عرض مشاركة واحدة
قديم 20-03-21, 08:08 PM   #16

روز علي
 
الصورة الرمزية روز علي

? العضوٌ??? » 478593
?  التسِجيلٌ » Sep 2020
? مشَارَ?اتْي » 720
?  نُقآطِيْ » روز علي is on a distinguished road
افتراضي الفصل الخامس

الفصل الخامس...............
كانت واقفة امام باب المكتب وهي تمسح يديها من العرق بسترتها الخريفية بارتباك خوفا من ان تتعرض للرفض مرة أخرى بعد يوم شاق طويل مهلك وقد اصابها إحباط كبير من كل ما تعرضت له لليوم وهي تحاول بكل جهدها بوظيفة مستحيلة كانت يوما ما بين يديها ، تنفست بعدها بهدوء وهي تدعوّ ربها بالتوفيق بما هي مقدمة عليه فقد تعبت كثيرا من الدوران حول المدارس واحدة تلو الأخرى بدون اي نتيجة وهذه ستكون القشة الأخيرة بالنسبة لها والتي ستحدد مصير وظيفتها المحتومة .

رفعت قبضتها المتصلبة لتطرق على باب المكتب بهدوء قبل ان تسمع الإذن بالدخول لتفتح عندها الباب من فورها بارتباك وهي تنظر امامها بحذر ، تقدمت بعدها بعيدا عن باب المكتب وهي تنظر بريبة للشخص والذي من المفروض ان يكون المدير وهو لا يظهر منه سوى قدميه المستريحتين فوق سطح المكتب بكل وقاحة وصوت خافت يخرج من خلف المكتب وهو يجلس نصف استلقاء على كرسيه لتصلها نبرة صوته الخافتة وهو يبدو يتكلم مع احدهم على الهاتف بنبرة غريبة
"حبيبتي لا تقلقي سأحاول كل جهدي المجيئ للمنزل مبكرا ، ولكن لن اعدكِ فأنا لدي اعمال كثيرة عليّ إنجازها بسبب مركز المدير والذي اصبحت احتله منذ فترة ، بالرغم من انني لا احبذ كثيرا هذه الوظيفة"

وقفت (روميساء) امام المكتب وهي تبتلع ريقها بتشنج احتل كل اطرافها من كلامه الخاص والذي جعل وجهها الشاحب يتلون باحمرار قاني وهي التي تحاول دائما عدم الدخول بخصوصيات الآخرين وأحاديثهم الخاصة بينهما على انفراد ، لتسعل بعدها بقوة بامتقاع ما ان وصل لسمعها المزيد من كلامه الخافت والذي ضرب اذنها بإيذاء سمعي
"لا تنسي يا حبيبتي إياكِ والنوم مبكرا حتى انهي باقي اعمالي ، لأن اليوم ستكون سهرتنا طويلة بطول ايام عمرنا"

تنهدت براحة وهي تحاول تنظيم انفاسها المرتجفة ما ان اخفض الهاتف عن اذنه اخيرا بعد ان ودعها بقبلات على الهاتف بدون اي حياء او اهتمام بوجودها ، ليستقيم بعدها بجلوسه وهو يخفض قدميه عن سطح المكتب قبل ان يدس هاتفه بجيب سترته قائلا ببرود بدون ان ينظر إليها
"نعم ، بماذا استطيع المساعدة"

زمت شفتيها بحنق وهي تفكر بالهروب من هذا المكان الموبوء بكل شيء فيه وخاصة بمديرها والذي يبدو عليه غير مباليا بالأصول ولا يعلم اي شيء عن مهنة المدير حتى ، وكيف سيعلم وهو يبدو صغير على هذه المهنة بل اقرب لطالب مجنون نجح بحياته بواسطة من والديه ؟ وهذا غير سمعة المدرسة المنحدرة والتي تكون تحت المستوى ولا يدخل إليها سوى الطلاب والذين يعانون من نقص بالميزانية بسبب عدم مطالبتها بأي رسوم او دفع اقساط وكل هذا لأن الحكومة هي من تهتم بالكتب والقرطاسية المدرسية الخاصة بالطلاب وحتى رواتب الموظفين ايضا وهي تستقبل جميع الأطفال من كل المناطق النائية الفقيرة .

زفرت انفاسها بقوة وهي تضيق عينيها الخضراء بتركيز لتقول بعدها بلحظات بابتسامة عملية
"لقد اتيتُ للتقدم على وظيفة معلمة بمدرستكم ، وانا جاهزة لأي اختبارات او معاملات لأستطيع التعين عندكم بهذه اللحظة"

رفع المدير رأسه بسرعة نحوها وكأنه قد اكتشف شيء كان قد غفل عنه ، ليدور عندها بعينيه من رأسها حتى اخمص قدميها بتباطء متعمد وابتسامة صغيرة بدأت بالحفر على شفتيه العابثتين ، بينما عقدت (روميساء) حاجبيها بحيرة وهي تنتظر مصير طلبها ، ليقف بعدها المدير عن مقعده بهدوء وهو يقول بصوت غامض ارهبها
"ما هو اسمكِ يا آنستي"

امتعضت ملامحها من كلمته الأخيرة وهو يضيف عليها حرف الملكية ، لتهمس بعدها بعبوس متصلب
"اسمي هو روميساء الفاروق"

قبضت على كفيها وهي تنتظر ما سيحدث وما يتبع اسمها عادةً والملطخ بالسمعة السيئة بالرغم من انه اسم عائلة والدها الراحل ولكنه قد تثبت بعقول الناس بذلك الاسم والمقترن مع السمعة السيئة بعد ان اصبحت قصتهم على كل لسان ، رفعت نظرها بسرعة نحو المدير والذي قال بابتسامة مندهشة
"انتِ تنتمين للعائلات الريفية ، أليس كذلك"

ردت عليه (روميساء) وهي تحرك رأسها باهتزاز
"اجل عائلة والدي تنتمي للريف ، ولكنه قد انتقل للعيش للمدينة منذ سنوات طويلة"

حرك المدير رأسه بتفكير قبل ان يدور حول المكتب ليقف امامها تماما وهو يقول بنفس ابتسامته المتسعة
"يشرفني كثيرا التعرف على فرد من العائلات الريفية ، فأنا إذا لم تكوني تعلمي اعشق كل شيء يخص تلك العائلات البسيطة وطريقة حياتهم والتي تختلف تماما عن حياة المدن"

ابتسمت (روميساء) بارتجاف وهي لا تعلم إذا كانت هذه بداية مبشرة للحصول على الوظيفة ام لا ؟ لتنتفض بعدها بجزع ما ان شعرت بيده تمسك بذراعها وهو يمد ذراعه الآخر امامها قائلا بسعادة بالغة
"تفضلي لا تبقي واقفة هكذا ، واجلسي على الأريكة هنا لنستطيع التفاهم بحرية اكبر"

أومأت (روميساء) برأسها بسرعة وهي تنزع يده عن ذراعها لتتقدم باتجاه الأريكة قبل ان تجلس فوقها باتزان ، بينما سار المدير امامها ليجلس بنفس الأريكة بجانبها تماما بدون اي حواجز ، وهذا ما دفع (روميساء) للزحف بعيدا عنه بجلوسها وهي تضم قبضتيها معا فوق ساقيها بتوتر ، ليقول بعدها المدير بخفوت وهو يتأملها بنفس التركيز البطيء
"إذاً دعيني اعرفكِ على نفسي يا روميساء ، انا اسمي نادر سلطان ولا احب الألقاب بالعمل ابدا ، لذا تستطيعين مناداتي باسمي بدون لقب"

تشنجت ملامحها بغضب قبل ان تندفع واقفة عن الأريكة وهي تقول بأعصاب منهارة من الضغط والذي تعاني منه منذ دخولها لهذا المكان
"سيدي المدير لقد اتيتُ من اجل التقدم على وظيفة بمدرستكم ، لذا اخبرني هل ستقبل بتوظيفي ام لا"

كان (نادر) ينظر لها بهدوء بدون ان يتأثر من كلامها قبل ان يقول ببرود مريب
"الأمر لا يحتاج كل هذا الغضب ، كل ما عليكِ فعله هو طلب التوظيف مني بلطف وانا بكل سعادة سأوافق على طلبكِ بكرم ، فيبدو بأنكِ متحمسة جدا لهذه الوظيفة"

التفتت (روميساء) برأسها نحوه وهي تبتسم بإحراج مما بدر منها امامه لتهمس بعدها بتلعثم
"انا اعتذر منك ، لم اقصد ان..."

قاطعها (نادر) وهو يرفع كفه باتزان مبتسم
"لا اريد اي اعتذار منكِ ، فليس هناك اي اعتذارات بين الأصدقاء"

عبست ملامحها وهي تفكر منذ متى اصبحوا اصدقاء وهي لم تدخل مكتبه سوى منذ عشر دقائق ؟ لتنفض بعدها كل هذه الأفكار عن رأسها وهي تقول بابتسامة مبتهجة
"هل هذا يعني بأنك قد وافقت على توظيفي بمدرستكم"

وقف (نادر) عن الأريكة بكسل لينظر لها بهدوء قبل ان يقول بابتسامة صغيرة
"اجل موافق ، ويمكنكِ ان تبدأي بالعمل بالوقت الذي تريدينه"

اتسعت حدقتيها الخضراء الشاحبة بالبريق والذي عاد ليملئ غابة عينيها وقد عادت بارقة الأمل بحياتها بحوزتها قبل ان تخسر عملها والأحب على قلبها ، لتختفي الابتسامة بلحظة عن شفتيها ما ان قال المقابل لها وهو يتقدم امامها لا يفصلها عنه سوى خطوة واحدة
"ولكن هل ستدفعين ثمن موافقتي على عملكِ بمدرستي هنا وقبولي بكِ رغم سمعتكِ السيئة والتي دفعت الكثيرين ليرفضوا توظيفك"

تراجعت (روميساء) للخلف عدة خطوات بحذر وهي تتنفس بنشيج وتوجس من فحوى كلامه ، وقبل ان تنطق بأي كلمة سبقها (نادر) وهو يقول بضحكة صاخبة بسخرية
"أهدئي يا روميساء فقد كنتُ اختبركِ فقط وقد نجحتِ بالاختبار بالفعل ، لذا اهنئكِ على استلامكِ للوظيفة"

ارتفع حاجبيها بانشداه وعدم استيعاب وهي تحاول فهم كلماته الغريبة والتي تبدو كالطلاسم بالنسبة لها ، وهي ما تزال تطرح على نفسها نفس السؤال كيف حصل على وظيفة المدير ؟ لتحرك بعدها رأسها بقوة وهي تقول بوجوم جاد
"اذاً هل استطيع العمل الآن ، ام سأنتظر إلى ان يتم توظيفي رسميا"

ردّ عليها (نادر) بسرعة بثقة بالغة
"لا ليس هناك داعي للانتظار ما دمتِ قد اتيتِ إلى مكتبي بنفسكِ ومستعدة حقا للبدء بالعمل ، فأنا لن امنعكِ ولا احب ان اخذل احد من الموظفين عندي طلب مساعدتي ، واما باقي معاملات توظيفك فأنا من سأهتم بها بنفسي"

ابتسمت باهتزاز وهي تقول بامتنان شديد
"شكرا لك سيدي المدير ، واتمنى حقا ان اكون عند حسن ظنك ، ولكن ألن تخبرني كيف سيكون برنامج الفصول والذي سأعمل عليه"

تراجع (نادر) بخطواته للخلف وهو يلتقط الورقة من على سطح المكتب ، ليرفع بعدها الورقة امام نظره وهو يضيق عينيه بتركيز قائلا بجدية
"ستأخذين مكان المعلمة ليلى لتدرسي فصولها بدلا عنها ، ويمكنكِ ان تسألي رئيسة مكتب الطابق الثاني عن اماكن فصولها ، وهذا كل شيء عندي"

اومأت برأسها بطاعة وهي تقول بدون ان تمنع نفسها بحيرة
"وماذا حدث للمعلمة ليلي"

اتسعت ابتسامة (نادر) وهو يقول بهدوء
"هذا ليس من اختصاصكِ يا روميساء"

اخفضت نظرها للأسفل بامتقاع قبل ان تتمتم بجمود
"حاضر يا سيدي المدير ، انا ذاهبة لعملي الآن ، وشكرا لك على الوظيفة مرة أخرى"

كان (نادر) يحرك رأسه بهدوء ونظراته ما تزال تدور على جسدها الطويل امامه بتمهل متعمد ، لتستدير بعدها (روميساء) بعيدا عنه بصمت قبل ان تغادر المكتب بأكمله بسرعة وابتسامة جميلة تحتل شفتيها الممتلئتين بسعادة ، بينما كان (نادر) ما يزال يبتسم بغموض قبل ان يحيد بنظراته باتجاه الورقة بيده وهو يتمتم ببرود مريب
"سامحيني يا ليلى ، ولكن للضرورة أحكام"

__________________________
كانت تصعد درجات السلم باتزان على كعبيّ حذائيها المسننين وهي تمسك بحاجز السلم بيدها بقوة وتمسك بمذاكراتها بيدها الأخرى ، لتشعر بعدها بما يصدمها من الخلف باندفاع لتقع على الجانب الآخر من حاجز السلم وهي تتمسك به بكفيها بتشبث بعد ان اوقعت مذاكراتها لتتدحرج على الدرجات من خلفها وانفاسها تخرج بنشيج متقطع ، التفتت بعدها برأسها للخلف وهي تنظر للفتاتين الضاحكتين على وضعها بسخرية واحداهما تقول باستهزاء ذات الوجه المتبرج بكل انواع مساحيق التجميل
"كان عليكِ الانتباه امامكِ وانتِ تسيرين يا صغيرة ، ام تريدين مني ان اعلمكِ كيف تسيرين بالشكل الصحيح"

ضحكت بعدها بصخب لتشاركها صديقتها الأخرى الضحك وكأنهما ليس لديهما شيء يفعلانه غير اغاظتها على الدوام مثل ايام بداية دوامها بالجامعة قبل سنتين بالرغم من انها بدأت تعليمها بعمر متأخر بسبب حالتها الحرجة والتي ارغمتها على ملازمة المنزل وخوض عالم التعليم بداخل جدران المنزل بسنوات طفولتها ، تحاملت بعدها على نفسها وهي تبتعد عن حاجز السلم لتنحني عندها على الدرجات الرخامية امامها وهي تلتقط مذاكراتها والتي سقطت من فوقها بدون ان تعيرهما اي اهتمام ، لتسمع بعدها كلام الفتاة الأولى المتبرجة وهي تكلم صديقتها بجانبها بخبث
"انظري إليها لم تتغير ابدا ، ما زالت غزل تلك الطفلة البريئة والساذجة والتي تحاول دائما جذب جميع المخلوقات إليها بدافع الشفقة لا أكثر ، ولا تعلم بأنها ليست مرغوبة من الجنس الآخر ابدا فهي لا تمتلك صفات الانوثة والجاذبية وكل ما يدفعهم نحوها هي الشفقة فقط"

كانت (غزل) مستمرة بجمع مذاكراتها وكلماتها تصيبها بنقطة ضعفها لتنحر روحها بانكسار قبل ان تستقيم بوقوفها بحذر شديد ، لتنظر بعدها للكتاب بآخر درجات السلم والذي لم تنتبه لوجوده وما ان كانت متجهة نحوه حتى سبقتها الفتاة الوقحة لتلتقطه من على الدرجة وهي تلوح به قائلة بحزن مصطنع
"هل تريدين هذا الكتاب حقا ، إذا كنتِ تريدين استعادته فعليكِ اولاً ان تجيبي على سؤالي ، كيف استطعتِ مواعدة عصام شرفات وجعله يتعلق بكِ"

تجمدت ملامح (غزل) بصدمة وهي تدير عينيها العسلية بعيدا عنها ما ان نطقت باسم من كانت تحاول جاهدة نسيانه واعتباره صفحة من حياتها وانطوت لتعود هي للنبش بالماضي وجعل قلبها يأن ألماً بصدرها وهو ينزف دما منذ خروجه من حياتها ، همست بعدها بعبوس مرتجف وهي تشدد من احتضان مذاكراتها
"انا لا اعلم عن ماذا تتكلمين"

عبست ملامح الفتاة المقابلة لها وهي تنطق بالشر قبل ان تقول بامتعاض ساخر
"بل تعلمين جيدا عن من اتكلم ، ذلك الشاب الهادئ والذي ترككِ واختار أخرى ونبذكِ مثل الشيء المستهلك والذي انتهت صلاحية استخدامه ، ولكن ما يحيرني هي الفترة الطويلة والتي قضاها برفقتكِ ، وانا لا اعلم ماذا وجد بكِ ليميزكِ عنّا"

عضت (غزل) على طرف شفتيها بتشنج وهي تحاول السيطرة على اعصابها من الذكريات والتي عادت لاختراق غمامة ذهنها المشوش ، تدخلت بعدها الفتاة الأخرى وهي تصرخ بصديقتها بهلع
"سامية انظري خلفكِ"

التفتت المدعوة (سامية) برأسها للخلف لتصطدم نظراتها بارتعاد بجسد فائق الطول قبل ان يسبقها صاحب الجسد وهو يقول بصرامة متزنة
"ما هذه التصرفات الصبيانية يا سامية ، ألم يأتي الوقت المناسب لتتعقلي وتتركي الناس وشأنها بعيدا عن جنونك"

اخفضت (سامية) نظراتها بعيدا عنه بإحراج وخزي قبل ان تقول بخفوت نادم
"انا اعتذر يا استاذ هشام ، ارجوك ان تسامحني"

كان (هشام) ينظر لرأسها بهدوء وهو يحرك رأسه بتركيز ليقول بعدها بجدية صارمة
"لا بأس سامحتكِ ، ولكن لا تعيديها مجددا ، وهيا غادري لكي لا تفوتي موعد محاضرتكِ وتوقفي عن اللهو بالأرجاء واضاعة وقت المحاضرة بالسخافات والتي لن تفيدكِ مستقبلا بشيء"

اومأت (سامية) برأسها بامتعاض واضح وهي تحاول السير وتجاوزه بعيدا ، ليعود ليقف امامها بقوة وهو يرفع يده قائلا بأمر
"اعطيني الكتاب اولاً وبعدها غادري"

تجهمت ملامح (سامية) وهي تضع الكتاب بيده بعنف قبل ان تسير بعيدا عنه بصمت وهي تكاد تشتعل من الغيض ، لتتبعها بعدها صديقتها وهي تتجاوز الاستاذ بحذر قبل ان تسرع بخطواتها باتجاه صديقتها .

افاقت (غزل) من شرودها بخضم ما حدث على صوت (هشام) وهو يوجه كلامه لها بهدوء
"هذا الكتاب لكِ صحيح"

اخفضت نظراتها نحوه وهي تنظر لأول مرة للأستاذ الجديد والذي بدأ يعمل بجامعتها من فترة وجيزة وقد حضي على إعجاب الكثير من الشبان والفتيات بالجامعة من وسامته والتي تنضح بملامحه الرزينة ومن ثقافته الواسعة وذكاءه الظاهر بطريقة ألقاءه للمحاضرة بقاعة تعج بكل انواع الطلاب ، اكملت بعدها نزولها الدرجات المتبقية قبل ان تقف امامه وهي تقول بخفوت شديد يكاد لا يسمع
"اجل هذا الكتاب لي ، هلا اعدته إلي لو سمحت"

كان (هشام) يجول بنظراته بهدوء نحوها من شعرها الأسود القصير والذي يحف اذنيها لعينيها الغريبتين بلونهما العسلي ومع اخضرار بسيط بحدقتيها ، ليشيح بعدها بوجهه بعيدا عنها وهو يرفع الكتاب امامها لتلتقطه من جهتها وهي تدسه بين مذاكراتها ، ليسمع بعدها همسها الخافت والذي يرف بأذنيه مثل صوت عصفور جريح يأن
"شكرا"

اعاد نظره نحوها وهو ينظر لها بتفكير تثيره دائما بداخله وهو لا يستطيع تحديد نوعها للآن إذا كان من صنف تلك الفتيات المدللات واللواتي قابلهن منذ لحظات ام من الصنف الآخر من الفتيات المجتهدات واللواتي لا يهمهن سوى الحصول على الشهادة والتي تؤهلهم للوظيفة ، اخفض نظره لوجهها والذي ارتفع نحوه ببطء وهي تهمس بنفس النغمة الحزينة
"عذرا منك ، ولكن عليّ الذهاب للقاعة فقد بدأت محاضرتي"

تصلبت ملامحه وهو يدس كفيه بجيبي بنطاله بهدوء ليقول بعدها ببرود قاسي
"ومن منعكِ من المغادرة ، هيا اذهبي"

عضت (غزل) على طرف شفتيها المتكورتين بحنق من اسلوبه البارد معها وكأنها تعمل عند سيادته لتنتظر الإذن منه للمغادرة ، ولكن كل هذا بسبب غباءها والذي دفعها لتبقى صامتة امامه بدلا من الرحيل بعيدا عنه وهي تظنه ما يزال لديه المزيد من الكلام بجعبته لها ليتبين بأنه كان فقط يتسلى بوقوفها جامدة امامه كالبلهاء .

تحركت (غزل) بعيدا عنه وهي تتجاوزه بصمت وحذائها العالي يطرق الأرض الصلبة من اسفله بقوة ليعبر عن مدى القهر والذي تشعر به بهذه اللحظة ، لتتابع بعدها سيرها بتمايل متقن وهي تعيد خصلات شعرها القصيرة لخلف اذنيها ، بدون ان تنتبه للنظرات والتي كانت تلاحقها بوجوم وحتى بطريقة سيرها الغريبة والتي تختلف عن طريقة باقي الفتيات وهي تدل على صعوبة سيرها بكعبيّ حذائيها المسننين وكأنها تتعمد فعل كل هذا بإرادتها او بدونها .

________________________________
كانت تنظر للدفتر بحجرها وهي تتلمسه بكفها بحالمية وكأنه شيء ثمين افتقدته كثيرا بحياتها منذ زمن ، وكم كان شعورا رائعا العودة لحياتها والتي تمثلها لها تلك الوظيفة رغم الاختلافات الشاسعة بين طبيعة ومكان الوظيفتين ، فأهم شيء بالنسبة لها الآن هو العودة لما كانت عليه والشيء الوحيد والذي تتقنه بجدارة بحياتها الفارغة ليملئ الفجوة والتي يحدثها اليتم بحياتهم .

حادت بنظراتها نحو مصدر الصوت وهو يقول بجمود متصلب
"انا سعيدة جدا لأنكِ استطعتِ إيجاد المدرسة والتي تقبل بتوظيفك ، ولكن ألن تخبريني ما نوع تلك المدرسة بالضبط واين هي"

اخفضت (روميساء) نظراتها بعيدا عنها للدفتر بحجرها وهي تتمتم ببرود متعمد
"لا يهم ما هو نوعها واين مكانها ، فالمهم الآن بأني وجدتُ وظيفة بمدرسة ستضمن لنا راتبا شهريا سنستطيع العيش عليه بالأيام القادمة"

شددت (ماسة) من ضم ركبتيها لصدرها وهي تجلس بتكور بمنتصف السرير ، لتقول بعدها بابتسامة غامضة غير معبرة عن شيء
"ولكني لم اقتنع بعد بكلامكِ ، واريد ان اعرف كيف وافقت المدرسة على توظيفك إلا إذا كانت مدرسة فاشلة معتادة على استقبال مشوهين السمعة ، ام انكِ دفعتي لهم شيء قيّم مقابل توظيفك"

ردت عليها (روميساء) بانفعال حاد
"ماسة كفى"

ادارت (ماسة) حدقتيها بعيدا عنها بدون اي كلمة ، بينما شردت (روميساء) بكلام المدير عن الثمن وهي لم تفهم بعد ماذا كان يقصد بكلامه وإلى اين كان يريد ان يصل ؟ كل الذي تتمناه ألا تضطر لترك العمل بتلك المدرسة بسبب أي ظرف كان فهي لن تتحمل المزيد من الإحباط واليأس بحياتها .

قالت بعدها بلحظات بخفوت وهي تتلاعب بأوراق الدفتر امامها والذي يحوي على جميع اسماء الطلاب بالفصل
"اعتقد بأن الفضل يعود لأسم عائلة والدنا فهو بعد كل شيء ما يزال نظيف ولم يلطخ بالسمعة السيئة"

عقدت (ماسة) حاجبيها بتركيز وهي تتمتم بوجوم
"أتعنين عائلة الفاروق والتي لا نعلم عنها شيئاً إذا كانت على قيد الحياة ام لا ، وحتى لو كانوا موجودين بالواقع فلم يحاول احد منهم السؤال عنّا طيلة السنوات الماضية"

عبست ملامح (روميساء) وهي تنظر لها بحزن قبل ان تهمس بحنق
"توقفي عن التصرف بهذا التشاؤم ، فليس هذا ما قصدته بكلامي"

حركت (ماسة) رأسها بلا مبالاة لتتابع بعدها (روميساء) كلامها قائلة بابتسامة حزينة
"لولا اسم عائلة والدنا والذي ما يزال يحتل مكان بسمعتنا لما استطعتُ الحصول على هذه الوظيفة ، فلا تنسي بأن والدي لم يخطئ بحياته ولم يفعل شيئاً يمس سمعته وسمعة عائلته بل بقي محافظا على اسمه نظيفاً حتى رحل بعيدا عن العالم"

كانت (ماسة) تسند ذقنها فوق ركبتيها بجمود وهي تستمع لكلام شقيقتها الحالم بتركيز ، لتهمس بعدها بشرود واجم
"أتقصدين بأن حياتنا كانت ستختلف لو ان والدي ما يزال على قيد الحياة"

تنهدت (روميساء) بهدوء وهي تتنفس بنشيج واضح بدون دموع قبل ان تهمس بشحوب حزين
"ربما"

عضت (ماسة) على طرف شفتيها بألم بدأ ينهش بأطرافها ببرودة اعتادت عليها وهي تفكر بطبيعة حياتها والتي عاشتها بدون اي سند او والد تحتمي من خلفه فقط كانت تعيش طول حياتها تحت ظل زوج والدتها والذي هيمن على حياتها بأكملها حتى اصبح مالكها الأصلي ومن يملك زمام امورها ، ليقطع بعدها الوجوم والذي خيم على الغرفة بأكملها صوت (روميساء) وهي تقول بحزم قاطع
"بما اني قد عدتُ للعمل مرة أخرى ، فإياكِ وان اعرف بأنكِ تريدين البحث عن عمل او تفكرين بالعمل عند احد ، وركزي فقط على دراستكِ فهي كل ما يهم ، فهمتِ يا ماسة"

ردت عليها (ماسة) بجفاء بارد
"ومن اخبركِ بأني قد وجدتُ عمل ، او ان هناك من سيقبل بتوظيفي بدون اي شهادة او خبرة"

زفرت (روميساء) انفاسها براحة وقد اقتنعت اخيرا بالعدول عن قرار البحث عن وظيفة وقد ظنت بأنها لن تستسلم قبل ان تفعل ما برأسها ، لتتابع بعدها (ماسة) كلامها وهي تدير رأسها نحوها بقوة وحدقتيها تلمع بزرقة قاتمة
"ولكن ما ان اتخرج من الجامعة سأبدأ عندها بالبحث عن عمل بأي مكان وحتى لو لم يكن من مجال دراستي ، لأستطيع عندها مساعدتكِ بالمصاريف وبالسكن بشقة لوحدنا وهذا لن يكون ببعيد"

امتعضت ملامح (روميساء) بعدم رضا وقبل ان تنطق بأي اعتراض سبقتها (ماسة) وهي تقول بتشديد صارم
"هذا قرار نهائي يا روميساء ولا رجعة فيه ابدا"

صمتت (روميساء) وهي تزم شفتيها بحنق من تصرفات شقيقتها الغير مسؤولة والغير قابلة للنقاش وكأنها ليست تكبرها بخمس سنوات كاملة ، لتدير بعدها (ماسة) حدقتيها بعيدا عن شقيقتها وهي تعود لتسند ذقنها فوق ركبتيها بشرود باهت ، بينما كانت (روميساء) تراقبها بابتسامة امومية معتادة على النظر بها نحوها فبعد كل شيء هي تبقى شقيقتها الصغرى من والديها ومن شهدت على كل مراحل حياتها من المهد حتى وصلت لما هي عليه الآن .

عادت للنظر للدفتر بحجرها بهدوء وهي تغلقه بصمت قبل ان تهمس بابتسامة شاردة
"ما رأيكِ ان اخبركِ القليل عن والدنا"

ردت عليها (ماسة) ببرود جليدي
"لا أريد"

اختفت ابتسامة (روميساء) ليحل مكانها الوجوم وهي لم تفهم حتى الآن لما ترفض (ماسة) دائما التكلم عن والدها والتعرف عليه ولو معرفة تفاصيل صغيرة عنه فهو قد توفي وهي لم تتجاوز عمر الرابعة ؟ وبالرغم من ذلك فهي تصر دائما على ان تبقى بعيدة عن كل ذكرياته وعن كل شيء يخصه وكأنه لا يعنيها ولا يقرب لها بشيء ، تنهدت بعدها بحزن ما ان دفنت (ماسة) وجهها بين ساقيها وهذه طريقتها الخاصة بإنهاء اي حديث مع احدهم بأن تتجاهله وتنعزل بعالمها الخاص والبعيد عن الجميع ، وكم تتمنى لو تستطيع الغوص بعالمها هذا والذي صنعته بينهما منذ وفاة والدتها فقط لو تعطيها الإذن .

يتبع...............


روز علي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس