاصم ، أنا أتفهم جيدًا حديثك بأكمله واتفهم رغبتك في تلقين هذا القذر درسا لن ينساه أبداً ، درس يُعلمه جيدًا من هو عاصم الجمال وأن لا يعبث معك ثانيةً ، صمتت قليلاً قبل أن تتابع بجدية – ولكن لن أخفي عليك ضيقي وحزني و غيرتي وخاصةً حينما يُشاع أن زيد فعل هذا لأجل اقترابك من زوجته وأنك رددت عليه بأمر المصنع لتشد اذنيه ، ما يثار من أقاويل سيبدو للآخرين كما أنكما تتصارعان على نفس الفتاة وهذا ما لا اقبله ولا استطيع أن اسامحك به ،
رفعت رأسها بشموخ وهمست : فلست أنا من تتحمل أن يُشاع عن خطيبها و لو بالخطأ أنه يتصارع مع آخر لأجل أخرى غيرها .
حينها ازداد عبوسه ليهمس بضيق : أنت تعلمين أن هذا ليس صحيح .
نظرت إليه وكتفت ساعديها أمام صدرها : نعم ولكن الناس لا ، هل ستشرح الأمر لكل فرد في مصر المحروسة بأكملها ، هل تستطيع أن تشرح الأمر لأبناء طبقتنا حينما تأتي سيرتنا فوق طاولات نميمتهم ، الجميع سيميل لتصديق الاشاعة الكاذبة يا عاصم .
قفز واقفًا ليهتف بجدية : لقد قدمت العطاء يا نوران لو تراجعت الآن سيحسب أني اخافه ، هل ترتضينها لي ؟!
لتجيبه بهدوء : لا ، بالطبع لا ، ليجابهها بتحدي - إذًا ؟!
زفرت أنفاسها كاملة لتدور على عقبيها وتبتعد عنه مغادرة المكتب : استمر في طريقك يا ابن العم وخذ بثأرك وحينها لنا حديثًا آخرا .
ومن حينها وهي تخاصمه خصام ليس مُعلنًا ، إنها تتحدث إليه .. تعمل معه .. تجيب اتصالاته و رسائله ولكنه يشعر بتباعدها .. حزنها .. ضيقها وغيرتها التي تخفيها عنه بصمود و نظراتها تعاتبه بصمت يقتله لكنه لا يتوقف عن محاولة مصالحتها حتى اليوم كان ينوي أن يفاجئها بالموعد ليدللها كما يريد ولكنها غادرت فلم يمنحه القدر فرصة أن يظفر بمصالحتها ، ولكنه لن ييأس ولن يمل إلا حينما ترضى عنه وتعود لصدره كما يحب .
رن هاتفه فابتسم بتلقائية و أجاب بسرعة : يا مرحبًا بأميرتنا الغالية .
***
طرقت الباب قبل أن تطل من خلفه هاتفة بجدية : صباح الخير ، هل الدكتور متفرغ أم أعود وانتظر إلى أن يحين موعدي ؟!
رفع نظره إليها لتومض عيناه بابتسامة خاصة بها قبل أن يهتف : بل أنا متفرغ للغاية ، فأنت أول مواعيدي اليوم ، وحقا لولا أنك حجزت هذا الموعد المبكر لكنت للآن في البيت أنعم بوجودي مع مامي التي كانت تخبز الكعك لأجلي صباحاً .
لوت شفتيها لتقف بثبات : اعتذر لأني اجبرتك على ترك مامي والكعك لأجلي .
ابتسم باتساع وهو يلتقط سخريتها المتفكه على نطقه للفظ مامي ليهتف بأريحية : لا عليك يا آنسة الأولوية عندي لراحة المرضى.
أومأت برأسها متفهمة لتهتف بجدية وهي تجلس أمامه بضيق صدح بصوتها : اعتذر عن مجيئي مبكرًا .
عبس بتعجب ليجيب بهدوء : لا داع للاعتذار ، فقط أخبريني هل انت حانقة لمجيئك مبكرة أم لأجل شيء آخر ؟!
لتزفر بقوة قبل أن تجيب بحنق : بل أنا حانقة من شيء آخر ، هو من دفعني للمجيئ مبكرة .
نظر إليها متسائلاً : ما الذي أغضبك ودفعك للمجيئ باكرًا عن موعدك ؟!
مطت شفتيها قليلاً لتزفر أخيرًا : قابلت سليم اليوم .
صمتت فصر على أسنانه بقوة قبل أن يهمس بهدوء : هل هذا ما يغضبك ؟!
هدرت : نعم لأنه أحمق يتحاشاني منذ أن خطبت للأحمق الآخر الذي يغار منه ومن سيرته ومن وجوده ، صاحت بضيق متبعة - الإثنان احمقان بدرجة كبيرة وأنا سأمت منهما سويًا.
ازدرد لعابه بقوة ليهمس باختناق : لماذا تضعينهما سويًا في نفس الكفة و كأن مكانتهما – لديك - متساوية ؟!
هزت كتفيها لتجيب ببرود : لأن بالفعل مكانتهما – لدي - متساوية .
عبس بضيق قبل أن يسحب نفسًا عميقًا ليسأل بهدوء حاول التمسك به : كيف يا آنسة ؟! ما أعرفه أن مكانة الخطيب أو الزوج لا تضاهيها مكانة أخرى .
تنفست بعمق لتهمس : نعم أنا اتفق معك ولكن الأخ لا يعوض يا دكتور ، ضيق عينيه بانتباه لتكمل بهدوء - سليم بمكانة أخوي ، فسليم يعد أخي المرح .. المتفهم .. العطوف ، بل هو أكثر من كان يفهمني دون أن اتحدث وأنا لا أريد خسارته ، فقط هو أحمق لدرجة أنه يتخذ موقف مني بسبب قبولي للآخر .
رفع رأسه ليهمس بجدية : لماذا ؟! ألا تري أن ردة فعله متطرفة قليلاً لكونه مجرد ابن خال ؟! ليتابع وهو ينظر إلى عينيها ويبتسم من بين أسنانه - أم أنت بالنسبة له أكثر من ابنة عمته ؟!
ضحكت برقة لتهتف بجدية : بل أنا أخته كحبيبة بالضبط ، لا أمثل إليه ما هو أكثر من أخته العنيدة كما يهتف بي دومًا ،
تنفس بعمق ليسألها بجدية : إذًا ما سبب موقفه الذي يتخذه منك منذ خطبتك ؟!
شردت عيناها لوهلة قبل أن تجيب بهدوء وهي تنظر لعمق عينيه : إنه غاضب مني لأني خذلته ، جمدت ملامحه لينظر إليها بعدم فهم فتابعت – كان يعلم بأن الآخر تركني وذهب ، لا أعلم كيف عرف ولكنه كان يعلم ويدرك ما أمر به ، لقد دعمني وساندني بقوة طوال فترة الغياب وحينما عاد أيضًا ، كان يُشعرني دومًا أنه بظهري أستطيع أن اتكأ عليه حينما أريد .
صمتت ليحشرج صوتها باختناق : لم يتوقع أن أوافق بهذه السرعة على عودتي ، موقن هو من حبي إلى الآخر ولكنه لا يقو على استيعاب قرار عودتي .
صمت ثقيل خيم عليهما قبل أن تنطق بصوت أبح : أنا مدركه لأسبابه وخوفه علي ولكن لا استطيع أن أشرح له شعوري ولا أقوى على التصريح إليه بأي شيء لذا أنا حانقة منه لأنه ابتعد ..لأنه يُشعرني بأنه تخلى عني .. وأنه توقف عن دعمي ، وهذا أكثر ما يضايقني .
سألها بهدوء وهو يتلاعب بقلمه الانيق فيخفي توتره من حديثها الذي يحرق روحه : وهل يهمك أن يدعمك لهذه الدرجة ؟!
ابتسمت ساخرة لترفع إليه حاجبها بتعجب : وهل تقوى على الشعور أن أخيك تخلى عنك أو توقف عن دعمك ؟!
هتف بسرعة دون تفكير : إنه ليس بأخيك .
هزت كتفيها بلا مبالاة : أنا أعده أخي ، أخ لا أريد ان أن اتنازل عنه وعن وجوده معي .. بجواري .. معي ، أريده أن يرقص معي بحفل زفافي .. أن يغني لي كما يفعل .. أن يزور بيتي ويلاعب أطفالي ، أن اذهب معه لخطبته .. انتقى معه بدلة عرسه .. وحينما يتشاجر مع زوجته يأتي ليثرثر معي عن ضيقه ويطلب نصيحتي .. احضر ولادة امرأته .. و أشارك في تنقية اسماء أولاده كما تفعل الاخوات .
مط عمار شفتيه ليزفر بقوة قبل ان يسألها بهدوء : هل تتوقعين أن زوجك سيرضى بتلك العلاقة بينكما ، لاحظي أنه ليس بأخيك فعليًا وكما تقولين خطيبك يغار منه كثيرًا .
ابتسمت واسبلت جفنيها : هذا ما اشعره ، وخاصةً أنه ليس شديد الغيرة .
رد دون صبر : بل هو شديد الغيرة ولكنه لا يخبرك ، رفعت حاجبيها تنظر إليه من بين رموشها باستهجان ضاحك فاكمل بخفة – اعتقد هذا فأي شخص لابد أن يغار على من هي مثلك ،
صمت قليلا ليكمل بصوت ابح : فمن يرتبط بفتاة مثلك لابد أن يغار عليها ، بل أنا ادعو له الصبر والثبات حتى لا يسير بالطريق يضارب خلق الله .
ضحكت برقة لتهتف : كاد أن يفعلها في مرة وتشاجر مع ضابط كمين كان سيزجه في السجن ولكن اسم عائلته ومنصب بابا أخرجه سليمًا .
اخفض جفنيه ليسأل : لماذا ؟! ماذا فعل الضابط ليتضارب معه من تقولين أنه ليس شديد الغيرة؟!
اتسعت ابتسامتها لتهمس بخفة ماكرة : لا أعلم يقول أن نظرته لي لم تعجبه .
هز رأسه بحركة خفيفة : اعتقد أنه محق إذًا ، لماذا ينظر إليك من الأساس ؟!
قهقهت ضاحكة لتؤثر الصمت ليتحكم في ضحكته وابتسامته حتى لا تتسع فيتوله في ضحكتها ليسحب نفسًا عميقًا قبل أن يزفره ببطء ليرن جرس بصوت خافت فيهتف بجدية : الجلسة بدأت فعليًا الآن ، أين توقفنا المرة الماضية ؟!
هزت كتفيها : انهينا الحديث كله .
ضحك بخفة ليهتف : إذًا ليس لديك ما يؤرقك تريدين التحدث فيه معي .
مطت شفتيها بتفكير لتهمس : لا اعلم ، فقط أمر اجبار بابا ما يؤرقني قليلاً فقط ، فأبي لم يجبرني على شيء قط .
اسبل جفنيه ليسألها دون مواربة : هل تتوقعين فعلاً أن أبيك يجبرك على الزواج دون موافقتك؟!
هزت رأسها نافية لتجيب قاطعة : أبداً ، لن يفعلها أبداً .
ابتسم بخفة : إذًا لماذا الأمر يؤرقك ؟!
عضت طرف شفتها لتهمس ببطء : لأني لا أريد القبول ، أميل أكثر إلى أن يجبرني أبي ، لا أريد أن امنحه راحة أني قبلت به .
رمقها مطولاً ليهمس بهدوء : لمتى ؟!
عبست بتساؤل فاتبع – لمتى ستظلين تدور في تلك الدائرة المغلقة يا يمنى ؟! أنت تحبينه وهو يعشقك وأنت مدركة جيداً أن ما فعله كان رغمًا عنه ، لماذا تستمرين في المراوغة وتقنعين نفسك بانتقام لا معنى له ؟! اهتزت حدقتيها ليكمل ببساطة – هل تفعلين هكذا لأجل من يعرفون بأمر ما حدث بالماضي ؟!
ازدردت لعابها وآثرت الصمت ليسألها بجدية : اخبريني ما الاهم لديك ، الناس وحكمهم أم سعادتك بجوار من يحبك ؟! أجاب دون أن يمنحها حرية الرد - اعتقد أنك تحتاجين أن تثقي بنفسك .. قرارك .. وحكمك عليه هذه المرة .
رفعت نظرها لتسأله بثبات : كيف اضمن أنه لن يفعلها ثانيةً ؟!
اختنق حلقه بالرهبة التي طلت من عينيها رغم ثبات ملامحها ليجيب بصوت تضمن وعده لها : لن يقوى على فعلها ثانية ، لم تتعذبي بمفردك ، هو الآخر كان يهلك في بعادك .
أشاحت بعينيها بعيدًا لتهمس بإقرار : أنا خائفة ، لا اقوى على السيطرة على خوفي ، فهذه المرة إذا ابتعد لن أقوى على تحمل الألم ثانيةً .. إذا وقعت لن أقوى على النهوض .. وإذا كرهت لن أقوى على الحب ، اتبعت بصوت جاد اقشعر له بدنه – هذه المرة لن يكون هناك عودة .
قبض كفيه يسيطر على اعصابه قبل أن يهتف ببساطة افتعلها فلم تخرج صادقة بل إن نبرته ارتعشت بشكل جلي : من رأيي امنحيه فرصة ، لن تخسري شيئًا .
هزت كتفيها لتهمس بسلاسة طفولية : سأفكر .
نهضت واقفة لينظر إليها بتعجب : إلى أين ؟!
اجابته ببساطة : سأغادر ، اعتقد أن حديثنا انتهى ، وأن هذه الجلسة الاخيرة .
أومأ برأسه موافقًا وهو ينهض بدوره : نعم ، أنت لم تعودي تحتاجين لمساعدتي .
ابتسمت برقة ومدت إليه كفها : شكراً جزيلاً لك يا دكتور .
احتضن كفها بين راحتيه : لا شكر على واجب يا آنستي ، سأنتظر دعوة الخطوبة .
ضحكت بخفة لتهمس وهي تبتعد نحو الباب : لا اعتقد آسفة ، فخطيبي غيور للغاية حتى وإن اخفى غيرته .
تحكم في ضحكته حتى لا تصدح بقوة ليهز رأسه بخيبة أمل وهو يتبعها نحو الباب بلباقة : يا خسارة ، كنت اتمنى أن أحضر فقط لأقابله و اوصيه بك .
اسبلت جفينها لتهمس بمكر : لا تقلق اعتقد أن توصيتك ستصله سالمه .
ناغشها بمرح : سلمها الله ، اراك على خير يا آنسة يمنى .
اشارت إليه بكفها ليعض طرف شفته بقوة ثم يغلق خلفها الباب يكاد أن يقفز صائحًا بفرحة جنونية غمرته ليتمالك اعصابه يتمسك باتزانه قبل أن يهرع بخطواته نحو مكتبه يستل هاتفه ليهاتف أمير فيأتيه صوت أبيها هاتفًا بترحيب لينطق دون تفكير او تبادل أية مجاملات : عماه هل استطيع أن ادعو نفسي عندكم اليوم على شاي ما بعد الظهيرة ؟!
***
يقف بوسط غرفة مكتب أبيه الفخم .. الكبير .. والذي يعكس شخصية أبيه بسطوته الجامحة ، تلمع عيناه ببريق سعيد وفرحة تتدفق إلى اوردته ، فاليوم أول أيام عمله بالمؤسسة ، و رغم أنه لم يكن أحد أحلامه أبداً أن يعمل هنا إلا أن وجوده اليوم داخل جدران مؤسسة عائلته الكبيرة يثير سعادته بشكل لم يتخيله أبداً ، بل إنه لم يصدق حينما أخبره أحمد الذي تلقاه حينما وصل أنه سيمكث بمكتب أبيه ، فأوصله أحمد بعد أن احتفى به وتركه معتذرًا لأمر خاص بالعمل، ومنذ أن تركه أحمد وهو يقف بمنتصف المكتب لا يقوى على الاقتراب أو الخروج ، فقط يقف يتأمل مكتب أبيه برهبة وعينان متسعتان بحبور لكونه سيمكث هنا ، انتبه على صوت عاصم الذي صدح من خلفه : هل استقريت بمكانك يا أدهم ؟!
التفت إلى ابن عمه الذي اقترب منه فيصافحه عاصم ويضمه إلى صدره يربت على ظهره باحتفاء ليهتف أدهم بجدية بعدما أنهى سلامه عليه : هل حقاً سأستقر هنا في مكتب بابي ؟!
ابتسم عاصم ليرد بهدوء : أوامر سيادة الوزير ، أن تعمل من مكتبه إلى أن نؤسس إليك مكتب خاص باسمك ، اضاف عاصم بجدية – إنها ثقة كبيرة من عمي لو تعلم يا أدهم .
أومأ أدهم برأسه متفهمًا : أعلم وبإذن الله سأكون عند حسن ظنه وظنك أيضًا ، ابتسم عاصم مشجعا ليهتف أدهم متابعًا برهبة تملكته - ستخبر بابا عن كل شيء أفعله يوميًا يا عاصم ؟!
عبس عاصم بتعجب : لماذا هل أنت بحضانة الاطفال ؟! ابتسم بحرج ليتابع عاصم بجدية - لا طبعاً ، ولكن كن حذر فأنا لا اخلط القرابة بالعمل .
أجاب أدهم بعفوية : أعلم ، بابا اخبرني ونوران أكدت لي هذا الأمر .
اسبل عاصم جفنيه ليهز رأسه بتفهم : موفق يا ابن العم و إذا احتجت شيئا لا تشعر بالخجل وتعال لي على الفور ، سيوافيك مدير الحسابات بعد قليل ليطلعك على بعض من الاشياء ، قبل أن يجلس معك عمر ، وبعض الأحيان أحمد ، وإذا ضقت بكل هؤلاء اذهب إلى نوران ، إنها ماهرة وستساعدك .
أومأ أدهم برأسه متفهمًا فيتحرك عاصم مغادرًا ليستوقفه نداء أدهم إليه فيقف لينظر إلى ابن عمه الذي ابتسم بامتنان قبل أن يهتف بجدية : شكراً لك .
عبس عاصم ليشيح إليه برأسه في أخوة قبل أن يهتف بجدية : اهتم بعملك يا أدهم بك .
ضحك ادهم بخفة قبل أن يتحرك بخطوات بطيئة ليقف أمام كرسي ابيه الوثير يتطلع إليه قليلاً قبل أن يجلس عليه فيزفر أنفاس صدره كاملة وهو يشعر بأوردته تتضخم .. قلبه يقفز بجنون .. و روحه تشعر بسكينه لم تزره منذ مدة طويلة ، لمعت عيناه بشوق ولهفته إلى أبيه تتصاعد ليستل هاتفه يقرر الاتصال به .
***
اغلقت الهاتف بعد أن أنهت حديثها معه لتضم الهاتف إلى صدرها وكأنها تخفي الفراغ الذي تشعره بروحها بسبب غيابه المتكرر منذ ثلاث أيام دون سبب سوى أن احتياجات العمل تستدعى وجوده فهو منذ هذا اليوم الذي غادر غاضبًا حتى دون أن يتناول الغذاء معهم في المطعم فهي عادت مع مازن لتجد جنى بمفردها تنظر بتعجب و شرود نحو باب المطعم الذي كما يبدو غادر أحمد منه مسرعًا فتخبرهم بعدم فهم عن مغادرة أبيها ليسأل مازن بصوت حانق عن السبب فتهز جنى كتفيها قبل أن تنطق بعدم اقتناع : لا أعلم اخبرني أنه سيعود للمشفى فهناك حالة طارئة أتت ولابد أن يذهب لأجلها .
حينها تحدث مازن باستهجان : حالة طارئة وأنت هنا لماذا لم يخبروك بها وتفزعي مثله للعمل كالعادة ؟! اضطربت ملامح جنى لتجيب بعدم معرفة - لا أعلم .
فيزم مازن شفتيه بحنق لتتحدث هي أخيراً : من المؤكد أن العمل يحتاج لوجوده يا مازن ، أباك أدرى بصالحه .
هز مازن رأسه دون تعبير مفهوم ليزفر أنفاسه قبل أن يبتسم في وجهها : أفضل أنه غادر حتى لا يزمجر فوق رأسي كلما دللتك .
حينها ضحكت ولم تجبه وهي تخفي شعورها القوي بأن هناك ما أغضبه ويخفيه عنها ، شعورها الذي تضاعف في نفس الليلة حينما راسلها بكلمات قليلة ليخبرها بأنه لن يعود بل سيقضي ليلته في المشفى لأجل العمل ، ليبيت على مدار الثلاث ليال الفائتة بالمشفى لنفس السبب بل إنه منذ يومان كاملان لم يعد وكأنه يهرب من وجودها من حوله ، حتى دعوة ابنة أخيه اعتذر عنها حتى لا يقابلها ، أو هكذا شعرت -حينما أخبرها على الهاتف صباحًا أن تحضر لو أرادت مع جنى ومازن اللذان سيذهبان بكل تأكيد لدعوة أميرة .
كانت سترفض الحضور ولكن مازن تمسك بحضورها لتهتف جنى بعقلانية : أنت أصبحت فردًا من العائلة يا لولو لذا ستأتين معنا سيعجبك التجمع فالعائلة سترحب بوجودك جداً .
لم تشأ أن ترفض رجاء مازن ولا تحتجب عن تجمع عائلته وخاصة حينما هتفت بها حور بعد الغذاء الخفيف الذي تناولته مع الولدين وحور بأن عليها الذهاب وخاصةً مع تغيبه فهي تعد مكانه حين غيابه ، فالآن هي تمثل حضوره بل تمثله شخصيًا .
تنهدت بقوة وتحركت نحو منضدة الزينة لتكمل ارتداء حليها وتلف وشاحها حول وجهها وهي تنظر لنفسها بالمرآة وتسألها ما الخطأ الذي ارتكبته فجعلته يغضب ويبتعد عنها ، لا تنكر أنه يجيب رسائلها .. اتصالاتها وحديثها أيضًا ، بل هو لا يتحدث باقتضاب معها أبداً بل يستمع إليها بصبر ويجيبها ولكن دون استرسال ، تعلم طريقته فهو لا يستفيض أبداً في الحديث ولكن هناك شيئًا ما يؤرقها في طريقته معها ، فلقد توقف عن مشاغبتها بمزاحه الذي يخجلها واختفى المرح والمشاكسة من حديثه وعاد إلى تلك الرسمية البسيطة الذي كان يحدثها بها في أول ارتباطهما ، عاد الدكتور أحمد الذي كان يتلمس طريقه معها و كأن هناك شيئًا بزغ أمامه فجأة فجعله يحيد عن الطريق ويدور ليبدأه من جديد .
اهتزت حدقتيها بحيرة ألمت قلبها فهي لن تنكر على روحها أنها اشتاقت إليه .. بل إن تلك الثلاث ايام التي ابتعد عنها بهم لم تستطع النوم جيدًا وكأن جسدها اعتاد على النوم بين ذراعيه .. وكأن عقلها توقف عن الإغفاء في ثباته إلا حينما تشعر روحها بالاستقرار إلى جواره .. وكأنها لم تكن وحيدة لدهر من الزمن فأتى هو وبعثر وحدتها وحينما اعتادت على وجوده تركها فلم تعد تقوى ثانيةً على الشعور بهذه الوحدة التي تنهش قلبها .
بل إنه الخوف الذي يداعب استقرار نفسها .. والتفكير الذي يحتل عقلها ..والحيرة التي تغتالها وهي لا تنفك أن تفكر في ابتعاده فتنهر نفسها وتتحكم في شياطينها التي توسوس لها أشياء كثيرة تثقل روحها فتهدأها بالاستغفار والثقة التي تبثها لأوردتها والصبر الذي تتمسك به حتى تقوى على الثبات لحين عودته فتتأكد حينها هل حدسها صادق أم هي مجرد مشاعر متضاربة مهتاجة تلعب بثباتها ؟!!
***
يتطلع في المكان من حوله ينظر إلى الطاولة الكبيرة المرصوصة بعناية في حديقة بيته ، يبتسم بلباقة في جميع الوجوه المقابلة له ، وهو يشعر بالترقب يزداد بأوردته بل هو يشعر بأن هناك شيء لا يفهمه منذ أن عاد من العمل في موعده المسائي لتستقبله السيدة التي تعمل لديهم بمبخرة عتيقة لا يعلم من أين أتت بها ، تدور في ارجاء المنزل و البخور برائحته المسكية يتصاعد من حولها ، تدعو بأدعية كثيرة وتردد آيات أكثر وهي تنفث وتحرك يدها في ارجاء المنزل ، لتصر بطريقة أكثر من غريبة بالنسبة له أن تجلسه أمامها لترقيه من أعين الحساد ، وحينما زمجر معترضًا تمسكت به وهمست إليه فقط ان ينتظر لتنتهي فهي تريد غزي عين الشيطان التي تطلعت له ولزوجته .
و يا للعجب !! فهو بالفعل استجاب لها وجلس مستقيمًا إلى أن انتهت لعل ما تفعله يكون في صالحه و ينجح في مصالحة أميرة الليلة ، أميرة التي استقبلته بابتسامة غامضة برقت في عينيها والتوى إليها ثغرها بشكل شهي فشعر بشوقه إليها يتضاعف ليلتزم الصبر وخاصةً حينما أخبرته بابتسامة حيوية أنها دعت العائلتان اليوم لتناول العشاء معهم ، فهي لم تفعلها منذ مدة كبيرة ، لتتبع بسخرية وهي تمر من أمامه تتجه لمرآة الزينة فتحدثه من خلالها وهي ترتدي حليها : فأنا منذ أن انشغلت بعملي لم ادعوهم للعشاء ، ففكرت أن أفعل وخاصةً وأني اعتذرت عن العمل لعاصم اليوم .
حينها اتسعت عيناه بصدمة ليزدرد لعابه ببطء جاف فأحرق حلقه الذي أغلق تمامًا بضيق جلي تحكم في أوردته ليهم بالحديث فتشير إليه مقاطعة حينما رن جرس الباب فتبتسم ببرود عصف بكيانه : لقد وصلوا ، تحركت تغادر غرفتهما لتتابع بسلاسة – أتمنى أن تستحم وتبدل ملابسك لقد انتقيت إليك ملابسك كما كنت أفعل دومًا ، ستجدها معلقة بالغرفة كما اعتدت من قبل .
ليشعر بنغزه قوية تصيب قلبه حينما صفقت الباب بعد خروجها ليقف مدهوشًا ينظر إلى اثرها الغائب فيزداد توتره الذي لم يهدأ إلى الآن وهو ينظر للجميع من حوله ، عائلته كاملة ينقصها خطيبتي أخويه اللتان اعتذرتا للدعوة المفاجئة .. عائلة تؤامه ينقصها تيم الغير متواجد في البلاد .. وعائلتها بأكملها التي تتوافد على مجموعات اشعروه أنهم يغزون بيته ويشكلون دعمًا و جدار حماية سيفصلها عنه إذا أرادت أن تتركه .
سحب نفسًا عميقًا وهو يهدأ شعوره المتفاقم بخسارتها الوشيكة ليشغل عقله الذي قارب على فقدانه مع مشاكسات أخويه اللذان يتحدثا مع ابن اخته ويشاكسان هنا بطريقة محببة يفتعلاها سويًا فيثيرا جنون هنا كما كانا يفعلان منذ أن كانا صغيران ، ليعبس حماه وينظر إليهما بنزق حينما ارتفع صوت هنا بوعيد لينطق وائل بجدية : اعتدلا يا ولدي الخواجة ولا تضايقان اختكما.
صمتا سويًا عمر يكتم ضحكته المرحة وعبد الرحمن يعض نواجذه حنقًا لترقص لهما هنا حاجبيها قبل أن تتحرك لتقف خلف حماه لتحتضن رقبته من الخلف وتقبل وجنته : أنا بحماية سيادة الوزير اسمعتما ؟!
اشاح عبد الرحمن برأسه بعيداً لينفجر عمر ضاحكًا قبل أن يصدح صوت نوران الغيور : أين زوجك لا أفهم ، لماذا لم يأتي معك ليراك وأنت تحتضين بابي هكذا ؟!
ضحكت هنا ساخرة لتجيب بتعمد اغاظتها : وما الجديد في الأمر إنه يعلم بمدى حبي لويلي ؟!
زمجرت نوران بغيرة جلية لتضرب الأرض بقدمها في غيظ لتهتف بحنق : بابي ، أبعدها عنك كتم وائل ابتسامته ليهمس بعتاب : لا يصح يا نوران .
اتسعت عينا نوران بغضب وخاصةً حينما شاكستها هنا بملامحها قبل أن تتحرك إلى الداخل ، فجميع السيدات تساعد زوجته في رص الطعام الكثير الذي اعدته السيدة وشاركتها أميرة أو اعدته أميرة وشاركتها السيدة لا يهم ، الهام في الأمر هذه الوليمة التي تُرص أمامه بعناية فائقة و كأن هناك احتفالاً لا يفهم سببه ، انتبه على صوت عاصم الذي أتى من الداخل بعد أن كان يجاور أميرة بالمطبخ يتحدث معها : ما الذي يغضبك يا نور ؟! نظرت نوران إليه بغيظ فيتابع عاصم بجدية هادئة – لا تغضبي يا حبيبتي ، تعال وأنا احتضنك .
انتفض وائل واقفًا ليصيح بحدة : احترم نفسك يا ابن وليد حتى لا ارميك خارجًا .
نظر إليه عاصم ببراءة : ماذا فعلت الآن يا عمي ؟!
لينطق خالد بهدوء : لماذا أنت غاضب ؟! اجلس يا رجل ، اتبع خالد ببرود كعادته مشاكسًا بتعمد وائل - إنها زوجته من حقه احتضانها .
__ خالد ، زمجر وائل بجدية فابتسم أبيه بمكر وآثر الصمت لينطق وليد الذي دلف من الباب للتو – ماذا فعلت يا ابن وليد ليرعد عمك بهذه الطريقة لقد استمعت إليه وأخيك يصف السيارة.
نهضوا جميعا للترحيب بوليد الذي أجابه ابنه ببساطة : نوران غارت من هنا لأنها تحتضن عمي يا بابا فعرضت أن احتضنها .
اجاب وليد بمرح الذي جلس بجوار وائل : عرض مقبول والله .
زمجر حماه ثانيةً باسم اخيه في ظل تكتم الجميع لضحكاتهم لتجيب نوران التي أتت من الداخل تحمل طبق طعام حراري كبير فتضعه على الطاولة لتنحني تقبل وجنة عمها بدلال : لا يا عماه عرضه مرفوض ، فأنا لا أريد أي احتضان والسلام ، أنا أريد أن احتضن بابي الذي ليس من حق أحداً آخر احتضانه غيري .
القتها وهي تستدير تنظر لعاصم من بين رموشها فيبتسم بمكر ويسبل جفنيه قبل أن يجيب بهدوء : آها هكذا ، أنت تقصدين الحضن الأبوي ، هز رأسه بيأس ليهتف بتفكه – لا هذا النوع الأبوي لا يخصني وينافي شعوري نحوك.
زمجر وائل وهو ينتفض واقفًا : آه يا ابن ..
فيتمسك وليد به في ظل الضحكات التي انطلقت من افواه الجميع ليتحرك عاصم مبتعدا في حين تحرك عمار الذي أتى متأخرًا عن أبيه نحو عمه يقف بالمنتصف هاتفًا : مرحبا يا عماه ، نظر من حوله ليهتف ببراءة مفتعله – ماذا يحدث ؟!
اطبق وائل فكيه بقوة ليهتف ساخراً : أهلا يا بك ، أين أنت يا ولد ؟! ألم أخبرك أن تمر علي فأنا أريدك ؟!
كح عمار بخفة ليهتف : اتصلت بك مراراً يا عماه .
لكزه وائل في كتفه بغلظة : حينما اقول مر علي تنفذ على الفور يا بك فهمت ؟!
دلك عمار كفته ليمأ برأسه بطاعة قبل أن يجيب : المعذرة يا عماه .
جلس وائل ثانيةً وهو يولي اهتمامه بعمار : متى خطبتك يا ولد ؟! أم المهرة ركلتك على قفاك .
لوى عمار شفتيه وهو يلتقط الضحكات المكتومة من الجميع ليهتف : لا يا عماه لم تركلني على قفاي ، بإذن الله سنعلن خطبتنا في عقد قران أسعد ، عمو أمير ابلغني اليوم .
رمقه وائل باهتمام : ومتى الجلسة المبدئية ؟! جلسة قراءة الفاتحة .
زفر عمار بهدوء : لابد من عودة أسعد يا عماه ، خالتي لن تفعل أي شيء إلا حينما ترى اسعد وتطمئن عليه .
أومأ وائل برأسه : اعاده الله سالمًا ، تأخر هذه المرة ، نظر من حوله ليتبع سائلاً – بالمناسبة اين اسرة عمك أحمد يا أميرة ؟! ألم تدعيهم إلى العشاء الذي لا نعرف سببه ؟!
ضحكت أميرة وهي تضع ما بيدها في منتصف المائدة : بل فعلت يا بابي ، ولكن عمي اعتذر لكن انطي لميا ومازن وجنى على وصول بإذن الله .
أومأ وائل براسه متفهمًا لتتابع هي بثرثرة عادية : عائلة عمتي هي من ستتخلف فهم مسافرون كما تعلم .
هز رأسه متفهمًا : نعم أعلم سيأتون بعد غد بإذن الله .
لتهتف بترحيب حينما دلفت جنى يتبعها مازن الذي يسير بجوار لميا المتأبطة ذراعه فينهض الجميع يرحبون بهم فتهتف أميرة قبل أن تدلف إلى الداخل ثانيةً : وبوصول عائلة طبيب آل الجمال فقط ينقصنا أدهم .
نظر إليها وائل : سيأتي ؟!
أجاب عاصم الذي تحرك ليجاوره جالسًا : نعم يا عماه لقد أخبرني انه سيتبعني فقط اليوم هو أول يوم له بالمؤسسة وتركته ينهي دراسة بعض من الأوراق مع مدير الحسابات .
وميض فخر لمع بعيني وائل وزفرة راحة تسللت من بين شفتيه ليبتسم مرغمًا ويسأل : كيف أبلى اليوم ؟!
فهتف عمر بحماس : إنه رائع يا عماه ، ذكي بطريقة تشعرك بالخوف بعض الأحيان .
اسبل وائل عينيه ليضحك عاصم بخفة يسأل عمه : هل سمعت الحماس بصوت عمر يا عمي ؟!
ضحك وائل ليجيب عمر بجدية : أنا بالفعل متحمس له للغاية ، سيكون ذو شان عظيم ،
لينطق أخيرًا بصوت جاد وهو يعتدل في جلسته : أدهم سيكون علامة فارقة في المؤسسة يا سيادة الوزير ، لا تقلق عليه .
رمقه وائل مليًا ليبتسم من بين أسنانه قبل ان يمأ برأسه متفهمًا فيعم الصمت على الجميع للحظات قبل أن ينشغل كل منهم بشأنه فيزفر أحمد بقلق فيسأله عاصم بخفوت : ألا تعلم حقًا لماذا دعوتنا أميرة اليوم عندكما ؟!
هز رأسه نافيًا ليجيبه : ظننتك تعلم بم يجول في رأس ابنة عمك و أختك كما تشنف آذاني دائمًا .
ابتسم عاصم بتفكه : لا والله هل سأعلم أمرًا تخفيه عن زوجها ،إنها غامضة هذه الأيام وأنا لا استطيع النفاذ إلى عقلها ، اتبع بعد أن زفر بقوة – حتى حينما أخبرتني أنها تعتذر عن العمل واعترضت وحاولت أن اثنيها عن قرارها أو أفهم منها السبب لم تُجب سوى أنها تحتاج لوقت تستجمع فيه نفسها وقوتها فتوقعت أنها تفعل هذا لإرضائك .
اختنق حلقه ليهمهم بخفوت : لا إنها لا تفعل هذا لأجلي فأنا لم اطلب منها أن تترك العمل ولم تخبرني عن أمر اعتذارها إلا اليوم حينما عدت فجاءتني به ،تنهد بقوة وهمس برجاء نضح من نبراته – اتمنى فقط أن لا يحدث شيئًا ينشب مشاجرة بيني و بين عمك فأنا لا أقو على التجادل معه الآن ،
رمق عاصم عمه الذي يتحدث مع أبيه و خالد بهدوء وجدية عن أمور العمل ليهمهم : لا اعتقد أنه سيتشاجر معك اليوم يا ابن الخواجة فمزاجه كما يبدو رائق إلى حد ما ، دعوة أميرة عدلت إليه مزاجه ، اتبع وهو يرمق أحمد بطرف عينه – لم تخبرني أنكما تصالحتما ، أم أنا لي أمور الشجار فقط ؟!
اختلج صدره بنغزه قوية ليبتسم بفتور : اتمنى أن لا يتشاجر معي أو مع أي آخر غيري ، ولم نتصالح أنا وأميرة ، لذا أنا أشعر بالغرابة من دعوتها هذه .
ضيق عاصم عينيه والتفكير يعتلي ملامحه ليردد بعدم فهم : لم تتصالحا ؟!!
أومأ أحمد برأسه وهم بالحديث لينتبه على صوتها الذي صدح هاتفًا باسمه فيبتسم بلباقة : قادم يا أميرتي .
ابتسم له عاصم داعمًا فيتحرك نحوها لتبتسم برقة وتقدم إليه كرسيه على رأس المائدة وهي تهتف بمرح : فكرت بمن سيجلس هنا ، واحترت هل سيجلس أبي أم عمي خالد ، لذا منعًا للتفرقة قررت أن يجلس سيد البيت ويستقر على رأس المائدة كما يستقر فوق عرش قلبي .
ارتفعا حاجباه بذهول وهو يرمق ابتسامة خالد الماكرة ويسبل جفنيه بصمت ضاحك لتتلاقى نظراته مع نظرات حماه الذي ضيق عينيه بتفكير اعتلى ملامحه لينتبه على همستها الهادئة : هيا يا أحمد اجلس لنبدأ في تناول الطعام ، سأدعو أمي وخالتي وجاسي من الداخل .
استجاب وهو ينظر إلى عاصم متسائلاً فيجيبه الآخر بهزة من كتفيه وحيرة لمعت بمقلتيه ، قبل أن يهز رأسه بحماس يدعمه بعينيه فيتنفس بقوة ليستقر الجميع فوق الطاولة لتهتف هي برقة : تفضلوا بالهناء والشفاء .
***

بقية الفصل على هذا الرابط



التعديل الأخير تم بواسطة ebti ; 16-09-20 الساعة 06:34 PM
سلافه الشرقاوي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس