عرض مشاركة واحدة
قديم 08-05-21, 09:56 PM   #39

روز علي
 
الصورة الرمزية روز علي

? العضوٌ??? » 478593
?  التسِجيلٌ » Sep 2020
? مشَارَ?اتْي » 711
?  نُقآطِيْ » روز علي is on a distinguished road
افتراضي الفصل التاسع

الفصل التاسع................
كان يحدق به بصمت وهو يحك ذقنه بتفكير عميق ونظراته متغضنة بحدة مرعبة تستطيع القضاء على اعتى الرجال امامه ، ونظراته الرمادية والتي تنذر بوشك حدوث عواصف رعدية غائمة تستطيع قلع الأخضر واليابس معلقة بابنه والجالس امام المكتب بسكون وهو يسند قبضتيه فوق ركبتيه بهدوء وصمت ، ليبدأ بعدها بلحظات بالكلام وهو يعتدل بجلوسه بعيدا عن سطح المكتب قائلا بهدوء مريب
"إذاً هل ستخبرني بالسبب والذي جعلك تتصرف بكل هذه الهمجية والتي تخرج من ابن محراب الكبير لأول مرة ، والابن والذي سيتوكل اعمال العائلة من بعد محراب الفكهاني ليرفع اسمها عاليا كما هو متوقع منك ، ام ان بوادر الهزيمة قد بدأت بالظهور عليك من الآن ومن قبل ان تبدأ باستلام المكان"

تنفس (احمد) بكبت وهي يشعر بجدران الغرفة تكاد تطبق على انفاسه بقوة وكلام والده يزيد من ضيقه اكثر مما هو فيه الآن ، فهذه هي طريقة والده بعقابه وعتابه وهو بأن يذكره بالمرتبة والتي سيصل لها والآمال المعلقة به منذ سنوات من جهة والده وأي خطأ صغير سيؤدي لدمار العمارة والتي بنيت فوق اتعاب سلالة عائلة الفكهاني ، وكأن كل اجداده يعتمدون عليه من بعد والده ليرفع اسم عملهم للأفق بدون ان يصدر منه اي خطأ ولو كان غير مقصود فهو بالنهاية بشر وغير منزه من الأخطاء ، ولكن من سيقتنع بهذا الكلام وهو يشعر بغضب والده الصامت يكاد يحرقه حيا وهو الذي اعتاد على إرضاءه بشتى الطرق لتكون هذه نقطة سوداء جديدة بحياته المثالية .

تابع بعدها بلحظات كلامه بقوة وهو يضم قبضتيه بتصلب فوق سطح المكتب
"والآن ألن تخبرني ما لذي حولك لهذه النسخة المتهورة والتي لا تفكر بعواقب افعالها مثل شقيقك الأصغر ، هل هي من افعال بنات الفاروق ، هل بدأت تتأثر بسحر النساء يا احمد....."

قاطعه (احمد) وهو يقول بانفعال غاضب
"ابي ارجوك"

تصلبت ملامح (محراب) وعينيه تنظران لابنه ولكل تشنجاته بتركيز حاد ، ليعود بعدها (محراب) للكلام بقوة متجاهلا كلامه الأخير وهو يزيد من الضغط عليه بأسلوب المدراء الاشداء
"تكلم يا احمد ولا تزيد الظنون برأسي ، لما فعلت كل هذا بمدير اعمال عزام ، ما لذي جعلك تتصرف على هذا النحو المجنون وانت تظهرنا امام الناس بموقع المتهم الظالم والذي يفعل اي شيء من اجل الوصول لمصالحه"

اتسعت عينيّ (احمد) بجزع ليقول عندها بخفوت مرتبك
"قبل ان اخبرك بالسبب ، هل حقا انهيت الشراكة والتي كانت تجمعك مع عزام نصران"

مرت لحظات مشحونة بالمشاعر المتنافرة قبل ان يقطعها (محراب) وهو يتمتم ببرود
"اجل هذا ما حدث ، والآن هل ستجيب على سؤالي"

زفر انفاسه ببعض الراحة قبل ان يرفع وجهه بقوة باتجاه والده قائلا بجمود بارد
"لقد حاول التقرب من روميساء ، وقد رأيته معها بحديقة المنزل...."

قاطعه (محراب) وهو يقول بصرامة حادة بدون اي مواربة
"هل انت متأكد بأنك قد رأيته وهو يتقرب منها ، وليس هي من كانت تتقرب منه او قد يكون مثلا احد من معارفها"

رفع حاجبيه بوجوم من تفسير والده للأمر والذي ذكره بكلامها عندما اخبرته حقا بأنه صديقها من بين موجة غضبه ، ولكنه يعلم جيدا بأنها كاذبة ولم تقل هذا سوى لحمايته من براثنه لا اكثر .

قال بعدها بلحظات بضيق وهو يشدد من القبض على كفيه بقوة
"غير صحيح يا أبي ، فقد رأيته بأم عينيّ وهو يراقب بها منذ بداية الحفلة بدون ان يتركها وشأنها ، وبالنهاية حاصرها بالحديقة ليحاول التقرب منها بطريقة دنيئة"

عقد حاجبيه بغموض وهو يهمس ببرود جليدي وعينيه تحاولان النفاذ لابنه بطريقته ليعرف كل دواخله
"هل هذا ما حدث حقا ، ام انه من نسج خيالك يا احمد ومن قلبك الملهوف عليها"

ادار وجهه بسرعة نحو والده بصدمة دامت لثواني قبل ان يهمس باستنكار حاد
"ما هذا الكلام الغريب والذي تقوله يا أبي....."

قاطعه بقوة وهو يضرب على سطح المكتب بقبضته بصرامة صدمته
"كفى هراءً يا احمد ، أتظنني طفلاً امامك لا اعرف ولا ارى ما يحدث بالمنزل من وراء ظهري ، او تظن بأني لا اعلم كيف استطاعت روميساء حضور الحفلة ومن اين جلبت كل هذه الثقة لتحضرها ، ومن اين حصلت من الأساس على الملابس والمجوهرات والتي تساوي ثروة طائلة"

ردّ عليه من فوره بحيرة واجمة
"اتقصد بأنك لم تكن ترغب بحضورها للحفلة"

عاد (محراب) للقول بصرامة حادة ترددت صداها بالغرفة الواسعة
"لا تغير الموضوع يا احمد ، وتكلم ما لذي يدور برأسك ويجعلك تعامل الفتاة بكل هذا اللطف والودّ ، فلا تنسى بأنك بالنهاية رجل متزوج وعليه الحرص بعلاقاته النسائية جيدا"

تجهمت ملامحه من كلام والده والذي ضربه بالصميم وكأنه عليه دفع ثمن معاملته اللطيفة معها والتي تكون اقل ما تستحقه بعد حياة الشقاء والذل والتي عاشتها بعيدا عنهم وكأنهم ليسوا عائلتها ، انتفض (احمد) بعدها بلحظات واقفا عن الأريكة وهو يقول باستياء واضح
"ليس هذا ما كنتُ اتوقعه منك يا أبي ، الشكوك وظن السوء بي وانت الذي تعرفني جيدا وقد تربيتُ على يديك وكنت دائما مثلي الأعلى وافضلك بكل شيء على والدتي ، وبخصوص روميساء فأنا لم اخطئ ابدا بمعاملتي معها فهذا ما تستحقه فتاة حرمت من العيش بين عائلتها الحقيقية والمرفهة لتدفع ثمن خطأ لم ترتكبه بحياتها"

ساد صمت ثقيل على كليهما بعد كلماته وهو يطلق اتهامات مجحفة باتجاه والده تخرج منه لأول مرة بكل هذا القهر ، فهو بحياته لم يعارض على اي قرارات تخرج من والده وحتى لو كانت خاطئة وقاسية وبها ظلم بحق الآخرين فهو يبقى كبير العائلة وقدوته والذي عليه ان يقتدي به ويسير على خطاه مهما كانت تلك الخطى مليئة بالألغام والظلم .

استدار بعدها بلحظات بعيدا عن والده الجامد بمكانه كالصرح والذي لا يهزه ريح ، ليستمع بعدها لصوت والده وهو يقول بحدة اخفت تحمل من القوة والكراهية الكثير
"اسمع ما سأقوله جيدا يا احمد فأنا لن اكرر كلامي مرتين ، إياك وان تحاول التعمق بعلاقتك مع بنات مايرين فقد يلقون عليك بلعنة باستخدام جمالهما الملفت للأنظار ، فأنا ادرى الناس بهذا الجمال والذي يجلب اللعنة لحياة افراده مثل ما حدث معنا بسبب عمتك مايرين ، لذا املي بك بأن تبقى بعيدا عن مجالهما ودائرة تفكيرهما ، فهما بالنهاية ليسوا من عائلة الفكهاني بل من عائلة الفاروق واقامتهما معنا هنا لإبعاد الشبهة عنهما وكل من يفكر بأذيتهما لا اكثر ولا أقل"

زفر (احمد) انفاسه بتشنج غاضب والأفكار تتصارع برأسه بتناقض بحلبة عقله بدون ان تتركه وشأنه ، ليحرك بعدها رأسه ببرود بدأ يؤلمه وهو يشعر بصداع من كل ما يحدث معه سيشطره لنصفين ، ليغادر عندها من غرفة المكتب بأكملها بصمت قاتل وبسكون لف المكان بأكمله بثواني .

_______________________________
احتضنت حقيبة ملابسهما بحجرها وهي شاردة بالطريق المتحرك بجانبها بسلاسة ونشاط بالنسبة لصباح يوم جديد ومشرق ، وجميع البشر قد بدأوا بالتحرك كل منهم نحو وجهته وهدفه بالحياة بحماس بالغ سيتبخر بنهاية اليوم ككل الأيام السابقة .

التفتت (روميساء) جانبا وهي تقول بشحوب حزين
"كان من المفترض ان نخبرهم عن مغادرتنا للمنزل ، وان نشكرهم على حسن ضيافتهم معنا"

حادت (ماسة) بنظراتها نحوها بضيق من إعادتها نفس الموضوع معها منذ مغادرتهما للمنزل بدون علم احد ، لتقول عندها بنفاذ صبر حانق
"روميساء لقد اخبرتكِ بأننا لسنا مدينين لأحد بشيء لنقلق على مغادرتنا لمنزلهم بدون علمهم ، وضيافتنا عندهم لم تتجاوز الأسبوع حتى ، وايضا لقد اعدنا كل شيء يخصهم لمكانه الصحيح واقصد بكلامي الثوب والمجوهرات ، لذا لا داعي لتفكري بهم وهم اصلا لم يفكروا بنا يوماً"

عبست ملامح (روميساء) وهي تهمس بنشيج
"ولكن...."

قاطعتها بعصبية بالغة وهي تقبض على كفيها بحجرها بقوة
"ارجوكِ يا روميساء ، فلنتوقف عن التكلم عن هذا الموضوع رجاءً"

اعادت (روميساء) نظراتها للنافذة بجانبها بشرود شاحب بدون ان تعلق على كلامها الأخير ، لتقول بعدها بلحظات بتفكير واجم
"لم تخبريني حتى الآن ، لما خطرت على بالكِ فكرة العودة لمنزل عمي قيس بهذا الوقت ، ظننت بأنكِ قد تخليتِ عن فكرة العودة تماما"

تجمدت ملامحها ببرود صخري وهي تفكر بكلام (مازن) والذي لم يبارح ذهنها منذ البارحة فقد ملت كثيراً من تهديداته ومضايقاته لها على مدار سنوات طويلة ، وتعلم علم اليقين بأنه لا يهدد احدا من فراغ ؟

قالت بعدها بابتسامة هادئة غير معبرة
"تعلمين جيدا بأني لم احب ابدا فكرة العيش بمنزل الخال محراب فهو بالنهاية ليس مكاننا الحقيقي ، وايضا انتِ قلتِ بأننا سنطرد من المنزل بكل الأحوال ، لذا من الأفضل ان نخرج منه بكرامتنا افضل لنا"

ردت عليها من فورها وهي ترفع حاجبيها بوجوم
"ولكني لستُ متأكدة تماما ، إذا كان سيطردنا ام لا او إذا كان سيؤثر على حياتنا ، فأنا قد دمرتُ شراكة عمله بأكملها بفعلتي"

كانت (ماسة) تنظر بعيدا عنها بدون ان تفكر بسؤالها عن فعلتها تلك والتي لم تخبرها عن طبيعتها للآن والتي قلبت حياتها هكذا ، ليدوم الصمت بينهما طول الطريق وقد بدأت رحلتهما قبل موعد الشروق بساعات بسبب طول المسافة بين المنطقتين .

وقفت بعدها بلحظات سيارة الأجرة ببداية طريق الحيّ والذي يوصلهم لمنزلهم بسبب ضيق الطرقات هناك والذي يمنع بها دخول السيارات إليه .
خرجت (روميساء) من السيارة بعد ان حاسبت السائق وهي تضع حزام الحقيبة فوق كتفها بهدوء ، لتشعر بعدها بتحرك سيارة الأجرة بعيدا عنهما وهي تخلف الغبار من خلفها .

وقفت الأخرى بعدها بثواني بجانبها بصمت وهي تقول بخفوت لا يكاد يسمع
"هل تذكرتِ شيئاً"

التفتت (روميساء) بوجهها نحوها بهدوء قبل ان تهمس بابتسامة شاردة
"تقريبا"

حركت عندها رأسها ببرود وهي تتحرك بعيدا عنها باتجاه الطريق المؤدي لمنزلهما ، بينما لحقتها (روميساء) بخطوات هادئة بدون ان تنطق بأي كلمة وذكرى بعيدة ترافقهما لتطرق ذكريات الماضي عن اول زيارة لهما بهذا الحيّ مع زوج والدتهما والذي اصبح بالنسبة لهما كل شيء بعالمهما الصغير .

فتحت (ماسة) باب المنزل امامها وهي تدفعه بدون استخدام المفتاح لتدخل إليه بصمت ، بينما كانت (روميساء) تتابعها بحيرة قبل ان تصل لها بخطوتين لتمسك بذراعها بقوة وهي تقول بجدية حائرة
"ماسة هل هذا المنزل ما يزال مؤجر لنا ، ام ان هناك شخص آخر استأجره"

قاطع عليهما حوارهما صوت ناعس وهو يقول بكسل واضح
"مرحبا ببنات زوجة عمي قيس ، شرفتما منزلي المتواضع"

افلتت (روميساء) ذراعها لتستدير نحوه بقوة قبل ان تتدارك صدمة وجوده وهي تقول بعبوس متجهم ناظرة لهيئته الفوضوية بتفحص
"ما لذي تفعله بمنزل قيس يا مازن ، ولما تقول بأنه منزلك"

تقدم (مازن) بعيدا عن باب الغرفة ليقف امامها بثقة قبل ان يفرد ذراعيه قائلا بترحاب وبشاشة بالغة
"مرحبا بالجميلة روميساء ، أتعلمين بأنني قد اشتقتُ لكِ كثيرا ولكن ليس بالقدر والذي اشتقتُ به لشقيقتك"

ارتفع حاجبيها بانشداه مصدوم لتتحول ملامحها بلحظات لصرامة حادة معتادة على إظهارها امام امثاله وممن يتجاوزون حدودهم معها بدون اي حياء ، لتقول عندها بحزم وهي ترفع اصبعها نحوه بتهديد واضح
"لا تحاول تجاوز حدودك معنا يا مازن ، فأنا ما أزال احترمك للآن من اجل مكانة والدك والقرابة والتي تربطك بعمي قيس ، لذا لا تجبرني ان استخدم معك طريقة اخرى ستقلل كثيرا من قيمتك"

كان (مازن) يبتسم لها ببرود وهو ينظر لصرامتها الشرسة والشبيهة بصرامة شقيقتها ، ليقول بعدها بلا مبالاة وهو ينظر للواقفة بجانبها بخبث واضح
"ولكني لم اخطئ بالكلام معكِ ولم اكذب عندما قلت بأن هذا المنزل قد اصبح منزلي ، ولكني سأسمح لكما بالعيش فيه وسأسامحكِ على كلامكِ هذا فقط لأنكِ شقيقة زوجتي المستقبلية....."

صرخت (ماسة) فجأة بانفعال حاد
"كفى يا مازن"

حرك عينيه العسليتين الناعستين بعيدا عنها ببرود مستفز ، لتتدخل بعدها (روميساء) بالكلام وهي تلتفت بقوة نحو شقيقتها قائلة بذهول غاضب
"ما لذي يجري هنا يا ماسة ، وهل الكلام والذي يقوله هذا المخبول صحيح"

رفعت (ماسة) عينيها الزرقاء الداكنة باتجاه شقيقتها بغموض للحظات ، لتقول بعدها بتصلب خافت وهي تمسك بذراع شقيقتها بقوة
"لقد تأخرتِ كثيرا على عملكِ يا روميساء ، وعليكِ الذهاب بسرعة وتجهيز نفسكِ قبل ان تضيع فرصة العمل الأخيرة منكِ"

زمت شفتيها بتفكير وهي تنظر لها بتركيز شاحب فهي على حق بكلامها وهذه تكون فرصتها الأخيرة والمتبقية لها بالعمل ولا تريد ان تُطرد منها بعد ان وجدتها اخيرا وهذا بعد عناء طويل ، لتسير بعدها بسرعة بعيدا عنها باتجاه غرفتهما وهي ما تزال تحمل حقيبة ملابسهما على كتفها ، ولم تنسى ان تلقي نظرات مستنكرة وغاضبة باتجاه المسمى (مازن) وهو الذي لم ترتح له يوماً بحياتها .

تجمدت (ماسة) بمكانها وهي شاردة بأثر شقيقتها بغموض ، لتسمع بعدها صوت ساخر وهو يقول بقربها ببلاهة مزعجة
"شقيقتك بريئة للغاية ولا تعرف شيئاً عن مخططاتنا ، هذا امر مؤسف للغاية لقد اثارت شفقتي عليها حقا"

التفتت (ماسة) نحوه بحدة وهي تقول بتحذير حاد
"إياك يا مازن ان تُدخل شقيقتي بمخططاتك الوضيعة او ان تُسمعها منك كلام طائش لا معنى له ، ووجودي بهذا المنزل سيكون حل مؤقت حتى نجد مسكن آخر غيره ، لذا لا يذهب تفكيرك لبعيد يا ابن جلال"

اختفت الابتسامة عن وجهه قبل ان يقترب منها عدة خطوات وهو يقول بهدوء مريب
"لا بأس يا ماسة افعلي ما تشائين وبكل ما ترغبين بفعله ، وانا سعيد جدا بعودتكِ لمنزل قيس ، فهو سيبقى دائما مفتوحة ابوابه امامكِ يا جميلتي"

اشاحت بوجهها بعيدا عنه بغضب بدون ان تعلق على كلامه ، ليتابع بعدها (مازن) كلامه بسعادة مصطنعة وهو يكمل طريقه لخارج المنزل
"خذا راحتكما كاملة بالمنزل ، فأنا سأغادر من هنا ، ولكني سأعود يوماً ما وهذا سيكون قريباً جدا"

كانت (ماسة) تستمع لكلامه ببرود وهي تنظر بعيدا عنه بحدة وتحديدا لسقف المنزل من فوقها والمتشقق باصفرار والذي يختلف تماما عن السقف المزين بالدهان الابيض والذي كانت تراه بالأيام السابقة والتي عاشتها بمنزل خالها ، فهل اخطئت بعودتها لهذا المنزل والذي يحمل اتعس ذكرياتها لها ولشقيقتها ؟

______________________________
كانت ترفع كفها عاليا وهي تكتب بالطبشور على طول اللوح امامها بشرود مشوش اصبح يلازمها مؤخراً ، لينكسر بعدها عامود الطبشور بأصابعها للمرة والتي لا تعلم كم من كثرة ما انكسر معها بدون ان تعرف السبب لذلك ؟ لتعود لإلقائه بعيدا بسلة المهملات قبل ان تلتقط طبشور ابيض آخر من على سطح المكتب ، تنفست بعدها بضيق ما ان عادت الضحكات المكتومة بالخروج من الاطفال المشاغبين من خلفها وهي لا تعلم ما هي طبيعة هؤلاء الاطفال والذين لا يتعلمون الدرس من أول مرة ومنهم من يستمتعون بهذه الافعال وإغاظتها بها بتكرارها بصورة مستمرة ؟

التفتت (روميساء) بسرعة نحوهم بقوة وهي تلقي بالطبشور ارضا لا إراديا من فرط الغضب حتى تكسر لألف قطعة وهي تقول بتحذير
"ما هو الذي يدعو للضحك الآن ، وكم مرة أخبرتكم بأني لا احب سماع الضحكات من وراء ظهري"

صمتت الضحكات تماما للحظات قبل ان تعود بصخب ما ان قال طفل وقح من بينهم ببراءة مصطنعة
"لما كل هذا الغضب يا استاذة روميساء ، وما ذنب الطبشور لتنفثِ به غضبكِ هكذا ، إذا كنتِ ترغبين سأحضر لكِ بنفسي طبشور منيع من الكسر"

عبست ملامحها بحنق وهي تكاد تنفجر من الضغط والذي تشعر به وهؤلاء الأطفال يزيدون من إحباطها وسخطها وكأنه ينقصها مزيد من صداع ووجع الرأس ، لطالما احبت التدريس وعشقته عندما يقربها من الاطفال الأحب على قلبها ، ولكن هؤلاء الاطفال لا يستحقون اي نوع من المحبة بل يستحقون الضرب والقسوة لكي يتعلموا احترام الكبار ويعتدلون بتصرفاتهم فليس اللين والرفق هو الحل بكل شيء وهذا ما تعلمته من تعايشها مع هؤلاء العفاريت .

انتفضت فجأة صارخة بكل قوة وهي تضرب بقبضتها على سطح المكتب لتوقف صوت الضحك المرتفع والذي اتلف اعصابها المتعبة
"كفى توقفوا عن الضحك ، ألم تتعلموا شيئاً عن احترام الأكبر منكم سنا ومكانة وعدم السخرية منه مهما حدث ، وهو يحاول بكل جهده تقديم العلم لكم ولعقولكم الفارغة....."

صمتت ما ان سمعت صوت اعلى منها صرامة وهو يصرخ بأمر
"من الذي تجرأ واغضب المعلمة ايتها الحيوانات عديمة التربية ، من اجل ان احيل حياته لجحيم"

عضت (روميساء) على طرف شفتيها باستياء وهي ترفع قبضتها لجبينها لتضربه برفق على الورطة والتي وقعت بها الآن لتكتمل مصيبتها مع وجود هذا المدير العابث والذي يترصدها بكل فصولها ، لتلتفت بعدها بحذر نحوه ما ان شعرت بخطواته المقتربة منها وهو يسير باتجاهها بثقة عالية يحسد عليها .

اخفضت قبضتها وهي تبتلع ريقها برهبة لتبتسم عندها بهدوء مرتجف وهي تحاول تجميع خيوط ذهنها المنهك لتكون معه ، وقف امامها تماما وهو يوزع نظراته بين الطلاب الصامتين بغضب ليصل بنظره للواقفة بجانبه وهو يتمعن بعينيها الخضراء المهتزة وخيوط من الإنهاك محفورة حول حدقتيها بوضوح ، ليقول بعدها بابتسامة جانبية بغموض
"يبدو بأنكِ لستِ على طبيعتكِ اليوم يا روميساء ، ما لذي حدث معكِ هل تعانين من امراض وتخفين عني الأمر"

حركت (روميساء) رأسها بالنفي بسرعة وهي ترفع كفها لتعيد خصلات شعرها لخلف كتفيها برفق قائلة بتأكيد
"لا لا اعاني من اي امراض يا سيدي المدير ، فقط اشعر بإنهاك طفيف وصداع من قلة النوم ، لا شيء مهم"

حرك (نادر) رأسه وهو يمثل التفهم الشديد ليمسك بعدها بذقنه قائلا بتفكير
"واكيد هؤلاء العفاريت الصغيرة يسببون لكِ صداع فوق صداعكِ ، ولكن لا تقلقي فأنا اعرف جيدا عملي معهم"

عقدت حاجبيها بوجوم وهي تهمس ببرود شاحب
"وما هو الذي ستقدر على فعله معهم يا سيدي المدير ، لو انك حقا تعرف عملك معهم لما انتظرت كل هذا الوقت بعد ان اصبح من الصعب السيطرة على تصرفاتهم المتمردة والتي تعرقل سير عمل المعلمات ، ولكني اعلم جيدا السبب وهو الخوف من خسارتهم وتوقف دعم الحكومة لمدرستكم"

كان (نادر) ينظر لها بجمود بدون اي تعبير وحاجبيه يرتفعان للأعلى بخطر مريب وهو يستمع لإهانتها العلنية عن مكانته بالعمل والتي تخرج لأول مرة من موظفيه ، بينما تداركت (روميساء) نفسها وهي تقول بارتباك شديد
"انا اعتذر حقا ، لم اقصد ان اهينك بكلامي يا سيدي المدير...."

قاطعها بغموض وهو يعود للابتسام بهدوء
"لا بأس يا روميساء ، ولكني لن اترككِ تكملين عملكِ بالفصل بهذه الحالة المزرية ، فأنا لستُ مدير عديم الرحمة لهذه الدرجة ، لذا اريد منكِ ان تتفضلي معي لمكتبي لتوقعي على اوراق خروجك"

اومأت برأسها باهتزاز فقد استنفذت عندها كل طاقتها والتي كانت تملكها بحوزتها وإذا بقيت بهذا المكان اكثر من هذا وبين هؤلاء الطلاب فأكيد سيغشى عليها بالنهاية ، تحرك بعدها من سبقها بالخروج من الفصل بصمت مريب ، لتمسك بعدها بحقيبتها وهي تضعها فوق كتفها بصمت قبل ان تسير بثبات لخارج الفصل بدون ان تعلق بأي كلمة وقبل إطلاق جرس انتهاء الحصة .

دخلت للمكتب بهدوء وهي تنظر للمدير والذي كان يجلس على الأريكة امام المكتب وهي يضع اوراق امامه ، وما ان لمحها حتى قال بابتسامة جانبية بارتياب
"تعالي واجلسي يا روميساء ، لقد جهزت لكِ اوراق خروجك لتستطيعي اخذ راحة بالباقي من يومكِ"

تقدمت باتجاهه بخطوات حذرة قبل ان تجلس على بعد مسافة منه بتردد متوجس ، ليقول بعدها (نادر) وهو يحاول الالتصاق بها تماما مشيرا بذراعه امامه للأوراق قائلا بابتسامة مستفزة
"أرأيتِ كم من الكرم والذي اتمتع به بقلبي نحوكِ ، صدقيني ليس كل الناس يحصلون على هذه المعاملة المميزة والتي تحصلين عليها مني"

زمت شفتيها بارتجاف وهي تنظر للأوراق امامها بتشوش ، لتقول بعدها بتركيز وهي تقبض على كفيها بانقباض احتل كل جسدها
"اين هو القلم لأوقع به على الأوراق"

اخرج (نادر) بلحظات القلم من جيب سترته وهو يرفعه امام وجهها قائلا بابتسامة بدون مرح
"هذا هو القلم"

رفعت كفها بهدوء بدون ان تنظر إليه لتحاول إمساك القلم والذي وقع منه فجأة بقصد منه ، ليقول بعدها بحزن مزيف وهو يهمس بجانب اذنها
"اعتذر يا روميساء فيبدو بأنه قد انزلق من يديّ بدون قصد"

التفتت نحوه بقوة وهي تتنفس بحدة لتهمس عندها باقتضاب جاد
"لا بأس ، انا سأحضر القلم بنفسي"

ولكن ما ان كانت ستتحرك من مكانها خطوة حتى قيدها بذراعه على حين غرة وهو يحاوط كتفيها بقوة قبل ان يهمس عند جانب وجهها بتسلية واضحة
"إلى اين تريدين الهروب مني يا جميلة ، لقد اصبحتُ افقد السيطرة على نفسي بسرعة وليس من الجيد ان تدفعيني لكل هذا الانتظار العقيم"

رفعت قبضتيها بحذر وهي تحاول إبعاده عنها بدفع صدره قائلة بجزع
"هلا ابتعدت عني رجاءً ، فأنت الآن تتجاوز حدودك معي"

شدد (نادر) من معانقة كتفيها وهو يقترب من جانب عنقها قائلا بغضب مكتوم
"انتِ التي بدأتِ تتجاوزين حدودكِ معي بإهاناتكِ المبطنة نحوي ، ولكني لا امانع فأنا احب كثيرا هذا النوع من الفتيات ويثير عندي غريزتي والتي لن تهدأ ابدا قبل ان تحصل على مرادها"

انفرجت شفتيها بارتعاش وهي تحاول تجميع افكارها الهاربة منها بخضم ما يحدث معها ، لتهمس بعدها بوجوم مشوش
"ولكن هذا الذي تفعله لا يناسب ابدا مكانة مدير مدرسة ، وخاصة بأنك متزوج"

رفع (نادر) رأسه عاليا وهو يضحك بسخرية قائلا بدهشة مزيفة
"من اخبركِ يا بلهاء بأني متزوج"

اخفضت نظراتها وهي تقول بتلعثم متوجس
"لقد كنت تتكلم معها ، بذلك اليوم....."

ردّ عليها ببساطة وهو يلصق شفتيه بجانب اذنها بعبث
"تلك لم تكن زوجتي"

اتسعت عينيها الخضراء بذعر مشدوه وهي تستعيد كل كلماته بتلك المكالمة المريبة بأول مقابلة بينهما ، لتنتفض بعدها صارخة وهي تدفعه بكل قوة بعيدا عنها بغريزة الخوف
"ابتعد عني يا مجنون وإياك وان تقترب مني ولو قليلا ، وألا فضحتك بكل المدرسة وشوهت سمعتك والتي لا تليق بمدير عابث مثلك"

استطاعت (روميساء) التحرر من تقييده لتسير بسرعة نحو باب الغرفة وهي تحاول فتحه بصعوبة لأول مرة من فرط الذعر والذي تشعر به ، ولكن ما ان استطاعت فتحه اخيرا حتى عاد لأغلاقه بقوة بقبضته وهو يقول من خلفها بغضب بدأ يظهر على ملامحه بوحشية
"اخبرتكِ بأنكِ لن تستطيعي الهروب مني ، ليس هذه المرة ايضا فقد مللت من لعب دور المشاهد معكِ والدوران حولكِ حتى تفهمي ما اريده منكِ ، وهذا سيكون بلا شك ثمن عملكِ معنا هنا بهذه المدرسة فلا تظني بأني من الكرم أن اوظفكِ عندي ببساطة واطرد المعلمة القديمة من اجل ان تحلي مكانها بسمعتك السيئة"

تجمدت يديها فوق مقبض الباب بصدمة وهي تستمع لأمور لم تكن تعلم عنها وقد ضربتها بالصميم لتزيد من شعورها بالإهانة والقذارة والتي عاشت عليها منذ سنوات طويلة لتصل بالنهاية لمستوى لم تصل إليه بحياتها وكله من اجل وظيفة تعيش عليها ، عادت بعدها لتشدد على مقبض الباب بقوة تجتاحها لأول مرة وهي تهمس بجمود بارد
"شكرا لك لأنك وضحت لي هدفك الحقيقي من توظيفي هنا ، فهذه الوظيفة لم تعد تروقني ابدا وليست من مستواي ، لذا عذرا منك إذا كان قد حدث بيننا سوء فهم"

تغضن جبين (نادر) بعدم استيعاب متجهم وملامحه تزداد شراسة ممتقعة ، بينما استغلت (روميساء) لحظة شروده لتدفع الباب للخلف بقوة وهي تدفع قبضته بعيدا عنه لتخرج بسرعة لخارج غرفة المكتب بأكملها بلمح البصر .

ما ان وصلت لمدخل المدرسة وهي تجري بتعثر من تجمع الدموع بحدقتيها بخنوع حتى اصطدمت بجسد صلب كان يسير للداخل عكس مسارها ، لتشعر بعدها براحة غريبة وكأنها قد وصلت لنقطة النهاية بحياتها وهي تتعرف على هذا الحضن والجسد لتعانق عندها خصره بذراعيها تلقائياً بقوة وهي تخرج كل ما كانت تكبته بداخلها ولم تستطع يوماً اخراجه امام احد فقط كي لا تضعف امام نفسها حتى انهارت تماما وهي تصل لحافة الهاوية ولم يعد هناك اي مجال للتراجع الآن .

يتبع...................


روز علي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس