عرض مشاركة واحدة
قديم 21-08-21, 10:59 PM   #133

روز علي
 
الصورة الرمزية روز علي

? العضوٌ??? » 478593
?  التسِجيلٌ » Sep 2020
? مشَارَ?اتْي » 712
?  نُقآطِيْ » روز علي is on a distinguished road
افتراضي

سارت بالبهو الواسع وهي تلاحظ فراغه وبرودة الأجواء بزواياه وبعض الظلام كان يحتل نصف المكان الواسع بينما ينير ضوء القمر النصف الآخر من خلال الواجهة الزجاجية المطلة على المنزل وبمواجهة ضوء القمر ، تقدمت بعدها عدة خطوات باتجاه النصف الآخر المنير بالقمر قبل ان تسند يديها على سطح الزجاج البارد بصمت وهي تحدق بالقمر المستدير بشرود حزين ولمحة ذكريات مرت على ذهنها بلحظة خاطفة عندما كان يقتحم ضوء القمر بهذه اللحظات ظلامها وينقشع عندها ضباب صمتها ليكون انيسها ورفيقها الوحيد بهذه الحياة القاسية والتي لم ترى منها سوى ألوان من اصناف التعذيب .

تغضن جبينها بحيرة ما ان وقعت نظراتها على الجالس بالخارج عند مدخل المنزل وتحديدا فوق الطريق العشبي ونيران ملتهبة مشتعلة امامه تخفي عليها رؤيته بالكامل وهي تشوه صورته بألسنتها المشتعلة وبأدخنة كانت ترتفع للأفق لتتلاشى بلحظة بين ضياء القمر !

ابتعدت من فورها عن المكان وهي تتجه لباب المنزل بخطوات ثابتة بصمت ، وما ان تجاوزت الباب حتى وقعت نظراتها على الجالس بمكانه وهو يشرد بالأفق البعيد وقد يكون بالأدخنة المتطايرة امامه قبل ان تتلاشى بعيدا ! لتمتعض بعدها ملامحها بضيق وهي تكتف ذراعيها برعشة طفيفة من البرد القارص والذي بدأ يتخلل من تحت ملابسها لمفاصلها بقوة .

اكملت سيرها ناحيته قبل ان تقف بجواره ليسبقها بالكلام بلحظات الذي مد يده نحوها وهو يمسك بها طبق كان يحوي على شطيرة قائلا بهدوء غير مبالي
"لقد اتيتِ بوقتكِ المناسب ، لتستلمي وجبتك"

عقدت حاجبيها ببطء حذر وقد حانت منها التفاتة نحو الذي كان يتجاهل وجودها تماما وهو يضع الطبق امام نظرها فوق الأرض العشبية ! لتتبعها بعدها بلحظة بجلوسها وهي تجثو على ركبتيها قبل ان تضم ذراعيها لصدرها بصمت .

قالت بعدها بلحظات بوجوم شاحب
"من اين حصلت على هذا الطعام ؟"

حرك رأسه جانبا بصمت للحظات قبل ان يتمتم بجفاء واضح
"لقد وجدت محل بقالة قريب من المناطق الريفية المجاورة لنا ، وقد اشتريت منه بعض الشطائر ، وهذا المتبقي منها ، واتمنى ان تكون كافية لتشبع جوعكِ لليوم الثاني"

ارتفع حاجبيها السوداوين بهدوء لوهلة وهي تهمس بتفكير خافت
"هل هذا يعني بأننا سنعود بالغد للمنزل !"

اومأ برأسه بصمت قبل ان يقول بابتسامة جانبية بسخرية
"اجل فيبدو بأن جلالة الملكة لم تروقها هذه الحياة والتي تعيشها معي والمليئة بالذل والإهانة بدون اي ملابس او طعام كما تقول"

عضت على طرف شفتيها بانفعال مكبوت لثواني وهي تشعر بنبرة سخرية مقيتة بصوته وهو يكرر كلامها السابق باستفزاز والغريب بأنها بعيدة كل البعد عن التسلية والتي دائما ما تكون جزء من كلامه الساخر ! وهذا لا يدل سوى على شيء واحد وهو بأنها قد ضايقته بشدة بكلامها السابق والذي كان يدور عن شخصيته وعن الحياة التي تعيشها هنا ونظرتها لهذا المكان ، ولكن من كان يعلم بأن هذا الشخص يبالي او يشعر بكلامها والإهانات والتي تنطق بها بحق الناس ؟

اخفضت نظراتها للطبق امامها لبرهة قبل ان تمسك بطرفه لترفعه امامها وهي تتناول الشطيرة بيدها الأخرى قبل ان تقضم منها وهي تستمتع بتذوقها لتنزل على معدتها الخاوية بسعادة ونشوة بالغة وكأنها لم تتناول شيئاً منذ سنوات ! حادت بعدها بنظراتها للجالس بجانبها وهي تهمس بخفوت هادئ
"شكرا لك على الشطيرة فقد كنت احتاج لها بشدة"

حاد بطرف عينيه نحوها لأول مرة وهو يرفع حاجب واحد بتعجب ، ليقول بعدها بتسلية عادت لنبرة صوته نافضة عنه حالة الجمود والذي واجهها بها
"إذاً هنيئاً لكِ بها"

اومأت برأسها بصمت وهي تمضغ الطعام بفمها بحذر ، لتتعقد بعدها ملامحها بلحظة وهي تزكم انفاسها رائحة دخان قوية من المستحيل ان تخطئ بها ! تنقلت بعدها بنظرها بالجالس بجانبها بتمعن مريب قبل ان يرتفع حاجبيها بوجوم بلحظة ما ان لمحت طرف سيجارة بيده الأخرى لم تنتبه بوجودها معه بالبداية ؟

قالت بعدها بلحظات بتصلب وهي تعيد الشطيرة بالطبق بجمود
"هل هذه سيجارة بيدك ؟"

تغضن جبينه بحيرة للحظات وهو يلتفت ناحيتها ليرفع السيجارة بيده وهو يقول بابتسامة بدون مرح
"اجل هذه سيجارة ، وقد اشتريتها من صاحب البقالة ذاك مع الشطائر ، وكم كان كريما معي......"

قاطعته من نطقت بجمود منقبض جمد ملامحها ببرودة صخرية
"هل انت تدخن عادةً ؟"

عقد حاجبيه بحيرة اشد من تحول صوتها فجأة لنبرة اكثر بهوتا وكأنها خارجة من جوف صخرة جليدية ! ليقول بعدها بلحظات بجدية هادئة وهو يكمل تدخين سيجارته
"حسنا ليس كثيرا ، ولكن عندما يستبد بي الملل والغضب اجده متنفس جيد لما اشعر به من مشاعر لا استطيع تفريغها سوى بهذه الطريقة"

كانت حدقتيها غائمة ببهوت وهي تتابع حركات السيجارة وهو يدسها بفمه لتنتقل بعدها للدخان المتصاعد من شفتيه وهو ينطلق للأفق بثواني ، رمشت بعينيها عدة مرات ما ان تداخلت صورة اخرى امامها لأفواه كثيرة تتصاعد منها الادخنة وهي محتجزة بتلك الدوامة القميئة بدون ان تستطيع الخروج منها ليكون مصدر الادخنة مقابلا لها تماما وهو يشبعها بتلك الأنفاس الملوثة وبكلماته القاسية الشبيهة بنبرته الخشنة ، وما ان تبدأ بالتمرد حتى يتخلل ذاك الدخان لذرات انفاسها وهو يشبعها بتلك الأدخنة بدس طرف سيجارته بفمها حتى تختنق تماما وهي تسعل بقوة وعينيها جاحظتين على اقصاهما بدون ان يرأف بحالها وبأنفاسها والتي ازهقها بيديه ، بينما الضحكات القميئة من تلك الافواه تحيط بها من كل جانب وهي تتحول لتسلية بين ايديهم ولعبة ممتعة بأوقات ضجرهم ....

قبضت على يديها فجأة لا شعورياً وهي تهمس بأنفاس حادة بانفعال بالغ
"ابعدها من امامي"

ارتفع حاجبيه ببلاهة وهو ينظر لها عدة لحظات قائلا باستفهام
"ماذا !...."

ولكن وقبل ان يكمل كلامه كانت تنقض عليه وهي تسحب السيجارة من كفه بلمح البصر وبدون ان يدرك ذلك هامسة من بين اسنانها بشراسة منقبضة
"قلت لك ابعدها من امامي"

وقبل ان يفيق من صدمته كانت تلقي بسيجارته بالنار المشتعلة امامهما لتختفي بين ألسنة اللهب بلحظات معدودة فقط ، تنفست بعدها بتهدج وهي تكتف ذراعيها فوق صدرها بصمت غيم عليهما معا بدوامة مهلكة لا يقطعها سوى صوت احتكاك الحطب بالنار بفحيح موحش !

زفر (شادي) انفاسه بعدها بدقائق وهو يحاول تمالك نفسه بشتى الطرق ، ليوجه بعدها نظراته للجامدة بجانبه وكأنها لم تفعل شيئاً للتو ! ليقول بعدها بابتسامة ملتوية ببعض القسوة والتي بدأت تنضح بعينيه السوداوين
"ما هذا الذي فعلته للتو ؟ أتعلمين بأنني لا املك سوى هذه السيجارة والتي ألقيتِ بها بالنار بوقاحة لا متناهية !"

بقيت متمسكة بصمتها بدون إجابة وحدقتيها البحرية متحجرة بمكانها وهي تنظر للألسنة الملتهبة والتي انعكست نورها بصلابة احداقها ، وهو ما دفعه باللحظة التالية ليقبض على ذراعيها بقوة وهو يديرها باتجاهه بعنف ارغمها لتدير حدقتيها مقابلا له بجمود صامت ، وما ان فعلت وقابلت سواد احداقه الغاضبة حتى قال بابتسامة منفعلة بدون مرح وهو يراقب لمحة الجمود المسيطرة عليها
"هل فقدتِ عقلكِ يا ماسة ؟ لتتصرفي على هذا النحو ، تكلمي ما سبب ما فعلته الآن !"

زمت شفتيها بارتجاف احتل اطرافها بلحظات لتدير عندها حدقتيها جانبا وهي تهمس بلا حياة بعد ان تجردت من القسوة المسيطرة عليها
"لا احب رائحة الدخان ولا صاحب الدخان ، فهو يصيبني بالغثيان"

تجمدت ملامحه بتجهم بخطوط وجهه الباردة وهو يحاول تحليل كلامها وتركيب الصورة الاخيرة برأسه ! ليخرج بالنهاية بصورة واحدة مرت على ذهنه وهو يهمس بصوت اجش بارد
"دعيني اخمن ، كان زوج والدتك من المدمنين على التدخين ؟"

عبست ملامحها بانقباض حاد شعر به وهي تتمتم ببرود جليدي
"صحيح وقد كانت كل زمرته كذلك"

ارتفع حاجبيه ببطء فهذا هو المتوقع من عالم العصابات والمجرمين والذي يضم اسوء المخلوقات على وجه الأرض والذين انعدمت من عندهم كل انواع الاخلاق والمبادئ بحكم اعمالهم الاجرامية بحق العالم ! ليخفف من بعدها التشديد على ذراعيها تلقائيا وهو يستمع لباقي كلامها بجمود حاقد بتلك الحشرجة المريرة
"ما ازال اشعر بروائح تلك الأدخنة تسكن بدواخلي وكأنني لا اتنفس غيرها"

تشنجت ملامحه لبرهة وهو يترك ذراعيها قليلا ليمسك عندها بذقنها بلحظة وهو يعيد وجهها امامه قائلا بجدية هادئة
"تكلمي يا ماسة واخبريني عن تلك الحياة بين تلك الوحوش البشرية ، انتِ كنتِ عضو بتلك الزمرة ولكنك لم تقولي لي للآن ما كانت مهمتك هناك ؟ لذا هلا ارحتِ بعض من فضولي وأفصحتِ بجزء من تلك الحياة والتي لا تبارح تفكيري ابدا"

عقدت حاجبيها بتركيز للحظات وهي تنتفض بحركة طفيفة محررة ذقنها من تكبيله ، لتعتدل بعدها بجلوسها بهدوء وهي توجه نظراتها للنار المشتعلة امامها قبل ان تقول بجمود خافت وبنبرة صوتها الجوفاء
"ليس لدي شيء اقوله لك عن تلك الحياة المثالية والتي كنت احياها بينهم ، ولكن الذي عليك ان تعرفه بأنني كنت مجرد عضو غير مرئي لا يتواجد سوى بوقت الحاجة عندما يتعلق الأمر باختراق الأجهزة الامنية ومعرفة كلمات مرورها للوصول لمعلومات خطيرة لا يستطيع احد الوصول لها سواي وقد كانت مهمتي آن ذاك الأقل ضررا على الآخرين والأقل تفاعلا ، وايضا الاكثر تسببا بتدمير اعمالهم بهفوة صغيرة مني"

عقد حاجبيه بانتباه لبرهة وهو يسند يديه بجانبه ليرفع بعدها نظره للسماء المتلألئة بالنجوم وهو يهمس بصوت اجش خافت
"هل كنتِ ذكية بالأمور المتعلقة بالحواسيب ؟"

اومأت برأسها بشرود وهي تهمس بابتسامة ساخرة بقتامة
"ليس تماما ، ولكن خبرتي الواسعة بكل ما يتعلق بالبراهين وبحل المعادلات المعقدة والتي تحتاجها لاختراق الأجهزة الصعبة هي من ساعدتني بهذه المهمة ، فأنا بالنهاية كنت الأولى على دفعتي بكل سنوات دراستي وهي ما جعلني احصل على منحة دراسية تضمن لي تعليم الفصول الدراسية كاملة"

كان يتابع كلامها بشرود وهو يركز على الكلمات المهمة فقط من بين ضباب افكاره ، ليقبض بعدها على يديه لا إراديا وهو يحيد بنظراته بحدة ناحيتها ليقول عندها بصوت بارد بخواء لم يخفى ازدراءه
"وهل حاول زوج والدتك او رئيس الزمرة تخطي الحدود معكِ او اي احد من هؤلاء الوحوش المفترسة ؟ هل وصل بهم الانحطاط وتجرد الانسانية لما هو اسوء ؟......"

قاطعته من رفعت نظراتها عاليا فجأة وهي تهمس بابتسامة حفرت على زاوية شفتيها باستهانة ساخرة لونت تلك الأحجار بزرقة قاتمة
"لا تقلق لم يصل الانحطاط بحياتي لهذا العمق المتدني ، فقد كان قيس شخص لا يتخلى عن مبادئه مهما حدث ولم اكن بالنسبة له سوى وسيلة لنجاح خططه لا اكثر ، فهو لم يدخل لعالم العصابات سوى من فترة قصيرة بعد وفاة والدتي ، ليجد بها مصدر متعة وطريق لحياة الرفاهية والمال الوفير بدل حياة الفشل والتي كان يعيشها ، وبنفس الوقت بحكم مبادئه القديمة فلم تتغير ولم يحاول يوما تخطي تلك الحدود فأنا بالنهاية ابنته بالتبني وامام العالم جزء من عائلته والتي انتميت إليها انا وروميساء منذ زواجه من والدتي ، وحتى كل من كان يحاول الاقتران بي وطلب الزواج مني ما ان يعرف بسمعة قيس حتى كان يفر بالهروب منا ، وقد كنت ايضا اشكل له كنز ثمين وطريق الوصول لتلك الرفاهية بالنسبة له لذا لم يكن من السهل التخلص مني"

سكنت الأجواء بينهما لدقائق طويلة ونسمات الهواء تتلاعب بالنيران المندلعة امامهما لتنشر الهدوء والدفء من حولهما بهدوء المشاعر المتحررة بعمق ارواحهما ، قطعها بعدها من وقف بهدوء بجانبها وهو ينفض الأتربة عن قميصه وبنطاله قائلا بهدوء جاد نافضا الغمامة والتي سيطرت عليهما للحظات
"هيا بنا لندخل للمنزل فقد تأخر الوقت كثيرا ، وقد حان وقت النوم لنعود للمنزل غدا باكرا"

كانت ما تزال شاردة بالنيران بدون ان تعيره اي اهتمام وكأنها قد انعزلت بعالمها البعيد عن الواقع والغير متواجد به احد ، ليرفع بعدها ذراعه وهو يدلك عنقه بيده بملل وتفكير .

انتفضت الجالسة ارضا بوجل ما ان سكب الماء فجأة فوق النيران المشتعلة لتنطفئ عندها نهائيا ، تشنجت ملامحها بلحظة والبرودة بدأت تنخر اطرافها بتجمد قبل ان ترفع نظراتها للفاعل بعبوس غاضب وقد كان ينظر لها ببرود غير مبالي ، وبدون اي مقدمات كان يمسك بذراعها رغم ممانعتها وهو يسحبها لتقف على قدميها بقوة ، قبل ان يغادر بها باتجاه المنزل بدون ان يهتم لتذمرها الواضح وهو يتمتم بضيق صارم
"إذا بقيتِ هكذا فأقسم بالله بأني سأترككِ خارجا بهذا المكان حتى تتحنطي من البرد ، قد تكفين وقتها عن العناد"

زمت شفتيها بوجوم وهي تصمت بالفعل لكي لا يتهور ويفعلها هذا المجنون وخاصة بأنها لم يعد لديها المقدرة لتحمل كل هذا البرد والذي جمد الدماء بعروقها ، ليتابع بعدها مساره معها لداخل المنزل قبل ان يغيب القمر خلف السحب وينتشر عندها السواد بالعالم وهو يودع نهاية يوم طويل محمل بكل انواع المشاعر .

_____________________________
تنهدت وهي تستعيد ثباتها المتزن ما ان دخلت لقاعة الطعام الواسعة والتي تقام بها الآن جلسة العشاء ، لتتنقل بعدها بنظراتها بجميع افراد العائلة المجتمعين حول المائدة حتى وقعت على غريمها والتي كانت تقابلها بنفس النظرات الكارهة ولكن الفرق بأن نظراتها كانت تحمل المقت والاشمئزاز معا بخضار احداقها وهو ما اشعل نظرات الأخرى بلحظات باشتعال مستعر ، لتحيد بعدها بطرف عينيها للجالس بجانبها والذي كان ينشغل بالعمل على هاتفه بدون ان ينتبه لأي احد منهما وبأنه قد اصبح مركز هذه الدائرة والتي تدور من حولهما .

اشاحت بنظراتها بعيدا عنها بعدم اهتمام وهي توجه كلامها للجالس على رأس المائدة قائلة بابتسامة ودودة
"مساء الخير يا خالي محراب ، هل تسمح لي بالدخول ومشاركتكم بهذه الجلسة ؟ واعتذر حقا على التأخر"

التفتت كل العيون ناحيتها بلحظة ومن بينها صاحب العينين الرماديتين والذي رفع نظره عن هاتفه وهو يعقد حاجبيه بصدمة من تواجدها معهم الآن بالذات بعد تغيبها الدائم عن الحضور والذي كانت تتقصده على الدوام وبحجج واهية بكل مرة ؟ لتصدمه بحضورها اليوم وبثقة جديدة تختلف عن آخر مرة قابلها بها وكأنه شخص آخر من يقف امامه الآن ؟ ألا إذا كان مجرد تهيؤ بسبب تفكيره المرهف بكل تفاصيلها الصغيرة والتي تخطف نظره دائما !

نفض افكاره الأخيرة عن رأسه ما ان صدح صوت والده وهو يقول بوقار متزن
"هيا ادخلي يا روميساء ، ولا داعي لطلب الاذن لذلك"

اومأت برأسها بأدب بدون ان تضيف اي كلمة وهي تسير حول المائدة بخطوات متأنية والنظرات ما تزال تتابعها بانتباه ، بينما الذي كان يحظى على الكمية الاكبر من نظراتها المسلطة عليه بتركيز بدون ان يحيد اي منهما بعيدا عن الآخر وكأنها هالة تدور من حولهما فقط اسرته بمكانه وحبسته بقضبان فتنتها ، ليفيق بعدها بلحظات على صوتها الخافت وهي تهمس بابتسامة هادئة بلطف بعد ان كانت قد وصلت للمقعد بجواره
"هل يمكنني الجلوس هنا يا احمد ؟"

ارتفع حاجبيه ببطء وهو يشعر بسعادة غريبة تحتل غابة النخيل بعينيها وهي تنطق اسمه بكل هذا الجمال المنضح بنظراتها وكل شيء بها ! ليهمس من فوره بصوت اجش هادئ وهو يشير بذراعه امامها بقوة
"وهل تحتاج لسؤال ؟ هيا اجلسي"

اتسعت ابتسامتها بجمال وهي تعتلي ملامحها البيضاء بشحوب طفيف قبل ان تعيد الكرسي للخلف بلحظة لتجلس عليه بهدوء مترافق مع اصابعها والتي كانت ترجع الخصلات المتمردة لخلف اذنيها برقة ، ولم ينتبه احد منهما للتي كانت تراقب كل هذا بشفتين مزمومتين بقهر ونيران ملتهبة تتقد بأحشائها بدون رحمة مع كل نظرة هيام تلمحها بنظراتهما والتي تكاد تخنقها حية بدون ان تقدر على فعل شيء وكل ما تفكر به بهذه اللحظة بأن تقطع تلك النظرات المقيتة والتي لم تراها بحياتها يوما بكل هذا القدر من الهيام تسكن عينيه وموجهة نحوها ! فما هو السر لتحظى هي تحديدا بتلك النظرات عن دونها ؟

قطع أجواء الصمت والتي غيمت على الجميع بلحظة صوت (محراب) وهو يقول بصرامة حادة موجهة باتجاه ابنه الكبير
"احمد هل تعلم متى سيعود شقيقك المخبول ذاك من اجازته تلك ؟ فقد تأخر كثيرا بتلك العطلة والتي ليس لها مسمى ام يظن نفسه بشهر عسل !"

حرك رأسه باتجاه والده وهو يقول بابتسامة هادئة باتزان
"لقد تكلمت معه اليوم ، واخبرني بأنه سيعود غدا صباحا برفقة ماسة يعني لن يتأخر كثيرا"

امسكت الجالسة بجواره بذراعه تلقائياً وهي تهمس بخفوت متوجس
"وماذا اخبرك عن احوال ماسة ؟ هل هي بخير ؟....."

ردّ عليها الذي امسك بيدها على ذراعه بقوة وهو يشدد عليها قائلا بثقة
"انها بأفضل حال يا روميساء ، لذا لا تقلقي عليها ، وغدا ستعود للمنزل مع شادي وعندها يمكنكِ رؤيتها والاطمئنان عليها بنفسك"

تنهدت براحة لوهلة وهي تعود للابتسام باتساع هامسة بدون صوت بسعادة خاطفة
"اتعلم بأنك رائع !"

ابتسم بهدوء وهو يشرد بشفتيها الناطقتين بتلك الكلمات وبملامحها الشاحبة للحظات وكأنها عبارة عن بهجة للنظر وراحة للقلب وسكينة بالروح لكل من يتخبط بهذه الحياة ! ليقول بعدها بلحظات بنفس الهمس وبدون صوت وهو يبتسم باتزان واثق
"اعلم فقد سمعتها منكِ من قبل"

ادارت حدقتيها بعيدا عنه بلحظة وهي تبتسم بالخفاء بحياء استبد بها ونفض الشحوب عن ملامحها باحمرار طفيف زاد فتنتها ، عاد بنظراته للأمام ما ان ضرب والده بقبضته على سطح الطاولة وهو يقول ببعض الضيق وبنفور واضح
"هذا الوضع غير مقبول ابدا ، فقد تجاوز ذاك المخبول كل حدود اللباقة ولو من باب احترام تقاليد العائلة والتي حفرت بهذا المنزل منذ الأزل ، وهو يظن نفسه يستطيع فعل ما يشاء بحياته بخرق تلك التقاليد ، ولكنه سيبقى هكذا دائما ابن جيهان ولن يتغير ابدا وهو يظن نفسه بعقد قرانه من تلك وبدون اي تشهير يستطيع فعل ما يشاء معها وبدون تفكير بأعراف العائلة ، وهذا ما يسمى بانحطاط التفكير والادب والذي وصل له بتشويه كل اعراف العائلة بتصرفاته الغير اخلاقية"

كانت العيون تراقبه باتساع مشدوه دام للحظات قبل ان يقطعها الذي كان يتنحنح بصوته وهو يقول بابتسامة هادئة بثقة ناظرا باتجاه والده بقوة
"ولكن يا ابي لقد نسيت بأنها قد اصبحت زوجته بالشرع والقانون وبموافقة الطرفين وبوجود الجميع ، وهذا يعني بأنه لم يخرق اي قانون من تلك الأعراف والتي تؤكد بأنهما متزوجان رسميا ولهما الحق بفعل ما يشاءان بحياتهما......"

قاطعه الصوت الجهوري وهو ينتفض واقفا عن مقعده قائلا بصرامة قاطعة انضحت بعينيه الرمادية بقسوة
"اصمت يا احمد ، فأنت لن تفهم اي كلمة مما اقول ، ولا تنسى بأن حالك ليس افضل منه ، فهو بالنهاية شقيقك ولو لم يكن من الأم واكيد سيسير على خطاك ، أليس كذلك يا ابن والدك"

عمّ الصمت على كل انحاء القاعة ما ان ألقى بتلك الكلمات القاسية قبل ان يغادر من المكان بأكمله يتبعه ابنه الصغير بصمت زاد اكثر عن السابق ، ليخرج بعدها بلحظات من شروده القاتم والذي لفه به والده ملمس الكف الناعمة والتي امسكت بيده وهي تقول بابتسامة هادئة بطبيعية لتنفض عنه هالة الحزن والتي غيمت عليه فجأة
"ما رأيك ان تتذوق هذا الصنف من الطعام معي ؟ فأنا احبه كثيرا"

رفع نظراته للطبق والذي كانت تمسك به بيدها الأخرى وهو يحوي بطاطا مهروسة مع بعض الخضروات المسلوقة ، ليبتسم بعدها بلحظات بهدوء وهو يهمس بمحبة
"اكيد موافق ، فكل شيء تحبينه انا ايضا احبه"

اتسعت ابتسامتها بسعادة وهي ترفع الطبق باتجاه الجالسة بالجهة الأخرى له وهي تهمس لها بخفوت مبتسم
"هل تريدين تذوقه انتِ ايضا يا سلوى ؟"

عضت على طرف شفتيها بقنوط وهي تنظر لها بطرف عينيها بتحدي سافر ، لترفع بعدها يديها للطبق بصمت قبل ان تقلبه من بين يديها بلمح البصر ليقع عندها فوق الجالس بالمنتصف بينهما وهو ينظر بصدمة لسترته والتي تلطخت بلحظة بالطعام المهروس بالكامل مع بنطاله !

التفت نحوها بلحظة وهو يصرخ بانفعال حانق
"ما لذي فعلته يا مجنونة !....."

قاطعته ببساطة وهي تلوح بذراعها قائلة بلا مبالاة
"لا تنظر لي هكذا فأنا لست الفاعلة ، وايضا هي التي قدمته لي اولاً"

تجهمت ملامحه بلحظة وهو يعود للنظر لسترته ولرائحة الطعام النافذ العالقة بها ، لتقول بعدها بلحظات التي كانت تخرج منديل من جيب بنطالها وهي تقول بابتسامة هادئة بانشراح بدون ان تتأثر مما يحدث من حولها
"لا عليك يا احمد ، انا من سأهتم بتنظيفه لك بما انني السبب بهذا"

التفت نحوها بوجوم وهو ينظر للمنديل بيدها والذي بدأت تمسح به اطراف سترته برفق وبيد خفيفة ، بينما كان هو يراقب حركاتها بانتباه وهي تمسح ملابسه برقة يستطيع الشعور بها وكأنه طفل لطخ ملابسه للتو ، وهي ترنو بنظراتها الحانية نحوه بين الحين والآخر وبابتسامة جميلة لم تتأثر بعد كل ما حدث معها وبعد كل ما واجهته بحياتها وما تزال للآن ...

بينما الأخرى كانت قد خرجت من المكان بأكمله بعد ان طفح بها الكيل من النظر لهما احرقت اعصابها بنيران عادت للنشوب بأعماق روحها بوعيد للانتقام .

_____________________________
تنفست بجمود وهي تنظر لشروق الشمس والتي تحتل السماء من زجاج النافذة بجانبها وهي تنشر دفئها ونورها بأنحاء العالم ، رفعت بعدها كفها بهدوء وهي تمسح على جفنيها الحمراوين والذين يكادان يطبقان على احداقها الزرقاء من شدة التعب والإنهاك والذي تشعر به منذ ان افاقت على هذا الشروق .

حادت بنظراتها بحذر للذي كان يقود السيارة بهدوء بالغ وابتسامة جانبية تعلو ملامحه الهادئة بدون ان يؤثر عليه الاستيقاظ باكرا بالرغم من انها قد سبقته بالنوم ما ان تركها بغرفتها بعد سهرهما الطويل امام مدخل المنزل ! بينما هي تشعر ببعض الصداع وتعب متخلل بأطرافها بخمول وكأن بوادر المرض قد بدأت تظهر عليها مبكرا وكله بسبب الجو البارد القاسي والذي لا يحتمل بذاك المنزل الريفي .

عادت بنظرها بلحظة للجالس بجانبها بهدوء وهي تتبع حركة رفع حاجبيه السوداوين بخفة مع ابتسامته الغامضة وهو يبدو يستمتع بمراقبة الطريق امامه او يعطيه اكثر انتباها مما يستحق وكأنها لوحة مفتوحة امامه لا يستطيع اي احد قراءتها او رؤيتها بتلك الطريقة سواه ! ألا إذا كان مجرد تهيؤ نسجه لها عقلها المتعب والمغيب بضباب مرضها ؟ عضت على طرف شفتيها بتأنيب وغباء بدأ يجتاح تفكيرها كثيرا بالآونة الاخيرة من مجريات سير افكارها وما وصلت لها من تدهور !

ادارت حدقتيها باضطراب للطريق امامها ما ان قال الجالس بجانبها بخفوت اجش وهو يقطع خيط الصمت الطويل والذي لفهما معا
"هل انتِ بخير ؟"

اومأت برأسها بقوة وهي تحاول تمثيل الجمود امامه ولم تعلم بأنها قد ظهرت مجرد حركة مهتزة من رأسها غير مرئية ؟ ولم تهتم بعدها إذا كان قد فهم اشارتها تلك ام لا ! ليعود بعدها للابتسام ببساطة وهو يقود بسلاسة وصمت لم يقطعه سوى صوت محرك السيارة والذي كان يدفع تلك المركبة للانطلاق بأقصى سرعة .

بعد مرور دقائق اخرى كانت السيارة تتوقف عند طرف الطريق قبل وصولهما للمدينة ، لتعقد بعدها حاجبيها ببطء لبرهة وهي توجه نظراتها للجالس بجانبها بوجوم هامسة بجدية عابسة
"لما توقفت هنا ؟ ما لذي ؟....."

قاطعها الذي كان يخرج بعض المال من جيب باب السيارة بجانبه وهو يقول بجدية
"علينا شراء بعض الملابس لكِ ، فليس من اللائق العودة للمنزل بهذه الهيئة"

امتعضت ملامحها بلحظة وهي تخفض نظرها لملابسها والتي اصبحت بحالة يرثى لها بعد التعديلات والتي اضافتها عليها مؤخرا وبعد ما وصلت له بسبب الوقوع بذلك المنبع والذي دمر حياتها ، حتى بهتت ألوانها بالنهاية لتختفي الحياة منها ليكون حال المشردين افضل منها بكثير .

رفعت عينيها نحوه بلحظة وهي تتمتم باستياء
"أليس كل هذا بسببك !"

حرك كتفيه بلا مبالاة وهو يستدير ليخرج من السيارة امامها قائلا بهدوء بارد
"افعلي ما شئتِ يا ماسة ، ولكن شراء ملابس جديدة لكِ قرار نهائي"

زمت شفتيها بحنق وهي تنظر له يدور حول السيارة بلمح البصر بعد كلماته بثقة بالغة يحسد عليها وهو يعلم بأنها ستخضع لأمره بالنهاية مهما حدث ، ليقف بعدها بجانب نافذتها وهو يقول بغرور واضح
"إذاً هل اشتري لكِ الملابس بنفسي ؟ ام تريدين اختيارها بيدك ؟ وصدقيني سيعجبك ذوقي كثيرا باختيار الملابس"

حدقت بوجهه للحظات وزجاج النافذة يفصل بينهما وقد اصبح اسير عينيها الشفافيتين بوضح النهار ، لتمسك بعدها بمقبض الباب وهي تدفعه بلحظة للخارج حتى ضربت ساقه بدون ان تبالي وهي تكمل خروجها من السيارة بعنف ، ليقول بعدها الذي تراجع للخلف بلحظات ما ان خرجت تلك الكتلة المجنونة
"على مهلك يا فتاة"

رفعت عينيها نحوه بهدوء ما ان وقفت امامه وهي تنظر له باتساع مهتز لمحه بأحداقها القاتمة وهو يجزم بوجود رجفة بعضلة جفنيها واحمرار قاني يحتل حلقة عينيها بإنهاك تجلى على ملامحها الشاحبة بوضوح ! ليقول بعدها بلحظات بصرامة جادة وهو يعقد حاجبيه بغموض
"اعتقد بأنكِ لستِ بخير ؟ لذا من الأفضل ان تنتظري عودتي بداخل السيارة"

تنهدت بهدوء وهي تحرك رأسها تلقائيا وكم آلمتها تلك الحركة الخاطفة بقدر الجهد والذي تبذله لتبقى جامدة بمكانها هكذا ، همست بعدها بسرعة وهي تعيد خصلاتها السوداء لخلف اذنيها بقوة
"انا بخير ، لا تهتم بشأني بل فكر بشكل الناس وهي تستقبلنا بهذه الهيئة"

رفع حاجبيه بشك لبرهة وبدون اي مرح لتسبقه من فورها المقابلة له وهي تندفع بعيدا عنه باتجاه المتجر التجاري والذي توقفوا مقابلا له ، وما هي ألا لحظات حتى شعرت بيد تمسك بذراعها قبل ان تسير بجوارها وهو ينزل بكفه ليمسك بيدها بقوة قائلا بصوت اجش حاد
"لا تسيري لوحدك بمكان لا تعرفيه وخاصة بهذه الهيئة"

تنفست باضطراب وهي توجه نظراتها امامها بدون ان تهتم لكلامه الأخير وهي تستمد منه الدعم لكي تبقى ثابتة بمكانها حتى تنتهي هذه الرحلة المقيتة بشراء الملابس ، ولكن هذا لم يحدث وقد انعكس كل شيء للأسوء مع تلك النظرات المستنكرة والمذهولة والتي كانت تحوم من حولها تحديدا منذ دخولهما لهذا المكان والذي لم يكن يزدحم بالكثير من الناس بسبب موقع بناء المتجر البعيد عن الاحياء السكنية وعند اطراف المدينة ، وكم شعرت بالنفور من تلك النظرات بالرغم من اعتيادها على رؤيتها بعيون الناس ومرافقتها لها اينما ذهبت ، ولكنها اليوم كانت تشعر بالنفور نحوها اضعاف عن السابق بسبب تغير تلك النظرات والتي توجهت هذه المرة لملابسها الكارثية وهي تبدو شبيهة بالقطط المشردة ولولا وجود ذاك الشخص بجانبها لكانوا ظنوها من عالم المشردين والتي تبحث عن ملابس بديلة بلا شك ؟!

بعدها بفترة قصيرة كانت تقف امام صف من الملابس المصفوفة بجانب بعضها البعض بترتيب واناقة لم ترى لها مثيل وهي التي لم تعتد على شراء ملابسها بمثل هذه الأماكن النظيفة والفاخرة وقد كان هذا واضحا من الماركات المعلقة على قطع الملابس باهظة الثمن .

افاقت من افكارها على الصوت القادم من خلفها وهو يقول بنفاذ صبر
"هيا هلا اخترتِ ملابسك بسرعة اكبر ، فهذا المكان غير مريح ابدا"

حانت منها التفاتة للواقف من خلفها وهو يوزع نظراته بالمكان بضيق يظهر لأول على محياه وقد بدأت تلاحظ بعض النظرات من الفتيات الصغيرات بالسن موجهة نحوه وهي تمزج بين الاستنكار والذهول والإعجاب المبطن من خلفهما ! قالت بعدها بلحظات بابتسامة ساخرة وهي تعود للنظر للملابس امامها
"ربما لأنك متواجد بقسم خاص بملابس الإناث وهو غير مسموح للذكور بالتواجد به !"

نظر لها للحظات وهو يرفع حاجبيه ببطء حذر ليهمس بعدها بضيق ساخر
"تظنين نفسكِ بهذا الكلام ستأثرين على رجولتي وتطرديني من المكان ، ولكن صدقي انا لن اغادر من هنا قبل ان تنتهي من الذي اتينا من اجله ، ولا يهمني اصلا قبولهم لوجودي من عدمه فلا احد منهم يملك الجرأة على الاعتراض"

ارتفع حاجبيها بدهشة مصطنعة وهي تتأمل قماش الملابس الحريرية قائلة باستهزاء
"اهنئك على ثقتك هذه"

رفع ذراعه لأعلى رأسه وهو يحرك رأسه بعيدا بتأفف واضح محاولا تجاهل نظرات الفتيات والمسلطة نحوه بضيق لم يعد يطاق ، وما ان كان سيعاود الكلام حتى سبقته التي التفتت نحوه وهي تمسك بقطع الملابس قائلة ببرود
"لقد اخترت الملابس"

اخفض ذراعه وهو يرفع حاجبيه بوجوم ناظرا للقميص والبنطال والذين يبدوان نسخة طبق الأصل عن الذي ترتديهما الآن ، ليعقد بعدها حاجبيه بعدم رضا وهو ينتشل الملابس منها قائلا بحزم
"هذه الملابس قبيحة ولا تناسبك ابدا ، لذا سأختار انا بنفسي ما ترتدينه بما اني زوجك وادرى بمصلحتك"

انفرجت شفتيها بانشداه مصدوم وهي على وشك الاعتراض قبل ان يسبقها الذي ابتعد عنها وهو يبحث بين الملابس قبل ان تقع يديه على ثوب قصير بلون الأحمر القاني ، ليرفعه بعدها امام نظرها وهو يقول بانبهار ساخر
"انظري ما اجمله ، اراهن بأنه يناسب الفتيات المتفجرات الانوثة ، وانتِ لا تختلفين عنهم سوى بذوقك السيء مثل طبعك"

اتسعت عينيها بانذهال لبرهة قبل ان تنفض الثوب بعيدا عنها قائلة باستياء
"ابعده عني ، هل تظن بأني من الجنون لأرتدي هذه الأشياء"

اخفض الثوب بذراعه وهو يضرب رأسها بيده الحرة بخفة قائلا بابتسامة جانبية
"لا تكوني سخيفة ، فأنتِ اكيد لن ترتديه الآن ، انا اقصد بأنه سيكون رائع عندما ترتدينه بعد الزواج من اجل زوجك"

تنفست باضطراب وهي تشعر بالدماء الحارة تتدفق بعنف بكل اوردتها حتى كادت تفجر وجنتيها والتي تلونت بحمرة قانية بلحظات شبيهة بالجمرتين ، وقبل ان تخرج ألسنتها عن السيطرة تجمدت بمكانها ما ان اخرج المقابل لها قطعة ملابس اخرى كانت عبارة عن فستان طويل ناعم بلون زرقة سماوية بأكمام طويلة مطرزة بالنقوش البسيطة والمائلة قليلا للون الذهبي بسبب تداخل خيوط ذهبية بتطريزها مع حزام رفيع بلون ذهبي قاتم اضاف بريقا عليه ....

افاقت من شرودها على صوت الواقف امامها وهو يقرب الفستان منها قائلا بابتسامة مائلة بمغزى
"هذا الفستان سيكون مناسب عليكِ اكثر من الملابس العملية والتي ترتديها دائما ، وايضا متشوق جدا لرؤيتكِ ترتدينه وسيكون تغيير جميل بحياتك ان تضيفي عليها بعض الألوان"

فغرت شفتيها بأنفاس متقطعة وهي تتمتم من بينهما بوجوم
"لا لا اعتقد....."

قطعت كلامها بسبب الذي امسك بكتفيها وهو يديرها للأمام بلحظة قبل ان يدفعها باتجاه غرفة القياس ، ليدس الفستان بين يديها رغما عنها وهو يكمل دفعها باتجاه الغرفة قائلا بصرامة قاطعة
"لا وقت للكلام الآن فقد تأخرنا بما فيه الكفاية ، وإذا لم ترتديه بغضون خمس دقائق فسأرحل واترككِ مثل المشردة بهذا المتجر"

عبست ملامحها بغضب وهي تسير على مضض لداخل الغرفة قبل ان تقفل الباب من خلفها بقوة ، ارتفع حاجبيه بامتقاع من تصرفها الغير لائق والذي جذب الأنظار إليه وهو يرد لهم بالمقابل بنظرات باردة ببساطة ويشتمها بكل ما يحمله من سخط نحوها .

وبعد مرور خمس دقائق كاملة كانت تخرج اخيرا من غرفة القياس والتي جعلت انظاره ترتفع نحوها تدريجيا لينكشف له شكل الثوب والذي اختلف تماما على جسد صاحبته وهو يظهر خصرها الغض مع نعومة القماش والذي نزل بسلاسة على جسدها النحيل وهو يخفي مفاتنها باحتشام ، ليصل بالنهاية لشعرها المنثور بجنون حول وجهها الشاحب وبعض الخصلات عالقة بياقة الثوب ، ومع مقلتيها المائلة بزرقة قاتمة عكس هدوء ألوان ثوبها ليظهرها بعنفوان الفرسان بالعصور الوسطى وبرقة اميرات القصور .

حرك رأسه عدة مرات ليفيق من افكاره ما ان قالت المقابلة له بملل واضح
"ماذا حدث ؟ هل خاب سقف توقعاتك ؟"

اتسعت ابتسامته بهدوء وهو يتقدم امامها بلحظات قبل ان يمسك بيدها بقوة وهو يتمتم بصوت اجش واثق
"بل قد تجاوزتِ ذلك السقف يا ألماسة"

ارتفع حاجبيها بوجوم قبل ان تشيح بوجهها بدون ان يلمح ابتسامتها الخفية والتي ظهرت على طرف شفتيها الحمراوين بشحوب .

وقف كليهما امام طاولة الحساب وهو يضع ثمن الثوب الآخر الاحمر والذي اصر على شرائه مع ثمن الثوب الذي ترتديه الآن ، اشاحت بوجهها للجانب الآخر وهي تشعر بغمامة تحتل مرأى نظرها لوهلة شتت افكارها وهي تزيد ارتجاف اطراف جسدها والذي تحول لانتفاضات عنيفة وتشنجات قبضت على انفاسها ، وما هي ألا ثواني حتى شعرت بجسدها وهو يهوي ارضا بدون ان تجد اي مقدرة للمقاومة اكثر وكل ما وجدته لتتمسك به هو ذراع الواقف بجانبها وهي تتشبث بها بكل استماتة متبقية بجسدها الضعيف .

انتفض وهو يدير رأسه بسرعة ما ان شعر بيدين تتشبثان بذراعه حتى اخترقت اظافرهما لحم ذراعه ! وبلمح البصر كان ينحني للجسد الجالس بجانبه وهو ما يزال يتمسك بذراعه ليرفعه بلحظة بذراعيه عاليا قبل ان يجلسه على الكرسي والذي احضره احد العمال بالمتجر والجميع قد بدأ بالتجمع من حولهما بلحظات معدودة .

جلس امامها وهو يجثو على ركبتيه ليرفع كأس الماء باضطراب والذي احضره عامل آخر وهو يرشق الماء بيده امام وجهها قائلا بانفعال حاد
"ماسة استيقظي ! هيا يا مجنونة استيقظي......"

توقف عن رشق الماء ما ان بدأت بالرمش بعينيها عدة مرات بتشوش قبل ان تتسع عينيها على استدارتهما بلحظات ، لتحدق بعدها بوجهه القريب منها بإنهاك وهي تهمس بضيق متعب ما يزال يأسرها بغمامته
"ما لذي تفعله !"

زفر انفاسه بلهاث متعب وهو يريح مرفقيه على ذراعيّ الكرسي وكأنه كان يخوض بسباق طويل خرج منه للتو ، ليمسك بعدها بجانب وجهها وهو يقبل صفحة جبينها لا شعوريا قبل ان يتمتم فوقها ببحة شرسة
"سحقا لكِ يا ماسة"

تغضن جبينها بعدم استيعاب بدون ان تتجرأ على الكلام بعد كل ما حدث معها للآن وهي تلمح النظرات المتحلقة من حولهما والتي ازدادت مع قبلته على جبينها وكأنهما قد اصبحا عرض مفتوح لمشهد عاطفي لا يحدث كل يوم ، وهو ما دفعها للهمس بوجل وكل عضلة بجسدها تنتفض بذعر
"ابتعد يا شادي ، فهذا محرج"

تنفس امام جبينها بسخونة اشعلتها بمكانها اكثر عن السابق وروحها تتقد بنيران جديدة ، ليهمس بعدها بلحظة بخفوت اجش
"ما اجملكِ يا ألماستي"

عضت على طرف ابتسامتها بانفعال مستعر وهي لا تجد ما تقوله بعد تلك العبارة والتي اودت بقلبها للتخبط بنيران ملتهبة دبت بأنحاء جسدها بغير هوادة وكأنها تجلس على ألسنة من لهب مشاعرها ! لتدب الحياة فجأة بداخل جسدها الضعيف بلحظات بعد الخمول والتعب والذي احاط به قبل دقيقة فقط لينقله من السكون التام للاشتعال بأقصى درجاته .

وقف (شادي) بعدها بلحظات طويلة ليقطع استرسال المشاعر وهو يمد ذراعه لها بصمت ، لتتمسك بعدها بلحظات بذراعه بيديها بقوة قبل ان تدفعها للوقوف على قدميها باتزان وهي تضع كامل ثقلها عليها .

التفت بعدها للذي كان يقدم له الكيس والذي يحوي الثوب وهو يقول بتهذيب
"هل كل شيء على ما يرام ؟ وهل زوجتك بخير الآن ؟"

اومأ برأسه ببساطة وهو يتناول الكيس منه قائلا بابتسامة جانبية بثقة
"كل شيء بخير ، وشكرا جزيلا على اهتمامكم"

احاط بعدها كتفيها بذراعه وهو يقودها لخارج المتجر وبعيدا عن تلك النظرات والتي بدأت تنحصر بعيدا عنهما تدريجيا ، وكم شعرت بالراحة ما ان اصبحت بعيدة عنهم ولم تعد محط انظارهم والتي مقتتها كثيرا بحياتها ولأول مرة تشعر بالانتشاء من تلك النظرات والتي تغيرت كلياً عن السابق.... وتحديدا منذ مشهد تلك القبلة .

نهاية الفصل وبانتظار تفاعلكم وآرائكم بفارغ الصبر 🌹🌹


روز علي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس