الموضوع: ذكريات طفولة
عرض مشاركة واحدة
قديم 10-05-21, 07:54 PM   #12

maryam_el_abdallah
 
الصورة الرمزية maryam_el_abdallah

? العضوٌ??? » 458342
?  التسِجيلٌ » Nov 2019
? مشَارَ?اتْي » 97
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Morocco
?  نُقآطِيْ » maryam_el_abdallah has a reputation beyond reputemaryam_el_abdallah has a reputation beyond reputemaryam_el_abdallah has a reputation beyond reputemaryam_el_abdallah has a reputation beyond reputemaryam_el_abdallah has a reputation beyond reputemaryam_el_abdallah has a reputation beyond reputemaryam_el_abdallah has a reputation beyond reputemaryam_el_abdallah has a reputation beyond reputemaryam_el_abdallah has a reputation beyond reputemaryam_el_abdallah has a reputation beyond reputemaryam_el_abdallah has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   cola
¬» قناتك mbc
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

الذكرى الثانية: رمضان

ها هو آذان المغرب، وها هو يوم آخر من رمضان المبارك، الذي أوشك على الانتهاء، يمضي دون الحصول على فرصة للذهاب إلى المنزل للإفطار كعائلة مع زوجها وأبنائها.
فطوال الشهر لم تتمكن من الذهاب هي وزوجها إلى المنزل إلا ثلاث مرات، وقد كان الجو حول المائدة باردا جدا، فقبل أن ينتهوا من الأكل كان قد جاء اتصال لزوجها من المستعجلات تستدعيه للحضور من أجل حالة طارئة.
فلم يتبقى سواها وأطفالها، ليقوم بعدها ابنها الأكبر من على المائدة للذهاب لتمضية المساء مع أصدقائه الذين لم تعرفهم يوما أصدقاء سوء هم أم رفاق خير. لتقوم أيضا ابنتها للذهاب إلى غرفتها حيث تمضي معظم وقتها فلا تعرف ماذا تصنع بها ولكن لقلة وقتها فلم تتمكن أبدا من مناقشتها. لتبقى معها أصغر بناتها التي فتحت التلفاز على قناة الرسوم المتحركة وتجلس بالساعات الطويلة أمامه دون حراك.
فتظل هي وحدها تتجول بالمنزل بلا هدف قبل أن تتلقى اتصالا هاتفيا من المشفى ليستدعيها هي الأخرى من أجل حالة مستعجلة فتنادي الخادمة التي تقطن معهم بنفس المنزل، امرأة عجوز لا قريب ولا ولد لها، لتهتم بأكل الأطفال، فأكبر أولادها "هيثم" لا يتجاوز الخامسة عشر سنة، بينما بشرى لا تتجاوز الثالثة عشر، لتأتي نهى بعدهم بسنوات فلا تبلغ سوى السادسة من عمرها.
فتذهب إلى المشفى حيث تمضي جل وقتها، حتى أن لديها خزانة ملابس بإحدى الغرف الفارغة.

جلست إسراء تتناول إفطارها الذي لم تتمكن من إكماله حتى جاءت إحدى الممرضات تستدعيها من أجل حالة طارئة، غسلت يديها ثم اتبعت الممرضة التي نادتها من أجل فحص المريض.
آه كم تفتقد جو العائلة الرمضاني عندما كانت طفلة، لتبدأ ذكرياتها بالنشاط مجددا كما لو أنها تريد مواساتها وبعث بعض الدفء في روحها التي كادت أن تتجمد.
لتعود بها إلى سن الثانية عشرة وهي تجهز الإفطار مع والدتها بمطبخ المنزل، وفي جانب الآخر باقي الجارات، كان الكل يتساعد في بينهن، لم يكن تجهيزاتهن مبالغ فيها فكل سكان المنزل يكافحون من أجل لقمة العيش فلم يكن هناك حسد أو غيرة فالكل يقنع بالقليل ولا يطمح للكثير وهم يحمدون الله على ما أعطاهم ولا يطلبون أكثر من رضاه.
لقد أعدت أمها الشربة للإفطار وكانت هي تقلي السمك، رغم صغر سنها إلا أنا أمها كانت حريصة على تعليمها فنون الطبخ، ولتنتهي أمها من الشربة وتبدأ بتحضير السلطة وتعد الشاي الذي لم يضعوا مائدة قط إلا وهو ركيزة المائدة حتى قبل الطبق الرئيسي.
جاء وقت الإفطار ليشربوا الماء ويأكلوا بضع ثمرات، ثم يذهب الرجال للصلاة بالمسجد بينما النساء دخلن إلى إحدى الغرف الغير مستأجرة بالمنزل والتي فرشوا على أرضها الحصير لتتكمن النسوة من الصلاة فيها وكانت تتقدمهن امرأة عجوز تسكن بالطابق الأرضي، ينادونها بالحاجة، فهي صاحبة المنزل ومن كراءه تعيش بعد موت زوجها وتفرق أبنائها، كل في حياته لاه، وبعد أن فرغن من الصلاة، كل ذهبت إلى صالتها لتعد مائدة الأكل.
ليعود أبي بعد ذلك ونشرع في تناول الأكل، ونتمنى لبعضنا البعض صياما مقبولا تغفر به خطايانا، وكان أكثر ما يعجبني في أبي أنه دائما عند الأكل ما يقول لوالدتي:
-"سلمت يداك يا فاطمة، رائحة الطعام تفتح الشهية فتح الله لك أبواب الجنة."
كنت أرى دائما وقع الكلمات على أمي رغم أنه يعيدها كثيرا ولكن في كل مرة كانت تبدو السعادة على أمي وكأنها أول مرة ولحظتها يختفي تعب يومها كاملا، وكنت دائما ما أتمنى زوج كأبي لأكون له زوجة كأمي، ثم يبدأ في سؤالنا عن يومنا وكيف أمضيناه وإن كنا قد تعبنا في تحضير الأكل، فنجيبه بأننا لم نتعب أبدا بل كنا سعيدين للغاية بتجهيزه، ليأتيا دور أمي التي تجيب:
-"أدامك الله فوق رؤوسنا، فلولا تعبك بشغلك كل يوم لما وجدنا ما نحضره يا عبد الرحمن".
وعند الانتهاء، يتوضأ للذهاب إلى صلاة التراويح بالمسجد مع باقي الجيران، ولا يخرج من الغرفة حتى يتأكد بأنه لا ينقصنا شيء ويوصينا أن نكون جاهزين عند قدومه من الصلاة لأننا سنخرج جميعا، لنقوم نحن بعده برفع المائدة والذهاب أيضا للتوضؤ والصلاة.
وعند الانتهاء، نبدأ في ارتداء ملابسنا، فما أن يعود أبي من المسجد حتى نخرج جميعا لنتمشى داخل أسواق المدينة العتيقة، ومحلاتها الكثيرة، بين محلات الأثواب والمجوهرات وحتى محلات المكسرات والفواكه الجافة التي تشتهر بها مدينتنا، فلا نترك مكانا إلا ونمر به، ونكون سعيدين جدا بهذه الفسحة الجميلة.
لنعود قرابة منتصف الليل إلى المنزل، ونصعد إلى غرفنا وننام حتى وقت السحور التي ما أن تصبح الساعة الثانية صباحا حتى تستيقظ أمي لإعداد، وتوقظ أبي من أجل قيام الليل، وغالبا ما كان السحور عبارة عن بعض الخبز المقلي بعد تغميسه في البيض مع الشاي طبعا الذي لا تخلو وجبة لنا منه وبعض الزيتون الأسود التي تصنعه أمي بالبيت.
رغم بساطة الأكل والمعيشة، ورغم أننا كنا نتجول بالساعات أمام المحلات دون أن نشتري شيئا منها إلا أنه كانت لدينا قناعة بما بين يدينا ونحن نحمد الله عليه كثيرا، فالذي كان يحلي حياتنا ويجعلها مبهجة هو المودة والاحترام الذي كان بين والدينا والتوازن الذي يخلقانه، وحنان أمي الذي كانت تغدقنا به والأمان الذي كنا نشعر به بوجوده، كانت تجمعنا في ما بيننا روابط أسرية متينة جدا، بدأت تتهاوى مع موت أمي لتنقطع أخيرا بموت أبي .
ها أنا الآن أقترب من غرفة العمليات، لأجري عملية تستغرق أربع ساعات من عمري كان بإمكاني أن أقضيها مع عائلتي، لكني فضلت عملي وأجري الشهري الذي يبلغ الآلاف، فلا حق لي بالندم. لكن دائما ما أتحسر على ماضي بين أزقة المدينة العتيقة وكلي أماني أن يعود الزمن إلى الوراء وأقضي ولو يوما واحدا بين أحضان الحنان والأمان والدفء الأسري اللائي أصبحت أفتقرهم مع الأيام، وحتى التمسك الشديد بالدين وأولها الصلاة، وأنه الدين هو أساس صلاح حال الدنيا وضمان الجنة في الآخرة.
ولكن من أجل العمل، وتحقيق مكانة أعلى ضحية بكل شيء، لأكتشف اليوم بأني وبدون عملي فلا أملك دنيا ولا آخرة، أنا مقصرة نحوهم جميعا وهذا أفزعني حقا: "أحقا وصل بي التقصير إلى هنا، لا أسرة أنتمي إليها ولا تقربا من الله أفتخر به".
لألمح بعدها أحد الزميلات لي مارة من أمام غرفة العمليات لأستنجد بها أن تحل محلي بالعملية، فلا قدرة لي على أن أدخلها.
فبعد اكتشافي ذاك اهتز كياني كله ووجدت نفسي أدور في حلقة مفرغة. لقد كان ذلك مرعبا ومفزعا حتى أنني أحسست أنه قد تصيبني سكتة قلبية، وبعدها أحسست بحزن داخلي عميق على ما أصبحت عليه اليوم بعد أن ضربت عرض الحائط وصايا أبي بحياته وحتى حين موته بأن نبقى متمسكين بصلاتنا وديننا فهو طوق نجاتنا.
لأركب بعدها سيارتي متجهة نحو منزلي، ثم غرفتي التي أقفلنها على نفسي فأنا أحتاج خلوة معها بشدة، لأغير ملابسي وأتوضأ وألبس ثوب الصلاة وأناجي ربي أن يغفر لي تقصيري فالآن ليس لدي سواه يسمعني ويرحمني وينزل السكينة على قلبي.


maryam_el_abdallah غير متواجد حالياً  
التوقيع
والدنيا كلها لا تعادل راحة الفكر، واطمئنان النفس.