عرض مشاركة واحدة
قديم 23-11-20, 03:21 PM   #20

Fatima Zahrae Azouz

مشرفة قصرالكتابة الخياليةوقلوب احلام وقاصةهالوين وكاتبةوقاصةفي منتدى قلوب أحلام وحارسة وكنز سراديب الحكايات وراوي القلوب

 
الصورة الرمزية Fatima Zahrae Azouz

? العضوٌ??? » 409272
?  التسِجيلٌ » Sep 2017
? مشَارَ?اتْي » 3,042
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Morocco
?  نُقآطِيْ » Fatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond reputeFatima Zahrae Azouz has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

الفصل السادس عشر

لا تحبني لأنني مرحة أو لأنني رائعة
أو لأن أفكاري تعجبك وذوقي بالثياب يجذبك!
أو لأن ملامحي جميلة وشخصيتي عميقة
حبّني بالسوء الذي أكرهه وعيوبي التي أخفيها عن الجميع
أريدك أن تشعرني بالراحة بمجرد وجودك
أشعر بالأمان بالنظر في عينيك
أن تحب خوفي الذي لا يطيقه أحد
ومزاجيتي التي ترعب الجميع .

مرت الأيام تباعًا وقد شفيت جراح مازن كاملةً وسط اهتمام من والدته وهدير التي بالرغم من كل ما حدث آثرته على نفسها وانتصر قلبها على غضبها فشاركته أيام مرضه حتى أصبحت صحته على ما يرام.
استغل هذه الأيام في محو أي أثر للغضب أو الثورة التي كانت تعبث بداخلها نحوه!
فُكت جبيرته ، وشُفي جرح رأسه ، ونزع رباط كتفه إلا من ضمادة بسيطة ملتفة حول الباقي من جرحه حتى يكتمل شفاؤه .
وفي أحد الأيام..
كانت هدير في مكتبها تتابع مقالها الجديد التي ترتب له ومنتظرة النسخة المطبوعة من العدد الأول لمقالها الذي كتبته عن فساد الxxxxات .
-"هديــــر"
هتف بها محمد الذي دخل فجأة بدون طرق باب ، أو جذب انتباهها ، جعلها تغص في قهوتها فسعلت بشدة حتى احتقن وجهها فأصبح كالبندورة.
طالعته بنظرات مشتعلة تكاد تفتك به ، واضعة قبضتها على فمها تحاول الحد من السعال ، وما يزيد سخطها النظرة البلهاء التي يطالعها بها ممسكًا بكوب ماء يناوله لها .
شربت نصفه وألقت البقية في وجهه بغيظ هاتفة :
-"قولت لك للمرة اللي مش فاكرة الكام متدخلش عليا داخلة البوليس دي يا محمد.. هتموتني وربنا في مرة منهم"
-"العاشرة"
قالها بهدوء فطالعته بتعجب متساءل فاستطرد قائلًا ببلاهة:
-"دي المرة العاشرة اللي تقولي لي فيها كده"
طالعته بصمت مبهم ، تضيق عينيها مثبتة نظراته عليه ، ثم تنفست بعمق ومدت ذراعيها نحو الباب مشيرة له بسبابتها قائلة بهدوء مميت :
-"اطلع برا يا محمد ، ويستحسن مش عاوزة أشوفك طول اليوم"
دلفت منار في تلك اللحظة فرأت هيئتهما هذه ، استحالت نظراتها بينهما فزفرت بيأس فقد علمت أن محمد فعل إحدى أفعاله التي تثير الغيظ ، وضعت الأوراق على مكتبها وارتمت على كرسيها :
-"خير يا محمد عملت لها إيه تاني؟"
نظر لها بصمت ثم رفع كتفيه بلامبالاة رافعًا كفه الممسك بالجريدة يناولها لهدير :
-"معرفش مالها دي.. كنت جاي أوريها أول نسخة من المقال بتاعها"
جذبتها منه بلهفة وتشوق لرؤيته وكأنه مقالها الأول ، تتشرب أحرفه شربًا بأعين واسعة كالجرو.
لاحظا تغير تعابير وجهها ، انعقاد حاجبيها ، توسع عينيها بدهشة وشهقة طفيفة صدحت منها متفاجئة فنهضت من مكانها تقف بجانبها تقرأ ما نُشر هي على يمينها ومحمد على يسارها ، فلاحظوا أنه حدث تغيير في نسق المقال و تم حذف جزء منه ليتم نشر هذا الجزء فقط..
"قضية سقوط الxxxxات"
والسبب فيها يدور حول شركات ومصانع المقاولات الفاسدة والتي لا تهتم بصلاحية وصحة مواد البناء التي تنتجها.
وبين مهندسين وعاملين منعدمي الضمير ، لا يتقنون عملهم وكل ما يهمهم المال فقط.
والضحية؟!
أناس أبرياء تزهق أرواحهم وتدفن تحت الأنقاض وكأنهم لا يسوون شيئًا.. الخ"
أصابها ما قرأته بصدمة ، فقد حدث تلاعب في الأمر!
المقال الذي أُرهقت حتى تكمله تم التلاعب به ونشره ناقص بهذا الشكل!
و يا ليته الناقص هيّن ، بل حُذف منه تسعون بالمائة!
جعدت الجريدة في قبضتها بعنف ، وتسارعت أنفاسها فظلت تقطع الردهة ذهابًا و إيابًا تكاد تحفر خندقًا في الأرض بسبب خطواتها ، كادت أن تخرج فسابقتها منار بالسؤال :
-"رايحة فين؟!"
-"هروح لرئيس التحرير أشوف إيه اللي حصل بالضبط؟!"
أجابها محمد هذه المرة :
-"بس رئيس التحرير خرج في ندوة مهمة فمش موجود"
أعادت خصلاتها للخلف بعنف تعض على شفتها حتى كادت تنزف ، وخرجت منها زمجرة غاضبة!
أمسكت بهاتفها تتصل بالمطبعة المسئولة عن النشر تستفهم منهم ما حدث وما أن أجاب مدير المطبعة عليها حتى صرخت به قائلة :
-"ممكن أعرف إيه المهزلة اللي حصلت دي؟
ازاي حصل تلاعب في المقال اللي كتبته؟!
ازاي ينزل ناقص؟
أقسم بالله لو عرفت إنكم ورا الموضوع ده ، مش يكفيني قفل المطبعة كلها"
توتر مدير المطبعة يستمع إلى انفعالها ، يعلم من هي؟!
فحاول امتصاص غضبها وتخفيف حدتها بارتباك :
-"اهدي بس يا أستاذة هدير.. أنا حقيقي مليش ذنب في اللي حصل!
دي أوامر وأنا بنفذها و...."
انتفض محمد ومنار سويًا يستمعان إلى صرختها الثائرة :
-"أوامر من مين؟
أنت ملكش أوامر غير من رئيس التحرير ، وأظن أن طالما المقال وصل المطبعة يبقى الموافقة حاضرة... فهمني ازاي ده حصل ومن مين الأوامر دي؟"
-"من مازن بيه السيوفي!"
"مازن!"
تسمرت فجأة تستمع إلى الاسم الذي قاله؟
همستها بصدمة وعدم فهم فلماذا سيفعل هذا الشيء؟
لماذا سيأمر بعدم نشر مقالها بل كيف علم به؟
كيف له أن يتدخل في عملها و يعطي الاذن بذلك ، وبأي حق؟
أغلقت الهاتف بملامح جامدة أثارت ريبة هذان الواقفان يطالعانها بصمت .
تبادلا النظرات فاقترب محمد منها بغرض تهدئتها :
-"هدير أكيد له سبب إن المقال يتنشر كده"
رمقته بحدة جعلته يعود أدراجه للخلف بجانب منار من جديد ، هاتفة :
–"سبب!!
سبب إيه يا محمد اللي يخليه يتدخل في شغلي ويضيع تعب أسابيع؟"
سقطت على كرسيها بقلة حيلة وعقل يتآكله التفكير في الأمر ، مكتفة ذراعيها على المكتب تخفي رأسها بهما.
طالع محمد منار التي تنظر لها بصمت ، فانحنى برأسه إلى أذنها هامسًا :
–"ما تعملي حاجة بدل ما أنتِ واقفة ساكتة كده البت هتتجنن"
عقدت حاجبيها وذمت شفتيها ولاح على ملامحها التفكير فمال برأسه ينظر لوجهها رافعًا حاجبه بتساؤل :
–"ها وصلتِ لحاجة يا شارلوك هولمز؟"
التفتت له بغيظ من سخريته تجيبه هامسة :
–"أنت مش واخد بالك يا محمد أنك بتجيب الكارثة وتيجي بيها ، تعالى مرة قبلها هنحبك والله"
كاد أن يجيبها لكن نهوض هدير فجأة أسكته ، أخذت مفاتيح سيارتها وجذبت هاتفها تنوي الخروج فوقفت منار في وجهها تمد ذراعيها إلى الجانبين قائلة :
-"رايحة فين؟"
-"عوزاني أقعد أعيط!!
رايحة أشوف السبب اللي يخليه يعمل كده؟"
دفعتها من أمامها وهبطت مسرعة إلى الأسفل تاركة إياهم يتطلعان للباب ، فهمس محمد بقلة حيلة :
-"ملحقتش تتهنى يا مازن بسلامتك"
أخذت سيارتها وانطلقت إلى شركته بسرعة رهيبة تقبض على عجلة القيادة بغيظ ، تتمتم بالوعيد له إن كانت أسبابه لا تُعقل؟!
وصلت أمام مبناه فهبطت واندفعت بكل غضب الدنيا إلى الداخل صاعدة إلى الطابق القابع به مكتبه.
انتبهت لها ياسمين عندما دخلت إلى مكتبها ، فاستقامت بابتسامة بشوشة :
-"أهلًا أهلًا يا هدير.. الشركة نورت"
ألقت عليها التحية بالمثل وهتفت بدون مقدمات :
-"مازن موجود يا ياسمين؟"
عقدت حاجبيها بدهشة وأجابت :
-"لا مازن بيه مش هنا النهاردة ، بس الباشمهندس رامز موجود"
في تلك اللحظة دلف رامز إلى المكتب كي يطلب من ياسمين تجهير بعض الأوراق ، فتفاجأ بوجود هدير معها ، تقدم منهن وعلى وجهه علامات الدهشة متسائلًا :
-"هدير!
أخبارك إيه و بتعملي إيه هنا؟"
أجابته ياسمين بدلًا منها :
-"الآنسة هدير كان عاوزة باشمهندس مازن.. بس قولت لها مش موجود"
نظر إليها فرأى علامات الغضب بادية عليها ، ففكر ماذا فعل صديقه لها هذه المرة؟
هز رأسه بيأس وتملكه القلق ، ثم أشار بيده إلى الخارج وقال بهدوء ممتصًا غضبها :
-"طب تعالِ معايا على المكتب نتكلم"
كادت أن ترفض لكن نظرة الحزم في عينيه جعلتها تهدئ من غضبها وتسير معه بهدوء حتى جلست على الكرسي أمام مكتبه ، بادر بالقول بنبرته الهادئة والمرحة يمتص غضبها :
-"تشربي إيه بقى.. شاي ولا قهوة؟
ولا أجبلك زي أسماء نسكافيه وشكولاتة؟!"
لاحظت لمعان عينيه عندما نطق باسمها فابتسمت دون وعي لهذا الثنائي العاشق :
-"لا مش عاوزة حاجة ، اتسدت نفسي"
جلس أمامها مستندًا بمرفقيه على فخذيه مشبكًا أصابعه مع بعضهما مكملًا مزاحه :
-"جربي بس شكولاتة أسماء ، دي أجبرت مازن يعملها ركن مخصوص ليها هنا علشان لما تيجي"
ضحكت على مزاحه ، تصدق ما يقوله فأسماء وإن رقّت ملامحها وطبيعتها امتازت بالهدوء إلا إنها تخفي شراسة وقوة تجعلها تصل لما تريده ، وليس فقط ركن شكولاتة مخصص لها في أكبر شركات الهندسة!
استمعت لجديته التي ظهرت فجأة :
-"ممكن تهدى وتقولي لي إيه اللي حصل؟"
تنهدت بقلة حيلة والتفتت بأعينها في الغرفة فسقط نظرها على العديد من الصحف الموضوعة على مكتبه ، عبثت بها حتى أخرجت النسخة من جريدتها تقلب بها حتى وصلت إلى المقال ، وضعته أمامه يقرأه فعقد حاجبيه بتعجب قبل أن يطالعها من جديد :
-"قرأته وعجبني جدًا كالعادة ، بس مش فاهم إيه المشكلة؟"
هتفت بنفاذ صبر وبدأ غضبها يعود من جديد :
-"المشكلة إن مش ده المقال بتاعي ، أو بمعنى أدق المقال نازل ناقص أكتر من تسعين في المية من المقال الأصلي اللي بعتاه المطبعة"
لاحظت الدهشة الحقيقية على وجهه ، فهز رأسه متعجبًا وهو يعيد قراءته من جديد :
-"ومين له مصلحة يعمل كده؟"
-"مازن "
تحولت الدهشة لصدمة أكبر لاحظتها من رفع رأسه فجأة وتوسع عينيه ، وهمس نافيًا :
-"مش معقول.. مازن يعمل كده ليه؟
أكيد غلطانة ، أنتِ عارفة إنه أكتر واحد بيدعمك فـ ازاي يأمر بكده"
طالعته بشذر فأشاح بكفه أمامها لتهدأ :
-"اهدي عشان نفهم الموضوع.. إيه خلاكِ متأكدة إنه هو؟"
أخبرته بحديثها مع مدير المطبعة وأنه لم ينشر المقال كاملًا أمرًا منه ، فهز رأسه بدهشة منها وفكر حتى فطن إلى شيء ما ، فضغط على أسنانه حتى كادت أن تنخلع عضلة فكه واشتدت قبضته على الجريدة ، ولسانه يسب مازن بأفظع ما قيل في السباب .
طالعته بدهشة حذرة وتساءلت :
-"رامز أنت تعرف حاجة؟
وبعدين فين مازن مجاش النهاردة ليه؟"
وضع الجريدة مكانها الأول ورفع كفيه يفرك وجهه قبل أن ينهض حاملًا مفاتيح سيارته :
-"مازن في البيت بيحضر نفسه لعشاء عمل بالليل بخصوص صفقة جديدة.. تعالِ معايا"
نهضت معه بتعجب فسبقها يخبر ياسمين أنه ذاهب وتلغي جميع مواعيده اليوم ، ركبت معه بعد أن أمرها بترك سيارتها وسوف يبعث بها أحد الحراس فيما بعد .
انطلق بها فلاحظت أنه يتجه نحو منزل مازن ، فنظرت له بحاجب مرفوع فالتفت لها :
-"بصي يا هدير علشان بصراحة إحنا تعبنا منكم أنتو الاتنين ، جربي لمرة تآخدي الموضوع بهدوء وتسمعيه وتعرفي أسبابه ، أنتِ أكتر واحدة عارفة مازن مش بيعمل أي خطوة غير لما يكون لهدف معين"
فتحت فاها تتحدث فقاطعها برفع سبابته بصرامة مزيفة :
-"من غير عصبية ومن غير انفعال ، قولت بهدوء وعقل.. كفاية بقى تعبت منكم مش بيعدي يومين إلا بمشكلة جديدة"
لومت فمها بغيظ فيبدو أن الجميع أصيب بمرض الاستبداد حتى رامز من كانت تعتقد أنه الأفضل بينهم لم يختلف عن صديقه!!
وصلا إلى المنزل فهبطا من السيارة ودلفت إلى المنزل بخطوات سريعة ، وجدت والدته وأسماء جالستين في الحديقة ، وما أن رأوها برفقة رامز وقفتا بدهشة خاصةً من مظهرها الغاضب ، توجهت نحوهن تحييهن بحبور وابتسامة حاولت رسمها على وجهها ، وبالمثل حياهن رامز مقبلًا يد ميرفت وغمز لأسماء خفيةً .
سألت هدير ميرفت فجأة :
-"فين مازن يا ماما؟"
أجابتها بعقدة حاجبيها من الدهشة :
-"تقريبًا في مكتبه... في إيه؟
إيه اللي حصل خلاكِ عصبية كده؟"
أشارت لها بيدها والتفتت تتجه للداخل هاتفة خلفها :
-"هقول لك يا ماما بعد ما أشوفه"
نظرت لرامز الذي جلس على المقعد المجاور لأسماء ممسكًا بكوب العصير الخاص بها يشربه بلامبالاة ، فرفع كتفيه علامة على عدم المعرفة طالبًا منها عدم القلق فكل شيء سيصبح على ما يرام .
وفي الداخل كانت تعصف بها عاصفة هوجاء سيطرت عليها وأظهرت واجهة البرود ، دلفت للداخل وأغلقت الباب خلفها ثم وقفت مستندة بظهرها عليه ، مكتفة ذراعيها تتطلع إليه بغضب.
تفاجأ بها تقتحم مكتبه بهالتها التي عصفت به ودهشة من ظهورها فجأة دون أن تنبهه لوجودها!
التفت لها فرأى عينيها تلمع بغضب.. وضع الملف الذي كان يحمله بيده على المكتب وكاد أن يقترب منها إلا أنها أوقفته بكفها الذي رفعته أمامه ليقف مكانه رافعًا حاجبه بإعجاب ، يمط شفتيه للأمام.
قالت بهدوء غريب لا ينم عما يجيش بداخلها من غضب وغيظ ومع كل كلمة منها تتقدم خطوة نحوه :
-"تعب ليالي.. سفر.. ومقابلات عشان أطلع مقال ميقلش عن المقالات اللي قبله ، لا بالعكس يطلع أكبر "
صمتت تتنفس ثم أكملت :
-"حماس ، ورهبة علشان أشوف نتيجة تعبي
انتظار وتوتر عشان أشوف شغلي ورأي الناس فيه"
تنهد بعمق وقد فطن لسر غضبها ، لاح نظره على التقويم الموضوع على مكتبه يرى تاريخ اليوم فعلم أنه يوم نشر مقالها!!
حاول أن يتحدث لكنها وصلت إليه لا يفصلها عنه سوى خطوة واحدة ، لدرجة أن حرارة جسدها من الغضب انتقلت إليه ، وصرخت به هادرة :
-"تقوم تيجي حضرتك تدخل في شغلي ، وتلغي حتت في المقال!!
بأي حق ها؟!"
ضربت بقبضتيه على صدره تكمل :
-"بأي حق تدخل في شغلي مين سمح ليك؟
قولي بأي حق تأمر بأن مقالي ينزل ناقص؟"
وقبل أن تكمل حديثها ، أمسك رسغيها بقبضتيه يجذبها إلى صدره ، وجذب رأسها بيده.. وانحنى يلتقط شفتيها كي يسكتها عن إكمال حديثها!
قبلة ضاعت فيها جميع صرخاتها فأغمض عينيه بحب يبث إليها كم من المشاعر تجبرها على الاستسلام لها!

تسحره بإشراقات ثغرها ولمعان عينيها
سئم سيمفونية الفراق وحفظ أبجديات الحرمان
يقسم على نشر ترانيم الحب في مسافات روحهما
وجمع فتات الأمل المُثخن بالجراح
نسج أنشودة عشق تتغنى بها القلوب النّابضة بالحب
تتهاوى بلقائهما حواجز الصمت
وتنمو لغة الاشتياق
تفاجأت به وبقبلته التي جعلتها جاحظة العينين لثواني قليلة ، حتى انتبهت فصارت تنتفض بين يده تحاول الافلات منه..
ظلت تتحرك بين يده بغضب تحاول التحرر من قبلته ، حتى تركها دافعًا إياها تجلس على كرسي خلفها.. ثبت يديها في كفيه على حافتي الكرسي ، ووقف يشرف عليها من أعلى ينحني بجسده أعلاها حتى كادت جبهته تلامس جبهتها.
نظر في عينيها بقوة وشرع في الحديث حتى يشرح لها ما حدث:
-"اهدي يا هدير علشان نعرف نتكلم.."
قاطعته بعصبية منتفضة بين يديه قائلة :
-"متقوليش اهدي.. متعصبنيش يا مازن أنت فاهم"
وضع جبهته فوق جبهتها يضغط فوق رسغيها أكثر وهمس :
-"اسكتي واسمعيني.. أنا قولت لك قبل كده إني مش هسمح أن حاجة تضرك حتى لو كنتِ أنتِ هتضري نفسك"
صمت للحظة يرى بداية استكانتها فأكمل :
-"الخبر اللي كنتِ هتنزليه مكنش هيعدي بالسهل ، أنتِ هتفتحي باب من أبواب جهنم عليكِ وعلى الكل ، وده اللي مش هسمح بيه"
هزت رأسها رافضة لكل الحديث ، فلا يوجد مبرر ليضيع تعبها هكذا ، فرخت به باهتياج :
-"هو إيه ده اللي مش هتسمح بيه؟"
بادلها الصرخة بمثلها ولكن بصوت أجش وعصبية شديدة يتعمق في نظرته لها :
-"إن حاجة تأذيكِ.. أنتِ في مرة من المرات دي هتضيعي نفسك وده اللي مش يحصل"
نظرت له شذرًا ، وعيناها ووجهها محمران من الغضب ، وشعرها منتشر على وجهها من ثورتها المفرطة ، تتنفس باهتياج..
جعلتها لوحة جميلة يتمنى أي فنان أن يرسم مثيلتها!
اقتربت برأسها منه وهمست ضاغطة على أسنانها :
-"هتعمل إيه؟
هتمنعني أكتب و أقول رأيي؟"
بادلها النظرات بنظرات أكثر قوة ، ينحني أكثر حتى لامست أرنبة أنفه طرف أنفها ، وهمس بنفس نبرتها :
-"لو حسيت إنك هتأذي نفسك ، مش هتردد لحظة إني أحبسك هنا تحت عيني يا هدير..
لو حسيت بأي خطر تعرضي نفسك ليه من ورا مقالاتك ، همسح فكرة الصحافة من دماغك خالص.. أنتِ فاهمة!"
أفلتت يدها من قبضته ، ودفعته في صدره ليتراجع إلى الخلف فوجدت فرصتها كي تقف تهتف به :
-"أنت بتحلم يا مازن.. مش هتقدر تمنعني ولو انطبقت السما على الأرض"
عقد ذراعيه أمام صدره ، وقال ببرود تلبسه فجأة كي يرسل له أن ما يقوله هو ما سيحدث ، وأن قراره هو ما سينفذ :
-"ماشي خلينا نشوف"
ضربت بقدميها بغضب طفولي على الأرض ، تضغط على قبضتيها حتى ابيضت مفاصلها، فاستدارت برأسها تجاه الباب ، وشعرها يتطاير يضرب وجهه بإثارة جعلته يغمض عينه يستنشق رحيقه ، وتقدمت تخرج صافقة الباب خلفها بشدة .
وما هي إلا ثانيتان حتى عادت أدراجها ، تدخل مرة أخرى ، فعقد حاجبيه بدهشة يراها تتقدم نحوه..
ضربته بقبضتها الصغيرة على كتفه بقوة بالنسبة له لا شيء ولم تؤثر به ، رفعت سبابتها في وجهه بتهديد قائلة بحنق :
-"عارف لو بوستني تاني يا مازن بالطريقة دي هخيط لك بوقك ده ، وإيدك دي أكسرها ليك.. أنت فاهم!"
لم تكد تصل إلى الباب حتى شهقت بشدة عندما وجدته يجذبها إليه وظهرها ملتصق بصدره ، هبط إلى أذنها وقال بهمس شديد وأنفاسه أثارت رعشة في عمودها الفقري :
-"أنتِ مراتي ، يعني حقي.. فاهمة يعني إيه حقي يا هدير!"
أردف بوقاحة وشفتيه تلمس شحمة أذنها :
-"لو البوسة مضيقاكِ ، أنا ممكن أعمل أكتر منها كمان بس مستني الوقت المناسب"
كادت أن ترد على صفاقته ، ولكن قاطعتها دقات الباب وصوت والدته بالخارج تقول بقلق :
-"مازن افتح قولي في إيه؟
ليه هدير متعصبة كده؟
اوعى تكون عملت لها حاجة"
"متقلقيش يا ماما ، مفيش حاجة"
قالها بنبرة واثقة ثم دسّ أنفه في عنقها يستنشقه فيثير غيظها أكثر :
-"هدير بس كانت مضايقة من البيت والشغل ، وجت تشتكي لجوزها حبيبها"
جسدها تيبس.. عيناها جحظت بصدمة.. أنفاسها توقفت.. وأوشكت على الصراخ تقول لوالدته أنه يكذب ولم يحدث أي مما قاله ، لكنه وضع يده على فمها كاتمًا ضحكاته بصعوبة وتابع :
-"ممكن يا أمي تخليهم يعملوا لي قهوة ولهدير ليمون عشان تهدى ، ويجيبوهم فوق في أوضتي.. لأن مراتي هي اللي هتحضر ليا البدلة لاجتماع بالليل!!"
هزت رأسها يمينًا و يسارًا رافضة ما يقوله ، وهي تسمع صوت والدته يقول بفرح :
-"من عيوني يا حبيبي ، ربنا يهدي الحال بينكم"
وما أن تأكد من ذهاب والدته ، انحنى بجذعه إلى أسفل واضعًا ذراعيه أسفل ركبتيها يحملها وهو مازال يكمم فمها ، ثم صعد بها إلى غرفته ، تحرك قدميها في الهواء محاولة الافلات منه ، لكنه أطبق عليها بيده وضمها إليه أكثر حتى وصل لغرفته وفتح الباب ، وهو مازال يحملها ودلف إلى الداخل.
تركها فجأة ، فصرخت به بانفعال تصفعه على كتفه وشعرها ثار أكثر حولها ، وجهها أُحتقن بالدماء من شدة غيظها :
-"أنت تجننت رسمي ، أنت إيه اللي عملته ده؟
وبدلة إيه اللي أحضرها إن شاء الله.. أنا همشي من هنا دلوقتي حالًا"
وقف أمامها بصدره العريض يمنعها من التحرك واضعًا يده في جيب بنطاله ، وقال بنبرة عابثة ضاحكًا من هيئتها ، والارتباك الظاهر على وجهها من قربه :
-"لا مش هتمشي من هنا إلا لما تعملي اللي أنا عاوزه ، وأنتِ بنفسك اللي تحضري لبسي لحد ما أخد دش وأخرج"
تعداها يخرج منشفته وأشار لها بصمت إلى خزانة الملابس علامةً على الشروع في تنقية ثيابه لاجتماع اليوم ، ثم دلف إلى الحمام ببرود مستفز ، وتركها تتطلع في أثره بذهول وغيظ من البرود المتلبس فيه.
أمسكت بوسادة صغيرة موضوعة على الأريكة وقذفتها باتجاه باب الحمام للتنفيس عن غيظها منه ، تمسكت بعنادها وأرادت الخروج ولكن وجدت الباب مغلق!!
لا تتذكر أنها رأته يغلقه فكيف انغلق؟!
تنهدت بيأس ونظرت حولها تطلع إلى الغرفة ،
يغلب عليها اللون الأسود والكريمي.. فراش واسع من اللون الأسود ، ومرآة كبيرة رُص فوقها زجاجات من مختلف العطور ذات الماركات العالمية.. وستائر من اللون الكريمي.
نظرت باتجاه باب الحمام ، ثم توجهت بنظرها إلى الخزانة..
حكت فروة رأسها بتفكير ثم لمعت عيناها فجأة لما وصل إليه تفكيرها ، فتوجهت إلى الخزانة وفتحتها ووقفت أمام ملابسه ، ثم همست لنفسها قائلة تبتسم بمكر :
-"ماشي يا مازن... تحمل بقى اللي هيحصل"
★★★★★
وفي الأسفل كانت أسماء قلقة للغاية من مظهرها الغاضب.. شعرت أن هناك مشكلة كبيرة على وشك الحدوث ، ولهذا بعثت بأمها ترى ماذا يحدث بالداخل؟!
فهي لن تقدر على الذهاب إلى هناك ، سينالها نصيب من العاصفة هي في غنى عنه!!
نظرت للجالس بسلام يضع ساقًا فوق الأخرى يهزهما للجانبين ، يستند برأسه للخلف يدندن مع نفسه وكأن لا يوجد في العالم غيره..
هزت رأسها بيأس ولكمته في كتفه ليجفل من مفاجأتها يتطلع لها بدهشة ، فهتفت به بعنفوان :
-"ما تقولي إيه اللي حصل؟
قاعد ساكت وهادي ولا أكن فيه حاجة حصلت!"
أنزل ساقه واستند بمرفقه على حافة الكرسي مقربًا جسده نحوها :
-"وهو إيه اللي حصل يا سمكة؟
الدنيا زي الفل أهي!"
رمقته بصمت فالتقطت عيناها الوسامة المحيطة به ، مرتديًا بنطالًا من الجينز ، وقميص أسود يرفع أكمامه ليظهر ساعديه ، وتلك النظارة الشمسية فوق عينيه..
ضيقت عينيها وكتفت ذراعيها أمام صدرها هامسة بحاجب مرتفع :
-"إيه اللي عمله مازن خلى هدير متعصبة كده يا رامز؟"
قهقه بخفة عندما أدرك نبرتها ، وغمز لها بحب :
-"وحشتيني وأخوكِ اللي منه لله مش راضي يريح قلبي ونعمل الخطوبة وكتب الكتاب بقى"
عقدت حاجبيها بعدم فهم للحظات ثم فغرت فاها ، واتسعت عينها بذهول ، ثم ضربته بقبضتها على كتفه صارخة :
-"امشي اطلع بره يا رامز ، ومتجيش هنا تاني"
لم يتمالك نفسه فضحك ملئ شدقيه يرفع كفيه أمامه يهدئها:
-"طب بالراحة طيب.. كل الحكاية لاقيت هدير جت الشركة ووشها مكنش يدل على خير ، بتسأل على مازن قولت يبقى في مشكلة حصلت!!
حاولت أفهم منها ايه اللي حصل طلع الموضوع يخص مقالها الجديد اللي نزل النهاردة ، علشان كده جبتها وجيت علشان تتعامل بهدوء.. أتمنى يعني"
عقدت بين حاجبيها بدهشة واضعة أناملها على ذقنها بتفكير تتمتم لنفسها ورامز يراقبها بعيون منبهرة من تلك الطفلة التي أمامه :
-"هدير كانت في الشركة.. بعد كده جت على هنا ، ودخلت لمازن!!
يبقى مفيش مشكلة حصلت ، ده في كارثة!!
أنا قلبي كان حاسس والله ، علشان كده بعت ماما تشوف في إيه؟!"
ثم نظرت له تسأله باستنكار متعجب :
-"بس مازن إيه دخله؟"
-"هو أنتِ متعرفيش أن مازن الممول الرئيسي للجريدة ، وكمان طلب أن مفيش خبر يتنشر لهدير إلا لما يطّلع عليه الأول!
بقولك إيه تعالي نشوف"
قالها يمسك يدها يحثها على الدخول فأفلتت يدها منه هاتفة باستنكار :
-"أدخل فين حضرتك؟"
لا يمكن ، أنا هقعد هنا لحد ما ماما ترجع أو حد فيهم يطلع ، هبقى كده مطمنة أن مش هيحصل إصابات من أي نوع"
قالتها تجلس متربعة على العشب الأخضر في الحديقة واضعة يدها على خدها ، ليطالعها بدهشة وما لبس أن ضحك بشدة حتى أدمع فناظرته بشذر كي يصمت.
جلس بجانبه يثني ساق والأخرى يرتكز على قدمه واضعًا ذراعه على ركبته والآخر يرتكز به على الأرض ثم همس لها :
-"جهزي نفسك بكرة هآخدك خروجة هتعجبك"
اتسعت عيناها كالجرو الصغير ولاحت معالم اللهفة والفضول على وجهها فالتفتت له بكامل جسدها هاتفة :
-"بجد!
هنروح فين؟"
-"مفاجأة.."
قالها غامزًا والتفتت بنظره للأرجاء بعد أن عاد يدندن من جديد متجاهلاً إلحاحها عليه حتى يفصح عما سيفاجئها به .
وفي غرفته كانت تقف أمام الخزينة تحك رأسها ، وتفكر في كيفية البدء في تنفيذ خطتها ، فبدأت العبث بين ثيابه تتفحص الأنسب بينهم!!
أمسكت ببذة سوداء من الخزينة ، وأدارتها في يدها تتفحصها بتفكير ونصف عين كمن توشك على الإتيان بخطة انتقام كبرى ، فابتسمت ولمعت عينها لما آل إليه تفكيرها .
بحث بنظرها حولها عن شيء ما فلم تجده ، توجهت إلى المرآة تبحث بأدراجها حتى ابتسمت بسعادة طفل جلب له والده لوحًا من الشكولاتة.. التقطت منه مقص صغير وشرعت في عملها في بذته ، فأخرجت أجمل لوحة من الفن التشكيلي.
أدارتها في يدها تتأمل الكباري والأنفاق التي أحدثتها فيها تبتسم بشر وانتصار تهمس لنفسها :
-"والله تنفعي ديزاينر يا بت يا هدير..
البدلة بقت تحفة وهتبقى موضة الموسم ، يلا معلش كنت عارفة إنها أغلى بدلة عندك ، ربنا يعوض عليك يا حبيبي"
كانت تصب تركيزها فيما تفعله ، غافلة عن الذي يقف يراقبها مبتسمًا لغضبها وعنادها الطفولي ، لم يحدث أي صوت حتى لا يخرجها من تركيزها وتتلاشى الابتسامة على وجهها.
وقف يتأملها ويتأمل تعابير وجهها ، عقدة حاجبيها وهي تتمتم بغضبها منه ، ابتسامتها بعدما أخربت بذته كأنها فازت بجائزة أو نجحت في الاختبار!!
مفتون بكل حركة منها ، وكل همسة لها ، ضحكتها سرقت لبه ، فلم يقدر على الهمس وتركها تفعل ما تفعله بملابسه من بداية عثورها على المقص حتى تعليقها بالمكان المخصص لها لحين ارتدائها لمجرد أن يرى الفرحة بعد غضبها منه بسبب عملها.
اقترب منها بخطوات هادئة ، ثم وقف خلفها مباشرة بعدما وضعتها في غرفة ملابسه الملحقة بغرفة نومه ونفضت كفيها ، ما أن أغلقت الباب والتفتت اصطدمت بصدره العاري ، فما كان يرتدي غير المنشفة التي يحيط بها خصره فقط.
كادت أن تسقط لولا يده أحاطت بخصرها ، تسارعت أنفاسها وهي تراه أمامها بتلك الهيئة ، فتراجعت خطوتين للخلف تعيد خصلاتها خلف أذنها.
كتف ذراعيه يراقب ارتباكها ، وحال بنظره بينها وبين باب الغرفة ، فقرر التلاعب معها :
-"يا سلام.. مراتي طلعت شاطرة وسمعت كلامي وجهزت لبسي"
لم يتلق رد منها ، فأردف بمكر يهم باجتيازها ودخول الغرفة:
-"طب خليني أطمن يمكن تكوني ناسية حاجة!"
وقبل أن يضع يده على المقبض ، وضعت يدها فوق يده بسرعة هاتفة بتوتر حاولت إخفائه :
-"لالا متدخلش"
رفع حاجبه لها بمكر فراجعت نفسها وقالت :
-"أقصد يعني أنت طلبت مني أحضرها لك معقول تشك فيا؟
وبعدين ألبس هدومك علشان الجو برد ، وأنا هخرج أشوف أسماء"
قبل أن تتحرك وضع ذراعه أمامها يمنعها واقترب منها بنظرة يلوح بها المكر والتلاعب ، فتراجعت للخلف تنظر له بدهشة ، فظهرت ابتسامة جانبية على شفتيه وهو مازال يقترب منها :
-"لا طبعا مينفعش أراجع وراكِ لأني عارف إن عقلك كبير ومش هتعملي حاجة كده ولا كده.. صح؟"
قال كلمته الأخيرة بهمس عندما رفع ذراعيه يستند على خزينة الملابس التي استندت اليها وهي تتراجع.. هزت رأسها مرة بالنفي ومرة بالإيجاب ، فقالت بسرعة تحاول الفكاك من حصاره ، ونظراتها تحوم في كل اتجاه غيره :
-"آه.. لا طبعًا أكيد مش هعمل حاجة يعني..
وبعدين هو أنا طفلة علشان أعمل مقالب أكيد لا"
ابتسم لارتباكها وتأثيره عليها ، فهبط إلى أذنها وهمس بصوت خافت :
-"هو فيه طفلة بالحلاوة دي"
نظرت له وجدت عينيه مسلطة فوق شفتيها ، فتوسعت عينيها عندما وجدته يقترب منها ، فأغمضتها بطريقة لا إرادية ، جعلته يبتسم بدوره ينحني ناحيتها ، وفجأة أمسكها من ذراعها يجذبها بضع سنتيمترات إلى الجانب.
فتحت عيناها وعقدت بين حاجبيها عندما وجدته يجذب أحد كنزاته الصوفية ثم نظر إليها وهمس غامزًا :
- "كنتِ واقفة قدام الضلفة ، وأنا عاوز ألبس علشان الجو برد"
ثم تركها ودلف إلى المرحاض مرة أخرى يحاوى كتم ضحكاته بصعوبة.. أما هي وقفت تنظر بأثره بذهول على التلاعب بأعصابها ، فضربت بقدميها الأرض بغضب واندفعت إلى الخارج صافقة الباب خلفها بعصبية تسبه في نفسها.




لعنة العشق لا تعرف عزيز
لا تعرف قوي ولا ضعيف
تصيبك فتقلب أحوالك ، تجعلك شخص آخر تتعجب أنت نفسك منه!!
تدك حصون القلب ، تخمد ممانعة العقل!
العناد.. الغيرة.. الخوف.. الإثارة كلها أوجه لتلك اللعنة!
لعنة لا فرار منها إن دلفت العقل واحتلت القلب!

هبطت إلى الاسفل تتمتم في نفسها ، أتت تصب غضبها عليه بسبب ما فعله في مقالها لينقلب الحال بقبلة مفاجئة وتحضير ثيابه ليقوم هو بعمله!
أين قوتها التي قابلته بها أول مرة؟
أين كلماتها التي كانت تصبها فوق رأسه فترى الغضب يشتعل في عينيه؟
فسمعت صوت ساخر يخرج من داخلها يخبرها.. وكأنك ما زلتِ تلك الفتاة منذ عدة أشهر؟
قابلت والدته على الدرج ومعها الخادمة حاملة بيدها صينية فوقها القهوة والليمون.
ابتسمت ميرفت في نفسها على مظهر هدير ، ووقفت أمامها متسائلة :
-"مالك يا دودو في إيه؟"
ضغطت على أسنانها بغيظ تهمس :
-"ابنك ده أعوذ بالله.. وهاتي لي الليمون ده لأني هنفجر قريب"
ضحكت على تعبيراتها ، ووضعت يدها على ظهرها تدفعها برفق لتخرجا إلى الحديقة :
-"طب تعالي نخرج بره ، تلاقي أسماء زمانها قلقانة"
خرجتا إلى الحديقة فتفاجأت بجلسة أسماء على العشب ورامز بجانبها يضعون يدهما على وجنتهما ، نظرت إلى ميرفت بعبس ولم تتمالكا نفسهما من الضحك ، فقالت :
-"إيه اللي مقعدكم القعدة دي؟"
هبت أسماء واقفة واندفعت نحوها تمسكها من ذراعيها كمن تتأملها هاتفة :
-"أنتِ كويسة؟
الوحش اللي جوه ده عملك حاجة!"
قرصتها من كتفها هاتفة بغضب مصطنع :
-"متقوليش على مازن وحش"
فغرت فاها بذهول ، وتراجعت للخلف بجانب رامز الذي وقف بدوره ، وربتت على كتفه دون النظر اليه ، مرجعة رأسها للخلف هامسة :
-"رامز.. هي دي هدير ، ولا تأثير قلة نوم؟"
كتم ضحكاته بصعوبة يضع قبضته فوق فمه وهمس لها :
-"تأثير أخوكِ خرافي.. يبقى متستغربيش أي حاجة مع الاتنين دول"
نظرت له عاقدة حاجبيها ، وتذم شفتيها للأمام دليل على التفكير في حديثه.. جعلته يتأثر بنظرتها وتناسى للحظة وجود والدتها وهدير ، وأصبحت نظراته مليئة بالعشق لها.
يعشقها ، يحب تعبيراتها الطفولية الخارجة منها بتلقائية شديدة.
إلى أن أفاق على صوت هدير التي وقفت بينهم رافعة حاجبها ، وتضع يدها في خصرها :
-"أنا موجودة على فكرة لسه ممشتش"
أجفلا على صوتها ، فنظرت أسماء حولها تبحث عن أمها ولم تجدها فتساءلت :
-"أومال ماما راحت فين؟
أنا هروح أشوفها"
هرولت إلى الداخل هاربة منها ، على الأقل حتى يذهب رامز ، فهي تعلم أنها لن تفلت منها.
ظل يتابعها بنظراته وابتسامته إلى أن دخلت ، ثم التفت يصطدم بنظرات هدير وهي على هيئتها ، ارتبك في وقفته يحك جبهته ونظراته تحوم في كل اتجاه ثم نظر لها مبتسمًا
فبادرت بالحديث :
-"طب لما أنت بتحبها ، تعبتها معاك ليه الفترة اللي فاتت؟"
رفع حاجبيه بدهشة يتساءل :
-"هي حكيت لك؟!"
أومأت برأسها دون أن ترد ، فحك رأسه من الخلف بابتسامة ، وقال بخفوت :
-"مش عارف يا هدير ، بس ساعتها كنت حاسسها حاجة مش هقدر أوصلها ، وكمان كنت خايف لتكون مش بتبادلني الشعور ، و أكون بالنسبة ليها أخ وصديق بس..
لا أنا عارف أعترف فانصدم بالإجابة وأبقى خسرتها وخسرت صاحبي.
ولا أنا عارف أسكت لأضيعها بسكوتي ، ويجي حد يآخدها مني"
ابتسمت لمشاعره الصادقة تجاه صديقتها ، تعلم بكل ذلك ، ولولا أنها متأكدة من حبهما ما كانت أقبلت على مساعدتهما ، لكنها قالت بمداعبة :
-"بس خلي بالك من حاجة.. ماما ميرفت طيبة وبتعتبرك ابنها ، وبكده أنا اللي هبقى حماتك مش هي"
ثم قالت بهمس و تقترب برأسها قليلًا منه :
-"وعلى فكرة أنا حماة صعبة قوي"
ضحك على مداعبتها بشدة ، وضحكت هي الأخرى ، سعيدة لصديقتها على الشخص الذي رزقها الله به .
لو كانت بعقلها السابق قبل دلوف مازن إلى حياتها لكانت قابلت كل هذا بسخرية ولامبالاة.
انتفضا على صوت زمجرة خشنة بجانبهم ، فالتفتوا وجدوه مازن ينظر اليهم بتساؤل قائلًا بغيرة واضحة للجميع :
-"ما تضحكوني معاكم"
غمز رامز لها دون أن يجذب انتباهه يخبرها أنه يغار.. ثم التفت إلى صديقه وأجابه دون أن يريحه بل أثار غيظه أكثر :
-"مالك يا مازن وشك أحمر ليه؟"
حال بنظره بينهم ، والتفت يجلس بعد أن جذبها من رسغها تجلس بجانبه رامقًا إياه بنظرة باردة ، فجاءت والدته من خلفه تربت على كتفه ، وقالت بحنو جالسة مقابله :
-"ها يا حبيبي ، كل حاجة تمام؟!"
ربت على كفها وأومأ لها باطمئنان ، فقال رامز بمرح يقفز بجانبها ويحيطها بذراعيه :
-"ادعي لنا بقى يا ست الكل ، ربنا يكرمنا في الصفقة دي"
ربتت على وجهه بحنان تبتسم لابنها الثاني تدعو لهم في نفسها ، فجاءت أسماء حاملة صينية المشروبات والخادمة بجانبها حاملة الحلوى وجلست بجانب مازن الجهة الأخرى.
بعثت هدير برسالة إلى منار تطمئنها أن كل شيء على ما يرام ، فلم تجب عليها بل وجدتها تتصل بها فأجابتها :
-"أيوه يا منار ، لسه كنت بعتالك رسالة أطمنك"
وصلها صوتها الساخر :
-"لا اطمني أنتِ مش بكلمك علشان كده أصلي عارفة إنه هيعرف يسكتك"
ضغطت على أسنانها بغيظ وتمنت أن تكون بمفردها حتى ترد عليها لكنها سمعتها تكمل :
-"المهم رئيس التحرير بيبلغك نجهز نفسنا علشان نغطي المؤتمر الصحفي اللي هتعمله شركة العجمي"
عقدت حاجبيها بتساؤل لاحظه مازن الذي تأهب في جلسته يضع ذراعه على حافة الأريكة خلفها يسمعها :
-"مؤتمر لشركة العجمي!
مؤتمر لإيه بالضبط؟"
تبادل النظرات مع رامز الذي التقط الاسم فأشار له بالصمت حتى يفهم ما يحدث.. سمعت منار تجيب :
-"صفقة جديدة أو شراكة مع شركة كبيرة بس مقالش مع مين ، لسه هيجتمع بينا ويقولنا على التفاصيل بكرة"
صمتت هدير للحظات تذم شفتيها للأمام ثم قالت متنهدة :
-"طيب تمام ، بكرة نفهم منه كل حاجة وأنا لما أروح هكلمك"
أنهت الاتصال معها والتفتت للجمع فسألها مازن عن الأمر فأخبرته بما قالته منار ، مسح رامز على لحيته القصيرة :
-"العجمي شركة كبيرة ، والشراكة اللي بيدخلوها كبيرة ومؤتمراتها عالمية"
ناظرته بحاجب مرفوع كمن تتحداه مكتفة ذراعيها أمام صدرها :
-"فيه صحفيين عالميين ملهمش فيها ، وصحفيين مصريين بيغطوا عليهم"
ضحك مازن على تحديها له فقد أخرج رامز روحها القوية دون وعي ، شاركه الضحك وكاد أن يجيبها فقاطعته أسماء قائلة مناصفة لها :
-"هدير صحفية قوية ومحدش يستهون بيها ، إلا مكنوش اختاروها تغطي مؤتمر عالمي زي ده!!"
لاح نظرته بينها وبين هدير الكاتمة ضحكاتها بصعوبة ، ونظرات مازن المستمتعة ، فنظر لميرفت حتى تنصفه فضحكت باستمتاع وربتت على كتفه هاتفة إليهم بحزم مصطنع :
-"بقولكم إيه أنتو هتتفقوا عليه وفاكرين محدش معاه.. ملكوش دعوة بيه"
انتفخت أوداجه بغرور لأنه معه الحصانة الكبرى ، فنظرت هدير وأسماء لبعضهما بصمت قبل أن يضحكا بخفوت ، ومازن الذي لفحه بابتسامة جانبية ساخرة قبل أن يلتفت إلى هدير :
-"أنا عارف إنك قدها كالعادة ، وهتعرفي تثبتي وجودك في المؤتمر ده"
★★★★★★

كم هي رهيبة الاجتماعات والشراكات البسيطة في ظاهرها!
التي تمتلئ بالكذب والنفاق في باطنها
تختفي تحت ستار العمل!
اتحاد الxxxxب يجمعهم هدف واحد
تدمير حياة آخرين!

جالسًا في مكتبه على أريكته ، واضعًا ساق فوق الأخرى مضجعًا للخلف يضع ذراعه على حافة الأريكة ممسكًا بكأس شرابه ، واليد الأخرى ممسكًا سيجارته بين إصبعيه ، يراقب التي تخلت عن سترتها العليا وبقيت بكنزتها ذات الحمالتين العريضتين ، تقطع الغرفة جيئة وذهابًا تدق الأرض بكعبها العالي وهتافها لم يهدأ :
-"مش فاهمة إزاي يجي في بالك إن نادر هيجي في صفك؟"
توقفت عندما سمعت ضحكاته فنظرت له بدهشة وتعجب ، فاستنشق سيجارته ورفع كأسه يتجرع منه فامتزج الدخان بداخل الكوب وقال :
-"ومين قالك إني متأكد إنه هيجي في صفي ، لو كان طال يطلب لي البوليس كان عملها"
كتفت ذراعيها تهز رأسها بتساؤل :
-"أومال روحت ليه؟"
-"عشان أعرفهم إني لو عاوز أوصل لحاجة هوصل لها ، عارف ومتأكد إن مازن هيعرف باللي حصل"
رفعت كتفيها بلامبالاة تذم شفتيها ببرود :
-"وإيه يعني لما يعرف؟"
ضحك أكثر ونهض واضعًا يد واحدة في جيبه يقترب بخطواته منها حتى وقف قبالتها مبتسمًا ابتسامة خبيثة غامضة رافعًا يده الأخرى يلمس وجنتها بظاهر أنامله :
-"الفوضى يا نادين يا حبيبتي ، تعملي لهم ربكة في وسطيهم وتشتتي تفكيرهم عنك شوية فتعرفي تشتغلي بهدوء"
ذمت شفتيها وهزت رأسها رافعة حاجبيها بإعجاب وقالت :
-"أنت داهية يا كريم"
صدح هاتفه فاقترب يرفعه يستمع إلى الرجل من الجانب الآخر وابتسامته تتسع بمكر ثم أغلق معه ونظر إلى التي اقتربت منه تستند بكفها على المكتب تميل بجسدها للجانب ونظراتها تعج بالفضول ، فجلس على مكتبه وجذبها من خصرها تجلس على قدميه ورفع يده يعيد خصلاتها للخلف قائلًا :
-"الصفقة وصلت ودلوقتي الرجالة بيوزعوها"
اتسعت عينها بسعادة وأحاطت عنقه مقتربة منه ليبادر بدفن وجهه في عنقها وضحكاتها تتعالى بخبث واستمتاع .

انعدام الضمير أصبح أكثر الأشياء تداولًا..
وفقر القلوب للرحمة أصبح أسهل من الرحمة نفسها!!
لا تتعجب عندما ترى الحقد ، عدم الرحمة ، الأذى !!
بل تعجب إن رأيت العكس ، فهذا الزمن لا مكان للقلوب الرحيمة به ، نتائجها تكون الندم والضعف !!

في أحد الأيام كانت هدير تخرج من المبنى التجاري برفقة منار ، حاملتين مجموعة من الأكياس المعبئة بأغراض منار فقط!
تسير بغنج وغرور تسمع تذمر صديقتها باستمتاع ترغي بغضب:
-"مش عارفة إيه ده كله ، هتهاجري!"
التفتت لها بنظرة إغاظة :
-"الله مش مخطوبة وقربت أتجوز ، المفروض أجهز نفسي ولا أتجوز ببيجاماتي؟
أنا معنديش مانع بس ماما هتخنقنا"
كان حظها لكمه في كتفها من الخلف :
-"أنا اللي مكتوب كتابي مش بعمل اللي بتعمليه ده!"
رفعت كتفيها ببرود وهزت رأسها بلامبالاة :
-"والله دي مشكلتك أنا مالي ، هو تقريبًا ربنا بيعاقبه على مشيه العوج قبل ما يعرفك فقرر يوقعه في جعفر"
توسعت عينها بقوة من استفزاز تلك الباردة ، لم تجبها ليس لأنها لم تجد ردًا ، بل لأنه جذب نظرها طفل صغير يبكي بجانب الحائط ، يبدو عليه الفقر الشديد من ملابسه المترهلة والقذرة ، وشعره الأشعث ، حافي القدمين.
اقتربت منه ونزلت لمستواه تمد كفها تربت على كتفه تقول بحنو :
-"مالك يا حبيبي بتعيط ليه؟"
واصل البكاء ولم يجبها ، فنظرت إلى منار بتعجب وقلة حيلة ، فجلست بجواره هي الأخرى وقالت :
-"طب أنت اسمك إيه؟"
همس الطفل من بين بكائه بصوت يكاد يسمع :
-"اسمي مصطفى.."
ابتسمت هدير وشدت على كتفه :
-"الله ، تعرف اني بحب اسم مصطفى
طب قولي أنت ليه بتعيط يمكن أقدر أساعدك؟"
أجابها بصوت متحشرج بسبب بكائه ، يمسح دموعه بيده ببراءة :
-"الريس بتاعي هيزعق لي عشان.. عشان ضيعت إيراد النهاردة"
نظرت لمنار بدهشة لعدم فهمها له.. فسألته منار بدون أن تثير رهبته "
-"ريس مين يا حبيبي؟
و إيراد إيه؟"
-"إيراد الحاجة دي"
قالها يمد يده بكيس صغير به مادة بيضاء اللون ، أخذتها منه هدير تنظر إليها بدهشة ، وتساءلت بحذر :
-"إيه ده؟"
- " دي علاج ، هو قالي إن في ناس تعبانة بتآخده عشان تخف ، والمفروض في واحد هيجي يآخدها مني بس مجاش ، ده غير الفلوس اللي وقعت"
فسّر مصطفى ببراءة ، فلم تعقب هدير على حديثه ، بل ظلت تحلل الموقف في رأسها تقلب الكيس الصغير في كفها..
ما هذه المادة؟
وما هذا العمل الذي يُستغل فيه هؤلاء الناس مثل هؤلاء الاطفال؟
فالتفتت إليه منار تقول بهدوء حذر :
-"طب يا مصطفى أنت معاك ولاد تانيين ولا أنت بس؟"
أومأ رأسه يجيبها :
-"لا إحنا كتير ، وكل واحد بينزل في منطقة نبيع الدوا ده ، وفي آخر اليوم الفلوس بجمعها ونديها للريس بتاعنا ، وبكده هو بيدينا أكل ويسيبنا ننام.. لكن لو واحد رجع بإيراد قليل أو من غير فلوس يحرمه من الأكل ، ويخليه سهران طول الليل ينضف المكان..."
ثم تابع والدموع عادت إلى عينيه وبدأ في البكاء :
-"بس أنا وقعت الفلوس غصب عني ، وبكده هو هيعاقبني"
تسارعت أنفاس الفتاتين برهبة وعدم تصديق لما يقوله الطفل ، وتبادلا النظرات بصدمة فربتت هدير على كتفه واستقامت جاعلة إياه ينهض معها تقول :
-"متخافش يا مصطفى محدش هيعملك حاجة..
قولي أنت جعان؟"
أومأ برأسه ناظرًا لموضع قدمه ، فأمسكته من يده ودلفوا إلى المطعم الموجود في المبنى ، أطعمته.. وهي تتبادل مع منار نظرات استفسار.
عرضت عليه أن توصله إلى المكان الذي يريده لكنه رفض ، ولكن قبل أن يذهب أعطته ورقة مدون عليها رقمها ، ليحتفظ بها إذا احتاج إليها ، كما أنها أخرجت نقود وأعطتها له.
ظلت تراقبه وهو يجري ، وحاله تبدل من البكاء إلى الفرحة.
ثم دلفت إلى سيارتها ومنار بجانبها ، وأسندت رأسها على الكرسي خلفها.. فبادرت منار بالقول :
-"هدير ، أنا حاسة بحاجة غريبة في اللي حصل ده؟"
أومأت برأسها موافقة معها والتقطت هاتفها تقول :
-"أكيد ، أنا شاكة في حاجة ولازم اتأكد منها"
طلبت رقمًا وانتظرت تسمع الرنين على الجانب الآخر ، حتى سمعت صوتًا أنثويًا يجيبها ، فهتفت :
-"أيوه يا أمنية ، أنتِ في المعمل بتاعك صح"
-"أيوه يا هدير أنا موجودة فيه.. فيه حاجة ولا إيه؟"
- "طب أنا جيالك أنا ومنار ، عوزاكِ في حاجة مهمة"
انطلقت مسرعة بالسيارة ، لتصل إليها في معمله الكبير ، فأمنية دكتورة كبيرة في عالم التحاليل الطبية ، وهي من ستساعدها في الكشف عن هذه المادة التي أخذتها.
وصلت إليها فوجدتها تقف في انتظارها ، اقتربت منهم تمد يدها مرحبة ، فبادلتها السلام تسمعها تقول بجدية يشوبها القلق :
-"في إيه يا بنات قلقتوني؟"
أخرجت هدير الكيس الصغير الذي يحتوي على تلك المادة البيضاء وأعطتها لها :
-"أمنية ممكن تحللي المادة دي ، وتقولي لي المادة دي إيه؟"
قلبت الكيس في يدها ، ونظرت إليها بحاجبين معقودين تتساءل :
-"جبتِ الكيس ده منين؟"
فهتفت منار تدفعها للأمام لداخل غرفة الاختبار :
-"مش وقته يا أمنية ، أرجوكِ قولي لنا دي إيه ، وبعد كده هحكي لك كل حاجة"
فأسرعت بالقول تهم بفتح ذلك المحتوى :
-"طيب بس ده هياخد وقت شوية ، اقعدوا أنتم في مكتبي لحد ما أخلص وأجي"
غابت عنهم قرابة الساعتين ، كان نادر قد اتصل بمنار ليطمئن عليها ، فأخبرته بما حدث ، لحق بهم في المعمل ، حيث كانت صديقتهم الرابعة ولكنها التحقت بكلية العلوم ، أما هم فالتحقوا بكلية الإعلام.
خرجت إليهم وعلى ملامحها الغضب والقلق ، ووقفت أمام هدير ومنار تسألهما بحدة :
-"ممكن تقولوا لي المادة دي جبتوها منين؟"
تبادلت الفتاتان النظرات القلقة ، فهتف نادر قائلًا :
-"في إيه يا أمنية؟
إيه المادة دي؟"
هتفت بنفاذ صبر مازالت تنظر إليهن :
- ده هروين ، نوع قوي جدًا من المخدرات..
ممكن بقى تحكوا لي كل حاجة بالحرف الواحد"
بدأت هدير بسرد ما حدث منذ أن خرجت ولقائها بمصطفي ، إلى أن جاءت إلى هنا.. وما إن انتهت وضعت وجهها بين كفيها بتعب ، ووقفت منار تفرك يدها بقلق وعيونها شاردة ، وقالت بتوتر ملحوظ :
-"طب والعمل إيه؟
الموضوع كبير ، أكبر من مجرد طفل بيوزع مخدرات.. دول عصابة!"
وقف نادر بجوارها لتهدئتها ، وقال بنبرة هادئة عكس ما يعتمر في قلبه من قلق :
-"اهدوا يا جماعة.. الموضوع موجود من زمان ، وكتير من تجار المخدرات بيستخدموا الطريقة دي علشان يوزعوا بضاعتهم"
انتفضت هدير من موضعها بعصبية ، بعد صمتها تشيح بيدها:
-"ازاي يعني؟
أطفال أكبر واحد فيهم عنده عشر سنين ، يستغلوهم أنهم يوزعوا مخدرات؟
طب لو حد فيهم حصله حاجة؟"
أجابتها أمنية تفرك جبهتها دليلًا على التفكير :
- " لا حاجة.. يبقى طفل وراح ، و فيه غيره كتير..
الناس دي معندهاش عزيز ولا خوف على حد ، كل رجالتهم من أكبر واحد لأصغر واحد كبش فدا ملهمش لازمة.. ولو حسوا أن حد خطر عليهم يدفنوه حي ده لو متكرموش عليه وقتلوه"
-"طب والحل إيه يا جماعة؟"
نطقتها منار بيأس ، فهز نادر رأسه برسمية ، وقال بنبرة جادة :
-"ولا أي حاجة ، تعاملوا بشكل طبيعي"
-"ازاي يعني؟"
سألته منار بدهشة وحاجبين مرفوعين بتساؤل ثم تابعت :
-"هنسيب الموضوع كده؟"
التقطت هدير حقيبتها ، والتفتت إلى أمنية بقلة حيلة :
-"أنا همشي مش قادرة أفكر دلوقتي محتاجة أهدى ، على العموم متشكرة قوي يا أمنية تعبتك معايا"
ابتسمت ابتسامة هادئة ، وقالت بنبرة مرحة :
-"متقوليش كده أنتِ ممرمطانا معاكِ.. المهم تفكري كويس لأن الموضوع المرة دي مش سهل"
أومأت برأسها مطمئنة إياها ، وأردفت تهم بالخروج :
-"إن شاء الله خير.. يلا سلام"
خرجت من الحجرة ومن المكان بأكمله بعد أن ودعت منار ونادر ، ودلفت إلى سيارتها متجهة إلى المنزل.


Fatima Zahrae Azouz غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس