عرض مشاركة واحدة
قديم 25-02-21, 09:06 PM   #125

آمال يسري

كاتبة في قسم قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية آمال يسري

? العضوٌ??? » 462711
?  التسِجيلٌ » Mar 2020
? مشَارَ?اتْي » 946
?  نُقآطِيْ » آمال يسري is on a distinguished road
افتراضي

بملابسه الرياضية السوداء الأنيقة بماركتها المعروفة البارزة على صدر القميص ذو القبعة التي تغطي رأسه، يهرول على الطريق الرصيفي المقابل لشاطئ البحر، بينما سماعات الأذن تصدح بموسيقى صاخبة ليست من تلك التى يحبها؛ لكنها كانت بالنسبة له كافية لتغطي على هذا الضجيج الذي يملأ قلبه، يكاد يشطره، أصوات لم يعد يريد سماعها، وكذب وخيانة، وآهة عالية يتمنى لو فلتت من بين شفتيه لكنها هي الآخرى تعانده، فيزيد من سرعة جريه وتختلط الموسيقى بهذه الحرب داخله فيحس بأنفاسه تكاد تتوقف من فرط ألمه وضيقه وهذا الفكر الذي يؤرق روحه.
صوت الهاتف بنغمته قطع هذه الحرب الطاحنة، شتم بضيق لأنه فتح هاتفه، فالاتصالات بدأت تزداد، توقف بجانب الطريق، جلس لاهثا على أحد الأرائك الخشبية الموجودة بالمكان؛ يحاول تهدئة أنفاسه، أخذ الهاتف من جيب بنطاله، ينظر إلى شاشته، اسم جلال ينير الشاشة فتغضنت ملامحه وتقوس حاجبيه بينما عينيه البنيتين غامتا بضيق لم يداريه قبل أن يضغط للرد عبر سماعة الأذن ليأتيه هتاف جلال:
«متى كنت تنوي أن ترد أحمد!؟»
أغمض أحمد عينيه، يحاول أن يضبط انفعالاته قليلا،ثم أجاب بتمهل:
«وها أنا أجبت..»
رد جلال بصوت مخنوق:
«هكذا ببساطة؟!، لقد قلقت عليك يا رجل..»
أطبق أحمد على شفتيه يكاد يدميهما ثم زفر بصوت عالي وصل إلى جلال قبل أن يرد بكل ببرود:
«نعم هكذا ببساطة ،ثم لا تقلق؛ لست طفل...»
نبرة صوته كانت لرجل آخر غير الذي يعرفه جلال، رجل صوته تكسوه البرودة والجمود، تغاضى جلال عن هذا وقال بعشم صديق ورفيق عمر!:
«أين أنت كي أتي إليك؟!»
«لست بحاجة لأن تأتي، أنا سأعود بأقرب وقت..»
هتف بها أحمد بنبرة لا تحمل إلا مشاعر باردة لم تكن لتصدر منه يوم وخاصة تجاه جلال، مسح الأخير على صفحة وجهه بألم، بينما يجلس على الكرسي خلف مكتبه، ينظر إلى اللاشيء، كلمات أحمد تجعله يشعر بالاحباط وخيبة الأمل، يحس بقطرات العرق تتناثر على جبهته بل كل جسده، تنهد طويلا يحاول أن يستعيد هدوءه قبل أن يرد بتردد يحمل في طياته الكثير من الرجاء:
«أحمد، أخبرتك لم أكن أعرف، يا صديقي أنا...»
وقف أحمد من مكانه، يزيح قبعة الترنج من على رأسه بعنف ثم هتف بصوت مخنوق وغاضب مقاطعا جلال:
« دعنا لا نتحدث فيما مضى، انسى كما نسيت أنا»
ازدرد جلال ريقه يشعر بألم حاد في صدره كأن هناك شيء يمنعه من التنفس قبل أن يقول بألم:
«لا يبدو لي أنك نسيت »
مسد أحمد لحيته براحة يده، ثم أعاد بأنامله خصلات شعره التي فلتت على جبهته قبل أن يرد بنفاذ صبر:
«بلى، فعلت لا تقلق، ولكي أثبت لك ذلك بأقرب وقت سأكون في الشركة لن تطول إجازتي».
استند جلال على مكتبه بيده، يفرك جبهته بتعب قائلا بمزيد من الرجاء:
«إذن دعنا نتحدث قبل أن تعود»
أجابه أحمد بحدة:
«لا حديث بهذا الأمر قلت لك، لا الآن ولا بعد ذلك..»
صوت إعلان إغلاق الخط كان هو التالي لكلمات أحمد، بينما جلال وضع الهاتف أمام عينيه، يحدق فيه بذهول هامسا بصوت مخنوق:
«من هذا الذي كان يحدثني؟!».
وقف من مكانه بعنف ليرتد الكرسي خلفه واقعا على الأرض، يدور في مكتبه كالأسد الجريح، يتساءل هل خسر صديقه الوحيد؟، فيهز رأسه بإنكار ويعود بنظره للهاتف الذي تركه على المكتب لتصدح في رأسه كلمات أحمد وصوته البارد، يشعر بالاختناق أكثر، ثقل يجثم على قلبه، يمسك عنقه، يمسد خلف رأسه يحاول السيطرة على ما يشعر به دون جدوى، زفر بضيق بينما يسير قرب مكتبه ويستند براحتي يديه عليه، ينظر لهاتفه، تمتم بضيق وألم:
«محادثة شات كانت سببا لخسارتي رفيق عمري»
قبل أن يلقي بالهاتف فيصطدم بالحائط و ينزل قطعا صغيرة مفتتة كروحه تماما، أثني جذعه وبيده اليمنى كان يزيح كل شيء على المكتب في عنف.
وقف يمسد خصلات شعره ينظر في الفراغ بينما يسير بتثاقل تجاه الأريكة المتواجدة في أحد أركان مكتبه، تهاوى بجسده عليها، يستند بمرفقيه على ركبتيه بينما يمسك رأسه براحتي يديه قبل أن يقول بصوت مخنوق :
«كله منكِ، كله منكِ»
صوت الباب الذي فتح للتو مقترنا بصوت نورا التي تقول متأففة:
«ما هذا الصوت الذي يخرج من غرفتك، لقد طرقت الباب...»
قطعت كلماته تحدق في أخيها الذي لم تراه يوما هكذا، ثم تتبادل النظرات بينه وبين محتويات مكتبه الملقاة على الأرض بخوف قبل أن تغلق الباب خلفها وتسير تجاهه بلهفة لتجلس جانبه ثم قالت بخوف وهي تربت على كتفه:
«ما بك جلال؟!»
رفع وجهه لها لتقابلها نظرة الألم في عينيه التي جعلت قلبها يرتطم في صدرها ابتلعت ريقها وأنفاسها بدت مضطربة قبل أن تهمس بخفوت والخوف يزداد في قلبها تسأله أن يطمأنها لتجده فجأة يرتمي على صدرها كالطفل الصغير الذي يحتمي في حضن أمه، همس بصوت متحشرج من الحزن:
«خسرته، خسرته يا نورا»
ربتت نورا على ظهره، تضمه لصدرها بحنو، تشعر بأنفاسها تعلو وتهبط وسألته بقلق بينما تحدق في الفراغ:
«من الذي خسرته!؟، احك لي جلال، طمئني»
همسه الخافت وصلها ليشق قلبها ويلقيها بسكين حاد في صدرها:
«أحمد...»
اتسعت عيناها، تحدق في الفراغ، لا تفهم شيء لكن كلمات جلال كفيلة أن تخترق روحها، أغمضت عينيها بقوة تعتصرهما، تحس بالنيران تشتعل في صدرها وكل كيانها، نبضات قلبها تهددها بالرحيل، تشعر بأخيها يضمها كالابن الذي يبحث عن أمانه في صدر أمه فتضمه أكثر لا تعلم أي منهما يشد من أزر الآخر ولا أي منهما يبحث في صدر الآخر عن هدوءه، همست له تحاول أن تنتشله من ألمه بأن ما بينه وبين أحمد لا ينتهى أبدا فيرد بجسده المرتجف على صدرها(بل خسرته) فينتفض كل جسدها كأن هناك لسعة كهربية شديدة لامسته، وتسأله بخوف:
«أخبرني ما حدث جلال!؟»
اعتصر عينيه بينما يجيبها بصوت مخنوق مشددا في عناقها:
«خسرته وكفى»
تكاد دموعها تنهمر وصوت أخيها المتألم يشق روحها فتتناسى كل ألمها وتضمه تخبره بأن كل شيء سيكون بخير!!.
في ذات الوقت بعدما أنهى أحمد حديثه مع جلال ظل يحدق بالهاتف بشرود؛ هامسا بألم:
«وداعا يا صديقي!»
رفع عيناه يتأمل الشمس وهي تغرب، مودعة بدفئها السماء، منظرها البديع وهي تغرب ملقية بسلامها على مياه البحر؛كان قبل ذلك يشعره ببهجة وراحة نفسية، اليوم أحس بغروبها؛غروب قلبه ليشق الظلام بدلا منه!.
صوت اتصال آخر أخرجه من شروده، قوس حاجبيه، وتجعدت ملامحه وهو يرى الرقم الدولي الذي ظهر اسم صاحبته على الهاتف!، ضحكة مريرة قبل أن يضغط على زر عدم الرد لكن الرنين لم يهدأ و لم يمل بل ظل الهاتف يصدح كأنه يصطدم في رأسه، يشعر بمطارق تدق فيه مسببة له صداع يكاد يفتك به، تأفف بضيق مغمضا عينيه بقوة قبل أن يفتحهما و نظرة حانقة تملأهما ثم ضغط للرد وبنبرة غاضبة حادة قال:
« ماذا، ماذا تريدين؟!، لم تتصلي ألم تملي!؟»
صوت مخنوق ونحيب خافت كان يجيبه على الجانب الآخر قائلة بوجع:
« أحمد»
هدر بصوت مخنوق مقاطعا استرسالها في الحديث:
« لا تتصلي، قلت لكِ مرارا انسي وجودي كما نسيتك»
شهقاتها المكتومة وصلته فقابلها قلبه وملامحه ببرود بينما هي ردت بصوت متألم باكي:
« كيف لي أن أنساك، ابني!»
ضحكة ساخرة كانت رده قبل أن يقول في برود:
« لا أذكر أني لي أم، لأنها ماتت من ستة عشر سنة»
ودون أن يترك لها فرصة للرد كان يغلق الهاتف ويضعه بجيب بنطاله في عنف قائلا في حدة:
« كلكن خائنات!».
ثم عاد لما كان عليه قبل أن يتصل جلال؛ موسيقى صاخبة،قبعة ملابسه الرياضية على رأسه؛ يهرول يلقي بطاقته السلبية بعيدا عنه!.
★★★★
يتبع 🥰


آمال يسري غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس