عرض مشاركة واحدة
قديم 26-01-21, 05:40 AM   #7523

Nor BLack
 
الصورة الرمزية Nor BLack

? العضوٌ??? » 455746
?  التسِجيلٌ » Oct 2019
? مشَارَ?اتْي » 593
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » Nor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   star-box
Rewitysmile7

الفصل السادس والخمسون المشاركة "3"
بعد ساعات.. تقلبت سبَنتي على فراشها بسهاد، وهي تنظر لسقف الغرفة بتبلد ..ها هي كل المشاعر تنحسر ..كل شيء يعود للسطح ويجعلها تتذوق الحياة يعود ويندثر ويصبح كل شيء متساوي ..لا فرح، لا سعادة ولا حتى حزن وألم.. كل شيء أصبح يشبه بعضه..
"اصرخي.. اعترضي.. ابكي.. انهاري حتى وأخرجي من هنا، وأخبريني أنكِ لن تعودي.." صوت الطبيبة عاد يهمس في أذنيها كالطنين ..
مظهرها وهي تجلس أمامها مبتسمة كالدمى التي تشبهها بها.. دمية خالية من الروح من التفاعل والتأثر..
"ولماذا أفعل ..لن أخسر المزيد، وأعلم أنكِ لن تضيفي لي شيئاً ..لذا لم تعد تفرق"
صوت ليلى كان ملطفاً جيداً وهي تقول: "يجب أن تفرق، أحيانا تكون الحياة حرباً، يجب أن نخوضها لنهزم شرور البشر، ومغبات أنفسنا ..ربما الشر أبداً لن ينتهي من الدنيا وسيعود ليظهر بأشكال عدة ووجوه جديدة إلا أننا لا يجب أن نتوقف عن خوض الحروب معه.."
ارتفع حاجبا سبَنتي وهي تقول بابتسامة مخادعة: "لا أريد خوض الحروب ..من أخبركِ أني أملك واحدة أصلاً ..كل ما هناك أني لا أحب الناس ..لطالما كنت أهرب منهم، بصراحة مشاكلهم كثيرة، وأفعالهم مريبة, لا يتوقفوا عن نحر بعضهم سواء بالأفعال أو بنصل السكين.. وأنا أضجر سريعاً.."
تهللت ملامح ليلى وهي تقول: "جيد، نقطة نبدأ منها، ما الذي دفعكِ لتحكمي على كل البشر بهذا؟"
ضيقت سبَنتي عينيها وهي تهمس بنفس الابتسامة اللطيفة المخادعة: "لأنهم مثلكِ يحشرون أنفسهم بالإجبار في حياة الناس، لظنهم أنهم الأذكى ..حقاً هل هذا ما أخبركِ به عني السيد خالد ..طفلة يسهل جرها؟"
تراجعت ليلى في مقعدها, تنصب ظهرها ببطء, رأسها يميل جانباً وهي تنظر إليها بغموض ثم قالت بهدوء: "الحق يقال، هو حذرني أنكِ تكونين لئيمة وقت اللزوم، تجرحين دون تردد أو شفقة بالبشر.."
ضحكت بتهكم ..ثم وقفت من مكانها وهي تتجول في الغرفة بفضول حتى وصلت للصوفة المائلة الخاصة بمكاتب الأطباء النفسيين عادةً جلست فوقها وهي تقول بسخافة: "هل أجلس هنا ..أم تفضليني نائمة ثم تنصتين مدعية الاهتمام والتعاطف وأنا أبكي وأنعي حظي وعثرة نصيبي ..أوووه وربما أشكو لكِ عائلتي التي ظلمتني؟!"
ابتسمت الطبيبة بتوسع شديد ثم قالت بنفس نبرة استفزازها: "حظ ماذا يا سبَنتي ..ألا تدركين كيف كبرتِ أنتِ، في الواقع يجب عليّ أنا أن أنام هنا وأبكي وأشكو لكِ كم أن الدنيا غير عادلة لتمنح زاهدة مثلكِ كل هؤلاء الناس الذين يهتمون بكِ.. وطبعاً اسم عائلتكِ واممم ..هل أخبرتني كم مصروفكِ الشخصي؟"
ارتبكت بسهولة وهي تقول: "ما دخل هذا بحديثنا؟"
وقفت ليلى من مقعدها ثم اقتربت منها بخطوات هادئة وهي تقول: "كل شيء يرتبط ببعضه ..هكذا هي الحقائق كما نتشابه بشدة, نتناقض بقوة ..كما كل الخيوط تتنافر ..تعود لتجتمع وبقوة وتوصلنا للهدف المطلوب.."
بهتت سبَنتي وهي تعتدل جالسة ثم همست: " لا أفهم شيئاً!"
غمزت ليلى وهي تقول بانتصار: "جيد ..أخيراً أثبتنا أنكِ لستِ أذكى مني.."
انتفض عرق غاضب في وجنتها وهي تنظر إليها بجمود..
جلست ليلى أمامها من جديد بأريحية ثم قالت بهدوء: "أنا لستُ عدوكِ، وأريدكِ أن تخلعي من رأسكِ أنكِ قدمتِ إلى هنا مجبرة، اعتبريني صديقة تأتين إليها بشكل دوري.. نتحدث سوياً في أي شيء تريدينه ..نقضي وقتاً طيباً ثم تغادرين ببساطة ..ما رأيكِ؟"
هزت رأسها وهي تقول: "لا أحبذ الصداقات الجديدة.. عندي..."
صمتت وهي تنظر للطبيبة بعينين واسعتين وكأنها أدركت شيئاً هاماً في هذه اللحظة..
قالت ليلى بخفوت: "ليس لديكِ أصدقاء صحيح ..ولم ترغبي يوماً في إنشاء أي علاقات ..أنتِ لا تملكين أحداً تثقين جيداً أنه سيسمعكِ دون أن يحكم، دون أن يمنحكِ النصائح ويدفعكِ لتقبل ما لا تريده نفسكِ.."
صمتت الطبيبة أمام وجهها الذي يشحب ببطء.. ثم عادت تقول من جديد رغم معرفتها بأنها لن ترد: "لا تملكي أحداً يستمع إليكِ بصبر ،يهز رأسه بتفهم ويجعلكِ تفرغين كل ما يؤلمكِ.. يفهم أنكِ في تلك اللحظات لا ترغبي بنصائح أو نقض.."
اهتزت شفتها السفلى قبل أن تصرح ببهوت: "لديّ ابنة عمي"
قالت ليلى بهدوء: "إلا أنها ليست صالحة لما أصبح يعبئ قلبك الآن، لأنكِ تخشين إن أخبرتها بما تكنينه أو تحملينه بداخلكِ أن تخسريها"
أجفلت سبَنتي وهي تهتف مرتجفة: "ما الذي تعرفينه عني؟ بماذا أخبركِ؟ أجيبي.."
لن تفقد ليلى ابتسامتها البسيطة وهي تقول بحلم: "لا شيء.. لم يخبرني إلا القشور.."
صمتت لبرهة وهي تميل قليلاً بجزئها العلوي تستند على ركبتها بساعدها ثم همست ببطء: "وجهكِ يفضح، تصرفاتكِ تصرخ بما تكتمينه.. هناك شيء من السواد الدائم بداخلكِ يغلف قلبكِ مثل الندبة.."
نهتت وهي تفتح فمها بعجب ..ثم أشاحت بوجهها رافضة أن تجعلها تتوغل بداخلها أكثر وتقرأ منها أكتر مما يجب: "توهمين نفسكِ كي تثبتي نزعة بداخلكِ أنكِ الأفضل.."
قالت ليلى ضاحكة: "أنا الأفضل فعلاً.. لا أحتاج لمدللة مثلكِ لتثبت هذا"
نظرت إليها سبَنتي بشرر ثم قالت من بين أسنانها: "ألا يفترض بالطبيب النفسي التواضع وعدم مهاجمة مرضاه؟"
رفعت ليلى كتفيها وهي تقول ببساطة: "أنتِ لستِ مريضتي لأعاملك كواحدة.."
قالت سبَنتي بجفاء: "هل هذا أسلوب جديد تتبعينه؟"
أسبلت ليلى جفنيها وهي تهز رأسها بالنفي مبتسمة براحة: "لا.. حقاً لا أعتبركِ مريضة حتى اللحظة.. فأنتِ لم تتوقفي عن مهاجمتي خلال الثلاث مرات التي رأيتكِ فيها.."
همست سبَنتي بحيرة وكلها يهدأ: "ماذا أنا إذاً؟"
ردت ليلى بمرح مرددة: "صديقة سمعت عنها الكثير، وأرغب حقاً في علاقة بها ..اممم أميل للنساء المحاربات.."
ارتعشت شفتاها وهي تقول بخفوت: "أنا لستُ محاربة ..أنا ضعيفة جداً، أضعف إنسان قد ترينه في حياتكِ ..وقد أملت في نفسي العكس"
نقطة صالحة ومتاحة أمام ليلى إلا أنها تعمدت عدم استغلالها وهي تقول بلطف: "لا بأس ..لا يجب أن تكرهي شعوركِ هذا ..كلنا ضعفاء عندما يحل الظلام، وننفرد بأنفسنا فنخلع كل وجوهنا التي تبقينا صامدين في الطاحونة التي تدمر براءتنا"
أومأت برأسها وهي تهمس بشرود خافت: "هذا يوجع ويجعلنا نحمل فوق طاقتنا ..أخبريني لماذا نستمر في مقاومة أقدارنا إن كنا لا نعرف ما مصيرنا, هل هو الهلاك أم فرصة نجاة ضعيفة؟!"
قالت ليلى بهدوء: "سمعت مرة مقولة مرحة (الدجاج يستمر في البيض رغم جهله بمصير صغاره ..قد يصبح وجبة أمام أحدهم ..أو ينجو ليصوصو حولها)"
رفعت سبَنتي وجهها تنظر إليها بتشكك في قواها العقلية ثم قالت: "تشبيه مبالغ فيه ولكني سأجيب, ربما لأن الدجاج بلا عقل.."
قالت ليلى ضاحكة: "لا ضرر من أن نصبح بلا عقل أحياناً فنمنح القلب المثقل بعض السعادة لطفاً بأنفسنا ومن حولنا.."
أغمضت سبَنتي عينيها من جديد بقوة ثم قالت متهربة: "انتهى وقتي, أريد المغادرة"
أدركت ليلى أنها تخشى الاستمرار معها فتفصح عن أكثر مما ترغب ..إلا أنها ردت بهدوء: "أخبرتكِ أنكِ صديقة.. والأصدقاء لا يحكمهم الوقت للبقاء.."
رفعت سبَنتي كمي بلوزتها ثم وقفت وهي تقول: "وأنا قلت أني لا أريد أصدقاء.. أريد أن أغادر.."
وقفت ليلى من مكانها ..إلا أنها لم تتحرك ولم تلتزم بالقوانين الطبية وهي تقترب منها ثم أمسكت يدها وهي ترفع طرف كمها ليظهر حرق واضح هناك..
لم تقاوم سبَنتي بل نظرت إليها بتلاعب منتظرة السؤال: "كيف حصلتِ عليه؟"
أخفضت سبَنتي وجهها وهي تميل جانباً تنظر للجرح ثم قالت بنبرة فضول: "هل تعتقدين حقاً أني إن كنت مجرد مازوشية تجد متعة في إيذاء نفسها وتفرغ كل ألمها بجروح تفتعلها بأني سأخبركِ ببساطة؟"
حررتها ليلى وهي تنظر إليها وتفكر بأن الذكاء الزائد يكون نقمة أحياناً على أصحابه: "ماذا أنتِ إذاً؟"
رفعت سبَنتي كفيها باستسلام ثم قالت: "كنت أجهز عشاءً سريعاً لنفسي ..أنا آكل كثيراً بالمناسبة ولا يزداد وزني مطلقاً وأثير حسد جميع المساكين من العائلة ..على كل حال احترقت عن غير قصد.. هل أقسم لكِ؟!"
ضحكت ليلى وهي تنظر لها رافعة إحدى حاجبيها ..ثم قالت: "أنتِ ممتعة عندما تخلعين رداء الكآبة السخيف"
تسللت ابتسامة لوجه سبَنتي ..إلا أنها انمحت عندما قالت ليلى بهدوء: "ولكن الحرق لم يشغلكِ.. لم تلقي له بالاً كما كل الحوادث التي تعرضتِ لها سابقاً.. أعرف أنكِ تملكين بعض الندوب من حوادث عرضية طبيعية حدثت بالسابق"
بهتت سبَنتي وهي تقول بابتسامة مهتزة: "لا أصدق أنه أخبركِ بهذا أيضاً.."
قالت ليلى برقة: "كان على أحدهم أن يفعل هذا يا سبَنتي.. هل تلومينه لخوفه عليكِ؟"
تأوهت وهي تخفض وجهها ثم همست باختناق: لم يكن يبالي بجروحي سابقاً.. هل أخبركِ أنه في مرة زجني بعنف وكأني رجلٌ يصارعه وتسبب لي في ندبه دائمة؟!"
سألت ليلى بهدوء وهي تتفرس كل خلجة منها ببطء: "هل هي ظاهرة؟ أيمكنني أن أراها؟"
ضحكت سبَنتي باختناق وهي ترفع لها عينين مغرغرتين بالدموع: "بقي أثر بسيط على ظهري.. ولكن ندبة قلبي في هذا اليوم لم تمحى قط.."
صمتت من جديد ثم همست بخفوت: "في الحقيقة لم أبالي يوماً بأي جرح حصلت عليه ليس لنزعة بداخلي ..ولكن أدركت بعد وقت أنه ما عادت تفرق ..الندوب الخارجية بعلامة فاضحة أو الندوب الداخلية المخفية وراء ضحكة زائفة.."
اهتزت عضلة بسيطة بوجه ليلى تأثراً وتواطؤ بكل مشاعرها.. إلا أنها تماسكت سريعاً ..وهي تتوجه نحو مكتبها.. وأخرجت منه شيئاً ثم عادت وهي تقول بهدوء: "لن أجادلكِ ..هناك أناس ربما لا يحملون ندوب خارجية ..إلا أن ندوب قلوبهم وأرواحهم تجعلهم كخرقة مهترئة من الداخل ..ورغم هذا يقاومون ويصمدون ولا يسلموا لليأس أبداً.."
صمتت ليلى أمام عينيها المتهربتين.. ثم مدت علبة مرهم لها وهي تقول: "استعملي هذا"
قالت سبَنتي بتهكم: "هل أنتِ طبيبة نفسية، أم جراحة؟"
مطت ليلى شفتيها وهي تقول بصراحة: "طالما أنكِ ذكية لهذا الحد فلن أخدعكِ، هناك حيلة نفسية نستخدمها عادة مع الأطفال المصابين بحروق أو جروح تشوه أجسادهم ووجوههم البريئة ..لنقنعهم أن هذا المرهم يجعلهم أجمل ويخفي كل ندوبهم كما نراهم بالضبط"
:-"وتريدين استخدامها معي؟"
قالت ليلى بهدوء: "سنعدل قليلاً ..وأضيف للحيلة المكشوفة.. أريدكِ أن تستخدميه وتضعي منه على كل جرح ظاهر أصبتِ به نفسكِ حتى وإن مر عليه زمن ولم يهتم أحد برعايته"
قالت سبَنتي بتهكم: "أليس من المفترض أن مسبب الجرح هو من يداويه؟"
قالت ليلى بتلاعب: "كدت أطلبها وأذكر اسمه.. إلا أنكِ سترفضين مجرد الاقتراح, أليس كذلك؟!"
أخذت منها سبَنتي علبة المرهم ببطء مميت ثم قالت بجفاء: "لست وحدي الذكية هنا بالنهاية، نقطة لصالحكِ فأنا سآتي إليكِ المرة القادمة من تلقاء نفسي"
******
بروتينية غريبة وأصوات أعادتها تدور في عقلها كالفلك.. اعتدلت تمد يدها نحو الطاولة التي بجوار الفراش ثم جذبت الأدوية العديدة التي منحتها لها ..أزاحت الأقراص جانباً ثم فتحت المرهم تضع بعضاً منه على أطراف أصابعها, ثم أخذت تمسد به حرق يدها الذي ترمم الآن على كل حال.. فلترى نتائج أول نصائحها بالنهاية ما الذي بقيَ وقد تخسره أكثر؟!
خلعها من شرودها فتح الباب ببطء..
قالت من بين الظلام بتعب: "بدور لست في مزاج لنكمل شجارنا, أجليه للغد.. ولا لن تشاركيني غرفتي"
مؤكد النفس الثقيل كصدى ضربات السوط الذي ملأ غرفتها الصغيرة بتردداته العالية لم يكن يخص بدور بأي طريقة وأتاها اليقين بصوته الساخر: "هل تصورت أن بدور ستتنازل حقاً وتنزل من عليائها وتلجأ لأحدنا ..لقد ذهبت لغرفه ابنها"
تنفست سبَنتي بسرعة جنونية وهي تهدر: "أخرج من هنا"
فتح خالد نور الغرفة وهو يقول بلا مبالاة: "أخبرتني أنكِ تخافين الظلام"
رمشت بعينيها للحظة تستوعب الضوء الذي سطع على بصرها الذي كان غارقاً في العتمة لوقت ..ثم بمزيج من الجنون والقهر, كانت لا تستوعب حقاً ما تفعله، وهي ترمي نحوه كل ما تطاله يداها.. كتابها، أقلامها الملونة، حقيبتها الفارغة, ثم الأدوية، وكوب من الشاي البارد ..حتى صدمته في منتصف بطنه بحاسوبها الثقيل ..كان خالد يرد الضربات ببساطة متقبلاً لوثتها بطيب خاطر ..حتى تلقى الحاسوب الذي هبط على الأرض وانكسر لنصفين..
أطلق خالد زمجرة خشنة وهو يمسك بطنه, ثم هتف بعنف: "لن أشتري لكِ بديلاً، سيخصم من مصروفكِ"
صرخت سبَنتي بقوة: "يا عديم الإحساس ..هل هذا ما شكّل فارقاً معك؟! أخرج حالاً.. لا أريدك ولا أريد مالك.. تباً لك"
قال خالد بصوت خافت شرير دون أن يتحرك من مكانه: "راقبي لسانكِ.. ولمرة واحدة في حياتكِ البائسة دعينا نتحدث"
هزت رأسها وهي تهتف بحدة وتقفز لتجلس على ركبتيها: "أخرج حالاً، وإلا سأوقظ والدتك ..أو ربما راشد وأخبره بكل شيء"
نظر خالد لها وهو يضع يديه في خاصرته ثم قال بسفور: "افعليها إن ملكتِ ذرة شجاعة ..دعي راشد يدخل عليَّ مع زوجتي التي في بيتي ويأمرني بالخروج "
ابتسمت بشرر ثم هدرت: "أنت تأمر.."
ثم فتحت فمها على متسعه في استعداد لصراخ مجنون..
إلا أن خالد أغلق الباب بقدمه سريعاً، وفي أقل من ثانية كان يحاوطها من الخلف ويكمم فمها بكفه..
زمجرت وأخذت في الصراخ المكتوم الذي لم يصب إلا أذنيه.. وجالت بين يديه تقاتل بضراوة ليحررها ..جسدها كله يموج بين يديه ..ليس ليشعل فيه أي غريزة رجولية ..بل أصابه بحسرة وهو يتذكر بحنين براءة الماضي قبل أن تلوثهما الخطايا..
كتم خالد صرخة خشنة وهو يشعر بها تمسك بكلا يديها كفه ثم تطبق بأسنانها بضراوة تعضه.. أمسك جبهتها يحاول إزاحتها عنه وهو ينظر إليها بشرر لا ينافس شررها وعندما يأس من أن تتركه ..بدّل يديه ليمسك أنفها ويكتم أنفاسها لدقيقة ..أجبرتها على ترك يده المسكينة أخيراً.. وهي تستنشق الأكسجين بعنف..
قال على الفور بحذر قبل أن تفيق من جديد: "سنتحدث، فقط أريد أن أوضح ما فسرته خطأ.."
قالت لاهثة بعنف: "ليس هناك ما يقال.."
قال بإصرار: "بل هناك ..لم أعني أبداً الغباء الذي تقيأته في وجهي.."
نظرت إليه بتقزز من الوصف..
عض خالد على شفته السفلى بغيظ ثم هدر بصوت خفيض: "لن أتراجع, كل كلامكِ ليلتها وصباحاً في الجامعة كان مجرد قيء"
قست عيناها وهي تهتف: "لم تعد تفررررق.. أقولها لك بأي طريقة وأي لغة لتفهم.. كلك لم تعد تفرق معي.."
تسمر خالد مكانه لبرهة قبل أن يمسك مؤخرة رأسها من شعرها ويرجعه للخلف لتواجه وجهه الذي يطل عليها من أعلى: "هل ترغبين في دق عنقكِ.. أخبريني يمكنني فعلها.. فقد زادت وقاحتكِ عن الحد"
ازدراء حلقها كان واضحاً من وضعها المشبوح.. ظلت تنظر إليه بعينين لائمتين بشدة, معاتبتين بالألم .م هتفت مكررة: "أخرج ..لا أريد سماع شيء ..ألم تلتزم بالابتعاد عني لشهر، ما الذي جد؟"
أرخى خالد قبضته عليها ..ثم رفع أصابعه يدلك وجنتها برقة وهمس: "لم أعد أملك قوة التحمل للابتعاد عنكِ وأنتِ أمامي.."
ارتجفت بتأثر وكأن شيئاً في اقترابه يحرك فيها أمراً مجهولاً تعجز عن تفسيره ..أغلقت جفنيها دون أن تحاول تعديل وضعها ..ثم قالت بخفوت: "أنا...."
صمت وقرب وجهه من وجهها بوضعهما المعاكس ثم همس فوق جبهتها وهو يغلق عينيه بسيطرة شديدة حتى لا يضعف ويقبلها كما يرغب: "ألم تفتقديني ولو قليلاً؟"
هزت رأسها بالنفي دون تردد..
تنهد وهو يحررها ثم لفها لتصبح تجلس أمامه ..ارتاح جانبها وهو يقول بهدوء صارم: " أنا آسف ..تصرفت بغباء ليلتها ولم أعني مطلقاً ما كنت أقوله.."
ابتسمت بتهكم حزين ثم همست ببساطة: "لن أصدقك.. حتى وإن كنت صادقاً.."
قال بهدوء أشد وبصراحة مطلقة: "لا أستسيغ خجلكِ مني.. ربما تقاربنا بالماضي ..ما دفعني لعدم استيعاب أنكِ يجب أن تستحي مني كما كل فتاة ..ولكنكِ لستِ أي فتاة، أنتِ الدعسوقة خاصتي ..لطالما صدقت أنكِ لي.. جزء انشطر من أضلعي وكونكِ.. فكيف لك بالحياء مني؟"
نظرت إليه بذهول وكأنها تسمع مخبول يتحدث ..إلا أن خالد قال من جديد بخفوت: "تقبلت عقابكِ لأني أستحق جزءاً منه، ولم أحاول الضغط عليكِ لأمنحك فرصة للتفكير"
أشاحت عن وجهه بعيداً ثم قالت بتصلب: "وفكرت.. وكل يوم يزداد يقيني بأني لا أريد الحياة معك"
أمسك خالد فكها يقربها منه ينظر إليها بجدية ..رغم القلق الممزوج بألم في عينيه ثم قال بصوت رخيم: "أنظري في عينيّ وأجيبيني الآن، وإن حصلت على إجابة صادقة سأمنحكِ كل ما تريدين، وثقي أني سأكون بجانبكِ وأحميكِ مهما كان اختياركِ.."
توترت وهي تسمعه يتابع سؤاله بحزم وأصابعه تتشدد عليها وكأنه يرجوها عدم تخييب ظنه: "هل تملكين الطاقة للابتعاد عني من جديد، بعد ما وصلنا إليه من الاقتراب ..من إعلان أمام الجميع دون قلق أو خوف أنكِ بتِّ زوجتي وحلالي.. تخصيني وحدي.."
تقسم أن كل ذرة فيها تصرخ بها أن تؤلمه وتوجعه كما ذبحها بسكين ثلم.. إلا أن الحروف تبعثرت وتنفسها ثقل..
شدد أكثر وهو يقول بصوت كمن يتألم: "أجيبيني يا سبَنتي.. أقتليني بالفُرقة ولن أعترض.."
رمشت بعينيها وهي تحدق به مضطربة ..عيناها تبرقان بطريقة دفعت قلبه للخفقان.. أحاط خالد بكفه وجنتها الناعمة ثم ضرب على قلبه وهو يقول ببطء: "أنتِ جزء مني.. كيف تفكرين ولو لحظة أني أتعمد إذلالكِ، إن ما قلتيه لم يأتي لرأسي ولو للحظة"
صمت من جديد وهو يحاوط وجنتها الأخرى بحنان يقرب وجهها منه ثم قال هامساً: "أريدكِ نعم، أرغبكِ وبشدة ولكن ليس هذا ما عنيته.. ليس بالطريقة التي تنظرين بها لنفسكِ يا سبَنتي, لأنكِ أعلى وأغلى مما قد يتصوره عقلك الغبي يوماً.."
أطلقت شهقة استنكار ممزوجة بضحكة خافتة سيطرت عليها سريعاً ..إلا أنه التقطها...فأغمض عينيه بقوة مُدارياً عنها شعوراً جامحاً, هادراً تُخَلِّفه هذه الضحكة في قلبه.. مال يسند جبهته على جبهتها ثم قال بهدوء مسيطر: "أرغب في أن أحل على غرفتكِ ضيفاً ..بما أن هناك حدث عظيم فالسيد راشد ينام هنا.. يجب أن أبقى قريباً"
هزت رأسها بالنفي ثم قالت بخفوت: "لن أسمح لك.."
لم يرد وهو يعتدل ويتركها لارتباكها.. وكأن ابتعاده هذا سحب منها هذا الشعور الجميل الذي حاوطها فور أن تقرب منها..
:-"هل هذا كل ما لديكِ؟"
هزت كتفها بلا معنى بينما تراه يمد يده ويمسك بمرهم الجروح.. عقد حاجبيه للحظات شارداً ..ثم قال عاجزًا عن ضبط الخشونة والغضب في صوته: "لقد رأيته عدة مرات وأنا معكِ، تلمسته مراراً بعد أن كنتِ تذهبين في النوم، ولكني تجنبت أن ألفتك إليه يوماً، حتى لا تفسري بالخطأ، أو ربما حتى لا تتذكري بشاعتي معكِ.. رغم أنكِ لم تنسيها من الأساس"
سكنت حركتها تماماً وهي تقول ببرود: "لا أعرف ما هو سر الاهتمام المفاجئ بجروحي القديمة.. الأمر أصبح مملاً.."
فتح خالد الغطاء ثم وضعه جانباً مع العبوة.. واعتدل يخلع حذائه ثم أمسك كتفيها يزيحها ببطء ناظراً لعينيها بقوة وصرامة.. لم تقاوم ..فقط نظرة ذهول مؤكد لم تكن موجهة إليه ...انحنى وهو يعدلها لتنام على جانبها ثم همس بصوت مبحوح داخل أذنها: "أريد أن أنفذ وصفة الطبيبة بيدي، فقط اسمحي لي هذه المرة، فهذه الندبة بالذات ما زالت تنزف داخل قلبي حبيبتي.."
هتفت بتهكم رغم ارتجاف كل عضلة فيها: "هذا سخيف.. سخيف جداً والله.."
جلس خالد ورائها وهو يمسك طرفي بلوزتها ثم خلعها لتبقى أمامه بقطعة داخلية من الدانتيل الأبيض المحتشم، أسبل أهدابه وهو يزفر أنفاسه سريعاً حريصاً ألا تشعر به، مصدوماً برقتها وسكونها وكأنها تنتظره.. تشتاق إليه.. جزء منه طبع داخلها فعلاً وأصبح يتألم بإحساس افتقده كما يفتقدها هو، وإلا ما كانت سلمت، ورضت ببقائه والاستسلام ليديه.. وكأن رد فعلها هذا وحده صفعه بالحاجة التي تنامت بداخله، بأن يعمي بصره ويسكت أي صوت لرجولته يطالب بها ..فقط ليمنحها ما تحتاج هي إليه..
سيطر على نفسه برباطة جأش أخيراً.. ثم وضع بعض من المرهم على أصابعه ..ولمس أعلى ظهرها قليلاً مكان الجرح الذي ترك ندبة بسيطة جداً تكاد لا ترى ولكنه يحفظها عن ظهر قلب..
كانت يده تمسد بحنان, برقة خالية من العنف ومن قوته المعتادة ..وكأنه يعزف لحناً موسيقياً خاصاً يسري بداخلها بنغمة محسوسة, مرطبة ومراضية ..ارتاح بجانبها ثم دس ذراعه تحت رأسها التي تشبثت به على الفور بكلا يديها دافنة رأسها فيه ..بينما أصابعه لم تتوقف لحظة عن تدليك جرحها القديم ..سمعته يهمس فوق أذنها: "لم أقصد دفعكِ يومها أيضاً، ولم أعني كلمة مما قلت ..كنت متخبط آن ذاك يا حبيبتي وخفت أن تبتلعكِ دوامة جنوني.. فأنتِ كنتِ تُفقِدِيني كل اتزاني.."
كانت تطلق صوتًا أشبه بحشرجة بكاء إلا أنها قالت بقهر: "دائماً لا تقصد ..لا تقصد أي شيء ..وأنا ما عُدت أتحمل المزيد ..لستُ قوية.. لا أريد لأحد أن يراني قوية.."
استطال خالد برأسه لينظر بعينيها المغمضتين الباكيتين ثم عاد لوضعه وهو يشدد عليها بقسوة لتلتحم مع جسده كما كيانه ..ثم همس: "تقاس قوة الأشخاص بمدى تحمل الأعباء ..والنساء عامةً تتحملن أعباءً تفوق طاقة الرجال بمراحل ..لذا أنا واثق أنكِ ستجتازين كل هذا، ليأتي يومٌ نتذكر كل هذه المصائب ونضحك من أنفسنا ..أتعلمين لماذا ستفعلين كل هذا؟! لأنكِ قطعة مني"
أطلقت نفساً مبهوراً مشوباً بالبكاء ..بكاء لم يفهم معناه ومصدومة هي في ماهيته، إذ كان تأثرها رهيباً وممتعاً ليده فوق جرحها ..لقد كان يرطبه, يمحو وجعاً عاد للطنين ويسكن ألمها..
أغلقت عينيها من جديد تتشرب وجوده بنهم، مرعوبة بشكل مضاعف من خاطر واحد، إذ أنها اكتشفت مدى احتياجها وشوقها لطبعة جسده على جسدها....
ولهذا هي استسلمت ناسية لساعات كل ما صدر عنه.. مستمتعة بوجوده معها...
.................. ...................…….
يتبع ......


Nor BLack غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس