الموضوع: وعد بلا رحمة
عرض مشاركة واحدة
قديم 12-12-20, 07:55 AM   #61

ياسمين أبو حسين

? العضوٌ??? » 450896
?  التسِجيلٌ » Aug 2019
? مشَارَ?اتْي » 522
?  نُقآطِيْ » ياسمين أبو حسين is on a distinguished road
افتراضي


الفصل الثاني عشر :
***********************




أغمضت علا عينيها و هى تحاول جاهدة السيطرة على إنفعلاتها المتخبطة فعقلها يرفض التسليم و قلبها قد رفع راياته البيضاء جميعها منذ لقائهم الأول فى شقة جاسم وهم يذاكرون للثانوية العامة .. فإعتقدها سامر إحدى الفتيات التى تساعد والدة جاسم بالمنزل بملابسها الصبيانية قليلا و هى تضع أكواب الشاى أمامهم .. فنهرها سامر قائلا بإستهزاء :
- ما تحطى الكوبايات كويس يا شاطرة إنتى .
رفعت علا حاجبيها و نثرت شعراتها البنية الناعمة خلف عنقها بحدة و قالت وهى تحدجه بغضب :
- شاطرة فى عينك الخضرة دى .. إبت بتستهبل ياله .
وقف سامر أمامها مستعرضا طوله الفاره أمام تلك القزمة المتصابية و سألها ساخرا :
- هو مين ده اللى بيستهبل يا بتاعة إنتى .. غورى من قدامى لأنفخ فى وشك أطيرك .
رفع مالك حاجبيه بتوتر و هو يجذب سامر من معصمه ليلفت إنتباهه أنه تطاول على علا فضل رحال بجلالة قدرها و دلالها .. ولكن سامر نفض ذراعه بقوة و هو يراها تشمر عن ساعديها و تقفز نحوه قائلة بغضب :
- إنت اللى جبته لنفسك يا طويل التيلة إنت .. ورحمة جدو ما هسيبك غير فى المستشفى .
كانت تقفز لتصل لوجهه لتلكمه به و لكن بائت كل محاولاتها بالفشل فزادت ضحكات سامر الساخرة .. مما دفعها لضربه بركبتها بقوة ضربه أسفل الحزام كما يقولون .. لتتسع عينى سامر من الألم و إنحنى قليلا و قال بتوعد و هو يتأوه بشدة :
- ورحمة جدى أنا .. لهعلقك من رجليكى بس أقدر أصلب طولى .
ضحكت علا ضحكة عالية ساخرة و قالت وهى تحدجه بتشفى :
- هههه .. ماتخليك قد كلامك .. و لا أقولك خلى كلامك قدك .
إنتفض سامر قليلا متناسيا ألمه و هو ينوى جذبها و تمديدها على ساقيه وصفع مؤخرتها بقوة حتى تندم على كل حرف نطقت به .. فوقف مالك قبالته و قال له محذرا :
- إهدا بقا يا سامر .. إنت مش عارف مين دى .
- هتكون مين يعنى .. حتت خدامة معفنة عاملالى فيها ولد .
إستغلت علا إنحنائته و لكمته بوجهه بقوة و هى تقول بغضب :
- أنا خدامة يا زبالة .. ده أنا ستك و تاج راسك .
أزاح سامر مالك بذراعه وهو يركض ورائها كى ينظف حذائه بوجهها .. حتى قبض على ذراعها و جذبها نحوه فإستقرت فى حضنه و عينيها السوداء تشع نارا من لمسته الوقحة لها .. بينما هو قد ذاب داخل عينيها و هو يقربها منه أكثر مكبل حركتها الزائدة .. مما جعلها ترتجف إرتجافة غريبة عليها كأنها لأول مرة تشعر أنها أنثى و ليست تلك الطفلة المدللة .. شئ ما بداخلها إستلذ من قربها منه لتلك الدرجة .. بل بادلته نظراته وهى تتطلع داخل عينيه تتأمل جمالهما و لأول مرة لاحظت شعراته الصفراء الناعمة الطويلة و التى لم تشعر بيدها وهى تتلمس نعومتها .. لتبتسم شفتى سامر على حركتها العفوية ........

أبعدهم مالك عن بعضهما وهو ينهر سامر بعنف :
- إنت إتجننت .. بتمد إيدك على علا أخت جاسم .. الله يخرب بيتك .
رفع سامر سبابته و مررها عليها صعودا و هبوطا مقللا من قدرها قائلا بإستهزاء :
- هى دى بقى علا .
أجابته وهى تضع ذراعيها فى خصرها و تتمايل بأنوثة :
- إيه مش عجابة سيادتك يا أبو ديل حصان زى البنات إنت .
رغم أنها طفلة .. لا تتعدى كونها طفلة فى المرحلة الإعدادية .. إلا إنها تمتلك مقومات جسدية خارقة للطبيعة التى تعلنها طفلة بالمناسبة .. فجز على أسنانه و جذب ذراعيها من خصرها و هدر بها بعنف قائلا بعينى تطق شرارا :
- إيديكى يفضلوا جنبك و ما تعمليش الحركة دى تانى مفهوم .
- ﻷ مش مفهوم .. ورينى هتعمل إيه يا طويل القامة إنت .
كور قبضته و حذرها قائلا بغضب :
- إنتى مش حطيتى الشاى .. إنزلى بقا يالا .. و ما تطلعيش هنا تانى إنتى فاهمة ولا ﻷ .

نثرت شعراتها الناعمة مجددا بغرور على ظهرها بحركة تشعله نحوها أكثر و عقله يرفض أوامر قلبه ناحيتها فهى مجرد طفلة خرقاء متصابية رغم إمكانياتها المتفجرة قبل أوانها و شعراتها الناعمة و عينيها الدافئة و شفتيها الوردية إلا إنها ستظل طفلة .. تركتهم و إنصرفت و عينى سامر تتابعها متأمل أنوثة مشيتها .. لعن نفسه كيف رآها متصابية .. إنها أنثى بالمعنى الحرفى للكلمة .. و كأنها شعرت به فإلتفتت بسرعة جعلت شعراتها تلف معها بالهواء متطايرة لتطبع بذاكرته بورتريه رسمه أكبر راسمى العالم للطفلة المعجزة متفجرة الأنوثة .. إبتسمت إليه و هى تطوف بعينيها عليه كليا ثم هزت رأسها و خرجت بهدوء ......

فركت علا أعلى أنفها وهى تغمض عينيها متذكرة هيئته الساحرة و كيف لم تقاوم لمس شعراته الناعمة و غضبها التى كانت تخفى به إعجابها بجماله المستفز .. فإبتسمت بهدوء وهى تعود لواقعها المرير و الذى يخبرها أنه قال لها للمرة الثانية أنه سيتزوج غيرها .. لعنت غبائها و إستسلامها و خرجت تتصنع القوة حتى لا تختفى هيبتها أمام عمالها .. فهتفت قائلة بحزم :
- رؤوف .. تعالا لو سمحت .
إقترب منها رئيس العمال بخطوات واسعة و وقف أمامها قائلا بخنوع :
- تحت أمرك يا باش مهندسة .
أشارت إليه على بعض الغرف وهى تقول بحزم و قوة :
- بكرة الصبح عاوزة أستلم كل الأوض دى و ديكوراتها كاملة و إلا هستغنى عنكم و أشوف رجالة تانية تنفذ اللى عوزاه قبل ما أطلبه .. مفهوم .
أومأ رؤوف برأسه و قال مسرعا لتهدئتها :
- إطمنى يا فندم .. بكرة هتستلمى كل حاجة جاهزة و ألسطة .
- أما أشوف .. و الحمامات و البوفيه يتلزقوا سيراميك بسرعة و تكمل إنت بقية الشغل ﻷنى مش هقدر أجى كل شوية .. غير لما نختار لون الدهان الأخير تمام .
أدى الرجل التحية العسكرية و قال بقوة :
- كله هيبقى تمام يا مرات الغالى الله يرحمه .. شركة طارق بيه هتفضل أحسن شركة ديكورات فى دمياط كلها بإذنه و ماشيئته .
إبتسمت علا بود و قالت بنبرة عالية ليسمعها الجميع :
- ربنا معاكوا يا رجالة و أنا واثقة فيكم .. بس أى واحد هيكسل مالوش مكان معايا .
رد أحدهم بقوة و تقدير :
- إحنا تحت أمرك يا باش مهندسة و عنينا ليكى .
- تسلملى عنيكم .
ومالت قليلا ناحية رؤوف و قالت بطيبتها المعهودة رغم قوتها :
- إوعى تنسى الوجبات للعمال يا رؤوف .. و إبعتلى الفواتير مع فواتير المون و الأدوات تمام .
أومأ برأسه و قال بإبتسامة هادئة :
- حاضر يا باش مهندسة .. دام عزك يا بنت الأصول .
رفعت علا ذراعيها و قالت بصوت عالى :
- السلام عليكم يا رجالة .. بالتوفيق .
- وعليكم السلام و رحمة الله و بركاته .
ترجلت علا من المصعد و هى تتأكد من هندامها بالمرآة .. فإصطدمت بشخص وهى تخرج للمرآب لإستقلال سيارتها .. فرفعت كفها معتذرة :
- أنا آسفة .
قابلها الشخص القابع أمامها بهيئته الجذابة بصافرة عالية وهو يتأملها بجرأة ثم قال بغمزة من عينيه :
- آسفة على إيه بس .. فى جمال كده .. أحب الحلويات .
- طب مش خايف يجيلك السكر .
إلتفتت علا و الشخص السمج الذى يقف أمامها على صوت سامر الغاضب .. فشعرت علا ببعض الأمان وهى تراه أمامها .. بينما إبتسم ذلك السمج و قال وهو يحدج سامر بإشمئزاز :
- مالك يا مسكر .. داخل علينا فى الحوار ليه .

هز سامر رأسه بتفهم و باغته بلكمة قوية أدارت و جهه للجهة الأخرى .. بينما لكمه ذلك السمج مسرعا لينقض عليه سامر بأن ركله بركبته بمعدته و رفع ركبته مجددا بعد إنحنائه ليضرب بها جبهته التى نزفت على الفور .. فصرخت به علا أن يتوقف .. فقذفه بقوة على الأرض و جذبها من معصمها و سار بها مبتعدا و أدخلها سيارتها بالقوة و وضع لها حزام الآمان و طلب منها الإنصراف حالا قبل أن يتطور الأمر معها هى شخصيا و تركها و إبتعد .. فأخرجت رأسها من السيارة و قالت له بصوت عالى ساخرة :
- بتتشطر عليا .. كنت إتشطرت على اللى زرقلك وشك .
إلتفت سامر ناحيتها و سار بإتجاهها بخطوات سريعة فأدخلت رأسها للسيارة بخوف .. بينما دفع سامر رأسه داخل سيارتها ليتقابل وجهه بوجهها و هى تبتعد برأسها عنه .. فضغط على أذنها بأنامله و قال بعصبية :
- طب ما أنا ضربته و سيحت دمه و لا فى الحتة دى إتعميتى .. عاوزة تستفزينى صح .
أومأت برأسها نافية و هى تتأوه من أذنها و قالت بخفوت بطئ :
- خلاص بقا .. ودنى و جعتنى يا سامر .
إبتلع ريقه بصعوبه وهو يستمتع بإسمه من بين شفتيها التى تجذبه إليها دائما .. و إرتخت عضلاته المتحفزة ثم ترك أذنها و قال و هو يتطلع داخل عينيها بقوة :
- قلب سامر و الله .. إرحمينى بقا ده مجرد ما سمعت إسمى منك قلبى وقع فى حجرك .
عبست علا بشدة وهى تخفى إبتسامتها فأشعلت نيرانه وهو يتابع تلك الطفلة التى كانت و ستظل طفلة حتى لو أصبحت إمرأة مكتملة تجذب الرجال نحوها كزهرة مكتملة الرحيق يتهافت عليها النحل .. زفر بسخونة و هو يتابع تأملها له و قال وهو يفرك مؤخرة رأسه لتهدأة نفسه :
- إمشى فورا يا علا من قدامى أحسنلك أنا مش عارف ممكن أتهور معاكى إزاى .. يالا .

و أخرج رأسه من السيارة .. فأدارتها وهى تطلع إليه بملامح غير مفهومة كأنها تقصد أن تتركه فى حيرته و تخبطه .. و إنطلقت بعدما لوحت إليه بأناملها و على ثغرها أعزب و أجمل إبتسامة رآها بحياته و يتمنى تذوقها بشدة ........

.................................................. .................................................. .............
...................

وقفت ديما تتابع البحر بشرود .. فشعرت بيد تكبل خصرها و تضمها لصدر قوى .. فأغمضت عينيها وهى تستمتع بلمساته و دفئ جسده .. ثم قالت بدلال أنثوى قاتل :
- وحشتنى يا مالك .
قبل مالك عنقها بنهم و قال هامسا بجوار أذنها :
- بحبك .
إلتفتت إليه تتطلع بعينيه وهى تلف ذراعيها حول رقبته و هو يلتهمها بعينيه بثوب السباحة الذى جعلها فاتنة و جذابة لدرجة الجنون .. ثم همست أمام شفتيه برقة :
- و أنا بموووت فيك .
كان على وشك تقبيلها و لكن إستوقفه صوت يعلمه جيدا يقول بغضب :
- كده يا مالك .. تضحك عليا و تقولى إنك بتحبنى .. يا كداب .. يا غشاش .
تطلع إليها مالك بملامح مجمدة و كأنه لا يراها من الأساس .. فإقتربت منه و هى تشعر بوهن جسدها قائلة بلوم :
- طب خلتنى أحبك ليه .. ضحكت عليا ليه .. حرام عليك أنا ما أستاهلش اللى حصلى منك .

و فجأة إبتعدت صورة مالك و ديما من أمامها ببطء شديد .. نادته كثيرا و لكن صوتها إختفى كما إختفى هو .. فإنكمشت بنفسها و ظلت تبكى و تبكى و تلعن نفسها على عشق أرهقها .......

شعرت الممرضة بحركة جفنى وعد .. ثم إنتبهت لدمعه ساخنة إنسلت من بين أهدابها الشقراء الطويلة و الكثيفة .. فهاتفت الطبيب مسرعة و قصت عليه ما طرأ على حالة وعد فطلب منها أن تختبر قدمها بوخزة خفيفة من إحدى الإبر و بالفعل إنكمشت جبهة وعد متألمة .. فأخبرها الطبيب أنه فى الطريق إليهم فوعد على وشك العودة من منفاها .........

إنتبه عمرو لهمهمة الممرضة فوقف مسرعا و قال بقلق :
- هو إيه اللى بيحصل جوة بالظبط .
وقف الجميع و دلفوا لغرفة وعد بتوجس .. فأوقفتهم الممرضة بيدها وهى تقول بهدوء :
- لو سمحتوا محدش يدخل دلوقتى .. الدكتور فى الطريق و الآنسة وعد شكلها هتفوق فإطمنوا .
شعر الجميع براحة .. بينما دفعتها سلوى من كتفها وهى تندفع لداخل الغرفة لتطمأن على صغيرتها .. و التى ما أن رأت دموعها المنسكبة بهدوء على وجنتيها فبكت بهدوء وهى تقول بندم :
- قومى يا قلب ماما .. هموت من غيرك يا وعد .. يا ترى يا بنتى سبب دموعك دى إيه .
بعد فترة وصل الطبيب و عاينها و حاول معها حتى تحرك جفنيها و إنفرجت عيناها بهدوء شديد متألمة من الإضائة حولها .. حتى إستطاعت فتح عينيها بالكامل .. فرأت وجه غريب أعلى رأسها .. فسألها الطبيب وهو يتابع ردة فعلها :
- آنسة وعد .. حضرتك سمعانى .
أغلقت عينيها و فتحتهما مجددا كرد منها على سؤاله .. فإبتسم إليها براحة و سألها متابعا فحصه خشيا من أن تكون فقدت النطق مجددا :
- حمد الله على سلامتك .. تقدرى تتكلمى .
إبتلعت ريقها وهى تجلى حنجرتها الجافة و حاولت أن تتكلم فخرج صوتها متحشرجا بشدة قائلة بخفوت :
- أيوة .
تنفس الطبيب الصعداء و ربت على كفها و قال بإبتسامة ودودة :
- تعبتينا معاكى و قلقتى أهلك جدا .. حمد الله على سلامتك مرة تانية .
هزت رأسها بوهن لشكره .. فلملم أشيائه بعدما إطمن أن أجهزتها الحيوية تعمل بإنتظام و أنها قادرة على الحركة .. و خرج فهرول الجميع ناحيته بشغف فقال ليريحهم من حالة القلق و التوتر التى تملكتهم :
- حمد الله على سلامتها يا جماعة .. أنا إطمنت عليها وهى بقت زى الفل .. و هسيب معاها الممرضة علشان لو حصل حاجة لا قدر الله .. بعد إذنكم .
دلفوا جميعا لغرفتها .. فإحتضنها عمرو أولا .. وهو يرى إبتسامتها التى جعلت الدماء تتدفق بجسده مرة أخرى .. ثم وقف و إحتضن روان بفرحة على عودة صغيرته إليه مرة أخرى ........

كانت وعد غير قادرة على مواجهة شوقهم جميعا خصوصا والدتها التى أبت تركها و أخذت تحدثها و تستمتع بعينيها التى تتطلع إليها بتعب و وهن .. ثم خرجوا من الغرفة واحدا تلو الآخر حتى ترتاح .. فإنتبه الجميع على طرقات عالية على باب الشقة .. فوقف عمرو و قال بإبتسامة هادئة و ثقة :
- ده أكيد جاسم .
فتح الباب فوجد جاسم منحنى و يده على صدره و يلهث بصعوبة نتيجة ركضه و سأله بفرحة :
- وعد .. فاقت .. صح .
زادت إبتسامة عمرو على حالته و قال مؤكدا بهدوء :
- أيوة الحمد لله .. تعالى إتفضل .
دلف جاسم و عينيه تخترق باب غرفتها بلهفة .. فقال له عيسى مرحبا :
- أهلا يا جاسم يا إبنى .. نورت الدنيا .
أجابه مسرعا :
- شكرا يا عمى .. و حمد الله على سلامة وعد .
أجابه عيسى بإبتسامة ساخرة على حالته التى يشفق عليها الجميع و عينيه متعلقة بباب غرفتها .. فإلتفت عيسى ناحية عمرو و قال له بإشفاق على حالة جاسم :
- إديهم خبر إن جاسم عاوز يشوف وعد .
عادت الحياة لوجه جاسم مجددا .. فتطلع لعيسى بنظرة إمتنان على تقديره لحالته .. و بعد قليل فتح عمرو باب غرفة وعد و أشار لجاسم أن يدخل .. تقدم بهدوء و هو يشعر بدقات قلبه تؤلمه من شدتها فها هو سيراها أخيرا .. و بعد ثوانى و قف على باب غرفتها يتطلع إليها وهى تتطلع إليه بإبتسامة خافتة مستلقية بضعف على فراشها .. فإقترب منها قليلا و قال بصوت مبحوح كأنه تاه معه فى بحور عينيها التى إشتاق للغوص بهم رغم ظهور أهدابها الشقراء التى صدمته :
- ما كانش صداع ده اللى خلاكى تدلعى علينا كده .
زادت إبتسامة وعد وهى تتعلق بعينيه للمرة الألف و هو يحدجها بلهفة أصبحت واضحة كضوء الشمس .. بادلها إبتسامتها و قال محذرا بمداعبة :
- قدامك كام يوم و ترجعى الشغل أنا لايص من غيرك مفهوم .. و لا هجيب الشركة كلها هنا و هتشتغلى من هنا .. على فكرة سامر بيسلم عليكى و راندا و مستر عبد الصمد حتى الساعى بيسأل عليكى .. عاوزك تشدى حيلك و تقومى بسرعة كفاية دلع لغاية كده .
أومأت وعد برأسها بضعف .. لم يقوى على رؤيتها بهذا الضعف .. فقال بأسى وهو ينصرف :
- هسيبك ترتاحى بقا .. أنا فرحان علشان إطمنت عليكى .. حمد الله على سلامتك .
أولاها ظهره و هم بالخروج من الغرفة فأوقفته قائلة بقوة أكبر من طاقتها :
- جاسم .
أطبق على عينيه بقوة و هو يستمع لإسمه ﻷول مرة بدون ألقاب يخرج من بين شفتيها .. ففتح عينيه و إلتفت إليها يمنى نفسه بضمها لصدره حتى يصهرها بقلبه .. و لكنه أجابها بهدوء :
- أيوة .
- متشكرة .
أخذ نفسا مطولا و أجابها بهدوء و بطء :
- أنا اللى شكرا إنك رجعتيلى تانى .
هزت رأسها بيأس و سألته وهى تتطلع إليه بقلق :
- لمى .
إقترب منها مجددا و قال ليطمئنها :
- ما تقلقيش عليها هى دلوقتى فى مكان أمان .. و رحاب إتقبض عليها بس ما إعترفتش على أمير .. لغاية دلوقتى على الأقل .. و البنات فى الدار عرفوها على حقيقتها و مستنينك ترجعى علشان يشكروكى .
كانت سلوى توزع أنظارها بينهم و هى لا تفهم شيئا مما يقولوه و لكنها إلتزمت الصمت .. وحيرتها تقتلها .. فإلتفت إليها جاسم و قال إليها برجاء :
- لو سمحتى يا طنط خلى بالك منها .. و حمد الله على سلامتها .
أجابته سلوى بفرحة و هى ترى عشقه بعينيه .. فلن تتمنى لوعد من هو أفضل منه و قالت بإمتنان :
- ما تقلقش يا حبيبى و متشكرين على اللى عملته علشانها .
عاد بعينيه لوعد و قال ببساطة :
- عمرى كله فداها .. بعد إذنكم .
وتركهم و خرج ليجلس مع عيسى و عمرو .. و وعد قد رفعت حاجبها بتعجب من كلماته التى أصبحت صريحه .. جدا .. و عاد إليها طائف مالك و ديما و تخيلت أنهم الآن سويا .. بمفردهما .. و أنه يختلى بها و يفعل ما رأته بالصور و ما خفى كان أعظم .. فإحترق قلبها بشدة و منعت دموعها من الإنهمار على شخص لا يستحق مشاعرها البريئة .. فليتنعم بما حرمه الله و يتركها لحياتها التى ستظل نظيفة و بريئة مثلها دون حب .. دون شوق .. دون مالك .. دون رحمة ..........

.................................................. .................................................. .............
.....................

التفكير أحيانا يأخذنا للا شئ .. هذا ما حدث معها ظلت تفكر و تفكر و تخمن .. ماذا فعلت بحياتها البائسة كى تستحق ما مرت به الأيام السابقة .. و ربما السنوات المنصرفة فقد إختار الله أمها أولا فتركتها طفلة عمرها خمس سنوات .. لم تكن تعى الكثير و قتها و لكن بعد عام آخر إختار الله والدها لتصبح يتيمة بلا أب .. بلا أم .. بلا أحد سوى عمها الذى عاد من سفره حضر الجنازة و أودعها لدار رعاية الأيتام و عاد لحياته .. مرت السنون و هى مستسلمة لقدرها و محبة للجميع خصوصا أخواتها فى الدار .. لم تتذكر أنها أذت أحد من قبل .. أو على أقل تقدير أغضبته .. من المؤكد أنها لم تصل لحد الكمال و لكنها إختارت أن تصبح ملاكا قلبا .. و قالبا فجمالها جذب الجميع إليها و تفانوا فى حبها ......

كانت جالسة على كرسى خشبى تطالع سفح مياه النيل المترقرقة بهدوء .. سابحة بأفكارها فى حقيقة وجود شياطين حولنا على هيئة بشر .. يستحلون ما حرم الله للحصول على أموال ستحرقهم بالنهاية .. شعرت بكرسى آخر يوضع بجوارها و رأت شابا يافعا من أجمل ما رأت من الرجال يجلس بجوارها و يتطلع إليها بإبتسامة ساحرة برزت معها غمازة خفيفة بوجنته .. بادرها هو قائلا بصوت خفيض :
- عاملة إيه النهاردة يا لمى .
توردت و جنتيها خجلا و قالت بصوتها الرقيق مثلها :
- الحمد لله كويسة .. مش عارفة أشكركم إزاى يا أستاذ سامر .
إمتعض وجه سامر بضيق و قال بحدة لم يعتدها سوى مع مجنونته و التى حتما ستودعه مشفى المجانبن عن قريب سواء أصبحت له أو لم تصبح له :
- أولا .. دى المرة العشرومية اللى بتشكرينى فيها .. ثانيا .. أنا سامر و بس و مافيش أستاذ مفهوم .
إبتسمت لمى على خفة ظله المحببة إليها و قالت بإمتنان :
- لولا اللى عملتوه معايا .. الله أعلم كان مصيرى هيبقى إيه دلوقتى .. و لولى وعد فتحت عنيا كنت غرقت .
أومأ سامر برأسه و هو يتخيل ما كان سيحدث معها و هى تجذب كل من يراها بجمالها الآسر .. ثم تنهد مطولا براحة و قال مؤكدا ببطء :
- عندك حق .. ربنا حماكى .
إلتفتت إليه بجسدها فأصبحت مقابلة له و فى عيونها نظرة يعلمها جيدا .. تلك النظرة التى تطلع بها وعد عند حاجتها للماصة بالفراولة أو أيس كريم بالكراميل كما تفضل .. وما هى إلا ثوانى و قد تأكد حدسه و هى تحضن كفيه ببرائة و تقول برجاء شديد :
- لو سمحت يا سامر .. ليا طلب عندك بس أرجوك ما تقوليش ﻷ .
رفع سامر حاجبيه بذهول و هو يتطلع لكفيها الصغيرتين و هما تحتضن كفه بتلقائية جريئة بعض الشئ .. فلاحظت لمى حركتها الحمقاء .. فتركت كفيه مسرعة و كأنه لدغها تعبان و لملمت شعراتها التى طيرها الهواء على وجهها الجميل و قالت بإستحياء شديد إرتسم على وجنتيها بحمرة قانية :
- أنا آسفة جدا .. مش عارفة عملت كده إزاى .
قرر سامر أن يرحمها من حالة الخجل التى إعترتها قائلا بصوته الحانى رغم قوته :
- مافيش حاجة حصلت خلاص .. قوليلى كنتى عاوزة إيه يا ستى .
عضت على شفتيها و قالت بخجل :
- عاوزة أكلم وعد .. بقالى يومين من ساعة ما فاقت و أنا هموت و أطمن عليها .
إبتسم سامر بخفوت على طلبها الصغير و الذى إعتقد من لهفتها أنها ستطلب نقل أبو الهول من مكانه لجوارها .. أخرج هاتفه و ضغط على إسم وعد و إنتظر ردها .. و بعد لحظات أجابته بعاصفة هوجاء من الغضب :
- لسه فاكر تسأل عليا يا أستاذ سامر .. يا خسارة السندوتشات اللى تيتة كانت بتعملهالى و حضرتك تاكلها منى .
ضحك سامر بصوت عالى على صراخها و الذى جعله يشك بأنها كانت مريضة منذ يومين بشكل جعل جاسم يترك أعماله و يرابط عندهم بالمنزل .. ثم تمالك ضحكاته و قال ساخرا :
- أمال يعنى ضحكوا عليا و قالولى إنك كنتى تعبانة و إنتى لسانك زى المبرد زى ما هو أهه .
شعر بعبوسها و الذى يلتقى به حاجبيها كسهمين نافذين .. و لكنه يشعر بالسهمين سيخترقان صدره الآن مع كلماتها التى خرجت منها بغضب و هى تهتف بصوت عالى ضرب طبلة أذنه فى مقتل قائلة :
- يالا يا جبان .. ما إنت لو قدامى دلوقتى كنت عرفت آخد حقى .. بس ملحوقة مسيرك هتقع تحت إيدى .
ضحك سامر مرة أخرى و عيونه غافلة عن الجالسة بجواره تتابع ضحكاته بعته .. و هى فاغرة فمها تتابع جمال ضحكته الآسرة بتنهيدة ساخنة .. إلا إنه قال متابعا حديثه مع وعد بجدية قليلا :
- قلبك أبيض يا سوسة .. عموما يا ستى أنا آسف .. و هجيلك بكرة أطمن عليكى .. فى حد جنبى بقا هو اللى عاوز يكلمك و يطمن عليكى .
و أعطى الهاتف للمى التى أخذته منه و هى ذائبة بعينيه الخضراء .. و ملامحه الجذابة .. ثم رفعت هاتفه على أذنها و قالت بلهفة :
- وعد .
إنتفضت و عد جالسة فى فراشها و قالت بفرحة و هى تستمع لصوت قطتها الصغيرة :
- لمى .. أخبارك إيه يا حبيبتى .. طمنينى عليكى .
- أنا كويسة الحمد لله .. المهم إنتى عاملة إيه خوفتينى عليكى .
زفرت وعد براحة و كأن ثقلا كبيرا قد أنتشل من على صدرها .. و قالت بإبتسامة هادئة :
- أنا بقيت كويسة الحمد لله .. قوليلى أخبارك إيه و إنتى فين .
تطلعت لمى بسامر الذى يحدجها بإبتسامة مشرقة كأنه الشمس بعينيها ضياء و دفئ .. ثم عادت بعينيها لسفح المياة أمامها و قالت بهدوء خافت :
- أنا بعد ما قبضوا على رحاب .. حققوا معايا فى القسم و بعد كده الباش مهندس جاسم أخدنى فى بيت جدته و أنا دلوقتى قاعده عندها .. بيقولوا خايفين عليا من واحد إسمه أمير .. كان بيساعد رحاب فى عملياتها المشبوهة .
إبتسمت وعد بتوهج و هى تستمع لإسم جاسم مجددا .. من وقت إفاقتها و الجميع فقط يتحدث عنه .. أصبح يحيطها من كل مكان حتى و هو بعيد عنها كالإخطبوط الذى حاوط فريسته بمجساته و أصبح الفرار منه أمر مستحيل .. أخفت إبتسامتها و قالت بمداعبة :
- بس أقدر أخرج و أنا ههريكى خروج و فسح و مش هخليكى محتاجة أى حاجة يا قطتى .
إبتسمت لمى إبتسامة واسعة و قالت برقة :
- تمام .. و أنا هستناكى .. وعد .. أنا بحبك قوى .
- و أنا كمان بحبك قوى .. خلى بالك من نفسك .. تمام .
أومأت لمى برأسها بقوة كأن وعد تشاهدها و أجابتها مسرعة :
- حالش .. مع السلامة .
أنهت المكالمة و أعطت الهاتف لسامر و قالت بإبتسامة ممتنة :
- شكرا .. كنت محتاجة أسمع صوتها قوى .
هز سامر رأسه متفهما و أخذ هاتفه منها .. و وضعه بجيب بنطاله .. ثم إلتفت إليها و قال بتوجس من ردة فعلها :
- لمى .. هو إنتى ليه مش محجبة .
فاجأها سؤاله فجعلها تتطلع إليه بتعجب .. ثم ما لبثت أن أخذت تفكر فى كلماته بقوة .. فقدوتها أصبحت وعد .. و وعد ترتدى الحجاب و ملابسها محتشمة رغم أناقتها الرقيقة مثلها .. فإلتفتت برأسها لسامر و قالت بإصرار :
- أنا هتحجب .. عاوزة أبقى زى وعد فى كل حاجة .
أعاد سامر سؤاله بصيغة أخرى كى يتأكد من جديتها بهذا الشأن ..فسرعتها فى إجابة طلبه جعلته لا يثق بثباتها .. فمال ناحيتها بجسده و قال بترقب هادئ :
- بس هتتحجبى علشان تبقى زى وعد .. ولا علشان ترضى ربنا .
سحبت لمى نفسا طويلا و تطلعت بالسماء كأنها تناجى ربها .. ساد صمتها لدقائق شعر سامر بهم بتراجعها عن قرارها الأخير .. و لكنها إبتسمت بهدوء مريح و قالت و عينيها مازالت تعانق السماء :
- ربنا بعتكوا ليا علشان تحمونى .. و خصوصا وعد .. زى ما بعتك ليا دلوقتى علشان تدلنى على الطريق الصح .. فأى حاجة هعملها زى حد .. هيكون ربنا هو اللى قدرها و هعملها علشانه هو .
إبتسم سامر براحة و هو يتأمل جمالها البرئ .. ثم تطلع هو أيضا بالسماء متذكرا نفس طلبه الذى طلبه من قبل .. أو بالأحرى منذ تسع سنوات .........

حمل سامر بين يديه هاتفه المحمول الجديد بفرحة .. فلم يحمل هذا الهاتف حوله إلا كبار الرجال فقط .. و جاسم طبعا بإعتبار أن والده يملك الكثير من الأموال .. و أثناء هبوطه لدرج منزل جاسم .. وجد تلك الطفلة المشاغبة والتى لم يرها منذ فترة طويلة .. وقد أعلن قلبه الإشتياق لعينيها و شعراتها التى دائما ما كانت تنثرهم للخلف فى حركتها المعتادة و التى تأسره أكثر .. شعر بتورد و جنتيها وهى تتطلع إليه بخجل جديد كليا عليه منها .. فالمرات القليلة التى جمعتهم كانا دائمى الشجار .. كما سيحدث الآن .....

إعترض سامر صعودها بجسده .. فتطلعت إليه بضيق و مالت بجسدها للجهة الأخرى لتصعد .. فوقف أمامها مجددا .. زفرت علا بضيق و مررت أناملها على ثغرها و هى ترشقه بسهام نظراتها الغاضبة .. ثم قالت بحدة تلائم ملامحها المتحفزة نحوه :
- إنت إيه حكايتك معايا بالظبط .. إبعد من طريقى أحسنلك .
وضع يديه بجيبى بنطاله و هو يطالعها من علو طبعا لفارق الطول بينهما و لأنه يقف على درجتين أعلى منها .. فبدت له تتحدث من أعماق الأرض .. تغاضى عن فظاظتها المحببة لقلبه و قال ببطء هادئ مستفز :
- ما فيش طلوع فوق .. و أظن حذرتك قبل كده .
صفعت علا كفيها ببعضهما و هى تهز رأسها علامة على تعجبها .. ثم رفعت عينيها نحوه و قد زادت حدة نظراتها و ضغطت على شفتيها بقوة جعلته يرأف بحالهما بشدة و يريد أن يدللهما بطريقته .. و لكنه أغمض عينيه للحظة مستغفرا بها ربه على هذه الحماقة .. رفعت علا كفها أمام وجهه محتدة و قالت بحنق و قنوط لم يلحظهم بها من قبل :
- و إنت مالك أصلا .. صحيح البيت بيت أبونا و الغرب بيمنعونا .. فوسع أحسنلك .
إبتسم إبتسامة جانبية مستهزئة و قال و هو يتطلع إليها بدونية ليشعلها أكتر :
- مش هوسع .. و ورينى هتعملى إيه يا .. يا علا هانم .
لم تحد بعينيها عنه .. بل زادت نظراتها المتحدية و هى تتوه فى خضار عينيه الزيتونى .. و أهدابه الشقراء الطويلة .. و غمازته التى تظهرها تلك الإبتسامة البغيضة .. سبت نفسها بداخلها فيما تفكر الآن .. ثم صعدت درجة أخرى لتصبح ملاصقة له تقريبا و قالت بهمس أجش :
- عاوز تعرف هعمل إيه .. هديك بالكوتشى على دماغك .
إتسعت إبتسامته حتى وصلت لضحكة عالية و هو يترنح من شدتها مستهزئا بكلماتها المحتدة .. و ما أن سيطر على نفسه حتى هبط الدرجة الأخيرة بينهم و وجه أصبح قريب من وجهها و قال هامسا :
- بحبك يا شرس .
رفعت علا ساقها و هى تنزع حذائها قائلة بغضب :
- يبقى إنت اللى جبته لنفسك يا ........ .

و كأن مسجل عقلها توقف .. وعاد بالشريط للوراء خمس ثوانى .. و أدار المسجل مجددا لتعود كلماته مرة أخرى و هى تمر على أذنها ببطء شديد .. لاحظ و جومها ووقوفها على ساق واحدة كأنها تحولت لتمثال من الشمع .. و ما هى إلا ثوانى و رفعت رأسها نحوه و هبطت ساقها بجوار أختها و رفعت حاجبيها حتى كادا أن يلاصقا غرتها الناعمة و التى تميلها على جانب و جهها دائما .. و خرج صوتها متحشرجا .. متلعثما .. من صدمتها و هى تسأله بتوتر :
- إنت قولت إيه ؟؟؟؟؟؟!!!!!
إنتقلت عينيه من عينها اليمنى إلى عينها اليسرى .. و رفع كفه مقابلا لوجهها و بدأ برسم ملامحها بأنامله فى الهواء .. كأنه يحفرها بداخله قبل أن يقول هامسا بإغواء :
- قولت .. بحبك .
شهقت علا شهقة خفيفة و هى تتوه أكتر فى متاهات غابته الخضراء و التى تحيطها أهدابه كأشعة الشمس الصفراء وقت الذروة .. كما تقول هيئة الأرصاد .. و إبتلعت ريقها بتوتر و وضعت إصبعها فى أذنها و رجتها جيدا .. و عادت إلى عينيه مجددا و سألته بتوسل بادى بنبرتها .. و نظرتها :
- إنت .. قولت .. إيه ؟؟؟؟؟!!!!
لم يمهل نفسه الوقت قبل أن يقول مجددا بقوة و حزم :
- بحبك .. و الله العظيم بحبك .. وبغير عليكى و مش عاوزك تطلعى فوق و مالك و طارق مع جاسم .. عرفتى أنا ليه دايما بتخانق معاكى و ببقى نفسى أديكى علقة على تخانة مخك .
لم تعر لسبابه إليها أى إهتمام .. فقد إكتفت بكلمتين من سيل كلامه الوقح مثله .. بحبك .. و بغير عليكى .. ظلت تعيدهما بداخلها .. ما أعذبهما من كلمتين يقالا لها لأول مرة .. هبطت درجتين و إستندت على سور الدرج بيديها و أطرقت رأسها بخجل .. فسألها سامر بلا رحمة لخجلها الشديد :
- أنا .. و بحبك .. طب و إنتى .
عضت على شفتها و لملمت شعراتها على جانب واحد تخفى بهم وجهها عنه .. فأعاد سؤاله مجددا بوقاحة أكبر :
- بتحبينى يا علا و لا ... .
تنحنحت بخجل و قالت وهى تعبث بشعراتها بتوتر :
- عيب كده على فكرة يا كابتن .
مرر أنامله بشعراته الطويلة نسبيا .. و قال وهو يحدجها بقوة ملتهما لكل تفصيلة بها :
- كويس .. ما قولتيش ﻷ .. يبقى بتحبينى .. و ده كفاية عليا قوى .. هو أنا ممكن أطلب منك طلب .
رفعت عينيها نحوه بتعجب و هى مقطبة جبينها بشدة و سألته بفضول :
- طلب إيه .
لعق شفتيه بلسانه و قال بتوجس من ردة فعلها على طلبه .. الجرئ .. بعض الشئ :
- هو إنتى مش هتتحجبى بقا .. إنتى دلوقتى فى تانية ثانوى .. يعنى بقيتى آنسة كبيرة و جه وقت الحجاب .. صح .
لم تعطه جوابا و ظلت تحدق به بنظرات مجمدة لم يفهم منها شيئا .. ولكنه فطن أنها لا ترغب بإرتداء الحجاب .. فصاح بأعلى صوته مما جعلها ترتجف من ذعرها و هو يقول :
- يا جاسم .... يا جااااااسم .
إلتفتوا إلى جاسم الذى هبط الدرج متعجبا .. قائلا بتساؤل مندهش :
- هو إنت لسه مروحتش .
أجابه سامر بوجه ممتعض :
- كنت بتكلم فى المحمول .. لقيت أختك بتنده عليك عوزاك .. و إنت مش سامعها فندهت أنا عليك .
ربت جاسم على ذراعه و قال متفهما :
- تمام يا صاحبى .. روح إنت هات العشا و ما تتأخرش .
ثم تمسك بذراعه و إلتفت لأخته قائلا بإبتسامة هادئة :
- إحنا هنجيب ساندوتشات جمبرى و سيبيا يا لولو .. تحبى نجيبلك معانا .

أومأت برأسها بسعادة .. فعاد جاسم بعينيه لسامر و طلب منه أن يحضر لها معهم .. فأومأ سامر برأسه و هو يتطلع إليها قبل إنصرافه يشبع عينيه من ملامحها .. ثم إنصرف مسرعا قبل أن تفضحه عينيه .. و ما أسعده ذلك اليوم .. هو صعود جاسم يخبرهم أن أخته قد تحجبت أخيرا .. و فجأة .. و من سعادته أحضر معه كعكة منزلية قد أعدتها والدته بالصدفة .. ليشاركوه فرحته بأخته الصغيرة .. و لكنه غفل عن سعادة شخصين بهذه الجلسة .. صاحب العيون الخضراء و صاحب فكرة الحجاب .. و طارق الذى كان يخفى حبه لعلا بداخله و ينتظر الوقت الصحيح ليبوح به .. كى لا يعاقبه الله بأن يحرمه منها .....

عاد سامر من شروده معتدلا فى جلسته .. ثم إلتفت للمى و قال بملامح حزينة :
- قومى يالا إطلعى عند ستى .. الوقت إتأخر .. و خلى بالك من نفسك و أنا جبتلك فوق تليفون بخط جديد و عليه رقمى و رقم جاسم و رقم وعد .. لو إحتجتينى فى أى وقت كلمينى .
إبتسمت لمى إبتسامة بلهاء و هى تتأمل وسامته .. ثم قالت بتنهيدة خافتة :
- حاضر .. باى .

و أشارت له بيدها مودعه و هى تحمل كرسيها و تنصرف حالمة به .. أما هو فزفر بضيق متذكرا هذه العنيدة التى يعشقها و تأبى ترك عقله يهنئ بدقيقة واحدة راحة .. ثم حمل كرسيه هو الآخر و وضعه بدرج منزل الجدة و صعد سيارته أدارها و إنطلق .

.................................................. .................................................. ..............
..................

خرجت وعد من المرحاض .. مستندة على روضة التى قابلتها بإبتسامة عذبة و هى تحمد ربها قائلة :
- الحمد لله حتى يبلغ الحمد منتهاه .. مش مصدقة إنك واقفة على رجلك و بتتحركى يا وعد .. يااااه ده كان كابوس .
تنهدت وعد بألم و قالت بحدة جديدة على كلماتها :
_ أنا مش عارفة ضعفت إزاى للدرجة دى .. مافيش حاجة و لا حد يستاهل نزعل علشانه كده .. ربنا يسامحنى بقا .
دلفا لغرفتها .. فتمددت فى فراشها و تطلعت بالاشئ مجددا كعادتها منذ فاقت .. أغلقت روضة عليهم باب غرفتها و سألتها بفضول و ضيق :
- مش ناوية تقولى بقا سبب اللى حصلك .. كلنا تعبنا معاكى حتى عمرو مش راضية تقوليله .
لم تجبها و لازمت الصمت و لكن روضة لم ترأف بحالها و قالت بإقتضاب قاتل :
- مالك ...... مش كده .
أجابتها وعد مسرعة و قد تحولت عينيها لجمرتين من الغضب و خرج صوتها أجشا كأنه قد تلبسها جان قائلة بتشنج :
- مش عاوزة أسمع إسمه و لا سيرته و لا أشوفه .
تأكد حدس روضة أخيرا و ربتت على كفها لتهدأ فهى ما زالت فى طور النقاهه ولا تريد لا أن تعود لكبوتها تلك من جديد .. فسألتها بهدوء متمهل :
- إيه اللى حصل يا وعد .
إستندت و عد برأسها على فراشها وهى تذرف دموعها بصمت مؤلم .. و شرود مزق قلب روضة على حالها .. فكففت دموعها و قالت بإشفاق :
- إحكيلى يا وعد .. خرجى النار اللى جواكى دى علشان ترتاحى .. إنتى عمرك ما خبيتى عليا حاجة .
تنهدت وعد مطولا كأنها تخرج كل الغضب و الكسرة و الألم الذى جاش بهم صدرها الأيام القليلة الماضية .. و قالت بصوت فاقد للحياة :
- خانى .. بيعرف واحدة فى رومانيا و خانى معاها .
تطلعت إليها روضة بخواء .. ثم عادت لطبيعتها و قالت بثبات واثق :
- مستحيل طبعا .. مالك بيحبك بجد .. و عمره ما يقدر يبص لغيرك أصلا .
إبتسمت وعد بسخرية و هى تلعق دموعها المالحة و التى وصلت إلى شفتيها كنهرين .. ثم رفعت عينيها لسقف الغرفة و قالت بهدوء ما هو إلا ستار لعذاب لا تقوى عليه :
- مافيش حاجة إسمها حب .. فى رغبة و بس .. رغبة راجل فى ست .. يعنى رغبة جنسية .. رغبة إنه يبقى عنده ولاد .. رغبة إنه يجوع فياكل .. رغبة إنك تكونى عطشانه فاتشربى .. رغبة إنك تكونى عاوزة تنامى فتنامى .. أى حاجة بنسميها حب هى بس رغبة .. إوعى تصدقى إن فى حب ده بيوجع قوى .. ده إن ماكنتيش إتوجعتى منه إنتى كمان .

إبتلعت روضة ريقها بصعوبة و هى تفكر فيما قالته وعد .. و تذكرت ألمها و وجعها من عشق حبيبها الوحيد لغيرها .. و غيرها لحظها العثر كانت أختها .. و لكنها تعلم أنها تعشق مالك بحق حتى لو لم يعشقها .. إذا فهناك حب .. عكس ما قالت وعد على أنه رغبة .. لم تتذكر روضة أنها رغبت مالك بأى وقت .. فقط عشقته بدون متطلبات .. و إلا لكانت قد نسيته بعدما عشق غيرها و زالت الرغبة بينهما ......

خرجت روضة من صمتها و قالت بوهن حازم :
- أنا مش بتفق معاكى يا وعد .. فى حب لسه .
إبتسمت وعد إبتسامة ميتة ثم إتسعت ببطء فأصبحت ضحكة خافتة ما هى إلا لحظات حتى تحولت لضحكة عالية و هى تقول بسخرية مؤلمة :
- إنتى مصدقة نفسك يا روضة .. أبوكى إتجوز على أمك علشان رغباته .. و أمك سافرت معاه علشان رغباتها اللى خافت ليلاقيها أحسن مع مراته التانية .. و مالك كمان ضعف قدام رغباته .. فحب إيه ده اللى عوزانى أصدق وجوده .
أغمضت روضة عينيها وهى تستمع لكلمات وعد اللاذعة و لكنها فتحت عينيها و قالت بتصميم واثق :
- مالك عمره ما يعمل كده .. حتى لو شوفته بعنيا عمرى ما هصدق .
هزت وعد رأسها على سذاجة أختها اللامتناهية .. ثم تطلعت نحوها و قالت وهى تقصف الكلمات من فمها بجنون :
- شوفت صور ليه مع واحدة لابسة مايوه بكينى مالوش لازمة .. يعنى عريانة تماما و هى مرمية على صدره و مقربة من وشه .. و هو حاضنها من وسطها اللى بالمناسبة كان عريان تماما .
إرتفع حاجبى روضة بعدم تصديق و وهزت رأسها نافية فأردفت وعد بقوة :
- و صورة تانية الهانم لابسة فستان عريان و الأستاذ حاضنها من ضهرها و تقريبا كان بيبوسها فى رقبتها وهى قاعدة قريبة من حجره .. تحبى أكملك باقى الصور اللى شوفتها بعنيا و اللى ما يهمنيش إنتى هتصدقى اللى أنا بقوله و لا ﻷ .. لأنى مسحته من حياتى للأبد .
لاحظت روضة سرعة أنفاسها و تنافر عروق رقبتها بتشنج عصبى فهدأتها قائلة بخوف :
- طب إهدى يا حبيبتى .. إنتى متأكدة من اللى قولتيه ده يا وعد .
عادت وعد لشرودها الهادئ و صمتها المؤلم .. وهى تفكر فى أنها لابد أن تخرجه من رأسها بصوره الحقيرة مثله .. فإنتبها لطرقا على باب الغرفة .. ففتحت روضة الباب لتتفاجأ بوالدها يقف على أعتاب الغرفة فإبتعدت من أمامه ليدلف إلى الداخل ......
جلس بجوار وعد على فراشها و سألها بحنو أبوى قد حرمها منه سابقا بجمود :
- عاملة إيه يا حبيبة بابا .
أجابته وعد و هى مازالت على حالتها من الجمود و الشرود :
- كويسة .
قرر أن يلفت إنتباهها له و مخاطبتها فى طلب جاسم منه .. فربت على كفها برقة و قال بإبتسامة هادئة متعقلة :
- فى موضوع عاوز أكلمك فيه .
و بالفعل حاز على إنتباهها و هى تلتفت بعينيها نحوه تحدجه بإنتظار شغوف ليكمل حديثه .. بينما فطنت روضة بأنه سيفاتحها فى طلب جاسم .. فشهقت بداخلها من الخوف و قالت مسرعة :
- لا يا بابا أبوس إيدك .. إوعى تكلمها فى الموضوع ده دلوقتى .. هى متلخبطة و حالتها النفسية زى الزفت .. و مش هيبقى صح إنها تاخد قرار فى موضوع مهم زى ده دلوقتى .
إلتفت إليها عيسى برأسه و قال بتعجب من رفضها الغير منطقى تماما :
- و إنتى مالك إنتى .. إنتى هتعرفى مصلحة بنتى أكتر منى .
إجتمع الجميع بغرفة وعد على صياح عيسى .. فسأله عمرو بقلق :
- فى إيه يا بابا .. بتزعق ليه .
تنفس عيسى مطولا لتهدئة نفسه .. ثم قال بحدة و ضيق :
- جه اليوم اللى بنتى تعرفنى أعمل إيه و ما أعملش إيه .. واضح إنى إتساهلت معاكم كتير .
ضاقت وعد بما يحدث حولها فما هى فيه يكفيها .. حاليا .. فرفعت كفيها و سألت بصوت عالى من ضيقها و تشنجها الشديد :
- ممكن حد يفهمنى إيه اللى بيحصل بالظبط .. لتخرجوا كلكم و تسبونى لوحدى .
عاد عيسى بعينيه ناحيتها متأملا حالتها النفسية الغريبة .. ثم قال ليفرحها و لو قليلا :
- جاسم طلب إيدك للجواز .
إتسعت عيناها حتى إرتسم التعجب على وجهها بأقوى صوره .. هل ما قاله والدها صحيحا .. إذا فنظراته العجيبة .. و كلماته المبهمة .. كانت إعجابا .. فكرت طويلا و حملتها مخيلتها لأسوء الطرق لرد كرامتها التى أهدرت على يد من ظنت أنه يحبها كما تشدق بها كثيرا ......
لاحظت روضة نظراتها المشتعلة و أنفاسها المتهدجة كأنها خرجت للتو من سباق .. ففطنت أنها ستقول برضا مغلف بنار الإنتقام :
- أنا موافقة يا بابا .


قراءة ممتعة




ياسمين أبو حسين غير متواجد حالياً