عرض مشاركة واحدة
قديم 03-07-21, 09:55 PM   #79

روز علي
 
الصورة الرمزية روز علي

? العضوٌ??? » 478593
?  التسِجيلٌ » Sep 2020
? مشَارَ?اتْي » 712
?  نُقآطِيْ » روز علي is on a distinguished road
افتراضي الفصل الخامس عشر

الفصل الخامس عشر..............
كانت تتناول الطعام بطبقها بعدم شهية وهي تحيد بنظراتها متنقلة بين الزوجين الجالسين امامها والذين عليها تحمل مشاركتهما بالطعام على نفس المائدة سويا وهي تشعر بنفسها قد اصبحت فاصل اعلاني بينهما او ضيف غير مرغوب به يعيق عليهما خلوتهما ، ولكن الذنب ليس ذنبها بكل هذا فهو الذي اصر على ادخالها لهذه الشقة بدون ان يهتم لاعتراضها والعيش بها رغما عنها مع زوجته الصورية والتي ما تزال للآن مجرد زوجة بالاسم فقط تعيش بعيدا عن بيت العائلة والمتواجدة به الزوجة الأولى ، إذاً فليتحمل ما فعلته يديه فهو على كل حال سيغادر ما ان ينتهي من جلسة العشاء المملة مع زوجته كما يفعل بكل يوم وكأنه قد اصبح طقس يومي عندهم ! وكل املها بأن تكتمل علاقتهما وتصبح زوجته فعلية وتنتهي من هذه المهزلة والتي طالت كثيرا واكثر مما ينبغي ويسمح بها كبرياء رجل .

رفعت نظراتها بملل نحو الذي بدأ بالسعال بقوة حتى احمرت عينيه ، لتنهض من فورها الجالسة بجانبه وهي تناوله كوب الماء والذي سكبته له ليمسك به بالمقابل قبل ان يقربه من شفتيه وهو يرتشف منه دفعة واحدة ، تنهد بعدها بهدوء وهو يرفع الكوب للواقفة بجانبه لتلتقطه منه بسرعة وهي تهمس بقلق شاحب
"هل انت بخير يا احمد"

اومأ برأسه باتزان مبتسم وهو ينظر لعينيها الخضراوين وهما تنظران له باتساع وجل للحظات ، لتتدخل بعدها (ماسة) لأول مرة وهي تهمس ببرود جليدي
"سلامتك يا زوج شقيقتي ورجل المنزل"

التفت برأسه نحوها وهو يشعر بنبرة استهزاء بصوتها بدون ان يتبين سببها ؟ بينما عبست ملامح الواقفة بقربه بصرامة وهي تعض على طرف شفتيها بتحذير مهدد لها بأن تتوقف عن التمادي اكثر .

حركت (ماسة) نظراتها بعيدا عنهما بهدوء غير مبالي ، لتقول بعدها (روميساء) بابتسامة صغيرة وهي تنقل نظراتها للجالس امامها بوجوم
"إذا كان الطعام لم يعجبك ، يمكنني ان احضر لك غيره يا احمد ، فيبدو بأنني قد اكثرت من وضع التوابل عليها....."

قاطعها بسرعة وهو يلتفت برأسه نحوها قائلا بجدية
"لا ليس هناك داعي يا روميساء ، والطعام طيب جدا ، ولكن يبدو بأنني انا من اكثرت بوضع التوابل على الأطعمة الحارة"

ابتسمت برقة وهي تعقد حاجبيها بتفكير عميق قبل ان تهمس بوجوم عابس
"يبدو بأنك تحب كثيرا نوع الاطعمة الحارة ، وهذا ليس جيدا على صحتك يا احمد ، وخاصة تناولها بالمساء وقبل النوم فهذا سيسبب لك الإزعاج والأرق طول الليل"

ارتفع حاجبيه بخفة وهو يقول بابتسامة متسعة بهدوء
"هدئي من انفعالكِ يا معلمة روميساء ، هل انتِ حقا معلمة ام طبيبة ، فقد بدأت اشك بعد هذا الكلام والذي اخبرتني به الآن"

كتفت ذراعيها فوق صدرها بلحظات بصرامة معتادة على مقابلتها امام طلابها ، لتقول بعدها بابتسامة حازمة بقوة وكأنها تتكلم مع طالب اخطأ بالتصرف معها
"يمكنني ان اصبح معلمة وطبيبة إذا تطلب الأمر ، ويمكنني ايضا استخدام العقاب والذي افعله دائما مع الطلاب المشاغبين والذين لا يسمعون الكلام ، لكي لا يعصوا الأوامر مرة أخرى"

كان (احمد) يراقبها بانشداه وهو يعقد حاجبيه بتركيز منبهر ناظرا لصرامتها وقوتها والتي تتقلب احيانا لتظهر جانبها الحنون وكله يحدث بآن واحد وبذات نفس الشخص وكله حسب المحيط الدائر من حولها ! قال بعدها بلحظات وهو يبتسم بهدوء حنون
"وماذا اريد اكثر من هذا وانا ارى زوجتي تعاملني كطالب من طلابها المقربين لها ولقلبها ، وكم سيبهجني كثيرا ان احصل على هذه المكانة المميزة ، والتي دائما ما كنت احلم بالوصول لها بقلبك"

اخفضت ذراعيها بارتجاف وصرامتها تختفي بتلاشي خلف ملامحها الشاحبة والتي غزتها حمرة الخجل القانية بعد ان هز قوتها المزيفة لتصبح مجرد طفلة خجلة من مديح افرح قلبها الصغير ، لترفع بعدها نظراتها الخضراء ببطء وبابتسامة صغيرة لعينيه الرماديتين بهدوء نفذ بكل واحد منهما وكأنها رسالة تواصل بينهما خاصة بهما وحدهما شبيهة برسالتها لطلابها بالفصل !

اخترق تواصل العيون الطويل من نهضت عن مقعدها بقوة وهي تغادر بعيدا عن المائدة قائلة بحنق ساخر
"يا للملل والذي لا يطاق هنا ابدا ، كان عليّ مشاهدة فيلم بدلا من مشاهدة هذه المسرحية الهزلية والفاشلة بكل المقاييس"

عضت على طرف شفتيها حتى ادمتها من الإحراج الشديد والامتقاع والذي احتل وجهها بأكمله بلحظة وهي تتمنى لو تنشق الأرض الآن وتبتلعها من هذا الموقف والذي وضعت به بسبب كلام شقيقتها الوقحة وعديم الحياء ، بينما حرك (احمد) رأسه بعيدا عن مسار اختفاء تلك الوقحة والتي تخلص من وجودها الكئيب اخيرا والذي كان يعيق عليه خلوته مع شقيقتها ، ليصدم عندها بوجه الواقفة بجانبه وهي تتلون باحمرار بالغ والدماء تتدفق بوجنتيها بحرارة يشعر بها بالهالة والتي تحوم من حولها بدون لمسها .

وقف (احمد) عن الكرسي وهو يمسك بكتفها ليديره نحوه قائلا بتوجس حائر
"هل كل شيء على ما يرام يا روميساء ، لما تبدين لي وكأنكِ محمومة"

زفرت انفاسها بهدوء وهي تبتسم بنعومة لتقول عندها بخفوت محرج
"انا بخير ، ولكني اعتذر حقا على وقاحة شقيقتي والغير محدودة ، فهي قد تجاوزت حدودها معك اكثر من مرة"

اتسعت ابتسامته باتزان وهو يشدد من إمساك كتفها قائلا بجدية صارمة
"لا تهتمي فهذا لا يشكل عندي اي فارق ، وماسة ما تزال شابة صغيرة بالنسبة لي لذا اسامحها دائما على تجاوزاتها الكثيرة ، فأنا اعتبرها مثل شقيقتي الصغرى تماما"

ابتسمت براحة وهي تنظر له بعينيها المتسعتين بشحوب حزين لتهمس بعدها بلحظات بسعادة خفية بابتهاج
"انت رائع"

ارتفع حاجبيه بصدمة بعثرت كيانه وهي تفاجئه بكلماتها والتي ضربت هدوءه بالصميم وصلابته امامها لتذهب مع الريح بلحظات ! فهو لأول مرة يسمع منها كلمة بمدح مختلف موجه نحوه مباشرة بطريقة لا تشعره بالامتنان والشكر والذي تمطره عليه دائما بل خارجة من قلبها نحوه شخصياً بصدق فتنه ، ليشدد اكثر على كتفها وهو يهبط بلمح البصر بوجهه امامها ليقبل وجنتها المحمرة بدون ان يستطيع منع نفسه اكثر من هذا وقد وصل احتماله لمنحدر خطر !

انفرجت شفتيها بارتعاش مذهول للحظات من حركته المفاجأة وهي تشعر بقبلته الهادئة وهي تنتقل لصدغها بهدوء نزولا لعنقها الطويل وهو يتمادى معها على غير العادة محطما الحواجز الوهمية وحصونها والتي بنتها بينهما واحدا تلو الآخر بدون اخذ إذن الدخول منها !

انتفضت بعدها بلحظات بعنف وهي تدفعه بعيدا عنها بقبضتيها عندما شعرت بوشك فقدان قوتها وبضعفها والذي بدأ يحتلها امام مشاعره الهادئة وطريقته باجتياح حصونها الهاوية ، ليفك عندها حصارها بلحظة وهو يبتعد عنها للخلف عدة خطوات باتزان مهتز ليعود عندها لضبط نفسه المشتعلة من مشاعره امامها وانفاسه المبعثرة ككل شيء فيه .

قال (احمد) بعدها بلحظات بهدوء عاد لتقمصه وهو ينظر لوجهها المحمر والذي اشاحته بعيدا عنه بقوة
"حسنا ، انا عليّ الذهاب الآن والعودة للمنزل ، إذا احتجتِ لأي شيء اخبريني ، وانا سأكون عندها متواجد دائما بكل وقت تطلبيني به"

زمت شفتيها بصمت مرتجف بدون ان تعلق على كلامه ، لتسمع بعدها صوت خطواته المبتعدة باتجاه باب الشقة ليتبعها بعدها بصوت اغلاق الباب من خلفه بصمت ساد بالمكان مع اختفاءه .

رفعت نظراتها الخضراء ببطء باتجاه باب الشقة وهي تعض على طرف شفتيها بتشنج ارسله بداخلها بلحظة وهي تهمس بخفوت باهت
"عليكِ ان تدفعي ثمن قراراتك يا روميساء ، أليس هذا ما اعتدتي على فعله ، فما تغير الآن"

______________________________
دخلت للغرفة وهي تقفل الباب من خلفها بقوة تعبر عن مدى قهرها وبأسها من هذه الحياة والتي اصبحت تضيق من حولها باختناق ، وهي تتمنى ان تجد عمل بأقصى سرعة يوفر لها المال والذي يسمح لها بشراء شقة بعيدا عنهم فوجودها بين هذين الزوجين اصبح متطفلا ومزعجا بشكل يدعو للملل ، فهذا المنزل سيصبح ذات يوم منزل يضم اولادهما عندما تكبر عائلتهما الصغيرة ووجودها لن يكون عندها لائقا بينهم بدون ان يكون لها متسع ومكان لها بينهم .

تنهدت بهدوء وهي تسير للداخل بعيدا عن باب الغرفة باتجاه سريرها والذي اصبحت تحتله بهذه الشقة وكل واحدة منهما اصبح لديها غرفتها الخاصة والتي تنفرد بها لوحدها بعيدا عن الأخرى ، جلست بعدها فوق طرف السرير وهي تفلت عقدة شعرها بعنف لتنثره خلف ظهرها بخصلاته السوداء الكثيفة وهي تتخلله بأصابعها بشرود مجهد .

تغضن جبينها بحيرة حادة وهي تستمع لصوت رنين هاتفها والذي ارتفع فوق سكون الأجواء من حولها ليملئ عالمها صخبا ، لترفع بعدها ذراعها وهي تلتقط هاتفها من على المنضدة الجانبية قبل ان تضعه على اذنها بملل وهي تهمس بتصلب خافت بدون ان تنظر لهوية المتصل
"نعم"

ساد صمت مريب بين الطرفين بهدوء طال لدقائق ، لتتوقف بعدها عن تخلل شعرها وهي تخفض كفها قائلة بعبوس ممتعض
"هل ستتكلم ام لا"

ازداد عبوس ملامحها ما ان قابلها الصمت المحدق من الطرف الآخر وكأنه يتسلى باستفزازها ، وما ان كانت على وشك فصل الخط حتى شعرت بأنفاسه الباردة وهي تصلها عبر الهاتف بوضوح تكاد تجزم بسماع صوت ضحكة مكتومة منه بدون ان يظهرها عن قصد ! لتعض بعدها على طرف شفتيها بتفكير قبل ان تهمس بصوت بارد بدون اي تعبير
"ماذا تريد مني يا شادي"

سمعت بعدها صوت انفاسه وهي تضطرب فجأة ليقول عندها بتعجب ساخر
"كيف علمتِ بأنه انا من يتكلم ، هل تستطيعين اختراق الهواتف ومعرفة هوية المتصل"

ردت عليه (ماسة) بلا مبالاة وهي تخفض نظرها لساقيها بجمود
"انت من اعطيتني رقمك ، لذا شيء طبيعي ان اكتشف هوية المتصل بي من رقمك"

كان يعقد حاجبيه بشك وهو يهمس بوجوم ساخر
"حقا ما تقولين ، ومن الذي كان الآن يسأل عن هوية المتصل وهو يكاد يقتل هذا المزعج والذي يتصل عليه بآخر الليل"

رفعت وجهها بحدة وهي تقول بنفاذ صبر مشددة على الهاتف بقبضتها
"توقف عن اللف والدوران يا شادي ، واخبرني ما سبب اتصالك بي بهذا الوقت المتأخر"

ردّ عليها وهو يرفع حاجبيه ببساطة
"ألا تعلمين حقا ، من اجل ان نحدد موعد غرامي قريب لنا نقضي به الوقت الممتع بالكلام وهذه المرة لن يكون تحت المطر كالمرة السابقة....."

قاطعته بضيق وهي تقبض على كفها الحرة بتصلب
"انا اتكلم بجدية"

ابتسم بهدوء وقد بدأ يشعر بنبرة الخطر بصوتها ببحته الغاضبة ، ليقول عندها بابتسامة جانبية بدون ان يفقد مرحه
"وماذا تظنين إذاً"

صمتت (ماسة) بارتجاف وهي تزم شفتيها بانفعال مشحون بالأمل من بين ركام يأسها ، لتقول عندها بخفوت متوجس بعض الشيء
"هل وجدت لي ما اتوقعه"

ارتفعت ابتسامته بهدوء على طرف شفتيه وهو يقول بابتسامة باردة مقلدا نبرتها
"اجل لقد وجدتُ لكِ ما توقعته ، فهل انتِ مستعدة له"

انتفضت بلحظة واقفة عن طرف السرير وهي تنظر امامها باتساع حدقتيها الزرقاء وبانشداه غير مصدق ! لتعقد بعدها حاجبيها بحذر وهي تتمتم بارتجاف عابس
"هل تقصد بأنك قد وجدت لي عمل حقا بدون سخريتك رجاءً ، حقا"

ردّ عليها بقوة بدون اي مواربة
"حقا"

عادت للكلام وهي تهمس مكررة وراءه
"حقا"

انفجر (شادي) فجأة بالضحك تلقائيا بدون ان يمنع نفسه اكثر وهو يجيبها قائلا بابتسامة منشرحة
"حقا ، ويمكنني ان اعيدها لكِ للصباح إذا اردتِ هذا لتصدقي كلامي"

تنفست (ماسة) بهدوء وهي تمسد بكفها على مقدمة صدرها والذي كان يتحرك مع انفاسها بنشيج منتظم ، ليعود بعدها للكلام وهو يقول بارتفاع قلق
"ماسة اين اختفيتِ ، هل كل هذا من فعل الصدمة ، لو كنت اعلم بهذا لما اخبرتكِ بالأمر فيبدو بأنكِ لستِ مستعدة لتبدأي بأي عمل"

حركت رأسها بهدوء وهي تهمس بابتسامة واهية
"انا بخير لا تقلق عليّ ، فقط اخبرني ما هو نوع العمل والذي وجدته لي"

ابتسم (شادي) بنفس بروده وهو يقول بجدية عملية
"ستعملين معي بنفس المكتب لتكوني سكرتيرتي الخاصة فقد استقالت من كانت تحتل هذا المكان ، وبما انكِ تدرسين بالجامعة ولديكِ بعض الخبرة فهذا سيساعدكِ كثيرا بوظيفتك الجديدة"

ارتفع حاجبيها بدهشة وهي تقول باستنكار حاد
"ما هذا الذي تطلبه مني يا شادي ، انسيت بأنني لا املك اي خبرة بمثل هذا المجال من العمل ولا اعلم شيئا عن عالم الاعمال بأكمله....."

قاطعها وهو يهمس برفق شديد بملل
"لا بأس كل شيء ستتعلمينه مع الوقت ومع العمل ستحصلين على الخبرة ، ليست بالأمر الصعب والمستحيل عليكِ"

زمت شفتيها وهي تقول بانفعال حاد
"ولكن ماذا لو اخفقت بهذا العمل او لم اكن جديرة به....."

عاد (شادي) لمقاطعتها وهو يقول بنفاذ صبر
"انا لم اطلب رأيكِ بهذا الخصوص ، وكل ما عليكِ فعله اما ان ترفضي او توافقي"

زفرت انفاسها بغضب وهي تمسد على عنقها بتشنج منقبض لتهمس عندها باستسلام خافت
"موافقة"

ردّ عليها بسرعة بجدية صارمة
"وهذا هو المطلوب ، والآن وداعا ولا تنسي لقاءنا غدا بالصباح الباكر بشركة التصميم والتي اعمل بها ، ولا اريد اي تأخير على الموعد فأنا احتاج لوجود سكرتيرة معي تساعدني بشدة"

اخفضت الهاتف عن اذنها بتجهم وهي تنظر لشاشته بعد ان اقفل الخط بوجهها ببساطة قبل ان يسمع تعليقها على كلامه ! لتبتسم بعدها بسخرية باردة وهي تفكر بأنها لن تستطيع القدوم على الموعد للشركة فهي لديها جامعة غدا وحضورها هناك مهم جدا واكثر من وظيفته التافهة ، لذا عليه ان ينتظر كثيرا وهو الملام بكل هذا لأنه لم يسمع اجابتها ولا رأيها بكلامه الأخير وهو يقرر كل شيء من رأسه بدون الرجوع لها وكأن عملها عنده امر مسلم منه ومفروغ منه .

تقدمت باتجاه مكتبتها بزاوية الغرفة لتضع هاتفها جانبا ببرود قبل ان تفتح مفكرتها الصغيرة الموجودة فوق سطح المكتب وهي تقلب بين صفحاتها لتقف امام صفحة بيضاء فارغة ، لتمسك بعدها بالقلم وهي تجلس بالكرسي امامها قبل ان تبدأ بكتابة الاسطر لتملئ صفحاتها بكل الكلام والذي كان يدور برأسها لتفرغه ببياض تلك الصفحات كما تفعل عادةً منذ طفولتها وتحديدا منذ وفاة والدتها لتكون منفذها الوحيد من كل ما تشعر به بالعالم من حولها .

______________________________
اسندت مرفقيها فوق الدفتر بحجرها وهي تنظر لشاشة هاتفها وللاسم المنير بها وهو يعود كل عشر دقائق لإنارة شاشته باسمه بدون اي ملل او يأس وهي تجزم بأنه سيكون الآن يشتعل من الغيظ والغضب منها حتى كادت تشعر به سيخرج من هاتفها بأية لحظة ، وللغرابة كانت تشعر بالمتعة والتسلية بهذه الطريقة الغريبة باستفزازه وهي تخرجه عن بروده وواجهته المملة والتي تقابلها منه على الدوام ! ولا ضير من إظهار بعض الغضب والجدية بين الحين والآخر لتحسن من مزاجه العكر لآخر مشتعل تستسيغه اكثر وتظهر حقيقته المخفية خلف قناع بروده ، وهذا كله فقط لكي يتعلم مرة أخرى ألا يحاول فصل الخط بوجهها بدون اخذ رأيها بشيء وكأنها قد بدأت بالفعل تعمل عند حضرته .

اخفضت الهاتف ما ان شعرت بقدوم صديقتها الحالمة كما تراها مؤخرا وهي تسير بدلال غريب قبل ان تجلس من فورها فوق المقعد بجانبها بصمت مريب ، لتلتفت بعدها بلحظات نحوها وهي تعقد حاجبيها بعبوس ناظرة لشرودها والذي زاد كثيرا عن السابق وكأنها لم تعد موجودة بعالم الواقع وابتسامة جانبية بخجل تحتل محياها المتورد مع عينيها العسليتين والهائمتين بعيدا عن الجميع بأراضي لا تعلم اين منابتها ؟

استقامت بجلوسها بعيدا عن حجرها وهي تدس الهاتف بجيب سترتها الجلدية ، لتقول بعدها وهي تهمس بجفاء
"لما تأخرتِ ، واين هو العصير والذي ذهبتِ لإحضاره ، ام انكِ قد اضعتِ العصير بطريق العودة"

بقيت (صفاء) على شرودها مع نفسها وهي تسند كفها على خدها المورد بطريقة تدعو للشك ! لتتجهم بعدها ملامح الجالسة بقربها وهي لا تصدق مدى حالمية هذه الفتاة والتي ازدادت كثيرا بالآونة الأخيرة وكأنها لا تعيش هنا ولا تنتمي لأرض الواقع ؟

قالت بعدها بلحظات بحدة وهي تمسك بذراعها بقسوة ليدخل الكلام برأسها الحالم
"صفاء اين ذهبتِ ، عودي لهذا العالم رجاءً"

انتفضت بمكانها وهي تلتفت بسرعة نحوها بوجل لتعبس ملامحها الرقيقة هامسة باستياء
"ماذا تريدين مني ، ولما تصرخين هكذا يمكنني سماعكِ بدون ان ترفعي صوتكِ حتى نخرتِ اذني"

تركت ذراعها بجمود لتكتف ذراعيها فوق صدرها وهي تهمس بسخرية مستهزئة
"وماذا افعل إذا كان السمع عندكِ مضروب ، وتحتاجين لصوت مرتفع ليخترق سحابة احلامكِ البعيدة ويعيدكِ لعالم الواقع"

زمت شفتيها بحنق وهي تشيح بوجهها بعيدا عنها باهتزاز لتهمس بعدها بخفوت مرتبك
"ماذا كنتِ تريدين مني"

ردت عليها بتعجب مصطنع
"جيد بأنكِ قد تذكرتي سؤالي ، فقد طلبت منكِ قبل ان تغادري للكشك ان تحضري لنا كأسين من العصير ، ولكني ارى بأنكِ قد عدتِ فارغة الأيدي ، فما هو الذي شغل تفكيركِ عن إحضار العصير"

ابتلعت ريقها بارتباك متشنج وهي تشبك كفيها معا فوق ساقيها قائلة بابتسامة حاولت جعلها طبيعية بغيظ
"الحقيقة لقد وجدت الكشك مغلق ، لذا لم استطع شراء العصير منه ، هذا ما حدث"

ضيقت عينيها الزرقاء الحادة بتركيز وهي تحرك رأسها بعدم اقتناع فهي تعلم جيدا بكل تقلبات صديقتها وإذا كانت صادقة ام كاذبة بكلامها بسبب شفافيتها بكل شيء تفعله منذ طفولتها لتصبح مفضوحة امامها وعدم اتقانها لدور الكذب والذي لم تحاول يوما تقصمه .

قالت بعدها بلحظات بتفكير خافت وعينيها تنظران لها باتساع مريب
"ولكن أليس هذا غريبا ان يكون الكشك مغلق بهذا الوقت من الظهيرة وبوقت دوام الطلاب ، ام انكِ نسيتِ اين موقع الكشك من الأساس بسبب شرودكِ والذي يلازمكِ دائما بكل وقت وكأنكِ تعيشين بعالمكِ الآخر والذي لا يعلم عنه احد غيرك"

التفتت برأسها نحوها بانشداه وهي تعقد حاجبيها البنيين بتوتر حزين غزى ملامحها لتهمس عندها بوجوم
"إلى اين تريدين الوصول بكلامكِ يا ماسة ، هل تحاولين اتهامي بالكذب"

تصلبت ملامحها ببرود وهي تهمس بجفاء حاد
"لا انا لم اتهمكِ بل انا متأكدة من هذا ، وشعوري نحوكِ لا يخيب ابدا ، لذا اريحي كلينا واخبريني ما سبب حالتكِ تلك الغير مطمئنة ابدا والتي تجعلكِ شاردة على الدوام وكأنكِ قد فقدتِ عقلكِ او ما شابه وهذا احتمال وارد"

عضت على طرف شفتيها الورديتين بعبوس وعينيها العسليتين متسعتين بحزن قبل ان تدير وجهها بعيدا عنها قائلة بامتعاض
"كم انتِ مزعجة وقاسية يا ماسة"

ارتفع حاجب واحد بخفة خطرة وهي تنتظر إجابتها بفارغ الصبر ، بينما شردت الأخرى بعيدا عنها وهي تفرك قبضتيها معا بارتباك وتفكر بأنها هي نفسها لا تعلم سبب حالتها وشرودها الحالم اغلب الوقت كلما تذكرت علاقتها الحالمة بالمدعو (جواد) ؟ والذي اصبح يؤخذ حيزا كبيرا ليس بحياتها فقط بل بتفكيرها واحلامها الخيالية وهي تراه دائما ذلك الفارس المغوار المتواجد بقصصها الخيالية والذي يختطف اميرته ليسعدها بحياتها ويبدل حزنها لفرح طول العمر وهي ترسم له كل احلامها وامنياتها المستحيلة ! ولكن يبقى كل هذا مجرد كلام واحلام بعيدة المنال ستبقى دائما محجوزة بمخيلتها الخصبة طول العمر بدون ان تتذوق شيئا منها ، فهل يعقل ان يتغير كل شيء بلحظة وأخرى ويتحول الخيال بأحلامها لحقيقة تعايشها امامها ؟

قالت بعدها بلحظات بابتسامة متسعة وهي تعود بنظرها لصديقتها المتحفزة بابتهاج
"ليس بالشيء المهم والذي يدعوكِ لتكوني بكل هذا التحفز ، اخبريني الآن كيف حال شقيقتك وزوجها وهل تواجهين اي مشاكل بالسكن بالشقة معهما"

ردت عليها ببرود جليدي
"كل شيء بخير ، ولكن...."

قاطعتها وهي تعبس بحزن عميق
"اعتذر لأنني لم اقم بزيارتكِ بشقتكِ الجديدة بعد تلك الحادثة المروعة ، فأنا لم اقم بالواجب كما ينبغي ولم اطمئن على حالتكِ انتِ وروميساء ، حتى اني لم ابارك لها زواجها والذي مر عليه اكثر من شهر....."

قاطعتها وهي تقول بنفاذ صبر من كل هذا الكلام والذي لا طعمة له
"كفى يا صفاء ، فأنا لستُ الومكِ على عدم زيارتكِ للشقة ، وليس لها داعي من الاساس ، فأنا اعلم جيدا بأنكِ تعانين من مشاكل بحياتك بما فيه الكفاية ولا ينقصكِ المزيد منها"

تنهدت (صفاء) بابتسامة ناعمة وهي تحني حدقتيها للأسفل بحزن لتهمس عندها بخفوت واجم
"اعتذر على كل ما سببه لكِ شقيقي مازن من مشاكل وللجميع ، حتى انه لم يعد يظهر له اي اثر بعد تلك الحادثة وكأنه فص ملح وذاب ، ودائما ابي كان طول الشهر الماضي وهو يسأل عنه بقلق بدون ان اتجرأ على الاعتراف له بما فعله لكي لا يصاب بأزمة قلبية أخرى ، ولم نعلم للآن اين يكون......"

عادت (ماسة) لمقاطعتها وهي تدير مقلتيها بعيدا عنها بتأفف هامسة بحدة منفعلة
"ارجوكِ يا صفاء توقفي عن التكلم عن كل ما حدث بتلك الحادثة ، وانسي امر فعلة شقيقكِ المجنون فأنتِ لا علاقة لكِ بما يفعله ويفكر به ، فهمتِ"

اومأت برأسها بالإيجاب بهدوء وهي ترفع كفها لتعيد خصلات شعرها الحريرية لخلف اذنيها وهي تتنفس براحة فقد استطاعت بشق الأنفس جعل (ماسة) تنسى موضوع شرودها تماما وإلحاحها لتعرف قصتها رغما عنها وكل هذا بفضل ثرثرتها المزعجة كما ترى والتي انقذتها من تساؤلات صديقتها وهي تستخدمها دائما كسلاح فعال ضد صديقتها والتي لا تحب الكلام كثيرا لتدفعها للصمت وإيقاف الكلام عند حده وهذا ما تحتاج إليه بشدة الآن .

وقفت (صفاء) بعدها بلحظات وهي تقول بابتسامة متسعة بابتهاج موجه لصديقتها العابسة بتصلب
"سأذهب للبحث عن كشك آخر يبيع لنا العصير ، فقد بدأت اشعر بالجفاف بحلقي ، لن أتأخر"

غادرت بعيدا عنها قبل ان تسمع تعليقها وهي تحاول الانفراد مع نفسها خوفا من ان تعود التساؤلات بالدوران برأس صديقتها ، بينما النظرات الزرقاء الجامدة تتابعها بعدم اهتمام حقيقي لتحيد بعدها بنظراتها بوجوم للهاتف والذي عاد للرنين بجيب سترتها ، لتعود بنظراتها عاليا للسماء الغائمة وابتسامة ساخرة بجمود تعتلي ملامحها ببطء حتى شملت وجهها بأكمله لتختفي بلحظات السخرية عنها ليتبقى فقط الجمود بها وهو يحتل ملامحها الصخرية بقوة .

يتبع.................


روز علي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس