? العضوٌ???
» 475418 | ? التسِجيلٌ
» Jul 2020 | ? مشَارَ?اتْي » 1,362 | ?
نُقآطِيْ
» | | البارت الواحد و الستون هوس و عناد 💞
توحشتكم بزاف و مصبرتش على فراقكم , فسرقت بعضا من وقتي و قررت تنزيل بارت خفيف أرجو أن ينال الاعجاب 💞💞
" اذا أنت لست من هنا ؟ "
سألت مريم ملك التي تجلس الى جانب سريرها على أريكة وثيرة , و تحاول وضع برنامج يومي مناسب بمشاركة سارة , محاولة صب كل تركيزها عليه
" نعم , أنا من الجزائر "
أجابت بصوت هادئ و ببساطة , دون الخوض في أية تفاصيل , هي لا تريد بدء علاقتها مع مريضتها بكذبة .
حدقت اليها مريم بعينيها السوداوين , و مطت شفتيها بطريقة لطيفة و سألتها
" لكن ملامحك ليست عربية "
نظرت ملك ناحيتها و رفعت حاجبيها , و قد استغربت طلاقتها في التعامل معها , و هي التي تعرفت عليها منذ ساعتين فقط
برؤية ملامح ملك عضت مريم على شفتها بحرج
" أقصد أن ملامحك لا تبدو عربية "
تداركت كلماتها خشية أن تزعجها و ابتسمت لها معتذرة
حدقت اليها ملك و بادلتها الابتسامة , و قد أدركت الآن فقط أن رنا , هي نسخة طبق الأصل عن والدتها ,
ليس فقط في تفاصيل وجهها , بل حتى في فضولها و اندفاعها , و حاولت تخفيف ارتباكها بخفة دمها المعهودة
" سأخبرك سرا "
همست لها و ظهر الحماس , في عيني مريم و على ملامحها ,
هزت رأسها موافقة و أجابتها ملك بهمس دائما
" الكل يقول لي ذلك , لكنني أشبه والدتي كثيرا "
ضحكت الاثنتان على المزحة الخفيفة
و استمرت ملك في الكتابة على اللوح الالكتروني الذي بيدها , لكن فضول مريم لم ينته بعد
" و هل أنت هنا للدراسة أو للعمل ؟ "
هزت ملك رأسها بشرود
" لا أنا هنا من أجل العمل "
أجابت دون أن تشيح عينيها عن اللوح , فيم حدثت مريم نفسها
" هل أنت غبية ؟
أكيد هي تعمل , لن يدعك علي في يدي طالبة "
رغم أن مريم لم تفهم سبب تعيين ملك بالذات , لأن كل الأطباء الذين اعتنوا بها سابقا , كانوا أكبر عمرا بكثير ,
الا أنها تثق في زوجها ثقة عمياء , و هي متأكدة أنه لن يدعها في أيد غير أمينة , اضافة الى أنها ارتاحت بالفعل لها .
توقفت مريم عن طرح الأسئلة , لكنها بقيت مستلقية تحدق في ملك التي تعمل بكل جدية , و تجيب عن أسئلتها من وقت الى آخر
أكملت ملك ما كانت بصدد فعله , و هي تحاول تفادي المزيد من الأسئلة الشخصية ,
هي لا تريد أن تبدأ بالكذب , كما أنها لا تجرؤ على قول الحقيقة , لذلك حاولت تشتيت انتباهها
" مريم سأذكر بعض أصناف الطعام و أخبريني ماذا تحبين ؟ "
وافقتها مريم مباشرة , صحيح أن شهيتها سيئة , لكنها تحرم نفسها من الكثير مما تحبه بسبب حالة كليتيها
" اللحم ؟ "
سألت ملك و هزت مريم رأسها بنفور , فما كان منها الا أن ابتسمت لها و شطبت على اللوح
" الموز ؟ "
اتسعت عيناها ببهجة كطفلة صغيرة و وافقتها مباشرة , لكنها سرعان ما عبست و أضافت
" و الشوكولا أحبها كثيرا , لكنها ممنوعة كما تعرفين ؟ "
أشفقت ملك عليها , خاصة أنه بدا واضحا أنها تشتهيها و سارعت لطمأنتها
" لا تقلقي سنجد حلا "
أشارت لها مريم بابهامها موافقة , و قد أسعدها أن تجد شخصا يجلس و يحادثها .
أكملت ملك أسئلتها الكثيرة , و كانت مريم تجيبها بتلقائية كبيرة أشعرتها بالراحة .
بعد ساعة تململت مريم قليلا , و كأنها تشعر بعدم الراحة فسألتها ملك
" هل تشعرين بالتعب ؟ "
ابتسمت لها و أمسكت اليد اليسرى المستكينة , بأصابع اليد اليمنى السليمة , و حاولت تمسيدها كعادة تفعلها حينما تتوتر
" قليلا , أنا متعودة على أخذ قيلولة في هذه الساعة , لكنني لم أفعل اليوم "
" آه أنا آسفة لم أعرف "
" لا تقلقي سئمت أصلا من النوم طوال اليوم , لدرجة أنني أصبحت أتعب من وضعية الجلوس "
عدلت ملك من وضعية سريرها , ثم ترددت قليلا قبل أن تسألها
" لم لا تحاولين القيام بنشاطات أخرى اذا ؟ "
ابتسمت لها مريم بعناء , و قد بدا أنها تسمع هذا الاقتراح للمرة الألف
" لا تتعبي نفسك دكتورة , أنا تعودت على نمط الحياة هذا و لن يغيره شيء ,
أنا لا أستطيع الوقوف على رجلي , و هذا يمنع أي تخطيط لأي نشاط مهما كان بسيطا "
" نادني ملك و ليس دكتورة "
بددت ملك الجو المحبط الذي حل فجأة , و قد شعرت بانهزامية غريبة في صوتها ,
لذلك توقفت عن حثها على فعل أي شيء , و عادت لأسئلتها العامة مستغرقة في حديث مطول معها .
في المقابل كانت سارة تشعر بانزعاج كبير , و هي تقوم بترتيب الأدوية , فقد كانت هي الآمر الناهي هنا ,
و الآن عينوا لها مديرا تبغضه بشدة ,
نظرت الى ملك بحقد بالغ , و صرت على أسنانها بغل كبير ,
لولا أن علي شدد عليها و على الخادمات , بوجوب ابقاء أمر ملك سريا , لكانت أخبرت مريم الآن بكل التفاصيل , و هدمت السقف على رأس هذه المدعية .
" هل يمكن أن نبدأ الآن ؟ "
قالت ملك مقاطعة شرود سارة , و قد أنهت ما كانت بصدد فعله
" أجل "
و أجابت مريم مشجعة ملك على الاسترسال .
" حسنا بالنسبة لجلسات التصفية , غيرت أيامها القديمة , ستكون أحد أربعاء و جمعة ,
كما غيرت توقيتها , بدل الثامنة صباحا ستكون على الرابعة مساء "
سألت سارة بنرفزة واضحة
" هل أخبرت د .جلال ؟ "
نظرت اليها ملك بهدوء و أجابت بجدية
" هو أعطاني كل الصلاحيات "
مشيرة الى أنها وحدها المسؤولة عن هذه الأمور , و ليس عليها التدخل فيما لا يعنيها .
سكتت سارة و لكن زاد لهيب قلبها , و بقيت ملك صامتة تحدق ناحيتها , بنظرات معبرة و زاجرة و ملامح جادة .
ملك متواضعة و مسالمة جدا , و لا تحب الدخول في جدالات غير مجدية , لكنها تصبح شرسة و جدية جدا , حينما يتعلق الأمر بعملها , و لا تتراجع مهما كلفها الأمر ,
قاطعت بعدها مريم وصلة النظرات المتحدية بين الاثنتين , و قد لاحظت التشنج الغريب بينهما , و قالت بصوتها الرقيق منهية الموضوع
" لا بأس لا مانع لدي , لا فرق بالنسبة لي "
ابتسمت ملك لها مجددا و أكملت
" البرنامج اليومي سيكون خفيفا خلال هاته الأيام , لأنك ستكونين متعبة بسبب الجلسات ,
لكن عموما سنقوم بالاغتسال , تتناولين فطورك تأخذين دوائك , سنقوم ببعض الرياضة ثم الغداء و القيلولة ,
بعد الظهر سيكون لديك الحرية , لاختيار النشاط الذي تريدينه "
طبعا ملك كانت تفكر في الكثير : الخروج للتنزه , قراءة كتب , الاستماع الى الموسيقى , مشاهدة أفلام و مسرحيات ,
و الأهم من كل هذا , مشاركة رنا الحياة اليومية لوالدتها ,
ملك كانت قد فكرت كثيرا , قبل طلب الأمر من علي , و لعل أهم حافز كان أن تقرب بين رنا و مريم ,
فالطفلة تعيش تهميشا عاطفيا سيئا جدا , و هي ستحاول ما في وسعها لتصحيح الوضع ,
لكنها لن تقول ما يدور في بالها الآن , يكفي الجرعة التي أعطتها لها , و الا سيكون الطرد مصيرها .
ضحكت مريم بسلاسة , رغم الشلل الطفيف في الجهة اليسرى من وجهها , الا أن هذا لم يخف جمالها الطبيعي
" طيب "
قالتها بفضول منتظرة ما ستفعله ملك , لجعلها تقوم بنصف هذه الأمور , فهي لا تريد احباطها من الآن
" سنبدأ اذا من الغد "
أعلنت ملك بكل حماس , و اكتفت مريم بالصمت و الانتظار .
في المساء حضر د .جلال للاطمئنان بنفسه على سير الأمور , فيما كان يجلس مع علي في الصالون يحتسيان القهوة , قدمت ملك تتبعها سارة
" مساء الخير "
ألقيتا التحية تباعا , و أجاب الرجلان بذوق
" مساء الخير "
بمجرد أن جلستا باشارة من علي , حتى بادر جلال يسأل ملك
" كيف تسير الأمور مع مريم ؟ "
" بخير دكتور ، وضعنا برنامجا أساسيا اليوم و سنبدأ غدا "
كان واضحا أنها مستعدة جدا للقيام بذلك , و لم يفوت علي نبرتها المتحمسة مما أشعره بالراحة
ابتسم جلال برضا , أشار بذقنه الى سارة و سأل مباشرة
" سارة قالت أنك غيرت مواعيد الجلسات "
شحب وجه سارة و انعقد لسانها , لم تعتقد أن وسوستها للطبيب ستكشف هكذا ,
بلعت ريقها و هربت بعينيها في الاتجاه الآخر ,
رفعت ملك حاجبيها باستنكار , و حدقت الى وجه سارة المرتبكة ,
فيما عبس علي غير مستوعب لما يحدث , منتظرا تبريرا منطقيا , و هو يحدق الى ملك بتأهب
لكن هذه الأخيرة أجابت بثقة كعادتها
" أجل غيرت المواقيت الى بعد الظهر , فمريم تتبع حمية غذائية مشددة , و لا يتسنى لها أن تأكل ما تحب , الا قبل موعد التصفية مباشرة ,
لكن الأمر يكون مستحيلا , بما أنها تبدأ في الثامنة صباحا , و لا يكفي الوقت لتناول شيء تقريبا عدا فطور خفيف ,
اضافة الى معاناتها من الغثيان بسبب الأدوية , خاصة أقراص الحديد الخاصة لفقر الدم ,
لكن مع البرنامج الجديد , سيكون لديها الوقت الكافي , حتى بعد قهوة المساء لتتناول ما تريد دون مضاعفات محتملة "
هز جلال رأسه موافقا دون تعليق , و لم يفوت علي الحركة , أضافت ملك سريعا
" لنفس السبب غيرت الأيام الى نهاية الأسبوع , حتى يتسنى لها تناول طعامها مع العائلة ,
لأن يوم الجمعة هو اليوم الوحيد , الذي يجتمع فيه الجميع على الغداء ,
ستكون مرتاحة لمشاركتهم الطعام دون ضغط , بما أنها ستصفي لاحقا ,
و سنحاول بذلك استدراك بعض الوزن على الأقل , فوزنها الحالي غير طبيعي "
استغرب علي من الحديث الدائر , هو لم يسمع من قبل مثل هذه المعلومات ,
رغم أنه قرأ الكثير عن مرض مريم , لكن مثل هذه التفاصيل لم تمر عليه ,
لكنه اكتفى بالتساؤل بعينيه لدى جلال , الذي ابتسم من تفكير ملك و أثنى عليها
" جيد أنا أؤيد أفكارك , صراحة لم أفكر في الأمر على هذا الشكل من قبل ,
بما أننا في المستشفى نقوم بجلسات التصفية صباحا , فقد استمر البرنامج كما كان هناك ,
خاصة أن مريم لا تشتكي "
أيدت ملك تفكيره
" أكيد أفهم الأمر , و لكن مريم هنا في البيت لديها الحرية فلم نقيدها ,
هي لديها متسع من الوقت فهي متفرغة , و الآلة موجودة في غرفتها ,
بامكاننا اجراء التصفية ليلا اذا أردنا لا أرى المانع ,
اضافة الى أنني حركت مواعيد تناول الدواء خاصة المنوم منها , هي لا تحتاج أن تنام طوال الوقت ,
بامكانها القيام بالكثير من الأمور بدل الاستلقاء , على الأقل سنقلل من خطر بعض المضاعفات بالحركة "
قاطعتها سارة بسخرية
" و هل تعتقدين أنك ستقنعيها بالنزول , للتجول و تناول الطعام على الطاولة ؟
هي لا تفعل ذلك منذ سنوات , هي حتى ترفض الجلوس على الكرسي المتحرك "
امتعض علي من طريقتها في انتقاد مريم , و تذكيره بالحالة الاستسلامية التي وصلت لها , و التي لا يجد لها مخرجا مهما حاول ,
حدقت اليها ملك قليلا بانزعاج , فهي لم تنس بعد نميمتها مع جلال , لكنها أجابتها ببساطة
" سأحاول ما بوسعي "
قاطعهما جلال بدبلوماسيته المعهودة
" لا بأس سارة , دعيها تتصرف كما تريد , أنا أيضا أرغب في رؤية ذلك "
و توجه لملك بنبرة مشجعة
" ملك لديك الضوء الأخضر من طرفي "
قال مع ابتسامة و نظر اليه علي باستياء
" لم يدعوها ملك هكذا دون سيدة أو دكتورة ؟ "
و عبس دون أن يدرك حتى تغير ملامحه , مصمما على أن يحرص لاحقا على تحذيره .
استدار بعدها علي ناحية سارة لتوضيح الوضع
" ملك هي المسؤولة عن حالة مريم أمامي و أمام د جلال , عليك الالتزام بتعليماتها لأنها ستناقشها معنا قبل القيام بها "
قالها بلهجة حازمة , مظهرا عدم رضاه عن معارضتها , لأن ذلك لن يكون في صالح مريم ,
و قاطعا عليها الطريق مستقبلا للتمرد , و فرض رأيها فهي مجرد ممرضة .
" حاضر "
لم تجد سارة غير هذه الكلمة التي قالتها بغل , و استأذنت الى غرفتها مباشرة ,
بعدما فشلت في نصب المكيدة لملك كما تأملت , للظهور مظهر المهتمة بحال مريم .
أما ملك فقد كانت تنظر بدهشة الى علي , لم تتوقع أن يؤيد قراراتها , هي اعتقدت أنه بمجرد أن يسمع أنها غيرت الأمور , سيثور و يطلب منها التنحي ,
لم تفهم ان كانت ثقة حقيقية من طرفه , و أنه يعتبرها أملا لتغيير حياة مريم ، أو أنه يريد مراقبتها و هي تفشل في تحقيق كل ذلك .
في هذه اللحظات استدار علي و حدق ناحيتها بجدية , مما جعل دقات قلبها تتسارع بشكل غير مفهوم ,
لأول مرة ينظر اليها دون حقد أو سخرية , و قد بدت عيناه أكثر سوادا من العادة
" لم تبدو هذه النظرة نظرة تقدير ؟ "
سألت نفسها و قطع عليها علي تأملها
" التقارير بخصوص حالة مريم سيستلمها جلال بانتظام , أية مشكلة أنا موجود "
" حاضر , عن اذنكم تصبحون على خير "
استأذنت ملك هي الأخرى , و قامت باتجاه غرفتها تحت أنظار علي ,
الذي لم يستوعب حتى الآن ,
متى انتقل من شعوره بانعدام الثقة تجاهها , الى ثقة كاملة لدرجة أن يستأمنها على حياة زوجته ؟
تنهد بتوتر من أعماق قلبه , و هو يأمل فقط ألا يندم لاحقا .
في الثامنة من صباح الغد , قصدت ملك غرفة مريم , حيث كانت رنا و علي قد غادرا البيت ,
و تفاجأت بمجرد دخولها بسارة و الخادمة تقفان الى جانب السرير , محاولتين اقناع مريم بالاغتسال
" سيدتي يجب أن تأخذي حمامك , و علي تبديل الشراشف من فضلك "
طلبت الخادمة بيأس , فيما يبدو أنها ليست محاولتها الأولى , و رد مريم كان بعناد أكبر
" لا أريد جسمي يؤلمني , سأغسل وجهي هنا "
تدخلت سارة محاولة
" هيا سيدتي , و الا تأخرنا عن موعد أخذ الدواء "
هزت مريم رأسها باستياء
" قلت لا أريد "
وقفت ملك تراقب الوضع لبعض الوقت ثم تقدمت منهن
" و اذا لم نحركك من سريرك , هل ستغتسلين ؟ "
حدقت اليها مريم بانهاك و قد بدت نعسة
" أجل أنا لا أريد مغادرة السرير , ظهري يؤلمني "
فكرت ملك قليلا ثم أشارت لسارة
" حسنا لنجعلها تغتسل هنا اذا "
نظرت مريم اليها بفضول و لكنها لم تعلق , تريد أن ترى أين تصل حدودها .
ردت سارة باستغراب
" كيف ؟ "
و طمـأنتها ملك
" أنا متعودة على فعل ذلك , لا بأس الأمر ممكن "
لم تمانع مريم اقتراح ملك , فهي من المفروض أنها هنا للفحص و اعطاء التعليمات ,
تماما كما كان يفعل أطباؤها السابقون , و ليس للمساعدة في الاغتسال ,
لذلك التزمت الصمت , تريد أن ترى أين ستصل الأمور , و متى ينفذ صبر هذه الطبيبة الشابة المتحمسة , لتسأم و تغادر كما يغادر الجميع من حولها .
لكنها لا تعرف مقدار عناد ملك , التي بدأت بالتنفيذ مباشرة , تحت مراقبة سارة المتحفزة لأية زلة ,
قامت مع الخادمة بغسل شعرها على طرف السرير أولا , عانيتا قليلا بسبب طوله لكنهما أنهيتا سريعا , غسلتا بعدها أطرافها و غيرتا الحفاظة ,
مريم تضعها ليلا حتى لا تقوم الى الحمام , و خلال النهار تستخدم الحوض بمساعدة الخادمات ,
قامت بعدها ملك بقلبها بخفة من الجهتين , لتغيير ملاءات السرير الى أخرى نظيفة , و هذا دون أن تنقلها من مكانها كما طلبت , و دون أن تتسبب لها بأي ألم ,
مكتفية بتوجيه الخادمة دون احراجها , فواضح أنها تكره الكرسي المتحرك , و ترفض استعماله بشدة لسبب نفسي بحت .
كانت ملك منهمكة مع الخادمة في مساعدة مريم , تحت مراقبة سارة التي استغربت فعلا , قبول ملك فعل هذا لا بل اتقانها له , فيما يبدو أنها سبق و أن قامت به عديد المرات ,
تخمين سارة كان صحيحا , و ملك متعودة فعلا على فعل أكثر من هذا , منذ كانت طالبة متدربة في قسم الانعاش , أين كان يتطوع الجميع لخدمة المرضى حبيسي الفراش ,
هي لا تعاف شيئا و لا تشعر بالحرج لفعله , لا بل كان هذا أقل بكثير , مما كانت تفعله مع زميلاتها في الجمعية , أثناء تطوعهن للخدمة في مستشفى السرطان ,
كان الأمر يتعدى مجرد زيارة , مع بعض الأكل و الهدايا , و صور بابتسامات عريضة ,
هي تعلم ألا شيء أكثر تأثيرا في المرضى مما تفعله الآن ,
فهي تكسب ثقتهم و تجعلهم يتقبلون علاجهم , نفسيا قبل أن يكون جسديا ,
و لهذا السبب بالذات لم تعترض مريم على ما تفعله ملك , بل كانت مطيعة جدا كما لم تكن سابقا .
بعد انهاء الاغتسال وسط صمت مطبق من الجميع , طلبت ملك جلب الفطور ,
بعد افطار مريم كانت ملك قد حضرت الأدوية , و هي شبه متأكدة أنها ستناقش عشر مرات قبل أن تأخذها .
" تفضلي "
أعطتها ملك ما يجب عليها تناوله , عبست مريم و بدأت بالانتقاء كعادتها
" لا أريد أكياس الكالسيوم طعمها مر "
قالتها باشمئزاز بالغ
هزت ملك رأسها و كأنها وافقت
" حسنا بامكانك عدم أخذها , لكنني سأعلق حينها محلولا ,
لن أسمح بتكرر ما حصل سابقا , لك الاختيار "
عبست مريم أكثر فهي لا تطيق المحاليل , لأنها تحد من حركتها في السرير في كل مرة تضعها ،
فردت بتأفف
" لا بأس سآخذها "
اختطفت الدواء من يد ملك , و أخذته على مضض متذمرة
" هذه المرة فقط "
بدت مريم أكثر طاعة , تحت أنظار ملك المبتسمة , و نظرة سارة الحاقدة , بسبب تمكنها من اقناع مريم هكذا بسهولة
" يبدو أنها تلقي بسحرها على كل من بالبيت هذه المتطفلة , بداية بصاحبه و انتهاءا بزوجته "
كلمت سارة نفسها بغيظ
انهمكت بعدها ملك في فحص مريضتها ، و اجراء بعض التحاليل السريعة , ثم تدوين تقريرها اليومي لارساله الى جلال كما اتفقا .
بعد الغداء جلست ملك , أمام سرير مريم على الأريكة ، مخيبة ظنها في خروجها سريعا من هنا
فالجميع يفسح لها الغرفة , لتبقى وحدها في هذا الوقت ,
لكن ملك كانت تمسك كتابا و تفتش بين صفحاته , في اشارة واضحة منها أنها ستمكث هنا أكثر مما اعتقدت .
" ما الذي تقرئينه ؟ "
سألت مريم و هي تحاول ألا تغفو
" كتابا في التاريخ "
أجابت ملك و أرتها غلافه
" هل يمكن أن تقرئي بصوت عال ؟ "
سارعت ملك للموافقة , فهذه الأحاديث الصغيرة هي ما يخلق الألفة مع من يحيطون بها ,
و يساعدها على التعرف على شخصيتهم و التأثير عليهم ايجابا , بعيدا عن علاقة رسمية بين المريض و طبيبه
" أكيد أي كتاب تريدين ؟ "
" لا بأس بما تقرئينه ، أحب التاريخ "
بدأت بعدها ملك فعلا بالقراءة بصوت عال رقيق ، و مريم غارقة في التركيز معها على غير عادتها ,
ففي السابق كان هذا وقت قيلولتها ، و حتى و إن لم تشأ الخلود الى النوم ، كانت تجبر على البقاء وحدها , بعد انسحاب الجميع تنفيذا لأوامر الطبيب .
لكن ملك اليوم لم تدعها للحظة واحدة ، و هي ممتنة فعلا لرفقتها , فقد سئمت الوحدة المفروضة عليها ,
و ملت الاهتمام الزائد ممن يحيطون بها , بمعاملتها بحرص شديد كقطعة زجاج قد تتحطم تحت الضغط .
بعد أكثر من ساعة قاطعتهما رنا ، التي دخلت من الباب ركضا مع ابتسامتها العذبة , و قد عادت لتوها من مدرستها ,
قفزت أولا على والدتها و قبلتها ، ثم نزلت احتضنت ملك , و قبلتها هي الأخرى بكل دفء ,
التصقت بعدها بها , و بدأت في سرد تقريرها اليومي عن المدرسة .
لم تفوت مريم المشهد الفريد ، فرنا لا تحب الاحتكاك الجسدي مع أحد ، هي حتى لا تقبل خالتيها ،
لذلك بدا غريبا أن تتودد الى ملك التي تراها لأول مرة
" أليس من المفروض أنها هنا منذ يومين فقط ، و هي غريبة عن الجميع ؟
أليس من المفروض أن تنكر رنا وجودها , و تتجاهلها كما تفعل مع الباقين ,
أو أن ابنتها تعرفها مسبقا ؟ "
كتمت مريم تساؤلها في قلبها ، لكن ظنها صار شبه مؤكد ، حينما بدأت ملك تحدث رنا بلغة الإشارة , و الطفلة تتجاوب معها بسلاسة ,
لأنه بدا لها ضئيلا جدا ، احتمال معرفة ملك لهذه اللغة صدفة .
لكنها لم تعلق بكلمة رغم فضولها الشديد ، و قد وضعت الكثير من الاحتمالات بالفعل ،
و قررت أن تسأل ملك عن الأمر لاحقا ، بعدما تتعمق علاقتهما أكثر ,
سيبدو تطفلا منها أن تخوض في حياتها الشخصية من أول يوم .
قضى الثلاثة باقي اليوم في غرفة مريم ، يشاهدون فيلما للرسوم المتحركة اختارته رنا ,
و قد أصبح المكان أكثر حيوية , بسبب تفاعل الطفلة و ملك مع الأحداث ,
مر الوقت سريعا دون أن تلاحظن , إلى أن صارت الساعة السادسة ,
حيث عاد علي من عمله منهكا ، و رغم ذلك مر مباشرة الى غرفة زوجته للاطمئنان عليها ,
هذا أول يوم لملك في الاعتناء بها ، و هو يريد معرفة أدق التفاصيل .
" سلام عليكم "
ألقى التحية بصوت دافئ , بمجرد دخوله قفزت رنا ناحيته لاحتضانه , التقطها سريعا و طبع قبلة على وجنتها ,
هزت ملك رأسها لرد التحية ، و قامت من مكانها مباشرة متجهة الى خارج الغرفة ,
أولا هي لا تريد أن تتطفل على أوقاته الخاصة مع زوجته ، واضح أنه لم يرها منذ الصباح , و هو أكيد مشتاق لها ,
ثانيا هي تعرف أنه مجنون متهور ، و هي لا تريد أن تسمع منه أية تعليقات , أو تلميحات تثير شك مريم ناحيتها ، لذلك فالانسحاب كان أكثر أمانا .
طبعا رنا بمجرد أن قامت ملك تركت والدها و تبعتها ، فقد حان موعد مراجعة دروسها و انجاز الفروض ، و هي من يفعل ذلك معها ,
لذلك سارعت و أعطت قبلة دافئة لوالدتها ، ثم تبعت ملك كجرو صغير .
راقبتهما مريم تغادران و علقت باستغراب كبير
" تبدو رنا متعلقة بالطبيبة الجديدة "
قالت قاطعة على علي تأمله
حك الرجل رقبته باحراج و أجابها
" حسنا يبدو بأنها أحبتها "
قال مبسطا الوضع و ابتسم لها , فهو لا يحب أن يكذب على مريم ، و لا أن يكسر بخاطرها ،
هو لم يكن يمانع أن يخبرها بحقيقة ملك ، على الأقل فيما يخص أمر مكوثها هنا لوقت محدد ،
فهو لا يخاف إعلان أمر قام به ,
و لكنه مقيد بوعده للعنيدة ، هي يمكن أن تطلق عليه النار إن هو فعل .
حاول علي تغيير الموضوع , ألقى سترته جانبا و اتجه ناحيتها
" كيف كان يوم مريومتي ؟ "
قال و جلس إلى جانبها على السرير ، أخذها في حضنه و بدأ بتمشيط شعرها بأصابعه
" عاديا جدا , لكن الطبيبة التي أحضرتها , مزعجة جدا و لا تتراجع "
أجابت مريم مع بعض الطرافة في كلماتها متصنعة التأفف .
تحرك الشك في قلب علي ، تراجع ليحدق إلى وجهها بين ذراعيه و سأل بجدية
" هل أزعجتك ؟ "
لكن سرعان ما هزت مريم رأسها نافية ، و قد وضعت يدها على صدره تطمئنه بعد أن تجهم وجهه
" لا ليس كثيرا ، و لكنها لحوحة جدا ، الآخرون ينسحبون مباشرة بمجرد أن أقول لا ،
لكنها تقترح الحل بعد الآخر , حتى أوافق فقط لايقافها "
ابتسم علي و قد هدأ قلبه و تلاشت شكوكه , ضمها مجددا في حضنه بقوة و قال يستفزها
" اذا ذلك جيد من أجلك "
و ضحك بصوت عال
ضربت مريم بخفة على صدره باعتراض و أضافت
" تخيل لأنني رفضت الذهاب للحمام ، أجبرتني على الاغتسال هنا ، حتى أنها جففت شعري بنفسها ,
قامت بكل شيء لدرجة أنني شعرت بالخجل منها ، و لم أعاندها كثيرا "
استمر علي في الابتسام ، و هو يمرر أصابعه من خلال شعر مريم الحريري
" صحة حبيبتي , فقط اسمعي الكلام ، و أنت ستكونين بخير "
طبع قبلة خفيفة على رأسها ، ثم اتكأ على الوسادة خلفه , و هي تستلقي على صدره و سرح بأفكاره
هو يعلم كم أن ملك عنيدة ، و لا حدود لما يمكن أن تفعله حينما يتعلق الأمر بعملها ,
لكن واضح أنها تبذل جهدها و تصاب بهوس ، بمجرد أن تلمس مريضا ، بغض النظر عن هويته .
هو رأى هذا بعينيه يوم احترقت يد رنا ، فرغم أنه كان يصرخ في وجهها و يلومها ، إلا أنها لم تتراجع عن فعل ما رأته ملائما ,
ربما هذا ما طمأن باله أكثر ، و جعله راض عن اختيار هذه المهووسة العنيدة للعناية بمريم ,
و هو يشعر بالفضول من الآن عمن سيربح في الأخير ، هوس ملك أو عناد مريم .
موعدنا الخميس باذن الله
😘💞💞
........ |