عرض مشاركة واحدة
قديم 13-02-21, 11:49 PM   #43

سعاد (أمواج أرجوانية)

كاتبة في منتدى قصص من وحي الأعضاء

 
الصورة الرمزية سعاد (أمواج أرجوانية)

? العضوٌ??? » 476570
?  التسِجيلٌ » Aug 2020
? مشَارَ?اتْي » 3,601
?  نُقآطِيْ » سعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond repute
افتراضي

تابع الفصل الثالث
***
"كنت أعلم أنني سأجدك هنا."
رَفَع زيدان رأسه فجأة ليُطالِعها بشبه ابتسامة هي كل ما استطاع الحصول عليه الآن، ثم سألها بلا اكتراث:
_هل تأتين إلى هنا أيضًا؟
تطلعت رَغَد حولها بفضول ثم عادت بنظراتها إليه قائلة:
_لا! إنها المرة الأولى، باسل هو من أعطاني العنوان بعدما علِم بالشجار بينك وبين ثائر وأخبرني أنك ستهرب فورًا إلى هنا.
لم يرد عليها وهو يُشيح برأسه إلى المنظر الطبيعي بالخارج فزفرت هي بضيق ثم سألته برقة:
_إلى متى زيدان؟ إلى متى ستبقى على حالتك هذه؟
نطق عابسًا مُحذرًا:
_إن كنتِ ستقومين بتوبيخي مثل باسل من أجل ثائر توقفي أرجوكِ، لأنني هذه اللحظة أتحمل نفسي بصعوبة.
هزت رأسها نفيًا وهي تبتسم بحنانها قائلة:
_لا زيدان، أنا لست هنا من أجل التحدث بشأن ثائر، هو شقيقك وربما يومًا ما تكتشف خطأ حُكمك عليه وحدك.
سكتت للحظات فنظر إليها بترقب لتتابع هي بنفس هدوئها المُحبب:
_لكنني أريد أن أتحدث بشأنك أنت، أنا غير راضية عن هذا الضياع الذي تستسلم له مُرَحِّبًَا، أريد أن أرى زيدان الجوهري الذي تعرفت عليه للمرة الأولى عندما تزوج ثائر برِهام، أريد منك أن تخلع عنك ثوب الهم والتيه وتعود مرِحًا مُقبِلًا على الحياة كما كنت، من أجل نفسك أولًا زيدان.
ابتسم بسُخرية وهو يعود بأنظاره إلى الخارج مرة أخرى مُرددًا بخفوت:
_ذلك الـــ "زيدان" قد رحل منذ سنوات يا رَغَد، رحل ولن يعود، رحل ولا ينتظر سوى النهاية التي ستمنحه بعض الراحة.
ازدردت لُعابها بألم وهي تُطالعه بحسرة..
مهما حاول التظاهر بأنه لا يحمل همًَّا تعلم هي أنه يهتم..؛
مهما حاول التظاهر بأنه تخطى أزمته تراه هي لايزال غارقًا بها..؛
مهما حاول ارتداء ثوب النسيان تنبثق نيران عذابه من عينيه حارقة..؛
لطالما حاولت مساعدته هي وباسل كي يستعيد نفسه من ذلك اليوم المشئوم ولم تستطع..
بكل عَزْمها وعَزْم صديقه لم تستطع..
حتى شقيقه بكل نفوذه وقوته ومحاولاته الحثيثة لم يستطع؛
فزيدان قد هرِب من الجميع ساقطًا بِهوة سحيقة تحمل ذكرى مُظلِمة ولا ينوي منها عودة إلى الأبد.
_هل أخبركِ البِك أنه قام بنفيي إلى الإسكندرية عقابًا لي على عدم حضوري ذلك الاجتماع؟
وتهرَّبت من تلميحه بذكاء وهي تهتف بِمرح مُفتعل:
_ليت كل النفي يكون إلى هناك! ما رأيك أن أطلب من ثائر استبدالك بي؟ هو لا يرفض لي طلبًا.
نظر لها بغيظ هاتفًا:
_يا حمقاء أتعتقدين أنني سأتجول على الشاطىء؟ بالطبع ثائر سيعمل بكل جهده كي يتأكد أنني سأقضي ساعات مُرهِقة لِيُرضي ساديته.
ضحكت برقة شديدة ثم علَّقت باعتراض:
_لا أعلم لماذا تحاول تصويره بذلك التوحُش، فهو لا يتعامل معي إلا بتهذيب واحترام ويعتمد عليّ في الكثير من الأمور، ربما أنت من تستفزه بالأصل فيصُب جام غضبه عليك.
أنهت كلماتها ثم أخرجت لها لسانه في حركة طفولية فابتسم رغمًا عنه وهو يُغيظها بدوره:
_لا أعتقد أن هذا رأي رِهام، فأختك أصبحت تترك القصر مرتين شهريًا هَرَبًا من نفس الوَحش الذي تدافعين عنه أنتِ بكل استماتة.
شردت رَغَد بحزن في حال شقيقتها التي أصبح زواجها على صفيح ساخن، ثم عَلَّقت بقلق:
_لا أعلم زيدان نهاية وضعهما، لقد تفاقم الأمر تمامًا بطريقة مُنذِرة وهي لا تُخبرني حقيقة ما يحدث بينهما.
نظرت إليه بتساؤل لم تطلقه، فهز رأسه نفيًا وهو يقول بسخرية:
_لا تحاوِلي رَغَد، أنا آخر انسان يمكن أن يذيع ثائر بأسراره إليه، هذا إن افترضنا أن هناك ما قد يشغل باله خارج دائرة عمله اللامتناهية.
وسكت للحظات ثم أردف بألم:
_ما يُحزنني حقًا هو سيلا، لا أحد يهتم بها على الإطلاق سوى أمي وأبي، لكن الطفلة تحتاج إلى والديها معًا، ويبدو أن كلا منهما لديه ما يُشغله حتى نسيا وجودها في الأساس.
ارتسم الحرج على وجه رَغَد وهي تقول:
_صدقني زيدان، رِهام ليست بهذا الإهمال، لكن.. ربما مشكلاتها مع ثائر ما جعلتها تبتعد عن سيلا رغمًا عنها، لكنني أثق أنهما إذا استعادا أيام صفائهما وسعادتهما سيستطيعان سويًا اجتياز هذه المرحلة المقيتة بسرعة.
مط شفتيه بضيق ثم قال على الفور:
_حتى إن كانت رهام لا تطيق زوجها، ما ذنب طفلتها التي أشك أنها تشعر بوجودها حولها؟!
ازداد الحرج على ملامحها لينتابه الندم سريعًا، فحمحم مبتسمًا وحدَّق بها مليًا ثم قال بلا تفكير:
_أتعلمين أنكِ أكثر حنانًا على سيلا من أمها؟!
نظرت له بدهشة فتابع تلقائيًا:
_ويومًا ما ستكونين أمًا رائعة!
عمَّ الصمت بينهما ووجنتاها تتوردان، وما لبث أن انتبه هو إلى ذلك فأراد تغيير مجرى الحديث مُتسائلًا بغيظ:
_وأين هو ذلك الذي وشى بِسِر مكاني المفضل، لِمَ لم يأتِ كي يشمت بي؟
زفرت براحة ثم ابتسمت قائلة بمرح:
_ يبدو أن عودة أخيك من السفر اليوم قد أنهكته أكثر مما أنهكتك، لقد أشعل ثائر الشركة طوال اليوم، فأعطاني باسل العنوان وأمرني ألا أهاتفه مرة أخرى لأنه سينام لِساعات.
همَّ بالتعليق حينما اتسعت عيناه بدهشة فجأة وهو يُحدِّق بفتاة تقف بالقرب من الطاولة المُجاوِرة، نظرت رَغَد أيضًا إليها ثم عادت ببصرها إليه مُتسائلة:
_ماذا بِك زيدان؟
وقبل أن يرد لاحظت الفتاة نظراته إليها فاتجهت إليه مُحدِّقة به بتركيز ثم هتفت:
_مُهندس زيدان أليس كذلك؟!
ازدرد لُعابه وهو ينظر إليها فابتسمت له بهدوء، ثم أومأت برأسها إلى رَغَد بتحية صامتة وعادت إليه بعينيها مرة أخرى قائلة:
_لا أعلم هل تتذكرني أم لا أنا...
قاطعها بخفوت مُبتسمًا بتوتر:
_أنتِ صديقة شيرين، آنسة...
وعندما عقد حاجبيه دهشة مُحاولًا التذكر ساعدته هي بابتسامتها البشوشة ونبرتها المُهذبة:
_فيروز!
**********
"سأتحدث معه زيدان لا تنفث عن غضبك منه بي أنا!"
أنهى باسل المكالمة مع ذلك الناقم ثم خرج من غرفة مكتبه متجها إلى المكتب الرئيسي، طرق الباب بهدوء ثم دفعه إلى الداخل وأغلقه.
توقف يرمقه في مقعده الفخم يُعطي كامل تركيزه إلى الحاسب النقال أمامه فحمحم كي يلفت انتباهه، لكن الآخر لم يحرك عينيه عن شاشة حاسبه وهو يسأله بهدوء:
_ماذا هناك باسل؟
تقدَّم باسل ليجلس على المقعد المواجه لمكتبه ثم زفر بحنق متسائلًا:
_لماذا فعلت ذلك؟ كان من المفترض أن أسافر أنا لأتابع المجمع السكني، لِمَ أرسلت زيدان بدلًا مني؟
وبلا أي انفعال رد ثائر دون أن يحيد بعينيه عن شاشة الحاسب:
_أعتقد أن توزيع تلك المهام بالشركة من اختصاصاتي أنا، أم هل تراك نسيت؟
حدَّق باسل به بعينين متسعتين مُغتاظتين ثم عدل من وضع نظاراته بتلقائية، وقال باعتراض:
_أعلم ذلك جيدًا ثائر، لكنك بطريقتك هذه تزيد من عُمق الهُوة بينكما، لقد حدثني عمي محمد أيضا وأخبرني أنك تشاجرت مع بالأمس حتى تجبره على السفر!
نظر له ثائر أخيرًا بملامحه الجامدة، وعينيه العسليتين، وفمه المزموم دلالة التفكير، ثم ما لبث أن تساءل بسخرية مُبطنة:
_هل تتحدث معي الآن كونك باسل صديقه أم زميله بالعمل؟
وعندما همَّ باسل بالرد أردف ثائر بنظرة تحذيرية:
_لأنه يجب عليك الفصل بين العلاقتين تماما إن كنت تهتم به حقا.
جزَّ باسل على أسنانه كابتًا حنقه، ثم قال بهدوء:
_يا ثائر استمع إليّ! زيدان لن يتغير بهذه الطريقة، قسوتك لن تعيده كما كان، مُعاملتك الصارمة له لن تُغير من الوضع شيئًا.
وما كان منه إلا أن مط شفتيه ببرود مُعقِّبًا:
_لقد جربتم أنتم كل الطرق الهادئة اللطيفة الودودة أليس كذلك؟! وأنا أرى أنها لم تنجح معه على ما يبدو، إذن لا يوجد سوى الأمر، فلن أظل ساكنا بمكاني حتى يقوم زيدان بإضاعة نفسه ثم إضاعة الشركة التي أفنى والدنا عمره بها بسبب تشوش عقله وتيهه الذي طال كثيرا، وواجبك يا باسل أن تتوقف عن الدفاع عن صاحبك برغم علمك بأنه على بُعد خطوة واحدة من الجنون.
هتف باسل مُسرِعًا:
_أنا لا أدافع عنه، أنا أتحدث بشأنك أنت، لا يعجبني حالك، أنت تدفع الجميع بعيدا عنك بمنتهى البرود واللامبالاة، تتمتع برؤية النفور بأعين المحيطين بك، تُزيد في جفائك بكل فخر، لكن ذلك التصنع لم يقنعني أنا يومًا.
ابتسم ثائر نصف ابتسامة وهو يهز كتفيه بلامبالاة مُعَلِّقَا:
_هي مشكلتك إذن باسل، ولا تعنيني أنا بشيء!
شدد باسل النظر إليه بتحدي لم يهتم له الآخر، وبعد لحظات صامته أشار إليه ثائر بإحدى كفيه بعجرفة:
_والآن إن لم يكن هناك ما يهم بالفعل تستطيع الانصراف.
عضَّ باسل على شفته بغيظ مكتوم ثم انتفض واقفًا والحنق يرتسم على وجهه وهو يُعمِل عقله في هذا الوضع الخانق..
لقد أصبح ثائر خارجا عن السيطرة؛
لقد صار مكروهًا ويبدو أنه يستمتع بذلك؛
وهو قد احتار حقا..
زيدان على حق؛
ثائر أيضا على حق؛
والاثنان مخطئان!
والاثنان يثيران غيظه وحنقه..
ألا يتركهما لصراعهما الذي لا ينتهي ويفر من هذا المكان؟!
زفر بغيظ وهو يتجه إلى الباب منصرفا فأوقفته عبارة ثائر الحازمة:
_أخبِر السكرتيرة أن مهندس آلات التصوير سيحضر الآن، فلتدخله على الفور، ولا تسمح لأي شخص بمقاطعتنا!
جزَّ على أسنانه مرة أخرى وهو يخرج صافعا الباب بقوة بينما لم يبد على الآخر الاهتمام أيضًا!
**********
ملابس متناثرة بكل مكان؛
أغراض مبعثرة بعشوائية؛
جاثية على ركبتيها أرضا تبكي وهي تعبث بيديها في أحد الصناديق؛
ثم ما لبِثت أن ألقته بيأس متأوهة بقهر وحسرة وألم، استندت رِهام بظهرها إلى الخزانة الضخمة ثم خبأت وجهها بين كفيها وهي تجهش ببكاء مرير..
لقد اشتاقت؛
بشدة اشتاقت؛
هذا الشوق يكاد يقتلها؛
قلبها يتحطم؛
كيانها يصرخ بها مطالبا بالخلاص؛
الخلاص من هذا المكان الذي قُيدت به منذ سنوات؛
جحيم مستعر والاسم زوجها؛
عذاب متصل في هيئة والد طفلة لم ترغب بها يومًا!
والآن لا تجد الشيء الوحيد الذي يمنحها الصبر أثناء نوبات انتكاسها..
أين ذهبت؟
لقد كانت هنا!
لقد كانت تطالعها بالأمس فقط..
لقد كانت تطيب جروحها بها بالأمس فقط..
هل حُرمت منها أيضا؟
من الشيء الوحيد الملموس والمتبقي من سعادتها المهدورة؟
وفُتِح الباب فجأة لينطلق الجسد الضئيل إليها هاتفًا:
_أمي أريد أن....
وبدون أن ترفع وجهها صاحت بها:
_اخرجي من هنا واذهبي إلى جدتك!
رمقتها الطفلة الصغيرة بخوف وهي تتمنى قُربًا لم تشعر به يومًا مثل كل أقرانها؛
فالأم الجميلة غرقت في بحور أحزانها وتناست أن لديها طفلة صغيرة تحتاج لأحضانها؛
والأب الصارم على الدوام تراه صدفة كل عدة أيام فلا يمنحها حتى ابتسامة زائفة؛
الجد والجدة والعم والخالة هم ما كانوا دائمًا عوَضَا لها؛
لكن..
هل يُعَوَض المرء عن والديه بأي شخص مهما بلغ حنانه واهتمامه؟!
تقهقرت سيلا إلى الخلف بخيبة أمل ثم انطلقت إلى جدتها باكية.
أما الأم...
فقد عادت إلى بحثها بلهفة وذعر وهي تطرد خاطر فقدانها إياها بعيدًا؛
لكن كل الدلائل تشير إلى العكس!
وبعد نوبة انهيار دامت لدقائق رَفَعَت رأسها فجأة والعزم يرتسم على ملامحها..
لن تنتظر تدخلا لن يتم من أبيها؛
لن تنتظر رحمة من كائن فقدها على يديها منذ سنوات؛
لن تنتظر راحة لن تحصل عليها بهذا المكان؛
يجب عليها الجري خلف مُرادِها بنفسها!
وها هي فعلا النهاية..
ونهاية عذابها ستكتبها بيديها وحدها..
ولن تسمح لأحدهم بدعسها مرة أخرى!
**********
بمجرد أن أتمت يُسْر لف وشاحها اقتحمت أختها الغرفة هاتفة بتحذير:
_أنت لن تفعلي ذلك، صحيح؟!
نظرت لها بدهشة وهي تسألها:
_أفعل ماذا؟
رمقتها سُهيلة وهي تؤكد بلهجة معترضة:
_لن تتزوجي برمزي يا يُسْر.
ارتخت ملامح يُسْر وهي تعود إلى تحديقها بالمرآة قائلة:
_ولِمَ لا أتزوجه؟! هو خطيبي بالفعل ألا تعلمين ذلك؟!
زفرت سُهيلة بضيق ثم صاحت بها:
_أنتِ لا تحبينه يُسْر، أنتِ لا تشعرين تجاهه سوى بالأخوة، كيف ستصبحين زوجته؟
التفتت لها يُسْر قائلة بتهكم شابته حسرة صريحة:
_لقد جربتِ أنتِ الحب ذات مرة، هل تسبب في إسعادك يا سُهيلة؟
والألم الذي ارتسم على وجه شقيقتها جعلها تلعن غبائها؛
وبرودها..
فاقتربت منها وأخذت تُربِّت على شعرها ثم قبَّلت جبهتها قائلة بنبرة مُعتذرة:
_آسفة سُهيلة، أعذريني لم أقصد إزعاجك.
ابتعدت سُهيلة إلى الخلف مُبتسِمة بحنان فتابعت يُسْر بيأس وهي تجلس على حافة الفراش:
_كلما اقترب موعد الزفاف يشتد النزاع بداخلي، التمزق يعذبني سُهيلة، وأعلم أنني في النهاية سأكون زوجة رمزي، وبالرغم من ترديدي هذا على عقلي طوال الوقت، إلا أنني لا أستطيع استساغة الأمر مُطلقا!
اجتاحت الشفقة عيني سُهيلة وهي تنظر لأختها
الأصغر سِنًا والأكبر عقلًا!
لم ترها يومًا على هذه الحالة من الألم واليأس والرفض..
لم يُجبرها أحد على أي شيء أبدًا
لكنهم الآن يفعلون؛
وتُظهر هي_للمرة الأولى_ استسلامها!
اتجهت إليها وجلست إلى جوارها ثم تساءلت بهدوء:
_ألم تشعري يوما تجاهه بأية مشاعر؟
شردت يُسْر بنظرة غريبة فأوضحت سُهيلة:
_أعني، هل الأمر دوما كان أخوة فقط؟
وبعد لحظات صمت ثم زفيرًا مُتعَبًا تحدثت يُسْر بنفس الشرود:
_يومًا ما سُهيلة، يومًا ما حاولت إقناع نفسي بقوة بأنني مُعجبة به، حاولت إرغام نفسي على حبه، لكن لم يطل الأمر حتى اكتشفت أنني كنت سأخطيء بحق نفسي، وأنني لن أفعل على الإطلاق مهما طال بي الزمن معه.
ثم ابتسمت بسُخرية مُتابعة:
_بالرغم من غرابة الأمر فإنني أحمد ربي أنني لم أعتنق أفكارك الحالمة!
ومحت ابتسامتها وهي تزفر مرة أخرى بتعب قائلة:
_لو كنت مثلك سُهيلة لربما هربت من كل شيء قبل أن أصبح زوجة لرجل لا أحبه.
وأردفت بخفوت:
_رجل حتى لا أكرهه!
أمسكت سُهيلة بكتفيها وهي تهتف بها بحزم:
_لايزال هناك وقت يُسْر، بإمكانك التراجع، لا شيء يجبرك على تلك الحياة التعيسة، حتى القبول لا يوجد بينكما، لماذا تفعلين بنفسك ذلك؟! ما الذي يُجبِرك؟!
ارتسمت الحسرة بعيني يُسْر وهي ترد هامسة:
_الواجب يُجبرني سُهيلة، الواجب أهم من القبول!
هبَّت سُهيلة واقفة وهي تصيح بها بحنق:
_عن أي واجب تتحدثين يا يُسْر؟، أنتِ لستِ مدينة بشيء لأي شخص، رمزي يتصرف بأنانية، وعمي أيضًا يتصرف بأنانية، لا يُعقل أن تقضي حياتك كلها مع رجل لا تتقبلينه كزوج تسديدًا لِدَين لستِ مُلزمة به أصلا!
انتفضت يُسْر صارخة للمرة الأولى بحياتها وهي تكتم دمعاتها بقوة:
_مُلزمة سُهيلة، أنا مُلزمة كليا، لا أستطيع تخييب أمل عمي بعد ما فعله معنا منذ سنوات، لولاه لكنا حُرِمنا من أبينا، لكنه لم يتردد لحظة واحدة، والآن تتوقعين مني أن أتقاعس عن المطلب الوحيد الذي يتمنى أن أنفذه له؟
هزَّت سُهيلة رأسها رفضًا وهي ترمُق أختها برِفق قائلة:
_ليس من حقه يا يُسْر أن يبتزك عاطفيا لذلك السبب، لقد ساعد شقيقه، شقيقه يا يُسْر قبل أن يكون أبينا، لِذا لا علاقة لكِ بالأمر، ليس من العدل أن تدفعي أنتِ الثمن!
تهرَّبت يُسْر من عيني شقيقتها هامسة باستسلام مُستجد عليها:
_سأتعايش سُهيلة، سأتعايش كما تفعل الكثيرات غيري!
وابتعدت للخلف لتنصرف إلى المحل وهي تؤكد على نفسها صحة قرارها.
**********
"أتعتقدين يا يُسْر أن الرجل بإمكانه أن يظل مخلصًا لحبيبته مهما حدث ومهما طال الزمن؟"
ألقت فيروز السؤال بِشرود وهي تستعيد صدفة الأمس، والتي تكمن غرابتها بمكان حدوثها..
فكأن الزمن قد عاد إلى الخلف أربعة أعوام كاملة..
نفس المقهى؛
نفس الطاولة؛
مع لمسة ضائعة!
نظرت لها يُسْر بتوتر وهَمَّت بالتحدث لإزاحة هذا الثقل عن كاهليها، لكن فيروز تابعت بحماس:
_بالأمس قابلت زيدان الجوهري، هل تتصورين أنني قابلته في نفس المكان الذي قابل به خطيبته للمرة الأولى؟!
زفرت يُسْر باستسلام ثم سألتها بِلا اكتراث وهي تُجرِّب أحد الأقلام قبل أن تُعطيه للطالبة التي تنتظر شراءه فأخذته وانصرفت:
_ومن هو زيدان الجوهري ذلك؟
حدَّقت فيروز بها بدهشة ثم هتفت بها باستهجان:
_هل أثَّر عملك بالقسم الأدبي بالجريدة على معلوماتك العامة يا فتاة؟!
وعندما ظل عدم الفهم مُسيطرًا على ملامح يُسْر تابعت فيروز بغيظ:
_ زيدان الجوهري الذي يمتلك أسهمًا في شركة الجوهري للمقاولات.
نظرت لها يُسْر بانتباه ثم هتفت بعض لحظات:
_إنها الشركة التي يعمل بها رمزي!
أومأت فيروز برأسها إيجابًا ثم عقَّبَت:
_نعم هي، لكن زيدان كان خاطبا لشيرين صديقتي، أتتذكرينها؟
رَفَعَت يُسْر رأسها والإشفاق يعلو ملامحها مُستوضِحة:
_أتعنين تلك الفتاة التي توفيت منذ سنوات في حادث سيارة؟!
**********
خرج رمزي من عمله والعبوس على وجهه منذ الأمس لا يبرح ملامحه..
يُحاول أن يتغاضى عن ألمه وغضبه بالتفكير في شيء آخر..
شيء أكثر سعادة، وأكثر إشراقا؛
شيء مثل زفافه المرتقب!
الألم يصرخ بقلبه فيتجاهله؛
الذنب يقرع بعقله فيصم أذنيه عنه؛
والسؤال يدور حوله في هيئة شبح شارد!
"كيف ستكون حياتك مع يُسْر؟"
وسؤال آخر في هيئة شبح شارد آخر!
"ألا تستحي زواجك منها بسيف الحياء؟!"
وسؤال أهم في هيئة شبح أهم، لم يشرد عنه يومًا وتتشكل ملامحه ببراءة مناقضة لكينونته!
عينانان سوداوتان؛
شعر أسود بخصلات ناعمة؛
ابتسامة رقيقة حالمة؛
لينتفض الشبح متسائلا:
"كيف ستعيش مع واحدة وقلبك لايزال مِلكًا لأخرى؟!"
"وكيف ستكون حياتك وأنت لا تتوقف عن استعادة ذكريات غرامك مع الأخرى؟!"
أغمض عينيه يكبح صراخا يدوي بقلبه وعقله معه، ثم فتحهما ليتسمَّر مكانه والطرق ينهال على عقله؛
فأمامه..
على بُعد خطوات من مقر عمله..؛
تقف برقتها المعهودة وأنوثتها المميزة..؛
الأولى والأخيرة؛
الوحيدة وبقلبه الدائمة؛
هي نفسها.. الأخرى!
لينساب صوتها داخل أذنيه كزقزقة عصافير الصباح مُرَحِّبَة:
_مرحبًا رمزي!
وبكل الشوق العارم بقلبه؛
وبكل الحب الذي أتم سنوات؛
وبكل الحنين الذي تغذى على روحه؛
رد بتولُّه:
_مرحبًا رِهام!
*****نهاية الفصل الثالث*****


سعاد (أمواج أرجوانية) غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس