عرض مشاركة واحدة
قديم 12-04-21, 08:26 PM   #29

روز علي
 
الصورة الرمزية روز علي

? العضوٌ??? » 478593
?  التسِجيلٌ » Sep 2020
? مشَارَ?اتْي » 711
?  نُقآطِيْ » روز علي is on a distinguished road
افتراضي الفصل السابع

الفصل السابع...............
كانت تحرك ساقها للأمام وللخلف بملل وهي تركل الحصوات الصغيرة من على الأرض برتابة ، لتلتفت بعدها بسرعة للطريق الفارغ ما ان سمعت صوت سيارة بالقرب منها قبل ان تعبس ملامحها وهي تكتشف بأنها مجرد سيارة عادية وليست سيارة أجرة ، نظرت للساعة بمعصمها وقد اعلنت عن وصولها للثامنة تماما وهي تنتظر هنا منذ ربع ساعة بدون ان تمر اي سيارة أجرة لتوصلها للمنزل .

انتفضت بوجل ما ان سمعت صوت زامور السيارة والتي توقفت بمقربة منها ، لتلتفت بعدها بوجهها بتوجس وهي تنظر للسيارة السوداء الفارهة والتي وقفت بجانبها تماما ، تنهدت براحة ما ان اطل عليها من نافذة السيارة وجه (احمد) وهو يقول بارتفاع حازم
"هيا تعالي لأوصلكِ معي"

ابتلعت (روميساء) ريقها برهبة وهي تفكر بأنه ليس من الجائز الذهاب معه بسيارته لوحدهما وخاصة امام زوجته غريبة الاطوار والتي اكيد ستقطعها إربا ما ان تراها عائدة مع زوجها ، لتقول بعدها بسرعة بارتفاع مرتبك
"لا بأس ، سأنتظر سيارة الأجرة لتوصلني"

عاد (احمد) لإخراج رأسه من نافذة السيارة وهو يقول بأمر قاطع
"انا لم اكن اطلب منكِ الاختيار بل هذا امر وانتِ عليكِ بتنفيذه ، هيا تحركي بسرعة فقد تأخرنا بالفعل"

عضت على طرف شفتيها بتفكير قبل ان تتحرك على مضض باتجاه سيارته المركونة عند زاوية الطريق ، وما ان دخلت من الباب بجانب مقعد السائق حتى قال (احمد) بعجلة وهو يحرك السيارة بعيدا
"ضعي حزام الأمان ، لأن رحلتنا ستكون طويلة"

جلست (روميساء) بسرعة وهي تغلق باب السيارة من جانبها بقوة ، لتحاول بعدها الإمساك بحزام الأمان بارتباك وهي تخرجه من مكانه العالق به بدون اي فائدة ، لتشعر عندها بيد خشنة تمسك بكفها وهو يشدد عليها بقوة لتستطيع إخراج الحزام من مكانه بمساعدته قبل ان يفلتها وهو يعود للتمسك بعجلة القيادة بيديه بهدوء بالغ .

ربطت حزام الأمان بطرف مقعدها وهي تعتدل بجلوسها للخلف براحة بعد يوم عمل طويل ، لتحتضن بعدها كفها والتي امسك بها بيدها الأخرى بقوة وهي تشعر بقشعريرة غريبة تحتل باقي جسدها بارتجاف ، التفتت نحوه بسرعة ما ان قال بحيرة جادة
"لقد قلتِ بأنكِ تعملين بمدرسة الزهور الابتدائية ، ولكن ما رأيته غير ذلك تماما"

اعادت نظرها للأمام وهي تتمتم بهدوء خافت
"لقد كنتُ اعمل بها ، واما الآن فقد اصبحتُ اعمل بهذه المدرسة وجميعها بنظري مثل بعضها لا يوجد اي اختلاف"

تصلبت شفتيه وهو يقول باستنكار واضح
"ولكن ألم تجدي مدرسة غير هذه لتعملي بها ، لا اقصد الإهانة ولكن سمعة هذه المدرسة كل من بالأرض تعرفها ، ولا ينصح ابدا بالعمل بها بسبب سمعة مديرها والنظام بها"

عبست ملامحها بحزن وهي تنظر بعيون خضراء متسعة للسيارات من حولها وهي تتكلم بداخلها بأنها كانت تتمنى حقا لو استطاعت ان تتوظف بأي مدرسة اخرى غيرها ولكنه لم يتبقى لها سواها من جميع المدارس والذين رفضوا توظيفها واستقبالها ، قالت بعدها بابتسامة ضعيفة بمرارة بدون ان تنظر له
"هذه الوظيفة والتي كانت متوفرة امامي بالوقت الحالي ، وانا سعيدة جدا بالعمل بتلك المدرسة وهذا ما يهمني"

حرك رأسه بهدوء وهو يحاول استيعاب نبرة الحزن والتي خرجت من صوتها وكأنها مرغمة على كل هذا ام انه هو الذي اصبح يتفحص كل شيء يخرج منها بتتبع غريب مؤخرا بدون ان يستطيع منع نفسه ؟ قطع بعدها تفكيره صوت (روميساء) وهي تهمس بحيرة
"هذا ليس طريق المنزل ، أليس كذلك"

التفت (احمد) باتجاهها بسرعة ليفاجئ بنظراتها الثابتة نحو وجهه وهي تنظر له بعيون خضراء متسعة بجمال وحاجبيها السوداوين الرقيقين معقودان من فوقهما بحيرة واجمة ، ليعود بنظره للطريق امامه بصمت وهو يشدد بيديه على عجلة القيادة بتشنج ، عادت (روميساء) للكلام وهي تهمس بوجوم عابس
"ما بك هل وجودي معك يضايقك"

قال (احمد) بسرعة بجدية حادة
"لا ليس هكذا هو الأمر ، وايضا نحن سنذهب بالبداية لزيارة شخص مهم لأن هناك ما عليّ انجازه معه"

ردت عليه (روميساء) بسرعة بشحوب
"يمكنك ان تنزلني عند مكان قريب وانا سأكمل الطريق بسيارة أجرة ، لتستطيع عندها زيارة ذلك الشخص بحرية اكثر"

تجهمت ملامح (احمد) وهو يقول بجفاء حاد
"هلا توقفتِ عن تكراري نفس الطلب ، لأني لن اترككِ تعودين للمنزل لوحدكِ حتى لو اضطررت لتأجيل زيارتي"

صمتت (روميساء) وهي تشدد من القبض على حزام حقيبتها بتوتر ، لتهمس بعدها بحزن واضح
"اعتذر إذا كنتُ قد ضايقتك بمهمة إيصالي للمنزل"

زفر (احمد) انفاسه بضيق وهو يتمتم باقتضاب
"فقط اصمتِ ولا تقولي اي كلمة اخرى عن هذا الموضوع ، وسأكون عندها اكثر من سعيد"

زمت شفتيها بحنق وهي تعيد انظارها للنافذة المفتوحة بجانبها بشرود ، ولم تنتبه للنظرات والتي كانت تراقبها خلسة وهو يتمعن بخصلات شعرها السوداء والمتراقصة مع الهواء البارد بهدوء والمتسلل من النافذة .

اوقف السيارة بعدها بدقائق بجانب الطريق وهو يقول بحزم صارم
"إياكِ والخروج من السيارة ، سأغيب عشر دقائق فقط واعود ، لذا حاولي ان تكوني مهذبة بهذا الوقت"

عقدت حاجبيها بضيق وهي تستمع له وهو يتكلم معها وكأنه يتكلم مع طفلة مشاكسة وهو نفس الكلام والذي كانت توجهه لطلابها عندما تخرج من الفصل ، خرج بعدها من السيارة وهو يقفل الباب من خلفه بقوة ليسير نحو منزل متوسط الحجم وعواميد الإنارة تضيء الطريق امامه وامام مدخل المنزل .

تقدمت (روميساء) بجلوسها وهي تنظر بتركيز من النافذة الأمامية للسيارة للذي وصل لمدخل المنزل ليقرع عندها الجرس بهدوء ، ليطل عليه بعدها بثواني رجل لم تتبين ملامحه بسبب الظلام الحالك والمنتشر بالمكان ولكن كل ما استطاعت لمحه هو يده الممسكة بشيء ليناوله ذلك الشيء ليد المقابل له قبل ان يودعه بالنهاية وهو يلوح له بابتسامة هادئة باتزان .

تراجعت بسرعة بجلوسها وهي تنظر بريبة للذي دخل للسيارة بجانب مقعدها بصمت ، ليجلس بعدها بهدوء وهو يلقي بالشيء فوق المقود والذي تبين بأنه كرت مستطيل الشكل بلون ابيض مزخرف بالفصوص والالماس بإتقان عمل يدوي ، حرك (احمد) السيارة بهدوء وهو يقود بعيدا عن الطريق ليسلك طريق آخر مؤدي للمنزل ، بينما لم تستطع (روميساء) منع نفسها من إمساك الكرت وهي تتفحصه بين يديها بانبهار ، لتسمع بعدها صوت الجالس بجانبها وهو يقول بهدوء
"هل اعجبكِ صنع الكرت"

اومأت (روميساء) برأسها بالإيجاب وهي تهمس بحيرة
"هل هذا كرت زفاف"

ارتفع حاجبيه بدهشة وهي يقول بابتسامة جانبية بسخرية
"اجل هذا كرت زفافي"

التفتت (روميساء) نحوه بصدمة وهي تقول بانشداه
"ولكنك متزوج بالفعل"

اتسعت ابتسامة (احمد) بغموض وهو يقول ببرود جليدي
"ولكن الرجل بالشرع محلل عليه بالزواج من اربع"

عضت على طرف شفتيها بتأنيب من تفكيرها الاحمق وما دخلها هي لتحشر نفسها بما لا يعنيها وبخصوصيات الآخرين ، ليقول بعدها (احمد) بابتسامة هادئة
"افتحي الكرت وستعلمين تفاصيل الزفاف جيدا"

فتحت الكرت بأصابع مرتجفة وهي لا تعلم ما سبب كل هذا الارتجاف والرهبة والتي تنتابها لأول مرة ؟ لتخرج بعدها ورقة مزينة بالفصوص من داخله ومكتوب عليها بالخط العريض
(نتشرف بدعوتكم لحفل شراكة بين شركة حوت عائلة الفكهاني وشركة نصران بنهاية الأسبوع القادم بحلول الساعة التاسعة مساءً)

توقفت عن القراءة وهي ترفع نظراتها بصدمة له وهي تهمس بعدم استيعاب
"هذا ليس كرت زفاف بل كرت دعوة لحفلة شراكة"

انفجر (احمد) بالضحك بهدوء قبل ان يقول بجدية متزنة
"اجل هذه دعوة لحفلة شراكة بعائلتنا وابي سيقيمها بمنزله ، وقد طلبتُ من منسق الكروت ان يصمم لنا كرت خاص لهذه الحفلة ، وهذا الذي بين يديكِ هو اول نسخة من الكرت ويمكنكِ الاحتفاظ به بما انه قد اعجبك"

انفرجت شفتيها بارتعاش وهي تعود بالنظر للكرت قبل ان تهمس بعبوس متصلب
"ولكنك تحتاج هذا الكرت كأول نسخة منه لتتفحصه جيدا وتتأكد بأنه لا يوجد به اي عيب ، وانا لا استطيع قبوله...."

قاطعها (احمد) وهو يقول بصرامة حادة
"ألا تستطيعين فعل شيء او تنفيذه بدون ان تناقشيني به او ان تعترضي عليه ، وايضا انتِ قد رأيته وتفحصته وهذا يعني بأنه لا يوجد به اي عيب"

عبست ملامحها وهي تعيد الورقة لداخل الكرت قائلة ببرود
"حسنا لا تغضب ، سأتقبله منك بما انك لا تمانع هذا"

حاد بنظراته نحوها بضيق وهو لا يصدق مدى عناد هذه الفتاة ولكنه بالحقيقة يروقه كثيرا فهو لم يحاول يوما مناقشة احد بأفكاره بحرية كما يفعل معها هي ، قالت (روميساء) بعدها وهو ما تزال شاردة بالكرت
"يبدو بأنك تبذل قصارى جهدك من اجل ان تكون الحفلة رائعة وتروق مستوى المجتمع الراقي"

عقد حاجبيه بتفكير وهو يبتسم باتساع فقد استطاع احد ان يفهمه اخيرا ويقدر ما يبذله من جهد ليجعل الحفلة كاملة لا ينقصها شيء ، قال بعدها بهدوء جاد
"هذا إطراء جميل ، وسيكون حقا رائعا لو حضرتي هذه الحفلة ايضا فوجودكِ بها سيجعلها كاملة"

ردت عليه بسرعة بتوجس
"لا لا استطيع يا سيد احمد ، فأنا ليس لي مكان بتلك الحفلة ابدا"

تجهمت ملامحه وهو يقول بجفاء حاد
"ماذا قلنا عن التوقف بمناقشتي بكل شيء اقوله ، انا اخبرتكِ بأمر وانتِ عليكِ بتنفيذه فهذه الحفلة تخص عائلتكِ وهذا يعني بأنكِ انتِ ايضا مدعوة لها"

قالت (روميساء) بارتباك وهي تحرك رأسها بالنفي باهتزاز
"ولكن يا احمد ، انا لا استطيع ولا املك حتى ملابس مناسبة او اي شيء خاص من اجل تلك الحفلة"

لم تنتبه لابتسامة (احمد) الغامضة وهي تنطق اسمه مجردا لأول مرة بدون ان تقصد وهو يجرب اسمه منها بدون اي القاب وبعفوية محببة ، ليقول بعدها بهدوء وبثقة بالغة
"لا تقلقي يا روميساء ، فأنا من سأهتم بكل هذه الأمور ، فقط انتِ وافقي على الحضور ولا تهتمي للباقي"

تنهدت بهدوء قبل ان تعود للنظر للأمام بشحوب وهي تدس الكرت بحجرها بصمت ، ليطول الصمت بينهما حتى نهاية الطريق المؤدي للمنزل والظلام يحيطهم بكل مكان ألا من بعض الانوار والتي كانت تضيء الطريق امامهما بخجل .
_____________________________
كانت جالسة فوق مقاعد الاستراحة بساحة الكلية وهي تنظر للكتاب بحجرها بتركيز ، لتحيد بعدها بنظراتها بضيق لمجموعة من الفتيات والجالسات بالمقاعد المجاورة لها واصواتهن المرتفعة وضحكاتهن الصاخبة تصلها بوضوح لتنخر اذنها بإزعاج ، قالت بعدها بارتفاع حاد فوق صوت ضحكاتهن
"المعذرة ، ولكني احاول الدراسة هنا"

خفتت صوت الضحكات لتلتفت احداهن لها وهي تقول بابتسامة محرجة
"نحن نعتذر يا جميلة ، يمكنكِ إكمال دراستكِ براحة ونحن لن نصدر اي إزعاج"

ادارت (غزل) عينيها بعيدا عنهم وهي تعود للنظر للكتاب ببرود لتتجاهل وجودهم تماما وكأنهم غير متواجدين بعالمها كما تفعل عادة ، رفعت نظراتها بشرود بعيدا عن الكتاب وتحديدا للطفلة الراكضة بحديقة الكلية وشقيقتها الكبرى تحاول اللحاق بها ومجاراة سرعتها واندفاعها ، لتتذكر عندها طفلة أخرى بنفس نشاط تلك الطفلة والتي كانت تهوى الجري بمرح والاطفال الآخرون يجرون من حولها ليشكلوا حلقة قبل ان تتسارع انفاسها مع نبضات قلبها بتزامن وما هي ألا ثواني حتى يسقط ذلك الجسد ارضا بدون ان تشعر به ليخفت عندها صوت المرح والضحك من حولها ليحل السكون على عالمها لتجد نفسها بعدها بساعات حبيسة الفراش والغرفة والأجهزة الطبية تحيطها بكل مكان تمنعها من الحركة وصوت جهاز دقات القلب يرن بأذنيها بطنين مؤلم ، لتتحول بعدها حياتها لطفلة وحيدة تشاهد العالم من حولها وهو يتحرك بسلاسة مملة بدون ان تستطيع الاقتراب منه وسبل الراحة متوفرة بكل زوايا غرفتها المقيتة والتي اصبحت هي حدود عالمها ، ليطول الأمر لسنوات طويلة وكل ما يهم تلك الطفلة هو مرور الوقت بسرعة لتستطيع العودة للعب ولم تكن تعلم بأنها ستعود للعالم بعد فوات الأوان لتسلك حياتها منحى آخر مختلف تماما عن الذي كانت تعرفه طفلة ؟

اتسعت حدقتيها العسليتين باخضرار حزين ما ان سمعت احداهن من مجموعة الفتيات وهي تقول بخفوت ضاحك
"انظرن يا فتيات ، لقد اتى الخاطب الجديد بالجامعة"

قبضت (غزل) على الكتاب بين يديها بتصلب مشتد وهي ترفع حدقتيها ببطء لما تنظر له الفتيات لتتجمد انظارها بصدمة ليس من منظر الشاب النحيل والذي كان يسير بين الطلاب بثقة بالغة بل من الفتاة والتي كانت برفقته وهي تتمسك بذراعه بتشبث وابتسامة عريضة تحتل محياها البسيط بملامحها السمراء الهادئة ، زمت بعدها شفتيها بارتجاف وهي تستمع للفتيات وهي تقول احداهن بسخرية
"تبدو خطيبته قبيحة أليس كذلك ، ألم يجد اجمل منها"

ردت عليها الأخرى بتأنيب
"اصمتِ لا يسمعكِ احدهم"

ابعدت (غزل) نظراتها عنهم بتشوش وقد بدأت غلالة من الدموع باحتلال اطراف عينيها بتدفق على وشك الانهيار ، لتنتفض بعدها واقفة عن المقعد وهي تدس كتابها بداخل حقيبتها بارتجاف قبل ان تسير بسرعة بعيدا عن هذه الاجواء الخانقة والتي ستزهق انفاسها وهي تحاول التوازن على كعبيّ حذائيها المسننين بصعوبة بالغة ، وما ان ابتعدت عنهم بمسافة قصيرة حتى اسندت كفها بجذع شجرة قريبة وهي تحني رأسها للأسفل بانتحاب صامت وكفها الأخرى مستريحة على ركبتها بهدوء ، لتزفر بعدها انفاسها بنشيج خافت تشعر به يخرج من صميم روحها المرهقة من كل ما مرت به بحياتها وهي ترى النور الوحيد والذي شعرت معه بالسعادة الحقيقية قد اختفى بلمح البصر وقبل ان تسعد به حتى وهي تراه بكل يوم وهو يبتعد عنها ببطء بدون ان تملك القدرة على فعل شيء ، ولكن اللوم لا يقع عليه وحده بل على جميع من وقف بوجه سعادتها وافسدها بدون التفكير بقلبها الصغير والذي عاد للحياة مجددا بعد فقدان الأمل منه ، وكل هذا بسبب المستويات والفروق بين البشر والتي تحددها عائلة والدها العريقة والتي لا تقبل بالقليل حتى دمرت بقايا قلب تنبض بداخلها .

ابعدت كفها عن الجذع بهدوء وهي تحاول الاتزان بوقوفها وما ان حاولت السير عدة خطوات للأمام حتى انزلقت بكعبيّ حذائيها والذين تشعر بهما قد تحولا لهلاميين بدون ان تمنع نفسها من السقوط هذه المرة ، لتشعر بعدها بصدر واسع يسندها وذراعين تحميانها من السقوط وهو يمسك بذراعيها بقوة ، اخترق صوته غمامة حزنها وهو يقول بتوجس قلق
"هل انتِ بخير يا غزل ما لذي اصابكِ ، غزل"

افاقت فجأة من ذهولها وهي تشهق بهلع لتضع قبضتيها فوق صدره وهي تبتعد عنه باهتزاز مرتبك ، لتقف بعدها امامه بتصلب وهي تهمس بتشنج مرتجف
"انا بخير ، بخير"

عقد (هشام) حاجبيه بريبة وهو يتراجع للخلف قائلا بشك
"تبدين شاحبة للغاية ، هل تعانين من شيء"

تنفست (غزل) باضطراب وهي ترفع كفها لتمسح على وجهها المتعرق وتعيد خصلات شعرها القصيرة لخلف اذنيها بهدوء ، لتهمس بعدها بلحظات بابتسامة هادئة وهي تنظر له بقوة مهزوزة
"لا شيء يا استاذ هشام ، فقط شعرتُ ببعض الضغط من الاجواء الخانقة هناك"
ضيق (هشام) عينيه بتركيز وهو يقول بتفكير
"هل تعانين من ضيق بالتنفس يا غزل"

اختفت ابتسامتها وهي تقول بخفوت شديد
"بعض الشيء فقد كنتُ اعاني بصغري من مرض القلب الرئوي ، وقد تعافيتُ منه منذ فترة ليست ببعيدة"

حرك (هشام) رأسه بتفهم وهو يفكر بأن كل شيء قد بدأ يتضح لديه الآن ، ليقول بعدها بجدية صارمة
"انتبهي على نفسكِ اكثر من هذا ، فلن تتحملي قسوة العالم إذا بقيتِ بهذا الضعف"

رفعت نظراتها نحوه بعدم استيعاب قبل ان تبتسم باتساع قائلة بصوتها المنغم بحزن
"شكرا لك"

استدار (هشام) بعيدا عنها ببرود ليسير بخطوات هادئة وامام نظراتها الحزينة وهي تمسح اطراف عينيها بكفها بهدوء قبل ان تقبض على كفها بقوة وهي تريحها اعلى صدرها المتنفس برتابة معتادة عليها .

______________________________
كانت تتخلل خصلات شعرها الطويلة بفرشاة الشعر وهي تمشطه بنعومة ممسكة بطرفه الآخر برفق ، لتحيد بعدها بنظراتها للكرت والموضوع فوق طاولة الزينة امامها لتستطيع النظر إليه كل حين وهي تفكر بأنها لم تحصل بحياتها على شيء مميز وجميل مثل هذا الكرت المصنوع يدويا ، ليعود كلامه ليطرق على ذهنها الشارد بخصوص الحفلة والتي ستقام بالمنزل وهو يصر على حضورها بدون ان تعلم ما هي طبيعة الحفلة او اي شيء عنها ؟ وقد وعدها ايضا بأنه سيحضر لها كل شيء تحتاجه وينقصها لتحضر الحفلة مثل اي فرد بهذه العائلة .

زمت (روميساء) شفتيها بارتباك لترفع نظراتها للمرآة وهي تنظر للجالسة على السرير من خلفها وهي شاردة بالكتاب بحجرها بعيدا عنها ، لتقول عندها بابتسامة هادئة وهي تخفض فرشاة الشعر بعيدا عن خصلات شعرها
"هل تفكرين بالحفلة والتي ستقام بالمنزل"

مرت لحظات قبل ان تهمس بتصلب بدون ان تبعد نظرها عن الكتاب
"تقصدين حفلتهم التافهة والتي ستحدث بنهاية الاسبوع بالمنزل ، اعلم عنها ولا يهمني امرها"

عقدت حاجبيها بتفكير وهي تقول بوجوم
"وما لمانع من حضور الحفلة بما اننا افراد من هذه العائلة"

رفعت (ماسة) نظرها عن الكتاب لتلتفت نحوها وهي تقول باستياء
"ليس انتِ ايضا يا روميساء ، يكفي كلام صفاء عن الحفلة واصرارها الطفولي على حضورها ، وانتِ تعلمين جيدا الظروف والتي ارغمتنا على السكن بهذا المنزل بدون ان يعترف احد بوجودنا من افراد العائلة وخاصة زوجة ابنهم الفاجرة"

اخفضت (روميساء) نظرها للكرت امامها وهي تهمس بهدوء
"ولكن الخال محراب قد رحب بوجودنا بمنزله بالرغم من انه قد تأخر كثيرا عليها ، كما افراد العائلة ايضا وقد اصبح وجودنا بمنزله امرا مسلماً منه"

امتعضت ملامح (ماسة) وهي تقول بسخرية مريرة
"لقد كان مرغما على فعلها من اجل ان لا نلطخ سمعته بعد ان بقينا لوحدنا بما ان اسم والدتي ما يزال مرتبط بعائلته ، ولكن لا تتوقعي ان يقدم لنا اكثر من هذا الاستقبال فهو سيحاول بكل جهده ان يبعد سمعتنا المشوهة بسبب قيس عن حياته"

وضعت (روميساء) فرشاة الشعر فوق طاولة الزينة وهي تتمتم ببرود
"ولكن قد يكون كلامكِ غير صحيح ، فأنتِ دائما تتوقعين الاسوء وقد يكون حقا قد شعر بالذنب على تركه لنا بالماضي ، ويريد ان يكفر عن ذنبه بضمه لنا للعائلة"

نظرت (ماسة) نحوها بجمود وهي تقول بانفعال ساخر
"من كل عقلكِ يا روميساء ، مثل هؤلاء الناس لا يتغيرون ابدا وإذا حاولوا التغير من اجلكِ فاعلمي بأنها تمثيلية رخيصة لكسب ودك او وسيلة للوصول لأهداف اخرى غير شريفة ، فلا تنسي بأن والدتي قد خرقت قوانينهم بالماضي وهي تظن بأن بزواجها من عشيقها الريفي ستنجو من عقابهم والذي سلطوه علينا نحن بالحرمان من العيش بينهم والحصول على جزء من ميراثهم وبنبذهم لنا طول الحياة ، وتريدين منه ان يكفر عن ذنبه"

ردت عليها من فورها بجمود حانق
"اصمتِ يا ماسة ولا تنسي نفسكِ مع من تتكلمين ، وتوقفي عن اهانة كل من حولكِ بلسانكِ الطائش هذا ، فلا تنسي بأن هذه عائلتكِ من تتكلمين عنها بسوء هكذا"

ادارت (ماسة) عينيها بعيدا عنها وهي تنظر امامها بجمود غير مبالي ، بينما شددت الجالسة امام المرآة من القبض على كفيها بحزن لتنظر عندها للمرآة ولصورة عينيها الخضراء الشاحبة بذبول وبعض الهالات السوداء ما تزال تظلل جفنيها لتظهرها اكثر كآبة وحزنا ، لتقول بعدها بابتسامة واهية بحزن
"ولكنها مع ذلك قد عانت كثيرا بحياتها ، فقد اضطرت للزواج لمرتين متتاليتين ولم يكتب لها النجاح بأي من الزيجتين"

كانت نظرات (ماسة) جامدة بعيدا وهي تهمس بغموض
"هذا لأنها لم تعرف جيدا كيف تختار شريك حياتها المناسب فقد كان كل ما يهمها هو الزواج من شخص يملك مظهراً جذاباً يسحرها بجماله ومال وفير بدون النظر لدواخله والتعرف عليه اكثر ، لتسقط بالنهاية على وجهها مرتين ويقودها القدر لما تستحقه..."

قاطعتها (روميساء) بنفاذ صبر وهو تستدير بوجهها نحوها بحدة
"كفى يا ماسة ، توقفي عن إهانة والدتنا بكلامكِ المسموم ، يكفي بأنها بقيت متمسكة بنا بزواجها الثاني"

ردت عليها بوجوم
"ليتها لم تفعل"

ارتفع حاجبيها بصدمة وهي تهمس بحنق
"ماذا قلتِ"

تجاهلتها (ماسة) تماما وهي تعود للنظر للكتاب بحجرها بجمود ، لتعود (روميساء) للاستدارة امام المرآة وهي تتنهد بهدوء متشنج ناظرة لعينيها بحزن عميق وهي تفكر بكلام شقيقتها الخاطئ فما تزال تذكر جيدا عندما توفي والدها بوقتها اعتزلت والدتها الخروج للعالم وهي تراها بكل يوم شاردة بعيدا بحزن بدون اي دموع وكأنها قد خسرت شيء قيّم بحياتها اكتشفت فائدته الآن بالرغم من انه لم يستطع اي شيء ان يكسرها بحياتها ولكن وفاته قد غيرتها كلياً قبل ان تعود بعدها لسابق عهدها ، وقد كانت الفترة الوحيدة والتي اظهرت فيها هشاشتها وذبولها كما يحدث مع (ماسة) تماما فهي لم تؤخذ عينيها فقط بل اخذت مشاعرها وطريقة حزنها بنفس الهشاشة .

قطع عليها شرودها صوت (ماسة) وهي تهمس بانقباض مشتد
"لا تنسي يا روميساء بأن اقامتنا بهذا المنزل مؤقتة حتى تجدي منزل آخر لنا كما وعدتني ، لذا ارجوكِ لا تحاولي الدخول بهذه العائلة اكثر وألا لن اسامحكِ ابدا ما حييت"

ابتسمت (روميساء) بهدوء وهي تقول بخفوت شاحب
"سأفعل ما اقدر عليه يا ماسة ، ولكن ثقي بأني لن اخيب ظنكِ ابدا"

عمّ الصمت بأرجاء الغرفة الواسعة ومشاعر من السعادة بدأت بالتسرب بينهم بدفء طاردة الوجوم والذي غلفهم للحظات ، لتتحرك بعدها (ماسة) وهي تنهض عن السرير بهدوء قبل ان تضع الكتاب على المنضدة الجانبية بصمت ، وما ان تحركت باتجاه باب الغرفة حتى قالت (روميساء) بسرعة بتوجس
"إلى اين ستذهبين يا ماسة"

قالت (ماسة) بلا مبالاة وهي تكمل سيرها لخارج الغرفة
"سأذهب للسير قليلا بالجوار ، فأنا لا استطيع النوم قبل ان اتحرك والبقاء بهذه الغرفة يسبب لي الضيق الشديد"

رفعت (روميساء) نظراتها لمكان اختفاء شقيقتها وهي تترك باب الغرفة مفتوح من خلفها ، لتحرك بعدها كتفيها ببرود وهي تعود للإمساك بفرشاة الشعر لتمشط بها خصلات شعرها الطويلة بشرود وقد نسيت موضوع الكرت تماما والذي ما يزال بنفس المكان امامها بعد ان احتل تفكيرها امور اخرى اهم منه .

يتبع....................


روز علي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس