عرض مشاركة واحدة
قديم 13-02-21, 11:48 PM   #42

سعاد (أمواج أرجوانية)

كاتبة في منتدى قصص من وحي الأعضاء

 
الصورة الرمزية سعاد (أمواج أرجوانية)

? العضوٌ??? » 476570
?  التسِجيلٌ » Aug 2020
? مشَارَ?اتْي » 3,605
?  نُقآطِيْ » سعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond repute
افتراضي

تابع الفصل الثالث
***
دخل رمزي إلى غُرفته يركل كل ما تطاله قدماه بهياج واضح ليندفع أبوه من الباب تتبعه أمه صارخة باسمه بلهفة، التفت إلى والديه وصدره يرتفع وينخفض في تتابع سريع فهتف به أبوه متسائلًا بذهول:
_ماذا بك رمزي؟ ما الذي حدث؟
ليصيح بكل الغضب الذي كبته مُضطرًا منذ الصباح:
_لقد قام ذلك الحقير بخصم يومًا من راتبي، بالإضافة إلى إهانتي أمام زملائي.
اقترب أبوه منه وهو يسأله بقلق شديد من حالته:
_من.. من فعل ذلك بك بني؟ وما السبب؟
هنا انفجر رمزي بحقد اعتقد والداه أنه قد نبذه منذ سنوات؛
والآن يبدو خطأ ذلك الاعتقاد واضحًا..
هذا الغضب؛
هذا الهياج؛
هذه الكراهية؛
لم يرهم على وجه ابنهم الهاديء دائمًا إلا في أيام غابرة لطالما سأل الله أن تذهب بلا عودة..
_من سيكون أبي؟ ثائر بك الجوهري، الذي يأمر فيُطاع، الذي يسحق كل من يُزعِجه، الذي تعامل معي اليوم وكأنني حشرة.. حشرة غير مرئية يدعسها بقدمه دون أن يشعر بها.
وبكل القهر صرخ مُردفًا:
_كل هذا من أجل دردشة عابرة مع زملائي.
صمت يلهث بسرعة ثم اقترب من أبيه مُتسائلًا بحسرة:
_أخبرني أبي! أيحق له أن يتحكم بنا جميعًا بهذا الجبروت؟ أيحق له أن يفعل ما يريد ويأخذ ما يريد دونما اعتبار للآخرين؟
ارتفعت شهقات أمه الباكية وهي لا تفهم سبب ثورة ابنها غير المُبررة، لكنها أدركت أنه يعاني بِشدة، بينما سارع أبوه مقترحًا:
_اترك العمل رمزي، اتركه وستجد غيره، نستطيع تأجيل الزواج شهرًا آخر، يُسْر لن تمانع و....
ارتسم العناد الأعمى على وجه رمزي وهو يهز رأسه رفضًا هاتفًا بقوة:
_لا أبي! لن أترك العمل، سأظل أعمل بتلك الشركة إلى أن أقدم استقالتي برغبتي أنا وليس بسبب ظلمه هو، وزواجي بيُسْر سيتم في موعده، لن أدع ذلك الحقير يُفسِد لي حياتي.
ثم أردف بهمس حاقد:
_مرة أخرى!
**********
لحِقته إلى داخل قصر والديه بخزي واضح لتطالع طفلتها جالسة أرضًا بصحبة ألعابها يُشاركها زيدان تركيب بعض قطع المُكعبات باهتمام، وعندما انتبه إلى وصولهما وقف متجهًا إليهما بملامحه البشوشة مُرَحبًا:
_حمدًا لله على سلامتك رِهام، عساها أن تكون المرة الأخيرة.
والرد جاء من ثائر قبل أن تفتح هي فمها قائلًا ببروده المعهود مُختلِطًا بنبرة تحذيرية لم يُخطِئها أي منهما:
_إنها الأخيرة بالفعل زيدان.
طأطأت رأسها بِحَرَج فتابع هو بلهجة آمرة مُوجِهًا كلامه إلى أخيه بينما يتجه إلى الدرجات :
_ ستُسافِر إلى الإسكندرية بالغد لتتابع المُجمع السكني هناك.
رمق زيدان ظهره بدهشة ثم تساءل بلا فهم:
_أي مُجمع سكني؟
فاستدار ثائر إليه مبتسمًا بسُخرية ثم عاد إليه بخطوات متلكأة، واثقة وهو يقول:
_عفوًا! اعذرني لقد نسيت بالفعل، أنت لم تحضر ذلك الاجتماع الخاص به لذلك أنت لا تفقه عما أتحدث بالأصل، أليس كذلك؟!
أدرك زيدان ما يرمي إليه فعقد حاجبيه وهو يصيح به متسائلًا بحنق:
_هل تُعاقبني يا ثائر؟ هل تراني طفلًا؟
وكما صاح هو بالمثل بادله الآخر الصياح؛
ولم يتأثر أو يتردد وهو يشدد على كل كلمة يوجهها إليه:
_نعم أراك طفلًا، بل الطفل يتصرف بطريقة أفضل منك، الطفل لا يُهدر وقته وعمره فيما لا يفيد، وأنت بدلًا من الاهتمام بالعمل لنحافظ معًا عليه ممن ينتظر غفلة واحدة كي يستغل حالتك تقضي جل وقتك بالتسكع في ذلك المقهى اللعين و....
وعند هذا الحد لم يتحمل الاستماع، ولم يكن ليسمح له بالتدخل فيما يخصه فقاطعه هادِرًا:
_كفى ثائر! كفى! لا أسمح لك بالتدخل في حياتي وخصوصياتي، لا أسمح لك بإهانتي أكثر من ذلك، أنا لست عبدًا لك، لن تتحكم بي أنا أيضًا!
حدَّق ثائر به بتهكم وما لبث أن هتف بقسوة:
_عن أي تحكُّم تتحدث يا رجل؟! تلك الشركة لا تخُصني وحدي، أنت مُشارِك لي بها، ولا أجد سببًا واحدًا يجعلني أحمل كل العمل على عاتقي بينما أنت هارب إلى عالم آخر تمامًا.
والضغط فاق الاحتمال؛
والجفاء أصاب الأصغر بالقهر؛
بينما الأكبر يطيح بكل ما تطاله يداه ولسانه دونما اعتبار لأي شخصٍ كان.. أو أي جرحٍ كان!
ليرد زيدان من بين شفتيه غاضبًا مُتعمدًا استفزازه:
_أتعرف ماذا تحتاج حقًا يا ثائر؟ أنت تحتاج إلى ابن كي يرِث شرِكتك الغالية، لِذا حتى تُنجب ذلك الابن أعتذر منك إن كنت لا أُحبِّذ القيام بدوره.
واقترب منه زيدان مُحدِّقًا به بنفس القسوة مُشددًا بتحدي مُتابِعًا:
_أنا شقيقك يا ثائر، لستُ ابنك، وأنت لا تملُك حق تسيير حياتي، ولا أنتظر رأيك في كيفية إدارة شؤوني.
ليبتسم ثائر ابتسامته الصفراء وهو يومىء برأسه، مُخاطِبًا إياه بنفس التحدي:
_وبالرغم من ذلك ستُسافر إلى الإسكندرية زيدان، ربما أنت شقيقي بالفعل، لكنك لا تود إثارة أعصابي أكثر، ولن تُجازِف بوضعك في موقف حرِج أمام موظفي الشركة.
واتسعت ابتسامته المُقيتة أكثر وهو يُردِف بهدوء:
_تعلم أنني أفعلها، أليس كذلك؟!
حدِّق به زيدان بامتعاض وهو يومىء برأسه إيجابًا قائلًا بتهكم:
_أعلم أنك تفعل أي شيء من أجل تحقيق ما تسعى إليه ثائر، أعلم أنك لا ترى أبعد من نفسك وطموحاتك، أعلم أنك ليس لديك غالِ ولا نفيس، وأعلم أنك يومًا ما ستستيقظ لتكتشف أنك أهدرت عمرك بلا جدوى، وجعلت كل من حولك يكرهونك عَبَثًا، حينئذٍ سيكون الندم هو حليفك الوحيد!
ولو كان زيدان يتحدث إلى جدار صخري لظهر عليه بعض التأثر، لكنه متأكد أن شقيقه يتغلَّب على الصخور بأنواعها بقسوته وصلادته، لِذا لم ينتظر منه ردًا وهو يتجه إلى الخارج قبل أن يتفاقم شجارهما أكثر ويستيقظ والداه فلا يتدخلان لِفَضه ثم يستكملان لَومه فيما بعد، هاربًا للحصول على بعض الحنان الذي لا يجده إلا بذات المقهي.
...
_هل ستظلين واقفة بالأسفل سيدة رِهام؟
هتف بها بتهكُّم بعدما صعد بعض الدرجات، فنظرت له بنفس الامتعاض الذي رماه به شقيقه للتو ثم ردَّت بحقد لم يُوَجه يومًا إلا إليه:
_أنت فخور بالفعل بإبعاد الجميع عنك، أليس كذلك؟
رمقها مليًا، ثم هبط إليها ثانية متظاهرًا بالأسف، وعندما توقف أمامها سخر منها قائلًا:
_هل كشفتني؟ بالفعل أنا أسعى إلى ذلك، خاصة إن كانو بنفس دلالك.
نظرت له بألم ثم سألته:
_أليس لديك قلب ثائر؟ ألا تشفق على من حولك من تجبُرك؟
وكانت الإجابة من بين شِفتيه بتصميم واضح، ورفض صارخ:
_إن أنا أسلمت قيادتي لقلبي ستكون نهايتي كجرذ حقير لا يستحق سوى الشفقة والتحسُّر، هل أبدو لك من ذلك النوع؟
ظهر التوسُل في عينيها وهي تناشد جانبًا لا تتأكد من وجوده به حاليًا، لكنها..
لكنها رأته ذات يوم؛
تمتعت به ذات يوم؛
غرقت به ذات يوم؛
كان حقها المضمون ذات يوم!
_لقد.. لقد أحببتني ذات يوم بالفعل، أليس كذلك؟!
وبدا لها أن ذاك "اليوم" قد صار حُلمًا مستحيل المنال؛
بل حقًا عافته نفسها _بنفسها_ منذ سنوات!
_لقد كنت تلقي عليّ كلمات الحب دومًا يا ثائر.
عقد حاجبيه بدهشة مُفتعلة وهو يسألها مُستنكرًا:
_أتقترحين عليّ أن أعبر عن حب لكِ لا يوجد في الأصل رِهام؟!
وانحدرت دمعاتها المُتحسرة وهي تُعلِّق بخفوت:
_أتساءل فقط يا ثائر، أتساءل لو أنك تشعر برجفة في قلبك لا تستطيع التحكم بها، باشتياق ضاري لاإرادي إلى وصال روح أخرى، بما يشعر به شخص عادي من حنين وحاجة إلى آخر بعينه!
انقلبت ملامحه من السُخرية إلى الإرهاب بلحظة، ثم ما لبث أن زم شفتيه مُتظاهرًا بالتفكير وهو يهز رأسه قائلًا:
_ربما لديكِ وِجهة نظر تُحترم.
حدَّق بعينيها السوداوتين البريئتين بمنتهى البرود وهو يُتابع:
_ما رأيك إذن إن بحثت عن تلك المشاعر التي تتحدثين عنها؟
ثم أردف ببطء مُشددًا:
_لكن بالطبع ليس معِك أنتِ.
وبابتسامة مُتشفية توقف قليلًا ثم استكمل موضحًا:
_أقصد أن أبحث عن أخرى على النقيض تمامًا منكِ، لا تمتلك هذا الضعف الذي يثير اشمئزازي، ولا تنوح طوال الوقت فتصرع رأسي، ولا تدور حولي متوسلة رحمة لا أملكها تجاهها.
وبهمس كريه استطرد محدقًا بشعرها الأسود وبعينيها المثيلتين:
_ربما سأختارها أيضًا شقراء متغنجة، بعينين ملونتين ضاحكتين، حتى نبرة صوتها ستكون مُدللة!
ومال برأسه مُقترِبًا منها مُتسائلًا بسُخرية:
_تُرى هل يتحمل كِبرياؤك شيء مثل هذا؟ هل تتحمل كرامتك _التي أشك بوجودها_ حضور أخرى؟
وأردف بشماتة:
_تعلمين أنه من حقي.. من حقي الزواج بأخرى!
والكراهية صرخت بها عيناها فعاد الامتعاض إليه مُرددًا بخفوت لم يخل من الحزم:
_أرجو أن تعلمي أن هذه ستكون نهاية هذا الحوار المُعتادة إن تفوهتِ بهذا الهراء مرة أخرى، أنا لا أفكر بتلك التفاهة رِهام، لقد تُبت عن أمور الحب والقلوب ولم تَعُد باهتماماتي والفضل لكِ كما تعلمين، ولهذا أشكرك..
بتر عبارته يرمقها بامتعاض لم تر هي الحسرة التي تخللته، والتي كانت موجهة إلى نفسه:
_أشكرك لأنكِ جعلتني أشك وأرتاب بالجميع بلا استثناء، وهكذا لن يستطيع أحدهم النيل مني مُطلقًا!
ومنحها ابتسامة فائضة بالسخرية وهو يستطرد:
_لِذا إن كنتِ لازلت على رفضك للعرض الذي قدمته لكِ مرارًا فالأفضل أن تعتادي هذا الوضع كي لا تتعبي.
وحرب النظرات بينهما دارت ولم يقطعها إلا حضور سيلا وهي تتمسك بطرف سُترة أبيها قائلة:
_لقد اشتقتُ إليك أبي.
ودون أن ينظُر إليها سألها بجفاء:
_لماذا أحضرتِ ألعابك خارج غرفتك؟
وأردف بنبرة آمرة:
_هيا اجمعيهم فورًا!
وقبل أن تتحرك الطفلة صعد بسرعة إلى جناحه وابنته تتابعه بنظراتها العابسة؛
وزوجته تتابعه بنظراتها المُتوعدة!
**********
فتح مصطفى الباب ليندفع كمال إلى الداخل تتبعه يُسْر وملامح القلق ينضح بها وجهاهما ، ثم هتف شقيقه بسرعة متسائلًا:
_ماذا حدث مصطفى؟ ماذا به رمزي؟
زاد الألم على ملامح مُصطفى وهو يُجيبه:
_لا أعلم كمال، لقد عاد من الشركة غاضبًا وأخذ يصرخ ويحطم كل ما بطريقه.
تدخلت يُسْر بصوتها الهادىء مُتسائلة:
_أين هو الآن عمي؟
نظر إليها برجاء وهو يشير بإحدى يديه إلى أحد الاتجاهات:
_يجلس بغرفة الاستقبال، لقد اقنعته أُلفت بصعوبة ألا يجلس بمفرده، تحدثي معه يُسْر وحاولي تهدئته أرجوكِ.
أومأت يُسْر برأسها إيجابًا وهي تتجه إلى الغُرفة التي أشار إليها عمها.
وبالداخل:
دلفت لتجد أُلفت تجلس بجانب وحيدها تُربِّت عليه بينما يبدو على وجهه نظرة مُقلِقة؛
نظرة ذكَّرتها برمزي ابن عمها الذي رأته هائجًا لمرة واحدة من قبل.. من قبل سنوات!
منذ ستة سنوات:
"ماذا يحدث عمي؟"
هتفت يُسْر بهذا السؤال بخوف وهي تستمع إلى أصوات الشجار الصادرة من غرفة رمزي..
صياح متبادل؛
صراخ متبادل؛
وتحطيم!
وانهياره يصلها من خلف الباب المُغلق كاملًا.
_ماذا به رمزي يا عمي؟
ودمعات عمها كانت هي الإجابة الوحيدة تُشاركها ولولة زوجته المُرتعبة خلفها، وفجأة انفتح الباب ليرتدوا جميعًا إلى الخلف والصياح يصدر من هذا الذي يخرج أمامهم والغضب يعلو وجهه متوعدًا وهو يصيح بابن عمها المختفي بداخل غرفته:
_أقسم يا رمزي إن اضطرني الأمر سأسجنك بغرفتك ولن تخرج منها حتى تعود إلى رشدك!
وقرن قوله بالفعل وهو يجذب مقعدًا ثم يجلس أمام باب الغرفة في لفتة واضحة إلى عدم التحرك من مكانه!
وبينما استأنفت ألفت بكاءها، حدَّقت يُسْر به بذهول مُتسائلة:
_ماذا تفعل تميم؟ وماذا به رمزي؟ هل كنت تتشاجر معه؟! ولماذا توصد باب غرفته؟
هتف تميم بِغِل شديد مُجيبًا إياها وهو يطرق على باب الغرفة بغضب:
_الأستاذ الذي ظننته عاقلًا سيُجلب إلينا المصائب والفضائح بتهوره، لم يعد لديه ذرة تفكير واحدة.
وقبل أن تستفسر أكثر أتتهما طرقات عنيفة من خلف الباب مُقترنة بصياح رمزي:
_افتح الباب تميم، أنت لست وصيًا عليّ، افتحه قبل أن أكسره.
فصاح به تميم على الفور بصرامة:
_اكسره لأكسر رأسك يا مُدلل! اكسره وسأعيد تربيتك منذ البداية رمزي، ولتكن متأكدًا أنني لن أتزحزح من مكاني حتى تُدرك مقدار المصيبة التي كنت على وشك القيام بها، وإن لم تقبع عندك ساكنًا سأحضر الأحبال وأقيدك بالفراش حتى تستسلم!
ظلت يُسْر ذاهلة، صامتة تمامًا بينما اقترب مصطفى من تميم مُتوسلا:
_افتح له الباب تميم، هو لم يعد صغيرًا، افتحه وسأتحدث معه.
هتف تميم به بغيظ شديد وهو يرمقه بِلَوم واضح:
_بالفعل هو ليس صغيرًا يا مصطفى، لكنه مُراهقًا أبلهًا متهورًا، وأنت بتدليلك أفسدته وستُفسده أكثر، والليلة لو لم أكن أتبعه لكنا جميعًا نتنزه بالأقسام الآن بحثًا عن وحيدك الغالي.
اقتربت يُسْر من تميم تتوسله هي هذه المرة:
_تميم، أرجوك افتح له الباب وأنا سأتحدث معه.
نظر لها تميم شزرًا ثم زفر مستسلمًا ليقف ويفتح الباب لها صائحًا:
_لكن إن ظل على هذا الجنون سأنفذ تهديدي.
أغمضت يُسْر عينيها بيأس وهي تتجاوزه إلى الداخل بينما اتخذ تميم جانبًا وهو يسد مدخل الباب بذراعه، لتجد رمزي جالسًا على فراشه؛
مطرقًا رأسه أرضًا؛
حزينًا كما لم تره يومًا؛
تنساب الدمعات من عينيه تِباعًا؛
حتى رفع رأسه إليها بنظرة أخافتها والظلام يسبح بعينيه هاتفًا:
_اتركيني وحدي يُسْر، لا أريد أن أرى أحدًا.
_أنا أريد الاطمئنان عليك.. ماذا حدث رمزي؟
والسؤال المتوتر القلِق انطلق منها ليصرخ هو بها بأقصى غضبه:
_لا شأن لكِ بي! أخرجي ودعيني وحدي!
أجفلت وتراجعت بنفس البطء إلى الخلف،
فبالرغم من أن التراجع لم يكن مُطلقًا من شِيمها؛
إلا أنها أمام دموعه لم تقو على التفوه بحرف!
لم تستطع استيعاب أن ذلك الكيان الضعيف المقهور الغاضب هو لابن عمها رمزي؛
الهادىء دائمًا؛
الضاحك دائمًا؛
المُسالِم دائمًا!
لِذا وبكل هدوء التفتت وولت هاربة تاركة تميم يتابع درسًا تعنيفيًا من الدرجة الأولى!
لكن الهرب الآن لم يكن من ضمن مخططاتها..
فقد وقفت بمنتهى البرود تنتظر انتهاء غضبه..
ربما أرعبها هذا الغضب فيما مضى
لكنه الآن لا يثير بها سوى.. الامتعاض والشفقة!
وما إن رأتها زوجة عمها حتى انقلبت ملامحها من الألم على حال ابنها إلى غيظ لم يُدهِشها بينما هبَّت واقفة مُتجهة إليها:
_رمزي ليس بحالة تسمح له بمُقابلتك يُسْر، اذهبي الآن!
وقلة ذوق المرأة لم تكن أمرًا جديدًا بالنسبة لها، لِذا وبكل هدوء وإصرار ردَّت:
_لكنني أريد التحدث مع رمزي يا خالتي، لو سمحتِ!
_أنا أيضًا أريد التحدث معِك يُسْر!
والعبارة التي أطلقها رمزي الشارد تمامًا جعلت أمه تجُز على أسنانها بغيظ بينما لم تهتم يُسْر بها وهي تتجه إلى الأريكة الواسعة وتجلس عليها بمُقابلته تمامًا..
تحدق به ويبادلها التحديق؛
تنتظر حديثه كما ينتظر؛
لكنها_كما العادة_ كانت الأكثر شجاعة فافتتحت الحوار بهدوء مستفهمة:
_ما سبب هذه الثورة يا رمزي؟
ليرُد عليها بنفس الهدوء المُغاير تمامًا لما يشعر به تلك اللحظة:
_لقد خصم صاحب الشركة يومًا من راتبي.
ارتسمت ابتسامة ساخرة على شِفتيها وهي تسأله رغم معرِفتها بنفي الإجابة:
_أتريد أن تخبرني أن حالتك هذه سببها خصم يوم فقط؟
لم ترفرف أهدابه كما لم تفعل هي فعقَّب مُدققًا النظر بها:
_سأبيع سيارتي كي أدبر مصاريف الأثاث.
هزت كتفيها بلامبالاة ثم قالت:
_لا أهتم بالأثاث رمزي، إن شئت نستطيع الزواج بأقل الأشياء.
والغيظ احتل عينيه وهو يهتف بها بصوت أكثر حِدة:
_أعلم أنكِ لا تهتمي يُسْر.
وكأنها وصلت إلى هدفها بإخراجه من الجمود المُناقض لحالته الحقيقية، فصمتت وتركته يُتابع بغيظ:
_أعلم أنكِ لا تهتمي بالأثاث، ولا بالزواج، ولا حتى بخطيبك!
كتفت ذراعيها وهي تسأله بنبرة هادئة تُخفي السُخرية، لكنها لم تخفي الثقة:
_وهل يهتم خطيبي؟!
ارتسمت الدهشة بعينيه وهو يُحدِّق بها فتابعت:
_أخبرني رمزي: هل تهتم أنت حقًا؟
والتوتر بدأ يكتنفه وهو يتهرَّب بعينيه منها فأردفت بصوت استفزه وفرة البرود به:
_أعلم أنني ألقي السؤال مُتأخرًا كثيرًا، لكن: لِمَ أنا بالتحديد رمزي؟ أنت لم تحبني يومًا _على عكس قولك الدائم لي وصمتي وتحملي لاعترافك الكاذب، والمُهين_ وأنا لم أفعل بالطبع وأنت تعلم هذا، دائمًا ما اعتبرتك شقيقي بالضبط كما تفعل أنت، لِذا سنتخطى هذا الجزء والادعاء لأنني أحسبك شجاعًا.
وعادت النظرات بينهما؛
كلا منهما كان يعلم أن هذه اللحظة قادمة؛
كلا منهما كان يُدرك أن الحوار الذي طال تأجيله حتمًا سيتم؛
وكلا منهما كان يتهرَّب من هذا اليوم!
لكنها هي.. على الأخص، ستقوم بكل ما عليها حتى وإن تَمثل في سقطة تسديد هي الأجدر بها!
ولا مهرب لهما الآن..
إنه وقت الحقيقة.. فقط!
وبمنتهى الصراحة_التي قد تصل إلى حد الوقاحة_ أجابها:
_لأنني أردت الزواج من فتاة أثق بأنها لن تخذلني مُطلقًا، ولن تتخلى عني إلى الأبد، أعلم تربيتها والأخلاق التي جُبِلَت عليها، وأنتِ ابنة عمي التي أدرك تمامًا مدى احترامها لذاتها ولأهلها، وأوقن أنها ستصونني وتحافظ على بيتي، سُهيلة الأكبر والأحق بالتفكير أعلم ذلك، لكنها دائمًا كانت من المُحرَّمات!
لتبتسم هي بهدوء أعاد إليه غضبه مرة واحدة..
هل كان يطمع يومًا إلى التأثير بها؟!
هل اعتقد أبدًا أنه يقدر على تلك المُعجزة؟!
إحالة هدوءها إلى غضب؛
لامبالاتها إلى اهتمام؛
برودها إلى دفء؛
الآن لن ينكر أكثر أنه_بكل استحقاق_ قد فَشَل!
فشل في الهرب عن طريقها.. من فشل آخر!
وكأنما أفكاره ارتسمت واضحة على وجهه فابتسمت هي بانتصار!
ثم وقفت بكل هدوئها قائلة:
_كل ما سأطلبه منك أن تتوقف عن ترديد كلمات حب كاذبة على مسامعي، لأنني في الواقع لا آبه بها، بل أشعر بالإهانة عندما تفعل إن كنت تفهم ما أعني.
شحب وجهه ثم تهرب بنظراته منها، لكنها تابعت بلا اكتراث:
_ لا تهتم بذلك الخصم رمزي، ولا تبِع سيارتك أيضًا، إن أردت الزواج في غضون أيام أنا ليس لديّ ما يمنعني.
وعندما أصبحت أمام الباب حدَّق هو بظهرها لتتوقف فجأة ثم تُردِف:
_لن أسألك عن سبب غضبك الحقيقي فهو لا يخصني، لكن إن سمحت لا تحاول إهانة ذكاءي ثانية!
وعندما خرجت يرتسم التصميم على ملامحها قابلها عمها فانتحى بها جانبًا مُتسائلًا:
_ماذا حدث يُسْر؟
ابتسمت يُسْر برقة وهي تُجيبه:
_ اطمئن عمي، هو بخير.
ازدرد مصطفى لعابه ثم سألها متوجسًا:
_وبالنسبة للزفاف، هل.. هل ستقومان بتأجيله؟
حدَّقت يُسْر في عمها بتدقيق...؛
لطالما كان كالأب بالنسبة إليها..
حنونًا رائعًا مهتمًا..
عندما لم يُرزق سوى برمزي اعتبرها هي وسُهيلة بناته ودللهما طوال الوقت..
لكن الأمر يجب أن يكن أخذ وعطاء بالتبادل، أليس كذلك؟!
سألها بتوسُل أثار ألمها:
_أنتِ لن تتخلي عن رمزي، أليس كذلك؟!
زمت شفتيها وهي تكبح حُزنها ثم هزَّت رأسها نفيًا قائلة:
_لا تقلق عمي، الزفاف سيتم قبل موعده إن أردتم، ولقد أبلغت رمزي بذلك، سأذهب إلى المحل الآن وليبقى أبي معكم، أستأذنك.
وبدون أي إضافة انطلقت إلى الباب ليشعر هو بالندم الذي سُرعان ما نبذه وهو يفكر في شيء واحد:
"رمزي يجب أن يتزوج من يُسْر، وبأسرع وقت!"
**********


سعاد (أمواج أرجوانية) غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس