عرض مشاركة واحدة
قديم 24-04-21, 08:57 PM   #35

روز علي
 
الصورة الرمزية روز علي

? العضوٌ??? » 478593
?  التسِجيلٌ » Sep 2020
? مشَارَ?اتْي » 720
?  نُقآطِيْ » روز علي is on a distinguished road
افتراضي الفصل الثامن

الفصل الثامن...........
كانت تمسك بالكتاب والذي اشترته مؤخرا من المكتبة وهي تتصفحه بتركيز شارد وبتأثر بكل سطر وكلمة تمر عليها وعلامات وجهها تتنقل بين الذهول والتعجب والسعادة والحزن وجميعها تحدث بآن واحد ، ولم ترى النظرات المسلطة نحوها وهو يتتبع كل حركاتها بدقة عالية وهو يقف امامها تماما بدون ان تشعر به ، تجمدت بمكانها بعدها بلحظات ما ان شعرت بصوت أنفاس حادة تصلها بوضوح مخترقة عالمها وغمامتها الخيالية والتي كانت تعيش بها للتو مع كتابها الخيالي ، لترفع بعدها نظراتها بتوجس ناحية الواقف امامها وهي تتفحصه بتمهل شديد من قامته الطويلة حتى وصلت بالنهاية لوجهه بملامحه السمراء القاسية وهو ينظر لها بعيون سوداء حادة لم ترى بسوادهما وباتساعهما المخيف وهي تظللهما بعض الهالات المعتمة حول عينيه والتي تجعله اكثر غموضا بنظرها وكأنه السفاح والذي تقرأ عنه بقصصها الخيالية قبل ان يتحول بالنهاية لشخص طيب ونبيل .

طال اتصال العيون بينهما قبل ان تقطعه (صفاء) وهي تخفض نظرها بعيدا عنه بارتجاف احتل اطرافها ، لتسمع بعدها صوت (جواد) وهو يقول بخشونة متصلبة
"اتمنى ألا اكون قد قاطعت عليكِ خلوتكِ بتطفلي وبدخولي للمكتب بدون إذن"

اغلقت (صفاء) الكتاب بهدوء وهي تعود بنظرها له قائلة بابتسامة صغيرة مهتزة
"لا لا بأس ، لستُ متضايقة من وجودك ، فهذا ليس مكتبي لتؤخذ الإذن مني بالدخول إليه"

ردّ عليها (جواد) وهو ينظر لها بغموض
"ولكنه مكتب والدكِ وهذا يعني بأنه يتحتم عليكِ الحفاظ عليه بغيابه حتى عودته ، لكي لا تخذليه بعدم امانتكِ"

ابتلعت ريقها بتوجس وهي ترفع كفها لتعيد خصلات وهمية لخلف اذنيها بارتباك وكأنها تعطيها الوقت لتستطيع تجميع كلماتها ، لتقول بعدها بجدية وهي تنظر له بعبوس
"إذا كنت قد اتيت لرؤية والدي ، فلا تتعب نفسك بالانتظار لأنه لن يأتي اليوم بسبب موعده الهام مع الطبيب بمستشفى المدينة وسيتأخر هناك"

مرت لحظات صمت بدون ان ينطق بأي كلمة وهي تنتظر خروجه من المكتب بفارغ الصبر ، ليقول بعدها وهو يبتسم لها باتساع مريب
"ولكني لم آتي لرؤيته ، بل اتيتُ لرؤيتكِ انتِ والتكلم معكِ ، وقد انتظرت كثيرا لأستطيع رؤيتكِ مرة أخرى بما انني لا اجدكِ بمكتب والدك سوى بأيام محددة"

انفرجت شفتيها الورديتين بارتعاش متوجس وهي تفكر بما يريده منها هذا الغريب لينتظر رؤيتها بهذه اللهفة ؟ قد يكون من اجل موضوع سرقة حقيبتها والذي مر عليه يوم او من اجل شيء آخر لا تعلم عنه ؟ قالت بعدها بخفوت وهي تبتسم بتشنج واضح
"انا اعمل هنا فقط بأيام عطلتي عن الجامعة ، وعملي هنا من اجل مساعدة والدي بمهامه لا اكثر"

كان (جواد) ينظر لها بتركيز حاد ارهبها قبل ان يتمتم ببرود جليدي
"حسنا ، اردتُ ان اخبركِ بأنني ارغب بالحصول على الكتاب والذي هو بحوزتكِ بما انه النسخة الوحيدة المتوفرة بالمكتبة ، فقد بحثتُ عنه بعدة مكاتب أخرى ولم اجده بأي واحدة منها"

اتسعت حدقتيها العسليتين باهتزاز وهي تخفضهما للكتاب امامها قبل ان ترفعه ناحيته بوجل وهي تقول بحيرة خافتة
"اتقصد بكلامك هذا الكتاب والذي ترغب بالحصول عليه"

اومأ (جواد) برأسه بجمود وهو يرفع كفه ليتلمس غلافه المحمر بأصبعه وعينيه على حدقتيها قائلا بتمهل شديد
"وهذا إذا لم يكن لديكِ اي مانع ، ويمكنكِ اعتبارها مجرد اقتراض وبعدها اعيده لكِ بالوقت والذي تحددينه لي"

اخفضت عينيها بعيدا عنه بضعف شل حركتها من التفكير والذي خيم عليها بتشوش للحظات ، لتنتفض بعدها واقفة عن مقعدها بقوة وهي ترفع الكتاب باتجاهه قائلة برقة متوترة
"لا اكيد لا امانع ، وسيكون من دواعي سروري ان اقدم لك الكتاب والذي تسعى للحصول عليه ، فيبدو بأنك ترغبه بشدة واكثر مني شخصياً"

كان (جواد) ينظر لها ببرود قبل ان يخفض نظره للكتاب بيديها والذي كان يرتجف باهتزاز طفيف استطاع لمحه ، ليعود بنظره لها بقوة وهو يرفع كفيه ليمسك بيديها المتشبثتين بالكتاب باهتزاز ولكن ليس لأخذه بل ليرجعه لها وهو يقربه امامها قائلا بابتسامة باهتة بدون اي تعبير
"ليس من اللائق ترك كتاب قبل انهاءه وألا تبخرت المعلومات بداخلك واختفت متعة قراءته ، لذا عليكِ اولاً قراءته كاملاً وبعدها سيأتي الوقت والذي آخذه منكِ ، وانتِ من ستحددين كل هذا لأن هذا كتابكِ بالنهاية"

شردت (صفاء) بكلماته الباردة وبملامحه المنحوتة كالصخر قبل ان تهمس بتردد واجم
"إذاً لما اخبرتني بأنك ترغب بالحصول على الكتاب بشدة ، إذا لم تكن تريده الآن"

افلت (جواد) كفيها مع الكتاب وهو يقول بابتسامة شاردة بقوة
"لا تفهمي كل شيء كما هو ظاهر امامكِ ، فأنا قد قصدتُ بكلامي بأن انبهكِ برغبتي بالكتاب لكي لا تحاولي اضاعته او افساده مثلا ولكي تحافظي عليه من اجلي ، وهذا الكلام ينطبق ايضا على نفسكِ يا صغيرتي"

رفعت نظراتها نحوه بحدة بآخر كلماته وهو يعيد كلمة (صغيرتي) للمرة الثانية على اسماعها لتهمس بعدها بتلعثم خافت
"ماذا تقصد ، انا لا افهمك"

اتسعت ابتسامة (جواد) بدون اي مرح قبل ان يقرب وجهه امامها وهو يسند كفيه فوق سطح المكتب ليتمتم عندها ببرود صخري
"ستفهمين كل شيء بالوقت المناسب يا صغيرتي ، وبهذا الوقت لا تتعبي تفكيركِ بكل هذه الأمور والتي سترهق عقلكِ كثيرا"

عبست ملامحها بوجوم بدون ان تنطق بأي كلمة وهي ترفع الكتاب لتغطي به نصف وجهها ولتقي به بشرتها الرقيقة من انفاسه القوية والتي تكاد تحرقها بحرارتها ، بينما كان (جواد) يراقب بتركيز احداقها العسلية المهتزة بحزن عميق من فوق إطار الكتاب ، ليعود بعدها للخلف وهو يبعد كفيه عن سطح المكتب ليقف عندها باستقامة وهو يهمس بابتسامة متصلبة
"استمتعي بوقتكِ بقراءة الكتاب بقدر استطاعتك ، فنحن لا نعلم متى تختفي هذه السعادة اللحظية وتتبعثر بها حروف الكتاب لتتحول لمجرد سراب ، ولا تنسي الاهتمام بالكتاب من اجلي ليأتي دوري انا بالاستمتاع بقراءته"

بقيت على جمودها واحداقها تنظر له بتركيز شاحب والكتاب يغطي نصف وجهها ، ليغادر بعدها بعيدا عن نظرها لخارج غرفة المكتب بصمت قاتم غلف المكان ببروده ، تنفست عندها براحة وهي تخفض الكتاب عن وجهها قبل ان ترتمي جالسة على المقعد من خلفها وهي تشرد بعيدا بكلامه الغامض وكأنه لغز محير وعليها هي حله لتستطيع فهم الاحجية جيدا ومعرفة ما يخفيه خلف مظهره الغامض والذي يغلفه بالقسوة .

_____________________________
بعد مرور عدة ايام بهدوء النسيم.........

كانت تقف امام المرآة الضخمة والملعقة على باب الخزانة وهي تتأمل الفستان على جسدها بانبهار مسحور وكأنها ترى لأول مرة صورة لشابة فاتنة مختلفة تماما عن التي تعرفها والتي كان كل ما يهمها هو اسعاد الآخرين وارضائهم بدون النظر لحالها وما وصلت له من بؤس وحزن اثر على حياتها وشبابها ، ليظهر اخيرا قبس من السعادة وشخص ما يهتم بها وبأمرها وهو يسعدها بهذه التفاصيل الصغيرة والتي لم تحلم بتحقيقها او بطلبها يوماً .

كانت تتنقل بنظرها بانشداه مسحور بالفستان الطويل من حمالاته العريضة والتي تغطي كتفيها مخفية كل تفاصيل صدرها لينزل بعدها القماش بنعومة وببعض الضيق لينزل اخيرا بانتفاش بسيط فوق وركيها وهو يظهر خصرها النحيل وقامتها الطويلة وهو يتناسق مع الفستان الطويل والذي يصل لكاحليها بلون ازرق مائي ومع شريطة عريضة بيضاء حول الخصر وهي مربوطة بالخلف بعقدة طريفة وملفتة للنظر ، بينما رفعت شعرها الطويل بعقدة فوضوية فوق رأسها وبعض الخصلات السوداء قد تساقطت حول وجهها وعند عنقها الطويلة برفق .

رفعت كفها ببطء وهي تتملس برفق العقد الالماسي حول عنقها والذي كان يتدلى منه الجوهرة الزرقاء والتي ناسبت لون الثوب تماما لتزيده بريقا يشاركه الحلقين والذين يتدليان من اذنيها بدلال والخاتمين المزينين بأصبعيها وهي ترتدي كل منهما بيد ، وكل هذا الجمال كان ينعكس بريقه بعينيها الخضراء الشاحبة والتي ازدادت خضارا وتوهجا عن السابق طاردة الحزن والوجوم منهما .

اخفضت نظراتها بهدوء ما ان سمعت الصوت المتوقع من التي وقفت خلفها بوجوم
"إذاً ستفعلين ما برأسكِ وتحضرين حفلتهم التافهة وتشاركينهم بعالمهم المرفه فاحش الثراء ، ومع الطبقات المخملية وانتِ تدخلين دائرة موضوعهم الشيق ليتكلموا عنكِ لليالي القادمة وبكل المناسبات عن ابنة المجرم والتي تجرأت على دخول عالمهم بكل وقاحة وثقة تحسد عليها"

تصلبت ملامح (روميساء) بدون ان تنطق بأي كلمة وهي تنظر لشكلها بالمرآة بشرود متصلب ، لتتابع الأخرى كلامها وهي تكتف ذراعيها فوق صدرها قائلة باقتضاب مشتد
"هذه المرة ستحضرين حفلاتهم الرخيصة وتشاركين بها ، واما بالمرة القادمة فسيحدث تطور رهيب بالأحداث وستدخلين للعائلة عندها بصفتك زوجة ابنهم ذات السمعة السيئة وابنة المجرم قيس...."

قاطعتها (روميساء) وهي تستدير نحوها بقوة قائلة بجدية صارمة
"كفى يا ماسة ، لقد تجاوزتِ هذه المرة كل الحدود بكلامكِ الوقح معي ، فلا تنسي بأني اكبر منكِ سناً واعقل وهذا يعني بأني استطيع التصرف والتحكم بحياتي لوحدي بدون اي تعليق ساخر منكِ لا داعي له"

ردت عليها (ماسة) ببرود ساخر
"اجل هذا واضح من تصرفاتكِ والتي تثبت مدى رجاحتكِ وكبر عقلك"

عبست ملامح (روميساء) وهي تتنهد بتعب قائلة بعتاب
"لا فائدة من الكلام معكِ ، فأنتِ لن تفهميني ابدا ما دمتِ تفكرين بكل هذا السواد والذي يطغى على حياتكِ"

تشنجت ملامح (ماسة) بجمود قبل ان تنظر جانبا وهي تهمس بوجوم شارد
"انتِ التي لا تستطيعين فهمي ، وتحاولين دائما التعمد لخلق مشاحنة بيننا بفعل ما تعلمين جيدا بأنه يغضبني ويشعرنا بالامتهان"

عادت (روميساء) للنظر لها بحزن قبل ان تتقدم نحوها عدة خطوات وهي تمسك بيديها بطرفي الثوب ، وما ان وقفت امامها حتى قالت لها بابتسامة لطيفة وهي تربت بيدها على رأسها برفق
"صغيرتي انتِ تعلمين بأني لا اتعمد مضايقتكِ بأي شكل ، وصدقيني ليس هدفي من حضور الحفلة هو اغضابكِ او خلق مشاحنة بيننا ، ولكني اشعر برغبة حارقة لتجربة هذا الشعور الغريب بحضور حفلة مختلفة تماما عن عالمنا وبعيدة كل البعد عن بيئتنا والتي تربينا عليها ، ذلك الشعور عندما تكون مرغوب بين مجتمع من الطبقة المخملية ، وبعد ان انتهي من الخوض بذلك العالم سأعود عندها لعالمكِ الخاص ولن اغوص هناك اكثر مما ينبغي ويسمح به حدود عالمنا ، لذا هل تسمحين لي بتجربة هذا الشعور لمرة واحدة فقط"

رفعت (ماسة) عينيها الزرقاء الداكنة بعبوس قبل ان تتمتم بخفوت بارد بدون اي تعبير
"ولكنكِ بهذه الطريقة ستبتعدين عني وقد اضطر لخسارتكِ نهائياً بذلك العالم المترف والذي لا يعرف الرحمة او الرأفة ، وقد يجعلكِ وسيلته للتسلية والمتعة والتي تناسب امثالنا وقد تصبحين ضحيته الجديدة"

ارتفع حاجبيها بدهشة للحظات قبل ان تضحك بخفوت وهي ما تزال تربت على رأسها قائلة بجدية
"لا انتِ تبالغين فقط ، فكل هذا الذي تقولينه من وحي خيالكِ الخصب ومن شدة خوفكِ مما يدور من حولكِ ، ولا تقلقي فلن يحدث اي شيء من هذا ، ثقي بي"

رفعت كفيها بسرعة لتمسك بيدها من على رأسها وهي تشدد عليها بقوة قائلة بتصلب مرتجف
"افعلي ما اقوله يا روميساء واصغي لي لمرة واحدة فقط ، فهذه الحفلة لن تكون جيدة لكِ كما تظنين"

ربتت بيدها الأخرى على كفها برفق وهي تقول بثقة
"وانتِ اصغي لي لمرة واحدة بدون ان تخافي من شيء لن يحدث اساسا ، وتأكدي بأني سأكون بخير"

قالت (ماسة) فجأة بانقباض
"ولكن..."

قاطعتها (روميساء) وهي تسحب كفها من بين يديها قائلة بنفاذ صبر
"يكفي يا ماسة ، إلى متى سأكرر كلامي حتى تفهمي ، توقفي عن هذا الخوف الغير مبرر من كل شيء افعله واقدم عليه ، واتركيني افعل ما اراه انا مناسباً لكلينا"

اشاحت (ماسة) بوجهها بعيدا عنها بتجهم واضح بدون ان تعلق على كلامها ، بينما تراجعت (روميساء) بعيدا عنها لتنحني امام علبة مستطيلة الشكل والتي وصلتها قبل قليل بدون ان تطلبها مع بقية اغراضها والتي وعدها بهم ، اخرجت بعدها منها حذائين لامعين بلون الابيض والمائل للفضي وهما يحويان على شريطة تربط جانبيهما برقة ونعومة ، لترتدي عندها الحذائين بحذر وهي تربط شريطة كل واحد منهما بإحكام .

بعد ان انتهت استقامت بوقوفها لتسير باتزان نحو باب الغرفة قبل ان تقف وهي تمسك بمقبضه بتردد لتلتفت عندها نحو شقيقتها الساكنة بمكانها وهي تهمس بمودة
"سأحاول ألا اتأخر عليكِ ، حسنا"

عندما لم تجد اي ردّ منها تابعت سيرها لخارج الغرفة وهي تغلق الباب من خلفها بهدوء ، لتنظر تلك الاحداق الزرقاء المستديرة بعيدا وهي تتمتم بقسوة باردة
"لن تفهمي ولا احد سيفهم ما اشعر به ، فليس من ذاق الألم كمن عرفَ "

لم تشعر بعدها بالدمعة اليتيمة والتي خطت على وجنتها ببرود اعتادت عليه حتى اصبح رفيقها بالأيام الماطرة وهو يحكي قصص عذاب دامت لسنوات طويلة بدون نهاية .

___________________________
كانت تزفر انفاسها بهدوء وهي تسير بقاعة الاحتفالات الضخمة والمخصصة للمناسبات المهمة وهي تشعر بالنظرات تلاحقها بكل مكان منذ دخولها للقاعة ولا تعلم إذا كانت نفورا منها ام إعجابا ؟ ولكنها لم تعطيها اي انتباها فكل ما يهمها هو ان تتمتع بأجواء الحفلة الهادئة بكل ما فيها من جمال ساحر لفت نظرها منذ اللحظة الأولى وهي تحظى بأجمل وقت مستقطع بحياتها المليئة بالمشاغل وهموم الحياة والتي ابعدتها كثيرا عن الحياة الهانئة والمرفهة وقد نسيت مذاقها الحقيقي وكيف تكون حياة المرأة النبيلة بمجتمع يتقبلها ويحبها لنفسها وشخصها .

توقفت بخطواتها وهي تقبض على طرفيّ ثوبها بكفيها بقوة ما ان تذكرت ذكرى بعيدة ضربت عقلها الشارد وهي ساهمة بالبعيد وتحديدا عندما كانت تعمل بمحل بقالة قريب من مكان سكنها وهي ما تزال بعمر الرابعة عشر لم تتم بعد الخامسة عشر ، لتلتقي هناك بامرأة لطيفة يبدو على مظهرها الثراء الفاحش وقد كانت تكلمها بمودة غريبة قائلة
"ماذا تفعل مراهقة مثلكِ بالعمل بالمتاجر ، بدلا من ان تكوني الآن تجتهدين بالمدرسة لكي تستطيعي تحقيق احلامكِ والعيش بسعادة"

رفعت (روميساء) عينيها الخضراء وهي تهمس بخجل شديد وبارتياب بسبب عدم اعتيادها على المعاملة اللطيفة من الناس من حولها والذين كل ما يعرفونه هو اصدار الأوامر بحقها
"هل تكلميني انا يا سيدتي"

اومأت المرأة اللطيفة برأسها بالإيجاب وهي تقول بابتسامة متسعة
"اجل انا اكلمكِ انتِ يا جميلة ، فليس هناك صغيرات جميلات هنا غيركِ"

اتسعت ابتسامة (روميساء) بسعادة طفولية على هذا الإطراء والذي تسمعه لأول مرة من احدهم وهي تشعر حقا بأنها جميلة بنظرها ، لتهمس بعدها بامتنان شديد
"شكرا لكِ"

قالت المرأة بابتسامة جادة وهي تنظر لها بتركيز
"ولكن لم تخبريني يا جميلة ، ألا تذهبين للمدرسة ، فمن بعمرك عليه ان يركز كل وقته بالدراسة فقط وليس بالأعمال والتي لا تناسب سنه"

عادت (روميساء) لخفض نظرها بعيدا عنها وهي تقول بتلعثم متوتر
"انا اذهب للمدرسة بالصباح واعمل هنا بوقت الظهيرة ، لأن عمي يحتاج للمال بشدة ، ولا تقلقي يا سيدة فأنا مجتهدة جدا بالدراسة"

اهتزت ابتسامة السيدة وهي ترفع حاجبيها بصدمة من حال هذه الطفلة والتي تبدو بعمر الخامسة عشر او اقل وهي تُرغم على العمل بهذا السن الصغير ، لتقول بعدها بحنان وهي تدس يدها بحقيبتها على كتفها
"لقد احببتكِ كثيرا يا صغيرة ، لذا سأقدم لكِ عربون محبتي لكِ"

نظرت لها بعينيها الخضراء الكبيرتين بحيرة وهي تخرج كفها امامها والتي كانت تحوي بعض النقود ، لترفع بعدها نظراتها لها ما ان قالت المقابلة لها ببهجة
"هيا خذي هذا المال مني ، لا تخجلي"

عبست ملامحها الطفولية وهي تهمس بوجوم
"ولكني لا استطيع اخذ المال بدون اي مقابل ، عليّ ان اعمل لأحصل على المال بجهدي"

اتسعت ابتسامة المرأة وهي تقول بمحبة بالغة
"هذا الكلام تقولينه للغرباء وليس لي فأنا اكون بمقام والدتك وقد احببتكِ من كل قلبي وهذا المال مجرد مساعدة بسيطة لكِ ، لذا اقبليها من والدتك بدون اي اعتراض وألا سأغضب عليكِ"

تعقدت ملامح (روميساء) بارتباك قبل ان تمد كفها لتلتقط النقود منها وهي تنظر للنقود بكفها بسعادة ، لتهمس بعدها بسعادة طفولية
"شكرا جزيلا لكِ"

حركت المرأة رأسها بهدوء وما ان استدارت بعيدا عنها حتى امسكت (روميساء) بطرف ثوبها بكفها الصغيرة ، وما ان التفتت الأخرى نحوها حتى قالت بلهفة طفولية برق بعينيها الخضراوين المستديرتين
"هل استطيع ان اصبح عندما اكبر امرأة مهمة مثلكِ والجميع يحبها ومن طبقة معروفة واملك الكثير من المال"

ردت عليها المرأة بابتسامة مرحة وهي تربت على رأسها بحنان
"هوني على نفسكِ يا فتاة ، اكيد تستطيعين ان تصبحي ما تريدين عندما تكبرين ، فقط بالإرادة والعزيمة يمكنكِ ان تحققي اي شيء تريدينه وتسعين إليه ، وتذكري بأن الثراء ليس بالمال فقط بل هو بالعمل والصبر لتصلي لما تحلمين به وليس هناك اي شيء مستحيل امام فتاة قوية مثلكِ"

تنفست بهدوء وهي تعود للحاضر وكلام المرأة يدور برأسها دوما بكل خطوة تخطوها للأمام بحياتها ، لتنظر بعدها لحالها والتي وصلت لها وهي تجرب عالم الثراء والذي كانت تراه دائما بعيد المنال عنها وكم تشعر بالفرق الآن بين الخيال والواقع .

استدارت بسرعة للخلف ما ان سمعت الصوت المتزن المألوف وهو يقول من خلفها بقوة
"واخيرا اتيتِ للحفلة ، كنتُ اعلم بأنكِ لن تخذليني وستحضرين الحفلة"

ابتسمت (روميساء) بارتجاف وهي تنظر للبدلة الرمادية الشاحبة والتي كانت تلف جسده الطويل لتظهره بهيبة ووقار يناسب مكان الحفلة وكأنه قد خلق بهذا المجال والذي يخص ادارة الأعمال والذي اكيد سيكون المسؤول عنه من بعد والده فهو الابن الاكبر بهذه العائلة والمسؤول عن كل شيء ، رفعت نظرها بحذر لعينيه الرمادية الهادئة وهي تشعر بها تخفي الكثير من خلفها من نظراتها الجديدة والتي تغيرت نحوها واصبحت اكثر جمالا بالنسبة لها .

تقدم (احمد) نحوها وهو يقطع تواصل العيون ناظرا لها بتأمل حذر من طلتها البهية والتي تختلف تماما عن الفتاة الحزينة والتي دخلت لمنزلهم لأول مرة مع هالة الحزن والتي كانت ترافقها آن ذاك لتصبح الآن بطلة جديدة وهي تبرق بالحفلة بتوهج من انعكاس المجوهرات على وجهها وعنقها لتبدو واحدة من حوريات البحر والتي تحتاج إليها بشدة فتيات هذه الحفلة ، لتظهر مكانتها الحقيقية بين الناس والتي لا يناسبها سوى لقب الآنسة النبيلة .

ما ان وقف (احمد) امامها تماما حتى قالت بسرعة بارتباك وهي تعيد خصلات شعرها المتمردة لخلف اذنيها
"اجل لقد اتيتُ للحفلة كما وعدتك ، فلا تنسى بأنك انت من احضر لي كل هذه الاغراض الجميلة ، وهذا مجرد ردّ جميل على افضالك والتي تهدرها عليّ دوما"

اومأ برأسه باتزان وهو يشرد بحركاتها الهادئة والمدروسة بالنسبة لفتاة تدخل لأول مرة لهذا العالم المترف ، ليقول بعدها بابتسامة جانبية بانبهار
"ولكني ارى بأن هذا الثوب والمجوهرات قد حولتكِ لأميرة جميلة تناسب كثيرا الطبقة المخملية ، والسر ليس بالثوب فقط بل بصاحبته والتي خلقت لتكون جزء من هذا المجتمع الفخم ، وليس هناك اي شيء يمنعكِ لتكوني جزء منهم بعد الآن"

ابتسمت (روميساء) بحياء وهي تهمس بخفوت
"شكرا لك"

قال (احمد) بعدها بلحظات وهو يرفع كفه امامها
"انتظري لحظة"

عقدت حاجبيها بحيرة وهي تنظر له بتوجس وهو ينحني امامها بطريقة ملوكية واضعا ذراعه امام صدره بقوة وهو يقول بابتسامة صغيرة بمودة
"مرحبا بكِ يا آنستي النبيلة بمجتمع الطبقة المخملية ، شرفتي وسطكِ وعالمكِ يا جميلتي والذي انتظر وصولكِ كثيرا حتى يأس ومل"

ضحكت (روميساء) بخفوت وهي تضع كفها على شفتيها برهبة قبل ان تهمس بعبوس مرتجف
"توقف يا احمد ، انت تحرجني بهذه التصرفات ، فأنا لم افعل شيئاً لاستحق كل هذا منك"

استقام (احمد) بوقوفه وهو يحرك رأسه قائلا بثقة
"لا تحتاجين لفعل شيء لتحصلي على كل هذا الاهتمام ، فهذا يعتبر تعويض عن كل سنوات الشقاء والتعب والتي عشتها بعيدا عن وسطك وعالمك والذي تنتمين له من الاساس"

احنت نظراتها بعيدا عنه بحزن ما ان تذكرت حياة الشقاء الماضية والتي اخذت منها كل ذرة سعادة بحياتها هي وشقيقتها حتى نسوا معناها الحقيقي وكيف تكون ؟ ولكن اين كانوا من كل هذا وهم يتجرعون الألم من زوج والدتهم ولا احد منهم ظهر لينقذهم من قذارته ولا حتى احد من عائلة خالها واقاربهم ؟ لا احد ؟

شعرت بكفه وهو يمسك بذقنها بأصابعه ليرفع وجهها عاليا قائلا بهدوء
"هذه حفلتكِ الأولى ، وعليكِ ان تكوني سعيدة بها وغير مسموح بالحزن ابدا ، اعلم جيدا بأني قد تأخرتُ كثيرا بالسؤال عنكِ والاهتمام بكِ ، ولكن اعدكِ من الآن بأن تكوني اولى اهتماماتي ومسؤولياتي يا ابنة عمتي"

ابتسمت بهدوء وحدقتيها الخضراء تلمع بانبهار يماثل لمعان الجواهر والتي تملئ وجهها وعنقها وكفيها ، لينتفض بعدها وهو يبعد اصابعه عن ذقنها مبتسما لها باتزان مهتز ما ان لاحظ النظرات المتجهة نحوهما من كل صوب ، قال بعدها بلحظات بتفكير وهو ينظر حوله بهدوء
"ولكن لما لم تحضر شقيقتكِ ماسة الحفلة معكِ كنت اريد إرسال الملابس والمجوهرات لها ايضا ، كانت حظيت بوقت ممتع"

افاقت من شرودها والذي لفها بعيدا من كلماته الدافئة واهتمامه والذي تجربه لأول مرة وكأنها ملكة متوجة على العرش ، لتقول بعدها بارتباك وهي تغير الموضوع بسرعة
"كنتُ اريد ان اسألك هل انت وحدك بالحفلة ، اين عائلتك وزوجتك"

ارتفع حاجبيه بدهشة وهو يقول بابتسامة صارمة بتمثيل
"هل اصبحتِ تتدخلين بخصوصياتي ، من اعطاكِ الحق"

زمت شفتيها بانفعال وهي تهمس بوجوم
"ولكنك انت دائما تسألني وتتدخل بخصوصياتي ، إذاً انا ايضا لدي الحق بالتدخل ، أليس كذلك"

ابتسم بسعادة حتى ظهرت اسنانه البيضاء وهو يستمع لكلامها العفوي والذي ضرب قلبه بقوة وسحره بعفويته ، ليقول بابتسامة جذابة وهو يرفع ذراعه نحوها بترحيب
"وانا اقبل بهذا التدخل بكل ترحاب ، والجواب على سؤالكِ بأن عائلتي كل واحد مشغول مع رفيقه وحتى زوجتي مشغولة مع صديقاتها ، لأبقى انا هنا وحدي بدون اي رفيق ، لذا هل تقبلين ان تكوني رفيقتي يا آنسة روميساء"

انفرجت شفتيها الممتلئتين بارتعاش قبل ان تحرك رأسها بقوة وهي تقول بتأكيد
"اجل ، هذا شرف لي ان اكون رفيقتك يا سيد احمد"

قال (احمد) فجأة وهو يرفع اصبعه بتهديد
"قولي احمد فقط ، وألا لن ارحب بأن تكوني رفيقتي"

ردت عليه بابتسامة متسعة بجمال
"حاضر احمد فكهاني"

ابتسم بوقار وهو يمد ذراعه نحوها قائلا بجمود مزيف
"اعطيني يدكِ يا رفيقتي لنستمتع بهذه الحفلة الجميلة ، ولأعرفكِ على باقي الضيوف من نفس طبقتك النبيلة"

رفعت يديها لتتشبث بذراعه بهدوء وهي تمسك بكم قميصه بيدها بحذر ، وعينيها تنظر بأحداقها الخضراء المستديرة بلمعان بنفس لمعان لقاءها بتلك السيدة اللطيفة وهي تنظر له بسحر كل العالم وقد تحقق كلام تلك السيدة فاحشة الثراء ، وهو يتجسد حقيقة امامها فقد حصلت اخيرا على لقب (سيدة نبيلة) والذي تعبت كثيرا من اجله وهو اقصى امانيها منذ المراهقة .

____________________________
كانت تتصفح بالكتاب بين يديها بملل قبل تلقي به بعيدا على السرير وهي تلتقط الهاتف من المنضدة الجانبية ما ان ارتفع رنين الهاتف بصخب مخترق هدوء الغرفة وسكونها ، لتفتح بعدها الخط وهي تضعه على اذنها قائلة بتصلب
"ماذا تريد مني"

ردّ عليها من بالطرف الآخر بفظاظة
"اريد رؤيتكِ الآن وحالاً"

قبضت على الهاتف بيديها وهي تقول باقتضاب
"هل جننت لتطلب مني رؤيتك بهذا الوقت ، هيا ارحل وعد للنوم فأنا ليس لدي الوقت لسخافاتك"

قال (مازن) ببساطة بالغة
"بل يمكنكِ فعلها ، فأنا اعلم بأن هناك حفلة الآن بمنزل خالك ، لذا تستطيعين التسلل بسهولة والخروج لرؤيتي بفناء المنزل الخلفي بدون ان يراكِ احد"

تجهمت ملامحها وهي تهمس باستياء
"من اخبرك عن الحفلة وبأني لم احضرها...."

توقفت عن الكلام وهي تعض على طرف شفتيها بحنق مشتعل عندما اكتشفت الفاعل الحقيقي والذي اوصل له كل هذا الكم من المعلومات عنها ، ليعود (مازن) للكلام وهو يقول بحدة صارمة
"هذا ليس وقت أسئلتكِ ، فأنا اريد ان اراكِ الآن ولا شيء يستطيع إيقافي عن رؤيتكِ ولا حتى كبريائكِ الاحمق ، وإذا لم تخرجي إلي بغضون ربع ساعة...."

قاطعته (ماسة) وهي تهمس بانفعال حانق
"حسنا فهمت ، سأحاول الخروج لك"

قال (مازن) بتشديد حاد
"لن تحاولي بل ستأتين ، هل فهمتِ"

ابعدت الهاتف عن اذنها وهي تقفل الخط بوجهه ، لتفكر عندها بأنه كان من المفروض ان تتجاهله وتقفل الخط بوجهه منذ البداية معلنة عن رفضها لطلبه الاحمق ، ولكن الخوف الفطري والذي يلاحقها منه جعلها اكثر حذرا بالتعامل معه فهي لن تنسى ابدا بأنه شريك (قيس) بكل جرائمه ويملك خبثاً ودهاءً اكثر من عمه نفسه وكل هذا من معاشرتهما لسنوات طويلة حتى اصبحت تعرف كل طباعهما وتنتبه لكل خطوة تخطيها نحوهما .

نهضت بعدها بلحظات عن السرير وهي تتجه للخزانة العملاقة لتفتح بابها وهي تخرج منها سترة جلدية سوداء وبنطال جينز مهترئ ، وما ان انتهت من تبديل ملابسها حتى امسكت بالسكين والتي لا تفارقها بتاتاً منذ وفاة والدتها ، لتدسها يجيب بنطالها الخلفي وهي تسير لخارج الغرفة قبل ان تقفل الباب بهدوء والسكون يحل على كل انحاء المنزل وساكنيه المنشغلين بحفلتهم التافهة .

خرجت من باب الفناء الخلفي للمنزل لتتلفت من حولها بريبة وهي تتأكد من خلو المكان ، لتسير بعدها عدة خطوات بعيدا عن الباب ناظرة للظلام الحالك المنتشر بالحديقة الخلفية لا يضيئها سوى ضوء القمر والذي اختفى خلف السحب بليلة داكنة ، قالت بعدها بلحظات بغيض وهي تقبض على كفيها بجانبي جسدها بقوة
"اين انت ايها...."

قاطعها صوت من الخلف يقول بتسلية باردة
"انتبهي جيدا من ألفاظكِ يا فتاة والتي اكيد ستودي بكِ بداهية"

التفتت نحوه بعنف وهي تهمس بتصلب ناري
"انت هو الداهية نفسها والتي لن تحل عني ابدا قبل ان اتخلص منها بيديّ"

تقدم (مازن) بخطوات متمهلة نحوها قبل ان يقف امامها تماما قائلا ببراءة مصطنعة
"وهل لديكِ الجرأة لتقتليني بعد كل هذه العشرة ، وماذا عن سنوات العراك بالطرقات وملاحقة بعضنا البعض بالأحياء الضيقة والمقالب والتي كنا نفعلها بالعالم سوياً...."

قاطعته (ماسة) وهي تلوح بذراعيها جانبا قائلة بنفاذ صبر
"كفى كلام عن ماضي واراهُ الزمن ، واخبرني ماذا تريد مني الآن"

تقدم (مازن) امامها اكثر وهو يرفع يده نحو وجهها ليلمس وجنتها المتصلبة بأصبعه قائلا بغموض
"اريد منكِ ان تعودي لمنزلي واقصد منزل قيس"

حركت وجهها بعنف وهي تتراجع للخلف قائلة باستنكار
"تريد مني ان ارجع للمنزل والذي اصبح ملكك"

ارجع (مازن) رأسه للخلف وهو يقول بجدية حادة
"انه ليس ملكي بل ملككِ انتِ يا دمية قيس وسيبقى هكذا للأبد"

اشاحت بوجهها بعيدا عنه ببرود وهي تتمتم بامتعاض
"وماذا تريد مني الآن ، ام انك طلبت رؤيتي لهذا الكلام الفارغ"

عاد (مازن) للتقدم امامها وهو يقول بابتسامة جانبية ببرود
"تعلمين جيدا ما اريده ومنذ زمن ، وهذه الزيارة بمنزل خالكِ قد طالت كثيرا واكثر مما سمحتُ به ولم يعد يروقني هذا الوضع ابدا ، لذا اريد منكِ ان تريحيني وتعودي لعالمي ولمنزلنا وتوافقي على ان تكوني جزء مهم بحياتي الفارغة لا يتجزأ"

كانت تنظر له بعينيها الزرقاء الداكنة والتي كانت تلتمع بجمود مع ضوء القمر بدون ان تظهر اي تعبير مقروء عليها ، لتقول بعدها بجمود باهت وهي تنظر له بقوة
"وانت تعلم رأيي جيدا بطلبك المزعج ، وقد اخبرتك بها مئة مرة وهي بأني لن اكون لك يا مازن جلال ، فأنا قد مللت من استعباد الرجال لي"

تشنجت ملامح (مازن) وهو يقول بغموض متصلب
"اعلم هذا وقد سمعتها منكِ عشرات المرات ، والذي كان يمنعني من الحصول عليكِ منذ سنوات هو عمي قيس والذي لم يستطع التخلي عنكِ بأعماله المشبوهة وانتِ تشكلين بالنسبة له كنز ثمين لا يعوض ، ولكن الوضع الآن قد اختلف تماما"

عقدت حاجبيها بحدة وهي تهمس بتشنج غاضب
"ماذا تقصد بأن الوضع قد اختلف"

ردّ عليها بخفوت مستفز وهو يمسك كتفيها بيديه بقوة
"اقصد بأنه لم يعد هناك اي حواجز تمنعني عن الوصول لكِ وامتلاكك ، وتركي لكِ كل هذه الفترة بمنزل خالكِ كانت رحمة مني حتى تستعيدي طاقتك وعنفوانك والذي اعشقه ، ولكن آن الأوان لتسلمي اسلحتكِ لي وتضعي كبريائكِ جانبا لنكون معا كما كان مقدر لنا منذ سنوات"

تنفست (ماسة) بهدوء وهي تتمتم بجفاء
"هل هذا تهديد موجه نحوي لأقبل بعرضك"

ترك (مازن) كتفيها بهدوء وهو ينزل بيديه على طول ذراعيها ببطء شديد وهو يقول بابتسامة جانبية مستفزة
"لا تري الموضوع بهذه الطريقة المهينة ، فأنا بالنهاية ابحثُ على مصلحتكِ والتي ستكون معي ، فنحن الانسب لبعضنا والمتساويين بكل شيء وكل الدلائل تثبت مدى تقاربنا وتشابهنا ، لذا وافقي على قدركِ قبل ان ينقلب القدر عليكِ وتحدث امور نحن بغنى عنها"

نفضت ذراعيها بعيدا عن يديه العابثتين وهو يرفع كفيه عاليا لرأسه بابتسامة مستفزة ، بينما استدارت (ماسة) بعيدا عنه وهي تقول بحزم جاف
"اعطني مهلة لأفكر بالأمر ، ولا تحاول استعجالي"

حرك (مازن) رأسه ببرود وهو يهمس بابتسامة جانبية
"لا بأس ، ولكن تذكري بأن المهلة لن تأخذ اكثر من يومين ، فقد وصل عندي الصبر لأقصاه يا دمية قيس ، ولن تتوقعي ماذا سيحدث عندما ينتهي صبري عليكِ"

تجاهلته (ماسة) وهي تنظر بعيدا عنه بشرود واجم ، بينما تجاوزها بالسير بعيدا بدون ان ينسى القول ببرود وهو يربت على كتفها بخفة
"وداعا يا دمية قيس والتي ستصبح عن قريب دمية مازن"

نظرت له بحقد مشتعل وهو يتابع سيره بلا مبالاة بعيدا عن فناء المنزل ، لتخفض بعدها نظرها للأسفل بضعف وهي تكتف ذراعيها فوق صدرها ببرودة نخرت عظامها والهواء البارد يضرب من حولها بدون اي رحمة او رأفة وعبارة واحدة تتكرر بعقلها منذ ان شبت عن الطوق وتعايشت معها
(لكل شيء ثمن علينا دفعه وبأضعاف ذلك الشيء)

يتبع..................


روز علي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس