عرض مشاركة واحدة
قديم 27-02-21, 07:14 PM   #11

روز علي
 
الصورة الرمزية روز علي

? العضوٌ??? » 478593
?  التسِجيلٌ » Sep 2020
? مشَارَ?اتْي » 711
?  نُقآطِيْ » روز علي is on a distinguished road
افتراضي


دخلت للمنزل بهدوء قبل ان تشعر بقبضة من حديد تمسك بذيل حصانها من الخلف حتى كادت تقتلع خصلاته قبل ان يقربها امام وجهه وهو يهمس بفحيح خافت
"اين كنتِ يا منحلة بمثل هذا الوقت المتأخر من الليل متناسية بأنكِ تحملين سمعة العائلة بين يديكِ وانتِ تدورين بها بكل مكان تدوسين عليه ، ام تظنين بأنه ليس هناك أي رجال يحاسبونكِ على افعالكِ والتي تجاوزت حدودها"

رفعت (صفاء) كفيها بألم وهي تحاول إفلات بعض من خصلات شعرها والتي تقطعت بين قبضتيه بدون ان تذرف اي دموع وقد اعتادت على هذه المعاملة الفظة من شقيقها الكبير والذي يجدها دائما متنفس عن غضبه المقيت ، قالت بعدها بانتحاب غاضب وهو يشدد من هزها من ذيل حصانها بعنف
"لقد كنتُ عند صديقتي وقد اخبرت والدي بهذا ، لذا توقف عن حشر نفسك دائما بخصوصياتي فأنت لست ولي امري"

امتقعت ملامحه بحنق وهو يحرك عينيه بعيدا عنها بلا مبالاة قبل ان يقترب من اذنها اكثر وهو يهمس بتفكير
"ومن هي تلك الصديقة ، هل يعقل بأن تكون دمية قيس"

عقدت حاجبيها بتجهم وهي تضيق عينيها العسلية بقتامة قبل ان تقول بوجوم خافت
"توقف عن مناداتها بهذا اللقب فهي لم تعد تعيش مع عمي قيس لتلقبها هكذا ، فقد عادت لبيت خالها ولعائلته ولمكانها الصحيح"

تصلبت ملامحه بشراسة وهو يعود لهزها من ذيل حصانها بقوة اكبر قائلا بهدوء ينذر بالشر
"اخرسي يا صفاء واجيبِ هل كانت هي ام لا"

صرخت (صفاء) بانفعال وهي تتلوى بألم بدون ان يرحم خصلات شعرها من قبضته
"لا لم تكن هي بل صديقة أخرى ، واترك شعري فورا فأنت تؤلمني كثيرا إذا لم تكن تعرف"

كان يتنفس بغضب اهوج وهو يرجع ذيل حصانها للخلف مع رأسها قبل ان يتمتم بتصلب جامد
"وماذا عن رسالتي ، هل اخبرتها عنها"

توقفت (صفاء) عن المقاومة بعد ان شلت حركة عنقها وهي ترفع حدقتيها العسليتين والمتسعتين بحزن نحو شقيقها من فوقها ، لتتمتم بعدها بابتسامة شاحبة ببرود
"لم اكن اريد اخبارها ، ولكن ما باليد حيلة لأتخلص منك ومن هرائك وسخافاتك"

صرخ فجأة ما ان انهت كلماتها وهو يرفع كفه الآخر نحوها قبل ان يوقفه صراخ آخر من خلفه صارم بوهن
"توقف يا مازن واترك شقيقتك فورا"

عبست ملامح (مازن) بغضب قبل ان يفلت ذيل حصانها من قبضته بقسوة وهو يخفضها للأسفل بوجوم بدون ان يلتفت لمصدر الصوت من خلفه ، بينما استغلت (صفاء) الفرصة لتبتعد عنه وهي تنظر له بنظرات حادة بحزن لتعدل بعدها من خصلات شعرها البنية والتي انفلتت من ذيل حصانها وهي ترجعها لخلف اذنيها برفق ، سارت من فورها نحو والدها والذي كان ينظر امامه بشرود متجهم لتمسك عندها بكفه المجعدة وهي ترفعها لمستوى وجهها لتقبل ظاهرها باحترام كبير تكنه لهذا الرجل والذي يحمل كل معاني الأبوة بالنسبة لها .

رفع (جلال) كفه ببطء شديد لرأسها وهو يربت عليه بحنية وهدوء اعتادت على الحصول عليها منه منذ ولادتها ، ليرفع بعدها نظراته الواهنة لابنه الكبير والذي ما يزال واقفا بمكانه وهو ينظر لهما ببرود جليدي وكأنه ليس من العائلة فهو حقا لا يحمل اي شيء من بوادر الانتماء لهذه العائلة وهو يثبت له بكل مرة يتقدم فيها بالعمر بأن مجيئه لهذا العالم كان اكبر خطأ يقترفه بحياته للآن ، وكأن ولادة الذكور بالنسبة له هي اكبر نقمة بحياته وليس لتخفيف الأعباء عن الوالدين والاهتمام براحتهما بعد هذا العمر الطويل ، بل من اجل التسبب لهما بالمشاكل على الدوام وزيادة الهموم على الوالدين وكأنه ينقصهما هموم والتي ستجلب له يوما ما ازمة قلبية لن يخرج منها حيا .

حرك (جلال) نظراته بعيدا عن ابنه ما ان تمسكت (صفاء) بذراعه وهي تسحبه معها بعيدا باتجاه الأريكة ببهو المنزل البسيط وهو يسير معها بثبات بدون اي اعتراض وكأنها العصا والتي يرتكز عليها ويسير معها بطريق الحياة الطويلة ، وما ان وصلت به (صفاء) للأريكة الوثيرة حتى ساعدته بالجلوس عليها برفق لتفلت بعدها ذراعه وهي تلتقط علبة الحبوب من على المنضدة الجانبية ، لتُخرج عندها حبة دواء صغيرة منها وهي تعيد العلبة لمكانها قبل ان تمسك بأبريق الماء وهي تسكبه بالكأس بجانبه بحذر ، مدت بعدها قرص الدواء امام والدها وهي تعيد الابريق لمكانه فوق المنضدة قائلة بابتسامة رقيقة
"لقد حان موعد الدواء يا ابي ، وعليك ألا تتأخر بتناوله كما قال الطبيب"

اتسعت ابتسامة (جلال) بشحوب وهي تحفر بوجهه بوهن واضح قبل ان يلتقط قرص الدواء من كفها وهو يقربها لشفتيه ليلقي بها بفمه بصمت وانصياع تام فهو يعلم جيدا نتائج اعتراضه فهي لن تتركه وشأنه قبل ان يتناول دواءه على الموعد المحدد وكما قال الطبيب ، بينما قدمت (صفاء) كأس الماء امامه ليلتقطها منها كذلك وامام نظراتها الحزينة مترافقة مع ابتسامة صغيرة بحنية نابعة من قلبها المفطور على والدها والذي اصبح اضعف واوهن من أي مرة بعد ان سيطر عليه المرض تماما بدون أي رحمة ليظهره اكبر من عمره الحقيقي بكثير .

لم ينتبه احد منهما للواقف بجمود والذي تحرك نحوهما بخطوات متمهلة بثبات قبل ان يرتمي بلحظات جالسا على الأريكة المقابلة لأريكة والده بارتياح وهو يتمتم ببساطة
"اذهبي وحضري طعام العشاء يا صفاء فأنا اشعر بالجوع الشديد ينهش امعائي الفارغة منذ أيام"

عبست ملامحها بامتعاض قبل ان تحيد بنظراتها نحو والدها والذي كان يبتسم لها بهدوء شاحب ، لتنسحب بعدها بعيدا عنهما بصمت باتجاه المطبخ بنهاية البهو بدون ان تعود للالتفات لهما ، ونظرات والدها تلاحقها بتركيز وهو يضع الكأس فوق الطاولة امامه بهدوء ، لينقل بعدها نظراته لابنه البكر وهو يشرد به بتفكير وقد وصل عمره للثامنة والعشرين وهو ما يزال يمرح هنا وهناك بدون ان يحدد هدفه بالحياة او ان يعتمد على نفسه بشيء ، قال (جلال) فجأة بحدة وهو ينظر له بتركيز غامض
"إذاً اخبرني ما لذي اعادك للمنزل بعد ان تركته منذ شجارك مع والدك ، ام تظنه منزلك ترحل منه وتعود إليه ريثما تشاء"

ادار (مازن) عينيه بعيدا عنه وهو يتمتم بابتسامة باردة باستخفاف
"لما كل هذا الغضب يا جلال فهذه ليست أول مرة نتشاجر فيها معا وأغيب عن المنزل ، وايضا لقد قلقت عليك من ان تصيبك نوبة قلبية جديدة ، لذا عدتُ إلى هنا على وجه السرعة لأطمئن عليك ام غير مسموح لي بالاطمئنان على صحتك"

ردّ عليه (جلال) بصرامة قاطعة وهو يسند قبضتيه من فوق ركبتيه
"احترم نفسك يا مازن وتذكر مع من تتكلم يا وقح ، وايضا من طلب منك ان تقلق عليّ او تأتي للاطمئنان على صحتي وانت تعلم بأنك المسبب الرئيسي لحالتي هذه ، ولكن لما اتعب نفسي بكل هذا الكلام ولا شيء يجدي معك ابدا"

اسند (مازن) ذقنه فوق قبضته بكسل وهو يهمس بملل ونفاذ صبر
"انت على حق يا ابي الكلام لا يجدي معي ابدا ، لذا ارجوك ان تتوقف عن تكرار نفس الأسطوانة معي فقد مللت منها حقا"

تنفس (جلال) بهدوء متعب وهو يرفع كفه لصدره المهتز بارتجاف وهو يخفض نظره لقبضته المشدودة بقوة ، قال بعدها بصلابة جادة وهو يعود بنظره لابنه بجمود
"اسمع يا ولد ، سأمنحك فرصة أخرى لتثبت لي حقا بأنك ابني من صلبي ودمي ، وستفعل هذا بعملك معي بدار النشر ولا يهمني الوظيفة والتي ستعمل بها هناك فأهم شيء عندي ان يتوقف هذا التهريج عند حده ، وهذه المرة اي خطأ سيصدر منك لن تتوقع عندها ما ستكون عليه ردة فعلي"

التفت (مازن) بوجهه نحو والده ببطء شديد وهو ينظر له ببرود قبل ان يقول بغموض خافت
"أنسيت ماذا حدث يا أبي بآخر مرة عملتُ فيها معك بدار النشر الخاص بك"

تصلبت ملامح (جلال) وهو يتمتم بحزم قاطع
"لن يتكرر هذا مجددا لأني هذه المرة سأضع لك قوانين صارمة وانت عليك بالالتزام بها لتستطيع عندها العيش معنا بهذا المنزل ، وهذا هو الثمن والذي عليك ان تدفعه لأتقبل وجودك معي بمنزلي وغير هذا لا تتوقع مني ان ارحب بك بالمنزل"

كان (مازن) ينظر له ببرود جليدي بدون ان يظهر على ملامحه اي تعبير مقروء ، ليتابع بعدها والده كلامه وهو يقول بجدية هادئة
"وشيء آخر لقد وجدت لك الزوجة المناسبة لنا تماما والقريبة من مستوانا ، لتستطيع معها الاستقرار بحياتك اخيرا وتحمل بعض مسؤوليات الحياة بجانبها ، فقد اصبحت بعمر مناسب جدا لتبني عائلة خاصة بك وتحضر الاولاد...."

قاطعه (مازن) بجفاء حاد وهو ينظر بعيدا عنه
"طلبك مرفوض"

ردّ عليه والده بانفعال حاد وهو يحرك ساقيه بعصبية بالغة
"ولما ترفض اخبرني ، ما لمانع بزواجك وجميع من هم اصغر منك سنا قد اصبح لديهم عائلة كاملة لا ينقصها شيء ، بينما انت تضيع سنوات حياتك بلا شيء ، ام لا تريدني ان افرح بأحفادي قبل موتي"

ابتسم (مازن) بسخافة وهو يقول ببرود مستفز بدون ان ينظر إليه
"بعيد الشر عنك يا كبير العائلة ، ولكني لا اريد الزواج الآن بل سأتزوج بالوقت الذي أراه مناسبا لي ومع الشخص الذي أراه يناسبني ، فهذه الحياة تخصني انا وحدي ولا احد يستطيع التدخل بها"

ادار (جلال) وجهه بعيدا عن ابنه وهو يتنفس بإنهاك وببعض الصداع والذي اصبح يداهمه مؤخرا بكل مرة يدخل بجدال مع ابنه والذي لا يفهم كيف هي طبيعة تفكيره ابدا ؟ بينما شرد (مازن) بأفكاره بعيدا جدا وهو يشعل سيجارة اخرجها من جيبه وهو يشعلها بعود كبريت لينفث بعدها دخانها بشرود وابتسامة جانبية خبيثة تعلو ملامحه ببطء وكل ما يدور بذهنه الآن هي صورة عينان بحريتان تنظران له بكل كره العالم اعتاد على رؤيتهما فيها منذ سنوات طويلة حتى اصبحت جزء من ممتلكاته الخاصة منذ الأزل ولن يتنازل عنها بسهولة مهما حدث .

____________________________
كانت تسير بخطى متخاذلة باتجاه بوابة المنزل الداخلية بعد ان اجتازت البوابة الخارجية بصمت قاتم ونظراتها معلقة بالأرض والتي تدوس عليها بهدوء كهدوء الليل من حولها وهي تشعر بكل الأعباء والتي كانت تتحملها لسنوات تزداد حملا على ظهرها حتى كادت تقسمه لنصفين وجميع خيوط الأمل والتي كانوا يملكونها من قبل قد بدأت بالتسرب من بين ايديهم تدريجيا حتى لم يتبقى لهم شيء يتشبثون به للنجاة بهذه الحياة ، توقفت بهدوء امام درجات السلم القليلة للباب وهي ترفع كفها بهدوء لتمسح بها عينيها الخضراوين بتشوش اصبح يغيم على نظراتها بعد يوم طويل متعب من التنقل بين المدارس الواحدة تلو الأخرى املاً بالوصول للمدرسة والتي تتقبل وجودها فيها ، اخفضت بعدها كفها لترفع قدمها بثبات وهي تحاول صعود الدرجات بكل ما تستطيع من اتزان فقدته بأثقال الحياة ليتحول لاختلال احتل كل طرف من اطراف جسدها المنهك .

لم تنتبه عندما توقفت بسبب الجسد والذي اعاق عليها الطريق وهو يظهر امامها فجأة عند آخر عتبة صعدتها للتو ، ليختل عندها توازنها تلقائياً وهي تتراجع للخلف درجتين من السلم ودوار طفيف بدأ يلفها بقوة مانعا لها من استرجاع توازنها والتشبث بالأرض والتي بدأت تشعر بها تطير بعيدا عن قدميها .

"روميساء افيقي ، هل انتِ بخير"

تغضنت ملامحها بشحوب عندما اخترق الصوت الهادئ بصرامة غمامة دوارها والتي شوشت ذهنها تماما ، لتفتح بعدها عينيها بضيق نصف فتحة ليقابلها عينين رماديتان معتمتين بقتامة تنظران لها بقوة اخترقت هشاشة عينيها الشاحبة وبعض الاحمرار كان يغزو بعض اطراف احداقها المستديرة ، بينما كان (احمد) شارد بشحوب ملامحها الواضح وهالات سوداء طفيفة تحتل اسفل عينيها وفوق جفنيها الواسعين لتحيط بهما حدقتيها الخضراوين مع الاحمرار والذي زاد فتنتهما .

انتفضت (روميساء) بسرعة وهي تفتح عينيها على اتساعهما بانشداه لتخفض عندها نظرها للأسفل وهي تكتشف بأنها محمولة بين ذراعيه بدون ان تشعر ، لتقول بعدها بضيق وببعض الوجل
"لو سمحت هلا انزلتني للأرض رجاءً ، لأستطيع الوقوف لوحدي"

افاق (احمد) من افكاره قبل ان ينظر للأسفل بتفكير وهو يتمتم بوجوم
"هل حقا تستطيعين الوقوف لوحدكِ الآن لأنك كدتِ تقعين عن درجات السلم من صدمة رؤيتكِ لي ، وانا حتى لم ألمسكِ بجسدي بعد"

تنفست (روميساء) بإنهاك وهي تلعن حظها والذي يجعلها دائما تتقابل مع نفس الشخص وبكل مرة تصطدم به لتكتمل صورتها الخرقاء امامه ، قالت بعدها بحدة خافتة وهي تحاول التلوي بضعف بين ذراعيه
"ارجوك يا سيد احمد انزلني ، منظرنا هكذا لا يليق ابدا بسمعة عائلتك وقد يظنون بنا السوء"

تجهمت ملامح (احمد) وهو يشدد من ضم جسدها اكثر وكلمة سيد تضرب لباقته معها بالصميم ، ليقول عندها بجفاء وهو ينظر لها بقوة
"ولكنها عائلتكِ انتِ كذلك ، وهذا يعني بأن سمعتكِ انتِ ايضا ستتأثر"

اتسعت عينيه الرمادية بتركيز وهو ينظر لارتجاف حدقتيها بخضار باهت قبل ان تهمس بشرود حزين استشفه بصوتها المنغم
"لن تتأثر اكثر مما هي متأثرة به يا سيد احمد"

عاد (احمد) لعبوسه وهي تصر على مناداته بلقب سيد وبكل مرة يشعر بنفس الصدمة وكأن احدهم قد ضربه على رأسه للتو بمطرقة من حديد ، ليقول بعدها بتصلب وهو يبتسم بصعوبة امام نظراتها الحائرة
"إلى متى ستبقين تناديني بلقب سيد وكأني شخص غريب عنكِ"

انفرجت شفتيها الممتلئتين ببلاهة وهي تهمس بانشداه
"ماذا..."

قاطعها صوت انثوي بارتفاع وهو يقول من خلفه عند باب المنزل بقوة
"احمد ماذا تفعل..."

ابتلعت (سلوى) المتبقي من كلامها بصدمة وملامحها تتحول بلحظة للغيض الشديد والذي ينبأ على نواياها بأحراق الاخضر واليابس من حولهما وهي تنظر لزوجها يحمل ابنة خاله بين ذراعيه بكل اريحية ، بينما تمالكت (روميساء) نفسها وهي تتملص بين ذراعيه بشراسة وقوة تداهمها لأول مرة من فعل الصدمة والخوف من هيئة زوجته الشرسة والتي تبدو عليها إمارات الجنون ، ليفلتها بعدها (احمد) رغما عنه بهدوء وهو ينزلها على الأرض برفق شديد ، وما ان فعل هذا حتى ابتعدت (روميساء) بسرعة عنه وهي تدفع ذراعيه بعيدا عنها لتعدل من خصلات شعرها السوداء للخلف بارتباك .

تقدمت (سلوى) نحوهما عند مدخل المنزل بخطوات جامدة ونظراتها معلقة ب(روميساء) بتركيز حاد ، لتقف بعدها امامهما وهي تنقل نظراتها بينهما ببرود جليدي يخفي من خلفه الكثير ، وما ان كانت على وشك الكلام بجنون ظاهر بوضوح على ملامحها حتى قاطعتها (روميساء) وهي تقول بخفوت شديد بدون ان تنظر أليهما
"عن اذنكما"

انسحبت بعدها بسرعة بعيدا عن نظراتهما قبل ان تسمع اي تعليق منهما وهي تشعر بأن قوتها قد خارت تماما امام كل هذا الضغط والذي تعرضت له لليوم ولا ينقصها المزيد من الشد والعطا مع اي فرد من افراد العائلة الغريبة بكل شيء يصدر منهم .

صرخت (سلوى) فجأة وهي ما تزال تتابع مسار خطواتها من مكانها
"توقفي بمكانكِ يا ابنة المجرم فأنا لم انهي كلامي معكِ بعد ، إياكِ وأن تتجاهليني..."

قاطعها (احمد) وهو يمسك بذراعها بصرامة حادة
"اتركيها وشأنها يا سلوى فهي لم تفعل شيء لتحقدي عليها هكذا"

استدارت نحوه بعنفوان مشتعل وهي تدفع كفه بعيدا عنها وبعد ان اختفت (روميساء) عن انظارهما بداخل البهو الواسع ، قالت بعدها باستهزاء واضح وحدقتيها تنظران له باشتعال ناري
"ومن الذي فعل إذاً ، هيا اجبني يا احمد من الذي كان يحمل تلك الفتاة بين ذراعيه وامام مدخل المنزل ايضا وكأنه كان ينتظر مجيئ الاميرة للمنزل بفارغ الصبر"

امتقعت ملامحه فجأة من كلامها السافر بحقهما قبل ان يقول باستنكار حانق
"اخرسي يا سلوى واسمعي ما سأقوله لكِ قبل ان تحكمي على ما حدث من تفكيرك المريض وما يوهمه لكِ به عقلكِ الصغير ، فهذا الكلام لا يخرج ابدا من زوجة محترمة تثق بزوجها اكثر من نفسها"

عضت (سلوى) على طرف شفتيها بغيض وهي تكتف ذراعيها فوق صدرها لتهمس بعدها بعصبية بالغة
"وماذا تتوقع مني ان افعل مثلا وانا أرى زوجي يحمل فتاة أخرى بين ذراعيه"

حرك عينيه بعيدا عنها بملل وهو يقول بتصلب مشتد
"كان عليكِ الاستفسار اولاً والسؤال قبل ان تطلقي لسانكِ الأحمق كالمبرد ، وبالمناسبة تلك تكون ابنة خالي وليست فتاة غريبة"

عقدت حاجبيها بحدة وهي تهمس بحقد دفين بدون ان تمنع نفسها
"ولكنها بالرغم من ذلك تبقى فتاة غريبة عن العائلة ومن بيئة ومستوى مختلف عنا تماما ، وهذا النوع يستطيع جذب اعجاب الجنس الآخر له بكل سهولة وباستخدام حيلهن الرخيصة والمقنعة للرجال الاثرياء"

ارتفع حاجبيه بصدمة وهو يستمع لصوتها الساخر بعدم تصديق ، ليقول بعدها بشراسة وهو يرفع كفه ليمسك بذقنها بقسوة ليديره نحوها بقوة
"أتسمعين نفسكِ وانتِ تتفوهين بهذا الكلام والذي لا يخرج ابدا من امرأة محترمة ، لقد سامحتكِ على لقب ابنة المجرم والذي اطلقته عليها ولكن اي تجاوزات أخرى بحقها لن ارحمكِ بها ابدا يا سلوى ، وإذا كررتِ هذا الكلام امامي مرة أخرى فلن تتوقعي عندها ردة فعلي"

ردت عليه بعبوس حانق
"كل هذا من اجل ابنة المجرم ، انا لم اقل شيئاً سوى الحقيقة والتي عليكم جميعا تقبلها..."

قاطعها بصراخ مرتفع ارجف بدنها وهو يخرج منه لأول مرة
"كفى"

صمتت (سلوى) بالفعل ليدفعها (احمد) من ذقنها بعيدا بالجهة الأخرى بقسوة قبل ان يسير بعيدا عنها بثبات وهو يحاول ضبط اعصابه والتي انفلتت منه لأول مرة وهو المعتاد على وقاحة زوجته وطول لسانها منذ فترة طويلة ليفقد عندها اعصابه دفعة واحدة ما ان اخطئت بالكلام بحق (روميساء) امامه ، بينما كانت (سلوى) تصرخ من خلفه بانفعال متشنج
"انتظر يا احمد واسمع ما سأقوله ارجوك ، فأنت لا تفهم ما اريد ان اوصله لك"

ولكن (احمد) كان قد تجاهلها تماما وهو مستمر بالسير بعيدا عنها قبل ان يختفي عن نظرها تماما بداخل ظلام البهو الموحش ، لتضرب بعدها أرض المدخل بقدميها بغيض مشتعل وهي تتنفس بقوة ولهيب ، ولأول مرة بحياتها تشعر بالنقص بجانب زوجها المثالي والذي لن يكمله سوى وجود طفل صغير يحمل اسمه ويضمن بقاءها معه بهذه العائلة ، فيبدو بأن تهديد خسارته قد اصبح قريبا جدا بعد خمس سنوات من العيش معه بثبات وهدوء وبدون اي اطفال يحملون لقب العائلة .

______________________________
فتحت باب الغرفة بهدوء ليقابلها سريرين منفصلين بجانب بعضهما البعض مع ردهة واسعة بالغرفة والتي اقل ما يقال عنها بأنها اجمل غرفة رأتها بحياتها وهي تجمع منزل بأكمله بغرفة واحدة والمتناقضة تماما عن شكل غرفتهما السابقة والتي لا تصل لربع هذه الغرفة ، استمرت بالتنقل بنظرها بزوايا الغرفة بانشداه منبهر قبل ان تصل بنظرها للتي كانت تتوقع رؤيتها بأية لحظة وهي تأخذ حيزا كبيرا بحياتها ومن لم تبارح تفكيرها منذ خسارتها للعمل ، فكل آمالهما والتي رسماها معا ضاعت بخسارتها للعمل نهائياً .

ابتسمت بحزن وهي تنظر لجلوسها المتكور بمنتصف السرير كعادتها وهي تدفن وجهها بين ساقيها لتطوقهما بين ذراعيها وشعرها متحرر حول رأسها وكأنها بهذه الطريقة تفصل نفسها عن العالم من حولها بدون ان تعرف السبب لتعلقها بهذه العادة ، وهي من طلبت من الخدم تجهيز غرفة مشتركة لهما بدلا من فصلهما كل واحدة بغرفة فهي لن تستطيع ان تنام براحة قبل ان تطمئن على شقيقتها الصغرى والجزء الملتصق بها دائما منذ ولادتها .

تقدمت (روميساء) نحو سريرها بحذر قبل ان تقف بجانبها تماما لتمسك عندها برأس شقيقتها بذراعها وهي تعيده للخلف لتسنده بذراعها الآخر وهي تعيد جسدها للخلف على طول السرير قبل ان تضع رأسها فوق الوسادة برفق شديد ، استقامت بعدها بوقوفها وهي تمسك بساقيها بكفيها معا لتحنيهما على استقامتهما بهدوء لتريحهما على ملاءة السرير من تحتها .

تنهدت (روميساء) بهدوء وهي تحدق بوجهها المتصلب الساكن حتى بنومها والذي لم يمنع جمال ملامحها الباردة من الظهور امامها ليذكرها دائما بصورة والدتها والتي حفرت بداخل شقيقتها الصغرى كوصم لا يزول ، جلست بعدها على طرف السرير لترفع كفها بهدوء وهي تربت على خصلات شعرها بصمت قاتم دام لدقائق ليتضامن مع سكون المكان من حولها بالغرفة الموحشة والشبيهة بغرف القصور ، وما ان كانت ستبعد كفها عن رأسها حتى شعرت بكف تمسك بمعصمها بقوة قبل ان تلتفت بسرعة نحوها بصدمة وهي تكتشف عدم نومها للآن ، وهي التي نسيت بأن (ماسة) غير معتادة على النوم بوقت مبكر وقبل موعد منتصف الليل .

استقامت (ماسة) بجلوسها من على السرير وهي تنظر لها بأحداق قاتمة بتركيز قبل ان تفلت معصمها وهي تهمس بجمود خافت
"لما تأخرتِ بالعودة للمنزل"

ادارت (روميساء) وجهها بعيدا عنها وهي تقول بابتسامة شاحبة
"لقد تأخرتُ بالعمل ، ولم يكن عليكِ انتظاري لهذه الساعة بل كان عليكِ الخلود للنوم من اجل الاستيقاظ مبكرا للذهاب لجامعتك غدا"

عقدت حاجبيها بتفكير وهي تقول بوجوم حاد
"لما تكذبين عليّ ولا تصارحيني بالحقيقة ، وبأنكِ قد خسرتِ عملكِ بالمدرسة بسبب سمعة بنات المجرم"

زمت (روميساء) شفتيها الممتلئتين بمرارة وهي تشعر بنفس الألم والذي شعرت به عندما اعلموها بطردها من العمل بكل دناءة واجحاف وبدون سماع اي تبرير يخصها وكأنهم قد سلموا بالأمر وبأنها مجرمة مثل زوج والدتها ، لتلتفت بعدها بسرعة نحو (ماسة) ما ان نطقت بكل شر وكل الحقد متجمع بحدقتيها القاتمة
"إذاً فقد فعلوها الأنذال وهذا ليس بعيد عنهم ، ما ان خسرتِ دعم قيس والذي ضمن لكِ الوظيفة حتى تخلوا عنكِ فورا وبدون أي تفكير بالعشرة وكل الوقت والذي قضيته بخدمة مدرستهم العتيقة ، فما كان يدفعهم لتوظيفكِ هو الخوف من بطش قيس فهو بالنهاية رجل عصابة لا يستهان به وليس من الجيد قلبه ضدهم ، فكل ما يهمهم هي السمعة والمظاهر بدون ان ينظروا لماضيهم الأسود والملطخ بالعار"

اتسعت عينيّ (روميساء) بجزع قبل ان تمسك بكتفيها بقوة وهي تتمتم بصرامة حادة
"إياكِ وان تفكري بفعل اي حركة خرقاء نحوهم ، فهذه ليست المدرسة الوحيدة بالعالم والتي سأتوظف بها ، وخسارتي للعمل عندهم ليس نهاية العالم"

عبست ملامح (ماسة) وهي تقول بجفاء بارد
"حقا ليست المدرسة الوحيدة ، اراهن بأنكِ لم تجدي للآن المدرسة والتي توافق على توظيفك"

ضيقت (ماسة) عينيها الزرقاء بحدة وهي تنظر لملامح شقيقتها الحزينة والقريبة للانكسار والتي كانت تتوقعها طول اليوم فهذه هي نتائج السمعة السيئة والتي عانوا منها كثيرا فيما مضى وللآن ما تزالوا تؤثر على حياتهما بسلبية ، قبضت بعدها على كفيها بقوة وهي تهمس بلا تعبير فقط حدقتيها تنظران بعيدا بشرود
"لقد قررت يا روميساء ، انا سأعمل"

رفعت (روميساء) نظراتها نحوها بعدم تصديق لما تسمعه منها لأول مرة ، لتنطق بعدها باستنكار واجم وهي تشدد من القبض على كتفيها
"هل جننتِ يا ماسة ، تريدين ان تعملي بهذا السن بدلا من ان تهتمي بدراستكِ الجامعية والتي تكون أهم عندكِ من كل اعباء العمل"

ردت عليها (ماسة) ببرود وهي تدير احداقها نحوها بلا مبالاة
"وما لمانع وانتِ كنتِ تعملين بالماضي بمحلات بقالة بسن الخامسة عشرة فقط"

صمتت (روميساء) بوجوم حزين للحظات والذكريات السوداء بدأت باجتياحهما لتكون ثالثهما بالغرفة الموحشة بسكون ، قالت بعدها قاطعة الصمت الطويل بقوة وحزم
"ولكنكِ تعلمين جيدا ما لظروف والتي كنا نمر بها بوقتها والتي ارغمتني على العمل ثمن العيش بمنزل يحتوينا بسلام ، ام تظنيني كنتُ سعيدة بذلك العمل"

اخفضت (ماسة) عينيها بهدوء وهي تتمتم بابتسامة غامضة
"ولكنه يبقى افضل من العمل خادمة تحت اقدامهم حتى اصبحتُ بساط قذر تحت افعالهم الدنيئة"

عقدت (روميساء) حاجبيها بريبة وهي ما تزال تدلك على كتفيها بهدوء هامسة بخفوت
"ماذا قلتِ للتو"

رفعت (ماسة) رأسها بسرعة وهي تبعد كفيها عن كتفيها بصمت قبل ان تتمتم بتصلب
"كنتُ اقول بأنني سأعمل وهذا القرار لا رجعة فيه ، وحتى تجدي عمل جديد بمدرسة أخرى انا لن افكر بترك العمل ابدا ، فهذا الحال لم يعد يطاق ابدا فأما ان نرحل من هنا بمهلة اسبوع لا اكثر ، وأما ان نعود لمنزل قيس فأنا اُفضله اكثر من هذا القصر الموحش كأصحابه والذي لا يمت بالبيئة الوضيعة والتي تربينا عليها بصلة"

زفرت (روميساء) انفاسها بإنهاك وهي ترفع كفها لجبينها لتمسد عليه بهدوء وتفكير ، قالت بعدها بلحظات بابتسامة هادئة بتعب
"حسنا يا ماسة سأدعكِ تنفذين ما برأسكِ ، ولكن هذا سيحدث بشرط وهو بأنكِ لن تحاولي العمل بأي مجال قبل ان نفقد الأمل تماما بإيجاد مدرسة توظفني عندها"

حركت (ماسة) رأسها بشرود صامت بدون ان تنظر لها وهي ساهمة بعالم آخر بعيدا عن الجميع ، لتنهض بعدها (روميساء) عن طرف السرير وهي تنظر لها بوجوم قبل ان ترفع كفها لتربت على رأسها بصمت وهي تهمس بخفوت مبتسم
"تصبحين على خير يا ماسة"

لم تردّ عليها (ماسة) بشيء وكأنها لم تعد تسمع اي شيء مما يدور من حولها وهي تنظر بعيدا عنها بتجمد حول ملامحها للرخام البارد ، لتنسحب بعدها (روميساء) ببطء وهي تخفض كفها عن رأسها قبل ان تخلع الحقيبة عن كتفها لتلقي بها على السرير بإهمال ، بينما عادت (ماسة) لتطويق ساقيها بذراعيها بقوة وهي تتنفس باضطراب متهدج ملئ سكون الغرفة بصوت انفاسها الباردة .

مرت لحظات واجمة على كليهما قبل ان تحيد بنظراتها نحو (روميساء) والتي كانت تُخرج ملابس مريحة من حقيبة ملابسهما والملقاة ارضا بزوايا الغرفة لتتجه بعدها للحمام الملحق قبل ان تقفل الباب من خلفها بهدوء ، اخفضت بعدها نظراتها بضعف لا تظهره سوى امام نفسها عندما تحاصرها هموم الحياة ومشقاتها وعندما تلفها الوحدة لتكون انيسها الوحيد طول الليل ، فلن يستطيع اي احد ان يفهمها اكثر من وحدتها والتي تعاملت معها منذ سنوات وهي تُخرج لها كل ما يعتمل بصدرها بدون اي خوف بعيدا عن حياة شقيقتها والتي دائما ما تكون حافلة بمواجهة العالم من الخارج بينما هي محبوسة بجدران خدمة ابشع المخلوقات على سطح الأرض .

رفعت ذراعها بارتجاف نحو نظرها وهي تبتسم بهدوء لعلامات طبعت بداخلها لتبقي آثارها على ذراعها وهي عبارة عن حروق صغيرة منتشرة على طول بشرتها بفعل سيجارة كان يطفئها ببشرة ذراعها كعقاب على عصيان اوامره حتى تحولت لخريطة ستلاحقها لبقية حياتها القادمة لتذكرها بدناءة البشر وما يحملونه بقلوبهم من بشاعة سيفيض بها سطح الكوكب بأكمله .

نهاية الفصل.............


روز علي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس