عرض مشاركة واحدة
قديم 31-10-20, 10:18 PM   #62

heba nada

كاتبة في منتدى قصص من وحي الأعضاء

 
الصورة الرمزية heba nada

? العضوٌ??? » 460821
?  التسِجيلٌ » Jan 2020
? مشَارَ?اتْي » 202
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » heba nada has a reputation beyond reputeheba nada has a reputation beyond reputeheba nada has a reputation beyond reputeheba nada has a reputation beyond reputeheba nada has a reputation beyond reputeheba nada has a reputation beyond reputeheba nada has a reputation beyond reputeheba nada has a reputation beyond reputeheba nada has a reputation beyond reputeheba nada has a reputation beyond reputeheba nada has a reputation beyond repute
افتراضي




الفصل السادس والعشرون

بين الثقة والخذلان تتأرجح القلوب

**
ـ خطيبتي زعلانة وبصالحها
نظرات رعب لمى وهي تهز رأسها نفيًا بينما نسمة تتقدم من لؤي بغضب من كذبته الساذجة منحتها الإذن بالتصرف، اقتربت من لؤي تعيد كلمته بسخرية:
ـ خطيبتك!
ـ يالا يا لمى
لم تنتظر نسمة رده، مدت كفها تسحب يد لمى التي حررها لؤي جزئيًا عندما التفت مخفضًا إحدى ذراعيه بينما الأخرى لازالت مستندة على الحائط جوار رأسها، سارت لمى معها بطاعة عندما حدجت نسمة لؤي بنظرة متوعدة والآخر يبادلها نظرة مستهترة ويرفع صوته مخاطبًا لمى حين ابتعدتا قليلًا:
ـ هستنى تليفونك يا لمى

قادت نسمة الشابة الصغيرة حتى توارتا عن أنظار الآخر ثم توقفت تواجهها بتساؤل:
ـ إيه اللي شفته ده؟
انفجرت لمى في البكاء تهز رأسها يمينًا ويسارًا وقد باتت بوضع المتهمة وكلماتها تنفي:
ـ والله يا طنط ما عملت حاجة غلط
رق قلب نسمة لبكاء الصغيرة لكن حكمة الأم تطالبها بتفسير:
ـ مين ده وإزاي يتجرأ عليكِ كدة؟
رفعت لها لمى عينين باكيتين تخبرها بإيجاز:
ـ لؤي كان صاحبي في النادي القديم
تجاوزت نسمة تعبير الصغيرة فحدسها يخبرها أن المشكلة أكبر من أن تُحل بمحاضرة تعريفية عن ضوابط الزمالة بين الجنسين وما زاد فضولها لمى التي أكملت:
ـ والله أنا عملت له بلوك من كل حاجة
ثم عادت لبكائها قهرًا تُخفي فمها بكفيها، امتدت كف نسمة تُنزل كفي الصغيرة تحثها على الثقة بها رغم بُعد المسافات:
ـ لو ما قلتيش الحقيقة مش هقدر أساعدك
رغم تشكك نظرات الصغيرة لكن كفها امتدت تُخرج هاتفها المحمول بقلة حيلة من حُشر بالزاوية فهي إن لم تُقدم تفسيرًا شافيًا الآن لمن أمامها فلا عجب إن أخبرت والدها بما رأت وحينها ستصبح هي بموقف لا تُحسد عليه، فتحت أحد برامج المحادثات وقدمت الهاتف إلى نسمة بتردد:
ـ من يومين بعتلي من أكونت تاني
التقطت نسمة الهاتف وطالعت المحادثة التي فتحتها لمى لتجحظ عيناها ذهولًا مما رأت، فلمى تجمعها بالشاب عدة صور في ما يبدو أنه بيت الأخير بعضها عادي والآخر بأوضاع مُخجلة يندى لها الجبين، مسحت لمى بعض دمعاتها الفارة وهي تكمل دفاعها عن نفسها:
ـ والله يا طنط مش أنا
وكانت تقصد من بالأوضاع المُخلة لكن الأخرى هي بالتأكيد، واصلت نسمة قراءة المحادثة فاللعين يهدد الصغيرة بنشر الصور على صفحتها الشخصية وصفحات صديقاتها وإرسالها لكل من يعرفها إن لم تستجب لطلباته ورد الفتاة يثبت براءتها فالصور التي تخصها التقطت معه بالفعل ولكن بالنادي وليس البيت أما الأخرى فهي فقط تماثلها بلون الشعر والحجم ووجهها غير واضح لكن الآخر يهدد بفضيحة ولترى من يصدقها إن دافعت عن نفسها، رفعت نسمة رأسها للصغيرة تمنحها بعض الأمان ولمى تسألها بوجل:
ـ حضرتك هتقولي لبابي؟
ربتت نسمة على كتفها مطمئنة:
ـ إنتِ اللي هتقوليله
هزت لمى رأسها نفيًا ودموعها لا زالت تتساقط قهرًا:
ـ هيزعل مني تاني
رفعت نسمة كفها تربت على وجنة لمى بدعم ورأسها تنفي هاجس الفتاة:
ـ لو ما قلتيلوش هيزعل منك
أخرجت نسمة محرمة قدمتها إلى لمى التي التقطتها تُجفف دموعها ونسمة تكمل مشجعة:
ـ لا أنا ولا إنتِ هنعرف نتصرف معاه
ولمى وإن تسرب لها بعض الاطمئنان بتصديق نسمة على براءتها لا زالت تقاوم ترددها:
ـ بس...
قاطعتها نسمة تبتر حيرتها بسؤال:
ـ إنتِ عملتي حاجة غلط
هزت لمى رأسها نفيًا بقوة لتكمل نسمة طمأنتها:
ـ يبقى متخافيش
أومأت لمى برأسها إيجابًا ونسمة اقتربت تحتوي كتفيها بحنان وتقودها حتى الطاولة وهي تملي ما يتوجب عليها فعله:
ـ هنقضي اليوم عادي وأول ما تروحي تفتحي لبابا الشات
لم تحصل سوى على إيماءة صامتة من الفتاة لتكمل برعاية أم:
ـ وأنا بالليل هتصل أطمن عليكِ
***
مر يومها ككل يوم رغم صمتها الذي لاحظه والدها ولم يُعقب، دلفا للبيت مساءً وهي بين خجلها وحيرتها، دلفت غرفتها فبدلت ملابسها وهي تقاوم التردد، ماذا إن تراجعت عن إعلام والدها حينها ستظل تحت رحمة الآخر والأكيد أن نسمة لن تصمت وستُعلم والدها بما حدث وفي تلك الحالة سيكون موقفها ضعيف أمامه، قاومت ترددها والتقطت الهاتف تسير بخطوات وجلة نحو غرفة والدها، طرقت الباب برفق فأتاها صوت فارس الحنون يمنحها الإذن، دلفت تخفض رأسها بخجل وتتقدم منه ببطء، ابتلعت لعابها وفارس يتطلع إلى تلعثمها بصبر:
ـ عايزة أقول لحضرتك على حاجة
أشار لها فارس بالاقتراب ففعلت ليُجلسها جواره على طرف الفراش ويحتوي كتفيها في ضمة مشجعة وهي أطاعت حدسها الذي أخبرها أن والدها لم يخذلها من قبل في أي موقف، قاومت خوفها وفتحت هاتفها على المحادثة المنشودة وقدمته إلى والدها دون قدرة على النطق وفارس التقط الهاتف بهدوء يطالع المحادثة التي أججت دماءه بأوردته، قبض كفه على الهاتف يعتصره بغيظ والأخرى تضغط كتف ابنته بحمائية آلمتها وبثت الرعب بنفسها قبل أن يسحب والدها رأسها يقبلها ثم يدسها فوق صدره بضمة أودعها خوفه وفرحته بآن واحد، همست لمى بين أحضانه تتأكد مما وصلها:
ـ حضرتك مش زعلان مني
أبعد فارس رأسها عن صدره قليلًا يطالع عينيها ببسمة مطمئنة:
ـ أنا فرحان بيكِ
نظرات دهشة لمى جعلته يكمل توضيحه:
ـ فرحان إنك جيتِ لي
ابتسمت لمى براحة وهي تعيد التأكيد على براءتها:
ـ أنا ما عملتش حاجة غلط
توسعت بسمة فارس بحنان وهو يعيد ابنته إلى صدره يمنحها أمانه الذي لم يبخل به يومًا:
ـ حتى لو غلطتي تيجي تقولي لي ونصلح مع بعض
أغمضت لمى عينيها براحة تنعم بدعم والدها وهمست بتساؤل يؤرقها:
ـ طيب هنعمل إيه معاه
أبعدها فارس لينهض ويربت على وجنتها مطمئنًا:
ـ ما تشغليش بالك
طالعته لمى وهو يعيد ارتداء ملابسه مرة أخرى تسأله بدهشة:
ـ حضرتك هتنزل تاني؟

التقط فارس هاتفه وهاتف ابنته يدسهما بجيبه وهو يوضح:
ـ هاخد موبايلك لحد الصبح
اقترب منها يربت على عضديها ويقبل رأسها مرة أخرى:
ـ نامي ولو احتاجتي حاجة كلميني من الأرضي
وانصرف نحو مهمته الواجبة فالوغد منحه طرف الحبل الذي سيحيط به عنقه دون جهد يُذكر.
***
أنهت يومها الطويل وعادت بصحبة طفليها إلى بيتها، دلف الطفلين يستعدان للنوم بينما السيدة زينب استقبلت نسمة بحديث كانت تتوقعه الأخرى:
ـ إنتِ موافقة على اللي أخوكِ عايز يعمله؟
زفرت نسمة يأسًا من إصرار والدتها وأجابت:
ـ وموافقش ليه؟
ضاقت السيدة زينب ذرعًا بهما وقد فقدت قدرتها على تحمل تمردهما فأضافت باستنكار:
ـ موافقة إن أخوكِ الصغير يتجوز واحدة قدك!
جلست نسمة على الأريكة بتعب تعيد ترتيب كلمات والدتها:
ـ موافقة إنه يتجوز الإنسانة اللي اختارها
همت السيدة زينب بالاعتراض فقاطعتها نسمة مؤكدة:
ـ رائد مش صغير وعارف مصلحته كويس
ونهضت تتجه إلى غرفتها باترة ما تبقى من حديث فوالدتها لن تكُف حتى ينصاع شقيقها لإرادتها وهو ما تراه مستحيلًا.
دلفت غرفتها تمنح نفسها حمامًا دافئًا علّها تستطيع الاستغناء عن أقراص المنوم التي لجأت إليها منذ فترة ليست بالوجيزة بعد ما فشلت لأيام في الحصول على قسط من النوم رغم ما تبذله من جهد طوال يومها، طالما عمدت إلى شغل وقتها بالعمل ومسئوليات طفليها حتى تتمكن من مقاومة الاشتياق للمساته الذي يصحبها كلما دلفت غرفتها ويسلبها سلامها، ارتدت ثيابها واستلقت على الفراش الخاوي منه تستدعي راحة باتت عسيرة عليها، حاولت استدعاء النوم ففشلت ككل يوم التفتت تواجه الفراغ والوحدة تطبق على صدرها تمتص رحيق شبابها، نهضت وقد غص قلبها بالحاجة إليه، فتحت نافذة غرفتها تطالع حلكة السماء تملأ رئتيها بنسمات الساعات الأولى للصباح، تذكرت تلك المراهقة التي سقطت في براثن كلبٍ ضال فالتقطت هاتفها تطلب رقم الصغيرة بعدما تجاوزت ترددها مدفوعة بقلقها عليها، سمعت صوت الرنين حتى فوجئت بصوت فارس يجيب الاتصال فهمست باسمه ذهولًا وهو اندهش من كونها تطلب ابنته في ساعة كتلك حتى عاجلته هي بسؤال قلِق:
ـ لمى كويسة؟
طمأنها فارس وعبّر عن دهشته لتوضح هي سبب الاتصال بسؤال مبهم:
ـ هي قالت لك؟
أتاها صوته مؤكدًا ولم يخفِ سعادته من كونها تهتم لأمر ابنته:
ـ إنتِ عرفتي؟
وهي أكدت كونها علمت مصادفة وسألت باهتمام لا تدعيه:
ـ هتعمل إيه؟
عندها ظهر غضبه المكبوت جليًا بصوته وهو يؤكد بصرامة:
ـ اعتبري الموضوع خلص
ودعته وقد اطمأنت أن الصغيرة قد استجابت لنصحها، عادت للفراش تلتقط قرص الدواء وتبتلعه لتغط بعد دقائق في نوم إجباري سيطرت فيه حاجتها على أحلامها تعود بها إلى أحد لياليها مع زوجها يدللها ويروي عطش أنوثتها بلمساته المحبة يرتفع بها فوق سماء العشق وإن توارت ملامحه، شهقت تُفرج عينيها تنهت بانفعال مما عاشته وكاد أن يكون حقيقيًا وجسدها يتصبب عرقًا، نهضت تبتلع بعض الماء في محاولة للسيطرة على لهاثها ودلفت دورة المياه تغمر جسدها بالماء مرة أخرى وقد علمت أنها لن يُغمض لها جفن ثانية تلك الليلة وربما لليال أخرى لا تستطيع عدها.
***
خلال طريقه كان قد أجرى اتصالاته بأحد زملائه بإدارة مكافحة الجرائم الالكترونية الذي أكد عليه الحفاظ على الاتصال مع ذلك الوغد حتى يتمكن من إثبات التهمة عليه وهو ما كان يدركه فارس جيدًا عندما وصلت رسالته الجديدة هاتف لمى يلومها على تأخر ردها ليبادله فارس الحديث وكأنه هي يطمئنه بالاستجابة لطلباته والآخر ابتلع الطعم جيدًا يطلب من الصغيرة فتح كاميرا الهاتف فاعتذر فارس نيابة عنها كون "بابي" جوارها ولن تستطيع الآن، دقائق وكان الهاتف بيد زملائه يتتبعون مرسل التهديدات، قضى فارس الليل بمكتب مباحث الإنترنت وقد تابع سير المحضر الذي حرره نيابة عن ابنته القاصر حتى صدور إذن النيابة صباحًا بضبط وإحضار المدعو لؤي موافي الذي تفاجأ بقوة تطرق باب بيته وسط شهقات والدته التي رأتهم يسحبون ابنها من فوق فراشه الوثير ويقتادونه مكبلًا حتى عربة الشرطة بضع من ساعة وكان أحد الجنود يزج به أسفل قدمي فارس المُنتظر على أحر من جمر يجلس بنصف جلسة أعلى المكتب وأحد قدميه مرتكزة على الأرض يضم كفيه وشرارات توعده تحرق من دُفع ليسقط أمامه، أشار فارس للجندي فساعد لؤي على النهوض ومن ثم فك وثاقه عندها أنزل فارس قدمه الأخرى عن المكتب وتقدم منه ببطء وما إن واجهه حتى عاجله بلكمة بفكه من يمناه بينما يسراه تمسك بقبة قميصه تمنعه السقوط لتُكيل يمناه المزيد من اللكمات أتبعها بعدة صفعات على مؤخرة عنقه ألقت بلؤي أرضًا كخرقة بالية وفارس يكيل له السباب ويتبعه بركلات ببطنه وظهره عندها تقدم أحد الضباط يحيط جسده بذراعيه يبعده عن لؤي المنكفئ أرضًا وهو يصرخ به:
ـ كفاية يا فارس باشا
حاول فارس التملص من ذراعي زميله وقد فقد السيطرة على أفعاله تمامًا يصرخ بلهاث:
ـ الكلب بيلعب ببنتي
أحكم الضابط ذراعيه حوله وأشار لجنديين بأخذ لؤي الذي لم يقو على النهوض معهما فسحباه من ذراعيه بينما قدماه تسير خطوة وتتعثر أخريات وعندما اختفى خارج المكتب حرر الضابط فارس وهو يعتذر عن تصرفه دون مراعاه لفارق الرتبة بينهما:
ـ آسف يا باشا بس كنت هتودي نفسك في داهية
اعتدل فارس وألقى بجسده فوق أحد المقاعد يلهث:
ـ كنت سيبني أخلص عليه
تقدم الضابط يُحضر زجاجة مياه ويمنحها لفارس وهو يضيف:
ـ ده عيل ولا يسوى توسخ إيدك بيه
التقط فارس الزجاجة يتجرع منها في محاولة لاستعادة رباطة جأشه والآخر اتخذ مقعده خلف مكتبه يطمئنه:
ـ هياخد جزاؤه يا باشا وهرميهولك في الحجز كام يوم لحد ما اللي في وشه يخف
التفت له فارس ولازال صدره يعلو ويهبط انفعالًا وهو يؤكد:
ـ ما المحامي بتاعه لو شافه كده ما هيصدق ويوجع دماغنا
أومأ فارس برأسه إيجابًا وهو ينهض يصافح زميله:
ـ هتابع معاك
والآخر بادله المصافحة يؤكد له ما تم من إجراءات لن يُفلت منها الوغد:
ـ اطمن مش هيخرج منها
زفر فارس براحة وانصرف عائدًا إلى منزله بعد ليلة عصيبة وصل بيته ظهرًا فاستقبلته لمى قلقة من غيابه فلم تتوقع قضاءه الليل كاملًا وجزء من النهار بالخارج:
ـ اتأخرت يا بابي
ربت على كتفها وأخرج هاتفها يعيده إليها مرة أخرى ويطبع قبله على رأسها:
ـ مش هيضايقك تاني
وهي تبعته حتى غرفته تطالع ارهاقه البادي للعيان وهو يُفكك أزرار قميصه ويخلع حذاءه ويتخلص من حزام بنطاله ملقيًا بجسده فوق الفراش دون قدرة على تبديل ملابسه، تقدمت لمى فخلعت عنه جوربه وسألت باهتمام:
ـ أساعد حضرتك؟
هز فارس رأسه نفيًا:
ـ عايز أنام بس
أومأت لمى برأسها إيجابًا وامتدت كفها إلى جهاز التحكم بمكيف الهواء تفتحه وتنصرف مغلقة باب الغرفة.
***
صباح يوم جديد كانت خلف مكتبها ككل يوم وقد بدد رفضها بالأمس يمنحها فرصة جديدة لوضع ثقتها به وإن خذلها الجميع، دلف مكتبها يمنحها بعض ملفات العمل ونظرته تمنحها الأمان، جلس على غير عادته يطالعها بينما تقوم بإدخال البيانات على الحاسب الآلي، ارتباكها وهروب عينيها من ملاقاة عينيه بات يأسره، صفاء ملامحها وإن شابها الحزن والقلق يدغدغ حواسه همس باسمها:
ـ هند
كانت تحاول تجاهل وجوده الذي بات يربكها لكن همسته أعادت أسرها مرة أخرى، رفعت نظرها عن الحاسب استجابة له وهو يسأل بلين بات يخصها هي فقط:
ـ هسمع ردك إمتى؟
أخفضت هند نظراتها خجلًا دون رد ومحمود استغل الفرصة ليضيف:
ـ أنا ممكن اعتبر السكوت علامة الرضا
ومن قال أنها غير راضية، هي تتأرجح بين صوت ينادي بالرضا وقبول رسائل أمانه وآخر خائف يتمسك بثباتٍ واهٍ تحياه، رفعت عينيها له بتردد لا تستطيع نُصرة أحد الصوتين على الآخر وهو نصر أحدهما:
ـ هنحدد كتب الكتاب إمتى؟
جحظت عيناها دهشة من مفاجأته وهو ضحك ملئ شدقيه لدهشتها وتحدث من بين ضحكاته:
ـ ما هو أنا مليش في الخطوبة والحوارات دي
أشار بسبابته إليها موضحًا:
ـ زي ما قلتلك هننزل نشتري أوضة نوم والشقة تقريبا اتوضبت اخواتي عاملين ورادي عليها
عاد بظهره يستند إلى مقعده وهي غرقت بضحكاته والراحة التي يمنحها لها حديثه وهو يضيف بفكاهة:
ـ واضح إنهم ما صدقوا يخلصوا مني
لاحظ صمتها وإن بدى الارتياح على وجهها وعلامات قبول حديثه لا ينكرها عاقل استند بساعده لطرف المكتب يميل ناحيتها قليلًا:
ـ اتكلمي يا هند سامعك
وهي تلعثمت الحروف بين شفتيها لا تدري ما يتوجب عليها قوله فهمست بهاجس يطاردها:
ـ خايفة
وهو ابتسم بحنان يبدد خوفها بالثقة التي تمنحها لها نظراته وتصلها واضحة:
ـ ما تخافيش
هزة رأس مترددة منحته موافقتها فنهض ينقر على المكتب بسبابته ويضيف بسعاده:
ـ هنتفق على معاد علشان تتعرفي على إخواتي
انحنى قليلًا للأمام وهي تعلقت عيناها به وهو يهمس:
ـ وبالمرة نشتري الدبل
وتركها وانصرف ولا زال الصوتين داخلها يتصارعان أحدهما يرقص فرحًا بين ضلوعها والآخر متوجس خوفًا من القادم.
***
وما نيل المطالب بالتمني
ولكن تؤخذ الدنيا غلابا
أحمد شوفي
وهو قرر نيل مطلبه غلابًا، ظل يحادثها صباح مساء وفي كل مرة يُصر على سماع موافقتها التي ضنت بها عليه عدة مرات ومنحتها له أخيرًا لينهي مكالمتها دون سلام ويطلب رقم السيد رفعت محددًا موعد زيارته الرسمية لهم وقد كان له ما أراد، حضر لبيتهم بصحبة شقيقته وطفليها والسيدة زينب التي حضرت مضطرة رغم عدم رضاها لكن ما كان لها أن تفقد ولدها الوحيد بسبب زيجة تُعوِل على فشلها وكان في استقبالهم السيد رفعت والسيدة رقية وكعادة رائد أضفى على الجلسة التي جمعت ريم وهند بعض المرح وإن شابه بعض الجدية:
ـ دلوقت أنا جاي أقرا الفاتحة وأحدد معاد الفرح
ضحك السيد رفعت:
ـ ده إنت مستعجل بقى يا عريس
حل رائد زر حلته الوحيد وتقدم للأمام قليلًا يوضح:
ـ الشقة جاهزة على الديكورات النهائية والفرش وده مش هياخد كام شهر يبقى نستنى ليه
أومأ السيد رفعت برأسه إيجابًا وحدج ابنته بنظرة جانبية ملاحظًا سعادتها البادية:
ـ طيب مش نسأل العروسة يمكن عايزة تعرفك أكتر
منح رائد ريم الصامتة غمزة عابثة لم تخف على الموجودين وهو يضيف بمرح:
ـ سيبلي العروسة يا عمي أنا هقنعها
ضرب السيد رفعت كفًا بكف ينهره بلطف:
ـ إيه سيبلي العروسة دي يا ولد
استعاد رائد بعض جديته وهو يناظر السيد رفعت باحترام مُستحق:
ـ قصدي يعني بعد الخطوبة هقنعها نعجل بالفرح
شبك كفيه يحاول التخلي عن دعابته:
ـ طب نقول الخطوبة الخميس الجاي؟
تقدم السيد رفعت يستند بساعده إلى ركبته ويشير إلى رائد بكفه يسأله:
ـ إنت يا ابني حد بيجري وراك؟
هم رائد بالاعتراض فالتقطت نسمة طرف الحديث:
ـ أسبوع قليل قوي يا رائد
التفت رائد إلى شقيقته مستفسرًا باستنكار:
ـ قليل على إيه دي خطوبة بس
رفعت نسمه كفيها تعد على أصابعها:
ـ لسة نشتري الشبكة ونفصل فساتين للعروسة ولينا
ضرب رائد كفًا بكف فتلك تفاصيل نسائية لا تهم في شيء ولا داعي لتأجيل خطبته بسببها لكنه رضخ فبالنهاية تلك النسوة هن الأحب إلى قلبه:
ـ يبقى أسبوعين واشتروا فساتين جاهزة
هز السيد رفعت رأسه بتفهم وأضاف بسعادة:
ـ على خيرة الله الخميس بعد الجاي تكون خطوبة ريم وكتب كتاب هند
وهنا انطلقت زغرودة السيدة رقية تصدح في المنزل معلنة قرب إقامة الأفراح به.




الفصل السابع والعشرون

ما أسعد البدايات حين يفاجئنا بها القدر

***
بعض البدايات مبهرة وأخرى أضواءها خافتة، وبدايتها يشوبها الخوف من غدٍ لا تعلم ما يدخره لها قدرها فيه لكن صوت داخلها يدفعها للحلم، للتصديق والثقة في من عرفته لأشهر ومد لها يديه يمنحها الأمان وها هو يبسط طريق الثقة بينهما عندما فاجأها بطلبه من نسمة مرافقتها في لقائها مع شقيقاته؛ هل وصلته وحدتها فحاول تخفيفها أم هي مراعاته للشكل الاجتماعي فقط بغياب أي من أهلها عن الصورة، أي كان سببه فهي شاكرة له صنيعه فوجود صديقتها خفف من حدة توترها وسط شقيقاته اللائي تراهن للمرة الأولى؛ أكبرهن تقاربه سنًا وعلاقة صداقة بينهما واضحة للعيان ورعايتها التي تحيط بها الجميع تضعها بمرتبة أم، الوسطى تكبر هند بقليل وهدوءها يضفي عليها وقارًا لا تدعيه أما أصغرهن فهي مدللة الجميع عامة وهو خاصة تحدجه بنظرات ابنة أكدتها كلماتها وهي تحاول تخفيف خجل هند الصامتة:
ـ حودة ده يبقى بابا مش أخويا
ابتسمت هند بود لغِنى ورفعت نظرها إلى محمود الذى لام الأخرى بنظراته على نطق لفظ تدليله أمام الجميع لتهمس هند:
ـ ربنا يخليه ليكِ
اقتربت حلا من هند تربت على كتفها:
ـ ويخليه ليكِ إنتِ كمان
وجهت نظرها نحو زجاج العرض تحثها على الاختيار من بين الحلقات الذهبية:
ـ يالا يا عروسة نقي اللي يعجبك
تدخلت نسمة بروح أخت وهي تطلب من البائع الحلقات الذهبية وتناول أحداها لهند حتى استقرت على اختيار واحدة بعدها طلب محمود من البائع بعض الخواتم والأساور الذهبية لتقوم هند بالاختيار من بينها في النهاية وجه محمود كلماته للبائع:
ـ خلاص كدة شوف الحساب كام
لتبادر هنا بالتدخل تسأل البائع:
ـ هي الأسورة دي ليها سلسلة
أجاب البائع هنا متناولًا السلسلة المطلوبة ليعرضها عليها بينما محمود سحب حلا من ذراعها يهمس لها بعيدًا عنهم:
ـ إيه اللي أختك بتعمله ده إنتِ عارفة إن الفلوس مش هتكفي
ربتت حلا على كفه الممسكة بعضدها تهدئه بابتسامه:
ـ دي هديتنا لعروستك
وتركته وعادت لهن وقد انتهى البائع من كتابة الفاتورة لتقوم حلا بمنحه النقود التي كان محمود يحتفظ بها معها إضافة لما أضفنه كهدية.
عقب انتهائهم دعا محمود الجميع لتناول العشاء بأحد المطاعم في جلسه سادها الترحاب من جانب محمود وشقيقاته وصمت متوجس من جانب هند فيما هي مقبلة عليه، ابتسمت هنا توجه حديثها إلى هند في محاولة لكسر الصمت ولم تستطع إخفاء علامات الاستفهام التي تدور بخلدها:
ـ أمال فين والدتك يا هند؟
ضمت هند كفها أمام فمها تتنحنح في محاولة للسيطرة على ارتباكها وإيجاد إجابة بينما نسمة مدت كفها تمسك بركبة هند من أسفل الطاولة تطمئنها دون أن يلحظها أحد وتجيب نيابة عنها:
ـ والد هند تعبان وطنط ما قدرتش تسيبه
تنفست هند الصعداء عندما هزت هنا رأسها دون اقتناع، مدت كفها تعدل من وضع حجابها وتضيف:
ـ إن شاء الله هتحضر كتب الكتاب
وهو ما عزمت عليه مضطرة لحفظ ماء وجهها أمامهن ،بضع من ساعة وأعلنت هند عن رغبتها في الانصراف ووافقتها نسمة لتغادرا مع وعد من حلا بمقابلة أخرى مع هند لشراء ثوب العرس الذي رغبت هند برفضه في البداية لكنها رضخت بالأخير لرغبة حلا، عقب انصرافهما التفتت نسمة بسعادة إلى صديقتها تسألها:
ـ إيه رأيك في اخواته؟
شردت هند أمامها تجاهد خوفها الذي يدعوها للفِرار متمسكة بخيطٍ واهٍ من الأمل داخلها وهمست بحيرة:
ـ تفتكري هيقبلوني بينهم
أومأت نسمة برأسها إيجابًا وهي تتخذ مقعد القيادة وصوتها يطمئن هند التي استقلت السيارة جوارها:
ـ أنا شيفاهم فرحانين
ألقت هند برأسها على ظهر المقعد تطالع الطريق من خلال النافذة وصورته وسط شقيقاته تداعب خيالها؛ تلك الأسرة التي إن بحثت عن وصف لها فسيكون الدفء هو العنوان وهي طالما حلمت بمثلها بحنان أخ ورعاية أب مثل ما رأته منه بين شقيقاته والآن يمنحها قدرها الفرصة لتكون فردًا منها فهل سيحدث هذا أم ستظل طوال عمرها هي الدخيلة التي لا تمتلك أي حق بتقرير حياتها.
أخرجها من شرودها صوت نسمة وقد صفّت السيارة أسفل منزل عائلة ريم:
ـ بلغي الدكتورة اللي فوق بالميعاد علشان نشوف فساتينا إحنا كمان
هزت هند رأسها بابتسامة وهي تودع صديقتها التي انطلقت بسيارتها عائدة إلى بيتها، دلفت للمنزل وقد نال منها الارهاق مبلغه، استندت بظهرها إلى الباب تحل حجاب رأسها لتجذب كف نور ملابسها فتخفض نظرها للصغير الذي سألها بتأنيب:
ـ جبتي الطيارة اللي بتطير؟
هزت نسمة رأسها نفيًا تربت على رأس الصغير معتذرة:
ـ حاضر هجيبهالك
وتركته متجهة حيث غرفتها لتقابل نادين بالردهة والصغيرة تعلن عن طلبها:
ـ عايزة فستان جديد لخطوبة رائد
أومأت نسمة برأسها إيجابًا وهمست بإرهاق:
ـ حاضر
قبل أن تدلف غرفتها أتاها صوت والدتها يناديها فتوقفت لتتبع السيدة زينب:
ـ حماتك كلمت الولاد النهاردة وعايزة تشوفهم
شهقت نسمة فملأت صدرها بالهواء في محاولة لاستدعاء بعض الهدوء قبل أن تنطق بقلة حيلة:
ـ حاضر
ثم دلفت غرفتها هروبًا تغلقها خلفها تلقي برأسها إلى الباب المغلق مغمضة عينيها بتعب، هذا الدور الذي لعبته مجبرة وأكملت طريقها به اختيارًا يستنزف المتبقي منها رويدًا رويدًا ويحولها رغمًا عنها إلى أخرى لم ترغبها يومًا.
***
مرت الأيام واليوم الذي انتظرنه طويلًا حل بعدما أنهى شقيقهن عزوفه عن الزواج، وضعن اللمسات النهائية على منزل العائلة الذي بات عش الزوجية لشقيقهن ثم استعدين جميعًا بملابس السهرة وساعدن محمود في ارتداء حلته، التقطت حلا زجاجة العطر الرجالي ونثرتها على سترة محمود السوداء بينما هنا أزاحتها تُعدل من وضع رباط عنقه وتسأل بحيرة:
ـ هو كتب الكتاب في بيت مين يا أبيه؟
جاهد محمود حتى يخفي ارتباكه وهو يثبت نظره على رباط عنقه الذي أنهت هنا تعديله وأجاب بصوت حيادي:
ـ ناس قرايب هند وخطوبة بنتهم معانا
أزاحت غِنى شقيقتها لتلقي برأسها فوق صدر أخيها تدفن وجهها به وهو احتواها بحنان أب حين أعربت عن غيرتها التي تحاول التغلب عليها:
ـ هو أنا قلت مش هبقى عمتو الحرباية قوي يعني؟
ضحك الجميع منها وربت محمود على ظهرها يدرك ما تعانيه فطفلته الأولى لم تعرف أبًا غيره منذ كانت بالتاسعة، طالعت حلا هاتفها الذي يعلن عن اتصال زوجها لترفع صوتها تحث الجميع على التحرك:
ـ يالا كلهم مستنيين تحت
ببيت ريم ارتفعت أغاني العرس مع خيوط النور التي زينت البناية، باقات الزهور التي انتشرت بأرجاء البيت مع حضور صديقات ريم التي تولت تعريفهما بعائلتها:
ـ ولاء وهدير زمايلي في الجامعة
رحبت السيدة رقية بالفتاتين مع إطلاق أحد زغاريدها السعيدة التي لم تتوقف طوال اليوم وتركتهن ترافقن ريم حتى غرفتها، تولت ولاء مهمة تزيين هند لفت حجابها الأبيض وأحاطت جبينها بطوق من الزهور البيضاء ليحتضن رأسها برقة بينما هدير كانت مهمتها تزيين شعر ريم بدبابيس على شكل ماسات فضية رفعت خصلاتها من الجانب الأيمن بينما انسدل باقي الشعر على كتفها وجانب وجهها الأيسر، أنهت الفتاتان لمساتهما الساحرة ثم بدأتا في التقاط الصور لريم وهند ورفعها على مواقع التواصل الاجتماعي مع عبارات الحب والمباركة، ارتفعت مرة أخرى زغاريد السيدة رقية لتنطلق ولاء تنظر من شِق الباب وتعلن:
ـ العرسان وصلوا
لاحظت دخول رائد برفقة والدته و نسمة وأبنائها، وضعت كفها على وجنتها وعيناها تهيم عشقًا هامسة:
ـ يا بختك يا ريم
أزاحتها ريم تضربها بكتفها وتقف مكانها تطالع هيئته الساحرة بحلته السوداء ورباط عنقه بلون النبيذ كما طلبت منه ليطابق لون ثوبها، قمحيته المحببة وعظام وجنتيه التي تبرز عندما يكز على أسنانه في انفعال لاحظت تكراره مرارًا عندما يكبح غضبه، حاجبيه الكثان الذين يضيقا وينفرجا تبعًا لتأثره وخصلاته السوداء الحالكة التي تضفي عليه جاذبية رجولية باتت تداعب خيالها ولأول مرة تلحظ تقارب الشبه الكبير بينهما الذي تعدى الصفات المشتركة، بعدما مر لاحظت حضور محمود وسط شقيقاته وعائلاتهن لتعلن موجهة حديثها لهند:
ـ محمود واخواته وصلوا
زاحمت هدير ريم تتطلع من شق الباب، ضمت كفيها أمام صدرها وهمست بهيام:
ـ إيه الدقن دي
أخفضت هند نظرها أرضًا بابتسامة خجلة تعلم مدى جاذبية زوجها المستقبلي ثم رفعتها على صوت هدير الذي انطلق بذهول تسأل باهتمام:
ـ مين القمر اللي هل علينا ده
زاحمتها ولاء مرة أخرى تطالع فارس بطوله الفارع وحلته الرمادية التي علت قميصه الأبيض دون رباط عنق ونطقت بهيام:
ـ عريس يا بوي
ألقت ريم نظرة على من تتحدث عنه الفتاتان ووضحت:
ـ ده فارس قريب رائد
ومدت كفها تغلق الباب بوجههما وتتخصر تطالع ولاء بدعابة:
ـ للأسف محجوز
ادعت ولاء الامتعاض بينما هدير طالعت طلاء أظافرها دون اهتمام معلنة اكتفائها بخاطبها:
ـ حسام برقبتهم
على ذكر الاسم انتفضت هند لتضرب ريم جبهتها توضع ما حدث من التباس:
ـ خطيب هدير اسمه حسام
هزت هند رأسها بابتسامة متفهمة لترتفع طرقات خافته على باب الغرفة لتفتح ريم تواجه والدتها:
ـ أخو هند برة ومامتها عايزة تشوفها
هزت ريم رأسها إيجابًا وأفسحت الطريق للسيدة فتحية حتى تمر لتواجه هند الجالسة، اقتربت السيدة من ابنتها ببطء وتوقفت أمامها تفرك كفيها ببعضهما وتهمس:
ـ سامحيني يا بنتي
تعترف داخلها بما عانته ابنتها دون ذنب ولا تدري ما السبيل أمامها لتخفيف معاناتها غير اعتذار لن يجدي، رفعت هند نظرها إلى والدتها التي تعلم ما تكبدته طوال عمرها من شقاء مع من يُدعى والدها ربما لم تجد الفرصة للهرب مثلما وجدتها هي والأكيد أنها إن لم يلفظها زوجها السابق خارج عالمه لظلت حبيسته للباقي من عمرها، همست تحاول التخفيف من إحساس والدتها بالذنب:
ـ ربنا يسامحنا كلنا
انحنت السيدة فتحية تمسك بكتفي ابنتها وتطبع قبلة أعلى رأسها معربة عن سعادتها:
ـ إنتِ زي القمر
عندها دلفت السيدة رقية وهي مستمرة بإطلاق الزغاريد معلنة بسعادة:
ـ يالا يا بنات المأذون وصل
نهضت هند تقف لتعدل من وضع حرملة ثوبها التي تحتضن أعلى جسدها تغطي الظهر والصدر وتحوي أكمام تخفي عري الثوب الذي يحتضن جسدها من الصدر وينسدل ملاصقًا له مزينًا بالدانتيل الأبيض حتى الخصر ليظهر من أسفله قماش الشيفون الذي ينسدل من الخصر يحتضن ردفيها ويضيق ليتسع أعلى الركبتين بقليل في دوران طفيف بينما الحرملة تحيط كتفيها بوردات من الدانتيل وتتسع من أسفلها لتغطي ظهر الثوب بالكامل وتمتد قليلًا خلفه تضفي عليه مزيدًا من الرقة، تقدمت هند بخجل تخرج بين الحضور حتى جاورت محمود الذي ابتسم لرؤيتها بتلك الهيئة الملائكية تبعتها ريم التي ارتدت ثوب بلون النبيذ الذي حوى صدر وظهر من الشيفون يعكس قمحية بشرتها أسفله وتمتد ثلاثة شرائط مطرزة من الرقبة حتى الصدر وبداية الأكمام لينسدل الثوب يحتضن جسدها في رقي وينشق بداية من ركبتيها ليسمح بالحركة مظهرًا ساقها الممتلئة قليلًا وحذاءها ذو الكعب المرتفع بلون الثوب، من الوسط كان ينسدل خلف الثوب ذيل بذات اللون يخفي ضيقه عند الأرداف ويطول قليلًا عنه مضفيًا مزيدًا من الرقي والوقار لصاحبته، تقدمت ريم لتجلس جوار رائد الذي اختطف الثوب وصاحبته نظره جلست لتُظهر فتحة ثوبها أسفل ساقيها بسخاء، ثبّت رائد عينيه على فتحة الثوب عاقدًا حاجبيه الكثين دون كلمة حيث بدأ المأذون بطلب بطاقات الشهود وهو كان أحدهما بينما السيد رفعت هو الشاهد الآخر على عقد قران محمود وهند التي تولى شقيقها الولاية عنها، انتهى المأذون من عمله مع ارتفاع زغاريد السيدة رقية التي احتضنت هند بمباركة أم، عقب تلقي هند للمباركات من ريم ونسمة وباقي الحضور ارتفع صوت المأذون:
ـ العقد التاني يا جماعة
وهنا جلس السيد رفعت يمين المأذون ورائد يساره وسط دهشة جميع الحضور، حدج رائد ريم بنظرة عابثة ووالدها يمنح المأذون بطاقته وبطاقتها معًا بينما رائد يوجه حديثه إلى فارس ومحمود شهود عقده:
ـ ممكن تسألوا العروسة إذا كانت موافقة ولا لأ
توجه كلٌ من فارس ومحمود إلى ريم الذاهلة وهي فاغرة فاهها تُثبت نظرها على رائد المستمتع بمفاجأته، حانت منها نظرة تردد نحو والدها الذي أغمض عينيه يهز رأسه مطمئنًا فلو لم يكن يثق برائد ما وافقه على مفاجأة كتلك ولكنه يعلم رغبة ابنته به زوجًا ويعفيها عناء الخوف، جذب انتباهها صوت فارس يسأل:
ـ موافقة يا عروسة
وجهت نظرها إلى فارس ولا تزال على ذهولها ليكرر فارس سؤاله وهو يخفي ابتسامته فمن بين الحضور كان أحد العالمين بالسر مع والدها والمأذون فقط بينما ريم أخفضت نظرها خجلًا عندما لاحظت أنها أطالت النظر إلى فارس وهزت رأسها إيجابًا ليتبع محمود بالسؤال التالي:
ـ وكلتي مين؟
همست ريم من بين خجلها:
ـ بابا
ليعودا للمأذون الذي باشر عقد القران بينما نسمة جلست جوار ريم تحتضنها بمباركة والأخرى تسألها بلوم:
ـ كنتِ عارفة؟
هزت نسمة رأسها نفيًا تؤكد على مفاجأتها:
ـ كانت أحلى مفاجأة
ثم نهضت تخلي المقعد لشقيقها وتعود لمقعدها وهي تلاحظ نظرات والدتها غير الراضية عن مفاجأة شقيقها، اقتربت لمى بثوبها المبهج تجاور نسمة وتناديها:
ـ طنط نسمة
التفتت نسمة للشابة الصغيرة مبتسمة لتتبع لمى:
ـ شكرًا
احتوت نسمة كتفيها بحنان أم وهي تمنح الصغيرة ثقتها:
ـ أنا ما عملتش حاجة إنتِ اتصرفتي صح لما قلتي لبابا
هزت لمى رأسها إيجابًا بينما نسمة تضيف:
ـ ولو حبيتي تتكلمي معايا أي وقت أنا موجودة
من بعيد كان فارس يلاحظهما ولا يستطيع غير رؤية أم وابنتها، تلك التي كان من المفترض أن تكون أم أبنائه تأتي اليوم لتمنح ابنته ما فشلت أمها البيولوجية في منحه لها وهي التفتت لتصطدم بعينيه المتأملة وقد أخجلها تطلعه بها الذي لم يتوانَ عن إظهاره للجميع وهي تعترف بفشلها في ردعه وقد بات يعتبر قربها حقًا أصيلًا له، نحّت نظرها عنه تواري خجلها وتلتفت إلى شقيقها الذي عاد جوار زوجته ووقف كلاهما يتلقيان المباركات بعقد قرانهما، جلسا لتعود فتحة الثوب التي أرّقته إلى إظهار ساقيّ زوجته بسخاء، مال للجانب يهمس بأذن ريم:
ـ مفيش فتحات من دي تاني هتتلبس
رفعت ريم أحد حاجبيها بتحدٍ متلاعب وهمت بالنطق ليمنعها رائد بإشارة:
ـ إنتِ دلوقت المدام
لم تستطع ريم الصمت أكثر، حاولت خفض صوتها قدر الإمكان حتى لا يصل لغيره وأكملت تحديها:
ـ يعني إيه بقى يا أستاذ
مط رائد شفتيه بقلة صبر، مد كفه يلتقط كفها وينهض لتنهض معه بالتبعية وتسير خلفه عندما توجه إلى والدها يستأذنه باحترام:
ـ بعد إذن حضرتك عازم المدام على العشا
ابتسم السيد رفعت يرفع ذراعه ويمنحه إذنه:
ـ اتفضل يا سيدي محدش هيعرف يتكلم معاك بعد كدة
صافح رائد محمود وفارس وانطلق بخطوات سريعة متجاهلًا باقي الحضور وريم خلفه تحاول اللحاق بخطواته بينما حذاءها وضيق الثوب يعيقان حركتها لتعلن عقب خروجهما من باب البيت ورائد لا زال متمسكًا بكفها:
ـ بالراحة مش عارفة أمشي
التفت رائد يمر بعينيه على ثوبها من أعلى لأسفل، كز على أسنانه فبرزت عظمتي وجنتيه ثم زفر بضيق:
ـ ماشي هعديها النهاردة
وأكمل طريقه وقد أبطأ خطواته قليلًا حتى فتح لها باب سيارته لتركب ويتخذ هو مقعد السائق ينطلق في شوارع القاهرة، بينما ريم تعلن اعتراضها:
ـ هو احنا هنبدأ تحكمات من أولها
حدجها رائد بنظرة جانبيه ثم أكمل النظر للطريق بصمت وهي تكمل بتأنيب:
ـ ثم إزاي تاخد قرار زي كتب الكتاب من غير موافقتي
رفع رائد أحد حاجبيه بتعجب يجيبها بعبث:
ـ ما إنتِ مضيتي وبصمتي كمان
رفعت ريم أنفها باعتراض واهٍ:
ـ حضرتك أحرجتني قدام الناس
عقدت ذراعيها أمام صدرها وأكملت:
ـ كنت عايزني أنزّل كلمة بابا الأرض وهو قاعد جنب المأذون ومديله بطاقته
أخفضت نظرها تكمل ثرثرتها الجوفاء فهي تعلم قبله أن كل هذا ما هو إلا بدافع مشاكسته التي تجيدها:
ـ أنا كان من حقي وقت أفكر
كان رائد يستمع إلى ثرثرتها المحببة بينما يلتزم الصمت، دخل بسيارته أحد الشوارع الجانبية الهادئة نسبيًا وأبطأ حركة السيارة قليلًا على الجانب يفاجئ ريم بابتلاع باقي كلماتها في قبلة أولى لكليهما وريم التي بُهتت لتصرفه المباغت صمتت بين خجلها وقشعريرة محببة سرت بسائر جسدها عند تطابق الشفاه، الشعور الذي تختبره للمرة الأولى يدغدغ قلبها الغض وخجلها يدفعها للفرار، كفيها تدفع صدره بوهن وتهمس باسمه بين شفتيه، أبعد شفتيه قليلًا يهمس أمام شفتيها ولا زال محتجزًا جسدها بين جسده والمقعد:
ـ فكرتي؟
أغمضت عينيها وقد ارتفعت دماء الخجل لتُكسب وجنتيها حمرة محببة لا تعلم كيف تفر من حصاره ولا تجد ما تستطيع التفوه به فهمست:
ـ علشان كدة كتبت الكتاب؟
أخيرًا سمح لها بالتقاط أنفاسها عندما اعتدل بظهره يمنحها غمزته العابثة بمرح:
ـ علشان أقنعك
وعاد ينطلق بالسيارة وقد أعلن ملكيته لها وللحق هي لا تمانع.
***
ببيت ريم كان محمود يمسك بكف زوجته ويصافح الحضور قبل الانصراف، اقتربت هند من السيدة رقية التي كانت تحمل ضياء وترعاه طوال يومها كما اعتادت منذ مولده تحتضنها عرفانًا بجميلها، همت هند بحمل ضياء فاعترضت السيدة رقية:
ـ خليه بايت معايا النهاردة
أخفضت هند كفيها وقد أدركت ما تقصده السيدة رقية في تفهم بينما الصغير الذي اقترب عامه الأول من الاكتمال رفع ذراعيه نحو والدته رغبة في أحضانها وهند ترددت بينه وبين المنطق بتركه ولو لليلة واحدة بينما محمود الذي كان يلاحظ ما يحدث مد ذراعيه يحمل الصغير ويعفي والدته من حرجها:
ـ ضياء هييجي معانا
اقتربت السيدة رقية تقبل الصغير وتعيد مباركتها لهند وقد اطمأنت أنها اختارت الرجل المناسب لها ولصغيرها معربة عن محبتها لمن اعتبرتها بمثابة ابنة لما يقارب العام:
ـ هتوحشيني إنتِ وضياء
ربتت هند على كف السيدة رقية تطمئنها:
ـ لا أنا ولا ضياء نستغنى عنك يا ماما هتلاقينا عندك كل يوم
اقتربت هند من السيد رفعت تصافحه، رفعت كفه إلى شفتيها تطبع قبلة عرفان بجميل رجل كان لها أبًا في أشد أوقاتها قسوة:
ـ اللي حضرتك عملته معايا مفيش حد بيعمله دلوقت
ربت السيد رفعت على كتفها مطمئنًا:
ـ البيت ده هيفضل مفتوح ليكِ طول العمر يا بنتي
ثم وجه نظره إلى محمود يوصيه بها خيرًا:
ـ خد بالك منها يا ابني إنتَ معاك جوهرة
صافح محمود السيد رفعت مودعًا:
ـ حضرتك ما تقلقش عليها
بعدها صافحت هند والدتها وشقيقها في سلام فاتر يعكس علاقتها المضطربة بهما وانصرفت مع زوجها.
دقائق وكان محمود يفتح باب منزله الذي طلبت هند أن تدخله لأول مرة عندما تكون زوجته شرعًا، قادها محمود حتى غرفة الأطفال التي تحوي فراشين، وضعت ضياء الذي غفا خلال الطريق بأحضانها على أحدهما وجاورته بعدة وسائد تحمية من السقوط وتبعت محمود حتى غرفة نومهما، وقفت أمام المرآة تخلع طوق الورد عن جبينها وتحل حجابها لينسدل شعرها البني الطويل خلف ظهرها يخطف نظر محمود الذي تخلص من سترته واقترب يمسك بكتفيها من الخلف ويطبع قبلة على خصلاتها الآسرة يطالع عينيها بالمرآة:
ـ مبروك
همست هند بردها الخجل بينما محمود لاحظ زر الحرملة عند عنقها، أزاح خصلاتها بكفه للجانب وحله يساعدها في خلعها لتظل بثوب عرسها العاري أسفله حتى منتصف ظهرها، أدارها محمود بين يديه وقد غرقت بخجلها والصدر العاري يبدي بياض بشرتها بسخاء أرهقه لينحني يطبع قبلة صغيرة على وجنتها أغمضت لها عينيها ولحيته تداعب بشرتها الناعمة ثم يبتعد عنها وينطق بمجاهدة:
ـ غيري هدومك علشان نصلي
وفر من أمامها يمنحها الفرصة لالتقاط أنفاسها، دقائق وكان يطرق باب الغرفة ويدلف عقب إذنها الهامس ليجدها وقد ارتدت اسدال الصلاة، صلى بها صلاتهما الأولى في خشوع ثم التفت يمسك جبينها ويتلو دعاء الزواج وهي أغمضت عينيها تستمتع بدفء كفه فوق جبينها وصوته الداعي في خشوع ليأتيها صوت بكاء ضياء بالغرفة الأخرى ويزيد ليرتفع معلنًا عن حاجته لها، فركت كفيها بتوتر موضحة:
ـ من يوم ما اتولد بينام في حضني
رفعت نظراتها المعتذرة إلى محمود تكمل:
ـ ومن بعد العملية ارتباطه بيَ زاد
ربت محمود على كتفها يبتسم بتفهم:
ـ روحيله
نهضت هند تجيب نداء طفلها وقلبها يشكره بينما هو استلقى على فراشه وحيدًا يكمل صومه عن النساء فعلى ما يبدو لم يحن موعد إفطاره بعد
نهاية الفصل السابع والعشرون
قراءة ممتعة❤








heba nada غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس