عرض مشاركة واحدة
قديم 07-02-21, 10:06 PM   #42

اوديفالا
عضو ذهبي
 
الصورة الرمزية اوديفالا

? العضوٌ??? » 481181
?  التسِجيلٌ » Nov 2020
? مشَارَ?اتْي » 160
?  نُقآطِيْ » اوديفالا has a reputation beyond reputeاوديفالا has a reputation beyond reputeاوديفالا has a reputation beyond reputeاوديفالا has a reputation beyond reputeاوديفالا has a reputation beyond reputeاوديفالا has a reputation beyond reputeاوديفالا has a reputation beyond reputeاوديفالا has a reputation beyond reputeاوديفالا has a reputation beyond reputeاوديفالا has a reputation beyond reputeاوديفالا has a reputation beyond repute
افتراضي

الفصل 24 / تاماني

أخرجت وجهي من نافذة السيارة تاركة النسيم البارد يداعب بشرتي وشعري ، نظرت إلى المدى القريب ، لأتأمل أشعة الشمس تتدقف على القمم الجبلية البيضاء ، وعلى لحاف العشب الأخضر في القاعدة ، المضاء ببريق قطرات الأمطار ، وإلى السماء المشرقة المنعكسة على البحيرات الصغيرة المتوهجة

أحببت ترك لندن ورائي ، أحببت رؤية هذه اللوحة الطبيعية النابضة بالحياة

لقد كنت أتوق إلى رؤية المروج والمناظر الطبيعية المفتوحة ، والحظائر والأغنام تسير في قطيع

وكذلك رؤية الخيول الرشيقة ، وسماع تغاريد الطيور الجميلة ، إشتقت لكوني جزء من هذا

لطالما شعرت بالحنين لقريتي منذ غادرتها، ولولا أليكس لأصبحت عودتي مجرد حلم يكاد يكون مستحيلا

إعتدلت في جلوسي وسألته ( فيما أنتَ شارد ؟ ) لاحظت كيف ترك السيجارة السادسة من يده بعد إنتهائها

قال بشرود ( لاشيئ ) ثم مد يده لجيبه باحثا عن علبة سجائر جديدة بينما كان يمسك فعلا بالولاعة

( هل منزلكَ قريب ؟ )

قال وعينيه متجمدتان على الطريق ( نعم ) وجد سيجارة فأشعلها وراج يلتهمها بقلق مفرط

منذ خرجنا هذا الصباح وهو هكذا صامت وشارد الذهن ، إن طرحت سؤالا يجيبني عليه بإختصار

يقود السيارة بصمت حيث سبقه تفكيره بأميال ، إنه يقطع هذه الطرق الريفية الفارغة بسرعة مخيفة وكأنه يريد أن يكون هناك خلال دقيقة ، قال ان هناك مشكلة ما تخص أخته ..أعني ماأسوء ماقد يحدث ؟ إنها في الريف في عائلة بسيطة محبة ..أي نوع من المشاكل قد تواجه ؟

ترى هل رسبت في دراستها ؟؟ هذا كل ماقد أتخيل حدوثه ، تنهدت بداخلي حين أكلني الفضول لأعرف مالخطب لأنه يتجنب إخباري مالذي حدث حقا لطالما عرفت أنه يخفي أمرا ما بداخله

لكن ماهو ؟

خطفت السيجارة من فمه ووضعتها بين شفتي ، قبل أن أتنشقها إستعادتها ، لمعت بعينيه نظرة تحذير و علت وجهه تكشيرة جميلة

( أنا متوترة جدا ) شبكت ذراعي لصدري وأخبرته بتردد فهز وجهه متفهما ( أنتِ محقة ، الأمر غريب قليلا أن تقابلي عائلتي )

( هآه ؟ ) لقد وضعني في موضوع أخر تماما ، لقد كنت أقصد أخته ..غريب ؟ ماذاا ؟ ( يالالهول لماذا ؟ )

( لأنكِ ياتاماني أول فتاة أصطحبها لمنزلي ..لهذا السبب ) شعرت أنه بذل جهدا ليبتسم في نهاية جملته ، عاد بسرعة ليشرد في الطريق ، عظيم الأن أنا متوترة لمقابلة عائلته !

قاد في هذا الطريق المستقيم حتى نهايته حين كان هناك طريق ترابي محاط بأشهار صنوبر طويلة وتوقف قائلا بتنهيدة خافتة ( وصلنا يا حبيبتي )

نزل وفتح لي الباب ..مد لي يدي فرفضت أن أمسكه ، شعرت بنبضات قلبي تتسارع فجاة

( هلا أعطيتني دقيقة من فضلكَ ) طلبت منه فأومأ ، جعلته ينتظر لعشرة دقائق ، بدأت أطرافي ترتجف ، لم أستطع التنفس ، أشعر أن المكان يضيق عليا ، وكانني محتجزة بين جدارين يتقاربان بسرعة وسيسحقانني

( تاماني ..أنا حقا مشتاق لرؤية عائلتي ) نظرت له من داخل السيارة و أنا أعاني مشاكل في التنفس لكنه لم يلاحظ لأنه ينظر نحو الجانب الأخر ،

( أنا أتعرض لنوبة هلع .. أنا أهلع ) بالكاد خرجت الحروف من فمي بشكل مفهوم ، أنا أرتعش

إنحنى لي قائلا بنبرة حازمة ( أخرجي من السيارة الان ) فإزداد ذعري وتراكمت الأفكار بداخل رأسي حول عائلته ، ماذا لو لم تحبني أمه ؟ ماذا لو لاحظت أنني فتاة بلهاء ولا أليق به ؟ ماذا لو قالت له أن ينفصل عني ؟

أمسكني من ذراعي وشدني للخارج ، ثم تركني فإنهرت على ركبتاي ، فوق العشب ، أصبح كل جسمي يرتجف بطريقة لم تحدث لي من قبل ،

إن كانت والدتي لم تحبني ..لماذا قد تفعل والدة أليكس .. سيغمى عليا

أخبرته وعيناي تنتفخان ( لا أستطيع مقابلة والدتك ..لا يمكنني حقاً) شعرت أني مقيدة بالحبال لا أستطيع المشي ، لا يمكنني رؤية السيدة ستون

سألني مستغربا بينما إستقرت يده بلطف على وجهي ( لماذا انت خائفة لهذه الدرجة من أمي؟ لقد كنت متحمسة هذا الصباح ؟ )

( صحيح ..كنت متحمسة حتى قلتَ بأن الأمر غريبْ، وأنت محق .. خبر عاجل لك أليكس ..من الواضح أنني لست جيدة كفاية لك .. والدتك لن تأخذني بجدية لأنني أشبه البنات المدللات الغبيات ، كان هذا رأيك بي أيضا ، سوف ترفضني وأنا لن أستطيع تحمل مزيدا من الرفض في حياتي )

قاطع ثرثرتي حين حملني ككتلة متجمدة بين ذراعيه القويتان ،فعانقته و أضلعي ترتجف ، ضغطت بقوة بيدي حول عنقه وهمست ( ماذا لو لم تحبني؟ )

بدأ يمشي بهدوء قائلا بعطف ( لقد إخترتك لأكمل بقية حياتي معك .. كيف تظنين أنك لست مناسبة كفاية لي ؟ حبيبة قلبي أنتِ مثالية لي .. وبالنسبة لأمي.. إنها إمرأة بسيطة وتحترم قراراتي بالمناسبة هي لا تحب المديح ، فلاتحاولي أن تدخلي من ذلك الباب)

( سأكون على طبيعتي ) سكن جسدي فجأة حيث إختفى إرتجافي، وهدأت أنفاسي ، إختفى ضجيج أفكاري فلاحظت مجددا صفاء الطبيعة من حولي

كان يستطيع أن يتركني الأن لأنني هدأت ، لكنه ظل يحملني كأنه قرر أن يستمر حتى باب منزله ( هل تقصدين على طبيعتك كتاماني سيليستيا فيفر ..أو فقط تاماني ؟ )

( أيهما سينفع ؟ ) هلعت مجددا فضاقت عيونه قليلا بينما صعد في هذا التل الصغير قائلا

( فقط كوني الفتاة التي وقعت في حبهاَ )

فوق تل صغير رأيت مساحات شاسعة محيطة بمنزل أرضي صغير ، هناك أشجار فارعة حوله وتغريدات الطيور المتنوعة تملأ المكان ، جعلته يبدو خياليا لكن من الواضح أنه قديم جداً ..جدا جداً

حيث أن رياح عادية سوف تقتلع سقفه

رأيت حديقة صغيرة في الباحة الامامية، مليئة بالورود بأنواع مختلفة أكثر مما أستطيع تسميتها ،عرفت فقط الياسمين الأصفر و الكاميليا والماهونيا والدايزي ، يوجد أيضا أنواع من دلاء النباتات ، وهناك أيضا شجرة صغيرة وكأنها تسند المنزل بجذعها وأغصانها ، الجو عابق هنا برائحة الورود الجميلة .. إنه منزل جميل ، لقد أحببته

وضعني على الأرض و تقدم هو خطوة وأنا بقيت مكاني فمد يده في الهواء لي ( تعالي حبيبتي )

ظل يحمل حقيبتي الصغيرة من الجهة الاخرى وكأنها صارت عادة له فأخذتها منه ، طرق الباب الخشبي المهترئ بهدوء ثم سمع صوت خطوات قادم ، سبقه صوت إمرأة يفيضا حنانا ( مهلا لحظة.... )

فإستدار لي هامسا والدموع تندفع لعينيه ( أمي )

فتح الباب فنظرت بخوف شديد من ردة فعل هذه الأم، حتى أنني إختفيت بهدوء أمام جدار المنزل الصخري ، لقد أسقطت المكنسة من يدها شاهقة وفتحت ذراعيها لتعانق إبنها بشوق وحنان لا مثيل له

إنتحبت غير مصدقة ( إبني عزيزي ، ياقرة عيني ، كم إشتقت إليكَ ياعزيزي )

سالت دموعها على خدها غير مصدقة رؤيته ،رغم ذلك فرحتها لم تكن تسعها ، لم تكن كبيرة في السن لكن يبدو أن ظروفها جعلتها تبدو كذلكَ

هي تملك عينان حنونتان جداً ، كانت تتركه فقط لترى وجهه ثم تعانقه مجدداً ، وهو لم يتركها للحظة ، كان يعانقها بإشتياق أكثر مما إستطعت إستيعابه

ثوبهاَ قديم جداً وممزق من عدة أماكن حيث تبدو الخياطة عليه واضحة وهي الان حافية القدمين في عز هذا البرد

( أمي هذه تاماني ! ) أشار لي أليكس بدون سابق إنذار فإستدارت بوجهها لتنظر لي ، كنت تحت تأثير حبها لإبنها فتقدمت بدون وعيي وعانقتها مثلما عانقها أليكساندر قبل لحظات ، يستحيل أن تملك هذه المرأة الحنونة القدرة على كره أحد أو أذية أحد ، عطفها ومحبتها تتضحان في سمات وجهها الرقيق

ولم تمر ثواني حتى إستقبلتني في حضنها ( أهلا بكِ عزيزتي) لقد ضمتني بقوة بحيث شعرت أنني طفلة مجددا ، لم أعرف هذا الإحساس فوالدتي لم تعانقني أبداً ، إنه إحساس مختلف ، إنه جميل جدا ، يمنح الدفئ والراحة ،ليست أمي لكن عناقها يدل على أنه مهما حدث ستكون دائما هناك ، كانت سريعة البديهة بحيث عرفت من أكون بالنسبة لإبنها

( حتما أنتِ متعبة وجائعة من السفر ياإبنتي )

ياإلهي .. أسمع يوميا والدتي تناديني بإبنتي ..لكنني لم أشعر يوما أنني كذلك ، وكأنه مجرد لقب ديبلوماسي تستعمله ، كيف تمكنت هذه المرأة الغريبة في أول مرة بأن تجعل حبها وحنانها يشعان في قلبي ، الأن أنا أتوق لأصبح إبنتهاَ وأسمعها تناديني " إبنتي " طوال الوقت

لقد جعلني أليكس أهلع بدون فائدة ، كيف ظن أن لقائي بها سيكون غريبا ، إنها ألطف أم في العالم

( أدخلا .. الجو بارد في الخارجْ ) لم تفلتني ..ظلت تحيطني بذراعها طوال الوقت وأعجبني ذلك

مشيت ببطئ داخل المنزل ، هناك غرفة معيشة صغيرة ، تحتوي على أريكتين مزخرفتين بالورود ومائدة دائرية صغيرة فيها مزهرية مليئة بورود بيضاء قطفتها من الحديقة، وكتب وكراريس مدرسية ، وهناك لوحة خشبية لمنظر طبيعي معلقة على الجدار ، ومدفأة حطب صغيرة ينبعث منها دفئ خفيف ، وطاولة بيضاء مستطيلة بجانب الجدار فيها ستة كراسى ، هاذا كل مايوجد ، إنها بسيطة وفارغْة

أنا مذهولة لأنني لم أتخيل أن تكون ظروفه سيئة بهذا القدر

( إجلسي ياإبنتي ) سحبت ذراعها مني لتترك لي الحرية لأجلس ، لذلك جلست عشوائيا على الكنبة المقابلة للمطبخ ، كانت الباب مفتوحة تخرج منها رائحة طعام جميلة ، فجعت فجأة

جلس أليكس بجانبي حيث وضع يده فوق يدي ليقطع الشك باليقين لوالدته ، وكل مافعلته كان الإبتسام بلطف ، أعتقد أنه يريد الجلوس بجانبها لكنه لم يرد أن يتركني لوحدي يعد نوبة هلعي

( هل أنتِ بخير ) أخفض وجهه لي بجاذبية لم أكن مستعدة لها ، تطلبني الأمر لحظة لأستجمع
أنفاسي

( لم أكن يوما أفضل ) قلت وأنا أنظر لأمه لأسيطر على خجلي الذي في غير محله ، لأن إبنها يفقدني عقلي وحبي له ينمو في كل دقيقة ، أود أن أشكرها الأن على إنجابه .. حاولت ان اشتت أفكاري لكي لا أزداد إحمرارا فنقلت بصري عشوائيا للغرفة التي خلفها ..كان الباب مفتوح قليلا وكنت أنا فقط من يرى تلك اليدين المتدليتين من فوق السرير

سمعت السيدة ستون تقول بشوق بعد أن إنتقل أليكس ليجلس بجانبها ( لقد دعوت كل يوم لكي تعود وأراك ، كيف حالكَ ياإبني ؟ ولماذا تأخرت هكذا ؟ )

أخبرها بقلق ( أنا أسف لأني جعلتكم تنتظرون طويلا ياأمي ..أنا أفعل كل مابوسعي ، كيف حالكِ أنتِ ؟ تبدين تعبانة)

لقد ذهب تركيزي كله لتلك الغرفة ، سرعان ما رفعت يدها ، ياإلهـي إنها هي ..إستدارت بوجهها وفتحت عينها فرأتني ، لكنها لم تقم بأي ردة فعل ، ظلت تنظر لي كأنها تحلم ثم فركت عينيهاَ وجلست حين سمعت صوته

( أليكس ) همست بإسمه بدون صوت ، لقد قرأت شفتيها ، رفعت يدي لأنبهه لكنه لا يبدو أنه رآني

لاحظت كيف وقفت بصعوبة وكأنها تجمع عظامها لتقف ، ومشت بخطوات بطيئة .. فتحت الباب وتقدمت خطوة واحدة للخارج وحين رأت أليكساندر همست ( أخي ) ثم إنفجرت بالبكاء

سارت نحوه ربما خطوتان بدون الإستناد على شيئ ثم سقطت على الأرض كأنها لم تستطع تحمل وزنها أكثر من ذلكَ والطريقة التي ركض أليكس إليها جعلت جسدي يقشعر ، جلس على ركبتيه وحملها لحضنه ليعانقها بقوة ، لقد أفزعتني ..إنها ضعيفة جدا وهزيلة ، مجموعة عظام يكسوها جلد شاحب ، لا تبدو كفتاة في السابعة عشر بل أصغر بكثير

قالت من خلال شفتيها المتشققتان ( خفت أن لا أراك مجدداً ) أخبرته وهي تضع أصابعها الرقيقة بضعف على خده

أومأ أليكس وقد غمره الحنين ( أنا هنا ..لقد جئت مثلما وعدتكِ )

( لماذا تأخرت ؟ قلت أنك ستزورني كل شهر ، لقد إنتظرتك كثيراً )

عانقها لصدره مجددا بتأنيب ضمير ( أعرف ..أسف لأنني جعلتك تنتظرين كثيرا ياعزيزتي ) شعرت انه لم يستطع مواجه نظرتها المؤنبة

قالت ماكنزي بأنفس متقطعة ( لابأس ..أنا سعيدة لأنني رأيتك قبل فوات الأوان )

مهلا .. أدركت للتو أن هذه الفتاة تبدو كأنها تحتضر

ياإلهي أمل أن اكون مخطئة

ظهر الوهن في صوته حين قال لها ( لماذا تقولين هذا عزيزتي ؟ و .. لماذا سائت حالتك هكذا ؟ لماذا لا تأخذين دوائك ؟ )

أخذت نفسا مرتجفا لتردد ( هكذا )

نظر إلى جسدها النحيل بشكل مخيف ، ولعظام وجهها البارزة ، هناك هالات سوداء تحت عينيها وكأنها لم تنم لأيام ( لقد اخلفت بوعدك لي ، سأغضب منكِ ماكنزي، هل هكذا تفعلين بي ؟ )

( هكذا أفضـل للجميع ) كم جعلته يشعر بالقلق هذه اللحظة ، لاحظت والدته ذلك أيضاً فتدخلت قائلة ( حسنا ماكنزي لماذا لا تذهبين للنوم ..أنتِ لم تنامي منذ يومين ..أليكساندر سيبقى
اليوم )

لكنها فقط تمسكت بأخوها الذي سألها حائرا ( لماذا لم تنامي منذ يومين ؟)

أغمضت الام عينها للحظة ففهم وأخذها للغرفة و ظل معها حتى نامتْ حقاً ، حين تأكدت بانها نامت وقفت عند باب الغرفة وربعت يدي لصدري أحملق فيهاَ ، قال بانها تنام كل يوم في حضنه وهي قد حرمت منه حين أتى لي ، حرمت من الامان الان ..فطوال الأشهر الماضية كنت أنا أحتجزه عندي

وماذا عنها ؟

( هذه هي حبيبتي الصغيرة ماكنزي وكما ترين ..السر الذي أخفيته عنكِ ..أنظري إليها إنها مصابة بمرض مزمن إنها تعاني من الفشل الكلوي المزمن)

ياإلهي ، لقد شعرت بحرقة بداخلي ولم أستطع التكلم ، أحسست بالذنب فورا

أليكس جاء الى لندن لكي يعمل ويعالجها ..إن ظروفه أصعب مما توقعت ، أنا عاجزة عن التعبير

وبشكل ما شعرت بأن مسؤولية ماكنزي تقع على عاتقي أيضاً

( تعالي..إنها نائمة ) حين قال هذا ذهبت وجلست بجانبه وأمسكت يدها الرقيقة ، مررت أناملي على شعرها القصير ، مرضها لم يمحو جمالها ، هي مثله تملك سحرا خاصا بآل ستون يجعلني أرغب بالتحديق لها طوال الوقت

( لماذا أخفيت الامر عني ؟ ) سألته فصمت وأخفض عينيه لها ( حسناَ ..لا تخبرني لكن ..أريدك أن تعدني بشيئ واحد )

( ماهو ؟ ) وهو يحدثني الان إستغربت كم الحياة غير متوقعة ، أنا إبنة واحدة من أغنى أغنياء أنجلترا ولطالما ظننت أن زوجي سيكون رجل ..مثل جيريمي غرافل تماما، أبله مثلي وغني كما تريده والدتي

لكن القدر جعل مرض ماكنزي سببا ليحضر لي أليكس ..الذي يعيش هنا حياة بسيطة ، إنه ذكي أكثر مما أستطيع وصفه ، وجميل لحد يدوخني ، وحنون القلب بشكل لا يصدق ، لولا مرض أخته لما غادر هذا المكان قط وكيف وضعه القدر في طريقي ليصبح ملاكي الحارس ، ليصبح المعجزة التي كنت أنتظرها

كان يمكن ان لا نلتقي قط ..لولاها .. أنا مدينة لها بسعادتي ، أعتقد أن القدر أحضرني إلى هنا لحكمة ، يجب أن أساعدها ، حتى لو بعت كل مجوهراتي وملابسي ، سأبيع هاتفي لو تطلب الأمر ، أعرف شيئ واحد وهو أنني سأساعدها

( أنا أحب كل من تحبه ياأليكس ، ماكنزي أختي الصغيرة أيضا ..إن كان هناك ماأستطيع فعله لمساعدتها ، عدني أنك ستخبرني بدون تردد ) لم أرد أن أعرض عليه النقود مباشرة لأنه سيغضب

قال بسرعة بنبرة خافتة ( شكرا حبيبتي ، لا تقلقي بشأنها ..أنا أهتم بها )

وبمجرد أن نظرت إليها ..وجدتها تنظر لي بالمقابل ، لم ينتبه لها أليكس فقام وتركني بمفردي معها وكأنه تضايق مما قلته ..وأنا شعرت بالغرابة فرحت أتحدث بسرعة

( مرحبا..لعلكِ تتسائلين الأن من أنا صحيح .. أدعى تاماني ، أنا من لندن ..لكنني ترعرعت هنا قرب محطة الوقود )

فقالت ولم يبدو انها تستمع لثرثرتي ( أنتِ حبيبة أليكساندر ؟)

إبتعلت ريقي وهمست ( نعم ) تخيلت للحظة أنها ستطلب مني الخروج من منزلها لكنها فقط إبتسمت إبتسامة ضعيفة شاحبة وهي بالكاد تفتح عينيها ( أنتِ جميلة )

سمحت لنفسي بإن أمسك يدها مجدداً فسألتني ( ترغبين بمساعدتي ؟ )

( طبعا ياماكنزي ..سنصبح مستقبلا عائلة واحدة .. سأصبح أختك الكبيرة )

كم كانت نظراتها حادة وساخرة حين قالت ( مستقبلا ؟ لا أعرف إن كنت متوفرة.. لكن في الوقت الحالي انا هنا .. ويسرني ذلك )

إنحنيت وعانقتها.. المسكينة هي لا تظن انها ستعيش .. غمرني الذنب حين ضغطت على أصابعي بضعف ، عادت لتنام مجدداً فلاحظت كيف يديها ممتلأتان بثقوب الإبر ، مليئة ببقع بنفسجية مؤلمة ، سوف أساعدها حتى لو كان أخر شيئ أفعله في حياتي ، حتى لو رفض أليكساندر ذلك

( الغذاء جاهز ) نادت أمها فخرجت من الغرفة لأجدها قد وضعت الأكل فوق تلك الطاولة الصغيرة

( عزيزتي تعالي ..لابد وأنك جائعة ) سحبت لي كرسي فجلست ، أنا حقا جائعة ..والرائحة تبدو شهية جداً

جلس أليكس أمامي ليخبرني ( أمي أفضل طباخة في العالم ) وحقا هذا الأرز شهي جداً، بحيث بدأت أكل بدون توقف ..أنا في العادة فتاة خجولة حتى أرى الأكل

( سأوقظ ماكنزي ) كان سيقوم فأوقفته أمه ( دعها تنام ، لم يغمض لها جفن منذ يومين )

إنهال عليها أليكساندر بالأسئلة التي كانت سببا في شروده منذ الأمس ( لكن لماذا ياأمي ؟ مالذي يجري ؟ ولماذا لم يخبرني إمانويل بأن اندرو سيأخذها معه إلى لندن ؟ لماذا توقفت عن العلاج ؟ أخبريني مالذي يجري ؟)

( أخفض صوتك إبني.. سوف توقظهاَ ) طلبت منه فوضع أصابعه فوق عينيه محاولا أن يضبط أعصابه ، وأنا كنت اجلس وسطهما لا اعرف ماذا أفعل ،هل أستمر في الاكل ؟ هل أخرج وأمنحهم بعض الخصوصية ..لكن وقت الأكل أكل !

( أندرو أخذها معه إلى لندن لكي يجري لها بعض التحاليل الغير متوفرة هنا ، هذا كل ما في الأمر ، لا تقلق كل شيئ على مايرامْ)

وقبل ان يتمكن من قول شيئ طرق الباب وسمعت صوت مرح ( إلهي كم أنا جآآآئع )

إبتسم أليكس وإختفى كل الإنزعاج الذي بان عليه للتو ، ذهب وفتح الباب له قبل أن يطرق، لم أعرف أن أخوه سينصدم لدرجة سيظن أن يتخيل ، تراجع للخلف وتجمد مكانه ( مستحييل ياصاح ، أخي هل هذا حقا أنتَ ؟ هنا في المنزل ؟ )

إنه على وشك البكاء ، قلبي لا يستطيع أن يتحمل ذلكَ

( تعال هنا أيها البطل ) فتح له ذراعيه و عانقه بقوة ، لديه بعض الشبه بأليكس ، عدا انه ضئيل الحجم ..ربما لأنه لا يزال مراهق ولم ينضج جسده بعد ، لكنه حتما سيصبح مثل أخوه

ظل متمسكا به ولم يرمش حتى كأنه خائف أن يستيقظ من حلم جميل ( كان عليك إصطحابي معكَ ، هذا المكان غريب بدونكَ )

قبل ان تقع دمعتي مسحتها ورأيت السيدة ستون تبتسم نحوي بحنان قوي لدرجة أنها راحت تربت على شعري

( أتيت لتبقى صحيح ؟ ) كان متفائلا جداً، حيث عانقه مجدداً ،والدموع تملأ عينيه ، عجز أليكس عن إبلاغه أنه لن يبقى فإكتفى بإبتسامة حزينة

( من أنتِ؟ ) إقترب مني حتى صار يقف بجانبي فهلعت وأخبرته كآلة ( أنا تاماني)

( إسم غريب ) من الواضح انه لا يخفي شيئ في قلبه ..من الواضح ان جميعهم هكذاَ يقولون الحقيقة سواء كانت جيدة أو لا ، غسل يديه بسرعة وعاد لينظر لي بإستغراب طريف

( إجلس أرون ) طلبت منه أمه فجلس بجانب أليكس وإستدار كليا له ليحدثه بشوق كبير

( قلت بأن الامر سيكون صعبا في البداية ثم سأعتاد .. لكن الامر يصبح أصعب مع كل يوم يمر ولم أعتد على غيابك ، شعرت بأنني فقدت أبي للمرة الثانية )

أعرف أن إعترافه هذا وقع كالسوط على قلبه لكنه لم يظهر ذلك وإبتسم له ( انت تعرف أن الظروف هي التي أجبرتني بأن أذهب ، أنا لن أتركك مادمت حيا )

( أجل ) هز رأسه وراح ياكل فسأله أليكس ( كيف تسير امور دراستك ؟ كيف أبليت في الإختبارات ؟ )

إكتفى أرون بإبتسامة صغيرة مصطنعة بإمتياز ورفع كلتا إبهاميه فقال أليكس فخورا به ( إستمر هكذاَ )

لماذا لم أفكر بهذه الطريقة يوما ، إنها سهلة ومفعولها يعمل جيدا ، ويمكنني أن اوفر كلماتي لوقت أخر

( أليكساندر قال لي أنك عبقري العائلة ) أخبرته فوضع يده فوق قلبه ممتنا ( هذا شرف لي أنستي )

وإنتظر حتى أخفض اليكس عيونه للصحن فقام لي بإشارة الموت على عنقه لأتوقف عن ذكر الدراسة وعلى غفلة رفع حبيبي يده وضربه من خلف رأسه ( لقد رأيتك )

( ماكان الداعي لذلكَ أخي ؟ ) راح أرون يفرك رأسه من الخلف وأنا أضحك ، لكن أليكس كان جادا حين قال له ( تعرف كم أنا جاد بخصوص الدراسة )

صمت أرون وإستمع جيدا لأليكس وهو يقول موبخا بلهجة أبوية ( إننا نعيش في أوقات مظلمة ودراستك هي سلاحك الوحيد ، أريدك أن تخرج من هذا المستنقع الذي عجزت عن الخروج منه انا )

( هل هي نائمة حقا ؟ ) سأل عن أخته ليغير الموضوع فأومأت أمه ( تريدينني ان أصدق أنها نائمةَ)

( هل يمكنني أن اعرف لماذا انت مستغرب ؟ ) سأله اليكس وهو حتى الأن لم يلمس صحنه قط

( لأنك أخيرا هناَ .. لانك حقا اتيت .. فكيف ستنام ماكنزي وأنت هنا ؟ هي تهذي بإسمك منذ غادرت )

فكر أليكس قليلا ثم ذهب و فتح الباب فكانت مستلقية على بطنها ، تدفن وجهها في الوسادة

( هي نائمة ياإبني ) نبهته أمه ورغم ذلك دخل وإنحنى إليهاَ ( ماكنزي ) همس إسمها ثم جعلها تعتدل في نومها لكي لا تختنق

( ماكنزي أعلم انكِ لست نائمة ) مرر يده على وجهها بحنان ( إفتحي عينيكِ ماكنزي .. أنظري لي)

( أليكساندر ..دع أختك تنام ) نادته السيدة ستون فرفض ، امسكها من كتفيها ثم رفعها وعانقها

( حرارتك عالية عزيزتي.. أنتِ لست نائمةَ، بل تعانين من دواخ الحمى ) وبين لحظة وأخرى هزها بقوة ( ماكنزي ) نطق إسمها بحدة كبيرة فأجفلت وفتحت عيونها بضعف

صرخ وهو يشد على أسنانه بحدة ( أمي ..أحضري كل أدويتها )

همست ماكنزي بوهن ( لا أريد )

كان يمسكها بقوة حيث قال بغضب ( بلا ..ستريدين رغما عنكِ ..كيف ترغبين بالشفاء إذن ؟)

أحضرت له إيرين الدواء فبدأ يقلب فيه حتى وجد مايبحث عنه ( هيا ماكنزي )

أغمضت عينها وهو فقد بدأ يفقد صبره فقال بحدة( قلت هيا ماكنزي.. ماذا يعني أنك لا تريدين تناول دوائك .. الإنتحار ؟)

وقفت بجانبه فنظرت لي لبعض الوقت قبل ان تغمض عينها مجدداً

( ماكنزي ) ساعدتها لكي تجلس فظلت تنظر لي كأنني أساعد في تعذيبهاَ ، كم هي حزينة و وهادئة

حملت كأس الماء وأعطيته لهاَ، لكنها بمجرد ان أمسكته حتى سقط من يدهاَ ، ولا أظن أن أليكس كان مستعدا ليرى أخته عاجزة حتى عن إمساك كأس ماء فخرج ..وأنا لحقته

وجدته يجلس أمام الباب على إحدى الرفوف الصخرية فعانقته ( لابأس ..هي ستتعافى ) ومسحت له دموعه فقال بلحظة يأس ( إنها تحتضر.. أختي تحتضر)

( لاتقل ذلك .. أنت وانا لن ندعها تموت ..سنعتني بها ..ستشفى من هذا المرض، ستكون على مايرام ، أعدكَ )

( أخشى أن يكون الأوان قد فات ) تفاقم ألمي لرؤيته في هذه الحالة ، لطالما كان قويا والأن هو ضعيف جدا لدرجة حطم قلبي ، أنا جد غاضبة لأني لا أستطيع مساعدة فورا ، يتطلب ذلك الوقت والنقود

( أخي) تركته بمجرد ان سمعت صوتها فكانت تتكئ على ذراع أرون لكي لا تقعْ، رؤيتهما يقفان بجانب بعض غمرني بشعور الأخوة نحوهما ، إنهما لطيفان جدا معا ، شعرت بالذنب نحوهما لأنني إستحوذت على أخيهما طوال الأشهر الماضية ، حتى أرون يبدو في حالة يرثى لها ، إنه هزيل جدا وملابسه خفيفة ولا تناسب هذا الفصل البارد ، كلاهما يشبهان أليكس ، عدى أن ملامح ماكنزي أكثر حدة ، ونظرتها أكثر واقعية ، تبدو ذكية جدا حيث يصعب التحايل عليها ..هي تبدو عدوانية وخفيفة الطبع ، عكس أرون الذي يبدو بشوشا ورزينا

( لا تحزن ، هذا ما يجب أن يحدث ..أنت لا تستطيع تغيير شيئ ، لا أحد يستطيعْ ، لفد فعلت مابوسعك والأن أريدك أن ترتاح ..تعبت جدا ياأخي فأتركني لأرتاح )

كور قبضة يده بقوة غاضبا فهمست في أذنه ( إهدأ )

وقف متنهدا بمرارة وفتح ذراعه لها ، إبتسم نحوها لكن مافعلته هي عناق أرون بحزن ( أنا أسفة ياأخي)

ثم قالت لأرون ( خذني لسريري ) وكأنه ليس أخوها الذي يقف هنا ينتظرها أن تأتي إليه .. وأعتقد ان ذلك أذاه قليلا فإلتفت لي قائلا بإبتسامة مختلطة بدموعه الحزينة ( هي تشعر بالغيرة )

( هل تعتقد ذلك ؟ لقد تحدثت معها وبدت أنها مسرورة لنصبح عائلة ..حتى أنها قالت بأنني جميلة )

مد ذراعه وإحتواني في صدره ( أنتِ الوحيدة الان التي تبقيني قوياً ..هيا لندخل ..أحدهم يجب أن يأخذ دوائه )

امسك يدي وعاد لغرفتها فكانت مستلقية وأرون جالس بجانبها يكاد يغفو هو الاخر

( عزيزتي.. أسف لأنني صرخت بوجهكِ ، أنا قلق عليكِ جدا أختي ) قبل يدهاَ فدمعت عيونها

قالت وهي تنظر لعينيه متوسلة ( لا ..لا تغادر )

( كيف سأؤمن لك مصاريف العلاج والأدوية إن بقيت هنا )

( أرجوك أليكس ..ليس عليك أن تبتعد من أجلي )

فأخبرها الحقيقة ( ماكنزي ..سأغادر مساء يوم الأحد )

همست وهي تغمض عينيها برفض قاطع (لا )

بقي ممسكا بيدها يقبلها بين الحين والأخر (لكنني ساتصل بك وسازورك بأقرب وقت ممكن )

هزت وجهها بقوة وبدأت تبكي (لآ )

(بلا ياعزيزتي ) إنحنى ليقبلها على جبينها لكنه توقف وتراجع مقطبا جبينه ( ماهذا ؟ )

أشار لعنقها الأزرق كأن أحدهم حاول خنقهاَ..هناك أثار اصابع واضحة

( من فعل هذا بكِ ؟ ) سألها فرفضت أن تقول شيئا وهو فقط بدأ يفقد اعصابه مجددا

( أرون ؟ ) نظر إليه فكان هذا الاخير شاحب الوجه ، بقي متجمدا مكانه يحاول أن ينطق الكلمات التي شكلها بين شفتيه

فقالت ماكنزي لتخلصه من صراعه ( لقد سقطت )

( أنت تكذبين عزيزتي ) حدثها بهدوء رغم انه سينفجر فأصرت على كلامها ( قلت أنني سقطت )

إسودت عينيه وقال بغضب شديد ( كفى .. منذ متى صرت تكذبين عليا ؟ تذكري ..أنا علمتك الكلام وأعرف متى تماما تكذبين )

( أخبريني ماذا حدث ماكنزي ) حاول معها فوضعت يدها على أذنيها وصرخت ( أنت تــزعـجـنــي )

( حسنا إهدئي .. إهدئي ) بلمسة سحرية من أليكس جعلتها تهدأ كلياَ ..كأنه والدها أكثر من كونه أخوها

أغمضت عينها بإنهاك فطلب منا أن نتركها بمفردها لترتاح وقف في الصالة متوعدا ( إنه إيمانويل صحيح ؟)

فحرك أرون وجهه نفيا ( إيمانويل لن يجرؤ )

( إذن من تجرأ وخنق أختي حتى ترك لها أثاراً زرقاء ) حين صرخ إرتجفت ..علمت أن غضبه خطير لكن ليس لهذه الدرجة ..وأتسائل كيف كان يمسك أعصابه معي

( كفى ، أليكساندر ..أرون .. كفى , أختكما قالت بانها سقطت ، ذلك ماحدث ) الان عصبت أمهما من المطبخ

إرتسمت نظرة ساخطة عليه وصرخ ( أمي لا تجعليني أجن ، تلك أثار خنق .. أنت تحاولين حماية إيمانويل ، لكنك سترين ماذا سأفعل له)

أتى صوت إيرين الحنون من المطبخ منخفضا ( أليكساندر ، فلتبقى بعيدا عنه ، عدني ..عدني أن لا تفتعل أي مشكلة معه )

( حسناً ) رغم كل شيئ هو لم يستطع مخالفة كلام أمه ، لكنه نظر لأرون الذي قال كأنه يعرف مسبقا السؤال

فأخبره ( لا اعرف أين هو إيمانويلْ)

حاول أليكس أن يلهي نفسه فجلس فوق الأريكة وأمسك عبثا بإحدى كراريس أرون فوق المائدة ثم فتحه ، خلال ذلك سقط فم أرون بذعر ، بدى أنه يمر بأعراض الهلع التي أصابتني هاذا الصباح

لم أفهم ماذا حل به حتى وقف أليكس ورمى الدفتر عليه ، صاح بغضب ( أخر تاريخ سجلته كان قبل ثلاث أشهر ، هل تركت المدرسة ؟ )

أصبح يرتجف غضبا حيث تفقد كل كراريسه وكتبه ، إزدادت قتامة نظراته وصار يتنفس بشراسة حيث تهجم على أرون الذي تجمد مكانه ، أمسك وجهه بيده ورفعه ليصرخ بطريقة جعلتني أتراجع خوفا

( كيف تجرأت أن تترك المدرسة أرون ؟ كيف فعلت ذلك بي ؟ هل فقدت عقلك ؟ ماذا حدث ؟ قل شيئاا أرون .. برر لي قبل أن أفقد صوابي ) هو لا يدرك أنه فقد صوابه فعلا ، أشفقت على أرون الذي كان يخفض عينيه طوال الوقت بذنب فضيع للأرض بدون أن ينطق بكلمة

( أعطـنـي سببا ياأخي ، قل شيئا منطقيا لتبرر لي فعلتكَ ..ثلاثة أشهر ؟ ثلاثة أشهر لعينة ؟ )

فقال أرون حين إستجمع أنفاسه ( فعلت ذلك للضرورة القصوى ، لا شيئ أقوله سيجعلك تفهم )

ثم دخل لغرفة ماكنزي وأغلق الباب تاركا أليكس يجن في غرفة المعيشة ، بعد أن لكم الجدار عدة مرات قرر أن يخرج ويركل كل مافي طريقه ..إنه يخيفني الأن

( تعالي تاماني ، لا تبقي بمفردكِ هناك ) نادتني السيدة ستون فركضت إليها وقلبي يخفق بقوة

لم أعرف هذا الجانب الجامح من أليكس حتى الأن ، وأنا متفاجئة قليلا لاني تعودت على هدوئه

كان مطبخها بسيطا يفتقر لكل وسائل الراحة ، لا وجود لغسالة صحون ، ولا لفرن أوتوماتيكي ، لا يوجد حتى ميكرويف ولا خلاط كهربائي ، هي مضطرة لتفعل كل شيئ بنفسها ، لكن كانت لها لمستها حيث جعلته لطيفا ، أحببت جدرانه البيضاء النقية التي تجعله مضيئا ونافذته الكبيرة المطلة على الحديقة ، أحببت الستائر الوردية المطرزة بالكرز والسجادة الزرقاء على الأرض الخشبية ، وديلاء النباتات في الزوايا وفي الرفوف ، وكذلك مزهرية الورود المتنوعة فوق الطاولة ، سحبت كرسي وجلست تقابلني بينما إلتفت نحو النافذة لأرى أليكس يدخن كما لم يفعل يوما ، وهو يسير ذهابا إيابا كأنه لا يستطيع السيطرة على نفسه

( لا تقلقي بشأنه ، سيهدأ لاحقا ) حاولت أن تطمأنني بينما حملت في يدها إبرة وخيط ، وشرعت في خياطة قميص أرون حسب حجمه الصغير

( الدراسة خط أحمر عنده ، لا أعتقد أنه سيمرر الأمر بهذه السهولة ) قلت حسب معرفتي به

فأومأت رأسها لتوافقني الرأي

( طبعا لا ) لاحظت يديها ممتلأتان بندوب خفية ، وخشنتان كأنهما تحكيان عن سنوات قاسية تجاوزتهما ، تذكرت والدتي التي تستعمل أغلى المراهم لتبقى يديها رطبتان وناعمتان رغم أنها لا تلمس بهما شيئ ، كم أتمنى لو أنها فقط كانت تربت على وجنتي بهماَ لأشعر بإهتمامها

( لقد إشتاق لكم كثيرا ) شعرت أني يجب أن أخبرها بذلك ، فثلاثتهم لم يصدقو قدومه اليوم

وكأنهم ظنوا أنه نسيهم ( إبنكِ يحبك كثيرا ياسيدة ستون )

أخفضت عينيها بإبتسامة خافتة وقالت ( إنه أكثر من إبن ، إنه عيناي الذي أرى عبرها هذه الدنيا )

( أخبرني أنه تولى المسؤولية بعد وفاة والده ) قلت بأسى فهزت وجهها بقوة

إنكمش جسدها الهزيل حيث توقفت عن الخياطة للحظات ، ندمت لأني ذكرت زوجها الراحل

قالت بصوت مرتعش ( لقد تحمل المسؤولية منذ كان طفلا ، أتعرفين أنه لم يعش طفولته كباقي أصدقائه ، ولم يستمتع بمراهقته ، هو عاش في حياة البالغين القاسية ،حين يكون أقرانه في أسرتهم الدافئة كان هو يسير في الظلام بحثا عن أي عمل ، وكلما يخرج في ظلام الليل أمسك قلبي خوفا عليه ، بعد وفاة روبرت لم يرحمنا العالم ، لقد طالبنا البعض بتسديد الديون في مدة زمنية قصيرة ، كان يعمل بأي شيئ ، ينظف المنازل ، يساعد المزارعين في حرث الأراضي ، ينظف الإسطبلات ، يغسل السيارات، تساقطت على رأسه الأمطار الباردة و أحرقته الشمس وهو مجرد فتى صغير ، ولم يشتك لي قطْ ، كان يسهر الليالي لينام أخوته ، يجوع هو ليشبعو هم ، أنا أستمد قوتي منه ، لا أعرف ماذا كنت سأفعل بدونه )

حاولت إخماد الدموع في عيني وأكون قوية ، وضعت يدي فوق يدها وأخبرتها ( إنه حنون جدا ، لقد أنجبت ملاكا وأسميته أليكساندر ، صدقيني سيدة ستون ، لم أعرف بشأن ماكنزي حتى اليوم وإلا كنت فكرت بحل ما )

لمعت عينيها بإمتنان ( نادني إيرين ياعزيزتي ، أقدر لك ذلك لكن أليكس لا يقبل المساعدة من أحد ، إنه يتحمل مسؤوليتها بنفسه فقط )

( لكني لست أي أحد ! ) ضغطت على يدها ففعلت المثل لتشعرني بتفهمها

( بعد رحيل روبرت حل أليكس مكانه ، عوضنا عن غيابه بشكل كبير ، لم يردنا أن نشعر أننا نحتاج لغيره ليهتم بنا ، أرادنا أن نعرف بأنه موجود من أجلنا ولن نحتاج لطلب المساعد من أحد .. أتعرفين أن الجميع ينخدعون بإبتسامته ولا يعرفون حقا حياته ، نحن فعلا نشعر بالأمان حقا لوجوده ، نشعر بالإستقرار لأنه لا يدعنا نحتاج للغرباء ، لقد مات زوجي لكنه ترك لي محارباَ ، أنا فخورة جدا به )

غمرتني المشاعر حين ربتت على خدي برقة ( إن قلبه الكبير لا يقدر بثمن ، أنتِ لن تجدي قلبا حنونا نقيا مثله ليحبكِ بتلك الطريقة المخلصة ، أنتِ محظوظة لأن ملاكي إختاركِ ليحبكِ ، إهتمي بإبني فهو أيضا يحتاج لرفيقة مثلك لتؤنسه في وحدته ، إنه مجروح بداخله ولن يعترف بذلك أبدا لي لكي لا يشعرني بالقلق ، أنتِ الوحيدة التي تستطيع المسح على جروحه )

( أعدكِ )

بدأ قلبي يقفز بين أضلاعي حين دخل مجددا للمنزل ، في نفس الوقت الذي خرج أرون من غرفة ماكنزي وإلتقيا في غرفة المعيشة ، فتوهجت عينيه بغضب نحو أرون الذي أخفض وجهه للأرض ودخل إلى المطبخ ، أفرغ الماء في الكأس وشربه دفعة واحدة ، محتميا بأمه تحسبا

صرخ وهو يلوح بسبابته في الهواء ( لا تظن أنك نفذت مني بهذه السهولة ، أمي لا أفهم كيف سمحتِ له أن يترك المدرسة ؟ ) وكان الدخان يخرج من فمه بشراسة

وقفت إيرين ووضعت كلتا يديها فوق صدره لتهدئه ( لا شيئ يحل بالغضب والصراخ ..لمالا تخرج لبعض الوقت وتأخذ تاماني معكَ ، أرها قريتنا الجميلة ، هيا إذهب ياعزيزي )

أخفض صوته إحتراما لأمه بسرعة ( ذلك لا يعني أنكم ستتهربون من الإجابة عن الاسئلة التي لم اجد لها جواب)

أمسك يدي وبدأ يسير بسرعة ولم يكترث لانني أرتدي نصف كعب عالي البتة ، فتح الباب حين وصلنا للسيارة وجعلني أصعد وكانني دمية يتحكم بها بالخيوط ، ثم قاد بسرعة مخلفا زوبعة من الغبار خلفه

أوكاي .. إنه يخيفني ، لا أستطيع التواصل تحت الضغط ، أهلع وأتجمد ، عقلي لا يتعاون معي في الأزمات العائلية

" لكنه حبيبك أيتها الغبية ، هل يعقل شيئ كذلك ، إنه يحتاجكِ لتهدئيه ، أغمريه بحنانك فأنتِ لستِ نبتة صبار ! "

"لكن ماذا لو لم يرد التحدث الأن ؟ لا أريد أن أقاطع تفكيره، هو يلتهم سيجارته مثل الوحش "

"توقفي عن خوض المحادثة التي يجب أن تجريها معه ..مع نفسكِ أيتها الغبية "

"لكن ماذا لو فقد صوابه عليا ؟ وحينها بدأت بالبكاء وبدوت مثل الحمقاء أمامه ؟ "

"تبكين ؟ هل أنتِ في الثالثة ؟ أنت راشدة فتصرفي كواحدة ، إن لم تقفي معه الأن فمتى ستفعلين ؟ "

"لكن ماذا لو كان يتظرني الأن لاتكلم ليفتح موضوع رسوبي .. أقسم أني سأبكي ، لقد حذرتك ، دموعي على حافة رموشي أساسا"

"توقفي عن التحدث مع نفسك وتحدثي معه أيتها البلهاء"

"لكن ماذا سأقول ؟ ماهي أفضل طريقة لأواسيه ، مهلا مهلا أعتقد يجب أن أفتح غوغل لأكون على إطلاع"

"كيف ستقومين بفتح هاتفك هكذا أمامه ، سيعرف أنكِ مثيرة للشفقة ورأسك فارغ "

"لا بأس لا تقلقي ، إعتدت أن أتصفح الإنترنت بجانب لورينس طوال الوقت بدون أن يستطيع رؤية ماأفعله ، بصراحة أنا ماهرة جدا بالحفاظ عى سريتي"

"ماذا لو كان ذلك ماأرادكِ لورينس أن تظنينه ، ماذا لو كان يعرف كل شيئ ، والان أليكس سيعرف أنك حبيبة مريعة لا تستطيع حتى ترتيب جملة لتواسيه"

" لورينس ليس بذلك الذكاء أيتها الغبية .. أو هل هو كذلك ؟ مهلا مـاذا لو .."

" فقط إخرسي وأمسكي يده "

" أفف حسناااا "

إلتفت إليه بجسدي وممدت يدي بهدوء لأضعها فوق يده ( عليكَ ان تهدأ وتفكر جيدا فيما ستفعله تاليا ) سرقت جملة فاني التي تخبرني بها كلما وقعت في مشكلة ، بصراحة فاني هي قاموسي في أوقات الضرورة ، إنها كاتبة وكل كلامها ذات معنى

قطب جبينه ( تاليا ؟ )

اخبرته مالاحظته ( برأيي ماكنزي ترفض تناول الدواء والعلاج لانك بعيد عليهاَ، ربما هي لم تتحمل ذلك فعاقبتك بهذه الطريقة )

( هي تعاقب نفسهاَ اكثر شيئ .. ) غلبه غضبه فراح يضرب المقود ، وأنا إنطويت على نفسي وتراجعت للنافذة ، أنا حرفيا لا أتجاوب مع الأشخاص الغاضبين ، كل ماأعرفه هو الكذب عليهم بخلق سيناريوهات تنقلهم لواقع خاطئ ، ولا يمكنني فعل ذلك بأليكس ، عليه أن يبقى في هذا الواقع الأليم

راح يصرخ عاليا وبالكاد مددت يدي لأمسك يده ( كيف تستطيع فعل ذلك بي ؟ ألا يكفي أنني فقدت أبي ؟ فكيف تظنني سأتحمل فقدانها هي أيضا ؟ لقد نفيت نفسي إلى لندن من أجلها .. إن كنت قد إبتعدت فلأجل مصلحتهاَ )

لا اعرف سوى طريقة واحدة لإسكاته ، سأغامر ..وثبت فوق المقعد وقبلته على غفلة فصمت ليعم الهدوء السيارة ، إبتعدت بسرعة ولا أعرف لماذا أخفيت نصف وجهي بكم سترتي

الان هو يقود مسرعا لكنه ينظر لي بعيون جامحة وهو يعض شفتيه بقوة ، إستجمعت كل شجاعتي

وقلت بحزم ( إستجمع نفسك ياأليكساندر ، ماكنزي حية ، عوضا عن فقدان صوابك فكر فيما ستفعله تاليا ، نحتاج لوضع خطة عاجلة، واضح أنك لا تستطيع الإعتماد على أخوك ولا يمكنك البقاء أيضا ، يجب أن نجد حلا في المنتصف .. دعني أفكر في ذلك فأنت توترني بصراخكَ )

إلتفت بعدها للطريق ووجهي ينفجر إحمرارا ، بينما شعرت بنظراته عليا مستمرة رغم أنه لم يقل شيئا ،لم أعرف الطرقات التي كان يمر بها فجميعها متشابهة

ثم توقف فجأة على جانب الطريق ( سأتوقف لأملأ خزان الوقود)

نزلت لأتنشق الهواء العليل وأفكر بحل، قطفت زهرة بيضاء ودفعتها لأنفي لأشم رائحتها المألوفة، إعتدت أن أصنع منها تاجا وأضعه على رأسي ، رحت أسير وأقطف الأزهار البيضاء التي كانت على حافة الطريق لأصنع واحدا لماكنزي ثم جذبت إنتباهي وردة حمراء متألقة

( أوووه يالك من وردة جميلة هناك ) كانت في الجانب الاخر من الطريق ، كم يسود الهدوء هذه المنطقة ، الجبال أقرب مني أكثر من أي وقت مضى ، والطقس متجمد رغم أشعة الشمس

كم هو يوم مشمش بارد جميل

( سأقطفك وأخذك إلى ماكنزي )

راح أليكس يملأ خزان الوقود فذهبت وقطفت هذه الوردة الحمراء الفاتنة ، كم إن رائحتهاَ جميلة ماكنزي ستسعد بها ، أشعر بالسعادة كأنني كنت هنا من قبل ..لقد كنت أقطف الورود كثيراً

صار قلبي ينبض بقوة حيث رأيت نفس الأشجار قائمة من قريب فمشيت ببطئ ثم نظرت للمد البعيد

( أعرف هذه الطريق ) خلف هذه الأشجار العالية التي تخفي بأغصانها وأوراقها الجانب الأخر من القرية .. يوجد منزلي

( تعالي لنذهبْ ) وضع ذراعيه على كتفي فقلت وقد غمرني الحنين ( إنه هناكَ )

أشرت لذلك المنزل الذي بالكاد يظهر ( هناك كنت أعيش مع جدي )

مرر يده عبر شعري ورسم إبتسامة ناعمة حيث نسي كل غضبه ( لنذهب ونلقي نظرة إذن )

اومأت موافقة وعانقته من ذراعه طوال المسافة، حين أصبحنا في مساحة شاسعة ممتلئة بالورود من مختلف الانواعْ كان منزلي العزيز لايزال مثلما هو ، وكأنني بالأمس كنت هنا ألعب بدميتي أمام الباب

إنه المنزل الذي لم أعتقد أني سأراه مجددا حتى في أحلامي

( تعال ) امسكت يده وركضت مقتربة وحين صرت على الشرفة الخارجية عجزت ان أدخل

إنهمرت دموعي وأحسست بوخزة مؤلمة في قلبي ( أنا أفتقد جدي كثيراً ) أسوء شعور على الإطلاق أن أشتاق إليه وأنا أعرف انني لا أستطيع رؤيته مجددا

وقف بجانبي بهدوء ومسح دموعي برفق ( أعرف ..لمالا تدخلين ، أنا واثق بانك سترتاحين )

لعله محقْ ، كان جدي دوما يحتفظ بمفتاح إحتياطي في مكان سري لا يعرفه سوانا ، كان هناك شق أسفل السلم مغطى بدلو كبير لم يبقى منه سوى تراب يابس ، أخرجت منه المفتاح ودخلت فمرت عليا طفولتي كشريط سريع ، كنت أرتجف وكأنني في حلم يقظة وهو لم يترك يدي قط

أشرت للكنبة الجلدية البنية ( هناك كنا نجلس ونتفرج على التلفاز ) رفعت عيني للتلفاز الموضوع فوق المنضدة الخشبية، وحوله الكثير من اللوحات المعلقة ، بعضها كانت من رسوماتي وضعها جدي في إطارات وعلقها ، إبتسمت ..كنت رسامة مريعة ، مهووسة برسم كل مغامراتي ، أنا وجدي نصطاد السمك ، أنا أهيم في الحقول أحاول إصابة الطيور بمقلاعي ، دميتي تامي ، وجه جدي ..ياإلهي كم إشتقت إليه ، فقط لو يعود الزمن وأعانقه لمرة واحدة لا نهاية لها

نظرت للنافذة وأخبرته ( وهنا كنت أجلس وأتفرج على البجعات يسبحن في البحيرة )

( هل هذا هو جدك ؟ ) حمل كادر كان فوق المنضدة وقلبه لي فرأيت وجه جدي الذي حرمتني والدتي من كل صورة .. رؤيته جعلت قلبي ينفطر مجددا ..الإشتياق كلمة صغيرة مقارنة بما أشعر الان ، صارت أطرافي ترتجف .. حين كنت صغيرة وجاء ليأخذني أنا فرحت جدا لرؤيته ، لم أقل أي شيئ ، أنا فقط عانقته بقوة كافية لأعبر بها عن كل ماأشعر به

( وهذه أنتِ حين كنت صغيرة ) كم إتسعت إبتسامته الان ( سمرائي الجميلة .. لمالا تستعدين لون شعركِ الأصلي ، اود ان أراك طبيعية ، أود رؤية عينيكِ البنية الفاتنة )

إكتفيت بالنظر لصورتي وأنا مجرد طفلة ..كم كبرت لأصبح فتاة مثيرة للشفقة الان ، لطالما أحببت شعري البني ، مثل عدة أمور أخرى أجبرت على التخلي عنه

صعدنا الدرج فكانت الغرفة الاولى لجدي فتجاهلت الدخول إليها لأنني لم اكن مستعدة لكنني دخلت لغرفتي وجلست على سريري ، أشعر أني لم أغادر أبدا ، وكأن السنوات الماضية كانت مجرد كابوس ..ليت ذلك كان صحيحا

( أريد أن أستعيد حياتي القديمة ، أليكس، كنا نقيم بنفس المنطقة لسنوات ، لكن شاء القدر ان يجمعنا في منطقة أخرى .. أعني كيف لم نلتقي في هذه القرية الصغيرة وإلتقينا في لندن

الكبيرة ؟ )

كان يقف في شرفتي ، إبتسمت حين أحسست به يتأملني بصمت ثم إحترقت وجنتاي حين رمى سيجارته و إقترب مني ، قبلني بطريقة خطفت أنفاسي وخدرت شفتاي حتى أبعدت وجهي والحرارة تتصاعد من وجنتي ، بقيت ذراعيه مطويتان حول ظهري وقال بنبرة غاوية ( أشعر أنني تخلصت من قيود كانت تكبل حبي لكِ ، كم أنا سعيد بتواجدك بعيدا عن آل فيفر ، هنا أستطيع أن أحبك بدون خوف ، أحبك مثل المجنون )

دحرجت عيني نحو الباب فتذكرت كيف كان جدي يقف هناك مبتسما ليطمئن عليا

فأخبرته ( أشعر وكأن جدي يراقبني ) وهذا كان كفيل بجعل جسده يقشعر ، كأنني أفسدت لحظته الرومانسية فدفعني فوق السرير ووقف أمام مكتبي بتكشيرة

ياإلهي .. كيف نسيت أنه يخاف من الأموات والأشباح .. سيظن أنني حقا نبتة صبار !

مددت يدي فلمست شيئا تحت الوسادة ، فأمسكته وكم تفاجئت لانها كانت دميتي تامي ، هدية من جدي ظننت ان والدتي تخلصت منها .. لكنها يبدو أنها وضعت كل أشيائي هنا ، أدركت للتو أن غرفتي مبعثرة مثل غرفة المعيشة وكأن أحدهم أراد أن يسرق شيئا

أريتها لأليكس ( هذه تامي ) فإبتعد أكثر بريبة كأنه رأى شبح ما ، إحمر وجهه وتراجع للباب مستعدا ليغادر غرفتي

عانقتها لصدري بقوة ( أسفة يادميتي لأنك بقيت بمفردك .. لقد جئت لأخذك معي الان )

( لا تفعلي ذلك ، أبعديها عنكِ تاماني ) كم أردت أن أنهض وأقربها منه ثم تذكرت جانبه الخطير وغيرت رأيي

خرج من غرفتي كما توقعت فأخفيتها خلف ظهري وتبعته ، مررت على غرفة جدي فوجدته قد فتح الباب ودخل يتجول فيها ثم حمل ورقة ما لينظر لي بإبتسامة جذابة

( كنت تلميذة نجيبة حبيبتي ) أراني إحدى معدلاتي من بعيد لأني بقيت أقف في الرواق لا أملك الشجاعة لأدخل ( أنت الأولى في صفك وهذه تهنئة )

( ألن تدخلي لغرفة جدكِ ؟ ) سألني حين طال إنتظاره لي

( خفت أن أنهار )

( أمسكِ يدي .. فأنا معكِ ) أمسكت يده وخطوت خطوة للداخل ..اكاد أرى جدي يستلقي في الجهة اليمنى من السرير فأركض أنا وأستلقي بجانبه وأسمعه يروي لي قصص مغامراته حين كان صغيرا

لا تزال مثلما هي .. أعتقد أن الامر الوحيد الذي تغير في هذا المنزل هو اناَ

عانقت ذراعه بإمتنان لأن مجرد وجوده هنا يمنحني القوة لكي لا أنهار وخفف من حزني ، أشعر أنني أستطيع أن أمضي في حياتي بجانبه الأن ، وجدي سيبقى حيا في قلبي ، أتمنى لو نبقى أنا وهو هنا إلى الأبد

سألني فجأة ( هل يعقل ان يظل هذا المنزل مهجوراً طوال هذه السنواتْ ؟ )

( أجل أعرف ، لابد أن والدتي نقلته ليصبح واحد من ممتلكاتهاَ، لكنني أستغرب لماذا لم تقم ببيعه فهي لم تحبه يوماً ، آآه أليكس انظر ..كل هذه الشهادات كانت له )

إقتربنا من الجدار ورحت أريه فقال ( اوه إذن حب المحاماة ورثتها عن جدك ؟؟ )

لم أفهم قصده وسألته ( ماذا تعني ؟ جدي كان أستاذ) أشرت لكل شهاداته ليعيد النظر

( هذه الشهادات تقول أنه محامي ويبدو أنه أكمل دراسته حتى أصبح قاضي ) حمل شهادة عبثا من بين كل هذه الكتب والملفات التي بعثرها أحدهم حتى أنه أسقط بعضها

إختلطت عليا الأمور ( كيف ؟ لقد كان أستاذ ، كان يحدثني عن تلاميذه ) لا يعقل أن جدي كان محامي وقاضي ؟

لكن هذه الشهادات تقول عكس ذلكَ

( ريتشارد هاميلتون ) قرأ إحدى شهاداته فقلت بشهقة وقلبي تحرك مكانه ( هذا إسم جدي )

( إذن لابد وأنه كان يدرس في جامعة الحقوق هذا هو التفسير الوحيد ..وهذه الشهادت تؤكد على أنه عمل كقاضي أيضاً ، يجب أن تحتفظين بها في مكان آمن وليس هنا )

( أنت محق ..سأخذها كلها ) فتحت حقيبتي وأخفيت تامي أولا بينما جمع أليكس كل شهاداته ووضعها في ملف واحد ( هذه الشهادات هي شيئ ستفتخرين به مدى حياتك)

ثم حمل أخر ورقة ونظر إليها بصمت دام للحظة ثم سألني مستغربا ( هذا تقرير أخصائي نفسي بإسمكِ )

لم أتركه يكمل كلامه لأني خطفت الورقة من يده ومزقتها لقطع صغيرة ، لم أدرك كل الغضب الذي تملكني فجأة لأني رميتها أرضا ورحت أدوس عليها بعنف ( إياك أن تسألني عن ذلك ..أبداااا )

صرت اتنفس بشراسة ومخالبي مستعدة للتمزيق فأومأ بهدوء لكنه بقي مرتابا ، لا أصدق أنه رآه

كان على جدي التخلص منه ..أنا غاضبة جد الأن ، هل يعقل أنه قرأ ماكتب فيه ؟ أمل لا

نظر للساعة فقال ( هل نعود ..أنا قلق على أختي)

تجنبت النظر لعينيه وهمست ( أجل ..)

وداعا يا منزلي ، حملقت به لبعض الوقت وكنت أكبت دموعي وأنا أعانق دميتي وشهادات جدي وصوره ، سأشتاق لك يامنزلي الجميلْ ، امل أن أعود إليك يوما ما

في طريقنا للسيارة ..تعثرت ودخلت في الطين ( آآآآآآآآآآآآآه لا حــذائي )

( ميمي .. انظري حولك ..لا أحد هناَ غيرنا ) قال بمأساوية ساخرة فنظرت لحذائي الجميل

( هذه المرة ..أحببت حقا هذا الحذاء )

عدنا سيراً حتى محطة الوقود فقال ( إنتظريني في السيارة ..سأشتري شيئا لماكنزي )

توجهت للسيارة وإنتظرته خارجا حتى جاء ومد يده لي ( أحضرت لكي شوكولاطة! )

يااه لقد تذكر انني لن اصمد بدون مخدراتي

( يـااا ألـــيـ .....) رددت إسمه بتدلل حتى سمعت صوت أخر ينطقه بنفس الوقت بنبرة متفاجئة

(.... كـــســانــد ر !! ) توقفت خلفه فتاة بمثل سني وبمجرد أن إستدار حتى وضعت يدها على صدره الصلب وأنزلتها مداعبة عضلاته التي يبرزها قميصه البني الخفيف وسترته الجلدية المفتوحة

وإنتلقت لتمسك بذراعه متغزلة ، لأنها قصيرة جدا فهي وقفت على أصابع قدميها وطبعت قبلة عميقة على خده تاركة أثر أحمر شفاهها ، هذه اللحظة تشابكت نظراتهما فأصبح دمي يغلي في مائة درجة ، شعرت أنني أصحو من حلم سيئ فقمت بالتأحم ليدرك نفسه ، كيف إستطاع بدون فعل أي شيئ أن يوقعها تحت سحره

غمرتني موجة من السخط ، هذه الحقيرة على وشك أن تموت وهي لا تعرف ذلك حتى

لا أصدق أنه يغري البنات بنظراته .. فقط إبتسامته تفي بالغرض

هذه هي سأخرج ملقطي ..فتحت حقيبتي فحسب ، فعلت ذلك بعنف وأنا أنظر إليها ، فشعرت بالخطر وتراجعت قليلا لتنادي ( ماما ..تعالي لتري من يوجد هنا )

نظرت لأليكس الذي ظهرت على وجهه تكشيرة حانقة بينما جائت سيدة ما مكتنزة بمظهر كلاسيكي

( أليكساندر .. هل يعقل أنك عدت من لندن ولم تأتي لتلقي التحية على زوجة عمكَ )

إن كانت هذه زوجة عمه حقا فهذه تكون إبنة عمه ..وكلتاهما تبدوان انيقتان وغنيتان

( لقد وصلت قبل قليل ) اجابها بديبلوماسية شديدة

( انظر لنفسك ..لندن واتتكَ جداً ) وعلى غفلة تقدمت إبنة العم مجددا وفتحت ذراعيها لتعانقه ولم تتوقف هنا ...فهي همست في أذنه ( إشتقت لك )

يالالهول لقد تركتها تعيش لتفعل هذا ، أحترق بداخلي ..أحتـرق

قال بملامح غاضبة ( شكرا لك دارلا )

( ومن تكون هذه الانسة ؟ ) سألته زوجة عمه فاجاب ببرودة ( هذه ميمي .. ميمي هاميلتون)

أقسم بالرب .. قامتا بالنظر لي من أعلى رأسي إلى اخمض قدماي .. الوقـــاحة

قالت هذه السيدة بعد أن إنتهت من تفحصي ( بما أنك هنا ..فتعال لتزور عمكَ، تستطيع أن تمر هذا المساء حين تنتهي والدتك من تنظيف منزلي وهكذا سترجعان معاً )

(ماذا قلتِ ؟ ) تقدم إليهاَ بهمجية فرفعت يدها محاولة أن تدعي أنها راقية ( هناك موضوع نود أن نحدثك بشأنه .. عن أختك ماكنزي .. كن هناكَ ، تعالي دارلا ..لقد تأخرنا على التسوق )

( أراك لاحقا أيها الانيق ! ) مررت يدها على صدره وغادرت تسير بترنح ..أو ربما كانت تريد ان تسير مثل أنسة راقية ومتمدنة

( دارلا!! .. آ داآآآرلأأأأ ؟ أكان من الضروري ان يكون لديك إبنة عمكَ ؟؟ ) فقدت أعصابي ( قبلتك ..لقد قبلللللتك .. ولمستك ..آه ياألهي لقد سمحت لــهاا ..)

إختفى الغضب فجأة من عينيه الأسرتان وحل محلهما الحب حين نظر لي ( أنا أحبكي واأعشقكي أنتي فلماذا الغيرة ؟)

( لانك ملكي ، وممنوع على غيري الإقتراب منكَ .. وميمي هاميلتون ؟ .. لماذا لم تخبرهم بإسمي الحقيقي ؟ أنا تاماني فيفر )

ورغم نبرتي الحادة إلا انه واجهها بإبتسامة محبة وعانقني ( الامر ليس كما تظنين ، أنا أحميك ..أنت لا تعرفين هاتان الإثنتان إنهما أسوء من اللايدي سيليستيا ، أفضل ان تبحثا عن ميمي هاميلتون ولا تجدا أحدا على أن تبحثا عن تاماني فيفر ونصبح في مشكلة لا يحمد عقباها )

( هل عمك غني ؟ ) لاأعرف إن كان من المناسب أن أسأله عن هذا

( أجل ) رد بكلمة واحدة ففهمت أنه لا يريد أن يتحدث بشأنه لكنني سئمت من عدم معرفتي شيئا بخصوص حياته ( هل علاقتك معه جيدة ؟ )

ولأنه ذكي فقد قال من الاخير ( نعم عمي غني لكنه رفض أن يقرضني ولو سنتا واحد لأعالج أختي ..لقد قهر أبي وأنا لم اعد أريد أية علاقة تربط عائلتي به)

ركل عجلة السيارة بقوة ( وأمي .. أمي العزيزة كيف قبلت بان تذل نفسها هكذا ؟ لقد خرجت الامور عن سيطرتي .. فقدت السيطرة على عائلتي )

( إذا إذهب وإستعد السيطرة مجددا ، لنعد للمنزل فأخويك ينتظرانكَ، لا تتأخر عليهما أكثر ، ولا تقسو على أرون فهو مايزال يحتفظ بكتبه فوق المائدة ، لا أظنه ترك المدرسة برضايته ، ولا أظن ماكنزي قادرة في حالتها هذه أن تقرر مصيرها بنفسها ، شيئ يحدث وعليك معرفته اليوم قبل الغد )

( أمسك يدي ..أنا معك ) مددت يدي له فأمسكني بقوة ومضينا في الطريق .



اوديفالا غير متواجد حالياً  
التوقيع
“I stretch truths where I see fit. I’m a writer”
رد مع اقتباس