عرض مشاركة واحدة
قديم 04-03-21, 09:05 PM   #140

آمال يسري

كاتبة في قسم قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية آمال يسري

? العضوٌ??? » 462711
?  التسِجيلٌ » Mar 2020
? مشَارَ?اتْي » 946
?  نُقآطِيْ » آمال يسري is on a distinguished road
افتراضي جئت إلى قلبك لاجئة

الفصل الثامن.
★★★★
فرحة مقيدة
★★★★
على شاطيء البحر حيث رماله التي تسحبها المياه لداخلها، ألقى بجسده المنهك، يستند بيديه على ركبتيه، يحاول أن ينتزع نفسه من تلك الحروب الطاحنة التي تكاد أن تشق صدره، لكنها كلها محاولات فاشلة لا تزيده سوى ألم ووجع، لامس بيده الرمال التي تختلط بالماء وتنسل من تحت يده فتبسم بشحوب بينما يهمس بخفوت:
ألا يمكن أن يزاح ألمي من صدري كتلك الرمال وهي تتسرب من أسفل يدي»
ابتلع غصته بينما تقبض يده بقوة على الرمال مغمضا عينيه قبل أن يزفر مطلقا أنفاسه الغاضبة ملقيا إياها من يده ويستند برأسه على ركبتيه، يتمنى زيارة الهدوء له، فحتى صوت الأطفال الذين يلعبون حوله لا يستطيع إخفاء حروب رأسه..
همس بوجع:
«ارحلي عن رأسي سمر!»
فتجيبه نظرتها الهاربة من عينيه، صوتها وكلمات بشات صديق عمره، انحناء رأسها، ذلها الذي لم يكن سوى تأكيد على كل ما يفكر به، لكن هل حقا لجلال ذنب بما فعلت!؟؛ يعلم جيدا بأنها ليست خطيئته؛ لكن سمر ستظل بينهما طوال العمر، خطيبته فضلت صديقه عنه ولو لم تعلم هي أو يعلم أحد بذلك!!..
صوت جلال المعتذر المترجي بأن يفهمه يصدح في رأسه، فيرفع وجهه يحدق في مياه البحر التي ترتطم أمواجها ببعضها كأنها تشاطره غضبه، يتنهد بصوت عالي هامسا في نفسه بألم؛ أعطني حلا واحدا كي أنسى صديقي؛ أن لا تشتعل النيران في صدري، فكلما ذكرت اسمك لمحت خيبتي فيه، رأيت في وجهك خيانة سمر لي، رأيت وجعي!!، أصبحت بيننا تلك الهوة التي لا أعلم كيفية إغلاقها؛ ليت كل هذا ما حدث يا صديقي، ليتها ما كانت بيننا، ولا ذكر اسمها قرب اسمي يوما، اخترتها بعقلي كي لا أخسر فكانت خسارتي أضعاف، ظننتها ستكون عوضا لي عن كل ما عانيته فكانت استكمالا لمأساتي، حين التقيت بها قلت أخيرا وجدت من ستفهمني، من عالم غير العالم الذي صفعت منه يوما… !، نحيت قلبي وقلت بأن العقل سيسعفني ويرشدني وما كان منه إلا أن ألقى بي في جحيم لا يهدأ.
مسح وجهه بكفيه، يحس بروحه تكاد تغادره، يتعلق بالسماء برجاء هامسا بألم مناجيا الله..
صدح صوت الهاتف لينتشله من شروده وأفكاره، أخذه من جيب بنطاله قبل أن ينظر لشاشته بوجوم، واحساس القهر يتزايد فيضغط على زر عدم الرد بعنف ويضعه مرة أخرى في جيبه هامسا بصوت مختنق..
« نسيتك، نسيتك، تنازلت عنكِ كما فعلتِ أنتِ».
أغمض عينيه بقوة، يتمنى لو نسى، لو أنه فقد ذاكرته بتلك الفترة، لكن هل كل ما يتمناه المرء يدركه؟، فتح عينيه بتمهل بينما ترتسم أمام مخيلته مأساته التي مر عليها أكثر من ستة عشر سنة.
« إذن تعلنين تنازلك عن أحمد يارقية!»
قالها أبيه بينما يتوسط غرفة نومه وتقابله زوجته فيما كان أحمد ذو العشر سنوات يتجمد في وقفته على باب الغرفة يحدق في ظهر أمه مشدوها!!
أجابت بصوت مرتجف:
«نعم أتنازل»
قال أبيه فيما يضع يديه بجيب بنطاله يناظرها بغموض:
« لن تريه مرة أخرى يارقية»
أجابته بقهر:
«أعلم… فقط أطلق صراحي»
دمعاتها التي تنهمر على وجنتيها بصمت كاتمة صراخها، تريد تحررها، تريد الهواء، فقط تريد سماع صوت مفتاح السجن الذي تتمناه الآن أن يصدح برأسها وتطير بجناحيها..
«أنتِ طالق، طالق، طالق»
ثلاث رصاصات أطلقوا في رأس أحمد وليس برأسها وهو يسمعها تضحك بهستريا تهتف بصوت مخنوق:
«أخيرا تحررت، أخيرا»
همس بصوت خفيض باكي:
« وأنا يا أمي، ستتركيني»
قال زوجها بتعالي:
« تستطيعين الذهاب لحبيبك!»
ضيقت حاجبيها بتساؤل، ليرد هو باستهزاء:
« هل تظني بأنني لا أعلم بعودة حاتم وبأنك تريدينه لذلك طلبت الطلاق وتنازلت عن ابنك الوحيد لأجله»
هزت رأسها في عنف تنكر ما قال هاتفة به:
«أنت مريض، أنا لا أعرف أن حاتم عاد بل لم أره ولم أعلم عنه شيء منذ تزوجتك»
اختنق صوتها أكثر فيما تضيف:
«أنت رجل مريض بحاجة لعلاج رمزي، إذهب لطبيب يكشف على عقلك»
كبت غضبه وهو يرى ملامح ابنه الذي سمع كل كلمة تحت ناظريه فيما هدر صوت الصغير:
« أبي ليس بمريض»
ارتعش جسدها فيما ترى أحمد يجري على أبيه، تحس بأن جدار صلابتها تهدم، الأرض تهوى وتسحبها داخلها، دوار رهيب هذا الذي تشعر به الآن، فلقد تركته مع جارتها!، اتسعت حدقتاها في ذهول فيما ترى ابنها يخفي وجهه بحضن والده الذي تلقفه بين ذراعيه.
« أحمد»
قالتها رقية بصوت مترجي مرتعش يكاد لا يجمع الحروف ليرد هو بصوت باكي مختنق فيما يتمرغ في صدر أبيه:
«أنتِ لا تريديني؛ لا تحبيني، أنتِ تنازلتي عني لأجل غريب»
نزلت بركبتيها قربه تحاول أن تأخذه من بين ذراعي رمزي الذي يناظرها بتشفي وقالت بوجع فيما كانت دمعاتها كالسيل الجارف:
«أحمد،كيف لا أحبك، أنت قطعة من قلبي، لم أتنازل أقصد سأعود لأخذك»
حاولت تهدئة أنفاسها دون مقدرة على ذلك فيما تتابع بصوتها المختنق:
« افهمني ابني، لم أتنازل»
رد ببكاء يقطع نياط القلب:
«بل تنازلتي عني، سمعتك، وأنا أيضا تنازلت عنكِ!»
كان جسدها كريشة تعصف بها الرياح بعد كلمة أحمد ابنها وحبيبها، هتفت برجاء تمد يدها تحاول أن تلمسه:
« ابني لا تصدق كلامهم عني»
فأجابها باكيا، يبتعد بجسده عنها:
« كنت لا أصدقهم قبل ذلك اليوم صدقت...».
زفر بصوت عالي ينتزع نفسه من ذكرياته المؤلمة التي تغزوه كل مرة أشد من المرة التي تسبقها، لملم خصلات شعره المبعثرة بفعل هواء الخريف قبل أن يقف من مكانه ويسير بثقل كثقل أحماله.
ضربة كرة في صدره جعلته يتأوه بخفة فيما ينحني ويأخذها من الأرض بعد ارتطامها بها ونظرة راضية وابتسامة خفيفة تداعب شفتيه لم يستطع منعهما رغم كل ما فيه!.
«عمو، نعتذر عن اصطدام الكرة بك، هل أعطيتني إياها؟».
هتفت بها الفتاة السمراء الصغيرة ذو الشعر المجعد!.
نزل أحمد على ركبتيه يبتسم لها بينما يعطيها الكرة ويمازحها:
« بعد صدمة الكرة بي كان علي أخذها!»
زمت الفتاة شفتيها قبل أن ترد برجاء واعتذار:
«عذرا عمو هذا خطئي، لم انتبه وأنا ألقي بالكرة»
ضحك أحمد برواق فيما يراها تحتضن الكرة قبل أن يقول وهو يداعب خصلات شعرها:
«لا بأس..»
صمت لحظة ثم قال:
« ما اسمك!؟»
قالت بابتسامة بريئة:
«وردة»
همس متعجبا {تشبهين ياسمينتنا} ثم قال:
«أنتِ جميلة وردة»
أجابته:
«شكرا لك» ثم صمتت لحظة تتعلق بشعره فضيق حاجبيه بتساؤل.
فقالت ببراءة:
« وأنت عمو شعرك رائع؛ طويل وناعم، كنت أتمنى أن يكون شعري مثله»
زمت شفتيها فيما تعبس بوجهها تحت أنظاره المعجبة ببرائتها وطلاقتها بالكلام فيما تابعت هي بينما تلمس خصلات شعرها:
« شعري طويل لكنه مجعد كثيرا»
ضحك بانطلاق فيما يتعلق بوجهها ثم قال بحنو مفرط:
« لكن شعرك جميل جدا، يليق بك وردة»
همست تضم الكرة لصدرها:
« وهو مجعد هكذا!؟»
أجابها ببسمة واسعة:
«بلى، أنت فاتنة» وتنهد طويلا قبل أن يتابع:
«تشبهين إحداهن»
قالت مستفسرة:
«زوجتك!»
أطبق على شفتيه بقوة يحس بالألم يريد زيارته لكنه نفضه بعيدا فكأن الله أرسلها له كفاصل من أوجاعه، قال بعد تنهيدة طويلة:
«بل أختي!»
كلمة من أربعة حروف، قالها كي يوضح للفتاة من هي صاحبة الشعر المجعد!؛ كلمة تبدو عادية ليس بها شيء لمن يسمعها أو حتى ينطقها، لكنها بالنسبة له تلك اللحظة مزلزلة لكيانه، وإن حاول افتعال غير ذلك، كلمة أشعلت نيران الحنين لحياة مكتملة وأسرة حقيقية يفتقدها، زفر بقوة ينتزع نفسه من تلك المشاعر الغريبة فيما تساءلت الفتاة:
« أختك صغيرة مثلي هكذا؟»
وكأن خنجر مسموم رشق لمنتصف صدره، تعيد الكلمة السحرية عليه وتضيف لها وجع لا يتحمله فهو لا يعلم إلى أين وصلت ولا بأي مرحلة ولا حتى وقت جاءت لقد كانت صغيرة عمرها لا يتعدى عدة سنوات، تساءل داخله، ربما هي الآن بالثانوي!،ثم افتعل بسمة وقال لها:
«كبرت قليلا»
فقالت الفتاة:
«معك هنا!؟»
هز رأسه نافيا فقالت:
«أنا أعيش هنا عمو مع أسرتي وبيتنا قرب هذا المكان»
وأشارت لأمها وأبيها اللذان يجلسان قبالتها يتابعانها ببسمة فقابلهم أحمد ببسمة رائقة وإيماءة من يده فيما تابعت الفتاة:
« إذن عدني بأنك ستأتي بأختك كي أراها وستجدني ألعب هنا!»
ابتلع ريقه بألم ثم قال:
«سأحاول»
هتفت « إذن سأنتظركما»
قبل أن تلقي الكرة على الأرض وتركلها بقدمها الصغيرة، تعلق بها للحظات لم يعدها بينما لا زال يجلس على ركبتيه، اعتدل واقفا وقد تجهم وجهه متسائلا في نفسه؛ هل كلمة سأحاول وعد!!؛ إن كانت كذلك فقد كذبت عليها أحمد!! ابتلع ريقه بألم فيما يرى الفتاة تركل الكرة لأصدقائها فزارته بسمة واهنة متذكرا فتاة صغيرة تشبهها، يقال أنها أخته من أمه، نسخة مصغرة عن أبيها؛ الرجل الذي فضلته أمه عنه وعن أبيه ورغم ذلك ظلت بالنسبة له فتاة بطعم الحنين والحب، لم يرها سوى مرة حينما جاءت أحد المرات مع أمه، ربما كان هو بسن السابعة عشر، وقتها كما اعتاد بكل مقابلة تأتيه فيه الأخيرة لم يتمالك أعصابه إلى أن أحس بيد صغيرة تتمسك بكفه تهزه جعلته ينتبه لها بعدما كان غائبا عن كل تعقل، أخفض رأسه يحدق فيها بذهول مدركا ما طبع في مخيلتها له فيما تقول هي بصوت بريء باكي (لا تحزن أمي).
رفع يده أمام عينيه ببسمة، لا زال يذكر صوتها و لمستها الحنون كأنها تحس به؛ كان بحاجة للدفء يحتويه فكانت هي!.
ومع ذلك لم يحاول رؤيتها فيما بعد لكنها ظلت عالقة في ذهنه، وكلماتها التي قالتها له باتت محفورة في قلبه،كانت بريئة بصوتها الناعم وسمرتها المميزة التي تليق بشعرها المجعد، هدمت حصونه التي يبنيها بينه وبين أمه في لحظتها، لذا كان عليه أن ينساها هي الآخرى!.
★★★★
يتبع🌹🌹💜

على هذا الرابط

https://www.rewity.com/forum/t479878-15.html




التعديل الأخير تم بواسطة ebti ; 04-03-21 الساعة 09:57 PM
آمال يسري غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس