الموضوع: وعد بلا رحمة
عرض مشاركة واحدة
قديم 26-11-20, 06:26 PM   #53

ياسمين أبو حسين

? العضوٌ??? » 450896
?  التسِجيلٌ » Aug 2019
? مشَارَ?اتْي » 522
?  نُقآطِيْ » ياسمين أبو حسين is on a distinguished road
افتراضي

الفصل العاشر :
*****************
فى المساء عاد مالك للشاليه فوجد الجميع قد غفوا .. وقف قليلا يستنشق هواء البحر و يستمتع بالهدوء المحيط .. حتى إنتبه عل عزف وعد على الجيتار .. إبتسم بشوق وهو يتذكر طلبه منها أن يستمع لعزفها قبل نومه .. تنهد مطولا وجلس على أحد الأرائك .. وضع يديه خلف رأسه و أغمض عينيه مستمتع بعزفها الهادئ .. حتى إنتهت .. أخرج هاتفه من بنطاله و أرسل إليها رسالة كتب بها :
《 يا من أسرتنى من نفسى ♥ يا من سحرتنى دون مقدمات ♥ هل من العدل أن أتحرى الدقة ♥ أن تعمل تروس عقلى ♥ أن أفكر فيما يصح و ما لا يصح ♥ أم أتبع تلك الفراشات الطائرة من حولك ♥ و أتوه داخل عينيك اللوزية الكحيلة ♥ و أنغرس بوجنتيك مع تلك الغمازتين ♥ أم أقاوم قطف ثمار وجنتيك الورديتين ♥ يالله .. إمنحنى القوة و الصبر ♥ لا حول ولا قوة لى أمامها ♥ أنت خلقتها بتلك الهيئة الساحرة ♥ فكيف لى القوة على مجابهتها 》

إنتهت وعد من عزفها و إندست بفراشها بهدوء ..تنهدت مطولا و هى تتخيله أمامها بإبتسامته الهادئة التى تنكمش معها عيناه .. تلك العينين التى تعشقهما بشدة .. فإنتبهت على إهتزاز هاتفها فحملته و تطلعت إليه .. فوجدته قد إستقبل رسالة من مالك .. إعتدلت بجلستها مسرعة و فتحتها و قرأت ما كتبه إليها بوله .. لم تتمالك نفسها و سقطت من عينيها دمعة صغيرة .. هل يعشقها لهذا الحد .. ثم عادت لها إبتسامتها الشقية و هى تعيد قرائتها مرارا و تكرار .......

كانت روضة تتصنع النوم .. ومع عزف وعد كانت تتألم بشدة .. و كتمت بداخلها عبراتها الساخنة حتى إنتهت وعد و دلفت لفراشها .. ثم إنتبهت على إهتزاز هاتفها .. ففطنت أنه هو من يراسلها فى ذلك الوقت .. فبعد إنتظار وعد عودته .. و عزفها قرر أن يبثها فرحته و ربما شوقه فى كلمات تعلم أنها الأروع على الإطلاق .. فكان كلما إستعار منها كتابا كان دائم الكتابة لها برأيه على ورقة و عشقت كتاباته الشعرية التى يستطيع ببراعة أن يصف بها مشاعره بسهولة ........

.................................................. .................................................. .........
......................

بعد مرور إسبوعين و بعدما عادوا لمنزلهم إستعدادا لتجهيز شقة روان وعمرو .. تفاوت أيامهم بين وعد التى تذهب لعملها دائما بحماس .. و لقائتها بجاسم المتكررة والتى تنذرها بألا تسمح له بالتمادى فى نظراته القوية و كلماته المبهمة .. و هروبها المستمر من مالك حتى لا تعطيه الفرصة للتجاوز معها ........

بينما حاول مالك دائما أن يختلس بعض الدقائق بمفردهما ليبثها عشقه و شوقه و لكنها دائما ما كانت تنجح فى هروبها .. و أكثر ما أزعجه هو تجاهل روضة له منذ إحتفالهم بعيد ميلاد وعد ... يلاحظ عزوفها عنه و عن الجلوس بأى مجلس يكون به .. بل ولا تعطيه الفرصة للحديث معه كعادتهما ......

إستمرت أيامهم على ذلك النحو و قد إنهمكوا فى تحضير شقة العروسين .. هاتف عمرو مالك الذى رد بتثاقل وهو يفتح جفنيه بصعوبة ليفيق من غفوته قائلا بتذمر :
- يا إبنى هو إنت تتجوز و تتعبنا معاك .. عاوز أنام ساعة على بعض يا ظالم .
زفر عمرو بضيق و قال بغضب هادر ظهر بنبرات صوته التى خرقت طبلة أذن مالك وهو يصيح بقوة :
- نامت عليك حيطة يا أخى .. إنت ما فيش عندك دم يا إبنى إنت .. قوم إنزل هتلاقى الأجهزة الكهربائية على العربية تحت .. تابع العمال وهما بيطلعوها أنا فى مشوار مهم .
حرك مالك أذنه بسرعة وهو يتألم من صياح عمرو به .. ثم أعاد الهاتف على أذنه و قال بهدوء :
- حاضر يا عمرو .. أى أوامر تانية .
- لأ شكرا .. بس ياريت تعرف البنات أول علشان يختفوا فى أوضة على ما العمال ينقلوا الحاجة .
تمطأ مالك بكسل وقال بملل :
- حاضر يا عريس .. إنت بس تؤمر يا كبير يالا سلام .
أغلق هاتفه و إرتدى ملابسه مسرعا و صعد درجات الدرج .. فرأى وعد وهى تخرج أكياس القمامة خارج شقة العروسين و قالت بضحك :
- دى أخرتها أشتغلكم زبالة كمان .. هو عمرو قال الأجهزة هاتيجى إمتى .
رد عليها مالك و هو يتأملها بإبتسامة عابثة فقد كانت ترتدى قميصا منزليا طويلا و واسع جدا .. تعثرت به أكثر من مرة .. بينما تغطى شعراتها بحجاب صغير عقدته خلف عنقها الذى ظهر بوضوح .. فقال بعبث :
- الأجهزة تحت .
شهقت وعد بذعر و ضربت صدرها بقوة و هى تلتفت إليه بخوف .. بينما تعثرت مجددا بقميصها الطويل .. فمالت بقوة على الدرج .. فإلتقفها مالك بذراعيه ليجذبها قليلا كى لا تسقط على الدرج .. ما أن إعتدلت فى وقفتها حتى إبتعدت عنه مسرعة وهى ترفع ذيل قميصها أو بالأحرى هو قميص جدتها .. و صفعت الباب بوجهه بقوة .. إبتسم مالك بدهشة وقال وهو يضرب كفيه ببعضهما :
- مجنونة رسمى فهمى نظمى .. بس بحبها بقا .
ثم ضرب جرس الباب .. ففتحت له روضة التى إمتعض وجهها فور رؤيته و قالت بجدية لم يعهدها منها :
- أيوة يا مالك عاوز حاجة .
تطلع داخل عينيها عله يستشف سبب نبذها له .. ثم قال بإبتسامة باهتة :
- أصل .. الأجهزة تحت فا ياريت تدخلوا أوضة وتقفلوها عليكم علشان العمال وكده .
أومأت روضة برأسها و قالت وهى تتحاشى النظر لعينيه :
- حاضر .. بعد إذنك .
وتركته و إختفت .. تنهد مطولا وهو مندهشا من طريقتها الجديدة فى التعامل .. ثم هبط الدرج و هو شارد فى أمرها .......

بعدما إنتهى العمال من نقل الأجهزة أخرجها مالك من صناديقها و وضعها بأماكنها حتى إنتهى .. قبلته روان بوجنته و قالت بإمتنان :
- شكرا يا مالوكى ربنا يخليك ليا .
وقف عمرو بجوارها وقد دلف للشقة دون أن يشعر به أحد .. ثم قال بتنهيدة حارة :
- يا باختك يا عم .. ماشية معاك .
ووضع الأكياس من يده على الأرضية و إفترش عليها قطعة قماش وقال لروان :
- رونى .. ساعدينى علشان ناكل لقمة قبل ما نكمل شغل .
جلست روان بجواره وهى تخرج علب الطعام و تضعها أرضا .. بينما صاح عمرو بصوت عالى :
- يا روضة .. يا وعد تعالوا نتعشى الأول و باعدين كملوا .
خرجت الفتاتان .. ولكن روضة قالت و هى تنصرف :
- معلش يا عمرو مش جعانة هنزل أنا أعملكم شاى .
إمتعض وجه مالك و تبعها مسرعا و أوقفها على الدرج وسألها بغضب :
- روضة .. إستنى .. فى إيه بالظبط أنا زعلتك فى حاجة .. ليه بتهربى من أى مكان بكون فيه .
إلتفتت إليه روضة ببرود و قالت بلا مبالاة :
- ما فيش حاجة طبعا .. وإيه بهرب منك دى .. أنا نازلة أعمل شاى .. بس .
قطب مالك جبينه بشك و قال :
- متأكدة إنه مافيش حاجة مضيقاكى منى .
أجابته وهى تهبط الدرج هاربة من نظراته التى ستكشفها فورا :
- ﻷ طبعا .. إطلع إتعشى معاهم .

و دلفت شقتهم مسرعة .. ضرب مالك الدرج بيده على حالها ثم صعد مجددا لشقة عمرو .. و جلس بجوارهم على الأرضية وهو تعود له إبتسامته الهادئة فور رؤيته لزوبعته الصغيرة وهى تأكل بطفولة لذيذة و قد بدلت ملابسها بإسدال صلاة .. فسأل عمرو ليخفى نظراته المشتاقة :
- هو عمو عيسى وطنط سلوى جايين إمتى .

رد عليه عمرو وهو يأكل بلا مبالاة :
- بكرة الفجر .. هروح أنا بعد صلاة العشا للقاهرة أستناهم فى المطار و هجيبهم .
بعد قليل دلفت إمتثال وهى تحمل صينية الشاى .. فوقف لها مالك مسرعا و قال بخجل :
- إنتى اللى مطلعة الشاى بنفسك يا تيتة .. أمال روضة فين .
زمت الجدة شفتيها بيأس وقالت بحسرة :
- أهى نزلت إتوضأت و دخلت أوضتها تصلى و مش هتخرج منها دلوقتى .. أموت و أعرف هى مالها أنا عارفاها لما بتزود فى الصلاة كده بتبقى متضايقة من حاجة .
زمت وعد شفتيها بغضب وقالت بحدة :
- أكيد علشان بابا و ماما راجعين بكرة .. أنا متأكدة إنها زيى مش مسمحاهم بس هى بتخاف إن ربنا يزعل منها .
تنهدت الجدة بشفقة و قالت بحنو :
- بس يا وعد مهما كان دول باباكى و مامتك و مع الوقت هتنسى كل حاجة صدقينى .
ملست وعد على كفها و قالت بهدوء :
- إنتى بتقولى كده علشان بنتك وحشتك .. عارفة إننا مش هنعوض ماما و لا هنعوض حبك ليها .. بس يا ريتها كانت زيك يا تيتة .. دى باعتنا و سابتنا نواجه الدنيا لواحدنا علشان هى خايفة على جوزها من مراته التانية لتاخده منها .. يبقى تعتبره جوزها و ولادها و تنسانا .

ثم نفضت يديها من الطعام و وقفت مسرعة تخفى دموعها التى تجمعت بضعف باتت تمقته على أم لا تستحق تلك الكلمة العذبة .. و خرجت لا تدرى أين لها بالهرب من مشاعرها المتعبة .. فصعدت لسطح البناية دون شعور و صعدت على إرجوحتها و أغمضت عينيها و طلقت لدموعها العنان علها ترتاح و لو قليلا .. و بعد فترة شعرت بإهتزاز الأرجوحة .. فوجدت مالك خلفها .. يبتسم لها بهدوء ساحر و ورائه سراج ذلك الرجل التى وجدت به حنان و حب طالما بحثت عنه بوالدها .. فإبتسمت بوهن و كففت دموعها و إلتفتت إليهم متصنعه العبوس و قالت بلوم :
- هو ما فيش خصوصية فى البيت ده .. عاوزة أقعد لواحدى شوية .
فجلس سراج بجوارها و إحتضن كفها بين كفيه و قال بحنو :
- خفت عليكى مش أكتر .. عموما يا ستى حجزتى فستانك ولا لسه عارف إنك تعبتيهم الفترة اللى فاتت أكتر من العروسة نفسها .
تطلعت إليه مطولا وهى تعلم أنه يجتذبها بهدوء من منطقة الألم لحديث آخر علها تنسى وجعها .. و لكنها أجابته وهى تضع رأسها على كتفه بضعف :
- مش عاوزة أتكلم .. ممكن تسيبنى ساندة عليك و نبص للسما فى هدوء .
مال برأسه على رأسها و تطلع للسماء معها بهدوء .. بينما شعر مالك بكف حديدية تعتصر رقبته و هو يراها على تلك الحالة من الضعف و الحزن و وعدها بداخله أنه سينسيها تلك الأيام التى لم تكن حبيبته بها و سيغدق عليها بحنان وحب ليس لهما مثيل فى عالم العشق و الهوى .. ثم إنسحب و جلس عل كرسى روضة يتأملهم فى صمت .. بينما حرك قلبه رائحة كرائحة المشمش .. فإبتسمت شفتيه بهدوء فهو يعلم تلك الرائحة جيدا .. إنها رائحة روضة الخفية ربما إنه غسول شعراتها لأنها لم يسبق لها التعطر من قبل فربما علق عطر شعراتها مرة بعد مرة بكرسيها المداد .. شعر فجأة بإشتياق لحديثهم الطويل و جدالهم الدائم عن كتاب ما .. تنهد مطولا مستمتعا بتلك الرائحة وهو يفكر بما صدر منه لتعامله بذلك الجفاء .. و لكنه خرج من تفكيره القصير بروضة على همهمات بين وعد و والده فى حديث هامس .. ربما هناك أسرار خفية بينهما فإبتسم بهدوء و هو يستمتع بهمسها اللذيذ مثلها و زادت إبتسامته مع ضحكتها الخافتة التى أنعشت سرعة دقات قلبه وهو يرسم بمخيلته لحظات الحب والجنون التى ستجمعهم سويا ..........

.................................................. .................................................. ...............
...................

فى صباح اليوم التالى .. إنهمكت روضة بعملها و هى تمر بين مكاتب الصغار المشغولين بتناول وجبة إفطارهم وما أن إنتهوا حتى صفقت بيديها و قالت بحنو :
- يالا يا حبايبى نعين اللانش بوكس و نستعد للحصة يالا .
وبالفعل إستعد الأطفال للدرس بإنصات .. لاحظت إهتمامهم و تركيزهم فسألتهم بإبتسامة هادئة :
- يالا يا حبايبى نسمع أركان الإسلام الخمسة .
فبدأ الأطفال فى سرد ما حفظوه و هم يقولون سويا :
- بنى الإسلام على خمس .. شهادة أن لا إله إلا الله و أن محمدا رسول الله .. إقام الصلاة .. إتاء الزكاه .. صوم رمضان .. و حج البيت لمن إستطاع إليه سبيلا .
صفقت لهم روضة بفرحة و قالت :
- برافو عليكوا يا حبايبى .. النهاردة بقا هنشرح إيتاء الزكاة .. حد عارف يعنى إيه .
وقف صغير بأدب و قال بثقة :
- يعنى ندى فلوس للناس اللى ماعندهمش فلوس .
أومأت روضة برأسها و قالت مؤكدة :
- شاطر يا حبيبى .. طيب مين يا حبايبى ساعد حد قبل كده .
وقفت طفلة أخرى وقالت بجدية :
- أنا يا مس .. فى رمضان بابا خدنى معاه و روحنا بيت ست عندها أولاد و مافيش عندعم بابا و جبنالهم حاجات كتير و هما فرحوا قوى .
ربتت روضة على وجنتها وقالت بفخر :
- شطورة .. و بابا كمان شاطر علشان أخدك معاه و عملتوا الخير سوا .. فلما تكبرى هتعملى اللى بابا علمهولك و هتبقى طيبة و بتعملى الخير زيه .
سارت روضة قليلا تجاه مكتبها فوقفت طفلة أخرى و قالت بإبتسامة شقية :
- أنا قولت لماما يا مس على الأغنية اللى حضرتك علمتيهالنا علشان محدش يلمسنا غير بابا و ماما و هى قالتلى إنى أشكر حضرتك كتير .
إلتفتت روضة للفتاة بسعادة و قالت بإبتسامتها العذبة :
- أنا مبسوطة إن ماما فرحت و إنتى فهمتى الأغنية و مش هتخلى حد غريب يلمسك و لا يبوسك .
وبدأ الأطفال واحدا تلو الآخر يشكر روضة ويبلغها إمتنان والديهم على تلك الأغنية .. و بعد فترة دخلت عليها الفصل زميلتها خلود التى قالت بتوجس :
- روضة مس سميرة عوزانا ضرورى و ريهام معانا بس إنتى أكتر .
قطبت روضة حاجبيها بتعجب و قالت بفضول :
- يا ترى عوزانا فى إيه .. خلى رنا تيجى تقعد فى الفصل مكانى .
أومأت خلود برأسها و قالت وهى تنصرف :
- تمام .. ثوانى و هتجيلك .

وبالفعل إنطلقوا لمكتب سميرة فوجدوا عندها تجمع كبير من أولياء الأمور و مصطفى يقف مستندا على الحائط و يحدجها بتشفى .. تنفست روضة مطولا .. ثم دلفت بثقة ووقفت أمام مكتب سميرة وسألتها بخوف :
- تحت أمرك يا مس سميرة .
أشارت لهم سميرة بالجلوس و جلسوا ثلاثتهم بتوجس شديد .. حتى أشارت إليهم سميرة وقالت :
- دول المعلمات اللى حضراتكوا طلبتوا تقابلوهم .
وقفت إحدى السيدات و قالت وهى تتطلع بروضة و التى ميزتها بنقابها :
- أكيد حضرتك مس روضة صحيح .
أومأت روضة برأسها و قالت بتلعثم :
- أيوة يا فندم .. فى مشكلة حضرتك .
إبتسمت السيدة بهدوء و قالت برزانة :
- لا بالعكس .. إحنا جينا النهاردة علشان نشكركم على مجهودكم فى حملة ضد التحرش اللى وصلتوها للولاد بطريقة سهلة تحميهم من النفوس المريضة اللى حوالينا .. بجد شكرا ليكم .
تطلعت روضة لريهام وخلود السعديتان بما سمعاه .. بينما تطلعت روضة بمصطفى بإنتصار وهى تراه يصك أسنانه بغضب ثم ترك لهم الغرفة و إنصرف بغضب .. تلقت روضة الشكر و الإمتنان من الجميع وهى فخورة لخطوتها المجدية لحماية التلاميذ و توعيتهم .

.................................................. .................................................. .............
.......................

إنهمكت وعد فى تسجيل بعض البيانات على حاسوبها .. فسألها سامر وهو يرفع سماعة هاتفه :
- أنا هشرب قهوة يا وعد .. تشربى معايا .
أومأت برأسها نافية و قالت بضيق :
- ﻷ مش عاوزة .. و خف إنت كمان ده تالت فنجان من الصبح .. شكلك واقع فى مشكلة .
وضع سماعة الهاتف و إتجه لمكتبها و جلس أمامها و قال بتوتر :
- بما إن دماغك سم .. ممكن تنصحينى أعمل إيه فى موضوع شاغلنى .
رفعت عينيها عن حاسوبها و تطلعت إليه مطولا و إبتسمت بمكر و قالت بنصف عين وعين :
- مشكلة عاطفية مش كده .
عقد ذراعيه أمام صدره .. و تطلع أمامه للا شئ و قال بتنهيدة حارة :
- أيوة .
إستندت وعد بمرفقيها على مكتبها وهى تتابع ملامحه الملتاعة و تنهيدته التى أشعلت الأجواء من حولهم و و زادت إبتسامتها إتساعا وهى تقول بثقة :
- مدام علا .. صح .
إلتفت سامر إلبها مسرعا .. و إعتدل فى جلسته و طالعها بقوة و سألها بتعجب :
- إنتى عرفتى منين ؟!!
أجابته بتلقائية واثقة وهى تستند بظهرها على مقعدها و تحدجه بإتزان قائلة :
- كان باين عليكم جدا يوم عيد ميلادى .. وعلى فكرة بقا هى كمان بتحبك .. شوفت لما شرقت أول ما روضة قالتلك يا بخت اللى هتتجوزك .
عض سامر على شفته السفلى و هو يحدجها بلؤم و قال ساخرا :
- سوسة .. ما نتيش سهلة برضه .. طب يا جينيس هى دلوقتى مش طايقة تشوف وشى ولا تسمعنى أعمل إيه علشان ترجعلى تانى .
إستوقفتها كلماته الأخيرة و سألته بتعجب :
- قصدك إيه بترجعلك تانى .. هو إنتوا كنتم مع بعض قبل كده .
أومأ برأسه بنعم و قص عليها كل ما يخص عشقه لعلا و زواجها من طارق إلا هذا اليوم .. إحتقن وجه وعد وهى تستمع إليه و صاحت به بغضب هادر :
- تصدق عندها حق .. أنا لو مكانها مش هبص فى وشك تانى .
زم شفتيه بضيق و قال ساخرا :
- هو أنا كنت بحكيلك علشان تبكتينى .. أنا عاوزك تساعدينى و أنا متأكد .. بل واثق إنك الوحيدة يا سوسة اللى هتخلصى الليلة دى فى دقيقة .
عادت وعد بعينيها لحاسوبها و قالت وهى تعمل ببرود :
- ولو إنك ما تستاهلش مساعدتى بس إدينى لبكرة أقلبها فى دماغى و أرد عليك .

فى تلك الأثناء دلف مالك للمكتب ليتفاجأ بوعد قد عادت لمكتبها من جديد بعدما إنتهى تدريبها الطويل جدا عليه .. فإبتسم بفرحة و إقترب منهم ثم دنا من سامر و قبله بوجنته و قال بلهفة و شوق بادى بنبرات صوته وهو يتطلع بوعد :
- وحشتنى قوى يا سامر .
تعجب سامر من قبلته وكلماته الساخنة .. ولكنه أجابه بهدوء :
- ماتشوفش وحش .. خلصت شغل مع الحاج فضل فى المعرض .
أومأ مالك برأسه بنعم و قال بهيام زائد :
- أيوة خلصت .. بس تعرف يا سامر أنا بحبك قوى .
توردت وجنتى وعد بخجل وهى تتصنع تجاهله .. بينما عبث سامر بهاتفه ورد بتلقائية :
- ربنا يديم بينا المحبة يا مالوك .. ده إنت أكتر من أخويا والله .
تنهد مالك بشدة وقال هامسا وهو يتأمل تلك الساحرة بملامحها الجذابة و بياضها الوردى و الذى زاد تورده مع خجلها المرهق :
- هموت و أدخل جوة قلبك يا سامر و أشوف بتحبنى زى ما بحبك و لا أنا اللى بحبك أكتر .
رفع سامر حاجبه الأيمن و طرف شفته اليمنى و قال بدهشة :
- فى إيه ياض .. ما تصطبح و تقول يا ضهر .. إنت حد خبطك فى دماغك قبل ما تيجى ولا إيه .
أجابه مالك هامسا برقة زائدة :
- هييييييح .. بقولك بحبك تقولى حد ضربنى على راسى .. بس كله بوقته بكرة تبقى ليا و ساعتها .. أووووف بقا .
عضت وعد على جوف فمها وهى تخفى توترها .. بينما وقف سامر مسرعا وهو يحدجه بغضب ثم صاح به بحدة قائلا :
- و حياة أمك .. هى وصلت لهييييح و أوووف بقا .. إنت بقيت شمال ولا إيه ياض .. ناقص تقولى هات بوسة من بؤك .
شهقت وعد بصوت عالى .. ووقفت مسرعة و حملت حاسوبها و قالت بتلعثم و هى تنصرف :
- أنا .. أنا هروح للباش مهندس جاسم أصله .. هروحله بقا .
و إنصرفت مسرعة وهى تتوعد لمالك على تماديه .. بينما إلتفت مالك ناحية سامر و ضربه بكتفه و قال بغضب :
- إنت إدروشت فى دماغك .. إزاى تتكلم كده قدام وعد .
غمز له سامر بعينه و قال بمكر :
- وعد هه ..كنت بتقنطرنى يا مالك عاملنى كوبرى .. و عمال تحب فيها .. طب إيه رأيك بقا إن أيامك اللى جاية سواد معايا .
أشاح له مالك بيده و قال ساخرا :
- يا عم إجرى .. قولى صحيح عملت إيه مع علا .
جلس سامر على مكتبه و قال بتنهيدة متألمة :
- مش طايقة تشوف وشى .. ومش عارف أعمل إيه معاها .
ربت مالك على كتفه و قال مازحا :
- معلش يا صاحبى .. إتقل عالرز يستوى .
ضحك سامر بسخرية و قال :
- يا إبنى ده أنا الرز بتاعى شاط و الشوطة جت فى المدرجات .. إحكيلى بقا الرجالة بتوعك وصلوا لإيه فى موضوع البنتين إياهم .
جلس مالك أمامه على المكتب و قال بجدية :
- هقولك .

.................................................. .................................................. ..............
....................

إنتصبت وعد واقفة و قالت وهى تتطلع لجاسم بتحفز لردة فعله :
- هاه .. إيه رأى حضرتك فى شغلى .
فتح عينيه وقال بتمهل و قال بتنهيدة حارة :
- مسك .
زمت وعد شفتيها بريبة فهى لم تتوقع تلك الإجابة على الإطلاق .. فسألته بتعجب :
- نعم !!! مسك إيه .
لف بمقعده ناحيتها و توغل بعينيه داخل عينيها اللوزية و قال بإبتسامته الجانبية العابثة :
- ريحتك مسك مش كده .
رفعت حاجبها بتذمر و أعادت سؤالها كأنها لم تستمع لمهاتراته المزعجة :
- بقول لحضرتك إيه رأيك فى شغلى .
إعتدل بمقعده مجددا و أشار لها أن تجلس أمامه قائلا :
- طب إتفضلى إقعدى .. و عموما يا ستى إنتى ذكية جدا .. و بتتعلمى بسرعة .

إلتفت حول مكتبه بفرحة و جلست أمامه و عينيها تشع سعادة تجذبه ناحيتها كالمغناطيس .. فهل تلام ذرات الحديد على إنجذابها رغما عنها للمغناطيس .. لاحظت شروده فطرقعت بأناملها أمام عينيه و قالت بتعجب :
- حضرتك روحت فين .

تأمل أناملها البيضاء الرفيعة و التى تزينت بأضافر بيضاء تنم عن يد لم تمس أدوات التنضيف قط .. ولم لا و هى مدللة أسرتها .. خرج من تأمله لأناملها الرقيقة و قال بجدية :
- ما فيش بفكر شوية .. أخبار بنات الدار إيه .. وصلتى لحاجة .
تنحنحت بتفاخر و وضعت قدم فوق الأخرى بإستعلاء و قالت بثقة :
- عرفت البنت اللى عليها الدور .. و بسهولة كمان .
حك جاسم أسفل ذقنه و قال بمكر :
- لمى مش كده .
أنزلت وعد ساقها و إلتفتت بجسدها نحوه بتعجب و سألته وهى ترفع حاجبيها بدهشة :
- إنت عرفت منين .
إستند هو على ظهر مقعده بغرور و وضع ساقا فوق الأخرى و قال مشدوها بنفسه :
- ما إحنا جامدين برضه .. و البنت يعنى حلوة شوية .. و أنا لو مكان الحرباية اللى إسمها رحاب .. هعمل المستحيل علشان أصطاد الغزالة دى .
ثم مال بجسده على مكتبه مقربا المسافات ببنه وبين وعد .. و غاص داخل عينيها و قال بقوة :
- أصل صيد الغزال .. أحلى من أكله .
زفرت بضيق فها هو يعود لتلك النظرات و تلك الكلمات المبهمة من جديد .. و لكن أخرجهم من حرب نظراتهم دلوف سامر و مالك .. فإبتسم إليهم جاسم بفتور و قال :
- هناء و شرين يا ربى .. يا نعم .
جلس سامر أمام وعد و قال لجاسم بفرحة :
- البنت اللى بعتها لشركة أمير إتعينت و الحمار بلع الطعم يا معلم .
أومأ جاسم برأسه و سأله بنفاذ صبر :
- طب وبالنسبة لجهاز التصنت .. وصلت لحل فى الموضوع ده .
إستند سامر بمرفقيه على المكتب و قال بإبتسامة مطمئنة :
- أنا بصراحة ما حبتش البنت تعرف بموضوع جهاز التصنت ده .. و قولت لو وقعت وكشفها ما تقرش على مكان الجهاز .. فاهبعت واحد من رجالتى هو نينجا و يقدر يدخل المكتب و يخرج من غير ما الكاميرات تلقطه و لا يسيب آثر وراه .
صفقت وعد بيديها و قالت ساخرة :
- إيه ده يا سامر طلعت زينا بتفهم و بتفكر أهه .. أمال كنت حساك مش معانا ليه .
ضحك جاسم و مالك على مزحتها .. بينما تطلع إليها سامر بنصف عين و قال مهددا :
- بقا كده .. طيب ما فيش شوكولاتة تانى و لا مصاصات .
عضت وعد على شفتها السفلى بحرج و قالت هامسة :
- إنت هتسيحلى قدام الباش مهندس .. يقول عليا إيه دلوقتى .
أجابها جاسم بإبتسامته المستفزة :
- عيلة طبعا .. هقول إيه يعنى .
شعر مالك بغضبها .. فإقترب منها و قال معتذرا بلطف :
- ما تزعليش يا وعد .. إحكيلى آخر أخبار الدار إيه .
طأطأت رأسها و قالت بفتور :
- ما فيش .. عرفت البنت اللى عينهم عليها و كنت لسه بقول للباش مهندس .. بس المشكلة إن البنت مش بتثق فى حد غير رحاب .. و ده هيخلى مهمتى صعبة شوية .. خصوصا إنها قدامها شهر تقريبا و تخرج .
فسألها سامر بجدية :
- طب و إنتى ناوية على إيه يا سوسة .
هزت وعد رأسها بيأس من كلماته الجارحة و قالت بعقلانية :
- هخليها هى اللى تكتشف حقيقة اللى إسمها رحاب دى من غير ما أظهر إنى بخوفها منها و إلا هتقول لرحاب دى إنى ببعدها عنها .. و بكده هبقى فى موضع شك لأمير نفسه و هيعرف بسهولة علاقة الباش مهندس جاسم باللى بيحصل .
عقد جاسم حاجبيه بخوف و قال بصوت قاسى :
- ﻷ .. لو خايفة يبقى تبعدى عن الموضوع ده نهائى .. مش هسمح لأى حاجة تأذيكى .
أمن مالك على كلماته و هو يجثو بركبتيه أمام وعد و قال بذعر :
- جاسم عنده حق .. إنتى ما تعرفيش أمير ده ممكن يأذيكى إزاى .. لو فى شك إنك تتأذى بلاش منه الموضوع ده كله .
أغمضت وعد عينيها بضيق و فتحتهم بملل و قالت بحدة :
- بس ....... .
قاطعها سامر بعصبية وهو يقول :
- بصى يا بنت الناس .. من النهاردة دورك خلص خلاص .. وما فيش رجوع للدار دى .. إنتى فاهمة ولا ﻷ .
تأملت وعد قلقهم الصادق النابع من حبهم و إحترامهم إليها .. فإبتسمت بصفاء و قالت بإمتنان :
- أنا مبسوطة جدا إنكم خايفين عليا كده .. كان ليا أخ واحد دلوقتى بقا ليا أربعة .. و مش عوزاكم تقلقوا .. محدش هيقدر يمسنى و أنا ليا إخوات زيكم .. أنا عارفة بعمل إيه كويس و واخدة حذرى .
تبدلت معالم الضيق و الذعر من على وجوههم لإبتسامة هادئة .. دنا منها سامر و قال بهدوء :
- إحنا واثقين فيكى .. و ربنا يحميكى و يوفقك .
زادت إبتسامتها الساحرة .. فتغاضى جاسم عن تلك النيران التى تدفقت بأوردته وهو يطالع جمالها المهلك و قال لمالك بإتزان بركان خامد :
- و إنت يا مالك إيه اللى و صلت له فى موضوع البنتين .
جذب مالك الطاولة الصغيرة والتى تقع بين مقعدى وعد و سامر و جلس عليها و قال بتركيز :
- شوف يا سيدى .. الكاميرات اللى فى المحلات اللى حوالين البيت لقطت عربية جيب وقفت قدام البيت و بعد شوية إتحركت و كان فيها بنتين و راجلين .. بس ما قدرناش نحدد ملامحهم كويس و الواد الجنيس بتاع سامر شغال على موضوع إنه يوضح ملامحهم ده .
جذب جاسم الحديث بقوة و حثه على المتابعة قائلا بضيق :
- و باعدين .. أخدت رقم العربية و إتطقست على صاحبها .
أجابه مالك مسرعا بنبرة حاسمة :
- طبعا .. و عرفت إنها مسروقة وصاحبها من الزقازيق .. ومالوش أى علاقة بأمير و شغله المشبوه .. و اللى عرفته كمان من واحد حبيبى فى المرور النهاردة .. إن العربية إتسابت على الطريق الصحراوى .. واللى فيها ركبوا عربية تانية فى منطقة ما فيهاش ولا كاميرات و لا غيره .. يعنى هما أكيد فى القاهرة .
فسألته وعد بعدما لوت فمها بإمتعاض :
- طب هتكمل إزاى .. كده الخيط اللى كان بيربطك بيهم إتقطع .. ربى إنى لا أسألك رد القضاء .
إبتسم مالك على طيبتها و برائتها و قال موضحا لطمأنتها :
- ما تنسيش موضوع جهاز التصنت .. ده هيعرفنا هما فين بإذن الله .
تمتمت وعد مع نفسها بتعجب :
- أول مرة أبقى غبية كده .. شكلى وحش الصراحة .
فسألها سامر مازحا كعادته :
- إنتى مخاوية يا وعد .. بتكلمى نفسك يا ماما .. ده أنا كنت بقول عليكى راسية .. وعاقلة .. عليه العوض فى عقلك يا سوسة دى أكيد عينى .
ضحكت وعد بصوت عالى .. ثم إنتبهت على نفسها فوقفت بخجل و حملت حاسوبها و قالت لجاسم بعملية :
- أنا بكرة إن شاء الله هروح الدار الساعة عشرة الصبح .. بعد إذنك طبعا .. فا مش هقدر أكمل كل الشغل اللى حضرتك طلبته منى .
و أخرجت من حاسوبها إسطوانة مدمجة و ناولته إياها و قالت بمكر و هى تتجنب التطلع لسامر :
- و الإسطوانة دى عليها ديكورات الشركة الجديدة .. إتفقت عليها مع مدام علا على الميل و إخترت الأفضل و يا رب ذوقى يعجب حضرتك .. و كمان فاصلتها لغاية ما إتفقنا على أفضل سعر .
عض سامر على أنامله بغيظ و هو يلمح على ثغرها و عينيها إبتسامة ماكرة .. بينما أخذ منها جاسم الإسطوانة و قال دون تردد :
- أنا واثق فى ذوقك و هقول لعلا تنفذ فورا اللى إختارتيه .. أما موضوع الدار فا ربنا يحميكى و تقدرى تنفذى مهمتك من غير ما حد يكشفك .
بينما لمعت عينى مالك متذكرا و قال بتعجب :
- بس إنتى هتيجى الشغل بكرة إزاى ده عمو عيسى و طنط سلوى هيوصلوا مصر الصبح .. هتسبيهم معقول .
همست وعد من بين أسنانها بشراسة :
- ما ييجوا أنا مالى .. أنا اللى قولت عليه هعمله .. بعد إذنكم .
و حملت حاسوبها و هاتفها و خرجت مسرعة و عيون الثلاثة تتبعها .. فسألهم سامر بدهشة :
- هى مش فرحانة إن باباها و مامتها راجعين من السفر .
جلس مالك مكانها و قال بشفقة على حالها :
- ده موضوع كبير أبقى أحكيهولك باعدين .

إمتعض وجه جاسم و هو يتذكر ملامحها المقهورة و المنكسرة .. و تأججت نيرانه بداخله فمن يجرؤ على كسو تلك العيون اللوزية بذاك الحزن المرهق حتى لو كان والديها .. فأقسم بداخله أن ينتزعها من وحدتها و أحزانها لعالمه الذى سيسخره كاملا لرسم الإبتسامة على وجهها البرئ .. ولكن بعدما يتخلص من تلك العقبة الجالسة أمامه .. مالك .........

.................................................. .................................................. .............
........................

فى المساء .. تطلعت الفتيات بشقة العروسين بعدما إكتمل فرشها كاملا بإنبهار .. إبتسمت روضة براحة و قالت :
- أخيرا خلصنا .. بس من كتر ما هى حلوة راح التعب خلاص .
قبلتها وعد بوجنتها و ضمتها إليها و قالت بحنو :
- عقبال ما نفرش شقتك يا روضة يا رب .
إبتسمت روضة إبتسامة باهتة و قالت :
- عقبالك إنتى الأول يا دودو .. أنا لسه بدرى عليا .
زمت روان شفتيها بضيق و قالت لائمة :
- ما هو طول ما إنتى مستخبية ورا النقاب ده محدش هيعرف قد إيه إنتى جميلة .
تطلعت إليها روضة بغضب و قالت مدافعة عن مبدأها :
- اللى هيتجوزنى لازم يتجوزنى علشان مقتنع بيا و بعقلى .. مش بشكلى لأن شكلى مسيره هيروح .
هزت وعد رأسها بيأس من أختها ومنطقها العجيب و قالت مغيرة دفة الحوار :
- قوليلى يا روان هنروح إمتى لبروفة فستانك و فستانى .
-بعد بكرة إن شاء الله .. علشان بكرة تيتة إمتثال عزمانا كلنا على الغدا علشان بابا عيسى و ماما سلوى هيكونوا رجعوا .
زفرت وعد بضيق و قالت بحدة :
- أنا مش عارفة هما تاعبين نفسهم و جايين ليه .. لا بس إزاى علشان المظاهر و الناس غير كده إحنا مش فى حساباتهم أصلا .
ملست روضة على كتفها و قالت بتعاطف مع حالتها :
- طب على الأقل ماما ما واحشتكيش يا دودو .
أجابتها وعد مسرعة بغضب :
- أهى دى بالذات عمرها ما هتوحشنى .. و هى أصلا ما تستاهلش كلمة ماما اللى إنتى بتقوليها دى .. فى أم ما تقفش جنب إبنها و هو بيجهز لجوازه .. خليها هناك مع جوزها و راضية بالذل وهى بتستنى فضلات مراته التانية .
شهقت روان من كلماتها اللاذعة و قالت بإبتسامة متوترة :
- يالا ننزل بقا علشان نساعد تيتة .. زمانها تعبت هى و ماما .. و أهه وعد تعزفلنا على الجيتار شوية و نهيص كمان .. أنا عروسة برضه ومحتاجة يتهيصلى و لا إيه .
أومأت وعد برأسها و قالت بخفوت :
- طب يالا بينا و أنا هرقصكم للصبح .. قدامى إنتى و هى .

فى المساء قبل النوم حملت وعد جيتارها كعادتها اليومية قبل النوم .. و لكنها اليوم عزفت لحن حزين طويل .. ليشعر الجميع بالأسى على حالتها و تخبطها .. بينما شعر مالك بثقل كبير على صدره و هو يتابع حزنها بنغماتها .. ورفع رأسه ناحية شرفة وعد و التى تنطلق منها نغماتها .. لم يقاوم شوقه و أرسل لها رسالة لتخرج لشرفتها كى يراها و يطمئن عليها .. وافقت و أرسلت له ردها .. فإنتظرها بلهفة حتى أطلت عليه من شرفتها بإبتسامة هادئة تطمئنه عليها .. فبادلها إبتسامتها وهو يتطلع إليها بحب .. ظلوا هكذا فى صمت .. حتى لوحت له وعد بيدها و دلفت لغرفتها و أغلقت النافذة .. بينما وقف مالك يتأمل القمر المكتمل و كأنه يراها أمامه .. و رغم جمال القمر إلا إن جمال وعد قد ملأ عينيه فلم يعد يرى شئ أجمل منها ...............

.................................................. .................................................. ........
...................


فى الصباح شعرت وعد بقبلات خافتة على وجهها .. فعبست بضيق و قالت بعصبية :
- سبينى يا روضة لسه المنبه ما ضربش .

- وعد .. قومى يا حبيبتى وحشتينى .
تشنجت تعابير وعد وهى تفتح عينيها بدهشة حتى رأت والدتها أمامها تجلس بجوارها على الفراش و تمرر أناملها بشعرات وعد الطويلة بحنان .. ثم قبلتها مجددا بجبهتها و إبتسمت بشوق و قالت :
- وحشتنى ريحة المسك من شعرك يا وعد .
جلست وعد مسرعة .. ثم أزاحت يدها بهدوء و قالت بملامح مجمدة :
- حمد الله على السلامة .. تعبتوا نفسكوا ليه .. والله ما كانش ليكم لازمة .. عمرو خلص كل حاجة فا تشريفكم لينا عالفاضى .
طأطأت سلوى رأسها بإستحياء و هى تفكر فى كلمات وعد الجارحة .. و لكنها رسمت إبتسامة مصطنعة على شفتيها و سألتها بوهن :
- سمعت إنك إشتغلتى .. لحد دلوقتى مش مصدقة إنك كبرتى و بتعتمدى على نفسك كمان .
إبتسمت وعد بسخرية و وقفت و إبتعدت عن فراشها و قالت وهى تلملم شعراتها وتحمل منشفتها :
- ليكى حق ما تصدقيش أصلنا بنكبر بسرعة و بنعتمد على نفسنا فى كل حاجة و ناجحين الحمد لله .. بس برضه عاوزة أعرف سبب زيارتكم إيه .
ثم إلتفتت بجسدها ناحية والدتها و قالت ساخرة :
- آسفة بجد .. يعنى بسألك و أنا عارفة إنكم رجعتم علشان الناس هيقولوا عليكم إيه .. أب و أم راميين ولادهم و بيحضروا فرح إبنهم زى المعازيم .. برضه كلام الناس بيوجع .. ده إن كنتم لسه بتحسوا .
و نظرت لها بإزدراء و تركت لها الغرفة و خرجت .. لتدخل سلوى فى نوبة بكاء شديدة .. قابلت وعد والدها يخرج من المرحاض فإنطلق نحوها و ضمها بشوق و تنهد مطولا وهو يقول :
- حبيبة بابا .. وحشتينى يا وعد .
لم تبادله ضمته و إنتظرت ببرود حتى تركها و تطلع إليها بتعجب .. فقالت له بغلظة :
- خلصت الفيلم بتاعك .. ممكن أدخل الحمام بقا .
وقف الجميع يتابع كلمات وعد اللاذعة بدهشة .. بينما نهرها والدها بشدة قائلا بغضب :
- إنتى إتجننتى يا بنت .. إزاى تكلمينى كده .
رمت منشفتها على كتفها و عقصت ذراعيها أمام صدها و قالت بإستخفاف :
- أنا بكلمك كويس على فكرة .. لأنى لو إتجننت بجد هتسمع كلام يضايقك أكتر .
رفع والدها حاجبيه بدهشة بالغة من ردها الوقح .. بينما أردفت هى ببرود :
- فبلاش ترسم دور الأب علشان مش لايق عليك .. و هقولك زى ما قولت لمراتك زيارتكم دى ما كانش ليها ستين لازمة .. تعبتوا نفسكوا على الفاضى .. إحنا إتعودنا نبقى لوحدنا .. و مش محتاجين طلتكم علينا .. و يارب الزيارة دى ما تطولش .. لأن المعازيم بيمشوا بعد الفرح على طول .
لم يتمالك عيسى نفسه أكثر و رفع يده لصفعها .. فأوقفه عمر بأن تمسك بذراعه و قال بلوم :
- جرى إيه يا جماعة صلوا على النبى مش كده .
تطلعت وعد لوالدها بإحتقار و دلفت للمرحاض و صفعت ورائها الباب بقوة .. فصاح بها والدها بغضب :
- قليلة الأدب .. ما إتربتيش .
فتحت وعد الباب و ردت عليه بقسوة :
- مش غريبة أبقى قليلة الأدب على فكرة ما أنا تربيتكم .. ولو إنى أشك إنه حتى قلة الأدب علمتوهالى .
فصاح بها عمرو بعصبية أخرستها :
- وعد .. إدخلى جوة و خلصى اللى بتعمليه و تلبسى و تروحى شغلك من غير مشاكل مفهوم .
أومأت وعد برأسها و قالت بأدب :
- حاضر يا عمرو .. بس إهدى إنت و ما تزعلش منى .
شعر بالأسى على حالتها فتوجه ناحيتها و ضمها بشفقة و قبل مقدمة رأسها كعادته و تطلع داخل عينيها بإبتسامته الساحرة قائلا برقة :
- هنتكلم باعدين .. دلوقتى جهزى نفسك علشان تروحى الشغل و ما تتأخريش .. تمام .
ضمته إليها بقوة و قالت بوداعة :
- حاضر يا حبيبى .. بس إوعى تزعل منى .. ده أنا أموت .
ضمها لصدره بحنان أبوى و قال بحب :
- مقدرش أزعل منك يا عمرى .. ده إنتى بنوتى الصغيرة .. يالا بسرعة علشان ما تتأخريش .
تركته و إغتسلت و توضأت و خرجت لغرفتها مباشرة .. أدت فروضها و إرتدت ملابسها و خرجت دون أن تنطق بحرف واحد .. توجهت لموقف الحافلات و صعدته بشرود حتى إمتلأ و إنطلق لوجهتها .. و صلت أخيرا للشركة و ركبت المصعد و لأول مرة لم تشعر بالذعر و السبب شرودها .. خرجت منه و توجهت لمكتبها بهدوء .. ألقت السلام على مالك و سامر و جلست على مكتبها و فتحت حاسوبها و إنهمكت بعملها و عيون مالك و سامر تتابعانها بأسى على حالتها المتوقعة .........

خرج سامر من المكتب و ترك لوعد و مالك الغرفة ليستطيع مالك التحدث معها بحريته .. و لكنها رفضت الحديث بأدب .. فإحترم هو رغبتها وتركها و خرج .. فدلف سامر مجددا و جلس أمامها و سألها بمزاح عله يستطيع أن يخرجها من حالتها :
- وعد .. عملتيلى إيه فى موضوعى أنا وعلا .. إنتى وعدتينى هتردى عليا النهاردة و وعد الحر دين عليه .
إبتسمت وعد بخفوت و تطلعت نحوه و قالت وهى ما زالت تحتفظ بوجهها المتجهم :
- حل مشكلتك فى إيدك يا سامر .. لو كنت من الأول دخلت البيت من بابه .. كنت و فرت عليك و عليها تعب سنين فاتت .. و دلوقتى بتكرر نفس الغلط و بتدخل من الشباك من ورا أهلها .. الصح صح يا سامر و ده اللى عمله طارق الله يرحمه .
مرر سامر أنامله بذقنه و قال بنبرة هادئة عكس عادته :
- بس أنا خايف لو إتقدمتلها دلوقتى ترفض .
حدجته وعد بشفقة و قالت بقوة :
- ما هى هترفضك .. بس إنت لازم تحاول مرة و إتنين و عشرين و تتحدى العالم علشان حبك و تثبت لها إنك بتحبها و ترجع ثقتها فيك .. وده عمره ما هيكون سهل فا لو هتتعب بلاش تحاول .
تنهد مطولا و هو يفكر بما قالته .. ثم قال بإبتسامة متحمسة :
- عندك حق يا وعد .. و أنا هعمل المستحيل علشان تبقى ليا .. و هدخل البيت من بابه .
- ربنا معاك .
قالت وعد كلماتها الأخيرة و هى تعود بعينيها لحاسوبها مرة أخرى ... و بعد ساعات من العمل أغلقت حاسوبها و حملت حقيبتها و لملمت أشيائها فسألها مالك بهدوء :
- هتروحى الدار مش كده .
أومأت وعد برأسها وهى تتحاشى النظر لعينيه و قالت بجدية :
- أيوة .. هدخل للباش مهندس شوية قبل ما أمشى و أول ما هخلص شغل معاه همشى .. سلام .
و تركته و إبتعدت وهو يشاهد حزنها و يديه مغلولة لا يستطيع مساعدتها أو التخفيف عنها .....
طرقت وعد باب غرفة جاسم فأتاها صوته قائلا بقوة :
- تعالى يا وعد .
دلفت وعد للمكتب فوجدت رجل كبير فى السن يجلس على مكتب جاسم بحرية .. بينما يجلس جاسم أمامه فقالت بخجل :
- أنا آسفة يا باش مهندس .. ماكنتش أعرف إن مع حضرتك حد .
أشار إليها جاسم بيده لتتقدم نحوهم و قال بجدية :
- تعالى إدخلى .. ده الحاج فضل والدى .
إقتربت وعد من المكتب و إبتسمت لفضل بود و قالت بتهذيب :
- أهلا و سهلا يا فندم .. نورت الشركة .
وقف فضل ومد يده لمصافحتها .. فقال له جاسم بتوجس :
- معلش يا حاج و عد مش بتسلم على رجالة .
بينما فاجأته وعد وهى تصافح والده و قالت بعتاب رقيق لجاسم :
- بس الحاج زى والدى يا باش مهندس .
تطلع إليها فضل بإنبهار من أخلاقها و ملابسها المحتشمة و ملامحها الرقيقة و قال بإنبهار :
- لسه فى بنات زيك يا بنتى .. إتفضلى إقعدى .
جلست وعد قبالته فسألها فضل ببإقتضاب حاسم :
- إسمك إيه ؟!!
أجابته بقوة تعكس شخصيتها القوية و العملية بنفس الوقت :
- أنا إسمى وعد عيسى القاضى .
قطب فضل حاجبيه بإنفعال خفيف و هو يتذكر أين إستمع لذلك الإسم من قبل ثم رفع حاجبيه مجددا بعدما تذكر و سألها بشك :
- عيسى القاضى .... إنتوا من عيلة القاضى اللى عند الكوبرى .
أومأت وعد برأسها بنعم و أجابته برد سريع و قوى :
- أيوة يا فندم ... بس ده كان بيت جدى ..إحنا دلوقتى عايشين فى بيت بابا ورا المحافظة .
وضع فضل سبحته على الكتب و قال بإبتسامة موجه حديثه لجاسم :
- أهه باباها يبقى قريب الحاجة دولت ماماتك من ناحية أمها .
رفع جاسم حاجبيه من تلك الصدفة الغريبة قبل أن يقول بدهشة :
- بجد يا حاج .
- أيوة .. جدتك تبقى بنت خالة جدة وعد الله يرحمهم .
إلتفت فضل بوعد و قال لها مؤكدا :
- سلميلى على والدك يا بنتى و قوليله يأنسنى و يشرفنى فى معرضى فى أى وقت .
أجابته وعد بإقتضاب و سألته بإستفسار :
- يوصل طبعا .. بس حضرتك تعرف بابا شخصيا .
- طبعا يا بنتى .. إحنا أهل .. على فكرة أنا بسمع عنك كتير من الشباب و بالذات جاسم .. طول الوقت يقولى وعد عملت .. وعد سوت .. بس شغلك كله كوم و حكاية إهتمامكم بالأيتام ده كوم تانى ربنا يعينكم على فعل الخير .
زادت إبتسامتها إتساعا و هى تجيبه بإمتنان :
- شكرا لحضرتك .. و بتمنى أكون قد الثقة اللى الباش مهندس حاططها فيا .
رد عليها جاسم و هو يتأملها بحب :
- ده إنتى قدها ونص وتلات تربع .. ربنا يباركلى فيكى .
لاحظت وعد نظراته و تلك الكلمات المبهمة مجددا فوقفت بتوتر و قالت بصوت مضطرب :
- فرصة سعيدة يا حاج .. معلش مضطرة أمشى ورايا شغل بعد إذنكم .
وقف فضل و صافحها مجددا و قال و هو يربت على كفها بحنو :
- أنا أسعد يا بنتى .. ربنا يكتر من أمثالك و يوفقك .
- متشكرة .. بعد إذنكم .
وتركتهم و إنصرفت و جاسم يتابعا بعينيه بتنهيدة حارة .. لاحظ والده هيامه بها و نظراته الملتاعة .. فجلس بهدوء و هو يخفى إبتسامته الماكرة .. ثم قال على مضض :
- هتفضل متنح كده كتير .
إلتفت إليه جاسم بإستحياء و قال معتذرا :
- آسف يا حاج معلش .
فباغته والده بسؤال جعله يرتبك بشدة حين قال بدهاء :
- بتحبها مش كده .
إتسعت عينى جاسم من المفاجئة .. و إبتلع ريقه مهدئا حالة الجفاف التى داهمت حلقه و ما أن فتح فمه ليرد حتى أردف والده بإبتسامة سعيدة قائلا :
- يا ريت يا إبنى تكون من نصيبك .. دى بنت لو لفيت الدنيا علشان تلاقى زيها مش هتلاقى .. أدب و أخلاق و تدين .. و فوق كل ده زى القمر .
جلس جاسم أمامه براحه و سأله بسعادة :
- إنت شايف كده يا حاج .
- أيوة شايف كده .. لو ضيعتها منك هتندم .. دى جوهرة و عايزة اللى يقدرها و أنا هبقى مرتاح و مطمن عليك لما تكون دى مراتك .. مش البنات الكسر اللى مصاحبهم .
أشار له جاسم بيديه قائلا بجدية قاطعة :
- ﻷ بنات إيه و بتاع إيه خلاص توبنا إلى الله .. بس إدعيلى يا حاج إن وعد تبقى ليا .. لأنى مش هستحمل أخسرها .. دى بقت حتة منى و ربنا يعلم .
و قف والده وهو يعدل من هندامه و حمل مسبحته و قال بقوة :
- ربنا مش محتاج وسيط بينه وبين عبده .. قوم صلى و إدعى ربنا يجعلها من نصيبك البت شكلها متدين و عمرها ما هترضى بيك و إنت بتصلى الجمعة بس .. يالا سلاموا عليكوا .
أجابه جاسم و هو يتنهد براحة .. و قد تبعه لباب المكتب :
- حاضر يا حاج .. هقرب من ربنا بجد لأنى محتاج أقربله مش علشان موضوع وعد .
إلتفت إليه فضل و مد يده إليه بمسبحته و قال بفرحة ملأت عينيه التى ترقرقت بالدموع :
- ده يوم المنى يا إبنى .. و ربنا يثبتك .. إمسك السبحة دى ورثتها عن جدك و هو اللى إدهالى قبل ما يموت و كان جايبها معاه من الحجاز .. خليها معاك دايما و سبح عليها .
أخذها منه جاسم وهو يبتسم بسعادة بالغة فتلك المسبحة غالية جدا على قلبه لأنها تذكره بجده الذى لم ينساه منذ وفاته حتى الآن .. ثم و ضعها بين أنامله و قال بنظرات تقدير :
- ربنا يخليك ليا يا حاج و أقدر أخليك فخور بيا دايما .

ربت فضل على كتفه و تركه و إنصرف و جاسم يشعر براحة و سكينة لم يشعر بها من قبل .. أغلق خلف والده الباب و توجه للمرحاض الخاص به بمكتبه .. و خلع حذائه و جواربه و ثنى كمى قميصه و توضأ .. ثم إفترش سجادة صلاة و وقف فى إتجاه القبلة و كبر و صلى ..........

فتح سامر باب مكتب جاسم ليتسمر مكانه من تلك المفاجأة الغير متوقعة على الإطلاق .. فإبتسم بتعجب و هو يراقب سجود جاسم الخاشع .. ثم دلف للمكتب و أغلق ورائه الباب و جلس على إحدى الأرائك ريثما يفرغ جاسم من صلاته .. وما أن إنتهى جاسم حتى أخذ يسبح على سبحة والده لتزداد نظرات التعجب بعينى سامر حتى إلتفت إليه جاسم من وضعية جلوسه و قال له محذرا :
- هتزعل منى لو إتريقت فاهم .

رمقه جاسم بضيق ثم قال بصوت متوهج من السعادة :
- بالعكس بقا .. أنا فرحان بيك جدا و عندى أمل إنك هتبقى أحسن منى أنا ومالك إن شاء الله .

رفع جاسم يديه للأعلى وهو ينظر للسقف بشرود :
- يا رب .. ثبتنى و إبعد عنى شيطانى و قربنى ليك و إهدينى لعبادتك يا أرحم الراحمين .
- آمييين .

.................................................. .................................................. ......
....................

إحتضنت إمتثال إبنتها بشفقة على حالتها المنهارة و قالت برفق :
- إهدى بقا يا سلوى مش كده .. إنتى عندك السكر و ممكن تتعبى يا بنتى .
كففت سلوى دموعها و قالت بألم و سط شهقاتها :
- بنتى بقت بتكرهنى خلاص .. مش طايقة تشوفنى .
ربتت روضة على كفها لتهدئتها و قالت ببرائة :
- إهدى يا ماما لو سمحتى .. هى هتاخد كام يوم بس و هتهدا و هتبقى كويسة .. بس محدش يضغط عليها إنتوا ما تعرفوش اللى إحنا شوفناه معاها لحد ما إتعودت على سفرك إنتى بالذات و خصوصا لما بابا ضربها و نقلناها للمستشفى .
شهقت سلوى من بين دموعها و قالت بضيق :
- و أنا ذنبى إيه .. أنا مش قدامك حاولت معاه علشان أبعده عنها .
سحبت روضة نفسا طويلا و زفرته بهدوء لتهدئة إنفعالاتها و قالت بلوم قاسى :
- هى وقفت قدامه علشانك و كان جزائها إنه قفل عليهم الباب و ضربها بالحزام و جه على وشها و إتعورت و دمها غرق وشها و لولا عمرو كسر الباب كانت ماتت فى إيده .. ده حتى عمرو لغاية دلوقتى بيعالج كتفه من كسر الباب .. و لما رجعت من المستشفى لقتك سبتيها و مشيتى من غير حتى ما تطمنى عليها كأنها كلبة و لا تسوى .
تطلع الجميع بروضة متعجبا من ردة فعلها الجديدة عليها فلم يسبق لها الإنفعال هكذا من قبل .. فأغمضت روضة عينيها للحظات و قالت بهدوء :
- إديها وقتها يا ماما .. مش سهل اللى حصلها و بسببه رفضت عرسان لا تحصى ولا تعد .. هى محتاجة ترجع ثقتها فيكم و ده مش هيبقى سهل .
جلست آمال بجوار سلوى و قالت بإبتسامة هادئة لتغير حالة الحزن التى عبأت الأجواء :
- بقولك إيه يا سلوى .. قومى بينا أوريكى شقة العرايس و أفرجك على الحاجات اللى جبتها لروان .
أومأت سلوى برأسها و قالت بصوت ضائع :
- طيب .. يالا يا حبيبتى .
صعدت السيدتان لشقة العروسين .. فجلست روان بجوار روضة و قالت بلوم :
- ليه كده يا روضة .. إنتى أعقل من كده يا حبيبتى .
مررت روضة أناملها بشعراتها و قالت بحزن :
- وعد تعبت كتير يا روان و على يدك .. مش هسمح لحد يرجعها لحالتها القديمة تانى .. و هما لازم يفهموا إنها مش بنتهم الصغيرة الدلوعة اللى سابوها بالسنين وما فكروش فيها .
مصمصت إمتثال شفتيها بإمتعاض و قالت بحدة :
- معاكى حق يا روضة .. دى كانت هتموت مننا .. عموما ربنا يهدى الحال .. قومى يا أختى إنتى و هى ساعدونى فى الغدا رجليا فقفقت .
وقفت روان بضيق و قالت بتذمر :
- حرام بقا .. أنا فرحى كمان كام يوم و المفروض أرتاح و أعمل مسكات و كريمات و حمام بخار .
دفعتها إمتثال أمامها بقوة و قالت ساخرة :
- طب روحى أقفى إنتى قدام البوتوجاز باشرى على الأكل علشان تعملى حمام بخار لسنتين قدام .. يالا للشبشب هيشتغل .
إبتسمت روضة و روان وهما يساقان أمام إمتثال بالقوة الشبشبية ......


.................................................. .................................................. ..............
.....................


قراءة ممتعة


ياسمين أبو حسين غير متواجد حالياً