عرض مشاركة واحدة
قديم 07-11-20, 09:37 PM   #65

heba nada

كاتبة في منتدى قصص من وحي الأعضاء

 
الصورة الرمزية heba nada

? العضوٌ??? » 460821
?  التسِجيلٌ » Jan 2020
? مشَارَ?اتْي » 202
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » heba nada has a reputation beyond reputeheba nada has a reputation beyond reputeheba nada has a reputation beyond reputeheba nada has a reputation beyond reputeheba nada has a reputation beyond reputeheba nada has a reputation beyond reputeheba nada has a reputation beyond reputeheba nada has a reputation beyond reputeheba nada has a reputation beyond reputeheba nada has a reputation beyond reputeheba nada has a reputation beyond repute
افتراضي



الفصل الثامن والعشرون

الحب فعل ميزانه الثقة
مثقاله الأمان
يُرفع بالاحتواء
وغير قابل للجر

***
أسبوع قضته ببيته وهي زوجته شرعًا، سبعة أيام كاملة عاشتها في كنفه وهو مكتفٍ منها بقبلة أو احتضان عابر، سبعة ليالٍ كلما حاولت الفكاك من صغيرها تمسك بها أكثر والآخر لم يتذمر، حاولت تكييف طفلها على الوضع المستجد، لآخر ثلاثة ليالٍ كانت تنتظره حتى يغط في النوم ثم تُكمل ليلتها بالفراش الآخر حتى اطمأنت لاعتياد الصغير على غيابها لبعض الوقت، وفي الليلة الثامنة لزواجها تسللت بخفة بعدما غطَّ ضياء في النوم، دلفت غرفة نومهما وقد تشبعت باحتوائه لكل ما مرت به حتى الآن، أسر قلبها بلطف فقررت أن تخطو أولى خطواتها نحوه، دللت نفسها بحمام دافئ قبيل موعد عودته واختارت من خزانتها غلالة من الستان الأبيض تحتضن جسدها حتى ركبتيها وترتفع لتشكل قلبًا من الدانتيل عند الصدر، نثرت ذرات العطر الذي اختاره بنفسه لها وارتدت المئزر المصاحب للغلالة في محاولة للتغلب على توترها، سمعت صوت مفتاحه يدور بمغلاق الباب ويدلف على أطراف أصابعه كما اعتاد في الأيام السابقة، كان قد تخلص من قميصه قبل الوصول لغرفته، تمهل قليلًا عند الباب عندما لاحظها جالسة على حافة الفراش تضم كفيها فوق ساقيها تفركهما بارتباك،
حضوره مُهلك يبعثر كيانها بنظرة و يعيد لملمته بهمسة، أغلق باب الغرفة في خلوتهما الأولى منذ عُقد القران واقترب بهدوء يتأملها ببسمة حنون طالما منحتها رسالة أمان، وهي رغم معايشتها للموقف سابقًا أخفضت نظراتها خجلًا في محاولة فاشلة للفكاك من حصاره، جاورها وضم جسدها إليه يحيط خصرها بذراعه وبأنامل كفه الأخرى يرفع ذقنها لتقابل احتواء نظراته و صوته يدغدغ مسامعها:
ـ لو مش مستعدة...
يهدهد خجلها و يمنحها حرية الفِرار وهي لم تسمح له بتكملة؛ أغمضت جفنيها وهزة رأسها الخجول تمنحه شارة البدء هي لن تُثقل عليه أكثر وتستغل تفهمه فتسلبه حقه وهو كمن كان ينتظر إشارتها لتنطلق شرارات عشقه تلهبهما معًا، لثم شفتيها في قبلة مبتدئ شغوف وعنها فأناملها امتدت تستكشف لحيته وترتفع معه فوق غيوم الحب، لمساته الغير خبيرة تمنحها نشوة خاصة لم تختبرها قبلًا رغم سنوات زواجها تقابلها لمساتها المرتبكة، يُعلمها أبجديات عشقه ويصك جسدها ببصماته مزيلًا آثار آخر؛ وعنها كانت روحها تنصهر بلهيبه وتتشكل من جديد مدركة لحقيقة ما تعايشه للمرة الأولى، يسقيها ولعه بها فتطيب نفسها البِكر وتفيض بالرضا، نهضت تعيد ارتداء مئزرها وهي غارقة بخجلها، توجهت نحو نافذة الغرفة المظلمة تتطلع إلى النجوم المتلألئة بالسماء وضوء القمر يتسلل خلال الزجاج ورغمًا عنها انعقدت المقارنة بعقلها بين ما اختبرته لثمانِ سنوات وما عاشته توًا، لاحظ محمود شرودها فاقترب يحتضنها من الخلف ينحني ليستند بذقنه إلى كتفها ويهمس جوار أذنها:
ـ سرحانة في إيه؟
وهي ابتسمت برضا لن تستطيع إفساد لحظته تلك وجرحه بكونها قارنته برجل آخر وإن كانت المقارنة حُسمت لصالحة بجدارة، دارت بين ذراعيه فأسندت رأسها إلى صدره وأحاطت خصره بذراعيها مغمضة عينيها براحة وقد أدركت للمرة الأولى أنها ولثمان سنوات كانت زوجة لرجل منقوص الذكورة وللتو بدأت حياتها كزوجة حقيقية.
***
لأسبوع صارت خطيبة برتبة زوجة، تستمتع بدلاله وتبذل قصارى جهدها في مشاكسته، يجيد حصارها وهي تتقن ادعاء الهرب، اعتادت مقاطعته لطريقها مثلما تراه الآن بعد خروجها من عملها مستندًا بنصف جلسة إلى مقدمة سيارته التي صفها خلف سيارتها، تقدمت منه بابتسامة تربع ذراعيها أمام صدرها:
ـ خير يا باشمهندس
وهو اعتدل في وقفته يدس كفيه بجيبي بنطاله:
ـ عازمك على الغدا
ضربت ريم كفًا بكف وهي تسأله:
ـ وما قلتش ليه كنت جيت من غير العربية؟
وهو ألقى بنظرة إلى سيارتها وعاد إليها يجيب ببساطة:
ـ ما كنتش مقرر
ثم استطرد وهو يدور حول سيارته استعدادًا للركوب:
ـ أمري لله همشي وراكِ لحد البيت تركنيها وتيجي معايا
وكعادتها اعترضت وهي تهم بركوب سيارتها:
ـ ما تقول رايحين فين بدل اللفة دي
وهو هز رأسه نفيًا يمنحها غمزة بطرف العين وابتسامة متلاعبة:
ـ مفاجأة
ولم يمنحها الفرصة لمزيد من الاعتراض، استقل سيارته وأشار لها بالانطلاق ليسير خلفها تارة ويجاورها بسيارته تارة أخرى وصوت فيروز يصدح من مشغل اسطوانات سيارته
سلملي عليه
وقله إني بسلم عليه
بوسلي عينيه
وقله إني ببوس عينيه
ويصلها بوضوح لترتسم ابتسامتها السعيدة على وجهها، توقفت بإحدى إشارات المرور ليجاورها بسيارته ويرفع من صوت الأغنية
إنت ياللي بتفهم عليه
سلملي عليه سلم
يثبت عينيه عليها بنظراته العاشقة التي أربكتها تحاول تجاهلها وتثبيت نظرها للأمام ثم تعود لتختطف منه نظرة والصوت الشجي يدغدغ قلبها بلطف
قِله عيونه مش فجأة بينتسو
وضحكات عيونه ثابتين ما بينقصو
تصطدم بعينيه التي تحيطها بعشق فتُخفض نظراتها سريعًا ملتفتة للجهة الأخرى حتى لاحظ رجل المرور ما يدور فنهض يشير إلى رائد ببداية غضب ليرفع رائد يده مظهرًا حلقته الفضية بوضوح ويعود الرجل بنظراته إلى ريم التي رفعت هي الأخرى كفها مظهرة حلقتها الذهبية وعادت إلى رائد بنظرة لوم أنقذه منها تحول الإشارة إلى الأخضر وانطلاقها بسيارتها وهو انطلق خلفها ولايزال الصوت يصلها
مدري شو بو وبعرف شو بو
مطبوعة بذاكرته ما تبحثو عم تبحثو
سلملي عليه وقله إني بسلم عليه
بوسلي عينيه وقله إني ببوس عينيه
وصلا حيث منزلها فصفت سيارتها ثم جاورته بابتسامة والأغنية التي ما تلبث تنتهي حتي يعيد تشغيلها تكمل رسالته لها
هيدا حبيبي اللي اسمي بيهمسو
تعبان على سكوتو ودارسو
واضح شو بو ما تقول شو بو
عامل حالك مش عارف ما تحرأسو بتحرأسو
سلملي عليه سلم وقله إني بسلم عليه
ويردد بصوته معها مختلسًا النظرات لمجاورته المستمتعة بالصحبة
بوسّلي عينيه هو ومفتحهن عينيه
وبوسو بخدو طوللي عليه فهمت عليّ إيه وسلم
سلملي عليه
اختطف قبلة من وجنتها وهي توردت خجلا ولاحظت الطريق غير المألوف الذي اتخذه لتسأل:
ـ إحنا رايحين فين؟
منحها إحدى نظراته المتلاعبة متجاهلًا الإجابة، امتدت كفه إلى الجيب الخلفي لمقعدها ومنحها مسطرة ألوان موضحًا:
ـ اختاري درجات الدهان لحد ما نوصل
التقطتها تشرد بخيالها لتقرر اللون المناسب لكل غرفة بينما رائد يحتضن يسراها بيمناه حتى شعرت بتوقف السيارة فرفعت رأسها تستكشف الحي الشعبي ورائد صف سيارته في الزحام بمعجزة، نزل من السيارة وريم تبعته لترفع نظرها تطالع وجهتهما التي اتضحت لها وارتفع صوتها الضاحك من اختياره:
ـ البرنس!
التقط كفها ودلفا إلى المطعم الشهير، اختار رائد طاولة جانبية لتتجول ريم بنظرها في المكان وتعود إليه بسؤال:
ـ وهناكل إيه بقى؟
ابتسم رائد بخبث وأجاب دون أن يرضي فضولها:
ـ هتعرفي، أنا عامل الأوردر من بدري
دقائق وكان النادل يقدم طواجن الطعام وأبخرة اللهب تتصاعد منها ورائد يصف طلبه بحماس:
ـ طاجن عكاوي، طاجن كوارع، ورقة لحمة وملوخية
ازدردت ريم لعابها تحاول التماسك أمام تلك الأصناف، هزت رأسها بتفهم وامتدت يدها إلى صينية اللحم تقربها إليها بهدوء وتوضح:
ـ أنا هاخد اللحمة وإنت براحتك بقى
امتدت كف رائد تسحب الصينية ناحيته ونهض يلتف حول الطاولة ليجاورها، دس ملعقة بطاجن العكاوي ووضع بعضه بصحنها لتنظر إليها ريم شذرًا وهو يشجعها:
ـ جربي
التقطت الشوكة تحاول استخلاص قطعة اللحم من بين العظام وتذوقتها بشك، فاجأها المذاق المحبب فهزت رأسها إيجابًا لرائد الذي أخذ قطعة مماثلة بصحنه ثم التقطها بأصابعه يلتهمها باستمتاع ويتبع:
ـ بإيدك بقى ما تضحكيش الناس علينا
ابتسمت وشاركته متعته بمتعة مماثلة تستمتع بوجبتها الجديدة عليها، دس الملعقة بالطاجن الآخر واستخلص قطعة داخلية من الكوارع يقدمها إليها وهي تنظر لها مطبقة شفتيها بقوة وتعلن اعتراضها:
ـ لأ دي لأ
ورائد لا يعترف برفض:
ـ المدام لازم تشاركني اهتماماتي
أحاط عنقها بذراعه يثبت رأسها بقوة وبكف يده الأخرى يقرب القطعة من فمها وريم مستمرة على هز رأسها رفضًا:
ـ دي بتلعب
انتهز رائد فرصة حديثها ليدس القطعة بين شفتيها تلوكها بتوتر حتى ابتلعتها:
ـ طيب معقولة بس خليني أنا في العكاوي
حرر رائد رأسها وعاد لصحنه يستمتع بوجبته:
ـ إنتِ الخسرانة
أنهيا وجبتهما واتخذا طريق العودة إلى منزل ريم وتلك المرة كان مشغل الاسطوانات يصدح بأحد أغاني المهرجانات، ضربت ريم كفًا بكف وهي تضحك وتشاكسه:
ـ فيروز وبعدين مهرجانات طب إزاي
منحها رائد نظرة جانبية وعينيه تبتسم لضحكها، عاد بنظره إلى الطريق وهو يوضح من بين ضحكاته:
ـ ما هو بصراحة الأكلة دي دماغ مهرجانات
ضحكت ريم باستمتاع فوقتها معه يمضي بيسر بينما هو يتسلل إلى خلاياها بخفة، وصلا أسفل منزلها وقد حل الليل، قبيل نزولها من السيارة التفت رائد يؤكد عليها:
ـ أكدي على طنط معاد بكرة
هزت ريم رأسها إيجابًا وهي تودعه على وعد بلقاء لم تعد تطيق انتظاره.
***
صباح جديد أشرقت به شمس حياتها وقد تذوقت للدنيا مذاقًا جديدًا مزاجه الأمان الذي اختبرته منذ دلفت بيته زوجة له، قضت نصف نهارها برفقة طفلها، عاد هو لعمله بينما هي فضلت القيام بدور العروس لوقت أطول، ومع انتصاف النهار عاد لبيته ينعم بدفء الأسرة الذي افتقده منذ زواج غنى، أنهى وجبته الساخنة برفقة زوجته وطفل سكن قلبه وإن لم يكن من صلبه، بعدها كان جرس الباب يدق ليفتح محمود ويطالع غنى التي امتنعت عن استخدام المفتاح الذي تمتلكه حفاظًا على خصوصيتهما وهو جذبها للداخل يقبل رأسها فمنذ عُقد قرانه اكتفت شقيقاته بمهاتفته مانحين له خلوة مستحقة مع عروسه لكنه يعلم أن غنى خاصة هي من ستبدأ بكسر ذاك الاتفاق الغير معلن بينهن وهو ما أعلنته شقيقته عندما تعلقت بعنقه شوقًا:
ـ وحشتني يا حوده
ومحمود احتوى كتفيها وهو يغلق الباب ويسير بها نحو صالة البيت حيث صافحت هند معتذرة عن الحضور:
ـ آسفة إني جيت فجأة
وهند ابتسمت بود ترحب بها:
ـ البيت بيتك
وتركتهما لتدلف إلى المطبخ تعد واجب الضيافة بينما غنى وضعت حقيبة حاسوبها النقال على المنضدة، قبلت رأس الصغير الجالس أرضًا والذي ابتسم لها ببراءة وجاورت محمود تروي شوقها لجلسته، دقائق تجاذبت فيها أطراف الحديث مع شقيقها تخبره بكل ما حدث خلال أيامها الماضية كما اعتادت، التفتت لتُفاجأ بضياء الذي زحف بمقعدته جلوسًا حتى الطاولة يجذب حزام حقيبة الحاسوب المتدلي حتى كاد يسقط فوقه فانتفضت بذعر نحوه تمسك بالحزام لتجذبه من يد الصغير وصوتها ارتفع دون إرادة:
ـ لأ..لأ
والصغير بكى فزعًا لنهرها بينما هند تخرج من المطبخ لتصطدم ببكاء صغيرها، أسرعت خطواتها فوضعت الصينية التي كانت تحملها على المنضدة وانحنت تحمل ضياء تضمه وتقبل رأسه وتهمس باعتذار مقتضب:
ـ آسفين
ثم أسرعت حيث غرفتها تاركة غنى التي ذُهلت لرد فعلها تلاقي نظرات محمود وتبرر:
ـ والله يا أبيه ما أقصد أنا خفت يقع عليه
نهض محمود يتوجه إلى شقيقته التي يثق بسلامة نيتها ويعلم عفوية فعلها، قبّل رأسها ومنحها ثقته وتبريره:
ـ عارف بس هي بتخاف عليه زيادة علشان ظروفه
هزت غنى رأسها إيجابًا وحملت حقيبتها تستأذن بالانصراف ومحمود شعر بحزنها فحاول التمسك ببقائها:
ـ لسة ما شبعتش منك
وهي رفعت جسدها على أطراف أصابعها تطبع قبلة على وجنته وتجيب:
ـ مستعجلة علشان العيادة
أومأ موافقًا وودعها لدى الباب وعاد يبحث عن الأخرى وجد ضياء قد استسلم للقيلولة بغرفته وهي تزرع غرفتهما بتوتر، دلف مغلقًا بابها وعلامات غضبه بدأت بالزحف إلى قسمات وجهه اقترب خطوتين منها وهي توقفت تواجهه عندما سأل بصوت حازم:
ـ ممكن أفهم إيه اللي حصل؟
فركت كفيها ببعضهما بتوتر وأجابت مدافعة عن نفسها:
ـ ما أنا اعتذرت
اقترب محمود أكثر وقد بدأ صوته في الارتفاع قليلًا:
ـ عن إيه؟ ممكن أعرف إيه اللي خلاكي تاخدي الولد وتدخلي كدة واختي تمشي زعلانه؟
أشاحت بوجهها للجانب الآخر تجيب بارتباك:
ـ خدته ودخلت علشان منزعجهاش
انطلقت زعقته المستنكرة بوجهها:
ـ ومين قالك إنها منزعجة؟
اقترب أكثر يلوح بذراعه في الهواء وقد بُهت لتفسيرها الملتوي لرد فعل شقيقته، يضع معها النقاط فوق الحروف فقِصر فترة تعارفها بشقيقاته ربما هي السبب:
ـ من يوم ما قررت أتجوزك اعتبرتك إنتِ وضياء جزء من عيلتي
صوته المرتفع بانفعال صم أذنيها عن كلماته وهو يكمل:
ـ لكن لو هتفضلي معتبرة إنكم كيان منفصل مش هقدر أجبر أخواتي يتعاملوا معاكِ على الاعتبار ده
وهي لم تكن تعي شيئًا سوى اقترابه المنفعل وكفه التي يلوح بها وتنتظرها لتهوي على وجهها، انكمشت بخوف تغمض عينيها وترفع ذراعيها أمام وجهها في حركة دفاعية صُدم محمود لرؤيتها، صمت واقترب يرفع كفه يلمس كتفها برفق فانتفضت مبتعدة للمسته ليتأكد توقعه، تجمدت كفه في الهواء قليلًا ثم سحبها يضم قبضته جوار جسده بانفعال، لاحظت صمته ففرجت جفنيها بشك لتقابلها نظراته المتألمة قبل أن يقطر صوته حزنًا يصفعها بالحقيقة:
ـ لما تعرفي إنتِ مرات مين دلوقت نبقى نكمل كلامنا
والتفت يغادر، فتح الباب وتوقف يوليها ظهره:
ـ هستناكم تحت علشان أوصلكم الجلسة
وعنها فقد سقطت جالسة فوق الفراش وقد أدركت أنها لازالت أسيرة أشباح ماضيها التي تحرمها رؤية ما باتت تمتلكه، طالعت ساعة هاتفها فوجدت إن جلسة معالجة ضياء الفيزيائية لم يتبقَ عليها الكثير، بدلت ملابسها وانتقلت تُعد الصغير وترجلت لتجده بانتظارها بأحد سيارات الأجرة جوار سائقها فاستقلتها هي وطفلها دون كلمة، وصلا للمركز فدلفت مع الصغير ومحمود انصرف وبعد ساعتين كان بانتظارهما مرة أخرى ليعودوا إلى المنزل في صمت، دلف محمود غرفة النوم، بينما هند دلفت غرفة الأطفال حتى غطّ ضياء في النوم وتسللت بخفة تعود لزوجها، اندست جواره في الفراش واحتضنته من الخلف تستند برأسها إلى رأسه وتهمس معتذرة:
ـ آسفة
شعرت بتصلب جسده وعينيه المثبتتان أمامه فلفت وجهها تطبع قبلة على منابت لحيته وتعيد اعتذارها:
ـ ما تزعلش مني
التف ينام على ظهره ويحيطها بذراعه لتستقر رأسها فوق صدره يؤكد لها حقيقة:
ـ أنا عمري ما مديت إيدي على واحدة ست
دفنت وجهها بصدره تؤكد لنفسها حقيقة واقعها الجديد، تتمسك بما تمتلكه بالفعل وتحاول التخلص من ماضيها الذي يُفسد عليها حاضرها ومحمود طبع قبلة حنون على منابت شعرها وقد أدرك أنها كانت ضحية لحياة سابقة لن تستطيع تجاوزها بسهولة، ملأ صدره بالهواء يعيد عليها أمنيته:
ـ أنا كان عندي تلاتة هم أغلى حاجة عندي دلوقت بقوا أربعة
رفعت هند رأسها قليلًا تطالعه على ضوء القمر الخافت وهو أكمل:
ـ عايزك تعتبريبهم عيلتك
أومأت هند برأسها إيجابًا تطمئنه:
ـ بكرة هكلم غنى وأصالحها
ابتسم براحة يوضح لها:
ـ غنى بالذات بنتي؛ أنا اللي كنت بوصلها المدرسة وأرجعها ولو حد زعلها تيجي جري تشتكيلي
شرد وابتسم بسمة حنين لذكرياته مع الصغيرة التي تربت في كنفه:
ـ في حفلة تخرجها لما نزلت من المسرح جري عليَ حسيت بحاجة عمري ما حسيتها مع أخواتها
عاد بنظره إلى هند يكمل بوحه:
ـ يوم فرحها كنت عايز أخطفها وما اسيبوش ياخدها بس سكت علشان عارف إنها بتحبه
ابتسمت هند لحنانة وعادت برأسها فوق صدره تضم جسدها إليه، أي رجل هذا الذي منحها قدرها إياه ويجب عليها الحفاظ عليه.

***
باليوم التالي كانا على موعد جديد هي والسيدة رقية ورائد ووالدته في جولة بمحافظة دمياط لاختيار أثاث منزلهما، تنقلا بين المحال حتى اتفق العروسان على اختيار غرفة النوم بينما لم ترق لهما أي من غرف المعيشة، دلف أربعتهم إلى محل جديد وقد انتصف النهار لتجلس السيدة رقية على أقرب مقعد وقد أرهقتها الرحلة تنادي السيدة زينب للجلوس جوارها:
ـ تعالي نرتاح احنا شوية
والأخرى نال منها التعب فجاورتها بصمت بينما السيدة رقية توجه كلماتها إلى رائد وريم مضيفة:
ـ اتفرجوا انتو ولما حاجة تعجبكم نادولنا
هزت ريم رأسها إيجابًا والتفتت إلى رائد:
ـ تعالى نشوف أوض الأطفال
مطت السيدة زينب شفتيها ووجهت كلماتها إليها:
ـ ولزومها إيه بس
والنظرة واضحة والمعنى وصل بدقة وسهمها أصاب هدفه في مقتل لتلتفت إليها السيدة رقية مستفسرة بنبرة حادة:
ـ قصدك إيه؟
والأخرى تراجعت بارتباك تستدرك ما صدر عنها بتوضيح لم يرُق للجميع:
ـ أقصد يعني لما ربنا يكرم يجيبوا اللي نفسهم فيه
ورائد حسم الموقف أحاط كتفي ريم بذراعه يدفعها للسير معه وهو ينهي حديث والدته:
ـ لأ هنجيبها دلوقت
قادها بين غرف العرض وهي صامتة بينما كلمة والدته تتردد بعقلها مئات المرات وشيطانها يزيد عليها، ورائد وصله صمتها وجرحها جيدًا يحتضن كفها وهو يناقشها في الغرف المعروضة وهي مكتفية بهزة رأس رافضة، رافقا البائع وهما يشاهدان إحدى الغرف كان ظهر أحد الفراشين على شكل شخصية "سبونج بوب" بينما ظهر الفراش الآخر على شكل "بسيط" بألوانهما الطفولية المحببة والخزانة بلون سفينة وكل باب منها يحوي رسمة نافذة يظهر منها الموج، توقف رائد أمام الغرفة يحيط خصرها بذراعه يضمها إليه ويعلن:
ـ بس هي دي إيه رأيك؟
ابتعدت ريم عن احتضانه خطوة بخجل وهو اقترب تلك الخطوة يحيط كتفيها تلك المرة ويستفهم بنظرة عن رأيها لتهمس:
ـ حلوة
ابتسم رائد يشاركها خياله ولا يزال محتويًا لكتفيها بذراع ويلوح بالأخرى:
ـ وهرسم لهم موج على الحيطة علشان يعيشوا في قاع الهامور
ابتسمت ريم وشردت بخيالها تتخيل شكل الغرفة بمنزلهما بينما غصة لازالت عالقة بحلقها.
أوشكت الشمس على المغيب وقد نال التعب من الجميع فقرروا العودة للقاهرة، ساعات من السفر وكان رائد يودع والدته أسفل منزل نسمة والسيدة زينب تسأل:
ـ هتوصلهم وترجع
وهو أشار برأسه نفيًا وأكد:
ـ تعبان من السواقة هروّح
دقائق وكانوا أسفل منزل عائلة ريم، والسيدة رقية تدعو رائد للصعود:
ـ تعالى يا حبيبي كُل لقمة علشان تروّح تنام على طول
ورائد كان يتحين الفرصة للصعود رغبة في الاختلاء بتلك الصامتة، دلفو للمنزل وبعد السلام على السيد رفعت كان يجاورها بصالون بيتها، يتأمل صمتها وشرودها وهي كانت قد استسلمت لشيطان أفكارها الذي غرس مخالبه بقلبها طوال طريق عودتهم، يزلزل ثوابتها ويرسم أمامها مستقبلًا مظلمًا محفوف بالمخاطر، قطع رائد الصمت بسؤاله:
ـ ساكتة ليه؟
نهضت تتجه إلى نافذة الغرفة وقرارها يتردد بعقلها دون توقف حتى همست باختناق:
ـ طلقني يا رائد
وهو قطع المسافة الفاصلة بينهما في خطوتين يجذب عضدها بعنف يديرها إليه لتواجهه ويستنكر بانفعال:
ـ إنتِ اتجننتي؟
أخفضت نظرها بحزن تريد إعفاءه مما صوره لها خيالها تهز رأسها نفيا وصوتها يئن:
ـ إيه يجبرك تتجوز واحدة...
قطع جملتها بشفتيه يلتهم حروفها يخرس حماقاتها التي يعلم أنها ستتفوه بها، أغمضت عينيها تستمتع بمذاق شفتيه الذي يروي أنوثتها العطشة وهو غاب معها حتى ذاق ملوحة دموعها، فرّج جفنيه وابتعد ليواجه عينيها الدامعتين ويهمس أمام شفتيها بلومه:
ـ ما كنتش أعرف إنك ضعيفة كدة
وهي نطقت من بين دموعها:
ـ ضعيفه!
ضم رائد جسدها إليه أكثر بذراع وبالأخرى يمسح بإبهامه خط دموعها عن وجنتها:
ـ كنت متخيل إنك هتدافعي عن حقك فيَ مش تتنازلي عني
وريم شعرت بخذلانها له هي لم ترغب بالتخلي عنه وإنما منحه فرصة أفضل من تمزق تراه بينها وبين والدته وعنه فقد قرأ أفكارها ويعلم ما الذي أجج نيران قلبها:
ـ احنا منقدرش نغير أفكار متوارثة لكن نقدر أننا ما نسمحش للأفكار دي تتحكم في حياتنا
تلجلجت الكلمات على لسانها وهمست بارتباك:
ـ أنا...
أكمل رائد جملتها وهو ينحني ليطبع قبلة مطولة على وجنتها:
ـ إنتِ مجنونة بس أنا بحبك
والكلمة انطلقت من بين شفتيه تستقر بقلبها الغض فتزهر ربيعًا طال انتظاره، ملأت صدرها بالهواء تستمتع باستسلامها بين يديه وهو يضم رأسها إلى صدره تغمض عينيها لتنهل من الأمان الذي تمنحها لها نبضاته، انتفضت بذعر خجِل تبتعد عنه عندما سمعت صوت أمها:
ـ يا ابني اصبر لما تبقى في بيتك
وهو تراجع خطوة بارتباك سرعان ما تداركه وانحنى يلتقط هاتفه وسلسلة مفاتيحه عن الطاولة ويعلن انصرافه والسيدة رقية تدعوه للطعام الذي تحمله عندما مر جوارها يختطف قبلة من وجنتها هي الأخرى معتذرًا:
ـ تسلم إيدك يا جميل
وضعت السيدة رقية صينية الطعام وهي تحاول السيطرة على ضحكها، تضم أصابعها أمام ذقنها مندهشة:
ـ الواد بياكل بعقلي حلاوة علشان قفشته
كان رائد قد وصل عند الباب عندما التفت يمنح ريم المتوردة خجلًا غمزة عابثة قبيل انصرافه.
***
عام ونصف منذ غادرها، ثمانية عشر شهرًا مرت عليها بدلتها لأخرى لا تعرفها، الحياة التي سحقت روحها بين رحاها ولا تزال تُكبل عنقها بأغلال المسئولية التي لن يتحملها غيرها شاءت أم أبت رغم كاهلها الذي ناء بحمله إلا أنها لا زالت صامدة تشد قدميها بالأرض لتصل بطفليها حتى نهاية الطريق الذي تراه، تعلم صعوبة خيارها وتأمل الاستمرار به مكتفية بانهيارها وحيدة تارة وتغلبها على وحدتها كثيرًا بمضادات الاكتئاب التي باتت رفيقة دربها لتبدأ يومها من جديد كجبل راسخ لا ينحني أمام رياح الدنيا، واليوم كانت على موعد مع أحد واجباتها التي لن يؤديها غيرها، اصطحبت طفليها إلى بيت السيدة درية، فتحت باب البيت بمفتاحها بطلب من جدة طفليها الملازمة لفراشها معظم الوقت، رفعت صوتها تنادي السيدة عقب دلوفها ليأتيها الصوت الحنون من غرفة النوم ينادي الطفلين اللذين انطلقا إلى أحضان جدتهما، غمرتهما بقبلاتها تُقبل رأس نادين تارة وتارة أخرى تتشمم عبق الصغير الذي يتحول إلى نسخة مطابقة عن والده بمرور الزمن:
ـ ريحته فيك يا حبيبي
ونور ينهل من حنانها كعادته ونسمة تقدمت تُقبل رأس السيدة درية وتجلس على المقعد المجاور تعتذر عن تقصير غير مقصود:
ـ آسفة إني انشغلت عنك شوية بالشغل والولاد
والسيدة الحنون ابتسمت بتفهم:
ـ ربنا يعينك
والتفتت إلى نادين تربت على كفها وتحدثها:
ـ قومي يا حبيبتي خدي أخوكي وفي فاكهة في التلاجة طلعوا وكلوا
ونسمة حاولت الاعتذار لكن نظرة السيدة درية أخبرتها أنها تريدها بعيدًا عن سمع الأطفال، عقب خروجهما التفتت السيدة درية لنسمة وبصوت حنون:
ـ أنا ليَ عندك طلب يا بنتي
استطاعت الحصول على اهتمام نسمة وهي تكمل:
ـ بيت نادر وشركته يفضلوا لولاده بس
ضيقت نسمة حاجبيها بعدم فهم لتوضح السيدة درية ببعض خجل:
ـ قصدي يعني لو في يوم فكرتي في الجواز
ابتسمت نسمة بتفهم وامتدت كفها تربت على كف السيدة درية مطمئنة:
ـ ما بفكرش في الجواز
ربتت السيدة درية على كف نسمة بكفها الأخرى تؤكد:
ـ متعرفيش بكرة في إيه بس طلب كان نفسي فيه
منحتها نسمة كلمتها فحتى هي لن تستطيع السماح لآخر بوضع قدم بمكان بذل نادر عمره من أجله.
***
ثلاثة أشهر مرت وهي تصارع أشباح ماضيها فتنتصر عليها تارة وتهزمها تارة أخرى، تقاوم هواجسها التي تطاردها كل يوم وتسلبها متعة واقعها الجديد، ملت توقع الأسوأ الذي لم يأتّ حتى الآن وحاولت مرارًا التمسك بصوت داخلها يخبرها أن ذلك الأسوأ موجود فقط بأفكارها، حتى ذلك التوقع الذي تجاهلته طويلًا شكًا وخوفًا من المجهول لكن بعد غياب عادتها الذي طال لم تستطع سوى قطع شكها باليقين، أجرت الاختبار وانتظرت دقائق حتى أعلن عن جنين يسكن رحمها، قبضت على المستطيل الأبيض بكفها واختلاط مشاعرها يربكها، هي التي ظلت لسنوات تحلم بطفل حتى منّ الله عليها بضيائها ثم...، ثم لأجله لم ترغب بسواه، جلست على حافة المغسلة وقد أُسقط في يدها فها هو أحد أشباحها يعود ليطارد واقعها، رغمًا عنها سالت دموع خوفها، ألقت بالاختبار بسلة المهملات وخرجت لتجد محمود بوجهها وقد استرعت دموعها انتباهه ليستفسر عن سببها وهي همست بتيه:
ـ أنا حامل
انشرح صدره وأقبل يضمها إليه بسعادة ويردد مباركته لتُخرجها سعادته من تيهها ترفع نظرها إليه وقد زادت دموعها بعد سيطرة أسوأ هواجسها عليها، تخشى على طفلها من تبدل معاملته ولا تستطيع رفض آخر هو قطعة منها فتردد سؤالها:
ـ وضياء؟
فهم محمود هاجسها فابتسم مطمئنًا يدلك عضديها وصوته السعيد يجيب:
ـ بدل ما في اتنين بياخدوا بالهم منه هيبقوا تلاته
أومأت إيجابًا رغم خوفها الذي همست به:
ـ خايفة
للمرة الثانية تعلن خوفها وهو يطمئنها وتلك المرة ضم رأسها إلى صدره بكفه وذراعه الأخرى تحيط خصرها يمنحها أمانه الذي لم يبخل به:
ـ ما تخافيش
وهي أغمضت عينيها تستسلم لهدهدته تتمسك بظنها به الذي لم يخِب حتى الآن وتعلم أن الزمن فقط كفيل بطرد المتبقي من أشباح ماضيها.


خاتمة

شمالًا أو جنوبًا كلُ يروي غرسه
تنبُت بذرة اليوم وكلٌ يحصد حرثه


***
بالشمال عبر البحر المتوسط وبأحد نهارات صيف جينيف الدافئ كانت حديقة السفارة المصرية مزينة بالزهور البيضاء في كل جانب وعلى الطاولات المنتشرة تجاور كؤوس المشروبات وقطع الشيكولا السويسرية الفاخرة، بصدر الحديقة كانت العروس وسط أصدقاءها بثوب عرسها اللافت على شكل حلة قفز من الشيفون بطانته على شكل ثوب سباحة من قطعتين ويعلوه فروع أشجار من الدانتيل الأبيض تتناثر عليها بعض زهرات صغيرة باللون الوردي تغطي الثوب من أعلى منتهية عند الصدر لتكشف كامل الكتفين دون كم أيسر بينما تمتد الفروع تغطي الكم الأيمن للثوب وتسير على الحلة بطول الساق اليسرى لتنتهي أعلى الحذاء الفضي المرتفع بينما تترك الساق اليمنى مكتفية ببعض فروع أسفل الركبة ومظهرة بشرة صاحبته بسخاء، من الوسط كان يلتصق بالثوب تنورة من الدانتيل على جانب واحد من الأمام تنتهي أعلى الفخذ الأيمن بينما تمتد من الخلف بطول الحلة، تركت العروس صديقاتها وتوجهت حيث ماهر الذي كان يتوسط والدها وبعض رجال السفارة تجذب ساعده:
ـ ماريو تعالى أعرفك على أصحابي
استأذن ماهر من مرافقيه بإيماءة رأس وابتسامة وأحاط خصر سيليا بذراعه والكف الأخرى يمسك بكأس مشروبه الكحولي يسير معها حيث تجمع أصدقاءها من الجنسين، تولت سيليا مهمة التعريف بدأت بالفتيات
ـ آنّا، ريا، مادلين
تقدمت كل فتاة تمنح مباركتها لماهر وتبادله القبلات المهنئة بالعرس ثم انتقلت سيليا للشباب مكملة:
ـ جاكوب، ماركوس، ستيف
حرر ماهر خصر سيليا وصافح الشباب ثم عاد ذراعه يُلصقها بجسده ويطبع قبلة على وجنتها، بعدها كان منظم الحفل يدعوا العروسين لتقطيع قالب الحلوى الكبير الذي توسط الحديقة، أمسكت سيليًا بالسكين الكبير بينما ماهر يمسك بكفها ليمررانه في قالب الحلوى إيذانًا ببدء توزيعها على المدعوين، بعدها التفت ماهر يلتهم شفتي سيليا في قبلة مطولة أحاطت فيها عنقه بكفيها وارتفع لها تصفيق الحضور وصافراتهم وتلك كانت بداية لقصة أخرى.


***
لأشهر اكتفى بمراقبتها عن بعد، يتتبع أخبارها، نجاحاتها وثباتها بالسوق تلك التي زلزلت مفاهيمه بتناقضاتها، بعثرت كيانه وتركته بقسوة لا يلومها عليها لذا اكتفى برؤيتها بعد أن حُرم قربها وطُرد من جنته التي تخيلها بين يديها، حفظ أماكن ترددها عن ظهر قلب ومواعيد تدريبات طفليها التي بات مداومًا عليها أكثر منها لا يُفلت موعدًا لمراقبتها بين الخضرة لساعتين أو أكثر دون أن يسمح لها بملاحظة وجوده كما هو حاله الآن، يقف متوارٍ خلف أحد الأشجار مما يسمح له بمتابعتها على طاولتها القريبة، شعر بكف صغيرة تحط على ساقه فأخفض نظره ليواجه الوجه الملائكي البريء، جلس على ركبة ونصف ليكون بمستوى أقرب للوجه الدائري الممتلئ، ابتسم الصغير ببراءة فاحمرت وجنتيه البيضاء بصفاء طفولي ليبادله حسام البسمة بعفوية، سمع صوت نسائي ينادي الطفل ويقترب:
ـ ضياء...
رفع حسام رأسه ليطالع هند وقد انتفخ بروز بطنها تتقدم ببطء من الصغير ليسألها:
ـ ضياء؟
أومأت برأسها إيجابًا تزدرد لعابها للمفاجأة، امتدت يدها تُمسك بكف الصغير ويد حسام امتدت ترفع كف ضياء الأخرى ليطبع قبلة عليها ابتسم لها ضياء مجددًا قبل أن تصحبه هند وتسير باتجاه الطاولة تحت أنظار الآخر الذي تعلقت عينيه بخصلات الصغير السوداء المتراقصة مع خطواته.
نهض منصرفًا ليصطدم بإحداهن عندما التفتت فجأة، تراجع خطوة معتذرًا يطالع الأخرى مرتدية بنطال من الجينز الأسود الضيق يُفصل ردفين ممتلئين باعتدال وخصر نحيف يعلوه قميص من الشيفون الأصفر يُظهر أسفله بلوزة باللون الأسود ملتصقة بجسدها تماما لتُظهر الصدر والظهر حتى المنتصف وتعكس بياض بشرة صاحبتها، ارتفع بصره لوجه ذلك الجسد المثالي ليواجه شفتين ممتلئتين بإغواء وعينين بلون البحر يُقسم أنهما عدستين لاصقتين وشعر مصبوغ باحتراف بين الأشقر والبني، ضيّق حاجبيه يحاول تذكر الوجه المألوف لتبادر هي بمد كفها تصافحه بسؤال:
ـ حسام القناوي؟
مد كفه بالمقابل يصافحها ويستفسر:
ـ أنا شفت حضرتك فين قبل كدة؟
ابتسمت تُعدل من خصلاتها وتذكره بنفسها:
ـ قوت
والاسم كان كافٍ تمامًا فتلك التي تصغره بأربعة أعوام كانت حديث الجامعة يومًا ما.
***
قضى عمره الفائت بين عمل ودراسة بحثًا عن مجهول لم يكن يدرك كنهه حتى اقترب منها ووجد اكتماله معها، تسللت إليه في غفلة منه كأخت ولم يدرك تشبع ذراته بحبها إلا عندما صارت بين ذراعيه زوجة فعرف معنى السكن عندما سكنت أحضانه واليوم موعد توحدهما الذي انتظره منذ عزم على الاقتران بها، ارتدى حلة العرس السوداء مع رباط عنق أسود يناقض بياض قميصه المتماشي مع زهرة تيوليب بيضاء وحيدة زينت جيب سترته العلوي، ترك غرفته بالفندق الفاخر المقام به العرس وسار بالرواق المؤدي إلى جناح العروس، طرق باب الغرفة فتأخر الرد، بالداخل كانت الفتاة المكلفة بتزيين العروس قد وضعت اللمسات النهائية لريم، سمعن طرق الباب فتحدثت هدير المرافقة لريم:
ـ دي أكيد ولاء مكلماني من ساعة وقايلة جاية
طُرق الباب مرة أخرى فتوجهت هدير لفتحه وهي تتوعد صديقتها للتأخير لتواجه رائد، ابتسمت بود وخرجت تسحب باب الغرفة خلفها بشبه انغلاق تمنعه عن رؤية عروسه بالداخل وهو اعترض لفعلها:
ـ عايز أشوف ريم
والشابة ترفع كفها أمامه وتتمسك بالباب معترضة طريقه:
ـ ما ينفعش دلوقت
ورائد لا يُجدي معه رفض ثبّت نظره على نقطة وهمية خلفها على الحائط وأشار لها بعدم الحركة وكأنه رأى شيئًا، صوته المتحدث بهمس أثار الريبة بنفس هدير وهو يخبرها:
ـ صرصار بيطير أوعي تتحركي
والصغيرة انتفضت مبتعدة بذعر ليضحك رائد ويدلف للغرفة مغلقًا الباب خلفه ويشير بأصابعه للمخدوعة بعد أن اكتشفت مكيدته التي سقطت بها كأي فتاة غرة، دلف رائد يطالع ريم التي وقفت تواجهه عندما سمعت صوته، ذُهل لهيئتها الملكية فالثوب الستان بلون العاج يحتضن جسدها برقي ويعلوه خيوط من التطريز الفضي المطعم بأفرع أشجار تمتد على طول الثوب من أسفله حتى تتفرع على الصدر والأكمام المصنوعة من الشيفون ليعكس قمحية بشرتها أسفله، الثوب الذي ينسدل حتى القدمين بشكل ملاصق لجسدها ويحوي تنورة خلفية تبدأ من الوسط وتتسع بتموجات حوله لتمتد للخلف بطول متر تمنحه مظهرًا أسطوريًا زاده تاج من أفرع الأشجار الفضية زين رأسها وانسدلت منه طرحة العرس القصيرة التي زادتها رقة ووقارًا، تقدم رائد بأعين مشدوهة يُمتع نفسه بما يرى وريم أخفضت نظرها خجلًا عندما أمسك رائد بكلتا كفيها يرفعهما إلى شفتيه فيطبع قبلة رقيقة على كل منهما:
ـ يا بختي بقى
رفعت ريم نظرها بسعادة وهو رفع ذراعها يديرها دورة كاملة حول نفسها ليشاهد الثوب بالكامل ليتوقف بصره على ظهر الثوب المصنوع بالكامل من الشيفون مكتفيًا بأفرع الأشجار المطرزة التي تحتضنه من الجانبين وصف من الأزرار بلون العاج بالمنتصف لينطلق اعتراضه:
ـ يا خبر أسود
صُدمت ريم وتوقفت تواجهه وتُضيق حاجبيها بغيظ وهدير التي دلفت مجددًا تدخلت في محاولة لإنقاذ الموقف:
ـ ماله يا باشمهندس بس
التفت إليها رائد وهو يكبح غيظه بصعوبة يكز على أسنانه فتبرز عظام وجنتيه:
ـ ماله! إيه الضهر ده
ثم التفت إلى ريم ولم يستطع التخلي عن عبثه الذي فهمته وحدها:
ـ وأيه كل الزراير دي؟
ابتلعت خجلها وردت ببعض تحد لم تعد تجيده أمامه:
ـ الفستان عجبني
مط رائد شفتيه بعدم رضا يعترف أن الثوب ملكي ويليق بها لكنه غير راضٍ:
ـ يعني إنتِ تقفلي الشبابيك قدام تفتحي المنور
وريم لم تتمالك نفسها من الضحك على كلمته بينما هو دس كفيه بجيبي بنطاله وأصدر أمره:
ـ مش هتنزلي كده
صدمت ريم لما تفوه به وعاد اعتراضها للطفو:
ـ يعني إيه وهعمل إيه دلوقت
رفع رائد كتفيه بعدم اهتمام وأجاب:
ـ معرفش اتصرفوا وغطوا الضهر ده
تقدمت هدير تحاول علاج الموقف باقتراح:
ـ ممكن نطول الطرحة تغطي الضهر
وهنا تدخلت الفتاة المختصة بالزينة باعتراض:
ـ ما ينفعش يا آنسة الفستان بديل الطرحة المفروض لحد الكتاف أو نص الضهر بالكتير
أمسكت هدير بكف ريم تعيدها لتجلس أمام المرآه وتؤكد:
ـ هنطولها لحد الوسط مش مشكله
ورائد قطع اعتراض الفتاة الأخرى التي ودت بالحديث فابتلعت كلماتها:
ـ أعملي اللي قالت عليه من سكات
حلت طرحة العرس وأعادت وضعها بشكل أطول مع الحفاظ على تموجاتها، ألقى رائد نظرة رضا نهائية ثم منح ريم ساعده لتتعلق كفها به:
ـ يالا على السيشن
تعلقت ريم بساعده والتفتت إلى هدير مستفسرة:
ـ ولاء اتأخرت قوي
والأخرى كانت بالأسفل بمدخل الفندق على موعد مع اصطدام على حين غرة عندما حاولت الدلوف إلى المصعد بينما كان أحدهم يحمل الكثير من الحقائب ويخرج دون انتباه لتصطدم به وينزلق كعب حذائها الرفيع في الفراغ بين المصعد والحائط كادت تسقط لينتبه الآخر يحيط بخصرها في دعم سريعًا ما تراجع عنه عندما نهرته:
ـ إيدك
رفع كفه باعتراض وهي حاولت استعادة توازنها وسحب حذاءها ليخرج دون كعبه الذي سقط إلى غير رجعة، أخفضت ولاء نظرها تطالع حذاءها الذي فسد وأفسد يومها ثم عادت بغضب للآخر الذي كان يلملم حقائبه المتناثرة بفعل الاصطدام:
ـ عاجبَك كدة!
ألقى الرجل نظرة إلى الحذاء ثم عاد إليها معتذرًا:
ـ آسف
والأخرى لم تعد تعرف كيفية التصرف بينما لا تستطيع السير بحذاء ونصف فصبت غضبها على من أمامها:
ـ هعمل إيه بأسفك؟ هحضر الفرح إزاي دلوقت ده أنا مش عارفة أمشي خطوة
تنحنح الرجل الذي لم يجد ما يستطيع تقديمه سوى عرض المساعدة:
ـ عربيتي قدام الأوتيل ممكن نروح نشتري واحدة تانية
تخصرت ولاء بكف وأشارت نحوه بسبابتها بغصب أكبر:
ـ عايزني أركب معاك العربية!
ـ إنتَ فاكرني إيه
والرجل لا يجد ما يقدمه أكثر أضاف بتوضيح:
ـ أنا قصدي بس أصلح اللي حصل
طالعته ولاء بشك، هيئته المحترمة لا تشي بشاب عابث، خصلات بنية قصيرة وعينين بلون البن يظهران أسفل عوينات طبية أكسبته وقارًا مع حلته الكحلي، هي لا تجد ما يمكنها فعله غير الاستعانة به فأومأت إيجابًا وسارت معه بعد إشارته المشجعة، وضع الأكياس التي يحملها بحقيبة السيارة وانتقل لمقعد السائق يشير للواقفة جوارها بتوجس للركوب وولاء بعد تردد فتحت باب السيارة الخلفي لتركب تحت دهشته لكنه لم يعترض، وصلا لأقرب محل أحذية فهمّ بالنزول ليمنعه صوتها:
ـ استني؛ إنتَ فاكرني هخليك تشتري ليَ
توقف وعاد لمقعده وهي نزلت تعرج حتى المحل، دقائق وكانت تنتعل آخر وتسير بثقة بثوب سهرتها الكلاسيكي عائدة إلى مقعد السيارة الخلفي ليعودا حيث الفندق ويصف سيارته ويترجل سريعًا يلحق بالهاربة نحو بوابة الفندق يستوقفها:
ـ متعرفناش
مد كفه يصافحها بأدب:
ـ رائف
وهي نقلت نظرها بين وجهه وكفه بعدم رضا وتركته ودلفت للفندق تلحق بصديقتيها فقد تأخرت عليهما بسببه والآخر خلفها ينادي:
ـ يا آنسة، اسمك طيب، يا سندريلا
***
بقاعة العرس كان صوت صابر الرباعي يصدح
الليلة دي أنا ملكت الكون بحاله
وياك إنت حبيبي أنا
ورائد يمسك بخصر ريم التي تستند بكفيها إلى كتفيه يتمايلان مع أنغامها الساحرة
م اللحظة دي أنا هتتغير حياتي
وهتبقى أحلى مع حبنا
يفرد ذراعه ممسكًا بكفها لتفرد هي الأخرى ذراعها وتدور لتعود بأحضانه مرة أخرى
حبيبي إنت وأنا بقينا قلب واحد
عقل واحد روحين في روح
يرفع ذراعه ممسكًا بذراع ريم للأعلى فتدور حول نفسها دورة كاملة ثم تعود بين ذراعيه مرة أخرى
حبيبي كل يوم هقولك يا حبيبي
هتفضل حبيبي مليون سنة
يلصق جبينه بجبينها وهو يأسر عينيها هامسًا بالكلمات التي اختارها بنفسه
خدني حبيبي لعالم تاني بعيد
في حياة وجديد أفضل معاك على طول
إنت اللي عشت حياتي منايا ألاقيه ومنايا أراضيه
طول الحياة وفي هواه مشغول
يحملها من خصرها باحتضان ويدور دورة كاملة حول نفسه ثم ينزلها طابعًا قبلة على جبينها.
في طاولة جانبية كانت نسمة تجلس وحيدة تشاهد الحفل وقلبها يرقص معهما، اقترب فارس بخطوات متمهلة ليجاورها وكلمات الأغنية التي تتردد وتعبر عنه تدفعه دفعًا ربما نال ما عاش طويلًا يتمناه، ألقى بنظرة نحو لمى التي جاورت نادين ونور جوار المسرح الذي توسط القاعة واعتلاه ريم ورائد وعاد بنظره إلى مالكة عقله وروحة وهي طالعته بفهم لمغزى نظراته، تشفق عليه من حب لا ترى جدواه له بينما هو متمسك بأمل يراه وحده دونها، همست بإجابة سؤاله الذي طرحته نظرته عليها:
ـ القرار صعب
ابتسم فارس بتشجيع يكمل:
ـ لكن مش مستحيل
هزت نسمة رأسها يأسًا منه:
ـ مش هقدر آخده
نظرات حنانه التي لا يكف عن إرسالها أربكتها وهو يؤكد:
ـ هستناكِ لحد ما تاخديه
ملأت صدرها بالهواء وزفرته في محاولة لاستدعاء صبرها، لماذا لا ييأس منها فقط ويتركها:
ـ ما أقدرش أوعدك
ومن عاش بحب يئس منه طويلًا لن ييأس الآن وإن كانت تُجدد عدم قبولها في كل مرة:
ـ كفاية عليَ أكون قريب منك
صمتت وعادت لتشرد في رقصة شقيقها وصديقتها، فبين حاجة لمن تستند إليه للمتبقي من عمرها وعدم قدرتها على استبدال من لم تعرف غيره زوجًا تبقى هي ممزقة ولا تمتلك إجابة طلبه وحده الزمن قادر على ترجيح أي من الكفتين.





تمت بحمد الله
الرواية التي بدأت كفكرة وكُتب أول مشاهدها في رمضان ١٤٣٧
يونيو ٢٠١٦
لتظل حبيسة رأسي حتى نُشر أول فصولها في
١٨ ديسمبر ٢٠١٩
وكُتبت آخر كلماتها في يوم الجمعة
١٨ سبتمبر ٢٠٢٠
٨ مساءً

كلمة
عن نسمة؛ نسمة لم تكن تلك البطلة التي خلقتها لأمنحها فرصة أخرى وإن تمنيت بداخلي أن أمنحها إياها ولكن نسمة هي كل امرأة معيلة سحقتها الحياة بين رحاها وأجبرتها على لعب دورًا لم يكن يومًا لها وهي كانت على قدر المسئولية رغم ما تتكبده لقاء ذلك
نسمة هي بائعة الخضروات التي نمر عليها كثيرًا دون معرفة القصة خلفها، هي ربة البيت التي انحنت خلف ماكينة حياكة، هي الموظفة التي خرجت لتعيل أبناءها أي كان السبب، فإن التقيتم بإحداهن يومًا فاتركوا لهن القرار فكل نسمة منهن وحدها من تملك حق تقرير مصيرها فلن يحيا أحدٌ كان حياتها ليقرر عنها حتى أنا







في النهاية
قارئي العزيز
بين يديك قطعة أودعت بها جزءً من روحي أرجوا أن تتقبلها بقبول حسن
هبة ندا
وإلى اللقاء في
بذور الماضي





heba nada غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس