عرض مشاركة واحدة
قديم 20-03-21, 08:24 PM   #17

روز علي
 
الصورة الرمزية روز علي

? العضوٌ??? » 478593
?  التسِجيلٌ » Sep 2020
? مشَارَ?اتْي » 720
?  نُقآطِيْ » روز علي is on a distinguished road
افتراضي

كانت تحيد بنظراتها بين الحين والآخر لصف المقاعد بجانبها بتركيز قبل ان تعود بالنظر للأمام بجمود وهي تستمع بملل لحديث الاستاذ والذي ملئ صوته صدى القاعة بأكملها ، لتنظر صديقتها نحوها ومن تجلس بجانبها تماما وهي تتمتم بحيرة
"ماذا هناك يا ماسة ، لما تنظرين بهذه الطريقة"

ردت عليها (ماسة) ببساطة وهي تنظر امامها بتصلب
"نحن مراقبان"

امتعضت ملامح (صفاء) وهي تهمس بخفوت متذمر
"ها قد بدأنا مرة أخرى ، انتِ تعلمين بأننا مراقبان من كل الطلاب بالقاعة ومن الاستاذ نفسه"

التفتت (ماسة) نحوها بعنف وهي تهمس بامتقاع ساخر
"انا جادة بكلامي يا صفاء ، واعلم جيدا كيف افرق بين المراقبة الطبيعية وبين المراقبة المتربصة لنا"

اعادت (صفاء) وجهها للأمام وهي تبرم شفتيها هامسة بلا مبالاة
"لا فرق بينهما ، انتِ فقط من تضخمين الموضوع لا أكثر"

عقدت حاجبيها بحدة وهي تعيد رأسها للأمام قائلة ببرود قاتل
"بل انتِ التي لا تشعرين مما يدور من حولك"

زمت (صفاء) شفتيها وهي تتجاهل كلامها فهي كلما دخلت معها بنقاش تخرج منه بالنهاية خاسرة محملة بأذيال الخيبة وكأنها تهوى تدمير خصومها بدون ان تهتم إذا كان عدو او صديق ، بعدها بدقائق وقفت (ماسة) عن مقعدها بهدوء ما ان انتهى وقت المحاضرة ليخرج الاستاذ من القاعة بعد ان اعاد على اسماعهم للمرة الألف قوانين وموعد الاختبار القريب ، لتتبعه بعدها (ماسة) وهي تضع حزام الحقيبة فوق كتفها قبل ان تغادر القاعة من فورها بجمود وقبل مغادرة باقي الطلاب .

سارت (صفاء) بسرعة لخارج القاعة وهي تحتضن مذاكراتها بذراعيها قبل ان تتبعها بخطوات متمهلة ، لتقف بعدها بمكانها ما ان سمعت صوت هتاف باسمها لتستدير للخلف وهي تنظر للشاب والذي وقف امامها وقد كان يبدو عليه خارجا من نفس القاعة والتي خرجت منها للتو ، لتبتسم بعدها برقة وهي تنظر للشاب بريبة بينما كانت (ماسة) تقف على مقربة منهما ونظراتها موجهة بتركيز للشاب الواقف امام صديقتها .

بدأت (صفاء) بالكلام وهي تقول بابتسامة صغيرة
"هل هناك مشكلة يا سيد"

تشنجت ملامح الشاب وكأنه يحاول حل معادلة عويصة ليفتح شفتيه عدة مرات قبل ان يغلقهما بإحباط ، ليتمتم بعدها بالنهاية بإحراج متلعثم
"الحقيقة لقد اردتُ طلب مساعدتكِ ، إذا كنتِ تستطيعين مساعدتي بالحصول على شرح المحاضرات الماضية فقد فوتها بسبب غيابي المتكرر بالأيام السابقة ، وهذا إذا لم يكن لديكِ مانع"

انفرجت شفتي (صفاء) بارتجاف قبل ان تهمس بتأكيد
"اجل اكيد ، لا امانع ابدا"

ابتسم الشاب باتساع وهو ينظر لها وهي ترفع الدفتر امامه بابتسامة لطيفة برقة تستطيع سحر القلوب ، ليرفع بعدها يده بسرعة وهو يلتقط الدفتر منها قبل ان تنسحب بعيدا عنه بفعل اليد والتي امسكت بذراعها لتؤخذها بعيدا عن امامه ، بينما قال الشاب بسرعة وهو يلوح لها بالدفتر ببلاهة
"شكرا ، على ما اعتقد"

كانت (صفاء) قد اختفت عن نظره تماما قبل ان تسمعه وهي تحاول مجاراة خطوات صديقتها بصعوبة ، لتتوقف بعدها وهي تتشبث بالأرض بقدميها قائلة بتجهم
"كفى يا ماسة ، واخبريني لما سحبتني بعيدا عن الشاب قبل ان انهي كلامي معه"

توقفت (ماسة) عن السير وهي تفلت ذراعها لتستدير نحوها وهي تقول بجمود متصلب
"ألم تفهمي يا غبية ، هذا الشاب نفسه من كان يراقبنا ويبدو بأنه كان يحاول الدوران من حولكِ من نظراته والتي لم تتركنا منذ بداية المحاضرة"

كتفت (صفاء) ذراعيها فوق صدرها بعبوس وهي تقول بامتعاض
"غير صحيح فقد كان يريد مني المحاضرات الماضية بسبب تغيبه عنها"

ابتسمت (ماسة) بسخرية وهي تحرك كفيها بعصبية قائلة بغضب
"وانتِ بكل بساطة قد صدقته ، ألم تلاحظي بأنه قد اخذ اكثر من وقته ليستطيع طرح السؤال عليكِ وطلب المساعدة بدل من ان يدخل بالموضوع مباشرة معكِ"

عبست ملامح (صفاء) وهي تحرك ساقيها بتوتر قبل ان تتمتم بوجوم
"ماذا تقصدين بكلامكِ يا ماسة"

ردت عليها (ماسة) بدون اي مواربة
"يعني بأنه لم يكن يريد منكِ المحاضرات بل شيء آخر مختلف تماما"

اتسعت عينيّ (صفاء) العسليتين بتوجس قبل ان تحرك رأسها بقوة نافضة كل الأفكار عن رأسها ، لتعود بعدها للسير بعيدا عنها وهي تتجاوزها باتجاه السلالم الخاصة بمدخل الكلية ، لتقول بعدها بنفاذ صبر وهي تنزل درجاتها بعجلة
"هذا يكفي لا اريد التكلم عن هذا الموضوع مرة أخرى"

كانت (ماسة) تنزل السلالم بهدوء من خلفها بدون ان تهتم للأنظار المتجهة نحوهما بسبب المشادة والتي حدثت بينهما من لحظة ، وما ان وصلت لنهاية السلالم حتى تابعت سيرها خلف صديقتها وهي تقول من خلفها بتذمر جاف
"توقفي عن الهروب يا صفاء ، وانا اعدكِ بأننا لن نتحدث عن هذا الموضوع مرة أخرى"

توقفت (صفاء) بالفعل وهي تلتفت نحوها بعبوس حزين ، لتتوقف (ماسة) امامها وهي تقول بملل
"ماذا الآن ، اما زلتِ غاضبة مني"

انحنت عينيّ (صفاء) بحزن وهي تهمس بابتسامة شاردة بمحبة
"تعلمين بأنني لا استطيع الغضب منكِ لفترة طويلة ، فقط لو تقدرين ما احمله لكِ بقلبي من عاطفة جياشة اخصها لكِ وحدك"

ادارت (ماسة) عينيها الداكنة بعيدا عنها ببرود وهي تتمتم بابتسامة باهتة
"جيد"

تجهمت ملامح (صفاء) قبل ان تعود للابتسام بسعادة وهي تعانق كتفيّ صديقتها بذراعها بقوة قائلة بحنق
"جيد فقط ، أهذا كل ما لديكِ من اجل صديقة العمر"

اشاحت (ماسة) بوجهها جانبا بصمت بدون ان تنطق بأي كلمة ، لتتابع بعدها (صفاء) كلامها وهي تقول بابتسامة حالمة
"ماسة اخبريني ، هل جربتِ شعور الحب ، وهل هو رائع كما يقولون"

ابتسمت (ماسة) بجمود وهي تنظر بعيدا عنها قائلة بخفوت مشتد
"تعلمين جيدا رأيي بالحب"

ابعدت (صفاء) ذراعها عنها لتلوح بها قائلة بنبرة مقلدة لها بسخرية
"الحب مجرد كذبة ابتدعها المغفلون وصدقها العاقلون ليس لشيء سوى للحصول على المتعة وتجربة شيء جديد مختلف تماما عن المعتاد ، أليس هذا هو كلامكِ"

صرخت (ماسة) فجأة بانفعال حانق
"صفاء"

انسحبت (صفاء) وهي تجري بعيدا عنها ضاحكة بمرح وكل الأنظار تدور من حولها وهي تتجاوز تجمعات الطلاب بساحة الجامعة بتعثر ، بينما حركت (ماسة) رأسها بغضب منها قبل ان تحفر ابتسامة صغيرة على شفتيها الحزينتين ، لتتابع بعدها سيرها باتزان نحو التي لم يعد يظهر منها شيء سوى يدها الملوحة من بعيد وشعرها البني الطويل يتراقص مع حركتها .

______________________________
خرجت من الحافلة بسرعة وهي تجري بتعثر قبل ان تقف بانتظار وهي تنظر لصديقتها الأخرى والخارجة من الحافلة بهدوء قبل ان تبتعد الحافلة وهي تكمل سيرها بعيدا عنهما ، امسكت (صفاء) بكف صديقتها الأخرى وهي تسحبها معها قائلة بعجلة
"هيا بسرعة يا ماسة قبل ان تغيب الشمس علينا ، اريد تجربة المطعم الجديد والذي فُتح على اطرف المدينة"

زفرت (ماسة) انفاسها بضيق وهي تنظر لخطواتها المسرعة قائلة بتذمر
"ألا ترين بأن الوقت قد تأخر كثيرا ، وقد اصبح من الافضل لنا العودة للمنزل"

التفتت (صفاء) نحوها وهي تهمس بعبوس حانق
"لا بل اريد تجربته الآن ، ولن استطيع فعلها بوقت آخر لأن شقيقي مازن يراقب كل تحركاتي بالمنزل ولا يسمح لي بالخروج منه إلا لأماكن محددة وهذا الأمر يدفعني للجنون"

ردت عليها (ماسة) وهي تحرك رأسها بملل
"هذا يعني بأن مازن قد عاد للعيش معكم"

قالت (صفاء) بهدوء وهي تسير باتزان مع خطوات صديقتها
"اجل لقد عاد وقد يكون لفترة قصيرة ، فقد شرط عليه والدي ليستطيع العودة للسكن معنا بالمنزل فعليه تنفيذ اوامره بالحرف الواحد ، ولا اعلم إذا كان مازن سيستطيع فعلها ام لا"

تصلبت ملامح (ماسة) وهي تفكر بالشقة الخاصة بزوج والدتها والتي استولى عليها (مازن) بحجة الحفاظ عليها لها ولشقيقتها لحين عودتهما ، ولا تعلم إذا كانت الشقة ما تزال له او انها ذهبت لشخص آخر بعد ان يأس من عودتها لها ؟ ولكن طبيعة شخص مثل (مازن) تعايشت معها منذ سنوات تثبت لها بأنه من المستحيل ان يستسلم بهذه السهولة ويترك كل شيء من خلفه بدون ان يحصل على مراده وهي قد كانت دوما مراده كما يقول منذ ايام الشجارات بالطرقات ومضايقاته لها بالمدرسة .

توقفت بعدها بلحظات عن السير ما ان توقفت صديقتها والتي شهقت بهلع وانتفاض ، لتنظر بعدها لما تنظر إليه وقد تبين بأن (مازن) هو من اعاق عليهما طريقهما وهو يبعد عنهما بمسافة قصيرة ونظراته تتنقل بينهما بكسل بارد ، ليسير بعدها امامهما ونظراته معلقة بوجهيهما قبل ان يقف على بعد خطوة منهما وهو يضع ساق خلف الأخرى قائلا بدهشة مزيفة
"هل هذه شقيقتي صفاء ، ومعها ايضا دمية قيس ، وغير هذا بمنطقة على اطراف المدينة والشمس على وشك المغيب ، رائع تتصرفان وكأنه ليس هناك اي مسؤول او كبير بحياتكما الرخيصة الفارغة...."

قاطعته (صفاء) بارتباك شاحب
"غير صحيح فهو ليس كما تظن"

ابتسم (مازن) باستفزاز وهو يقول بتعجب ساخر
"حقا يا صفاء ، هل تريدين مني ان اكذب ما اراه امامي ام تريدين مني ان اخبر والدي بأفعالكِ الشائنة والتي لن تسره ابدا"

اتسعت حدقتيها العسليتين وهي تصرخ بجزع
"لا تفعل"

رفع كفه بهدوء ليربت على كتفها قبل ان يمسك بذراعها بقوة واصابعه تنشب بلحم ذراعها بقسوة وهو يهمس بفحيح متصلب
"ليس من الجيد ان ترفعي صوتكِ امامي يا شقيقتي الصغرى"

زمت شفتيها الورديتين بارتجاف وهي تتلوى بذراعها بألم واصابعه تخترق قماش قميصها الخفيف ، لتتدخل بعدها (ماسة) وهي تنطق لأول مرة قائلة بصرامة شرسة
"ما تفعله بحق شقيقتك لا يجوز وخاصة امام العالم ، فأنت هكذا ستظهر امامهم بمظهر المجرم المستبد وقد يلقون بالقبض عليك بإشارة واحدة منّا ، فلا تنسى بأن المجتمع دائما يتعاطف مع المرأة مهما كانت جريمتها"

تلفت (مازن) من حوله بارتباك وهو يلمح بعض الأنظار والتي بدأت تتجه نحوهم بريبة وكأنهم يستعدون للانقضاض عليه بأية لحظة ، ليترك بعدها ذراعها بهدوء وهو يشيح بوجهه بعيدا عنها بحنق بالغ ، بينما فركت (صفاء) ذراعها بموضع قبضته بألم وهي تنظر لصديقتها بابتسامة حزينة ممتنة ، لتقابلها الأخرى بابتسامة هادئة غير معبرة .

قال (مازن) بعدها بلحظات بوجوم وهو يشير بعينيه بعيدا بأمر
"هيا بنا لنعود للمنزل ، وحسابكِ معي لم ينتهي بعد ، لتفكري مرة أخرى عندما تتجرأين على اللهو بشرفنا كما يحلو لك"

نظرت له (ماسة) باشمئزاز وهي تتمتم باستهزاء واضح
"عليكم محاسبة انفسكم قبل محاسبة غيركم"

امتقعت ملامح (مازن) وهو يحيد بنظراته نحوها بتركيز ليبتسم بعدها بميلان وهو يقول بثقة بالغة
"وانتِ ايضا حسابكِ معي لم ينتهي بعد يا دمية قيس ، فقط امهليني بعض الوقت لأتفرغ لكِ جيدا ويصبح كل ما اريده ملكي"

اشاحت (ماسة) بوجهها بعيدا عنه بغضب وهي تتنفس بحدة ، بينما تدخلت (صفاء) وهي تهمس له بحزن شاحب
"اتركها وشأنها يا مازن ، ولا تضايقها فهي لا علاقة لها بما حدث الآن وانا التي جلبتها لهذا المكان بنفسي"

عاد (مازن) للنظر لشقيقته بملل وهو يقول بنفاذ صبر
"اخرسي انتِ ، وهيا تحركي امامي لنعود للمنزل قبل ان اضربكِ امام الناس"

قالت (ماسة) فجأة ببرود جليدي
"يمكنك ترك صفاء معي ، فنحن نستطيع العودة للمنزل لوحدنا ولا نحتاج لمرافقة احد معنا"

تجهمت ملامح (مازن) بغضب لتسبقه (صفاء) بالكلام وهي تقول لصديقتها بابتسامة حزينة
"لا بأس يا ماسة ، فأنا سأعود للمنزل مع مازن ، واعتذر لأني ورطتكِ معي بكل هذا فكل ما يحدث الآن بسببي انا وبسبب فكرتي الغبية بالذهاب للمطعم"

عقدت (ماسة) حاجبيها بحدة وهي تنظر لها بهدوء متصلب قبل ان تتمتم بابتسامة باردة
"كما تريدين"

اتسعت ابتسامة (صفاء) برقة قبل ان تتراجع بخطواتها لتلحق بشقيقها من الخلف والذي سبقها بالسير بعيدا ، لتلوح بعدها بكفها بهدوء لصديقتها بدون ان تفقد ابتسامتها والتي تحتل ملامحها الجميلة ذات التفاصيل الناعمة عكس شقيقها ، بينما كانت (ماسة) ما تزال تراقب طريق سيرهما وابتسامتها الباردة تختفي تدريجيا عن وجهها ليحل مكانها الجمود ويتبقى فقط الفراغ وهو يحوم من حولها يكاد يبتلعها .

____________________________
كانت تمسك بالطبشور بأصابعها وهي تكتب به على سطح اللوح الأملس امامها بثبات وبيدها الأخرى تمسك بالكتاب المدرسي وهي ترفعه لأمام نظرها بجانب موضع يدها الممسكة بالطبشور ، ليتصلب بعدها ظهرها باستكانة ما ان وصلت طائرة ورقية بجانب رأسها قبل ان تهبط واقعة بجانب قدميها بهدوء ، تنهدت بهدوء وهي تخفض يديها للأسفل بعيدا عن اللوح لتقول عندها بدون ان تلتفت نحو وجوههم وهي تشعر بضحكاتهم المكتومة تصلها بوضوح
"والآن من المسؤول هذه المرة"

عضت (روميساء) على طرف شفتيها بوجوم وهي لا تصدق مدى الوقاحة والتي يملكونها وصوت ضحكاتهم والتي ارتفعت تزيد من إحباطها وهي التي اعتادت على التعامل مع كل انواع الاطفال ومجاراتهم بحركاتهم بعد ان تعايشت مع محيطهم لفترة طويلة ، ولكن هؤلاء الاطفال اثبتوا لها بأنها لم تتعلم شيئاً بعد كل هذه السنوات وكل خبرتها معهم تتبخر ما ان تحاول الاندماج معهم واستخدام الاسلوب والذي يناسبهم ، فقد اكتشفت بالنهاية بأن العيب ليس بها بل بسبب قوانين المدرسة الفاشلة والتهاون والذي يتعاملون به مع طلاب اقل شيء يستحقونه هو الصرامة والعقاب على افعالهم والتي تسبب الأذى ليس لهم فقط بل لجميع من يرتبط بهذه المدرسة وبالحكومة بشكل خاص ، ولكن لما يهتمون مادامت جميع معاملات المدرسة بالمجان والحكومة تقدم لهم دعماً سخياً لم يحصل عليه احد من قبلهم من بين جميع المدارس بالمملكة .

تصلبت ملامحها وهي تقبض على كفيها الممسكين بالطبشور والكتاب ما ان وصلت طائرة ورقية اخرى بجانب قدميها بدون ان تطير بجانب رأسها ، لتستدير عندها بعنف وخصلات شعرها تدور مع استدارتها وهي تنظر للوجوه المبتسمة ببراءة خبيثة حفظتها جيدا ، كانت تتنقل بنظرها بينهم بحذر قبل ان تقع على فريستها ومن كان يحاول تجنب النظر لها وهو يكتم ضحكته بصعوبة بدون اي حياء ، لترفع بعدها الطبشور نحوه وهي تشير له قائلة بصرامة نادرا ما تظهر عليها
"تعال إلى هنا يا هاني ، وقف امامي"

تحرك الطفل المدعو (هاني) ليتقدم نحوها بخطوات صغيرة حذرة ، ليقف بعدها امامها وهو ينظر للأسفل بدون ان يرفع رأسه نحوها وهو يمثل الخنوع والبراءة امامها ، قالت (روميساء) بحزم قاطع وهي تنظر لرأسه الصغير بتركيز
"ارفع رأسك يا هاني ، واخبرني عن ماذا كنا نتحدث الآن"

ردّ عليها (هاني) بسرعة بتلعثم بدون ان يرفع رأسه
"لم نتحدث بشيء ، بل انتِ من كنتِ تتحدثين طول الوقت مع نفسك"

تغضن جبينها بغضب من وقاحته وهو يقف امامها بدون اي اعتبار بوجودها ، لتبدأ بعدها الضحكات بالارتفاع تدريجيا بصخب حتى تحول الفصل لضجة صاخبة وكأنها بوسط حفلة ، عبست ملامحها وهي على وشك الصراخ بهم بتوبيخ قبل ان يخرج صوت آخر اكثر صرامة من عند باب الفصل قائلا
"فليصمت الجميع فورا"

خفتت صوت الضحكات حتى انعدمت تماما وجميع الانظار تتجه بوجل نحو باب الفصل والواقف عند إطاره المدير بنفسه وهو ينظر لهم بنظرات باردة تحمل الكثير من الشر غير المنطوق ، بينما نظرت (روميساء) بحيرة للمدير وهي تفكر عن سبب مجيئه للفصل بنفسه إلا إذا كان هذا تمرين يومي يفعله كل يوم ، فهذه ليست اول مرة يزور بها الفصول الخاصة بعملها وكأنه ليس لديه اي اعمال اخرى يفعلها غير زيارة فصولها كل حين .

تقدم (نادر) بعيدا عن باب الفصل وانظاره معلقة بالمعلمة الواقفة امامه بتركيز بطيء بدون ان يرمش حتى ، وما ان وقف امامها تماما حتى حانت منه التفاتة نحو الطفل والذي يكاد يختفي خلف ساقيّ المعلمة وهو ينظر للمدير بعبوس واضح ، ليقول بعدها وهو ما يزال يحدق بالطفل بابتسامة غامضة
"هل تعانين من مشاكل مع الطلاب الاشقياء ، إذا كانوا يسببون لكِ اي ازعاج فأنا استطيع التكفل بهم واخفائهم من الفصل بأكمله"

اخفضت نظراتها الخضراء بهدوء نحو الطفل والذي كان ينظر بتجهم عابس نحو المدير قبل ان تتنقل بنظراتها بين الطلاب الصامتين بخنوع وكأنهم ليسوا انفسهم من كانوا يسببون لها الضجة بالفصل ، فيبدو بأنهم لا يطيقون مديرهم هذا ويكنون له بالشر والظاهر بملامحهم الصغيرة العابسة .

ابتسمت (روميساء) بعملية وهي تعود بنظرها للمدير قائلة بجدية
"لا ليس هناك اي مشاكل من اي نوع ، فأنا هنا اسيطر على زمام الأمور جيدا ، ولكن شكرا لك على وقتك الثمين والذي اضعته بالتأكد من ان العمل يسير على ما يرام"

اختفت ابتسامة (نادر) وهو يستمع للكلمة الأخيرة والتي خرجت منها صارمة بتشديد ، ليقول بعدها وهو يرفع حاجبيه باستنكار واضح
"ولكن ليس هذا ما كان ظاهر امامي عندما دخلت لحجرة فصلك منذ لحظات"

عبست ملامح (روميساء) وهي تعيد خصلات شعرها المتمردة لخلف كتفيها قبل ان تقول بنفس ابتسامتها العملية
"كل معلم ولديه طريقته الخاصة بإدارة الأمور ، وهذه هي طريقتي الخاصة بالتعامل مع الفصل والذي اديره ، لذا ليس هناك داعي لتتعب نفسك بالتفكير بمثل هذه الأمور والتي تكون ليست من اختصاصك"

حرك (نادر) رأسه بعيدا عنها وكأنه قد تلقى للتو صفعة غير مباشرة وهي تعيد كلامه السابق لها وكأنها ترده بالمثل وهو ينظر لها بغموض هادئ ، ليقول بعدها بابتسامة جامدة لا تعبر عن شيء
"إذاً بما ان كل شيء يسير بخير بالفصل والذي تديرينه ، فأنا اريد منكِ ان تشرفيني بمكتبي لإنهاء بعض المعاملات والتي تخصك"

ردت عليه (روميساء) وهي تحرك رأسها بابتسامة واثقة
"اكيد سأفعل هذا يا سيدي المدير ، ولكنك ستضطر للانتظار اكثر حتى ينتهي موعد الحصة ، فكما ترى امامك انا ما ازال اقدم الدرس وعليّ انهاءه قبل موعد الحصة الذي تليه ، لذا عذرا منك فأنا مضطرة الآن لإكمال الدرس"

ابتسم (نادر) باهتزاز وهو يهمس بجمود متصلب يكاد ينطق من ملامحه بغضب مكتوم
"حسنا كما تريدين يا روميساء..."

قاطعته (روميساء) بابتسامة صغيرة بتصلب
"معلمة روميساء ، فأنا لا احب ان ينطق احد باسمي مجردا بدون اي لقب"

كان (نادر) يحدق بها بغموض طال للحظات قبل ان يتمتم بجفاء
"أياً يكن"

اهتزت حدقتيّ (روميساء) بارتباك وهي تشيح بنظراتها بعيدا عنه لتنظر لرأس الطفل والذي ما يزال ملتصق بها ، لتسمع بعدها وقع خطواته المبتعدة لخارج الفصل قبل ان يقول ببشاشة مريبة
"اتمنى لكم يوماً سعيداً بباقي اليوم وخالي من اي مشاكل"

زمت شفتيها وهي ما تزال تستمع لخطواته والتي اختفت عن مرمى سمعها ، لتعود بعدها للالتفات باتجاه باب الفصل وهي تتنهد بهدوء وقد آمنت الآن بالمقولة القائلة (لن تكتشف خيري إلا إذا جربت غيري) وهذا ينطبق على مديرها السابق الفظ بالمقارنة مع هذا المدير العابث .

سارت بعدها عدة خطوات للأمام قبل تشير للطفل بالطبشور والذي ما يزال بيدها وهي تقول بأمر صارم
"هيا عد لمقعدك بسرعة ولا اريد ان اسمع اي نفس منك وألا ارسلتك للمدير وهو من سيهتم عندها بك"

سار (هاني) بسرعة نحو مقعده قبل ان يجلس فوقه بطاعة تامة ، بينما كانت (روميساء) تنظر للأجواء الساكنة والتي خلفها وجود المدير بها بعد ان اجتاح المكان فجأة ، لتزفر بعدها انفاسها بإنهاك قبل ان تعود لرفع الكتاب المفتوح امام نظرها وهي تشير بالطبشور بكل زوايا الفصل متزامنا مع كلماتها الناطقة بعملية وهي تكمل ما بدأته وبطريقتها الخاصة والتي تتقنها وكأن شيء لم يحدث .

_____________________________
كان يقود السيارة على اطراف المدينة وهو يدندن بلحن غربي متزامنا مع الموسيقى والصادرة من مسجل صوت السيارة وهو يحرك رأسه برتابة ، لتعبس بعدها ملامحه وهو يتوقف عن الغناء ناظرا من نافذة السيارة الجانبية بتركيز للجسد البعيد والمتهدل على حاجز الجسر المتحرك نصف جسده ملقى بالهواء وقد اكتشف بأنها انثى من شعرها الاسود الكثيف والمتطاير امامها ورأسها محمول بالهواء يحركها كيفما يشاء .

عاد بنظره للأمام بسرعة ما ان كان على وشك التسبب بحادث وهو يطفئ مسجل الصوت بيده الأخرى ، ليوقف بعدها السيارة على قارعة الطريق بحذر وهو يعود بالنظر لنفس الجسر والمعلق به جسد الفتاة ، خرج بعدها من السيارة وهو يضع نظارته الداكنة فوق عينيه بهدوء قائلا بتسلية واضحة
"يبدو بأننا سنستمتع كثيرا بلعب دور البطل المغوار مع هذه الضحية"

اتسعت ابتسامة (شادي) بإثارة وهو يتحرك بخطوات واثقة باتجاه الجسر الطويل المتحرك ونظراته ما تزال متعلقة بانتباه بشعر الفتاة المتطاير بكثافة مع تيارات الهواء القوية ، وما ان وقف بجانبها وهي ما تزال على وضعها هذا حتى قال بابتسامة مسرحية وهو يمرر نظراته على جانب وجهها المخفي بين كومة شعرها
"مرحبا ، أهناك ما يضايقكِ يا آنسة ، فأنتِ تبدين بنظري مهمومة جدا والانتحار ليس بالحل المناسب ابدا"

اهتزت ابتسامة (شادي) بدون ان يجد اي إجابة على سؤاله وكأنه يكلم نفسه والآن فقط عرف شعور (احمد) عندما كان يكلمه بدون ان يجد منه اي استجابة ، ليعض بعدها على طرف شفتيه بتفكير قبل ان يستند بذراعيه على سياج الجسر المتحرك كما تفعل وهو يهمس بحزن مزيف
"اسمعي اعلم بأنني اضايقكِ بوجودي هنا ولا تريدين من اي احد ان يكون معكِ الآن ، ولكن صدقيني نواياي شريفة وما دفعني للمجيئ إليكِ هو منعكِ من فعل ما برأسكِ والذي سيكلفكِ الكثير ، لذا استمعي لكلامي وثقي بي"

همست (ماسة) لأول مرة بخفوت بدون ان تعتدل بوقوفها
"هلا صمت للحظة واعرتني سكوتك ، فقد بدأ رأسي يؤلمني من كلامك الفارغ"

انفرجت شفتيّ (شادي) وهو على وشك الكلام قبل ان يعود للصمت بصدمة وقد بدأ يتعرف اخيرا على الصوت الخارج من الفتاة بجانبه ، ليلتفت بوجهه بسرعة نحوها وهو يرفع النظارة لفوق رأسه بعيدا عن عينيه قائلا بتأكد
"ماسة"

رفعت (ماسة) وجهها نحوه ببطء وهي تبعد بكفها خصلات شعرها المتطايرة من امام وجهها قبل ان تقول بابتسامة ساخرة
"ألم تتعرف عليّ بعد ، ام تحتاج لأثبات هوية شخصية لتتأكد من هي التي تريد ان تُقدم على الانتحار ، وتتوقف عن تمثيل دور البطل امامي"

ابتلع (شادي) ريقه برهبة من الموقف والذي وضع نفسه فيه وهو يحاول التقرب ومساعدة الفتاة والتي تبين بأنها ابنة عمته المجنونة ، وهو لا يعلم ما لذي احضرها لهذا المكان تحديدا ؟ وكأنها تصر على ملاحقته لكل مكان كلعنة والتي وقعت على رأسه وبكل مرة تكون بوضع مختلف ومريب تماما عن سابقه ، وقد يكون القادم منها افظع ؟

كان يتنقل بنظراته بوجهها الجامد وهو ينظر لأول مرة لشعرها الطليق من حولها وهو يشكل هالة سوداء من حول رأسها تزيد بشرتها الرخامية بياضا غريبا مثل بياض الثلج وخاصة مع شفتيها الحمراوين بشكل مبالغ به بلون الدم بدون اي طلاء او مساحيق لتظهر مثل قصة بياض الثلج بالحكايات والتي لا ينقصها سوى وجود التفاحة المسمومة بيدها ، ليتوقف بالنهاية بنظراته عند حدقتيها الزرقاوين وهما تبدوان لأول مرة ساكنتين بدون اي امواج او بحار .

همس (شادي) بعدها بلحظات بابتسامة شاردة
"بياض الثلج"

عقدت (ماسة) حاجبيها بتركيز قبل ان تبتعد قليلا عن حاجز الجسر المعلق وهي تتمتم بوجوم
"ماذا كنت تقول عني للتو"

افاق (شادي) من شروده لينظر بعيدا عنها وهو يحرك كتفيه بلا مبالاة قائلا ببرود
"ليس بالشيء المهم"

عبست ملامحها بتصلب لتعود لتسند ذراعيها فوق حاجز الجسر وهي تعود للشرود بعيدا عنه وشعرها يرافقها بنفس الشرود ، بينما تجهمت ملامح (شادي) وهو ينقل نظره للأفق وللشمس والتي اختفت نصف استدارتها ليتبقى فقط القليل منها بوقت المغيب ، ليخفض بعدها نظره وهو يقول بصرامة مفاجئة
"صحيح لم تخبريني ما لذي تفعلينه بهذا المكان وعلى اطراف المدينة ، بدلا من ان تكوني الآن بالمنزل منذ ساعات ام انكِ تهوين التمرد على القوانين بالمنزل كما كنتِ تفعلين بمنزل زوج والدتك"

ردت عليه (ماسة) بجفاء متعمد
"هذا ليس من شأنك"

زفر (شادي) انفاسه بغضب وهو يقول بجدية صارمة
"لا تبدأي مجددا ، فأنا ليس لدي مزاج الآن لأبدأ بالشجار معكِ ، لذا تعالي معي بهدوء لنعود للمنزل بدون اي مشاكل وبعدها يمكنني التشاجر معكِ بأي وقت تختارينه"

امتعضت ملامح (ماسة) وهي تقول بحزم قاطع بدون ان تنظر إليه وهي تتأرجح بتعلق جسدها بحاجز الجسر بدون ان تهتم لخطر السقوط عنه
"ومن اخبرك بأني ارغب بالشجار معك او اني اريد العودة للمنزل معك ، فأنا إذا لم تكن تعلم استطيع العودة بمفردي وقتما اشاء وكما يحلو لي"

ازداد امتقاع ملامحه وهو يقبض على كفيه بقوة قبل ان يتهور ويسحبها معه من شعرها الطويل ويرتاح من هذه المهمة بأكملها ، فهو يعلم جيدا اي نوع من الوحوش ستقابلها وتتعرض لها بشكلها الملفت هذا وقد اصبح وجودها بهذا المكان خطرا عليها وعلى سمعتها وهذا إذا كانت تبالي بالسمعة اصلا ؟
تنهد (شادي) بهدوء وهو يقول بصبر حانق
"ماسة لا تدفعيني للغضب وفعل ما نندم عليه كلينا ، لذا هلا نفذتِ ما اقوله لكِ واتيتِ معي لنرحل من هنا"

ولكن لا حياة لمن تنادي وهي ما تزال تتأرجح بجسدها ورأسها يتحرك بالهواء وكأنها تختبر شعور الانتحار لو سقطت فجأة عن الجسر بدون اي اهتمام بحياتها ، لتعبس بعدها ملامحه وهو يتمتم بلا مبالاة متعمدة ناظرا لجسدها المتأرجح برتابة
"حسنا كما تشائين ، انا الآن راحل من هنا وتحملي انتِ تبعاتِ تهوركِ هذا عندما تنقض عليكِ الذئاب الجائعة او يلقون بكِ من على الجسر ، فأنا لم اعد اهتم"

عاد (شادي) للابتسام ببرود وهو يعيد نظارته الداكنة لفوق عينيه السوداوين وهي ما تزال تتأرجح بلا مبالاة وعدم اهتمام بوجوده ، ليتراجع بعدها بخطواته وهو يغادر بعيدا عنها ، بينما كانت هي تستمع لخطواته بتركيز قبل ان تلتفت بسرعة نحو مكان اختفاءه وهي ترفع حاجبيها بصدمة من سرعته بالرحيل حتى لم يعد يظهر منه اي أثر وكأنه كان ينتظر بفارغ الصبر الفرصة ليتخلص منها ، ابتسمت بعدها بجمود وهي تخفض نظرها للأسفل لأمواج البحر الهائجة بوقت الغروب وقد تلونت بألوان الغروب الناعمة وهي تظهر انعكاس صورة الشمس والتي توشك على الرحيل .

شعرت بدفعة طفيفة بفعل تيارات الهواء من خلفها لتنزلق ذراعيها بعيدا عن الحاجز ورأسها تتهدل لأسفل الجسر وقد اصبحت ساقيها معلقتان بالحاجز الرخامي تثبتانها لكي لا تقع وهي تمسك بقضبان الجسر بيديها بتشبث ، لتشعر بعدها بقوة تمسك بساقيها لتسحبها عاليا وهي تعيدها لفوق الجسر كما كانت قبل دقائق ، استدارت بسرعة للخلف لتنصدم بنفس الشخص والذي رحل قبل قليل وهو يمسك بساقيها بقوة وابتسامة ساخرة تحتل محياه قبل ان يقول ببرود متجمد
"اخبرتكِ ان تتحملي تبعاتِ تهوركِ ، ولكنكِ لم تفعلي ، وها انتِ كدتِ تقعين عن الجسر بدون ان يراكِ احد لتختفي بين امواج البحر والتي ستؤخذكِ بعيدا جدا ، وهذا الذي لن اسمح بحدوثه ابدا فخسارة شيء فريد مثلكِ ستكون خسارة فادحة"

انفرجت شفتيها الحمراوين بذهول من مغزي كلامه وهو ما يزال متشبث بساقيها ورأسها متهدل بالهواء ، ليرفع ذراعه عن ساقيها ليمسك بخصرها وهو ينزلها عن الجسر بسلاسة قبل ان يضع ذراعه الأخرى اسفل ساقيها ليحملها عاليا بين ذراعيه ببساطة ، قال بعدها بابتسامة متسلية متلاعبة
"هذه المرة سنعود للمنزل فأنا لن اعود لمساعدتكِ مرتين ، وحتى لو غرقتِ بتلك المياه وتجمدتِ بقاعها ، فلن اهتم لأنكِ انتِ من اخترتِ هذا المصير ، لذا ليس لديكِ حل الآن سوى ان تختاريني فأنا الآن الخيار الافضل لكِ"

افاقت من صدمتها لتعبس بتجهم وهي تدفعه بقبضتيها قائلة بانفعال
"اتركني الآن وفورا ، وايضا انا لا احتاج لمساعدتك فقد كنتُ استطيع تدبير امري لوحدي بدون ان اسقط عن الجسر"

حرك (شادي) رأسه بتفهم وهو يرفع جسدها النحيل لفوق حاجز الجسر قائلا ببساطة
"حسنا إذا كنتِ تختارين هذا المصير"

صرخت (ماسة) وهي تتمسك بقميصه بقبضتيها بهلع
"لا تتركني يا مجنون"

عبست ملامح (شادي) وهو يقول بحاجبين مرفوعين ببراءة
"لم اعد افهمكِ ابدا ، هل تريدين مني ان اترككِ ام لا"

رفعت وجهها نحوه بقوة وهي تقول باقتضاب بارد
"لا تتركني"

اتسعت ابتسامة (شادي) وهو يرفع حاجبيه بتسلية قائلا بطاعة
"حاضر يا آنسة ماسة ، الآن فقط عرفتُ ما هو مغزى اسمكِ فأنتِ باردة وقاسية كالألماس"

اشاحت (ماسة) بوجهها بعيدا عنه بضيق وهي ما تزال متمسكة بقميصه بقوة ، ليتراجع بعدها (شادي) بخطواته بعيدا عن حاجز الجسر قبل ان يتمسك بجسدها جيدا وهو يشعر بتشنجاته الواضحة بكل انحاء جسدها ، ليسير عندها باتجاه سيارته بصمت وابتسامته المتسلية ما تزال تحتل ملامحه الباردة ، واما (ماسة) فقد اكتفت بالصمت وهي تنظر لملامحه الغريبة والتي تظهر باردة غير مبالية بأي شيء مما يدور من حوله ، فهل هو قناع لإخفاء دواخله عن جميع من حوله ام هي طبيعته والتي تمتاز بالبساطة بكل شيء يفعله بدون ان يفكر بنتائج افعاله بالعالم ؟

_____________________________
كانت تتلاعب بالطعام بطبقها بالملعقة بشرود وهي جالسة حول طاولة الطعام مع العائلة وتستمع لهدر من النصائح والتي كانت تلقيها والدتها على اسماع ابنها الثالث ورجل العائلة الوحيد والذي يبلغ من العمر عشر سنوات وكل آمالهم معلقة به ليستطيع حمل كل اثقال العائلة بالمستقبل ونقل عمل العائلة للأفضل ، ولكنها ترى عكس ذلك تماما فماذا سيخرج من طفل الألعاب الإلكترونية وهو يدمن عليها اكثر من حياته وكل شيء يتمناه يصبح بين يديه بدون ان يطلبه ، حتى اضطروا بالنهاية لشراء نظارة طبية صغيرة خاصة به على طفل بالعاشرة من عمره .

صرخ شقيقها (يامن) وهو يقول بتذمر شديد
"هذا يكفي يا امي ، اريد الذهاب للعب فقد انتهيتُ من تناول الطعام بالفعل"

كانت والدته على وشك الاعتراض بغضب قبل ان يسبقها والده والجالس على رأس المائدة وهو يقول بوقار
"اتركيه يفعل ما يشاء يا جويرية ، فهو لم يعد طفلا صغيرا لتتحكمي بتصرفاته"

تحرك (يامن) بسرعة وهو ينهض عن مقعده لينطلق بعيدا عنهم قائلا بمرح بالغ
"شكرا يا ابي"

تجهمت ملامح (جويرية) وهي تلتفت بوجهها نحو زوجها قائلة بعدم رضا
"هذا الوضع غير مقبول ابدا ، إلى متى سيبقى متعلق هكذا بتلك الألعاب السخيفة والتي اخذت عقله بالكامل بدون ان يهتم بدراسته او بأمور أخرى غير اللعب"

ردّ عليها زوجها ببساطة بالغة وهو يحرك رأسه باتزان
"لا بأس فهو ما يزال صغيرا ويريد ان يعيش حياته ، وعندما يكبر قليلا سيكون عندها لكل حادثٍ حديث"

اعادت (جويرية) نظراتها للطبق امامها ببرود بدون ان تعلق على كلامه ، ليتابع بعدها كلامه وهو يقول بتفكير
"هل عادت سلوى لبيت زوجها"

امسكت (جويرية) بطبق ابنها الصغير لتسكب الأرز المتبقي منه بطبق منفرد يحتوي بواقي الطعام من العائلة وهي تقول بهدوء
"اجل لقد غادرت بمنتصف النهار مع السيارة الخاصة والتي اتت من عائلة زوجها لتوصلها للمنزل"

قال بعدها بلحظات وهو يعقد حاجبيه بحيرة حادة
"ولكن زيارتها هذه المرة قد طالت كثيرا عن السابق ، كان من المفروض ان تعود لعائلة زوجها منذ ايام ، فهذا التصرف غير لائق ابدا امام عائلة زوجها وامام المجتمع"

وضعت (جويرية) الطبق مكانه بصمت بدون ان تخبره بالذي حدث قبل مغادرة (سلوى) مع السائق وهي تصر على عدم العودة لبيت زوجها قبل ان يأتي بنفسه لها ويعتذر منها عما حدث ، ولكنها مع ذلك ارغمتها على الذهاب مع السائق والتفاهم مع زوجها بمنزله بدل الهروب هكذا كالجبناء والسماح للعالم بتشويه سمعتها بالقيل والقال .

قالت (جويرية) بعدها بلحظات بابتسامة هادئة وهي تضم قبضتيها معا بتحفز
"بالمرة القادمة سأتأكد من ان لا تطول زيارتها اكثر من الازم ، ولا تقلق من كلام الناس فلن يتجرأ احد على قول كلمة تسيء لبنات العائلة ولسمعتهن"

حرك رأسه بالإيجاب بدون اي كلمة ، بينما كانت (غزل) تستمع لكلامهم بعدم مبالاة وهي مشغولة بتناول طعامها بوجوم ، ليقول بعدها والدها بجدية صارمة وهو يضع الملعقة جانبا
"اسمعي يا غزل ، لقد تقدم صديق لي بالعمل بطلب يدكِ مني لابنه البكر ، وهو الآن ينتظر ردي على طلبه ، فما رأيك..."

ردت عليه (غزل) فجأة بانقباض مشتد
"اعتذر ولكني غير موافقة"

تجمدت ملامح والدها بدون ان يتأثر برفضها وهو ينظر لها بتركيز ، لتتدخل بعدها والدتها وهي تقول بخفوت حاد
"إلى متى ستبقين ترفضين كل عروض الزواج والتي تصل لكِ ، ام تفكرين بقضاء طيلة حياتكِ وحيدة بدون زواج وبدون تكوين عائلة مثل شقيقتك الكبرى"

حادت (غزل) بنظراتها نحو والدتها وهي تهمس باقتضاب
"وهل تظنين بأن سلوى سعيدة بزواجها"

عبست ملامح (جويرية) وهي تنظر لها بتصلب لتقول عندها بابتسامة جامدة
"ولكن زواجها يبقى افضل من عرض الزواج الرخيص والذي لا يستحق الذكر ، وانتِ توقفين حياتكِ بأكملها فقط من اجل شخص واحد ليس من مقامنا ولا من مستوانا ، وان كنتِ انتِ تسمحين لنفسكِ بالنزول لهذا المستوى المنحط فنحن لا نسمح ابدا ولا نقبل ، فلا تنسي بأن هناك دائما فروق بين من يعيش على الأرض ومن يعيش على السماء"

زمت شفتيها بارتجاف وهي تنظر لوالدتها بدون اي تعبير وحدقتيها تلسعانها بنار تأبى التوقف بداخلها حتى تحرقها بالكامل وتختفي من هذا العالم القاسي والذي لم يعطها اي لمحة من السعادة منذ ولادتها مشوهة الروح والقلب ، قصف بعدها صوت والدها وهو يقول بأمر صارم
"يكفي كلام يا جويرية ، لا اريد سماع اي شيء عن هذا الموضوع فقد مات بأرضه وانتهى منذ زمن"

امتعضت ملامح (جويرية) وهي تعود لسكب الطعام بالأطباق بنفس الطبق المنفرد بصمت ورتابة وهي تقرع الملعقة بالصحون بقوة ، بينما وقفت (غزل) عن مقعدها بهدوء وهي تتنفس بنشيج متقطع قبل ان تهمس بخفوت مشتد
"سامحني يا ابي ، ولكني لا افكر ابدا بالزواج بهذه الفترة ، واعتذر إذا كنتُ اسبب لكما اي نوع من الإحراج امام الناس وسماع الكلام المسيء منهم ، والآن عذرا"

غادرت (غزل) بخطوات خافتة بعيدا عن طاولة الطعام بدون ان تنتظر اي تعليق منهما ، ونظرات والديها تلاحقها بتركيز حتى اختفت عن نظرهما تماما ، ليقطع بعدها الصمت صوت (جويرية) وهي تقول بيأس
"حالة هذه الفتاة لا تعجبني ابدا"

ردّ عليها زوجها وهو ما يزال شارد بمكان اختفاء ابنته بهدوء
"اعطيها وقتها يا جويرية ولا تحاولي الضغط عليها ، وانا متأكد بأنها ستتحسن لوحدها فبعد كل سقوط ستعود للوقوف اقوى من قبل ، وهذه هي ابنتي"

نهاية الفصل......................
منتظرة آرائكم بفارغ الصبر ❤❤


روز علي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس