عرض مشاركة واحدة
قديم 07-12-20, 09:47 PM   #18

فاطمة طلحة
 
الصورة الرمزية فاطمة طلحة

? العضوٌ??? » 476559
?  التسِجيلٌ » Aug 2020
? مشَارَ?اتْي » 25
?  نُقآطِيْ » فاطمة طلحة is on a distinguished road
افتراضي


الفصل السابع عشر( الأخير )
...................
باب الجنة
..................
رُفعت الأقلام وجفت الصحف
(حديث قدسي)
.............
مُسير أنت في المسيرة و مخير عند المفترق
.............
تلك الدفة التي طالما تناوبوا على اللهو بها في خضم التيار العاصف دون العبء بالنتائج
التحموا مع مخاض ألامهم الذي لا ينتهي و تناسوا السماء التي رُفعت بلا عمد
تلك الخطوة أنتَ تملك زمامها، تلك الحقيقة التي ما منها مفر
أنت عازم، و مُصر
أنت قادر علي التفرقة ، أنت تمتلك الفطرة و تفتقر لليقين
..................
عادوا للبيت و كلٌ في دوامته
ومحاولة الموازنة مستحيلة مع استمرار وجود العلة
الهرب المؤقت باهت، واهي، بلا أساس سليم
و مع أقل تعاظم للمعضلة تتفتت عزيمتك أسفل الضغط

- ذلك درب من الجنون كأنك تنتحرين
تضحين بحياتك و من أجل ماذا
و على أريكة صغيرة كانت متكورة في جلسة تضم بيديها الاثنتين النبض في رحمها
هامسة - ابنتي
و يعاوده الطرق تلك الخبطات التي كانت تدق قلبه وعزمه و روحه داخل القفص
يشاهد أبيه ينهار أمام عيناه تتبخر أنفاسه و يرحل من الدنيا
و هو ُيساق بلا إرادة خلف جدران قابضة خانقة و مارده يقرع القضبان في صدره
قاربها ملتصقاً
و بحرقة سنين
- كان عمري تسعة عشر عاماً
انقبض قلبها من استهلاله ذلك بعد صمت
فتطلعت له دون حركة
- كنا أنا ومحمد في كلية علوم العام الثاني و هو يسبقني بعام و حسن في العام الثاني من كلية التجارة
بهرنا وهج المدينة وانجذبنا لأنوارها كذبابات خرقاء فأحرقنا الضوء
و تأصل فينا بُغض القرية و زاده رفقاء السوء
وخطوة واحدة عرفنا فيها طريق المخدرات بدأت بهزل و تحدي أخرق و سقطنا بمليء ما فينا من دَفع في الفخ
حتي ليلة انتهت أموالنا نحن الثلاثة
حسن أبوه جزار
محمد كان أبوه معلماً و محفظ للقرآن حتى لحظة سقطتنا
و أنا ابن القس، اللقب الذي طالما كان مرساة نجاتي و حجر عثرتي
و حكاية دراماتيكية دُهست في ألوف القصص عن مدمن نفذت أمواله في شراء المخدر فاتجه للعمل في بيعه
محمد كان أشرسنا استهلاك، قُبض عليه يوزع المخدر و كنا بصحبته كالعادة ثلاثتنا لا نفترق
التحقيقات مرت كالجاثوم كنا سبعة في التحقيقات و الكمية التي وجدت بحوزة محمد وحده كافية لإيداعه السجن خمسة عشر عاما ً
حتي أقترح أبى أن نعترف أننا كنا نتاجر معه و تتقسم الكمية علي ثلاثتنا
انتفضت من مجلسها فأعادها بهوادة وهو يرتجف
- أجل أبى من اقترح الفكرة
ثم ابتسم ساخرا ً بمرارة
- كان يريد تأديبنا حقاً و أن يرحم قلب صديق عمره من حُرقه ضياع مستقبل ابنه لسنين طويلة
و افق عمى جلال و عمي ناصر و أخبرونا به
أمراً غير قابل لجدال أو مناقشة

و تم
المحامي قال لهم أن الحكم قد يكون عاماً أو أقل نظراً لحداثة أعمارنا
كانوا يعلمون تماماً ما يفعلون، كان من الممكن أن يكون حكُمنا أنا و حسن ستة أشهر فقط أو الايداع في مصحة حتي تمام العلاج

و عند النطق بالحكم لم يتحمل قلب أبي العليل، انهار
حُكم علينا بثلاث سنوات
مات أبى وسط صريخ أمي
و أنا بين القضبان لا أستطيع أن ألمسه أو أحتضنه لمرة أخيرة

كانت مريم تبكي بلا صوت عيونها معلقة به و هو يجلس أرضاً تحت قدميها
عيونه تصرخ كمداً وحزناً
أنا قتلت أبي مريم سقطتي و ضعفي قتلا أبى
مريم أرجوكِ ... لا تجعلي ابنة ابيها مثله لا تجعليني السبب
لن أحتمل موتك ... ليس بي طاقة للفقد
و مريم رغم دموعها تبتسم و هي تقول

- تلك الطفلة طوق نجَاتك و نجاتي

وابتسامتها تؤجج نيرانه، فينتفض بصراخ مُرهِق

- تلك الطفلة ستكون مقصلتك ، حالة قلبك لا تحتمل
رفعت له يديها باستجداء التحمت فيه أناملهما لأول مرة من شهور
بسطتها على النبض ليستشعره
برجفة متفجرة طالته و لسان حاله يرددها خافته
- لا ... مريم ... أرجوكِ
.......................

ذلل قلبك بذكر الموت
( الإمام علي )


تزور طبيب القلب أسبوعياً و كل أسبوع حالتها تزداد سوء
المال لا يكفي فأضطر أن يعود للعمل في المحافظات البعيدة يغيب باليومين عنها محترقاً بنار البعد والفقد معاً
و الطبيب يخبره أنه يفضل أن تلد في شهرها السابع
عن الانتظار للتاسع غير أن الطفلة ستودع حضّانة لفترة ما حتى يكتمل نموها
فترفض هي بوخز مُنهَك
- لا
يبكي أمام باب غرفتها في الليل يرجوها أن توافق ربما كان لها فرصة أفضل في النجاة
فتفتح بابها له هامسة بنهت
- جفف دموعك مينا سنكون جميعاً بخير
..................

أنّت بألم خفيف في صدرها ألم كان دوما مبهم في تفاصيله
مستتر خلف آلام أخرى طالما انغرزت فيها كسهام مسمومة
عيونها التي اعتادت غشاوة الدموع فشوشت كل ما يطاله النظر
ترى الأن الحقيقة بوضوح من خلال قرب النهاية

(كان هناك طريق آخر)
و فتاتها الأن تطرق الجدار تتخبط في الظلام الرحب

على السجادة
ظلت تسجد، تبكي و تدعو الله أن يغفر ويرحم الذلل و الضعف
ترفع عيناها للسقف
تتذكر سماء الفردوس طالما كانت تضمها مثل أم لم تكن لها في يوم ما
عرفت طريق الله عند دنو الموت الفجوة السوداء التي ما أن تنقشع عتمتها تطل أشعة من نور خطوط مرسومة علي الأرض
طريق لقلبك حتي باب الهداية
فقط لا تكابر واعترف و أطلب الصفح
(اللهم ردنا إليك رداً جميلاً)
من يوم عادت من عند الطبيب و دموعها لا تفارق وجنتيها بعد أن قص عليها قصته
كيف حاول الانتحار و كان سينجح لولا أصدقائه الذين كان مقاطعاً لهم بعد موت والده
كيف تآكَلَه الذنب كإعصار أينما حل يدمر لا يبقي و لا يذر

كيف قاطع الحياة التي سلبها من أبيه في لحظة سَخط أخرق
كيف مر عليه العُمر لا يميز أيامه المتوالية
كيف كان لا يرعى الأقحوان و لازال على عهده به مزدهراً
كيف كان فاتراً محبطاً متخبطاً
ثم جنية هاربة تتسلق سيارته بعتمة الليل في أشد لحظات حياته سرمدية
- و طريقانا المختلفان تقاطعا يا مريم و وقفنا على المفترق
و أي مسار سنسلك و كيف ستكون نتيجة الاختيار
و انسقت تركت الفيض يُخلف سيلاً بعد أن هَدَمت السد
و عثت فيكي فساداً دون مراعاة أي حد

على السجادة
التي طالما كانت مركونة في غرفتها بمنزل الحاج جلال على مقعد بجانب النافذة و مصحف قلما قلبت بين صفحاته

۞ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53)
(سورة الزمر )

طالما كانت متعثرة بالقراءة لم تحزن حين أرغمتها أمها علي ترك الدراسة في ثالث عام من مرحلتها الإعدادية و ما هي إلا شهور حتي أرغمتها علي الزواج
و تلك الكلمات
كيف العباد أسرفوا ....... و ماذا يعني تقنطوا
لكن
( إن الله يغفر الذنوب جميعاً)
ذلك الأمل و تلك البوابة الواسعة العامرة باب الرحمة و المغفرة
...................
لم تطرق عليه الباب الخشبي هي فقط أمامه أحكمت حجابها
و أدارت المقبض
كان ممداً علي فراش صغير يرتكن على حافة الفراش و يديه مضمومة أسفل رأسه كعادته
الجو أصبح بارداً جداً
ما إن لمحها حتي اعتدل يتساءل بقلق بارزة معالمه المرتعبة على صفحة وجهه
- ماذا هنالك
بإشارة من يديها تهدئه، قالت بصوت خفيض
- أنا بخير
جلست علي حافة الفراش البعيدة بحذر استجلب شجنه فوضاها التي تغرق فيها الأن صنيع يديه
وأغلال من حديد لازالت تقيد روحه تسحبها لذات البئر المظلم
عيونها قرأت و لأول مرة بوضوح
الصورة جلية الأن أمامها
واضحة معالم العلة و مكتملة أركان التشوه
- لا عليك ...
كلمتان فقيرتان استهلت بهما حديث لم يكن طويلاً علي قدر ما كان مزلزلاً و تلك أيضاً حكاية مكررة

و ما أكثرها على أرض الفقر و الجهل و شُح الحب
- وليلة تجاور ليلة حتى انقضى لي في بيتهم عُمر
افقد آدميتى أتلذذ بالعذاب حتي أصبحت أدمنه
أناقر الكهل في فراشه لأنال ركلاته و سبابه البشع لذاتي و ذات أهلي منذ قديم الأزل
و أشاجر العجوز التي كانت تتفنن في تعذيبي التي أصبحت طقوس عبادة واجبة لا يجب أن يمر يومي دونها
أصبحت أتمني موتهم، دمائهم إن شربتها كاسات لن تشفي غليلي
و المحصلة أنا من ستذوي بلا أثر كغبار يُنفض من على بُساط
فأهديتهم المأساة

كانت سهرة غبية يقرها الكهل بمباركة عجوزه يجمع فيها أولاده و بناته بأزواجهم يضحكون و يمرحون
و أنا أخدمهم كالعادة
و قصة على التلفاز تُعرض
و لأول مرة عقلي المحدود يستعب الصورة الكاملة
تلك الحكاية لن تنتهي

و القصص ليست للتسلية القصص علي أرض الواقع كالضواري في الغابات تسعى لاصطياد عقولنا كالفرائس
و كل فريسة على قدر المقاومة تنجو أو تموت

صغيرهم المُدلل كان ورقتي الرابحة
أمه كانت تحوم حولي كَنسر في السماء يحوم حول جِيفةٍ
و الجيفة بلا روح أنتَ لا تخشاها
ليست مكمن الخطر
الخطر في أن للجيفة طامعين آخرين
و ذلك ما أن تَدَاركْته حتى أكلمت فيه لأخر المدى

و نبرتها تحتد بشراسة

ومينا لا يصدق ما تتفوه به الآن بيضاء السر و السريرة
ساحقة المنطق
و عيونه تصرخ بفزعه
- ألقيتي بذاتك إلي قاع الجحيم
فانتفضت برجفة خوف و هي تصرخ بوجهه
ماكنت أختبره كل يوم وليلة معهم كان هو الجحيم بذاته
حتي تلك اللحظة التي لمحت فيها نظرة القهر و الحسرة
وجع الخيبة و ألم الغدر و الخيانة
خذلانهم في ولدهم
انعش فيَ الروح و رد لي و لو جزء ضئيل من كرامتي

تحرك تجاهها هاجراً موضعه و لازال رأسه يدور في الدوامة التي سحبته فيها

- عن أي كرامة تتحدثين لقد سمحتي له بامتهانك كليةً يا امرأة
كيف استطعتي ترك نفسك له، أنت زوجة أبيه بحق السماء
ألم يكن هناك طريق آخر

و ذلك سرد آخر
أن هناك طريقًا كان من الممكن أن يسلكوه ، درب معالمه أكثر وضوحاً أكثر تشبثا بالفطرة ومراعاة للإيمان
كلامه ... دقه بمطارق الذنب الذي يحتويهما معاً

كانت مغمضة العينين ساكنة ضئيلة
تتحرك ببطيء وحملها علي أعتاب الشهر الثامن
وجدها تمددت على فراشه في تعب و ثقل

أريد أن أنام ....
كلماتها كانت ثقيلة و رعشة خفيفة ظاهرة بين الحروف
لن تأخذني بين ذراعيك
و عيناها تذرف الدمعات بغزارة
فيرد لها كلماتها كالتائه بلا أمل في الرجوع للمُستقر

لقد توحشتك مريمي أبغي اعتصارك بين ذراعي لا احتضانك فقط
فتهمس بحزن
أصمت أنا فقط متعبة و أريد أن أنام بإمكانك الاقتراب قليلاً لأشم رائحة أنفاسك فقط أشعر أني افتقدها
اقترب منها مقدار خطوات بسيطة المقدار و عظيمة على قلبه المهدم
ليهبط من ارتفاعه يوازي وجهها على الوسادة
و نبرته كلها ضعف
- أنا أحبك مريم
و مريم مغمضة العينين أمام انفاسه الحارة على وجنتيها و دمعاتها عاودت الهبوط مع اعترافه المر
- حب أسود حب لم يكن لي من البداية
كان يجب أن يكون لفتاه مسيحية من دينك تنجب منها ابنة تسميها ماري على اسم والدتك أما أنا فلا أستحق ذلك الحب مينا ... لقد قررت في لحظة أن أجرّك لفخ الاعتياد فإذا به يُطْبق على قلبي أنا
و لا أستطيع الفرار
ابنتي مينا ستسميها زهرة كتلك الزهرات التي كانت تجمعنا معاً في الفردوس
و لا زالت عيناها مغمضة و لا زال يحوم بعينيه على تلك الملامح الباهتة ... فتاته ... ساحقة المنطق
بشرة قمحية، شفاه نحيلة بلا أي امتلاء، انف متوسط
و عيون زجاجية اصبحت الأن تذكره بالبلور المشروخ
.................
ظل يراقبها حتى انتظمت انفاسها و خواطره تتراجع
تلك السفرة التي قام بها و أمام مخزن لسلع كان ينقلها من عربته مع بعض العمال
دق الجرس
دقه أجفلته
و دقه قَسمته
ودقة أبكته
حتي وجد حالة بين المصليين
و الموعظة كلماتها رنانة

فَنَظَرَ إِلَيْهِمْ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُمْ: "هَذَا عِنْدَ ٱلنَّاس غَيْرُ مُسْتَطَاعٍ، وَلَكِنْ عِنْدَ ٱللهِ كُلُّ شَيْءٍ مُسْتَطَاعٌ"

بكى كما لم يبكِ من قبل

- هل تصلي يا بني من أجل الغفران
لم ينظر لها كانت كُليته هناك عند المذبح

- أنا أصلي من أجل أن تعيش مريم صلي معي يا أمي
علني غير مقبول الصلاة عنده عله يستجيب لك فتنجو من الموت
و الأم و ضعت كفها على كتفه بربته تهدهد النفس الملتاعة بجزع داخله
- الله محبة و الرب للجميع العاصي منهم قبل المؤمن
فقط أطلب الصفح و أسعى للغفران
و هو من لحظتها يداوم
يداوم علي الصلاة و يداوم على الدعاء
.......
لازال علة جلسته يجاورها
و هي في نومها المضطرب تتأوه في خفوت
يفتقد تلك الحميمية التي كانت بينهما و حميميتهما لم تكن في الفراش قط
بل كانت في مشاركة التفاصيل تلك التي طالما حرّمتها
عليهم وحدتهما فتناسوها في خضم الانغماس

يحدثها من العدم إلى العدم

هل تعلمين مريم

نحن .. ظللنا نلعن المقعد و إعاقته للدرب ونسينا أننا الأغبياء
أنا وأنتِ نفتقر للإيمان
..............................
باب الجنة
................

إشعار النهاية
................
طرقاته حثيثة علي باب الغرفة
لن يفتح الباب حتى تأذن له إفطار بسيط حضره كالعادة
يجب أن يطمئن عليها قبل أن يقوم بسفرته تلك
إلا أن أناتها دفعته لاختراق الغرفة بسرعة شديدة
تبكي
كفها تعتصر به صدرها من الألم
و ماء الرحم ملوث بالدماء يسيل من بين ساقيها و هي لم تتخطي شهرها الثامن بعد

على فراش في مشفى
لا تبكي مريم ستكونين بخير أنتِ و زهرة
و مريم تعلم أنها النهاية
و عند النهاية نفقد ثباتنا المزعوم نخشى العقاب نطلب الرحمة و غفران الذلة و الضعف
- مينا أنا أشعر بالخوف هل تظن أن الله سيقبل توبتي
و مينا يبكي صوته يخرج من حنجرته مجروحاً
- أنه ذنبي أنا مريم أرجوكِ تماسكي لن تموتي أنتِ من سيربي ابنتك
فتتشبث به
أخبرها عني، لا تنساني مينا وادعو لي , ربما التقينا أنا وأنت مجدداً على باب الجنة

.................
حتى أخذوها منه لغرفة العمليات و على الهاتف
- محمد ... مريم
لم يطول الأمر ساعة ربما أو ساعة و نصف
دقائق مهما طالت أو قصرت
هي قدر
و ممرضة بهيئة حزينة وطبيب يخبره أن ذلك كان متوقع
أن الحلول كانت موجودة منذ البداية و أن الاختيار هو من أقر خط النهاية و حدد المسار
لقد رفضت الأم التخلص من الجنين الذي أتى بصحة تامة رغم ولادته المبكرة في أسبوعه الثاني و الثلاثين
فقط ساعات معدودة طالب بها طبيب الأطفال للاطمئنان و ستخرج من الحضّانة له
أما الأم و رغم وجود طبيب القلب و مع التدخل الجراحي اللازم
فقدت حياتها و هي تلد
......................
- مينا
رفع عيونه الخاوية لهما رفقاء الخطى و الخطيئة
- شد حيلك
و البسيطة أمامه على طول المد خاوية و هناك شَق تلك النغزة التي تطرق صدره اتجاه قلبه تخبره
أين العلة التي طالما ستظل ممتدة به و منه و له
لم يملأ الأرض صراخ بل تبسم
تلك البسمة التي ترتسم على وجه الميت بعد أن تخرج روحه التي كانت تتحكم به من قبل
أنهى محمد الإجراءات الخاصة
باستلام الجثة
و حسن يجاوره ........ يطالع عدمية صديقه
لا دموع و لا أي إشارة سوى أنفاس تخرج من الصدر
لتُرَد له ثانيةً
و لا كلام على ظهر الأرض من الممكن أن يُقال
و محمد أمامه مع ممرضة و آخِر ورقة يحتاجونها قبل المغادرة
و لفافة قماشية صغيرة مستكينة بين يديه

ستُدفن مريم في الفردوس و سينقل جثمانها بشاحنته
و الممرضة تكرر سؤالها
و محمد يكرر النداء – مينا
و حسن يدفع كتف رفيقه بلطف عله يستجيب
- أسمها مينا ؟
بماذا ستسمي ابنتك
يرفع عيونه لهم و تقطيبة خفيفة لحاجبية و كأنهم يتحدثون بلغة غير مفهومة
حتي تنطلق صرخات الامتعاض من بين يدي محمد
فيناظر الغطاء الأبيض بين يديه
- كانت تحب اللون الأبيض
- مريم
مريم محمد مينا رزق متى

.................





الخاتمة
..................
يقولون أن أصعب ما في الحكايا بدايتها
كيف تصوغها ترتب الحروف تقيم الجُملة
تحيك النص ليُكَوِّن سرد قصة
لا
... فاصلةٌ... قاطعةٌ... حتى و إن جاز بعدها ألف سرد
أصعب ما في الحكايا نهايتها تلك التي يجب أن تكون قويمة
و إلا صُنفت و بدون مبالغة بأنك أسوء مخادع


..............


ولا صحبة أحلى من تجلّي الذات
ولا حضن أدفى من ونس في النفس
غاب الصحاب لكن الهوى حاضر
قادر ياخدني لحد عين الشمس
يا بحر فاصل شطنا عنهم
بيننا وبينهم ألف سد وسد
عايشين بنلضم جرحنا وإحنا
في شوك في روحنا ألمُ فاق الحد
................
و الطريق من العاصمة للفردوس طويل
يتخطى الأربعة عشر ساعة
و مع السلام في صلاة الفجر كانت شاحنته التي قادها حسن طوال الطريق تتوقف قرب باب المسجد
و الجسمان يسجى للصلاة و مينا يحمل بين يديه ابنته جوار الحائط
يحدق في جثمانها بذهول
يصطف المصلين في تمام

و الصلاة جامعة

الله أكبر
و تقرأ الفاتحة
يؤمهم الحاج جلال

الله أكبر
و تقرأ الصلاة الإبراهيمية
و ذلك إمام المسجد بين المصلين

الله أكبر
و تدعو للميت
وذلك الرجل الذي خبط مينا بعصاه على ظهره في آخر الصف

الله اكبر
و تدعو لنفسك و لسائر و المؤمنين
و ذلك الجَمع الذي كان متجمهراً حولهم من قبل
حالهم
ما بين شفقة علي بؤس حاله وبُغض


.............................
يا صبح جاي يصحي في عيوننا
هنعدي يومنا لو يا دوب على القد
ده الوحدة صحبة والصدى راجع
يرد صوتنا هو هو الرد
ينادي تاني بس مين سامع
ولا صحبة أحلى من تجلي الذات
ولا حضن أدفى من ونس في النفس

..............
بعد مرور عام
.............................

- متي سيأتي عمي مينا يا أبى
و محمد يقلب في هاتفه و عيناه على فاطمة و مريم التي بدأت تخطو أولى خطواتها الصغيرة منذ ما يقارب شهر يلهوان بين الأزهار
- بعد قليل لقد حدثته و قال أنه على أطراف البلدة و لن تزعجيه كعادتك بأسئلتك اللا منطقية تلك فلولا تمسك مريم بك
ما أحضرتك معي
و مريم تعبث بالأقحوانات يتمزق ما يتمزق و ينجو منها ما ينجو
لم و لن ينهرها محمد أبداً منذ أن تركها مينا أمانة في عنقه تنشأ في كنفه مع أولاده و ترعاها أمه
فتصرخ فاطمة عند سماع صوت الشاحنة
- عمي مينا حضر
يلتفوا لواجة البيت
و يتركوا مريم تلاحقهم بخطواتها القصيرة حتى يراها أبوها تخطو لأول مرة
يعاتبه محمد بخفة
- لقد أطلت البعد تلك المرة يا صديقي و لازلت تقود في الليل
فيتبسم مينا تلك البسمة التي لا تطال عيونه أبداً
و يناظر فتاته بلهفة تخطو على الأرض حتى تصل إلى يد فاطمة التي تقودها إلى أبيها
يحملها بين ذراعيه و بداية بكاء يخصه في كل مرة يجتمع بها
و ما إن تعتاد عليه حتى يتركها سعياً لعمله
عيونه على ما تبقى بيدها من أثر الأقحوانات

- حسناً زهرة هل بدأتي في قطف الأقحوان من الآن
لا... تلك الزهرات المسكينة لا نقطفها بل نرعاها

و خطواته حثيثة و يداه تهدهد الصغيرة التي تناست البكاء مع
أصابعه التي تدغدغها
و فاطمة تتعلق بكف أبيها تتسأل
-لماذا يدعوها زهرة دوننا و نحن ندعوها مريم
فيحملق أبيها فيها مؤنبً
فتنظر أرضاً ثم تعاود السؤال مجدداً بتذمر
- حسناً
هل ستبيت معه الليلة كالعادة و تأتينا في الصباح
ليومئ أبيها برأسه في حُزن
ثم يتوجه بأبنته نحو عمار القرية

- ومينا يضاحك الصغيرة( سيف طروادة ) التي تناست البكاء سريعاً ما إن رأت البتلات التي تعشق العبث بها
....................
ساب القمر ضيه على بابي
نور لي كل اللي طفاه الأمس
أنا وحدي جايز، بس مني كتير
حالمين بعالم فيه القلوب تتحس

ولا صحبة أحلي من تجلي الذات و لا حضن أدفى من ونس في النفس
(حمزة نمرة )
..................

بينما عيونه رحلت نحو التبة البعيدة بُعد السماء القريبة غرار النبض
و هي هناك أمام عينه تعبث بالرمال الناعمة كعادتها ، تنتظره ساعة الغروب كلما حضر للفردوس

و ذات الفكرة تظل تجول و تجول في خاطره
ماذا لو
....................

لم يمر ساعة منذ آخر مرة تفقدت فيها هاتفها البسيط
حتى توقفت الشاحنة و صوت بابها المنغلق بقوة أرجفها

لازال الظلام يخيم على أطراف العاصمة البعيدة
و ثوان مرت عليه يناظر خيال جسدها المتكوم أسفل الخيش حتى مَل
فنفضه بحده عاقداً ذراعيه
تحدق به و عيونها أمتلأت بخجل لا تدري من أين لها به
تبرر فعلتها بتردد

- لم تكن أمامي إلا شاحنتك ... ذلك زوج أمي و صديق له كانوا سيقتلونني لو وقعت بأيدهم
و مينا عيناه تنضح بلا أبالي ... ارحلي عني
فقط قال – ترجلي من العربة يا فتاه
تحركت خطوات قليلة و حفيف عباءتها صرير وسط السكون
حتي هبطت أرضاً
تناجيه
- سيدي فقط لو تسمح لي
فيقاطعها رافعاً يديه بفظاظة قائلًا
- لا
ثم يستدير عائداً لمقعد القيادة ... مغلقاً بابها بعنف
مخلفاً غبار و صرير عجلات شاحنته على الأرض الإسفلتية
تاركاً إياها على قارعة الطريق بائسة مبتئسه
تسبه بفظاظة و بصوت عالٍ
- أيها الأحمق الضخم

..................
تمت بحمد الله
الذي أدعوه أن تكون أخذتكم قصاصتي تماماً إلي حيث أريد
باب الجنة
26-7-2020





فاطمة طلحة غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس