عرض مشاركة واحدة
قديم 05-06-21, 09:17 PM   #56

روز علي
 
الصورة الرمزية روز علي

? العضوٌ??? » 478593
?  التسِجيلٌ » Sep 2020
? مشَارَ?اتْي » 720
?  نُقآطِيْ » روز علي is on a distinguished road
افتراضي الفصل الحادي عشر

الفصل الحادي عشر...............
كان يجلس على الأريكة وهو ينظر بعيون متسعة بصدمة لشقيقه الكبير والذي كان يسير جيئاً وذهاباً بدون توقف وهو يراه على هذه الحالة من التخبط بالمشاعر والأفكار لأول مرة وكأنه ليس نفسه المتزن الصارم بحياته والواثق من نفسه دوما بكل المواقف ، وهو الذي كان يراه دائما مثال للرجل الوقور والمتحكم بكل انفعالاته الخارجية والداخلية والقادر على فعل اي شيء بدون اي حواجز والمنزه من الاخطاء منذ صغره ليكون المرشح الأفضل ليدير اعمال العائلة منذ تسلمه اول منصب بالشركة بعمر الخامسة عشر ، والآن ماذا حدث له ليتحول لكل هذا وينقلب رأساً على عقب وكأنه يرى شخص آخر بعيد عن شخصية (احمد) المعروفة ؟

زفر (شادي) انفاسه بهدوء وهو يسند كفيه على ركبتيه بتحفز ، ليقول بعدها بتركيز حذر وهو يحاول استيعاب كم الحقائق والتي تلقاها للتو
"دعني اتذكر قليلا ، انت الآن متزوج من روميساء الفاروق بعد ان عقدت قرانك معها بظهر اليوم بدون علم احد ، وتفكر الآن كيف ستستطيع زف هذا الخبر لزوجتك ووالدك بدون ان يحدث اي مشاكل وتضطر عندها لخسارتها"

توقف (احمد) عن السير قليلا وهو يلتفت نحوه بعبوس حازم ، ليقول بعدها وهو يزفر انفاسه بوجوم
"هذا ما كنت اتكلم عنه ، فقد نسيتُ بخضم ما حدث التفكير بطريقة سهلة لإقناعهما بهذا الزواج بدون جلب مشاكل لأحد"

ارتفع حاجبيه بدهشة مصطنعة وهو يقول ببساطة بالغة
"دعني اخبرك امرا مهما وهو بأنك قد وقعت بمشكلة عويصة ليس لها حل ، فغير رفض والدي لأي علاقة تربطنا ببنات مايرين ستخسر ايضا مساندة عائلة زوجتك العزيزة والتي ستحيل حياتنا لجحيم ما ان تعلم عن زواجك الثاني ، وقد تفكر ايضا بقتلك انت ومعك ضرتها الجديدة بطريقة لن تخطر على بال احد"

تجهمت ملامح المقابل له وهو يصرخ بنفاذ صبر
"هذا ليس وقت المزاح يا شادي ، وكلامك لا يساعدني ابدا بل يزيد حالتي سوءً ، وارجوك توقف عن قول هذه الاستنتاجات قبل ان احيل انا حياتك لجحيم"

اتسعت ابتسامته ببراءة وهو يعض على طرف شفتيه مانعا الضحكة من الخروج امامه لكي لا يخنقه المقابل له ويموت على يديه وهو يبدو بحالة ليس من الجيد اغاظتها ، وما ان حدجه (احمد) بنظرات حادة بعينيه الرمادية الصارمة حتى رفع كفيه لفوق رأسه وهو يقول بروية وتمهل
"اهدئ يا احمد وفكر اولاً قبل ان تفعل اي شيء ، فلا تنسى بأنني بصفك ولستُ من اعدائك الرافضين لزواجك هذا"

ردّ عليه (احمد) وهو ينظر بعيدا عنه بضيق
"اعرني سكوتك لو سمحت"

ابتسم (شادي) بهدوء وهو يسند ذقنه لقبضته بأريحية قائلا بتفكير وهو ينظر لشقيقه والذي عاد للحركة امامه بعصبية
"فقط اريد ان اعرف ، لما فكرت بالزواج للمرة الثانية ألم تكتفي من المرة الأولى ، ولما اخترتها هي تحديدا من دون الجميع"

وقف (احمد) بمكانه للحظات وهو يشرد بعيدا بنقطة محددة قبل ان يهمس بابتسامة هادئة
"ليس الأمر بأني افكر بالزواج من امرأة اخرى لتشبع رغباتي او بسبب نقص تعاني منه زوجتي ، ولكني شعرت بالقلق من خسارتها مرة أخرى بعد ان ذاقت الويل وحدها هي وشقيقتها بسبب عدم ضمهما للعائلة منذ سنوات ، ونحن جميعا نحمل جزء من اللوم والذنب على ما تعرضوا له بحياتهما بعيدا عنا ، لذا لن اسمح بأن يتكرر هذا مرة أخرى وألعب دور المشاهد فقط كما حدث بالماضي ، وعقد قراني بها سيضمن حقها والذي بخلتموه عليها من قبل وسأتأكد هكذا بأنها بأمان بعيدا عن كل الوحوش البشرية والمتربصة لها ، وعلى الجميع تقبل هذا القرار من اجل مصلحة الجميع ولكي لا يؤكل احد حق بنات عمتي مرة أخرى"

كان (شادي) يحرك رأسه بشرود وهو يتمتم بغموض مبتسم
"ولكنك يا احمد نسيت حق زوجتك بمعرفة زواجك عليها ، فهذا اقل حقوقها كزوجة عاشت معك لسنوات بحلوّها ومرّها ، بالرغم من اني ارى بأنها تستحق هذا فهي امرأة مستفزة لأبعد الحدود"

اخفض (احمد) نظراته للأسفل وهو يهمس بوجوم شارد
"وهذا الشيء الوحيد والذي يشعرني بالدناءة يا احمد ، فهي بالنهاية تبقى زوجتي مهما كانت مدى عيوبها والتي تعاني منها ، ولكن لا تقلق فهي بالنهاية سترضى بالأمر الواقع ما ان اخبرها بالسبب من زواجي من ابنة عمتي مع اني اشك بهذا"

ردّ عليه بعدها بلحظات بهدوء قاطع
"وإذا طلبت منك الطلاق ، فماذا ستفعل"

رفع (احمد) رأسه بهدوء وهو يقول بصرامة مفاجئة
"لن امنعها"

حرك (شادي) رأسه بتفكير للحظات قبل ان ينهض عن الأريكة وهو يعود لابتسامته المرحة قائلا بانشراح وهو يلوح بذراعه بلا مبالاة
"إذاً ليس لدي شيء اقوله لك سوى بالتوفيق بمهمتك المستحيلة ، واتمنى حقا ان تخرج حياً من هذه التضحية والتي تقدمها لبنات عمتنا ، وحقا محظوظات بنات مايرين لأنهما تحظيان بابن خال مثلك نادر الوجود بهذا الوقت"

التفت باتجاهه بهدوء وهو يعقد حاجبيه قائلا بتصلب بارد
"هل ستغادر وتتركني وحدي بهذه الحال ، اين مساندة الأخوة لبعضهم"

التفت نحوه وهو يرفع حاجبيه باستفزاز ليقول عندها بابتسامة جانبية
"كنتُ حقا ارغب بمساندتك ولكنك ترى ان الوقت متأخر جدا ، وانا الآن احتاج للنوم اكثر منك لأني اصغر سنا منك ، لذا ابقى انت هنا ساهرا لليوم الثاني تفكر بحل لمصيبتك ، وانا سأذهب لأتنعم بنوم دافئ بعيدا عن القنابل النووية والتي سنشهدها بالمنزل غدا"

عبست ملامحه بتصلب بدون ان يتفاعل مع مزاحه الأخير ، بينما اكمل الآخر سيره لخارج الغرفة وهو يلوح له بكفه قائلا بلا مبالاة
"حظاً موفقاً يا احمد"

ليقفل بعدها باب الغرفة من خلفه بهدوء وببساطة كما يفعل عادةً ، بينما ترك (احمد) شاردا بعيدا عنه وهو يدعوّ من كل قلبه ان يسير كل شيء كما يريد ويخطط له بدون ان يضطر للانفصال عن (روميساء) بعد ان اصبحت جزء مهم بحياته عليه حمايته بكل ما يستطيع من قوة وبعيدا عن صورة انهيارها عند مدخل مقر عملها والتي لا تبارح ذهنه ابدا .

____________________________
كانت تركل اي حصوة تصادف طريق سيرها بملل وهي تزفر انفاسها بتعب وإنهاك ، فهي لم تستطع النوم ولو لثانية بمنزل صديقتها بسبب تغير الوضع عليها والمكان وبسبب ذاك الخبر والذي ضرب عقلها بذكريات تود لو تدفنها بداخل روحها المشوهة للأبد وبدون رجعة ، لكي لا تزعجها مرة أخرى وتنغص عليها رتابة حياتها الكئيبة بدون ذكريات او احلام .

رفعت جفنيها الحمراوين عن احداقها بصعوبة وهي تحاول التركيز برؤية مسار سيرها والفارغ من البشر بسبب موعد الشروق والذي لم يحن بعد بهذه الساعة الباكرة والسماء ما تزال تتلون بشحوب غائم من فوقها وبلون رمادي باهت ، فقد اعتادت على هذا الروتين منذ سنوات حيث يستيقظ سيد المنزل (قيس) بعد بزوغ الفجر بساعة لتفيق هي معه وتجهز له الافطار كما هو معروف بقوانين العيش بذاك المنزل قبل ان يغادر المنزل بدون ان تعلم وجهته والسبب والذي يجعله يستيقظ بهذا الوقت الباكر ؟

توقفت خطواتها فجأة ما ان سمعت صوت بوق السيارة بجانبها ، لتشدد بعدها من القبض على حزام حقيبتها بيد وهي تقبض على جيب بنطالها الجانبي والذي يحوي على سكينها بيدها الأخرى ، ارتخت بعدها مفاصلها وهي تسمع ذلك الصوت المستفز والخارج من السيارة وهو يقول
"صباح الخير يا دمية"

ادارت عينيها نحوه بملل وهي تهمس بامتعاض
"ما لذي تفعله هنا ، ولما تلاحقني بكل مكان"

ردّ عليها (مازن) ببساطة مستفزة
"لأنكِ دميتي يا ماسة وتخصيني ، لا تنسي هذا الكلام"

تصلبت ملامحها للحظات وهي تنطق بشراسة تنضح بعينيها الزرقاء القاتمة
"لستُ دميتك يا مازن ، افهم هذا وارحني"

اتسعت ابتسامته بميلان وهو يحرك عينيه العسليتين شاملا إياها بنظراته بكسل ؟ لتزفر بعدها انفاسها بحنق وهي تعود للسير بعيدا عنه قائلة باقتضاب
"عذرا ولكنك تؤخرني"

عاد للضغط على زامور السيارة بصخب وهو يقول بابتسامة ماكرة
"ولكن ألن تخبريني ، لما خرجتي من منزل والدي بهذا الوقت ، ألم تعجبك الضيافة"

توقفت للحظات وهي تلتفت نحوه قبل ان تهمس بتصلب مشتد
"كيف عرفت بأنني كنتُ موجودة بمنزل والدك"

حرك (مازن) السيارة بهدوء ليوقفها بجانبها وهو يقول ببرود مبتسم
"انا اعلم بكل شيء يدور من حولكِ يا ماسة ، لذا احذري جيدا بخطواتك"

عقدت حاجبيها بحدة وهي تتمتم بتفكير جاف
"أليس من المفترض ان تكون الآن عند صديقك البعيد ، ام انها كانت كذبة تخفي بها اعمالك"

ارتفع حاجبيه وهو يدعي التفكير قبل ان يقول بابتسامة عريضة باستفزاز
"اجل صحيح وهذه عودتي من عند صديقي ، ام لديكِ مانع بهذا"

ادارت عينيها جانبا وهي تهمس بنفاذ صبر وكأنها تكلم نفسها
"المانع الوحيد بأنك قد عدت من عنده قبل ان ارتاح من عدم وجودك نهائياً"

عقد حاجبيه بتركيز للحظات وهو يقول ببراءة مصطنعة
"بماذا كنتِ تتكلمين عني ، واتمنى حقا ان يكون شيئاً جيدا"

اشاحت بوجهها بعيدا عنه وهي تكمل سيرها بلا مبالاة لوجوده وقد طفح بها الكيل منه وهو يبدو لا يريد التوقف عن مضايقتها وملاحقتها بهذا الاستفزاز ، لتعود للوقوف فجأة ما ان سمعته وهو يقول بتصلب غامض
"أرأيتِ الاخبار ، لقد امسكوا بالمدعو اصلان صديق عمي قيس وشريكه بجرائمه ، أتتذكرينه يا ماسة"

عضت على طرف شفتيها بقوة حتى كادت تدميها وهي تمنع تشنجاتها من الظهور على حركات جسدها وملامحها ، لتلتفت بعدها بوجهها نحوه ببطء وهي تستمع لباقي كلامه ببرود متعمد
"لم يبقى تقريبا سوى اثنين من رجال قيس لم يلقوا بالقبض عليهما ، وقد تكونين انتِ التالية يا ماسة"

صرخت (ماسة) فجأة بانفعال حانق غير مهتمة بصدى صوتها بسكون المكان الفارغ
"اخرس ، فأنا ليس لي علاقة بعالمكم الاجرامي وكل شيء فيه قذر لا يخصني ولست مسؤولة عنه"

ابتسم (مازن) بصمت ناظرا لها من نافذة السيارة المفتوحة بجانبه وهو يُخرج رأسه منها بكسل ، ليقول بعدها وهو يحرك رأسه بابتسامة باردة
"يبدو بأنكِ قد نسيتِ بالمجرم والذي كان يسرب كل معلومات الصفقات والمشروعات الخطيرة وكلمات المرور الخاصة بهن ، والذي يكون شخص واحد ليس هناك غيره بالعالم والخبير بكل هذه الأمور ، واكيد اقصدكِ انتِ"

تصلبت ملامحها ببرود تحت بشرتها الرخامية بتجمد يحمل من خلفه الكثير ، لتسير بعدها هذه المرة بطريق معاكس وهي تعود باتجاهه قبل ان تقف بجانب سيارته وهي تهمس بخفوت متصلب
"ماذا تريد مني بالضبط"

ارتفع حاجبيه بفرحة مزيفة وهو يهمس بابتسامة متسعة ببشاشة
"فقط اريد منكِ المجيئ معي بالسيارة ، لأني اريد التكلم معكِ بموضوع هام ، وبعدها سأتركك وشأنكِ"

تنهدت بهدوء وهي تفكر بسرعة بالذي عليها فعله الآن بهذا المزعج والمصر على الالتصاق بها دوما وهو يحمل كل اسرارها معه وكل شيء يخص عالمها السابق ؟ لتقرر بعدها فعل ما يقوله لعلها تتخلص منه للأبد وترتاح وهي مستعدة لأي مراوغة قد تصدر منه بأي لحظة لتشق عندها رأسه بسكينها لنصفين ، وهذا ليس بالشيء الجديد عليها عندما تكون متعايشة منذ المهد بمحيط يملئه كل انواع المجرمين بالعالم .

سارت بعدها حول السيارة بثبات قبل ان تصل لباب المقعد بجانبه ، لتفتحه عندها بهدوء وهي تجلس بجانبه بصمت مريب قبل ان تقفل الباب من خلفها بقوة ، بينما عاد (مازن) لتشغيل محرك السيارة وهو يقول بابتسامة مائلة مع عينيه العسليتين الناعستين
"اهلا بكِ بعالمي يا دميتي الجميلة ، انظري ما اجملكِ وانتِ مطيعة مثل كما كنا بالماضي"

اشاحت بوجهها باتجاه النافذة ببرود وهي تشعر بشيء غير جيد ينخز قلبها بألم كما يحدث دائما مع غريزتها الفطرية المحدقة بالخطر من حولها ، ولكنها الآن قد وصلت لحالة من الإنهاك وقلة النوم تمنعها من التفكير بالشكل السليم والتدفق بأفكارها المتضاربة برأسها ، بينما تحرك (مازن) بالسيارة بعيدا عن الطريق وابتسامة غامضة تتسع تدريجيا حتى شملت وجهه بأكمله بانتشاء واضح مريب .

____________________________
فتحت عينيها بإنهاك ما ان داعبتها خيوط من اشعة الشمس والمتسللة من النوافذ العملاقة وهي تشوش عليها الرؤية امامها ، لتنتفض بعدها مستيقظة بقوة قبل ان تتلوى بألم ما ان اجتاحتها موجة تشنج بمنحنيات ظهرها بسبب نومها على الأريكة الغير مريحة لفترة طويلة ، رفعت كفها وهي تمسد على ظهرها وخصرها بقوة مضيقة عينيها الخضراء بشحوب من اشعة الشمس القوية والتي اخترقت النوافذ الزجاجية بسطوع لم تعتد عليه بسبب قرب مكان الشقة من اشعة الشمس بما انها بالطوابق العليا .

تنهدت بتعب وهي تنهض عن الأريكة برفق بعد ان غفت لساعات عليها وهذا بعد بزوغ الفجر وهي التي لم يغمض لها جفن من التفكير الطويل بحياتها وبكل تعقيداتها من عقد قران وشقيقة يتيمة وبابن خالها والذي اصبح من الآن زوجها ، ولا تعلم للآن ما هي الخطوة التالية من اجل استعادة شقيقتها وتحقيق مطالبها والتي وعدها بها (احمد) من قبل ؟ ولكن كل ما يهمها الآن وبهذه اللحظة هو الاطمئنان على حال شقيقتها بعد ان تركتها بعهدة (صفاء) ولن تنسى احضارها ايضا لهذه الشقة مهما كلفها الأمر .

وقفت عن الأريكة وهي تلتفت نحو النوافذ الزجاجية ومصدر الانارة بالشقة الواسعة ، لترفع بعدها كفها لمستوى وجهها وهي تحمي عينيها من الانارة والتي اجهدت الرؤية عليها ، تحركت من فورها ببطء وهي تدور حول الأريكة لتقف بعدها امام النوافذ قبل ان تمسك بجانبيّ الستارة لتحجب النور من امامها وهي تغطي النوافذ العملاقة بصمت لتحل عندها اضاءة خافتة على انحاء الشقة .

زفرت انفاسها براحة وهي ترفع يديها لمستوى وجهها لتتمتم بدعاء خافت معتادة على قوله دائما ببداية كل شروق ويوم جديد
"اللهم يسر امورنا واشرح صدورنا وفرج همومنا يارب العالمين"

مسحت وجهها بكفيها باستغفار وهي تتنهد بهدوء ، لتبتلع بعدها ريقها بتشنج وهي تسير بعيدا عن النافذة باتجاه ممر الغرف ، بدأت بعدها بفتح الغرف الواحدة تلو الأخرى وهي تتأفف بنفاذ صبر بدون ان تعرف مكان الحمام بهذه الشقة الواسعة ، لتصل بعدها لغرفة من بين تلك الغرف الأخرى وهي تحتوي على حمام مرفق معها وقد كان هذا من حسن حظها .

سارت بسرعة لداخل الحمام قبل ان تشغل الماء بالحوض المستدير الذهبي ليتدفق عندها الماء بداخل الحوض حتى امتلئ بالكامل ، لتؤخذ بعدها حمام سريع لم يستمر معها سوى ثواني معدودة ، فقط لينفض عنها الإنهاك والتعب والذي تشعر به يكاد يفتك بها منذ الأمس وخاصة بأنها تحتاج الآن لكل تركيز لتستطيع التفكير بخطواتها القادمة بشكل سليم وبذهن متفتح .

وقفت امام المرآة وهي تجدل شعرها بجديلة طويلة مبللة لكي لا تعيق عليها الحركة ومع اشعة الشمس ستجف لوحدها ، وما ان انتهت من كل هذا حتى تحركت لخارج الغرفة لتتجه لوجهتها التالية وهي المطبخ ، وقفت امام الخزائن بدون ان تتمعن بزوايا المطبخ الفاخرة مثل باقي الشقة ، لتخرج منها علبة القهوة وهي تتنفس براحة فكل شيء يسير كما تريد للآن ، انتهت من تحضير كوب قهوة سريع وهي تحركه بالملعقة برتابة قبل ان تقربه من شفتيها لتبعده بسرعة عنها ما ان لعقت مرارته بلسانها والتي كانت شبيهة بالعلقم .

تجولت بعدها بين الخزائن مرة أخرى بدون ان تجد اي اثر للسكر وهي تفكر بأن بأي مطبخ دائما لا يخلو من السكر ، ولكن لما مطبخ هذا الرجل لا يوجد به اي ذرة من السكر ؟ هل يعيش على مرارة العلقم ام انه قد استنفذ كل السكر من عنده ؟

ضربت بقبضتها على جبينها بقوة بغضب قبل ان تعود لكوب القهوة وهي تمسك به بارتجاف ، وما ان قربته من شفتيها حتى تجرعته برشفة واحدة شعرت بها بحلقها قد تفتت من المرارة السوداء وكأنه لا ينقصها مرارة العالم الخارجي لتكتمل بهذه القهوة السوداء .

وقفت امام النافذة وهي تفتح القليل من الستارة ليتسلل بعض النور للداخل وهي تمتع نفسها بالمناظر الخلابة والظاهرة من ارتفاع البناية الشاهق ، تنفست بعدها بهدوء وهي تبتسم بثقة كبيرة لتبدأ بها يومها الجديد كالمعتاد .

ابتعدت بسرعة عن النافذة لتخرج الهاتف من حقيبتها الملقاة فوق الطاولة وهي تجري الاتصال بسرعة ، وما ان وضعته على اذنها حتى وجدته مقفل بدون اي ردّ من الطرف الآخر وهذا ما دفعها لتشعر بالتوجس والقلق ينهش احشاءها بقوة ، اخفضت الهاتف لتجري من فورها اتصال آخر برقم ثاني وهي ترجو ألا يحدث ما تفكر به ، ليفتح بعدها بلحظة الطرف الآخر وقبل ان ينطق بأي كلمة سبقته وهي تقول بسرعة بتوجس
"صفاء ، هل ماسة معكِ ، فأنا احاول الاتصال بها وهي لا تجيب"

عمّ الصمت للحظات قبل ان ينطق الطرف الآخر بخفوت متوتر
"لا اعلم ماذا اخبركِ يا روميساء ، ولكني لم ارى ماسة منذ نامت معي بمنزلي بمساء الامس ، وبعدها بالصباح اختفت ولم اجد لها اي اثر ولا حتى بالجامعة...."

اخفضت (روميساء) الهاتف عن اذنها بارتجاف بدون ان تسمع بقية كلامها وهي تفكر بمئة احتمال يدور برأسها ومن بينها ان تكون حقا قد بدأت بالبحث عن عمل كما كانت تريد وتسعى ، ولكن لن تسمح بحدوث هذا وهي من ستوقفها عند حدها فهي المسؤولة الوحيدة عنها وتأمين كل ما تحتاجه مهمتها وحدها منذ سنوات ، فهي لن تسمح لشقيقتها بأن تتمادى اكثر من هذا وتعمل عند اناس سيستغلون ضعفها وعدم خبرتها بمجال العمل بدناءة .

اعادت الهاتف لأذنها وهي تقطع استرسال الأخرى قائلة بحزم
"اسمعي يا صفاء واهدئي ، انا سأحاول البحث عنها بمنزل قيس وبكل مكان ، وانتِ ابقي بالجامعة حتى نهاية الدوام فقد تأتي لحضور محاضراتها متأخرة"

ردت عليها (صفاء) بخفوت حزين
"حسنا يا روميساء ، واعتذر لأني لم انتبه عليها اكثر كما طلبتي مني"

حركت (روميساء) رأسها بشرود وهي تهمس باطمئنان
"لا تقلقي يا صفاء ، كل شيء سيكون بخير فماسة ليست طفلة لتخافي عليها هكذا ، والآن وداعا"

فصلت (روميساء) الخط بارتباك وهي تعيد الهاتف للحقيبة بهدوء ، لتضع بعدها حزام حقيبتها فوق كتفها وهي تعيد جديلتها الطويلة لخلف ظهرها قبل ان تسير باتزان هادئ لباب الشقة وكل ما تتمناه ويجول بفكرها ان تكون (ماسة) حقا بخير ولا يصل تهورها وجنونها لأمور لا تحمد عقباها .

____________________________
طرق على باب الغرفة بهدوء حذر قبل ان يسمع الاذن بالدخول ، ليدفع بعدها باب الغرفة وهو يقول بابتسامة هادئة باتزان
"صباح الخير ابي"

ردّ عليه من كان يقف امام المرآة وهو يعدل من ربطة عنقه قائلا بهدوء جاد
"صباح النور ، ماذا هناك لما لم تذهب للشركة بعد ، فلا تنسى بأنه عليك البدء بالعمل على الصفقة الجديدة والتي سلمتها لك"

كان (احمد) يبتسم بشرود وهو يتمعن بالنظر بوالده والذي يبدو لم يؤثر عليه تقدم العمر كثيرا ولم يهد من طاقته وحيويته ولو قليلا وحتى الشعيرات البيضاء لم تغزو سوى جزء قليل من شعره لتختلط مع الشعيرات السوداء وتزيده مهابة وجبروت وفخر لهذه العائلة ، وهكذا كان دائما يراه منذ طفولته البطل الخارق والذي لا يقف امامه اي حائل مثل الجبل الشامخ والذي لا يهزه ريح مهما تعاقبت السنوات وزادت العقبات امامه ، فهو بالنهاية ابن العائلة الوحيد ورجل بين ثلاث شقيقات والذي صارع الحياة بقوة بين اولاد اعمامه ليحصل هو على المركز ويتشبث بقوة بمكان جده الراحل والذي استلمه من بعده .

نفض الأفكار عن رأسه ما ان استدار (محراب) نحوه بجمود وهو ينظر له بتلك الاحداق الرمادية والتي لم تتغير الصرامة والقسوة فيها والتي تميز افراد هذه العائلة ، ليقول بعدها بسرعة بابتسامة جادة
"اريد القليل من وقتك يا ابي ، لأتكلم معك بموضوع مهم ويخصني شخصياً"

تصلبت ملامح (محراب) بجمود وهو يرفع حاجبيه ببطء مترقب قائلا ببرود
"يمكنك ان تخبرني بما تريد بعد ان ننتهي من العمل ، فلا نريد التأخر بالبدء بالصفقة الجديدة والتي تخص رحلة عملك وخاصة بعد الخسارة والتي ألحقت بنا بعد تلك الحفلة الكارثية"

تجهمت ملامح (احمد) وهو يشعر بكلمات اتهامية غير مباشرة موجهة نحوه ليذكره بما حدث بسببه بتلك الحفلة الكارثية كما يقول وهو يحمله كل اللوم على ما آلت إليه تلك الشراكة ، قال بعدها بلحظات باستياء واضح
"ولكني لستُ المذنب الوحيد هنا ، فذلك المسمى رضوان هو الذي تجاوز حدوده بالبداية....."

قاطعه (محراب) وهو يتمتم بنفاذ صبر
"توقف عن تكرار نفس الحجة امامي ، فأنا قد خاب ظني بك كثيرا"

تنفس بضيق وهو يعود مرة أخرى لتحميله الذنب بالكامل واشعاره بالمسؤولية وبما قد خسره بسببه ، ليعود بعدها لموضوعه المهم وهو يقول بجدية عابسة
"ابي فقط اسمعني اريد التكلم معك بأمر مهم ، وهو بعيد جدا عن العمل ولن يؤخذ الكثير من الوقت"

رفع (محراب) نظراته باتجاه ابنه وهو ينتظر تكملة كلامه بترقب وبحاجبين معقودين بتركيز ، ليقبض بعدها (احمد) على يديه بقوة وهو يهمس بتصلب مشتد بدون اي مواربة
"لقد عقدت قراني على ابنة عمتي روميساء الفاروق بالأمس بالمحكمة ، وهي الآن قد اصبحت زوجتي رسمياً وتحت حمايتي"

ساد هدوء حذر بالأجواء بينهما دام لدقائق وفقط صوت انفاسهما هو ما يقطع الصمت بينهما وعيونهما تعلن عن تحدي بارد بدون اي كلمات بنفس القوة والصرامة الموروثة ، ليزفر بعدها (محراب) انفاسه بقوة وهو يبادر بالكلام قائلا بجمود
"هل هذا الكلام حقيقي ام انك تسخر مني"

وعندما دام الصمت لفترة اطول حتى استسلم (احمد) وهو يبعد عينيه عن تحدي عيون والده بخنوع صامت ، ليقول بعدها (محراب) بصوت صارم بارتفاع خطر
"ولما فعلت هذا ، ما لذي دفعك لتتصرف على هذا النحو ، ام انك تفكر بالانتقام مني وفعل ما امرتك بعدم فعله كوسيلة لإغاظتي ، هل هي حرب باردة بيننا...."

قاطعه (احمد) بتوجس وهو يرفع كفيه بتبرير
"هذا غير صحيح ابدا يا ابي ، لما دائما تفهم ما افعله بشكل خاطئ ، انا اكيد لستُ افكر بمحاربتك او الانتقام منك فأنت بالنهاية والدي ومعلمي الأول بالحياة والذي يتمنى لأبنائه الخير دائما....."

قاطعه (محراب) وهو يتقدم نحوه بثبات نافضا ذراعه جانبا
"لا انت لست ابني الذي اعرفه بل نسخة اخرى عن شقيقك المجنون والذي بدأت تتحول عليه ، فهذا لا يخرج ابدا من ابني احمد والذي تابعت تربيته بنفسي خطوة بخطوة منذ كان طفلا ليستطيع حمل كل اعباء العمل بنفسه بعد ان يتقدم بي العمر ، لكن ماذا ارى امامي الآن سوى نسخة فاشلة استطاعت تحريكه الاعيب النساء"

قال (احمد) فجأة بانفعال وهو يشير لنفسه بيده بغضب
"كيف تتكلم عني هكذا يا ابي ، على الأقل اسمع السبب والذي اريد اخبارك به ، وبعدها يمكنك الحكم على تصرفي"

ردّ عليه (محراب) باقتضاب
"إذاً ما هو سببك"

تنفس (احمد) بارتباك وهو يخفض ذراعيه جانبا قائلا بكل ما يملك من هدوء وتركيز
"انت تعلم بأن بنات عمتي مايرين قد تركوا المنزل بدون رجعة بسبب ما حدث بالحفلة ، وروميساء تُحمل نفسها اللوم والذنب على ما حدث ، وتعلم ايضا بأنهما لم تتجاوزا بعد الماضي حتى الآن وما تزالان تعانيان منه للآن وعالقات به ، ونحن ايضا نحمل الذنب بكل ما تعرضوا له بحياتهما بدون ان نقدم لهما يد المساعدة على مدار سنوات ، لهذا عرضتُ على روميساء الزواج لكي استطيع عندها ان احقق لها كل مطالبها بالحياة كتعويض بسيط عما تجرعته بحياتها بسببنا ، ولن استطيع ان اقدم لها اي شيء بدون رباط رسمي يجمعني بها لكي احميها من العالم القاسي من حولها وابقيها بأمان ، بدون ان اسمح بضياعها منا مجددا هي وشقيقتها فهما بالنهاية تستحقان القليل من الحياة المرفهة والتي لطالما كنا نعيشها بعيدا عنهما"

كان (محراب) ينظر له بتصلب غامض قبل ان يتراجع بخطواته وهو يتجه للسرير قائلا ببرود ساخر
"رائع ايها البطل المغوار ، ولكن يبدو بأنك قد نسيت امرا مهما وهو بأنه عليك ان تخبر زوجتك عن بطولاتك هذه والتي ستفخر بها جدا عندما ترحب بزوجتك الجديدة بحياتها"

ما ان انهى كلامه حتى سمعوا صوت تحطم كأس يتبعها سقوط الصينية المعدنية ارضا خلف باب الغرفة بقوة احدثت ضجة مدوية ، لتلتفت الانظار بسرعة نحو باب الغرفة والذي سار (احمد) باتجاهه بخطوتين قبل ان يفتحه من فوره بثواني وبوجل وهو ينظر للوجه المصدوم والذي اطل عليه من خلف الباب وهو ينظر امامه بانذهال قبل ان يخرج عندها الصوت الانثوي العابس باستنكار
"هل تزوجت عليّ يا احمد"

ابتلع ريقه بارتباك وهو يتلقى السؤال والذي توقعه بدون ان يستعد له كما كان يخطط له من قبل ليفاجئ بوجودها وبتسمعها على حديثهما والذي لم يكن من المفترض ان تسمعه الآن ، وما ان كان على وشك الكلام حتى انسحبت (سلوى) بسرعة من امامه وهي تشهق ببكاء مرتفع لتجري بعيدا عنه من حيث اتت ، ليخفض بعدها نظراته بإحباط لكأس العصير والمتناثر ارضا على شكل شظايا غارقة بسائل العصير .

قطع عليه شروده بالحطام صوت والده والذي كان يرتدي سترته قائلا بحدة صارمة
"لقد فعلت ما برأسك وانتهى الأمر ، ولكن بعلمك إذا أثر هذا على علاقتي بشراكتي مع عائلة سلوى ، او إذا وصل الأمر للطلاق منها ، فلا تلوم عندها سوى نفسك يا احمد الفكهاني لأني عندها لن اغفر لك زلتك هذه"

حاد (احمد) بنظراته بوجوم نحو والده والذي كان يسير امامه قبل ان يتجاوزه وهو يبتعد عنه خارجا من الغرفة ببرود جليدي وكأن شيء لم يكن ، ليتأفف بعدها بنفاذ صبر من كل ما يواجهه بحياته وهو يرفع كفيه ليمسح بهما على صفحة وجهه هامسا من بين اسنانه بتصلب حانق
"اللعنة عليك يا احمد"

يتبع.................


روز علي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس