عرض مشاركة واحدة
قديم 13-02-21, 08:30 PM   #2

روز علي
 
الصورة الرمزية روز علي

? العضوٌ??? » 478593
?  التسِجيلٌ » Sep 2020
? مشَارَ?اتْي » 720
?  نُقآطِيْ » روز علي is on a distinguished road
افتراضي الفصل الأول

الفصل الأول...................
كانت تسير بخطوات جامدة وهي تصطدم بأكتاف كل من يسير بمحاذاتها بلا مبالاة وعينيها المتسعة تنظر فقط للطرقات القذرة والممهدة امامها بحيّ فقير يضم اسوء انواع البشر والتي لا يود المرء مقابلتهم وكل من وصل حاله للحضيض واقل ينضم لهذا الحيّ القذر بسبب انخفاض اسعار المعيشة فيه والسكن بهذا الحيّ بدون الاضطرار لتبذير الكثير من المال بهذا المكان ، استمرت بالسير بالطرقات الضيقة والتي اعتادت عليها منذ عشر سنوات وتحديدا منذ وفاة والدتها ليصبح هذا المكان منزلها الدائم بعد ان انتقلت من منزلها المتواضع والذي كانت تعيش فيه فيما مضى مع عائلتها الصغيرة .
توقفت عن السير ما ان وصلت لنهاية الطريق وتحديدا لموقع منزلها الصغير والذي يضم فوقه عدة طوابق كثيرة بينما منزلها يأتي بالطابق الأول الأرضي ، تنهدت بعدها بجمود وهي ترفع احداقها بلون زرقة شديدة القتامة باتجاه بناء منزلها قبل ان تخطو باتجاه الباب بهدوء ، وما ان وصلت امام الباب تماما حتى عقدت حاجبيها باستغراب وهي تنظر لباب المنزل المفتوح والموارب امامها ، دفعت بعدها الباب بحذر حتى انفتح على اتساعه لتخطو للداخل وهي تسير ببطء شديد قبل ان تخلع حقيبتها عن كتفها برفق .
ألقت بالحقيبة على الكرسي المتهالك بجانب المدخل قبل ان تسير وهي تنظر للأجواء الساكنة والتي تحوم بالمنزل لأول مرة ، صرخت بعدها وهي تنادي بارتفاع وضيق
"لقد عدتُ للمنزل ، اين انت يا عم قيس"
توقفت ببهو المنزل الصغير وهي تعض على طرف شفتيها بغيض لتتمتم بعدها بعصبية بالغة
"اين ذهب ذلك المخبول"
زفرت انفاسها باضطراب وهي تشعر بشيء مسنن يجثم فوق صدرها يعيق عليها التنفس بطبيعية وهي تشعر بشيء غير طبيعي يحوم من حولها وهذا هو ما يحدث مع غريزتها الفطرية والتي تشعر دائما بالخطر المحدق بها والقريب منها ، قبضت بعدها على يديها بجمود وهي تقول بخفوت جاف مرتعش
"اين انتِ يا روميساء الآن ، يا ألهي ساعدني"
تحاملت على نفسها واتجهت بسرعة نحو الغرف وهي تتجه بالبداية لغرفتها والتي تضمها مع شقيقتها ، وعندما لم تجد احدا بها سارت للغرفة الأخرى والمجاورة لها من فورها والتي كانت تخص زوج والدتها او بالأحرى مربيها والتي كانت للصدفة مفتوحة لأول مرة وهو الذي يصر دائما على إغلاقها بالمفتاح بعيدا عن كل الأعين المتربصة لها وعن اي مخلوق يحاول الوصول لها وهو يخفي من خلفها اسرار خطيرة تخص اعماله المشبوهة والغير قانونية وخفايا لا يعلم عنها احد سواه وقد عرفت عنها بالصدفة عندما نسي باب غرفته مفتوحا وقد دفعت ثمن فعلتها هذه سابقا كثيرا .
دفعت باب الغرفة بكفها بحذر وهي تتوقع بأي لحظة هجوم زوج والدتها عليها بسبب تعديها على غرفته السرية واسراره الخاصة كالمرة السابقة ، ولكنها لم تهتم لكل هذه الرهبة وللخطر والذي يحيط بها بكل مكان فهو بحياته لم يستطع إخافتها او إرهابها بتهديداته وقسوته بالتعامل معها والمعتادة عليها منذ سنوات طويلة حتى اصبحت جزء لا يتجزأ من حياتها اليومية الكئيبة وهي التي اعتادت على رؤيته كل يوم والتشاجر معه بكل شيء يحدث معهم .
تجمدت بمكانها وهي تبتلع ريقها بتصلب ما ان وقعت نظراتها على الخزائن المفتوحة والمقلوبة رأساً على عقب وكأن اعصار ضخم اجتاح المكان ليثير الفوضى من حوله وهذا الأمر ليس بالشيء الجيد ابدا ، اتسعت عينيها الزرقاء الداكنة ما ان لمحت الصندوق المذهب وهو ملقى على الأرض والذي كانت قد وجدت به من قبل كل الأوراق والتي تخص اعماله الغير قانونية ، سارت بعدها بسرعة للصندوق لتجثو على ركبتيها امامه وهي تدس كفيها بداخل الصندوق لتكتشف عندها بأنه فارغ تماما وهي تديره بين يديها بهلع وبارتباك احتل كل جسدها .
اوقعت الصندوق من بين يديها ليتردد صداه بأنحاء الغرفة الموحشة وهي تنظر للفراغ بعيدا بصدمة ، فهذا لا يثبت سوى شيء واحد وهو بأن (قيس) قد انكشفت كل اسراره وخباياه والتي كان يخفيها عن العالم وخرجت للنور وسيكون الآن يتلقى ثمن أفعاله وكل شيء غير قانوني فعله بحياته الرخيصة الطويلة ، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هو كيف استطاعوا معرفة اسراره والوصول لها بهذه السهولة بعد سنوات من عمله بهذا المجال ليكون السجن هو مصيره الحالي ؟ فهذه الأسرار خطيرة وما ان تصل لقبضة الشرطة او لقبضة أي مخلوق ستكون عندها نهايته الحتمية بين قضبان السجن .
تنهدت بارتجاف وابتسامة شاحبة ضعيفة بدأت تحفر على شفتيها بذبول فالذي لم تستطع فعله بحياتها ولم تتجرأ على فعله لكي لا تخسر حياتها هي وشقيقتها استطاعوا آخرون فعله ليحققوا لها انتقامها والذي تاقت إليه كثيرا ، زحفت بعدها بركبتيها للخلف حتى استندت للجدار من خلفها قبل ان ترفع ساقيها لمستوى وجهها لتعانقهما بذراعيها بجمود وعينيها ما تزال تحدق بالصندوق الملقى امامها والذي لم يعد له قيمة بعد ان خرجت كل الأسرار من داخله ، دفنت وجهها بين ساقيها وهي تهتز بنحيب خافت بدون دموع وهذه عادتها الدائمة لتحمي نفسها من الظلام الموحش من حولها والسكون يلفها بكل مكان معلنة عن نهاية العذاب المسمى (قيس) وهي تفكر بالذي ينتظرها بالأيام القادمة بعد ان اختفى زوج والدتها والمربي والذي عاشت معه هي وشقيقتها لمدة لا تقل عن ستة عشرة عاما كاملة ، وهذا حدث بعد وفاة والدها وهي ما تزال بعمر الرابعة حتى اصبحت عبارة عن سلسلة من حياة طويلة لا مفر منها او مهرب .
______________________________
كان يصوب السهم بأصبعيه السبابة والإبهام بتحديد وبعين ثاقبة لا تخطئ هدفها ، ليعض بعدها على طرف شفتيه بعبث كما يفعل دائما عندما يخطط لفعل شيء مهم وقيّم بالرغم من ان لا شيء يستحق اهتمامه وتقييمه بحياته الفارغة ولكن لا بأس من المحاولة وتضييع الوقت بتفاهات الحياة والتي تعتبر تسليته الوحيدة بهذا العالم الممل ، وما هي ألا لحظات حتى انطلق السهم بمسار أعوج بسبب انفتاح باب الغرفة بشكل مفاجئ ليفسد عليه متعة اللحظة وهو يخطأ هدفه المرسوم لأول مرة .
التفت برأسه بضجر للخلف وعينيه السوداء الواسعة تنظر بضيق بدون الاعتدال باستلقائه على الأريكة وهو ينظر لشقيقه الأكبر بملل ، ليقول بعدها بغيض واضح
"يا رجل من سلطك عليّ الآن ، لتفسد لحظات متعتي الخاصة بغرفتي الشخصية ام لم يعد هناك احترام لخصوصيات الآخرين"
حرك شقيقه رأسه بيأس منه ليقترب بعدها نحوه قبل ان يقف بجانبه وفوق رأسه تماما وهو يقول بجدية صارمة معتاد عليها بسبب حضوره الدائم باجتماعات دائرة أعمال العائلة
"وهل ألقاء السهام وتضييع وقتك بلا شيء يعتبر خصوصيات ام انها مجرد هدر للوقت القيّم..."
قاطعه الجالس على الأريكة وهو يقول بملل مستفز
"لا تبدأ بالمواعظ الآن يا احمد ، واخبرني ما لذي جاء بك لغرفتي يا ابن والدك"
تنهد (احمد) بهدوء وهو يدير وجهه بعيدا عن شقيقه المستهتر بضيق والذي لا يهتم لكل ما يحدث من حوله بالعائلة ، قال بعدها بهدوء وهو يعود لجديته الصارمة
"اسمع يا شادي ، ابي يريد منّا ان نجتمع عنده بغرفة المكتب بعد عشر دقائق من الآن ، فهناك ما يريد ان يطلعنا عليه ومهم جدا"
اعتدل (شادي) بجلوسه على طرف الأريكة وهو يلتقط سهم آخر من على الطاولة امامه ، ليتمتم بعدها بلا مبالاة
"وعلى ماذا يريد ان يطلعنا يا ترى"
ردّ عليه (احمد) ببرود جليدي
"وما يدريني انا ، لقد اخبرني فقط ان اعلمك بهذا الأمر علماً بأنه لا يراك بالجوار ابدا ليخبرك ، فأنت دائما اما غائب عن المنزل بدون ان نعرف وجهتك او ملازم لغرفتك بدون ان تخرج منها"
عقد حاجبيه بتركيز وهو ينظر مرة أخرى للهدف المعلق على الجدار امامه بتحديد ليهمس بعدها بسخرية
"وكيف لا تعرف وهو يخبرك بكل اسرار الدولة بدون ان يخفي عنك اي شيء فأنت مساعده الأيمن وشريكه المخلص والوفي بكل شيء ، والذي لا يستطيع الاستغناء عنه مهما حدث"
تجهمت ملامح (احمد) بحنق فهو يعرف جيدا إلى ماذا يرمي إليه شقيقه والذي يصغره بسنتين فقط ، وبالرغم من هذا يشعره دائما بأنه يصغره بالكثير من السنوات من تصرفاته العابثة ورعونته والتي لن تنضج ابدا ، تنهد بعدها بهدوء قبل ان يجلس بجانبه على الأريكة وهو يقول بجدية
"اسمعني جيدا يا شادي ، اعتقد بأن افضل حل لترضي والدي وترضي نفسك هو العمل معه وبالمجال والذي يختاره لك ، فالحياة هكذا لم تعد تطاق ابدا"
نقل (شادي) نظراته السوداء الباردة باتجاه شقيقه وهو يهمس بجمود متصلب
"ومن قال لك بأن هذا العمل سيرضيني ، اخبرتكم مئة مرة بأني سعيد بالعمل والذي اعمل به حالياً ويرضيني كثيرا ، ولا اريد اكثر من هذا ، واخبر والدي بأن يفعل ما يشاء فأنا لن ارضخ لطلباته وسعيد جدا بحياتي المملة كما يطلق عليها هكذا"
ادار (احمد) وجهه جانبا وهو يسند قبضتيه على ركبتيه ليهمس بعدها بحزم
"يعني تعجبك حياتك هكذا منبوذ من والدك ومستقل عن الجميع بغرفتك وكأنك تعيش بعالم آخر ولا تعطي اعتبارا لأحد ، صدقني هذا ليس لصالحك ابدا بالمستقبل يا شادي"
عبست ملامح (احمد) وهو ينظر له يعطي كل انتباهه للسهم بأصبعيه قبل ان يطلقه بعيدا ليصيب الهدف والذي يتمحور حول النقطة الحمراء بمنتصف اللوحة بنجاح ، تأفف بعدها بنفاذ صبر من لا مبالاته وكأنه كان طوال الوقت يكلم نفسه وليس مع البارد بجانبه ليتمتم عندها بشرود
"لو كانت والدتك ما تزال على قيد الحياة لما قبلت بهذه الحياة المستهترة والتي تعيشها بعيدا عن العائلة والتي تضيع مستقبلك بها"
حاد (شادي) بنظراته لشقيقه وهو يعقد حاجبيه بوجوم ليتذكر عندها والدته الراحلة والتي تركتهم ببساطة بعد إنجابها للطفل الثالث والذي كان السبب بموتها لتترك ذكرة حزينة بقلوبهم عن المرأة المضحية لعائلتها والتي كانت افضل مثال حي عن الجهاد والمحاربة لتستطيع الحفاظ على كمال عائلتها بكل معنى الكلمة ، ولكن حملها المتأخر بالطفل الثالث مع امراضها والتي كانت تعاني منها هو ما جعلها تفقد حياتها ليعيش الطفل بعد موتها بثواني من ولادتها .
قال (شادي) فجأة باستياء وهو يلتقط سهم آخر من على الطاولة بهدوء
"ولولا إصرار والدي لتنجب له طفل آخر وولد جديد يحمل اسمه لكي لا يضطر للزواج من غيرها لما كانت تركتنا ببساطة ، لنضيع بعدها بدونها بطرقات الحياة وكله من اجل طفل سيعيش المتبقي من حياته يحمل ذنب موتها"
التفت (احمد) نحوه بعنف وهو يتمتم بتصلب
"شقيقك الصغير ليس له علاقة بموتها فهذا قدرها ولا نستطيع الوقوف امام القدر فقد حدث بأن عمرها قد انتهى ، وتوقف عن لوم والدك والطفل بموتها فقد اصبح كل هذا من الماضي البعيد وعلينا نحن فقط ان نفكر بالحاضر وبالمستقبل القادم امامنا"
حرك (شادي) عينيه بعيدا عنه بضجر ليعود للتركيز على الهدف امامه وهو يقول ببرود
"يمكنك انت تطبيق هذا الكلام على نفسك بعيدا عني ، واما انا فلن اتوقف عن لومهما فكلما نظرت لوجه ذلك الطفل اتذكر كل ما حدث بسببه وما نتج عن مجيئه لهذه الحياة"
زفر (احمد) انفاسه بيأس منه فهو لا يفهم كيف يفكر شقيقه الصغير والذي لم يستطع يوما سبر اغواره فقط والدته هي الوحيدة والتي كانت تستطيع التحكم بتصرفاته العابثة منذ طفولته وقلب مزاجه رأساً على عقب وخاصة بأنه مدللها والذي كانت دائما تغدقه بالحنان الخالص بينما كانت تعامله هو بحنان محدود وببعض الحزم بسبب نضجه المبكر والتصاقه الدائم بوالده ، ولكنها كانت دائما تستطيع السيطرة على الأجواء والتي تحوم بالعائلة وهي تعطي كل فرد فيها اهتمام ومعاملة خاصة به ، وبعد رحيلها اصبحت الحياة بالمنزل مشحونة بمشاعر متناقضة وقاتمة على الجميع وكأن وجودها هو الذي كان يتحكم بمصير هذه المشاعر والتي تحوم بهذا المنزل الكبير والموحش ، ليضيع عندها الجميع بعيدا عنها بعد ان كانت تمثل اساس المنزل وخاصة (شادي) والذي كان اكثرهم تعلقا بها وتشبثا بعاطفتها ليسير بعدها بحياة الاستهتار وهدر الوقت الثمين بلا شيء وهو يبحث عن هدف بعيد بدون ان يجده للآن .
وقف (احمد) عن الأريكة بصمت وهو يتمتم بغموض
"لا تنسى المجيئ لغرفة مكتب والدي وألا سحبتك بنفسي إلى هناك ، فلا نريد المزيد من المشاكل بالعائلة والتي تفتعلها على الدوام"
حرك (شادي) رأسه بلا مبالاة وتركيزه منصب نحو الهدف والذي لا يخيب ابدا ، ليغادر بعدها شقيقه بصمت لخارج الغرفة بأكملها ، بينما شدد (شادي) على السهم بأصبعيه بقوة قبل ان يطلقه بأقصى ذراعه ليصطدم باللوحة تماما بدون ان تصيب مقدمته المسننة بنقطة الهدف قبل ان يقع ارضا بإحباط ، ليبتسم بعدها ببرود وهو ينظر عاليا ليعود لاستلقائه على الأريكة وهو يفكر بمخططات جديدة ليفعلها لتسلية وحدته الدائمة بعيدا عن العائلة ، ولكن قبل كل هذا عليه اولاً الذهاب لمكتب والده فلن يتحمل المزيد من التوبيخ والكلام والذي لا طعمة له وهو ينخر اذنه بألم ليخرج من الأذن الأخرى .
_____________________________
دخل لغرفة المكتب بعد ان طرق على بابه بهدوء وهو يسير للداخل بلا مبالاة وبدون ألقاء تحية السلام على افراد عائلته وجميع الانظار تتابعه بتركيز حاد ، ليجلس بعدها على الأريكة المقابلة لأريكة شقيقه (احمد) وزوجته بأريحية ، قطع الصمت القاتم صوت (احمد) وهو يقول باتزان مبتسم
"تفضل يا ابي واخبرنا بما لديك ، فقد اصبح جميع افراد العائلة موجودين امامك كما طلبت"
ابعد الرجل الكبير نظره الثابت عن ابنه ليوزعها على ابناءه بهدوء بداية بابنه الكبير (احمد) والذي يتحمل كل اعباء العمل عنه منذ سنوات والابن المطيع والذي يتمناه كل والد ليسير معه بمشوار الحياة ويكمل عنه الطريق بعدها ، حتى انه قد تزوج بالفتاة والتي اختارها له بسبب شراكة العمل القوية والتي تجمعه بعائلتها وهو بالمقابل قد نفذ طلبه بدون اي اعتراض فهو بحياته لم يحاول يوما الاعتراض على قراراته او مناقشتها معه وكأن كل قراراته مسلم بها وكل ما عليه فعله هو تنفيذها بطاعة تامة بدون اي كلام ، وصل بنظره لابنه الاصغر والفرد الأخير بالعائلة والذي لا يتجاوز الرابعة عشرة من عمره وقد جاء بعمر متأخر جدا ولكن ما تزال الخيبة تحوم بالمنزل بعد مجيئه وهم يخسرون سيدة هذا المنزل بعد خروجه للحياة لتموت روح أخرى هي التي انجبته لتوهبه حياتها وترحل هي ، وبالرغم من صغر سنه يستطيع اي احد ملاحظة علامات البلوغ والذكاء والحنكة الواضحة عليه بتصرفاته المدروسة وملامحه الحادة فهو عكس شقيقيه الأكبر سنا منه فقد تربى رعاية خاصة بمحيط مجتمع من رجال الاعمال وقد اصر والده على إدخاله لتلك الحياة وبعيدا عن حنان والدته وعن حنان الأخوة والذي لم يعرف عنهم شيئاً ولم يحاول زراعته بداخله لكي لا يتحول لنسخة اخرى عن شقيقه الأهوج .
تجهمت ملامح الأب ما ان وقعت نظراته على ابنه الثاني والأهوج والذي لا يصدق بأنه من ضلعه ومن عائلتهم فهو دائما يثبت له وللعائلة بأكملها بأنه كارثة حقيقية تهدد سمعة العائلة ومركزهم الاجتماعي وهو يتصرف على الدوام تصرفات غير عقلانية وبدون ان يحسب اي حساب لأحد وكأنه لا يعيش بالمنزل معهم وبهذه العائلة ، واغلب الظن بأن السبب هو دلال والدته المفرط له وهي تميزه دائما وتغدقه بحنان خالص افسده تماما ليضيع مستقبله بعد وفاة والدته ويتمرد اكثر على الجميع ، وحتى الآن لم يستطع يوما السيطرة على اندفاعه او ايقافه عند حده وهو يضيع حياته ومكانته بالعائلة كفرد بها بتصرفاته الهوجاء والغير مسؤولة .
تنهد الاب بهدوء وهو يبعد نظراته عنهم بتصلب ليقول بعدها بصوت قوي وجهوري معتاد عليه وهو يردد صداه بالغرفة الواسعة
"اسمعوني جيدا لقد طلبتُ منكم الاجتماع اليوم لأن هناك نبأ عليكم ان تعرفوا عنه ، وهو يخص امر هام يعود للعائلة ، الحقيقة لقد تم القبض على قيس زوج مايرين بتهمة الاعمال الغير مشروعة وهو الآن متواجد بالسجن ، وانتم تعلمون بأن بنات مايرين كانوا وما يزالون يعيشون معه للآن ، وبما انه لم يبقى لديهم احد فنحن إذاً علينا إحضارهم ليعيشوا معنا بالمنزل وضمهم للعائلة قبل ان تأكلهم الناس بألسنتهم ، فبالنهاية هؤلاء بنات مايرين الفكهاني وهذا يعني بأنهم من العائلة"
عمّ الصمت بأنحاء الغرفة الواسعة بسكون ما ان انهى كلامه والذي كان يملئ المكان بصدى صوته وهو يشدد على كلماته الأخيرة بعصبية وكأنه مرغم على قولها ، ليصدر صوت آخر من الذي وقف عن الأريكة بعنف ليتبعها بصوته وهو يقول باستنكار واضح
"أتريد منّا ان نستقبل بنات مجرم بمنزلنا فقط لأنك اكتشفت للتو بأنهم من افراد عائلتك ولكي لا تتأثر مكانتك اكثر بين الناس ، وتتوقع منّا ان نكون سعيدين بضمهم لعائلتنا بعد ان تخلى عنهم والدهم المجرم...."
قاطعه والده بصوت صارم حاد وهو يضرب على سطح المكتب بقوة
"اخرس يا شادي ولا كلمة ، لا تنسى بأنهما يكونان بنات عمتك مهما كانت الاحقاد بيننا ، وايضا لقد كانوا يعيشون مع زوج والدتهما فوالدهما قد توفي منذ سنوات طويلة ، لذا لا تنطق بكلمة قبل ان تفكر بعواقبها"
تجهمت ملامح (شادي) اكثر بعدم اقتناع وهو يشيح بوجهه جانبا ليتمتم بعدها بحنق
"غير مهم إذا كان والدهما ام لا ، فقد كانوا يعيشون معه لسنوات يعني ليس بعيدا عنهم ان يكونوا اشباه مجرمين مثله"
ردّ عليه والده بحدة اشد رجت سطح المكتب امامه
"لقد سمعتك يا شادي ، وعليك ان تعلم بأن كلامك هذا لن يغير من قراري شيئاً فعيشهم معنا هنا اصبح امرا مسلما منه"
ادار (شادي) رأسه باتجاه والده بقوة وهو يقول باستهزاء واضح
"ولما الآن اصبحت تهتم ببنات شقيقتك بعد ان اهملتهما لسنوات بعد وفاة والدتهما ، وفضلت ان تتركهما مع زوج والدتهما والذي تبين بأنه مجرم على ان تضمهما لعائلتك ، هل لديك جواب على هذا السؤال يا ابي"
عمّ صمت ثقيل واعمق من الذي قبله عليهم وكل العيون قد اتجهت للوالد الكبير ليحاولوا قراءة الاجابة بملامحه المتصلبة والساكنة تماما وكأنها تحولت لرخام بارد ، ليقول بعدها الاب بلحظات بصوت مشتد تهابه كل انواع البشر والذين عمل معهم طيلة مسيرة حياته مع اكبر المدراء بمجال الأعمال
"هذا ليس من شأنك يا ولد ، وإياك وقول هذا الكلام امامي مرة أخرى لأني عندها لن اكتفي بطردك من المنزل يا عاق ، فهمت ما أقول والآن اغرب عن وجهي"
حرك (شادي) عينيه بعيدا عن والده بملل ليلمح نظرات (احمد) وهو يشير له بعينيه بتحذير ليخرج من الغرفة فورا فقد تسبب بمشاكل بما فيه الكفاية وكله بسبب لسانه الاهوج والذي لا يفكر بالعواقب ابدا ، وقف بعدها (احمد) عن الأريكة وهو يقول بهدوء يحسد عليه
"لا تهتم لكلام شادي يا ابي لأننا اكيد سنكون اكثر من سعيدين باستقبال بنات عمتي بمنزلنا وبالعائلة ، فهما الآن ليس لديهما غيرنا..."
قاطعه صوت (شادي) وهو يقول ببرود جليدي
"انا لن استقبل احدا ولستُ راضياً عن هذا القرار ، وعن اذنكم سأرحل الآن لأنه لدي امور اهم من هذه التفاهات والتي اضعتُ وقتي بها هباءً"
غادر (شادي) لخارج غرفة المكتب بهدوء ضاربا بكل كلام والده عرض الحائط وهو يتجاهل النظرات المستنكرة بتجهم والتي كانت تلاحقه من الخلف وصاحبه يتوعد له بالويل ، بينما كان (احمد) ينظر بأثره بوجوم وهو يفكر بطريقة ليستطيع معرفة ما لذي يدور برأس شقيقه الاهوج الآن ؟ واما زوجته بجانبه فقد كانت تتمتم بامتعاض متذمر
"هذا ما كان ينقصنا ان نستقبل بنات مجرم بمنزلنا ونتقبل عيشهم معنا ووجودهم بيننا كأنهم افراد من العائلة"
حاد (احمد) بنظراته بعبوس نحو زوجته وهو يهمس باقتضاب
"اخرسي يا سلوى قبل أن يسمعكِ احد ويحدث ما لا يحمد عقباه"
ادارت (سلوى) وجهها بعيدا عنه بعدم رضا وإيباء ، ليوجه بعدها كلامه لوالده والذي ما يزال ساكنا بمكانه بجمود وهو يقول له باحترام
"لا تقلق يا ابي فأنا متأكد بأن شادي سيتقبل وجود بنات عمتي بيننا عاجلا ام آجلا ، المهم ان تخبرنا متى يمكننا استقبالهما بالمنزل لنبدأ بتحضيرات تجهيز مجيئهما"
كان الوالد شارد بأفكاره بعيدا عنهم ليتمتم بعدها بجدية حادة
"لا داعي لفعل شيء يا احمد ، فقط كونوا موجودين على الموعد فهناك سيارة ستحضرهما بغضون نصف ساعة بسبب طول المسافة بين منزلنا ومنطقتهم والتي يعيشون فيها"
حرك (احمد) رأسه بالإيجاب بدون كلام وهو يفكر بما ينتظرهم من مجيئ بنات عمته المتوفاة لمنزلهم بعد سنوات طويلة من الغربة ، وهل سيؤثر هذا على حياة شقيقه (شادي) للأسوء ام للأفضل ؟ ولم ينتبه احد للوالد وهو يفكر بعيدا بفتاة جميلة زرقاء العينين كانت تتميز بالشراسة والتهور وعلى جميع من بالعائلة ولم يستطع اي احد ان يسلم من شرها ومكائدها والتي كانت دائما تصيبها بالجميع ، حتى وصل بها التهور والجنون لترحل بعيدا عنهم وتُفضل شخصا آخر عليهم جميعا وهي تبيعهم بالنهاية لمن لا يسوى وها هي قد تلقت نتائج افعالها المتهورة ولعب القدر لعبته معها لتترك من خلفها جيل من نسبها ومن نسب زوجها المدنس .

نهاية الفصل............


روز علي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس