عرض مشاركة واحدة
قديم 19-06-21, 09:36 PM   #71

روز علي
 
الصورة الرمزية روز علي

? العضوٌ??? » 478593
?  التسِجيلٌ » Sep 2020
? مشَارَ?اتْي » 711
?  نُقآطِيْ » روز علي is on a distinguished road
افتراضي الفصل الثالث عشر


الفصل الثالث عشر..............
كانت تنظر من النافذة للطريق المظلم والذي كان يجري بسرعة بجانبها بدون اي انارة تضيء الطريق فقط اضواء السيارة الامامية هي من كانت تخترق السواد امامهم بقوة ، وبعد مسافة طالت لساعات لم تستطع حسابها بدقة من الطنين والذي كانت تشعر به يصم اذنيها منذ بدأ رحلة العودة ، حتى انها لم تشعر بخروج شقيقتها وصديقتها المصابة من السيارة بصمت بعد وصولهما لمشفى قريب من المدينة ، وكل ما تذكره هو صوت (روميساء) وهي تقول بهدوء حزين
"ارجوك اعتني بشقيقتي جيدا ، وخذ هذا مفتاح شقتنا الجديدة بالطابق السابع ببرج النجوم بمنتصف البلد ، لا تنسى ما اخبرتك به"

ولم تشعر بعدها سوى بتحرك السيارة بعيدا عنهما لتفترق عندها بعيدا عن صوت تنفسهما والذي كانت تشعر به بوجودهما ليتركاها وحدها بعالمها المشوش والغائب عن الوعي وهي تحاول التشبث بكل قوتها بخيوط ذهنها بدون ان تفلتها او تسمح لها بالهروب ، وكل ما تملكه الآن هو هذا العالم الوهمي والذي تعيش به وينسجه لها عقلها المشوش بدون ان تفقد شعورها بالواقع وهي تتمسك به بقوة بعد ان خسرت كل شيء تملكه وبقيت وحدها بهذا العالم ، فهي لن تدع نفسها تسقط غائبة عن الوعي بهذه اللحظة بالذات قبل ان تصل لفراشها ولمكانها الآمن والذي سيخلصها من كل دناءة البشر من حولها .

اخترقت اصوات ضوضاء السيارات والمركبات وعيها ما ان وصلوا للطريق السريع بمنتصف البلد والذي يعج بكل انواع البشر وكأنها امواج هائمة من حولها ، وما ان مرت لحظات أخرى مشحونة بالضوضاء حتى شعرت بتوقف السيارة أخيرا بجانب الطريق وهي تعلن عن انتهاء رحلتها الصاخبة والتي استنفذت منها كل قواها .

خرج (شادي) من السيارة ليدور حولها بخفة قبل ان يفتح الباب بجانبها وهو يمد كفه قائلا بهدوء
"هل تحتاجين للمساعدة"

نظرت (ماسة) لكفه لثواني لتتمسك بعدها بإطار الباب بيديها وهي تقول ببرود
"لا بأس ما زلت استطيع التحرك لوحدي فأنا لم اصب بمكروه بعد كل شيء"

رفع (شادي) كفه لرأسه بعيدا عنها وهو يحرك كتفيه بلا مبالاة ، بينما كانت (ماسة) تحاول النهوض بتعب وهي تشعر بالدوار يعود ليلفها بقوة ليحتجزها بمقعدها وهي تعود للجلوس عليه بإنهاك وتشنج احتل جسدها بأكمله ، لتترك بعدها إطار الباب وهي تمسد على جانب رأسها بكفها باهتزاز اصبح يحتل اطرافها بانتفاضات متفاوتة ، نظرت ليده الممدودة مجددا وهو يقول ببساطة بالغة
"والآن هل تحتاجين للمساعدة ام انكِ ستعاندين اكثر"

زمت شفتيها بألم وهي ترفع كفيها على مضض لتمسك بذراعه بقوة وهي تحاول النهوض عن مقعدها ، ليسحبها بعدها للأمام بقوة وهي تقف بارتجاف امام جسده والذي اسند وقوع جسدها المنتفض .

اغلق باب السيارة من خلفها بذراعه وهو يمسك بجسدها بذراعه الآخر قبل ان يقف بجانبها وهو يحاوط كتفيها بهدوء ، لتحاول بعدها الابتعاد عنه وهي تمسك بطرفيّ الثوب بيديها لتخطو للأمام عدة خطوات متمهلة بدون ان تسمح للدوار بأن يوقف تقدمها .

شهقت (ماسة) بوجل ما ان شعرت بجسدها يطير بفعل ذراعين حملتها عاليا بخفة ليتهدل باقي الثوب حول قدميها للأسفل ، لترفع بعدها نظراتها نحوه ما ان قال بابتسامة جانبية بثقة
"اعتذر ولكن ليس لدينا الوقت بطوله لأنتظركِ وانتِ تخطين كل عشر خطوات بخطوة ، ومراقبتكِ وانتِ تفعلين كل هذا يبعث على الملل الشديد"

عضت على طرف شفتيها باستياء وهي لا تصدق مدى بساطته بمثل هذا الموضوع بعد كل ما حدث معها للآن ، بينما تجاهل (شادي) امتعاضها والواضح بحدقتيها الحجرية وهو يسير باتجاه مدخل البناء بثبات .

وما ان وصل امام باب الشقة المطلوبة حتى انزلها على قدميها بهدوء وهو يراقب نظراتها الحادة بتصلب والتي ادارتها بعيدا عنه ، ليفتح بعدها قفل الباب بالمفتاح بحوزته وهو يدفع الباب بهدوء ، ارتفع حاجبيه بدهشة مصطنعة وهو ينظر لها وهي تدفعه لتسبقه بالدخول بقوة وكأنها ليست الضعيفة والتي تستطيع الرياح تحريكها والتي كانت عليها قبل قليل .

ابتسم بلا مبالاة وهو يسير لداخل الشقة لينظر لزواياها بتمعن هادئ ، وصل بنظره للواقفة امامه والتي كانت تمد يدها بتصلب قائلة بخفوت جامد
"اعطني حقيبتي"

اخفض (شادي) نظره للحقيبة والمعلقة على ذراعه وقد نسي امرها تماما ، ليرفعها بعدها امامها وهو يقول بابتسامة باردة
"تفضلي يا آنسة"

امسكت حزام الحقيبة بهدوء لتتراجع بخطواتها بعيدا عنه وهي تقول ببساطة
"والآن يمكنك المغادرة ، وشكرا لك على كل شيء"

ارتفع حاجبيه بخفة وبعدم تصديق لما يسمعه من وقاحة بعد كل ما فعله من اجلها ومن انقاذ كلفه حياته لتطرده بالنهاية من الشقة ببساطة ؟ ليرفع بعدها بلحظات ذراعيه لفوق رأسه وهو يقول بمرح مزيف
"رائع ، أهذا كل ما لديكِ مقابل التضحية والتي قدمتها من اجلكِ يا ناكرة الجميل ، حتى اني كنتُ على حافة الخطر بالسكين والتي كانت ستصيبني من اجل انقاذ حياتك"

حركت (ماسة) رأسها ببرود وهي تسير بعيدا عنه باتجاه بهو الشقة قائلة ببرود جليدي
"لا اذكر بأني قد ارغمتك على المجيئ وانقاذي من ذلك المصير"

زفر (شادي) انفاسه بضيق وهو يتخلل شعره بغضب دائما ما تبعثه بداخله بدون ان يعلم السبب لذلك ؟ لينقل بعدها نظراته باتجاهها وهي تجلس على الأريكة بصمت لتضع حقيبتها ارضا ، كان يتابع حركاتها الجامدة بانتباه وهي تخلع المشابك الفضية بعنف عن شعرها لتلقي بها ارضا غير مبالية بتكسر معظمها لينزل شعرها الطويل بعشوائية همجية وبعض الخصلات قد التفت بتموجات غريبة بنعومة ، لتحيط بعدها وجهها البارد بهشاشة بعيدا عن الجمود والذي كان يتسم بها بشرة وجهها الرخامية بدون اي حياة .

تأوهت بألم وهي تخفض ذراعها ببطء بعد ان تخدرت من حركتها العنيفة بآلية ، لتخفض بعدها نظراتها للأسفل بخمول هيمن على جسدها بعد قتال اجهد اعصابها ويدها تمسد على جانب رأسها برتابة ، لم تنتبه بعدها لتحرك الواقف عند باب الشقة وهو يتجه نحوها بعد ان اغلق الباب من خلفه بهدوء ، ليجلس بعدها على الطاولة امامها ببساطة بدون ان يهتم بنظراتها والتي ارتفعت نحوه فجأة بعبوس ضعيف اظهرها اكثر رقة وخاصة مع شعرها الهمجي والذي كان يشكل هالة بديعة الجمال لساحرة صغيرة تستطيع سلب القلوب الضعيفة بنظرة واحدة لأحداقها البحرية .

تنهد (شادي) بلحظات وهو يقول بتفكير عميق ناظرا لأحداقها والتي كانت تنظر له بجمود
"هل انتِ بخير ، هل ما تزالين تعانين مما حدث مع ذلك المجنون ، واصلا ما قرابته بكِ فهو يبدو يعرفكِ جيدا"

ادارت عينيها بعيدا عنه ببطء وهي تهمس بوجوم شارد
"انه ابن شقيق زوج والدتي قيس والذي كنتُ اعيش معه ، يعني قيس يكون عمه"

حرك رأسه بتفكير محبط مما استنتجه من هذه العلاقة الغريبة بينهما والتي تدل على أنهما كانا مقربين جدا من بعضهما فيما مضى مع ان الواقع يقول بأنه لا علاقة تربط بينهما ولا من اي جهة ولكن بسبب علاقتها الطويلة بزوج والدتها تحتم عليها ان تتقبل اقاربه ايضا ومن بينها تلك الفتاة صديقتهم ، عاد بنظره لها ما ان شعر بتقطع انفاسها بنشيج مضطرب لينظر مرة أخرى لحدقتيها البحرية والتي ما تزال تحتجز الدموع بهما بتجمد قاسي لم يرى له شبيه .

قال بعدها بلحظات وهو يسند كفيه على ركبتيه بقوة ناظرا لها بتمهل
"هل انتِ بخير ، اعتقد بأنه كان من الأفضل لكِ الذهاب للطبيب مع روميساء ورفيقتها"

حركت رأسها بالنفي بحذر وهي تهمس بخفوت مشتد
"انا بخير فقط احتاج لأخذ قسط من الراحة بعد كل ما حدث معي ، لذا هل تسمح لي"

عبست ملامحه وهو يفهم جيدا تلميحها له بالخروج من الشقة بكل وقاحة وبدون اعتبار لوجوده وبأنه يكون ابن خالها والذي انقذها من الخطر قبل ساعات ، رفع بعدها كفه بدون ان يمنع نفسه ليتلمس اطراف عينيها بمفصل اصبعه السبابة وهو يقول بجدية هادئة
"حقا بخير ، إذاً ما سبب هذه الدموع والتي اراها دائما بعينيكِ"

انتفضت بتشنج من ملمس اصبعه على وجهها ، لتتنفس بعدها باضطراب وهي تدفع يده بعيدا عنها هامسة بتلعثم منقبض
"هذا لا يعنيك ، واخرج من هنا"

عاد (شادي) لرفع يديه ليمسك هذه المرة بكتفيها من فوق خصلات شعرها المجنونة برفق وهو يقول بروية وكأنه يتعامل مع قطة صغيرة خرمشت وجهه بأظافرها الحادة للتو
"اهدئي يا ماسة ، واخرجي كل ما بداخلكِ من كبت فليس من الجيد حجزه بداخل روحكِ هكذا وبعينيكِ ، فكل شيء بالحياة له حد للتحمل وانتِ قد تجاوزتِ ذلك الحد"

رفعت حدقتيها الجامدة له ولأول مرة وهي تهمس بخفوت مرتجف بعيدا عن البرود والذي كان يطغى على صوتها
"لما تصر على تعذيبي ولا تخرج من هنا ، احتاج للبقاء لوحدي ، ووجودك هنا يزيد من الضغوط عليّ"

ردّ عليها (شادي) وهو يحرك كتفيه بلا مبالاة وبإصرار غريب
"لا بأس فأنا موجود هنا لأستمع وأراقب نهاية انهياركِ وإلى اين سيصل ، وانا متأكد بأنكِ عندما تخرجينها من داخلك كل شيء سيتحسن عندها"

زفرت انفاسها بإنهاك وهي تخفض رأسها ببطء شديد لتستند بجبينها على كتفه العريض وشعرها متساقط بهمجية من حولها وعلى كتفيه بسكون ، وما هي ألا دقائق معدودة الفاصلة بينهما حتى بدأت تخرج الشهقات المنتحبة قاطعة الأجواء الساكنة بتمزق صوتها وهي تتحرر من قيودها كوحش كاسر مكتوم بداخلها ودموعها تسقي قميصه الأبيض بنفس بياض ثوبها بدون ان تعيرها انتباه فقط تُخرج كل ما بداخلها من ضغط وإنهاك لا إراديا وكأنها كانت تنتظر الفرصة لتفك قيوده وتخرجه امام احد مهما يكن ، بينما كان (شادي) يدلك على كتفيها برتابة خشنة وهو يحاول تخفيف القليل من انهيارها الناعم مثل لعنة انقلب السحر على الساحر وقد كان هو الساحر .

_____________________________
بعد مرور شهر.......
سارت بسرعة باتجاه باب الشقة والذي كان يصدر صوت الرنين المتواصل وهي تحاول عقد شعرها الطويل صارخة بارتفاع صارم
"حسنا سمعت ، انا قادمة"

وما ان وقفت امام باب الشقة حتى فتحت مقبض الباب بيد وهي تمسك بعقدة شعرها الطويل بيدها الأخرى ، لتتجمد بعدها بمكانها للحظات ما ان اصطدمت نظراتها بالشخص الواقف امامها بهيبة وشموخ ملئت المكان وهو ينظر لها بعينيه الرماديتين الهادئتين وبنفس الابتسامة المتزنة والتي يحافظ عليها دائما ، ليقطع بعدها تواصل العيون صوت (احمد) وهو يقول بابتسامة متسعة بجاذبية
"صباح الخير يا روميساء ، كيف حالكِ اليوم"

ابتلعت ريقها برهبة وهي تبتسم باتساع رقيق بشفتيها الممتلئتين بعد ان اعتادت على مقابلته بها دائما وهو لا يتوقف عن زياراته لشقتهما بشكل شبه يومي وخاصة بأنه قد تكفل بمهمة إيصالها يوميا لمقر عملها وهي المدرسة الجديدة والتي اختارها لها لتبدأ عملها بها وكم تشعر بالراحة بعملها الجديد بها وبوجوده بقربها دائما من حولها ليلبي لها كل طلباتها واحتياجاتها بالحياة وقبل ان تطلبها حتى ، لتصبح حياتهما هي وشقيقتها بهذا الشهر المنصرم عبارة عن حياة هادئة لا يشوبها اي مشاكل فقط منزل يحتويهما وطعام وفير وعمل يوفر لهما المصروف اليومي بجانب المال والذي يصر (احمد) على وضعه بحوزتها وهذا غير الملابس والمأكولات والتي تصلها منه عن طريق رجاله والذين يعملون عنده وبخدمتها .

اومأت برأسها بقوة وهي تنفض الأفكار عنه لتبتسم عندها بامتنان قائلة بمودة
"انا بأفضل حال ككل يوم ، وكيف لا أكون بخير وانت دائما موجود معنا وتقدم لنا دعمك بكل لحظات حياتنا"

ابتسم بهدوء وهو يحرك رأسه باتزان قبل ان يتمتم بقوة
"هذا لا شيء امام مهمة تحقيق راحتكِ وسعادتكِ يا زوجتي العزيزة ، فأهم شيء عندي هو ان تكوني بخير وهذا يكفيني"

ابتسمت (روميساء) بإحراج شديد ظهر على خديها المحمرين بكل مرة يبدأ بها بمعاملتها بلطف وبتذكيرها بمرتبة زوجته والتي احتلتها ، ومن فرط احراجها الشديد لم تنتبه لنفسها وهي تخفض يدها والتي كانت تمسك بالعقدة بعنف ليسقط شعرها حول وجهها بكثافة ونعومة وهو يغطي جانبيها بطوله لينزل بفوضة ناعمة لأسفل كتفيها وكأنها ستارة سوداء تغطي مفاتنها عن الأعين المسحورة بها ، عادت بسرعة لرفع يديها بارتباك وهي تحاول اعادة تجميعه مرة أخرى بصعوبة ، لتشعر بعدها بكفيه وهي تمسك بيديها ليخفضهما قائلا بهدوء جاد
"دعيني اهتم بهذه المهمة"

سكنت بمكانها بجمود للحظات وهي تتابع حركاته الهادئة وهو يتخلل شعرها الاسود الطويل بأصابعه ليجمع خصلاته معا قبل ان يعقدها سويا بربطة مطاطية خلعها عن معصمه ليعقد بها شعرها على هيئة ذيل حصان طويل ، وما ان انتهي حتى ارجع ذيل حصانها لخلف ظهرها ببساطة وهو يمسد عليه مستمتعا بنعومته الفائقة والتي يجربها لأول مرة والمختلفة تماما عن تموجات شعر زوجته والتي تملئها التشابكات .

تراجعت (روميساء) للخلف بعيدا عن يديه بارتباك وهي تمسد على ذيل حصانها بتوتر ، لتقول بعدها بابتسامة صغيرة بخفوت
"شكرا لك على المساعدة"

رفعت عينيها الخضراء نحوه بتوجس ما ان قال بعبوس متجهم تراه لأول مرة على ملامحه المتزنة
"اين هو خاتم زواجكِ ، لما لا اراكِ ترتدينه"

اخفضت كفها بسرعة لتضمها مع كفها الأخرى وهي تقول بابتسامة هادئة
"اجل انا لا ارتديه دوما لأنه ثقيل جدا على اصبعي ، واخشى من ان يسقط مني بالعمل او بأي مكان بدون ان اشعر به فهو يبدو غالي جدا"

ازداد عبوس ملامحه بعدم رضا من تصرفها وقد لاحظ مرارا عدم ارتدائها للخاتم بمكان عملها وبكل مرة تخرج بها من الشقة وكأنه شيء عتيق غير مهم وجوده بحياتها وما يمثله لها وهي تعامله كصاحبه تماما ، بدون ان تعلم بأنه الشيء الوحيد والذي يمثل انتمائها له بحياته .

بينما عقدت (روميساء) حاجبيها بحيرة وهي لا تفهم إمارات الحزن والأسى والتي تحتل محياه ما ان يكتشف عدم ارتدائها للخاتم والذي لم ترتح يوما لارتدائه والتلويح به بكل مكان خوفا من ان يسرق او يفسده شيء ؟ حتى انه لم يسألها او يؤخذ رأيها بشراء الخاتم والذي احضره لها على حين غرة منها لترغم على تقبله بسعادة منقبضة وهي تراه اكبر حجما على اصبعها بكثير ومتناقض تماما عن شخصيتها والتي لم تحب يوما مثل هذه المظاهر الفاحشة والتي تخدع العين فقط .

قطع عليهما الصمت والذي غيم عليهما فجأة صوت (ماسة) وهي تقول ببرود ساخر
"مرحبا بزوج شقيقتي المحترم ، هل اتيت لتؤخذها معك لعملها ام لتتسلى معها بالكلام الغرامي عند باب الشقة كالعادة مثل المراهقين"

التفتت (روميساء) نحوها بعنف وهي تهمس بحدة
"ماسة كفى ، احترمي ابن خالكِ والذي يكون زوج شقيقتك ولا تنسي بأنه هو من يؤمن لنا هذه الحياة المريحة"

تأففت المقابلة لها بنفاذ صبر وهي تكتف ذراعيها فوق صدرها قائلة باستخفاف بالغ
"هل تريدين ان تحمليني اللوم لأني قبلت بهذه الحياة المريحة والقادمة من زوجك والذي يحاول ان يكفر عن ذنب عائلته والذين نبذونا بالماضي ، وهو بالواقع ينتظر ولو نظرة صغيرة منكِ مقابل كل الهدايا والتي يمطرها علينا منذ زواجه منكِ"

فغرت شفتيها بارتعاش مرتجف وهي تشعر بالدماء الحارة ستنفجر بأوردتها من قوة تدفقها بهذه اللحظة بالذات ، بينما اتسعت عينيّ (احمد) بوجل وهو يشيح بوجهه بعيدا عنها بإحراج استبد به ، لتتدخل بعدها (روميساء) وهي تقول بصرامة مهتزة ناظرة لها بتحذير
"اصمتِ يا ماسة ، لا اريد ان اسمع اي كلمة منكِ بحق احمد ، وإياكِ وان تعيدي هذا الكلام الوقح امامي مرة أخرى سمعتي"

حركت عينيها بعيدا عنها قائلة بملل
"حسنا فهمت لن نزعج زوجك مرة أخرى ، ألن تذهبي الآن لعملكِ فقد تأخرتِ كثيرا يا معلمة روميساء"

تنهدت بيأس منها لتنظر للساعة بمعصمها قبل ان تشهق بجزع ، لتندفع بعدها بسرعة بعيدا عنهما وهي تقول بعجلة
"انتظرني قليلا يا احمد ، فقط سأحضر حقيبتي من غرفتي"

اختفت بعدها عن انظارهما لتتقدم (ماسة) بخطواتها امامه قاطعة المسافة بينهما ، لتتوقف بعدها امامه تماما وهي تقول بخفوت هادئ
"ماذا حدث معك بموضوع البحث عن عمل من اجلي"

ادار نظراته نحوها بجمود وهو يقول بصرامة خافتة
"لا اعلم حقا ما حاجتكِ للعمل وكل شيء تريدينه متوفر عندكِ ، فقط انتِ اطلبي وكل شيء سيكون حاضر عندكِ وقت ما تشائين"

ردت عليه بتصلب خافت باقتضاب
"ارجوك يا احمد لقد تكلمنا عن هذا الموضوع من قبل ، والآن اخبرني هل وجدت ام لا"

حرك (احمد) رأسه بالنفي بوجوم غامض وهو يهمس بخفوت
"لا لم اجد العمل الذي يناسبك"

تشنجت ملامحها وهي تقول بانفعال حاد
"ولكنك تبحث لي عن عمل منذ اسبوع ، غير معقول ان تكون لم تجد لي حتى الآن اي عمل مناسب لي ولو كان خادمة بشركتكم"

حرك (احمد) رأسه بقوة وهو يقول بعدم رضا
"ما هذه السخافة والتي تتفوهين بها يا ماسة ، انتِ ما تزالين طالبة جامعية كيف تريدين مني ان اوظفك خادمة ، عندما تتخرجين يمكنكِ عندها العمل بمجال دراستك"

اشاحت بوجهها بعيدا عنه وهي تهمس بجفاء
"اشك بأن اجد وظيفة بمجال دراستي"

قطع عليهما كلامهما من تقدمت نحوهما بسرعة وهي تجري بعجلة وابتسامة كبيرة تحتل محياها وهي تقول بجدية هادئة
"هيا بنا يا احمد ، فقد تأخرتُ كثيرا على دوامي"

كان (احمد) على وشك قول شيء لتسبقه التي تجاوزته وهي تخرج من الشقة بعجلة قائلة بنفاذ صبر
"هيا يا احمد بسرعة"

التفت (احمد) برأسه للخلف بإحباط للتي غادرت من امامه بمسار ممر الشقة بعيدا عنه ، وما ان تحرك خلفها حتى سمع صوت بارد يقول من خلفه بخفوت
"شكرا لك على كل شيء قدمته لروميساء"

حرك رأسه بامتنان صامت وهو يكمل سيره خلف التي سبقته وهو يسير بخطوات متمهلة بتعمد لن تصل لها قبل ساعة بعكس خطواتها السريعة وكأنها بسباق وهو يتعمد فعل كل هذا ليستمتع باستفزازها والذي نادرا ما يخرج منها ، ونظرات (ماسة) تتابعهما بهدوء لتتنفس عندها براحة وبسعادة تشعر بها لأول مرة وهي تتمنى الأفضل لشقيقتها دائما والتي تستحق كل سعادة العالم والتي تمنتها كثيرا من اجلها .

____________________________
طرقت على باب المكتب بهدوء خافت ليلتفت عندها صاحب المكتب نحوها ببطء وهو مشغول بالتكلم على الهاتف ليشير لها بعينيه السوداوين باتجاه الأريكة امام المكتب بصمت وهو مستمر بالاستماع للطرف الآخر ، تقدمت بعدها عدة خطوات بعيدا عن الباب وهي تلوح بالكتاب بكفيها امام وجهها ليعلم سبب قدومها إليه بوقت عمله الآن ، بينما رفع (جواد) حاجبيه ببرود وهو يستمع للطرف الآخر بالهاتف بتركيز وعينيه معها ، ليفصل بعدها بلحظات الخط مع الطرف الآخر وهو يضعه فوق سطح المكتب بهدوء بالغ .

رفع (جواد) نظراته نحو التي ما تزال واقفة بمكانها بوجوم وهي تبتسم له برقة وكأنها طفلة تنتظر الأذن بالتحرك بعد ان انتهت مهلة عقوبتها ، ليبتسم بعدها بغموض وهو يحرك عينيه للأمام قائلا بجدية
"اقتربي امامي"

تحركت (صفاء) بسرعة وهي تقف امام مكتبه بطاعة تامة وذراعيها تدسان الكتاب بأحضانها بقوة ، ليقف بعدها عن مقعده وهو يدور حول المكتب بثواني قبل ان يقف امامها تماما ، فتحت شفتيها بارتباك عدة مرات وهي على وشك الكلام لولا ذراعه والتي ارتفعت نحوها ليمسك بأعلى ذراعها برفق وهو يهمس بجمود مشتد
"كيف هي حال ذراعكِ الآن ، هل تحسنت"

ارتجفت اطرافها بوجل وهي تشعر بلسعة حارقة من لمسة كفه على ذراعها بحركة عابرة وقد شعرت بها وهي تخترق سترتها الصوفية الثقيلة بقوة ، لكنها لم تتراجع او ترتعد منه كما كان بالسابق فقد اصبحت معتادة على لمساته العابرة واطمئنانه على حالها بين الحين والآخر منذ اصابتها بذلك الجرح والذي كان سببا بتقربها منه وهو يمطرها دائما بالأسئلة عن جرحها وحالته وسبب حدوثه وكأنها قد تحولت بلحظة عابرة لشخص مهم جدا بحياته ، وهي بالمقابل تلتزم الصمت التام وتحاول تجنب اجابته عن اغلب أسئلته والتي تكون معظمها عن سبب حدوث الجرح وهي تتنعم بلطفه والذي كان نادرا ما يخرج منه وهي تمثل امامه دور الاميرة المدللة بقصور الحكايات .

اومأت (صفاء) برأسها بامتنان وهي تبتسم بابتهاج لمع بحدقتيها العسليتين بتوهج
"لقد اصبح افضل من قبل ولم اعد اشعر بالألم به"

ضيق عينيه السوداء وهو يدقق النظر بملامحها المشعة بتوهج عسلي دافئ ليعود بنظره لذراعها وهو يتذكر اول مرة رأى بها حالة ذراعها المريعة وكأنها قد انشقت بسكين لتسبب ذلك الشرخ وهي ملفوفة بعدد من الضمادات والتي كانت ظاهرة حول ذراعها ومن فوق قميصها ، والآن لم يعد هناك اي شيء ظاهر حول ذراعها وقد توقفت عن لف تلك الضمادات فوق قميصها ولكن الأكيد بأن تلك العلامات ما تزال واضحة على بشرة ذراعها ولن تزول بهذه السهولة .

قال بعدها بلحظات وهو يمسك بذراعها برفق ليرفعه عاليا بحذر وكأنه يتفحص مدى الألم به
"وهل تشعرين بالألم برفعه وباستخدامه بحياتكِ اليومية"

تغضن جبينها بألم وهي تشعر بنخزة طفيفة سرت بطول ذراعها بدون ان تمنع الألم بالظهور على ملامحها الناعمة ، ولكنها تبقى اخف بقليل من الألم الحارق والذي كانت تشعر به ببداية اصابتها ، لتعض بعدها على طرف شفتيها الورديتين بارتجاف وهي تتمتم بامتعاض متألم
"بعض الشيء ، ولكنه يبقى افضل من الألم والذي كنت اشعر به بالسابق"

اخفض ذراعها بهدوء بدون ان يتركه وهو يقول بخفوت جاد
"إذاً ألن تخبريني عن السبب الحقيقي والمتسبب الرئيسي بإصابتكِ"

زمت شفتيها بحنق وهو يعيد امامها نفس السؤال والذي لم ينفك يتوقف عن السؤال عنه وكأنه يصر على نبش الحقيقة من داخلها رغما عنها بدون ان تفهم سبب عناده ؟ وكأنه يستطيع قراءة افكارها وبما يجول برأسها ، انتفضت بعدها بعيدا عن كفه وهي تتراجع للخلف هامسة بارتباك متوجس
"لقد اخبرتك بالسبب الحقيقي يا جواد ، فأنا قد وقعت على نصل سكين حاد كان ملقى على الأرض وجرح جانب ذراعي بقوة....."

قاطعها بخفوت بارد بنبرة غامضة
"لما تتكلمين بهذا الارتجاف يا صفاء وكأنكِ مرغمة على قول كل هذا"

تنفست (صفاء) بتوتر وانشداه وهي تحاول استيعاب مغزى كلماته والتي ضربتها بالصميم ، لترفع بعدها ذراعها المصاب وهي تعانق به الكتاب بحضنها بقوة وكأنها تستمد منه الدعم .

افاقت من افكارها على صوت (جواد) وهو يقول بابتسامة هادئة بالتواء خفيف
"هل احضرتِ الكتاب معكِ لتعطيني اياه ، هذا يعني بأنكِ قد انتهيتِ من قراءته"

اخفضت نظرها بسرعة للكتاب بحضنها وقد نست امره تماما والسبب والذي دفعها للقدوم لغرفة مكتبه الآن ، لترفع بعدها نظراتها نحوه وهي تقول بابتسامة صغيرة بسعادة عادت للتوهج بملامحها
"اجل لقد انهيته بالأمس ، لذا احضرته لك لتستطيع قراءته بما انك كنت تريد الحصول عليه بشدة"

حرك رأسه باتزان وعينيه تتابع سعادتها والتي تحولت من الحزن للابتهاج بثواني معدودة فقط ، لتخفض بعدها وجهها للأسفل بإحراج ممتعض من نظراته المسلطة نحوها بدون ان تبتعد عنها ولو لثانية وهو يصر على اختراق هشاشة مناعتها بسواد نظراته الحادة والتي لا تفهم طبيعة حدتها ؟

بينما كان (جواد) يمتع نظره بمراقبة خصلات شعرها المقصوصة عند مقدمة جبينها وهي تسقط امام نظرها لتغطي الرؤية امامها بلون بني مائل للذهبي يختلف عن باقي خصلات شعرها المعقودة بالخلف ، ليتنهد بعدها بهدوء وهو يرفع يده ليمسك بالكتاب بحضنها وهو ينتشله منها بقوة ما ان ارخت ذراعيها للأسفل بعيدا عن الكتاب ببطء .

رفع الكتاب امام نظره وهو يتصفح به بسرعة بلمحة سريعة ليعرف على ما يحتوي بدون ان يدقق النظر به اكثر من لحظات ، ليلوح بعدها بالكتاب ببساطة وهو يقول بغموض مبتسم
"اعتذر إذا كان هذا الطلب سيكون ثقيلا عليكِ ، ولكن هلا شرحتِ لي محتوى هذا الكتاب الشيق فأنا احب كثيرا سماع تجارب الآخرين ، من اجل ان استطيع ان احكم على الكتاب قبل قراءته"

رفعت عينيها العسليتين المتسعتين بتوجس وهي تعقد حاجبيها بتفكير قبل ان تهمس بابتسامة شاردة بحالمية
"اكيد لا امانع ، فأنا احب كثيرا ان اشارك تجاربي بالقراءة مع العالم ، وخاصة النوع المفضل عندي من القصص الخيالية"

حرك (جواد) رأسه بهدوء وهو يبتسم باتساع متصلب قائلا بسعادة غامضة
"رائع يبدو بأننا نتشارك بنفس الأفكار ، وهذا سيكون جيدا لكي نستطيع التفاهم معا"

نظرت بسرعة نحوه وهي تهمس بوجوم عابس
"وماذا عن عملك ، ألست مشغولاً الآن بالعمل ، فأنا لا اريد ان اكون سببا بمقاطعتك"

حرك رأسه بلا مبالاة وهو يسير بعيدا عنها ليجلس على الأريكة وهو يضع الكتاب امامه قائلا ببرود
"لا بأس ، فأنا لدي الآن وقت مستقطع من العمل قبل ان اعود إليه ، وبهذا الوقت يمكننا التكلم عن طبيعة هذا الكتاب وتجربتك به"

رفعت حاجبيها بانشداه من عدم اهتمامه بالعمل واصراره الغريب للتكلم عن الكتاب والذي انتهت من قراءته بالأمس ؟ لتنفض بعدها كل هذه الافكار عن رأسها وهي تتجه بسرعة للأريكة لتجلس امامه وهي تضم قبضتيها معا قائلة بحماس طفولي وتوهج احتل ملامحها مجددا بشكل مبالغ به
"حسنا بما انك مصر على سماع تجربتي فسأخبرك بها وبكل ما اكنه من حب لهذا النوع من الكتب ، فأنا بالحقيقة عاشقة لكل انواع الكتب والتي تضم الخيال والحب معا بمزيج مذهل وكأنك تعيش بعالم آخر ، وهذا الكتاب لا يختلف عنهم بالجمال فهو يملك سحر سيؤخذك بعيدا جدا لمكان لا يوجد به سوى جمال الحب وسحره والذي يلقيه على القلوب الملهوفة للحب....."

كان (جواد) يرفع حاجبيه بدهشة ممزوجة مع التجهم وهو يحاول تتبع كلامها الخافت والسريع والخارج من شفتيها الورديتين وكأنها عصفور صغير اطلق سراحه ليبدأ بالغناء والنشيد بكل مكان مسحرا العالم بصوته الرقيق مع رنة حزينة بدون ان يوقفه حائل ، وكل ما يدور بذهنه الآن بأن هذه الفتاة قد اصبحت جاهزة لتكون فريسة سهلة بعد ان اكتشف نقطة ضعفها والتي ستوصله لمراده اخيرا والذي تاق إليه كثيرا بعد سنوات طويلة حفرت بداخله بين الجفاء والحزن على ما ذهب تحت التراب بدون ان يستطيع اعادته للحياة .

_____________________________
كانت تضع كتبها امامها والتي عليها مذاكرتها فقد اقترب موعد الاختبارات جدا وعليها ان تكون على اتم الاستعداد لها ، وبما ان الوقت الآن استراحة من المحاضرات وجميع الطلاب قد خرجوا من بناء الكلية ليتجهوا للأماكن والتي يتوفر بها الطعام الدسم والاطلالة الجميلة بهذا الجو المشمس جزئياً مع رياح خريفية لطيفة ، بينما هي ستستغل هذا الوقت لصالحها لتذاكر به دروسها الفائتة بقاعة المحاضرات الفارغة وبهدوء تام بدون اي إزعاج .

عقدت حاجبيها بريبة وهي ترفع نظراتها لمصدر الصوت بحيرة وهي تنظر لورقة مجعدة ملقاة فوق سطح المكتب الخاص بالأستاذ بعد ان ألقى بها صاحبها عند باب القاعة وهرب ، وهي ما تزال تستمع لأصوات خطواته المبتعدة بقرب القاعة المتواجدة بها .

تأففت (غزل) بنفاذ صبر وهي تتحامل على نفسها لتنهض عن مقعدها وتتجه لطاولة المكتب والتي تحتل رأس القاعة ، وما ان وقفت امامها حتى تلفتت من حولها بريبة وهي تشك بزملائها السمجين بهذه الفعلة فهذا ليس بعيدا عنهم ، لتمسك بعدها بالورقة المجعدة وهي تفكر بألقائها بعيدا لتتوقف بآخر لحظة وهي تشعر بالفضول والذي يدفعها لمعرفة مضمون الورقة مجهولة الهوية .

اتسعت عينيها العسليتين باخضرار بوجل ما ان فتحت الورقة وهي تنظر لمضمون الرسالة والذي بعث رعشة طفيفة محببة بأنحاء جسدها بانتفاض
(اريد رؤيتكِ الآن وبهذه اللحظة بالذات لأتكلم معكِ ، لقائنا سيكون بمختبر العلوم بنهاية الرواق ، لا تتأخري عليّ ، المرسل عصام شرفات)

قبضت على الرسالة بقوة بين يديها وهي تخفضها للأسفل بوجوم شاردة بالبعيد وكأنها قد انتقلت لعالم آخر للتو ، لتبتلع بعدها ريقها بارتباك متشنج وقلبها يضرب بصدرها بقوة طلبا للرحمة ما ان اجتاحت رأسها تلك الذكريات المؤلمة والتي لم تبارح ذهنها يوما ، وكأنها تصر على اعادتها لتلك النقطة المشرقة بحياتها قبل ان تختفي وتداس عليها بالأقدام بقسوة بالغة بدون التفكير بصاحبتها والتي فقدت كل الأمل بالسعادة بحياتها والذي كان يكمل نقصها يوما .

زمت شفتيها وهي تشدد من القبض على الورقة فقد تكون هذه الرسالة مجرد خدعة دنيئة من احدهم ليتسلى بها لا اكثر وليست منه شخصياً ، وكيف ستكون منه وهو الآن مخطوب من تلك الفتاة المناسبة لفصيلته وطبقته كما كانوا يقول الجميع ؟ ولكن ماذا إذا كانت حقا منه شخصياً ويريد التكلم معها بجدية على انفراد بعيدا عن خطيبته ؟ هكذا ستكون قد اضاعت منها فرصة ذهبية من بين يديها لتعيد ذلك الأمل الميت للحياة مجددا والذي كان يملئه بعالمها ، فهل ستتجرأ على تجاهل مثل هذه الفرصة والتي اتت عندها على قدميها ولو كانت متأخرة ؟

تنفست بهدوء وهي تحاول ضبط اعصابها ومشاعرها المتخبطة برأسها بتشوش ، لتدس بعدها الورقة بجيب بنطالها وهي تقرر بأنها ستذهب للقائه وتستمع لما يريده منها فقط وبعدها تعود لمذاكرتها .

خرجت (غزل) بسرعة من قاعة المحاضرات وهي تسير بتمايل مرتجف باتجاه مكان المختبر ومكان لقائهما ، ولم تنتبه للخطوات الملاحقة لها بترقب خبيث خطوة بخطوة متضامنا مع خطواتها بدون ان ترهف السمع لأصوات اقدامهما بسبب شرودها بعيدا عن كل من حولها .

وقفت بنهاية الرواق وامام باب المختبر لتدلك بكفها على صدرها بارتباك وبكفها الآخر كانت تحاول الإمساك بمقبض الباب بتعرق مرتجف ، لتزفر بعدها انفاسها بنشيج متقطع وهي تندفع مرة واحدة لتفتح باب المختبر بقوة قبل ان تصطدم بفراغه وسكونه التام .

اخفضت يديها بوجوم وهي تشعر ببرودة اكتسحت كل اطرافها ونبضات قلبها والتي كانت تتصارع قبل قليل لتتوقف نهائياً وكأنها تعلن عن نهاية امل عاشت عليه للحظات معدودة ، عضت بعدها على طرف شفتيها بتفكير متأمل من ان يكون لم يصل بعد لغرفة المختبر او انه قد انشغل بشيء ما بطريقه لهنا ، لذا لا مانع من انتظاره بعض الوقت والذي لن يضر احد .

تقدمت بعيدا عن باب المختبر وهي تسير للداخل لتتوقف امام النافذة الزجاجية بشرود واجم وهي تنظر لتجمعات الطلاب بساحات الجامعة مثل خلية النحل ، بينما كان هناك من ينظر لها بابتسامة شامتة بانتشاء قبل ان تقفل عليها الباب من خلفها بهدوء شديد لتدس بعدها المفتاح بداخله وهي تغلقه بالقفل .

قالت بعدها بلحظات الفتاة بجانبها بتوجس مرتجف وهي تراقب ما تفعله بارتباك
"اعتقد بأنكِ قد بالغتِ كثيرا بهذه الخطة ، فإذا كشف امرنا سينتهي مستقبلنا بهذه الجامعة على الأكيد"

رفعت (سامية) وجهها بعنف نحوها لتلوح بالمفتاح بيدها وهي تقول بغرور خبيث
"لن يحدث شيء لنا ، إذا لم نخبر احد بالأمر فلا احد سيعلم ، لذا اهدئي"

اومأت صديقتها برأسها بالإيجاب وهي تعض على طرف شفتيها بتوتر مرتعد من ان يكشف امرهم حقا امام احد ، بينما شردت الأخرى بأفكارها وهي تعود بالنظر لباب المختبر لتضم المفتاح بقبضتها بقوة وهي ترفعه لأمام وجهها هامسة بحقد دفين وبخبث كل العالم
"هذا ما تستحقه فتاة سارقة مثلكِ مثيرة للشفقة ، فأنا لن انسى ابدا بأنكِ قد سرقتِ بيوم من الايام ما يخصني وحدي وقلبتِ الجميع ضدي ، حتى ذلك الاستاذ لم ينجو من سحرك وهو يفضلكِ عليّ وعلى الجميع ، ولكن بما انكِ متحمسة جدا للقاء حبيبك القديم فأنا سأمنحكِ فرصة لتستمتعي بلقائه بمخيلتكِ المحدودة"

شعرت بيد صديقتها وهي تمسك بذراعها لتسحبها معها قائلة بقلب مذعور
"هيا بنا يا سامية لنذهب من هنا بسرعة قبل ان يرانا احد"

سارت بعيدا عن الباب وهي تنفض ذراعها بعيدا عن كفها ليغادرا المكان من فورهما بلمح البصر ، وما ان وصلت كلتاهما لنهاية الرواق عند الزاوية حتى اصطدمت واحدة منهما بالشخص والذي ظهر امامها فجأة ليقع المفتاح من يدها على الأرض بقوة وهو يصدر صوت رنان ارتفع صداه بالأرجاء .

اتسعت عينيّ (سامية) بجزع وهي تنظر للأستاذ والذي انحنى امامها ليلتقط المفتاح من على الأرض قبل ان يستقيم بوقوفه امام نظراتهما المذعورة وهو يتمتم بجدية صارمة
"ما لذي تفعلانه بالجري بالممرات بوقت الاستراحة ، أليس لديكما شيء مفيد تفعلانه بدلا من هذه التصرفات الطفولية ، وايضا ما هذا المفتاح وماذا كان يفعل بحوزتكما"

كانت صديقتها على وشك الكلام بارتجاف متوجس لولا القدم والتي داست على قدمها بقوة آلمتها وصاحبتها تقول بغرور واثق تحسد عليه
"لقد سلمنا الاستاذ طارق هذا المفتاح لنعطيه لك وتخبئه معك لوقت الحاجة ، وهو يخص غرف المختبرات لكي لا يضيع مع احد آخر غيرك"

حرك رأسه بجمود وهو يتمعن بالنظر للمفتاح بهدوء قبل ان يهمس بصرامة قاطعة
"حسنا ، هيا تحركا من هنا وتوقفا عن الجري بالممرات لكي لا تصطدموا بالطلاب الآخرين"

اومأت (سامية) برأسها بطاعة وهي تسحب صديقتها من ذراعها لتغادر معها بعيدا عنه ، بينما شرد بالمفتاح بيده وهو يفكر بشيء آخر عليه فعله ليطمئن قلبه اكثر من شكوكه والتي بدأت تدور برأسه فهو لم يرتح ابدا لتصرفات تلك الفتاتين والكذب يطل من ملامحهما بوضوح يستطيع رؤيته بسهولة نافذة .

يتبع................


روز علي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس