عرض مشاركة واحدة
قديم 26-06-21, 09:57 PM   #75

روز علي
 
الصورة الرمزية روز علي

? العضوٌ??? » 478593
?  التسِجيلٌ » Sep 2020
? مشَارَ?اتْي » 712
?  نُقآطِيْ » روز علي is on a distinguished road
افتراضي الفصل الرابع عشر

الفصل الرابع عشر.............
طرقت على باب الشقة عدة طرقات قوية قبل ان ينفتح امامها ليظهر الوجه العابس والذي توقعت رؤيته وهي تكتف ذراعيها فوق صدرها بعصبية واضحة بملامحها الصارمة بشحوب ، لتسبقها بعدها بالكلام وهو تقول بملل مستفز
"اتركيني ادخل اولاً وبعدها نتكلم ، فأنا اشعر بالبرد ينخر اطرافي بتجمد"

زمت شفتيها بغضب ممزوج بالتوجس وهي تنظر لهيئتها المبللة والتي كانت تقطر ماءً من شعرها حتى قدميها والقلق ما يزال ينهش احشاءها منذ عودتها من عملها واكتشافها عدم وجود شقيقتها بالمنزل ، لتبتعد بعدها قليلا عن الباب لتسمح لها بالدخول وهي ما تزال تكتف ذراعيها بغضب .

دخلت (ماسة) من فورها لداخل الشقة وهي تخلع الحقيبة عن كتفها لتلقي بها فوق الأريكة الوثيرة بمنتصف البهو بإهمال قبل ان تتبعها بجلوسها بجانب الحقيبة وهي تنفض شعرها وملابسها من قطرات المطر والتي غرقتها بالكامل ، بينما اغلقت (روميساء) باب الشقة من خلفها بقوة لتسير امامها قبل ان تقف بجانب الأريكة وهي تقول بصرامة حادة لا تخرجها سوى بوقت الحاجة
"والآن اخبريني اين كنتِ طول اليوم ، ولما لم تخبريني بخروجكِ من المنزل"

رفعت وجهها بهدوء نحو شقيقتها المتحفزة والتي تكاد تنقض عليها بأية لحظة ، لتقول عندها بابتسامة ساخرة وهي تدس خصلاتها المبللة لخلف اذنيها بقوة
"انتبهي فأنا لستُ طالبة عندكِ بفصلك ونحن لسنا بالمدرسة لتعامليني هكذا"

ارتفع حاجبيها بحذر خطر يخفي من خلفه الكثير وهي تهمس بتهديد مبطن
"ماسة هذا ليس وقت المزاح"

ادارت عينيها بعيدا عنها وهي ما تزال تتخلل شعرها المبتل بأصابعها هامسة بامتعاض خافت
"لقد ذهبت لأضيع بعض الوقت بشيء مفيد افعله بدلا من جلوسي بالشقة وحدي بدون ان افعل اي شيء بحياتي ، فأنا لست عاجزة او مصابة لكي ابقى محبوسة بهذه الشقة المملة"

عقدت (روميساء) حاجبيها بتفكير وهي تتمتم بخفوت شارد
"واين قضيتِ يومكِ ، ولا تقولي بأنكِ قد عدتِ للبحث عن عمل مجددا"

ردت عليها وهي تحرك يديها بلا مبالاة
"لا لم افعل هذه المرة ، فقد قضيتُ طول اليوم وانا اتنقل بالمدينة بحثا عن شيء مفيد اضيع به وقتي الفارغ ، ولم انتبه لتأخر الوقت لهذه الساعة"

تنهدت بهدوء وهي تهمس بجدية حادة
"ولما لم تجيبي على اتصالاتك ، لقد اتصلت بكِ اكثر من مرة"

رفعت كفها وهي تمسد بها على عنقها هامسة ببساطة
"لم اسمع لأني قد وضعت هاتفي على الوضع الصامت ، لذا لم اسمع ايً من اتصالاتك"

زفرت انفاسها بغضب مكتوم وهي تقول بحزم صارم
"كم مرة اخبرتكِ بأن تتوقفي عن وضع هاتفك بالوضع الصامت ، ماذا لو احتجت إليكِ مثلا بظرف طارئ او حدث ما لا يحمد عقباه ، كيف عندها سأستعين بكِ او اطمئن عليكِ......"

قاطعتها (ماسة) وهي تتأفف بنفاذ قائلة بحنق
"حسنا فهمت ، لن اعيدها مجددا ، هل ارتحتِ الآن"

ضيقت حدقتيها الخضراوين بعدم راحة وهي تقول بقوة ناظرة لها بتركيز
"وأمر آخر ، مرة أخرى إياكِ والخروج من المنزل بدون ان تخبريني عن سبب خروجكِ واين وجهتكِ ، لأنني قد مللت وانا انتظر عودتكِ من مكانكِ المجهول والظنون تدور برأسي نحوكِ"

انتفضت (ماسة) واقفة عن الأريكة وهي تستدير نحوها بعنفوان وخصلات شعرها المبللة تدور من حولها لتزيد صورتها شراسة وسوادا مثل سواد شعرها والذي زاد لمعانا مع قطرات المطر ، لتقول بعدها بعبوس متجهم وهي تحرك رأسها مترافقا مع غضبها
"ألا تلاحظين بأنكِ قد اصبحتِ تتسلطين عليّ كثيرا وتتحكمين بكل مواعيد خروجي من المنزل وعودتي إليه ، متناسية بأنني فتاة بالغة واعرف مصلحة نفسي اكثر من الجميع ، فأنا لم اعد طفلة لتعامليني هكذا"

كانت المقابلة لها تنظر لها بهدوء دام للحظات قبل ان تتابع (ماسة) كلامها وهي تهمس بشحوب بارد
"انا اعلم المشكلة جيدا ، كل هذا يحدث لأنني لم انتبه لنفسي وجعلت مازن يختطفني ويهددني بالزواج منه رغما عني بدون ان افعل شيء ، لذا اصبحتِ تظنين بأنني غير مؤهلة للاعتناء بنفسي بسبب عدم اهتمامي بالخطر والذي يحيط بي"

انحنت زاوية من شفتيها بضعف وهي تميل بعينيها الخضراء بعيدا عنها بحزن ، لتعود بعدها بثواني لصرامتها المعتادة لتنظر لها بتركيز وهي تمسك بكتفيها بقوة قائلة بخفوت صارم حنون
"لا تقولي مثل هذا الكلام عن نفسكِ ، فأنا اعلم جيدا بأنكِ اقوى من ان تتأثري بتلك الأمور السخيفة والتي حدثت معكِ بتلك الفترة رغما عنكِ ، وصدقيني كل الذي افعله من تسلط وقلق هو من خوفي عليكِ فأنا لن اتحمل ان اخسركِ بعد كل ما فعلته للحفاظ عليكِ بهذا العالم ولن ادع ما فعله ذلك المجنون مازن يتكرر ، فهو منذ وفاة قيس لم يعد اي شيء يربطنا بعائلتهم وبكل قراباتهم"

اومأت برأسها بهدوء وهي تنظر لها بدون اي حياة لتحفر ابتسامة شاحبة على طرف شفتيها بغموض وهي تتمتم بشك
"هل هذا يعني بأنني لست مجرد حِمل عليكِ تحمله رغما عنكِ"

انفرجت شفتيها بارتعاش مصدوم للحظات قبل ان تعانقها فجأة لصدرها لتربت على رأسها بحنان وهي تهمس بخفوت حزين بندم
"انسي كل الكلام والذي قلته بالسابق ، فأنا كنت امر بحالة من العصبية والانفعال ولم اكن بوعيّ عندما قلت كل هذا الكلام ، فأنتِ دائما ستبقين شقيقتي الصغرى والتي اعشق الاعتناء بها ورعايتها منذ كانت طفلة"

حركت (ماسة) رأسها بحركة غير ملحوظة وهي شاردة بعيدا عنها فهي لم تتأثر بكلامها قط ولم تهتم يوما لكل كلام العالم والذي كان يدور من حولها ، ولكن شعور الوحدة والذي كانت تشعر به منذ وفاة والدتها هو ما كان يبعدها عن شقيقتها ويؤثر على علاقتهما والتي ازدادت شرخا مع كلماتها الأخيرة قبل حصول حادثة خطفها والتي تشعر بها قد غيرت حياتها لتزداد وحدة وبرودا اكثر من السابق .

ابتعدت (ماسة) عنها ببطء وهي تمسك بذراعيها لتبعدهما عنها قائلة بخفوت جاف
"انا اشعر بالتعب ، وعليّ ايضا تبديل ملابسي قبل ان اصاب بالمرض"

اومأت برأسها بابتسامة هادئة وهي تربت على خصلاتها المبللة قائلة بمحبة
"حسنا ، هيا اذهبي وخذي حمام دافئ لكي يبعد عنكِ التعب ، وعندما تنتهين سيكون طعام العشاء جاهزا"

حركت (ماسة) رأسها بتصلب وهي تنحني امام حقيبتها لتلتقطها بهدوء قبل ان تغادر باتجاه غرفتها بخطوات جامدة بقوة ، بينما كانت العينان الخضراء تتابعان ابتعادها بشحوب وهي لا تعلم لما تشعر بالقلق والتوجس عليها دائما وخاصة بعد حادثة خطفها ؟ وكأن الخطر والخوف من المجهول لا يريد ان يتركهما وشأنهما ، وحتى بعد حصولهما على الحياة المريحة والتي حلما بها كثيرا فما يزال هناك امور عالقة بحياتهما لم تحل بعد وستبقى دائما تشكل حاجز بطريق سعادتهما بحياتهما المليئة بالندوب .

______________________________
اوقف السيارة امام المنزل وهو ينظر لرجل الأمن والذي كان يهرول باتجاهه ، ليخرج بعدها من السيارة وهو يناول مفتاحها للذي وقف امامه باحترام ، وما ان التقط رجل الأمن المفتاح منه حتى سار هو بعيدا عنه باتجاه مدخل المنزل ، ولكن ما دفعه للتوقف بمنتصف الدرجات القليلة امام المدخل هو صوت السيارة والتي توقفت خلف سيارته تماما .

ارتفع حاجبيه بريبة وهو ينظر لشقيقه (شادي) والذي كان يخرج من السيارة وهو يلوح له بمرح معتاد عليه ، ليبتسم بعدها بهدوء متزن وهو يتابع خطوات الذي كان يصعد درجات السلم امامه كل درجتين معا بخفة ، وما ان وصل امامه حتى قال له بتعجب وهو ينظر لملابسه المبتلة بعض الشيء وقد انحصرت الامطار وتوقفت عن الهطول تماما
"مرحبا بعودتك ، ظننت بأنك ستبات هذه الليلة خارج المنزل كالعادة ، ولكني اراك قد عدت ولو كان هذا متأخرا جدا"

اتسعت ابتسامته ببطء وهو يرفع ذراعيه جانبا قائلا ببساطة
"هذا الذي حدث يا احمد ، فقد اشتقت إليكم كثيرا وانا لا اقدر على فراقكم ، لذا قررت ان اعود لأرى كيف هي احوالكم بدوني"

تنفس (احمد) بقوة وهو يتمتم بجمود ساخر
"نحن بأفضل حال ، ولكن يبدو بأن هذا لن يستمر بعودتك"

اخفض ذراعيه وهو يعبس قائلا بحزن تمثيلي
"حقا يا احمد ، لقد جرحت مشاعري بشدة ، وانا الذي كنتُ افكر برؤيتك والاطمئنان عليك منذ ايام ولكنك لا تستحق اهتمامي"

ارتفع حاجبيه ببرود وهو يحرك عينيه بعيدا عنه ليحيد بعدها بنظراته وهو يتمتم بتفكير
"إذاً لما لم تعد للمنزل بوقت ابكر من هذا بدلاً من العودة بمنتصف الليل بعد ان غط جميع من بالمنزل بالنوم"

ابتسم (شادي) بهدوء غامض وهو يهمس بخفوت شارد بعيدا عنه
"لأن هناك قطة صغيرة عنيدة قد ارغمتني على البقاء معها والعودة بهذا الوقت"

عقد (احمد) حاجبيه بعدم استيعاب وهو يضيق عينيه الرماديتين بتركيز حاد دام للحظات ، ليتنفس عندها بيأس منه وهو يكمل صعود باقي الدرجات قائلا بنفاذ صبر
"لا اصدق بأني اتكلم مع شخص مخبول مثلك بمثل هذا الموضوع"

رفع (شادي) رأسه نحوه للحظات قبل ان يلحق به وهو يصعد كل درجتين معا ليصل له بثواني ، ليقول بعدها بابتسامة وهو يسير بجانبه امام مدخل المنزل
"ما بك يا شقيقي ، لما انقلب مزاجك هكذا ، أيعقل بأن يكون بسبب زواجك المعلق من ابنة عمتك"

وقف فجأة امام باب المنزل ليتبعه شقيقه بوقوفه بصمت دام لثواني ، ليلتفت بعدها نحوه برأسه وهو يتمتم بتحذير بارد
"هذا ليس من شأنك يا شادي ، وإياك وان تحشر نفسك مرة أخرى بأمور لا تعنيك"

رفع ذراعيه وهو يسندهما لخلف رأسه قائلا بلا مبالاة
"لما كل هذا الغضب وانا لم اقل شيئاً بعد ، وبالمناسبة كيف حال بنات عمتي بتلك الشقة ، هل كل امورهما بخير"

اومأ (احمد) برأسه بالإيجاب وهو يتمتم باقتضاب
"كل امورهما بخير فأنا اهتم بكل احتياجاتهما ، ولن ادع اي شيء ينقصهما بحياتهما بوجودي"

عقد (شادي) حاجبيه بتفكير عميق وهو يشعر بأن شقيقه الكبير يخفي عنه شيئاً ما بدون ان يتجرأ على البوح به امام احد وهو الذي يجعله عكر المزاج هكذا بالآونة الاخيرة ، قطع عليه افكاره صوت (احمد) وهو يتمتم بوجوم حائر
"لما ملابسك مبتلة هكذا ، هل كنت تلعب تحت المطر"

اخفض (شادي) نظراته لملابسه والتي جفت قليلا من قطرات المطر لتترك بقع باهتة على ملابسه ، لينفض بعدها سترته الجلدية وهو يعود لرفع نظراته له قائلا بمرح مستفز
"ألم اخبرك بأن تلك القطة ارغمتني ايضا على انتظارها تحت المطر"

تصلبت ملامح (احمد) بغضب مكتوم وهو يسير بعيدا عنه لداخل المنزل ببرود بعد ان استبد به الغضب منه ومن سخريته المزعجة المقيتة ، بينما سار (شادي) خلفه بخطوات هادئة بملل وهو يتابع مغادرة شقيقه بعيدا عنه وكل ما يفكر به الآن هو لقائه بتلك القطة السوداء المبتلة والتي تملك اغرب عينين رآهما بحياته وهما تمزجان بين الضعف والقوة وجمال يطغى على كليهما معا .

كان (احمد) قد وصل لغرفته ليفتح الباب بقوة بدون ان يطرق عليه كالعادة ، لينظر عندها للمشهد المعتاد اليومي وهو يتابع زوجته والتي كانت ما تزال تنتظر عودته للآن وهي تقف امامه بتجهم مثل مأمور الشرطة ، لتبدأ بعدها بالكلام بعصبية اصبحت تلازمها مؤخرا وهي تمطره بكل انواع الشرارات الحارقة والحقد والذي لا يفهم منطقه
"لما تأخرت بالعودة للمنزل بمثل هذه الساعة ، ولما السؤال وهي واضحة مثل عين الشمس لقد كنت عند زوجتك الثانية والتي تكون اهم مني مكانة ، وماذا عني انا مجرد زوجة اولى غير مبالي بمصيرها البائس وانت تعلقها بغرفتك مثل اللوحة والتي تزين بها هذه الغرفة....."

قاطعها (احمد) بغضب وهو يمسد على جانب رأسه بأصابعه بألم اصبح يلاحقه منها
"كفى اخرسي يا سلوى ، ألم تملي من إعادة نفس الاسطوانة امامي كل يوم ، وكأنه ليس لدي شيء افعله سوى الذهاب لزوجتي الثانية طول اليوم ، وإذا كنتُ قد ذهبت إليها فليس لديكِ اي حق بالاعتراض فهي تكون زوجتي مثلكِ تماما"

زمت شفتيها بامتعاض واضح وهي تقاوم دموعها والتي تتسابق لتخرج من مقلتيها ، لتبتلع بعدها ريقها بقوة وهي تتمسك بقميص نومها من الجانبين قائلة بقسوة حادة
"انا لا اسمح لك بتجاهلي بهذه الطريقة المهينة ومعاملتي بهذا الجفاء ، ومن تكون هي لتقارنها بي ، انا ابنة النسب والعز والجاه بينما هي مجرد مجرمة دنيئة سرقت زوجي مني....."

عاد (احمد) لمقاطعتها بتصلب وهو يقبض على كفيه بجانبيّ جسده مسيطرا على اعصابه امامها بأعجوبة خرافية
"كفى يا سلوى ، كم مرة عليّ ان اكرر بأنه لا يسمح لكِ بأن تهيني ابنة عمتي امامي بكلمات دنيئة وحقيرة لا تناسب مقامنا ، فلا تنسي بأنها زوجتي وما يمسها يمسني انا ايضا ، لذا رجاءً كفي عن هذه التصرفات القبيحة والتي اصبحت لا تطاق منكِ ابدا"

سار (احمد) بعد ان انهى كلماته بعيدا عنها باتجاه الحمام المرفق ، ليتوقف بعدها بمكانه ما ان شعر بقبضتين تتمسكان بذراع سترته بقوة وهي تتشبث بها بأظافرها ، لتقول عندها برجاء ودموعها تعود للجريان على وجنتيها بانهيار حاد
"لا تفعل معي هذا يا احمد ، فأنا لم اعد اتحمل هذه الحياة وأخرى تشاركني بك ببساطة ، وانت لا تعير مشاعري وكبريائي والذي تهدر بسبب تلك النكرة اي اهتمام"

تنفس (احمد) بهدوء وهو ينفض ذراعه بعيدا عنها والذي طبع عليه آثار اظافرها والذي غرز بقماش سترته ، ليقول عندها ببرود وهو يكمل خطواته باتجاه الحمام بجمود
"انتِ من عدتِ لهذه الحياة بإرادتكِ الحرة ، إذاً تحملي نتائج قراراتك"

شهقت بوجل ما ان اغلق باب الحمام من خلفه بقوة وكلماته الأخيرة تضرب عقلها وقلبها بالصميم فهو على حق بكل كلمة قالها اهدرت كرامتها المجروحة ، لترفع بعدها كفها بارتجاف وهي تغطي بها شفتيها ما ان بدأت الشهقات المنتحبة بالخروج وهي تلعن نفسها مئة مرة لأنها اصغت لوالدتها منذ البداية وعادت إليه ، وهي منذ عودتها إليه صاغرة خانعة وقد انقلبت حياتها رأساً على عقب لتتحول لجحيم تكاد تحترق بها يوما بعد يوم وهو يعاملها بجفاء وبرود قضى على المتبقي من عقلها وعلى كبريائها المكسور من كل ما يحدث معها ومنذ اليوم والذي عادت به لهذا المنزل بدون اي كرامة تحافظ عليها .

_____________________________
كانت تعانق ساقيها بذراعيها بهدوء وهي تسند نفسها لظهر السرير ونظراتها شاردة بالنافذة المفتوحة بغرفتها والستائر تطاير مع نسمات الهواء الباردة برقة والتي كانت تُدخلها بهذا الوقت من الليل ، تنهدت بعدها بملل وهي ترفع يدها لتدلك بها اعلى ذراعها بارتجاف متشنج ما يزال يلازمها منذ خروجها من تلك الحادثة حية بعد ان ظنت بأن نهايتها قد اقتربت وهي بين يديّ من ظنت بأنه فارسها المنتظر .

تصلبت ملامحها فجأة عند هذه النقطة وهي تخفض ذراعيها بخمول لتتذكر عندها شعور الأمان والذي اجتاحها بين ثنايا ضباب يقظتها من منقذها والذي لم يكن سوى استاذها بالجامعة ، زمت شفتيها بحزن عميق وهي تشعر لأول مرة بالخزي والضعف من مشاعرها وآمالها والتي ظنت للحظة بأن (عصام) قد عاد لحياتها وصدق برسالته تلك والتي تُظهر مدى سخافتها والتي دفعتها للوقوع بذلك الفخ بمنتهى البساطة ، لتقع بالنهاية بين ذراعيّ استاذها بضعف وهي تظن لآخر لحظة بأنه (عصام) لتكتشف عندها المصيبة الكبرى والتي ستجعلها مصدر سخرية استاذها لأيام متتالية والذي لن يتوانى الآن عن نقل هذه الحادثة لجميع الاساتذة بقسمها .

اغمضت عينيها بقوة على احداقها الدامعة وهي تستغفر ربها وتشكره على نعمة الحياة والتي اوهبها لها بعد ان نجاها من هذه الحادثة بمعجزة ، فهي قد استنشقت الكثير من تلك الأدخنة الكيماوية والغير جيدة على صحتها وخاصة على مجرى تنفسها والذي يتصل بقلبها الضعيف مباشرة والذي ما يزال يعاني من المرض فهي لم يمر الكثير على تعافيها تماما من مرضها والذي دام معها لسنوات ، وهذه الحادثة قد اثرت كثيرا على قلبها وكادت توقفه عن العمل نهائيا لتعود مرة أخرى للاتصال بالأجهزة الطبية بكل انحاء جسدها والتي لم تنفصل عنها منذ طفولتها ، ولكن الجيد بأن الأمر لم يدم كثيرا معها بسبب عدم استنشاقها لكمية كبيرة من الأدخنة واستطاعتهم تزويدها بالأكسجين الاصطناعي والذي دائما ما يكون جاهزا من اجلها .

فتحت عينيها بحذر لتتسلل دمعة صغيرة من احداقها بدون ان تستطيع منعها وهي ترفع ذراعها ببطء لتنظر لوخز الحقن والتي ملئت كفها وطول ذراعها وهي عبارة عن مسكنات لتهدئ تشنجات جسدها من نقص الاكسجين ، رفعت كفها بسرعة لتمسح الدمعة الهاربة عن وجنتها وهي تتنفس بنشيج متقطع ، لتبتسم بعدها بشرود ما ان تذكرت أول لقاء لها مع صديقها (عصام) والذي تحول بيوم وليلة لكل شيء بحياتها .

كان بوقتها اللقاء بينهما بأول يوم لها بالجامعة قبل سنتين بعمر الثامنة عشرة عندما خطت قدميها أول خطواتها بساحة الجامعة بعد ان تأكدت من شفائها الكامل من المرض ، ولكن وجودها بهذا العالم المكتظ بكل انواع البشر اربكها وارهبها وهي التي لم تعتد على وجود احد سوى على عائلتها وطاقم اطبائها مع فريق من الاساتذة بكل سنوات مرضها ، لتصطدم بعدها بذلك الشاب النحيف بسيط الهيئة والذي التفت نحوها بحيرة وهو يقول بتهذيب محترم
"هل هناك مشكلة يا آنسة ، تبدين طالبة جديدة بالجامعة"

رفعت نظراتها نحوه باهتزاز وهي تهمس بخفوت متوجس
"كيف عرفت بأني طالبة جديدة بالجامعة ، هل تعرفني من قبل"

ضحك الشاب بانشراح وهو يقول بابتسامة لطيفة بهدوء
"لا ليس هكذا هو الأمر ، ولكن شكلكِ الغريب وتوترك الواضح هو ما فضحكِ يا آنسة...."

علقت الكلمة بحلقه وهو ينتظر اجابتها بهدوء فاغرا شفتيه ببلاهة ، لتقول بعدها (غزل) بسرعة بإحراج وهي تبتسم برقة
"غزل هذا هو اسمي"

ابتسم (عصام) باتساع وهو يرفع كفه بخفة قائلا ببساطة
"وانا اسمي عصام شرفات ، تشرفنا"

نظرت للحظات لكفه الممدودة قبل ان ترفع كفها بتردد لتصافحه قائلة بمودة
"شكرا لك"

اخفض كفه ليفرد ذراعه امام صدره بحركة مسرحية وهو يقول بثقة بالغة
"من الآن يمكنكِ اعتباري صديقكِ ومرشدك بهذه الجامعة الكبيرة ، وسأتكفل بكل مهام تعريفكِ بالمكان فأنا سأكون دائما بخدمتكِ وبخدمة جميع من هو بحالتكِ من الطلاب الجدد بهذه الجامعة يا آنسة غزل"

اتسعت ابتسامتها لا إراديا وهي تتنفس براحة وكأنها قد وجدت طريقها الصحيح بهذه الحياة الجديدة والتي دخلت إليها بعد معاناة طويلة مع مرض مستحيل غير معروف مصيره ، ليكون هو وجهتها القادمة ونهاية مطافها بهذه الحياة والتي استبدت بها كل ذرة من طاقتها سرقها منها المرض .

انتفضت من ذكرياتها ما ان سمعت صوت طرق خافت على باب غرفتها ، لترفع عندها يدها وهي تمسح وجنتيها قائلة بارتفاع مرتجف
"تفضل"

دخل والدها للغرفة بهدوء وهو يبتسم لها باتزان حنون لم يخفي صرامة ملامحه ، بينما قابلته (غزل) بنظرات حزينة بهدوء وابتسامة صغيرة شقت طرف شفتيها بتعب ، سار بعدها بلحظات للداخل باتزان ليغلق زجاج النافذة بهدوء قبل ان يلتقط كرسي من زاوية الغرفة ليضعه بجانب سريرها وهو يجلس عليه بشموخ .

انزلت (غزل) ساقيها لأسفل سريرها وهي تعيد خصلات شعرها القصيرة لخلف اذنيها بحذر ، بينما كان والدها يراقبها بتركيز هادئ قبل ان يبادر بعدها بالكلام وهو يبتسم بهدوء
"كيف تشعرين الآن يا ابنتي ، اتمنى ان تكون كل اموركِ على ما يرام الآن"

اومأت برأسها بالإيجاب بصمت وهي تهمس بخفوت
"كل شيء بخير يا ابي و الحمد الله ، لا تقلق عليّ فهذا ليس جديدا على حالتي"

عبست ملامح والدها بصلابة وهو يقول بقوة
"لا اريد ان اسمع هذا الكلام المتخاذل منكِ مرة أخرى ، فأنتِ قد تحديتِ المرض على مدار سنوات واستطعتِ التغلب عليه بالنهاية بصلابة ، لذا لا تستخفي بقدراتكِ الكامنة بداخلكِ يا ابنتي ، فليس الكثيرون لديهم قوة احتمال مثلك"

زمت شفتيها بتشنج وهي ترفع وجهها نحوه بحزن لتهمس بعدها بلحظة بمرارة وضعف
"ولكني قد تعبت يا أبي ، حقا لقد تعبت كثيرا ، أليس هناك نهاية لهذه الحال تريحني من كل هذا ، فقد طالت كثيرا واكثر مما احتمل"

تنهد والدها بهدوء وهو يبعد نظراته بعيدا عنها بتصلب ليتمتم عندها بقوة
"اسمعي يا غزل ، نحن لا نستطيع فعل شيء لنوقف هذه الحال او نغيرها للأفضل فكل هذا بيد الله وحده ، وقد قال الطبيب من قبل بأن هذا المرض سيبقى أثره مرافق لكِ للأبد ألا إذا اجريتِ تلك العملية الخطرة لزراعة قلب جديد لكِ ، وانا لا استطيع ان اخاطر بمثل هذه البساطة ، ولكني ممتن جدا باستقرار حالتكِ ونجاتكِ من تلك الحادثة والتي ادت لفقدانكِ الكثير من الأكسجين ، وكل ما يهمني الآن هو سلامتكِ يا ابنتي"

ردت عليه بوجوم قاتم وهي تخفض نظرها للأسفل بهدوء
"إذا كنت تهتم بصحتي حقا ، لما رفضت عليّ السعادة الوحيدة بحياتي"

تصلبت ملامح والدها بغموض ومشاعر متنافرة قد بدأت تغيم من حولهما بوجوم حزين ، ليقطع الصمت بعدها صوت انفاس والدها الهادئة وهو يتمتم بجمود متزن
"هذا السؤال لن يجيب عليه احد غيركِ يا غزل ، وتذكري بأن كل شيء افعله لكِ ولأشقائك من اجل مصلحتكم فقط ، فأنا لستُ عدوكم اللدود لأقف امام سعادتكم ، وعندما تجدينها حقا سأكون عندها أول المرحبين بها"

عقدت حاجبيها بتفكير مشوش بدون ان تنطق بأي كلمة فقد تعبت حقا من كثر الكلام بهذا الموضوع والذي اتعب حلقها بدون فائدة ترجى ، قالت بعدها بلحظات بعبوس واجم
"وماذا سيحدث بخصوص دوامي بالجامعة"

وقف والدها عن الكرسي بهدوء وهو يقول بصرامة قاطعة بقوة
"موضوع دوامكِ بالجامعة عليكِ ان تنسيه تماما ، فقد اخطأتُ كثيرا عندما سمحت لكِ بالدخول للجامعة منذ البداية بحالتك هذه الغير مستقرة تماما بعد ان تحسنتِ من مرضكِ وتماثلتِ للشفاء ، لذا ستعودين كما كنتِ بالسابق على التعليم بالمنزل وانا سأحضر لكِ افضل الاساتذة بالجامعة ليهتموا بتعليمك جيدا ، فنحن لا نريد ما حدث اليوم صباحا ان يتكرر"

اومأت برأسها بالإيجاب بخنوع وهي تبتلع ريقها بحشرجة لم تستطع السيطرة عليها فقد ملت حقا من تواجدها بمكان لا يتقبلها ولم يحبها يوما وهي متأكدة بأن فخ رسالة (عصام) من تدبير احدهم يبدو يُكن لها كل السوء بدون ان تعرف السبب لذلك ؟ فهل هي كائن بائس وما يدفعهم نحوها هي الشفقة لا اكثر كما قالت تلك الفتاة ؟

قالت بعدها بخفوت شاحب بدون ان ترفع نظرها نحوه
"حاضر يا ابي ، كما تريد"

تقدم والدها باتجاهها بجمود ليقف امامها تماما وهو ينظر لرأسها المحني ذو الشعر الاسود القصير الناعم والمتناقض تماما عن شعر شقيقتها الكبرى ، ليرفع عندها كفه وهو يمسح على شعرها القصير قائلا بهدوء حنون
"اعتني بنفسكِ جيدا يا ابنتي ، فأنتِ دائما ستبقين فتاتي الأقوى من بين جميع اخوتك ولا شيء سيقدر على كسركِ مهما كان كبيرا وصعبا"

تنهدت (غزل) بهدوء بدون ان تجيبه بشيء وهي تقاوم رغبة قاهرة بالبكاء امامه الآن ورجاءه لكي لا يمنعها عن الذهاب للجامعة والمتواجدة بها سعادتها الضائعة ، اغمضت عينيها بقهر وهي تشعر بانسحابه وخروجه من الغرفة بصمت قاتم زاد مع اختفاءه وهو يكاد يبتلعها .

زفرت بعدها بلحظات انفاسها بشهقة منتحبة تحررت الآن بعد ان خنقتها طول وجود والدها بالغرفة وهي توافق على طلبه ببساطة نحرت روحها بدون رحمة ، لترفع بعدها نظراتها المهتزة باخضرار شاحب اختفت منها الحياة وعبارة واحدة وكلمات مجردة من المشاعر تتكرر برأسها وامام عينيها منذ سنة كاملة مضت
(نحن ليس لدينا فتيات رخيصات لتقبل بمثل هذا النوع من عروض الزواج والذي لا يناسب مقامنا ولا نسبنا ، لذا يمكنك ان ترحل من هنا بكرامتك فطلبك ليس عندنا ولا تحاول البحث عنه بعائلتنا مجددا ، وهذا آخر كلام عندي)

يتبع..................


روز علي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس