عرض مشاركة واحدة
قديم 04-09-21, 09:25 PM   #143

روز علي
 
الصورة الرمزية روز علي

? العضوٌ??? » 478593
?  التسِجيلٌ » Sep 2020
? مشَارَ?اتْي » 711
?  نُقآطِيْ » روز علي is on a distinguished road
افتراضي

كانت تأن بصوت مسموع وهو يرتفع تدريجيا مع خفقات صدرها المتخبطة بتقافز مثل ارنب مذعور ، وقد تغضنت تقاسيم وجهها بضيق واضح مع العرق والذي كان يتصبب فوق اغلب ملامحها ، وجسدها مشدود بأقصى انقباض وكأنها على وشك الاختناق ولا سبيل للنجاة بينما قبضتيها تتشبثان لا إراديا بملاءة السرير بجانبيها بكل قوة ، وماهي ألا لحظات فقط حتى انتفض الجسد المشدود جالسا بمكانه بقوة وصاحبته تتنفس بشهيق وزفير حاد بعنف وهي تشعر بقلبها يكاد يقفز من مكانه من شدة نبضاته .

رفعت بعدها يديها وهي تمسح على خديها بقوة مبعدة خصلات شعرها الحريرية لخلف اذنيها بصمت ، لتلعق بعدها طرف شفتيها بتشنج ما يزال يحتل اطرافها وهي تشعر بخفوت ضرب خفقات قلبها لصدرها وهي تعود لسكونها الطبيعي بلحظات .

اخذت عدة انفاس بحذر وهي تتنقل بنظرها بالغرفة بارتباك متوجس ، لتخفض بعدها نظراتها لقميص بيجامتها القطنية والتي التصقت بجسدها بتعرق لم يحدث معها من قبل وخاصة ببرودة الغرفة المتواجدة بها والتي تستطيع تجميد محتويات الثلاجة !

همست بعدها وهي ترفع نظراتها العسلية بوجوم حزين
"كيف حدث معي هذا ؟ ومن اين اتيت تلك الكوابيس !"

زفرت انفاسها بهدوء لبرهة وهي تمسد على جانب ذراعها برفق ، لتلتفت من فورها باتجاه النافذة ما ان سمعت صوت احتكاك احدهم بزجاجها مخترقا هالة السكون والتي تحوم من حولها بصوت مزعج ، لتتنفس بعدها براحة ما ان اكتشفت وجود نفس القطة والتي قدمت لها الطعام من قبل وهي تزورها كل ليلة بغرفتها بدون ان تعلم سبب اصرارها على المجيئ إلى نافذتها تحديدا بكل ليلة ؟

افاقت من شرودها ما ان عادت القطة لإصدار تلك الضوضاء باحتكاك اظافرها بزجاج النافذة وكأنها تطلب منها الإذن بالدخول ، وبدون ان تشعر بنفسها كانت تبتسم برقة تفتحت معها ملامحها بابتهاج وهي تنهض عن سريرها بلحظة قبل ان تتجه من فورها للنافذة بهدوء ، لتفتح بعدها نصف زجاجها والجهة المقابلة لها قبل ان تتناول طبق الطعام من المنضدة بجانبها لتضعه امام القطة والتي بدأت بالهجوم على الطعام بشهية دائما ما تقابلها بها وكأنها لم تتناول الطعام منذ سنوات !

كتفت ذراعيها امام صدرها وهي تسند جانب كتفها على إطار النافذة ونسمات الهواء الباردة تتلاعب بخصلات شعرها البنية والتي كانت تتقلب بشقرة فاتحة مع ضوء القمر المنير بالسماء ، وابتسامة حالمة عادت لتعتلي محياها بجمال القمر المستدير وهي تحوم بخيالاتها البعيدة عن واقعها .

حادت بنظراتها بريبة باتجاه حديقة المنزل والتي كان يظهر منها خيال واضح لأحدهم بدون ان تتبين هويته ؟ لتعقد بعدها حاجبيها بقلق وهي تفكر بالذي سيتجرأ على الدخول للحديقة بهذا الوقت المتأخر من الليل ؟ ألا إذا كان مشرد يبحث عن مأوى بهذا الجو البارد !

عزمت امرها وهي تستدير لتتجه مباشرة لخارج الغرفة بأكملها بلحظات ، تجاوزت بعدها البهو الواسع وهي تسير على اطراف اصابعها بصمت قبل ان تصل لباب المنزل .

خرجت بخطوات بدأت بالتباطء تدريجيا قبل ان تقف بمنتصف الحديقة بتجمد شل حركتها للحظات ، وهي تلمح الواقف امامها يستند بسياج الحديقة ودخان السيجارة يحوم من حوله وهو ينفث بسيجارته والتي كان يلوح بها بين اصابعه بلا مبالاة وملامحه لا تعبر عن شيء سوى عن البرود المنتشر بالمكان !

ابتلعت ريقها برهبة وهي تهمس بابتسامة مرتبكة
"هل هذا انت يا جواد ؟"

عضت على طرف شفتيها بألم من غباء سؤالها ، ليجيب بعدها بلحظات من فقدت الأمل بالإجابة منه وهو يقول بهدوء بالغ
"لما ما تزالين مستيقظة ؟ وكيف تخرجين من المنزل وحدكِ بهذا الوقت !"

ضمت قبضتيها معا بارتباك وهي تخفض نظراتها لشتلات الأعشاب الندية تحت قدميها العاريتين قبل ان تهمس بخفوت شديد
"لقد ايقظني كابوس ازعج منامي وقد كان......"

قاطعها بجفاء وهو يتابع نفث دخان السيجارة بقوة
"لم اسألكِ عن الكابوس ، بل عن سبب خروجكِ من المنزل بهذا الوقت ؟"

شددت من القبض على يديها تلقائياً متناسية ألمها والذي كان يغور بروحها وهي تهمس بتصلب باهت
"لقد كنت اريد استكشاف هوية الموجود بالحديقة فقد لمحت ظل احدهم من نافذة غرفتي ، لذا اردت معرفة الموجود هناك"

اومأ برأسه بشرود لوهلة قبل ان يهمس بحدة وبدون ان يوجه لها اي نظرة
"إياكِ واعادتها مجددا يا صفاء ، لأني إذا عرفت ولو بالصدفة بأنكِ قد خرجتِ بمنتصف الليل لمحاولة نبش فضولك الأحمق ! فأنا عندها لن اتهاون معكِ وتوقعي مني اي عقاب لكي تتعلمي كبح فضولك مرة اخرى"

تشنجت ملامحها بصمت وهي تتلوى بمكانها حتى شعرت بأصابع قدميها تحفران بتربة الحديقة بقوة بدون ان تمنع نفسها من التفكير بسوء فعلتها والتي لا تقارن بسوء اسلوبه معها والذي لا يتحمله بشر ؟ وهو يحاول زيادة جبروته عليها وإحاطة حياتها بكل انواع التحكم والعبودية ، لا لشيء سوى لأثبات قوته عليها وكرهاً لهذا الرباط المؤقت وهو يدمر بقايا احلام تمزقت على اعتاب هذه الحياة !

رفعت عينيها العسليتين بدموع حبيسة وهي تشاهد الساكن بمكانه والذي ما يزال ينفث بدخان سيجارته بلا مبالاة وهو لا يعيرها اي انتباه بعد ان غرز قسوته بداخلها مغلف بتهديده البارد الأخير ، وهي لا تعلم ايهما اشد برودا ذلك الساكن ام الهواء البارد من حولهما ؟

تراجعت بخطواتها ببطء وهي تنوي الرحيل قبل ان يكمل بث سمومه بزوايا روحها المنتفضة ، وهي ترى بأن العيش بذلك الكابوس افضل بكثير من مواجهته واقع متجسد امامها !

تصلبت بمكانها بتسمر ما ان خطت خطوتين بعيدا عنه وهو يقول من خلفها بقوة قصفت ظهرها من الخلف
"توقفي !"

عضت على طرف شفتيها بوجل وهي تدور بمقلتيها بالمكان بقلق منتظرة مصيرها الحالك مع قسوته وما سيتبع كلامه الآن ! ليحدث عكس ما توقعته وهو يكمل كلامه بحدة اخفت
"انتبهي ! لقد كدتِ تدوسين على الزهرة تحت قدميكِ"

انفرجت شفتيها بارتعاش مشدوه وهي تخفض نظراتها بحذر للزهرة المزروعة امامها لا تبعد عنها سوى خطوتين بدون ان تنتبه لوجودها الغريب والبعيد عن مجموعة الأزهار الأخرى ؟ وقبل ان تفيق من هول الصدمة عاد للكلام الذي تحرك قليلا بعيدا عن الجدار بجمود
"هذه الزهرة اختارت ان تنبت بغير مكانها ، ولم تعلم بأن هناك اقدام ستدوس عليها بسبب موقعها الخاطئ بدون ان تقترف اي ذنب سوى بأنها حاولت النمو بمكان مختلف وجديد ، ولكن لا احد قدر محاولتها وهي تقابل بالرفض"

حركت رأسها لوهلة بعدم فهم مشوش باتجاه الذي وقف بجانبها تماما ! ليلقي بعدها بالسيجارة ارضا وهو يدوس عليها بقوة امام انظارها المهتزة ، ليتابع كلامه بلحظة بقسوة زادت مع صلابة ملامحه بظلمة المكان من حولهما
"الجميع كانوا يلومونها لأنها اختارت هذا المكان متناسيين المذنبون الحقيقيون والذين داسوا عليها بدون رحمة وهمّ يدعون البراءة وعدم رؤيتها ! ولم يفكر احد بتلك الزهرة الصغيرة والتي ماتت بمحيط قاسي لا يفكر سوى بمصلحة نفسه فقط"

كانت تراقب بانشداه مصدوم للذي توقف عن الكلام بتصلب وهو يتنفس بكبت ، ليسير بعدها بلحظات باتجاه باب المنزل وبعيدا عنها وبدون ان يضيف اي كلمة اخرى ، وهو يتجاهل وجود تلك المتخبطة بأفكارها والتي ألقاها بدوامتها من جديد وبصراع شبيه بذلك الكابوس والذي ما يزال يلاحق مخيلتها بصوت نداء احدهم يستنجد بها بدون ان تستطيع مساعدته ولا مساعدة نفسها ! فما معنى هذا ؟

_________________________________
تشنجت ملامحها لوهلة قبل ان تنتفض من نومها فجأة شاهقة بارتجاف سرى بكل إنحاء جسدها بثواني وهي تحدق باتساع عينيها بالسقف المظلم من فوقها بصمت تام ، لترتخي بعدها بلحظات اطرافها ببطء قبل ان تستكين براحة وقد هدئ القليل من تخبطات نبضات قلبها مع انقباض روحها والذي خفت عن السابق ليعود عندها لوضعه الطبيعي .

مرت لحظات اخرى وهي ما تزال على سكونها وعينيها ساهمتين بلا شيء ، لترفع بعدها كفها وهي تمسح بها على وجنتيها الدامعتين وهي لا تعلم متى نزلت دموعها بالضبط ؟ قبل ان تحاول النهوض بضعف ما يزال تأثيره على عضلات جسدها الهشة مثل جرعة سامة تحتاج لأيام ليختفي مفعولها عن جنبات روحها بدون ان يزول بقايا آثارها والتي ستلازم حياتها للأيام قادمة .

استندت بذراعيها وهي تحاول الجلوس بصعوبة لتتسمر لوهلة بمكانها ما ان وقعت الكمادة عن جبينها والتي لم تنتبه لوجودها ! لترفع بعدها يدها بحذر وهي تلتقط الكمادة الباردة والتي كانت تحافظ على اعتدال حرارتها ، قبل ان تحيد بنظراتها جانبا لتتسع عندها عينيها بصدمة ما ان وقعت على النائمة بجانبها بنصف استلقاء وهي تريح رأسها لظهر السرير بسبات تام ، ويحط بجانبها وعاء من الماء المثلج والذي سيكون السبب ببرودة الكمادة وهو الذي تستخدمه بوضع الكمادة بداخل الوعاء كل خمس دقائق لتخفض من حرارتها وتبقى على جبينها باردة لتناقض حرارة جسدها المرتفعة .

تنهدت بهدوء وهي تستند جالسة بظهر السرير بتعب ، لتتأمل بعدها الكمادة بيدها وذاكرتها تعود لتلك الحادثة ولنفس الموقف والذي تعايشه الآن عندما اصيبت بتلك الحرارة اللعينة والتي ادت لفقدانها النطق لأيام ، لتلازمها (روميساء) ليل نهار لتأمن احتياجاتها وتخفض حرارتها وهي تضطر لترك عملها بمحل البقالة والدراسة لأيام معدودة ، وحتى انها ما تزال تذكر اعتراض زوج والدتها للأمر وهي ترجوه بكل ما تستطيع من توسل وشفقة على حالهما والذي دائما ما ينحدر للأسوء
"ارجوك يا عمي قيس اتركني اساعد ماسة فهي الآن بحاجة شديدة لمن يلازمها ويساعدها بكل احتياجاتها ، فقط فترة قصيرة من الزمن وبعدها اعود للعمل ، واعدك بأن اعوض غيابي عن العمل بأضعاف جهدي....."

قاطعها بنبرة صلبة بدون ان يهتز لنبرتها المتوسلة
"هل جننتِ يا روميساء ! تريدين ترك العمل لملازمة تلك الخرساء فهي بالنهاية لم تصاب بالعجز او بالكسر سوى بفقدان صوتها المزعج ، وهذا لا يشكل عندي اي فارق لكي تتوقفي عن العمل ، ولا تنسي بأن سكنكما عندي له ثمن فهذا ليس فندقا لترتاحا به بالوقت الذي تشاءان ، وعليكما دفعه مضاعفا مع كل مستلزمات الحياة والتي اوفرها لكما بسخاء"

ارتجف صوتها اكثر وهي تتمسك بساقه بتشبث بعد ان جثت امامه على ركبتيها هامسة بنحيب ورجاء
"اتوسل لك يا عمي قيس ، ان تسمح لي بالبقاء مع ماسة بهذه الفترة بالذات فقط ، واعدك بأن ارد لك ثمنها مضاعفة"

انتفض متراجعا للخلف بعيدا عنها وهو يقول بجفاء حاد بعد ان ألقى نظرة كارهة باتجاه الجالسة بالسرير بدون ان يكون بمقدورها قول شيء مما يحدث امامها بعد ان خسرت الحق حتى بالكلام مع صوتها
"حسنا توقفي عن النحيب ، سأعطيكِ مهلة يومين فقط مع شقيقتك الخرساء ، واكثر من هذا لن استطيع ان اقدم لكِ ، فأنا لست جمعية خيرية اعطف على الضعفاء امثالكما"

شددت على الكمادة بقبضتها بعد ان خرجت من دوامة ذكرياتها الكئيبة والتي تظهر كم خسرت الكثير بظل الحياة القاسية والتي لم تبقي لها سوى هذا القلب والذي ما يزال ينبض بداخلها بحياة وضراوة ورفضا لما تعايشه .

ألقت بالكمادة بعيدا بطول ذراعها بدون ان تتبين إلى اي وجهة وصلت بظلام الغرفة الحالك ؟ لتنهض بعدها بعيدا عن الفراش قبل ان تلتف حوله بلحظات ، لتصل امام النائمة بسبات عميق بدون ان تشعر بنفسها وهي فقط تفكر بصحة تلك الطفلة والتي ارغمت على الاعتناء بها منذ طفولتها رغم صغر سنها ووجود الوالدين آن ذاك بعيدا عن التفكير بصحتها هي .

امسكت بأطراف اللحاف وهي تغطي به الجزء السفلي من جسدها حتى وصل لمنتصف صدرها ، لتتراجع بعدها بعيدا عنها بثواني قبل ان تستدير وهي تغادر لخارج الغرفة بأكملها .

سارت بأروقة الممرات بخطوات بطيئة بتمهل قبل ان تتوقف بتعب عاد ليهد مقاومتها المستميتة رافضة تأثير المرض عليها ، لتتقدم عندها باتجاه حاجز السلم بهدوء قبل ان تجلس عنده وهي تضم قماش الفستان والذي ما تزال ترتديه بذراعيها بتشنج غزى اطرافها بلحظة ، رفعت يدها وهي تمسح على جبينها والذي عاد للتعرق لا إراديا بحرارة شلت حركتها .

اسندت ذقنها على ركبتها بسكون تام والظلام من حولها يشاركها صمتها بدون اي كلام او ضوضاء برسالة لا يفهمها سوى من تعايش مع الصمت المظلم منذ سنوات حتى اصبح جزء من هذا العالم الكئيب والذي تحياه ، لتسيل بعدها بلحظة دموعها تسابق الأخرى على وجنتيها بصمت موجع حد الألم بدون ان يعلم احد عن الصراع الصامت والذي تعايشه كل يوم بهوة روحها تجاوزت معاناة البكم بأضعاف ؟ فهي تختلف عنهم بصمتها الإرادي والذي يتحكم به الجميع بينما البكم يعانون من الصمت بدون إرادة منهم وبدون تدخل احد بمصيرهم المحتوم .

تشنجت اطرافها بانتفاض وهي تشعر بخطوات متجهة نحوها بثبات صامت ، لتقف بعدها امامها تماما للحظات اخرى قبل ان ينطق الصوت الهادئ ببرود المكان
"ليس من الجيد الجلوس هنا وحدك ، وخاصة بحالتكِ الحالية"

عقدت حاجبيها بارتباك بدون ان ترفع رأسها لصاحب الصوت والذي تعرفه جيدا وحفظت كل نبرات صوته والتي تتميز بالبرود المتسلي مهما زاد سوء الوضع من حوله ، ليتابع بعدها كلامه وهو ينحني قليلا بجذعه ليصل لمستواها هامسا امام رأسها بصوت اجش جاد
"اعتقد بأنكِ لن تعيري وجودي انتباها ! ولكني لن اقابلكِ بالمثل واحقق رغبتك بالانفراد لوحدك"

تصلبت شفتيها بكبت لوهلة بدون كلام وهي تشعر بأنفاسه تضرب خصلاتها المبعثرة امام جبينها ببرود الهواء من حولهما ، لتشعر بعدها بيده وهو يتلمس على جبينها بصمت للحظة قبل ان يمسك بذراعها وهو يوقفها معه برفق .

وقفت على قدميها بتعب ما ان شدد على ذراعها وهو يسحبها معه باتجاه الممر بدون ان تنتبه لمسار سيره بظلام المكان ، لترفع بعدها عينيها لوهلة باهتزاز وهي تراقب الذي توقف امام غرفة وهو يفتح بابها امامها ليسحبها من فوره للداخل .

تسمرت بمكانها بتصلب وهي تحاول تحرير ذراعها منه بضعف قبل ان يسحبها بقوة اكبر للداخل وهو يقول بخشونة
"لا تقلقي يا زوجتي المجنونة ، ستكونين بخير فأنتِ معي"

ارتفع حاجبيها السوداوين بعدم استيعاب للحظة ولا تعلم لما بعث كلامه الراحة بأطرافها المتشنجة بانتفاض بغريزتها الطبيعية ؟

تابع سحبها معه حتى وصل بها للسرير ليجلسها عليه بلحظة قبل ان يستقيم ليتجه لزاوية محددة بالغرفة ، بينما رفعت الساكنة بمكانها نظراتها بزوايا الغرفة الواسعة والتي وصلت لها وهي اكبر من غرفتها السابقة ومن جناح شقيقتها وقد تكون اكبر الغرف بهذا المنزل وهي تضم نفس ألوان ذاك المنزل الريفي بين الأبيض والأخضر وهي تحتار عن سبب إعجابه بهذه الألوان تحديدا ؟!

رفعت يدها وهي تمسح الدموع عن خديها المحتقنين بحرارة معيدة خصلات شعرها لخلف اذنيها بشرود ، لتشعر بعدها بلحظة ببرودة بدأت تحوم بالأجواء من حولها وهي تتخلل اطرافها بضيق ، قبل ان تحيد بنظراتها للذي كان يرفع جهاز التحكم وهو يوجهه نحو المكيف المعلق بزاوية جدار الغرفة ، ليقول بعدها وهو يخفض الجهاز بابتسامة جانبية بغموض
"هذا الهواء البارد سيفي بالغرض ، لكي يخفف القليل من حرارة جسدك والتي ليس من الجيد ان ترتفع عن حدها"

تصلبت ملامحها لوهلة وهي تكتف ذراعيها فوق صدرها بارتجاف احتل كل إنحاء جسدها بلحظة ، لتتنفس عندها بحرارة متناقضة عن الهواء البارد وهي تهمس بخفوت مرتجف
"هذا جنون ! من الذي يستخدم المكيف البارد بهذا الفصل من الشتاء ؟"

التفت نحوها بلحظة وهو يبتسم بطرافة قائلا ببساطة بالغة
"احيانا استخدمه عندما ألعب الرياضة بداخل الغرفة لفترة طويلة ، وعندها يكون جسدي بأقصى درجات حرارته واضطر عندها لتشغيله لأبرد الأجواء قليلا بالغرفة"

فغرت شفتيها بارتعاش وهي ترفع حاجبيها بآن واحد هامسة بتفكير مضطرب
"هل تعلم بأن هذا مضر بالصحة ؟ ولا يجوز ان ينتقل جسدك من الساخن للبارد ! فقد يؤثر عليك سلبا"

تقدم باتجاهها عدة خطوات قبل ان يجلس بجانبها على طرف السرير بخفة ليلوح بجهاز التحكم امام وجهها وهو يقول بابتسامة باردة بلا مبالاة
"اعلم هذا جيدا ، ولكنني احب تجربة المخاطرة ومدى مصداقية هذه الحكاية واهوى اللعب على اعصاب عائلتي ، فأنا اجدها متعة خاصة وتسلية بأوقات فراغي"

تغضن جبينها بحيرة واجمة من منطقية تفكيره الغريبة ؟ لتلتقط بعدها الجهاز من يده بلمح البصر قبل ان ترفعه امام المكيف وهي تخفض درجة برودته لمعدل معتدل ومقبول .

بينما كان يراقبها الجالس بجانبها وهو يلمح خديها المحتقنين بالدماء بسبب تأثير الحمى عليهما وهو يهمس بابتسامة هادئة بمغزى
"تبدين رائعة اليوم ! وخاصة بعينيكِ الزرقاوين السماويين والذي لم ارى بجمال وغرابة لونهما من قبل"

اخفضت جهاز التحكم بتصلب قبل ان تضعه جانبا وهي تخفض نظرها للأسفل بصمت مريب ، ليقول بعدها بهدوء وهو يبعد نظره للأمام بابتسامة باردة
"عينيكِ جميلتين بلونهما الطبيعي ، ولا ارى داعي لوجود تلك العدسات والتي تفسد جمال لونهما ! ألا إذا كنتِ تعانين بمشاكل بالنظر ؟"

زمت شفتيها بوجوم وهي تضم يديها معا عند حجرها بقوة وانفاسها تخرج ملتهبة بنيران تعتصر فؤادها ، لتهمس بعدها بلحظات بابتسامة بخفوت بدون اي حياة
"لقد كنت اعاني بقصر طفيف بنظري بوقت اختبارات الثانوية ، لذا قررت شراء عدسات خاصة تساعدني على الرؤية بوضوح ، ولكنها بالحقيقة ليست السبب الرئيسي لكي اضع العدسات على الدوام !"

ابتلعت ريقها بانتفاض للحظات ما ان انهت كلامها ، ليقول بجانبها بضيق واضح بعد ان فقد صبره بانتظار تكملة كلامها
"حسنا إذاً ! وما هو السبب والذي يجعلكِ تضعينها على الدوام وهي تسبب لكِ آثار جانبية وتدفق بالدموع ؟"

امتعضت ملامحها بلحظات وهي تستعيد عنفوان روحها ، لتلتفت نحوه بسرعة قائلة بخفوت شرس
"وما دخلك انت بهذا الأمر ؟ وإذا وضعت العدسات ام لا ! فهذا ليس من شأنك"

ارتفع حاجبيه بخفة للحظات قبل ان يتسمر بمكانه وهو يدور بعينيه بتمهل للمرة الثانية على حدقتيها الزرقاوين الباهتتين والتي لفتت انتباهه من قبل لتذكره بشيء بعيد كان قد غفل عنه ! بينما عقدت الاخرى حاجبيها بحيرة من تجمده قبل ان تنتفض لا شعوريا بوجل ما ان تمسك بكتفيها بقوة بعثت الرهبة بداخلها ، وهو يقرب وجهه امامها ببطء هامسا بلحظة بابتسامة جانبية بمغزى
"انتِ هي إذاً الفتاة المجنونة ! وانا دائما كنت اقول اين رأيت تلك العينين ؟"

تشنجت بمكانها وهي تهمس بعدم فهم
"ماذا تقصد ؟"

عض على طرف شفتيه وهو يهمس من بين اسنانه بشراسة مريبة
"هل نسيتِ يا مجنونة تقريبا كان قبل ست سنوات ! ذلك الفتى القصير ذو القبعة الرجالية والذي اصطدم بي عند ساحة شركة العمارة ، وما ان حاولت مساعدته حتى دفعني بقوة وجرى بعيدا عني بدون ان يتكلم بشيء ولكني استطعت ان المح لون عينيه السماويين وهو يتنكر بهيئة صبي صغير ، كيف نسيت تلك الذكريات ؟"

لم ينتبه لأنفاسها والتي ازدادت حدة وهي تميل بعينيها للأسفل بارتباك بذات الوقت مع انقباض احتل اطرافها لوهلة ، ما ان ضرب كلامه بعقلها بذكرى لتلك الفتاة والتي لم تتجاوز عمر الرابعة عشرة وهي تضطر لتأخذ من بين ادوار كثيرة شخصية اخرى عن مجرمة صغيرة تلعب دور قناص الحواسيب ومخترقة الأجهزة الحديثة للوصول لمعلومات تفيد اعمال زعمائها من مركز الحدث والمتعلقة بصفقات خطيرة قد تؤثر على منحى حياة الكثيرين .

عادت بنظرها نحوه وهي تهمس بارتجاف لا إرادي
"لا اعلم عن ماذا تتكلم !"

شدد اكثر على كتفيها بدون السماح لها بالفرار وهو يهمس بتشديد متصلب
"ماذا كنتِ تفعلين بتلك الشركة يا ماسة ؟ ولما التنكر !"

زفرت انفاسها بحرارة ضربت وجهه القريب منها وهي تحاول التملص منه بشراسة عادت للتربص بروحها بانتفاض عنيف ، ليقبض اكثر على كتفيها بيديه حتى شعرت بصوت طرقعة عظام كتفيها وهو يهمس بقوة حادة تغيرت معها نبرة صوته الباردة
"تكلمي يا ماسة ولا تحاولي المراوغة ؟"

عضت على طرف شفتيها بانفعال تلون معها وجهها المحتقن بلحظات بالدماء وبعض الدموع بدأت بالبروز بأطراف عينيها السماويتين بحرارة ملتهبة وهو يشعر بها شعلة متقدة على وشك الفوران بأية لحظة ، ليتنهد بعدها بكبت وهو يشفق على حالها والضعف ينضح بملامح وجهها الشاحبة ليعبث المرض بروحها ويغير كل تفاصيل ملامحها الحجرية .

اقترب بلحظة من جانب خدها وهو يهمس بخفوت اجش
"لا بأس يا ألماستي ، اريحي نفسكِ ولا داعي لكل هذا الغضب والذي لا يليق بكِ ، فأنا دائما موجود بجانبكِ لأخفف عنكِ"

زفرت انفاسها باضطراب وهي تشعر بقبلته الصامتة على خدها المحتقن بحرارة بعثت بأوصالها لوهلة ، وهو يبتعد ببطء عن جانب خدها ليصل بلحظات لشفتيها الحمراوين وهو يقبلهما بهدوء عميق وبسلاسة ارتعشت معها كل اطرافها ، بدون ان تشعر بيديها المنقبضتين على ملاءة السرير بقوة وهي تستقبل قبلاته المتتالية وبتقطع انفاسهما براحة فريدة لا تستطيع سوى الذوبان بها مع حرارتها والتي اندمجت بين انفاسهما لتتشارك بجسديهما معا وهو يرتشف كل ذرة تعب متبقية بداخلها من تأثير مرضها اللعين .

انتفضت لا إراديا ما ان ضغطت بمرفقها على جهاز التحكم للمكيف لتتغير من فورها اجواء الغرفة الساخنة بحرارة اللحظات الحميمية بأخرى باردة ارسلها هواء المكيف بدون ان ينتبه كليهما لما وصلت بهما ضراوة مشاعرهما .

ابتعد من فوره الذي استقام بجلوسه وهو يتخلل مؤخرة عنقه بقوة وبصدمة ضعف مشاعره المجنونة امامها ! لتحين منه التفاتة بنظراته بهدوء للتي عادت للجلوس بصمت وهي تحاول تزرير ياقة ثوبها بارتجاف مفرط طغى على اناملها البيضاء .

ادار عينيه بعيدا عنها وهو يهمس بابتسامة صغيرة بثقة
"لا تقلقي يا ماسة ، فلن يحدث اي شيء بيننا قبل ان يتم زواجنا رسميا وامام العالم"

رفعت نظراتها الزرقاء باتساع لبرهة قبل ان تهمس بتعب وهي تقف عن السرير بهدوء
"اشعر بالتعب ، لذا سأعود للنوم بغرفتي"

ولكن ما ان خطت خطوة بعيدا عنه بحذر حتى شعرت بيده وهي تمسك بأطراف اصابعها قبل ان يحيطها بأصابعه الطويلة قائلا بقوة جادة يتخللها القلق
"ماسة ، كوني بخير لأننا بالفترة القادمة سننشغل كثيرا بأمور زفافنا المنتظر ، وانا اريد ان تكوني بأقصى استعدادك من اجل حياتنا القادمة"

اومأت برأسها بشرود وهي تهمس بلا حياة
"سأحاول ذلك"

اتسعت ابتسامته بهدوء وهو يترك اصابعها ببطء بعث الرعشة بكل فقرات ظهرها ، لتضم بعدها كفها بقبضتها الأخرى وهي تكمل سيرها بخطوات زادت سرعتها لخارج الغرفة بأكملها وبصمت عاد ليحتل حياتها من جديد ....

______________________________
وقفت امام المرآة بجمود وهي شاردة بهيئتها بصمت بعد ان استحمت بالصباح الباكر وعاد لها جزء من نشاطها بالرغم من انها ما تزال تشعر ببعض الصداع والخمول وهو ينتابها برأسها بين الحين والآخر ، ولكن لن يوقفها بعض الألم ويكون حائل بين الخروج من حالة العجز والتي اسرت جسدها وعودتها لحياتها الطبيعية والمعتادة عليها ، فكل شيء عليه ان يعود لمساره الصحيح بحياتها مهما ابتعدت عنه فعليها العودة لذلك الدرب من جديد .

ضيقت عينيها للحظات بقتامة وهي تراقب زرقة عينيها الداكنة بحدة غزت ملامحها لوهلة ، لتتابع بعدها مسار نظراتها ببطء ليدها والتي كانت تتلاعب اصابعها بأزرار قميصها اللؤلؤية بشرود وهو يعلوها سترة جينز بلون زرقة داكنة ، قبل ان تصل بالنهاية لعقدة شعرها المستديرة فوق رأسها محتجزة الخصلات بتلك الكتلة المعقودة بإحكام لكي لا يتحرر شيء منها ، وهي تظهر بذات الوقت استدارة وجهها بوضوح وبهوت ملامحها بدون ان تخفي لمحة الجمود والتي تطغى عليها لكي لا تعطي اي مجال للضعف بالظهور على محياها .

تنهدت بهدوء وقد حانت منها التفاتة جانبا نحو التي بدأت تتحرك بمكانها بتأوه ما ان افاقت من نومها وهي تمسد على جانب عنقها بتشنج واضح ، لترفع بعدها بلحظات نظراتها باتجاهها بصمت مريب قبل ان تهمس بخفوت حائر بعينيها الخضراوين النصف مغلقتين
"ماسة متى استيقظتِ ؟......"

توقفت عن الكلام فجأة وهي تخفض يدها ما ان تمعنت بالنظر لوهلة بهيئة الواقفة امامها والتي تظهر نيتها على الخروج ! لتنتفض بعدها بلحظة واقفة بتصلب وهي تقول بعبوس صارم غير مصدق
"ماسة هل ستخرجين الآن حقا ؟ وبحالتكِ المرضية هذه ! ألا تفكرين بصحتكِ ولو قليلا !......"

استدارت نحوها وهي تلوح بذراعها جانبا قائلة بخفوت مشتد
"لا داعي لكل هذا القلق المفرط يا روميساء ، فأنا بخير وكل ما مررت به اعراض من تغير الجو على جسدي وقد اختفت الآن الاعراض تماما واصبحت بأفضل حال ، لذا ارتاحي واطمئني من هذه الناحية"

عقدت حاجبيها بعدم اقتناع وهي تكتف ذراعيها فوق صدرها هامسة بحزم
"وما هو الشيء الضروري جدا والذي سيدفعك لتخرجي من المنزل بالصباح الباكر مع العلم بأنه ليس لديكِ جامعة اليوم ؟ وبدون حتى ان تعطي اعتبار لحالتكِ وما اصبحت عليه حياتك وبأنكِ خطيبة فرد من هذه العائلة ولا لشيء آخر !"

امتعضت ملامحها وهي تتأفف بنفاذ صبر لتلوح بيديها وهي تهمس بلا مبالاة
"ألن نتوقف عن هذه التحقيقات المملة ! فأنا اكيد لن اذهب لأسافر بعيدا عنكم او ان اقتل نفسي بحادثة دهس سيارة ، فقط اريد الخروج من المنزل والانفراد بحياتي قليلا"

تغضن جبينها بريبة للحظات قبل ان تتنفس بهدوء عدة مرات ، لتقطع بعدها الفاصل بينهما بلحظة وهي تمسك بكتفيها بقوة هامسة بخفوت باهت
"لا تخيفيني عليكِ اكثر من هذا يا ماسة ، فقد تعبت من العيش بتلك الحالة من الرعب والقلق عليكِ والتي تنتابني ناحيتكِ دائما ، فقد ظننت لوهلة بأن تلك الحادثة ستتكرر معكِ مجددا ما ان ارتفعت حرارتكِ بليلة امس لأقصى درجاتها ، وما كنتِ وصلتِ لتلك الحالة لولا اهمالي المفرط لكِ كما حدث معكِ بالماضي"

انحنت عينيها للأسفل لبرهة وهي تبتسم بجمود منحوت بتفاصيل ملامحها القاسية ، قبل ان تتمتم بلا تعبير تشنجت معها اطرافها
"بل هناك اختلاف بين الحادثتين ، فأنا لم افقد صوتي بعد ولن ألقب بالخرساء"

اتسعت حدقتيها الخضراوين بشحوب لوهلة قبل ان تشدد من إمساك كتفيها تلقائيا ما ان ضربت الذكرى مجرى حياتهما واظهرت كمية القسوة والذل والتي تعرضوا لها بتلك الحياة مع ذلك الرجل عديم الرحمة والذي لم يعرف للشفقة والإنسانية طريق بحياته .

ابتلعت ريقها بعدها بلحظات بانقباض وهي تخفض يديها عن كتفيها لتتمسك بذراعيها هامسة باقتضاب
"لن يحدث هذا ، وإياكِ وان تكرري هذا الكلام امامي مرة اخرى"

اومأت برأسها ببرود وهي تدس خصلات شعرها القصيرة لخلف اذنيها ، لتقول بعدها بخفوت واجم
"هل يمكنكِ ان تقرضيني بعض المال ؟ احتاج لشراء هاتف ولا املك ثمنه"

نظرت لها للحظات وهي تهمس بحيرة
"وماذا حدث لهاتفك القديم ؟"

عضت على طرف شفتيها بحنق ما ان تذكرت ما آل إليه هاتفها القديم بسبب ثورة غضب من ذاك الاحمق ، لتقول بعدها وهي تلوح بيدها ببساطة
"لقد تعطل ولم يعد يعمل ، وانا احتاج لوجوده بشدة"

اومأت برأسها بهدوء قبل ان تتراجع بخطواتها لتلتقط حقيبتها من على المنضدة بجانب السرير وهي تدس يدها بداخلها لتخرج منها بلحظة بعض الأوراق المالية المحتفظة بها من راتبها ، لتمدها بعدها بلحظة ناحيتها وهي تلتقط الأموال منها هامسة بابتسامة جامدة
"لا تقلقي ما ان احصل على راتبي من العمل سأعيد لكِ ثمن الهاتف....."

قاطعتها الضربة والتي حطت على رأسها بقبضتها بخفة وصاحبتها تقول بعتاب حانق
"لا تكوني سخيفة ! فهذا المال والذي اتقاضه من عملي هو من اجل حياة سعيدة لكلينا ومن اجل احتياجاتنا بالحياة ، وإذا لم اتشاركه مع شقيقتي الوحيدة قرش بقرش ، فلا داعي إذاً لبذل كل هذا المجهود بالعمل !"

فركت فروة رأسها بألم وهي تهمس بابتسامة صغيرة بمزاح
"اعلم هذا ، وانتِ الخاسرة هنا بما انكِ مصرة على عدم اخذ المال مني مقابل كرمك عليّ"

عادت للابتسام بتلك الطريقة والتي تحفر بوجنتيها بحنان متدفق بسخاء بتلك الاحداق المتسعة بخضرة الربيع ، لتلتقط بعدها الاخرى حزام حقيبتها من على طاولة الزينة بدون مقدمات وهي تضعها على كتفها بهدوء ، وما ان سارت بعيدا عنها عدة خطوات حتى اوقفتها التي امسكت بذراعها برفق وهي تديرها نحوها قائلة بتمهل
"انتظري لحظة"

تسمرت بمكانها للحظات ما ان احضرت لها من فورها طبق يحوي على شطائر ملفوفة بخبز الزبدة تعرفت عليها جيدا بسبب اعتيادها على بدء نهارها يوميا بهذا الفطور بمنزلهما القديم ، وما ان رفعت نظراتها امامها بحيرة حتى مدت لها شطيرة من بين مجموعة الشطائر وهي تقول لها بابتسامة حازمة بأمومة
"لقد اعددت لكِ هذه الشطائر البارحة ولكنك ذهبتِ بسبات عميق قبل ان تتناولي شيئا منها ، لذا ستأخذين معكِ هذه الشطيرة وتتناوليها بطريق خروجكِ من هنا ، فأنا لن اسمح لكِ بالخروج بمعدة فارغة فهذا ليس جيد على صحتك"

عبست ملامحها لوهلة وهي تهمس بوجوم
"هل هذا ضروري حقا !"

اومأت برأسها بقوة وهي تشدد على الشطيرة بيدها قائلة بصرامة
"اجل يا ماسة ضروري ، وإذا لم تتناوليها بالطريق فأنا عندها لن اترككِ تغادرين من هنا بسهولة"

زفرت انفاسها بكبت وهي تلتقط الشطيرة منها بجمود هامسة باستياء
"حسنا فهمت يا آنسة شريرة"

اتسعت ابتسامتها بلحظة بسعادة غامرة بدون ان تهتم لذلك اللقب والذي ذكرها بطفولتهما عندما يصل غضب تلك الطفلة الشقية لأقصاه من الأوامر والتي كانت تحاصرها بها على الدوام ، بينما سارت الأخرى بعيدا عنها قبل ان تتوقف لوهلة لتعود بعدها للاستدارة باللحظة التالية وهي تسير بطريق معاكس قبل ان تصل للتي كانت تراقبها بحيرة ، لترفع بعدها رأسها نحوها وعلى اطراف اصابعها وهي تقبل جبينها بخفة هامسة بمودة تظهر لأول مرة بصوتها الباهت
"شكرا لأنكِ اهتممتِ براحتي طول الليل ، انا سعيدة جدا بوجودك بحياتي"

فغرت شفتيها بدهشة للحظات قبل ان تعانقها من فورها بذراعيها وهي تتمتم فوق رأسها بسبب طول قامتها بمحبة خالصة
"بل انا الأسعد يا صغيرتي"

ابتعدت عنها بلحظات قصيرة كانت الفاصل بحياتهما الطويلة وبعد ان تجردت المشاعر الدافئة على حقيقتها الخالصة ، ليعود بعدها ليكتسح الجمود حياتها وهي تسير بعيدا عنها باتجاه باب الغرفة وهذه المرة لم يوقفها احد بعد ان انتهت كل الحجج للوقوف عليها وانتهت كل السبل لإعادة الجمال لحياتهما المتناقضة عن جميع البشر بالعالم !

_______________________________
كانت تسند خدها على راحة كفها وهي تراقب بشرود الواقف امامها والذي كان يتكلم بصوته الهادئ بنبرته الجهورية وكأنه متواجد بقاعة كبيرة للمحاضرات ، بالرغم من انها قد سمعت صوته كثيرا بمحاضرات الجامعة والتي كان يبعث بروحها الملل والحماس للانتهاء من هذه المحاضرة والأسوء بحياتها ، لتكون اليوم مختلفة تماما وهي تستمع لصوته بكل هذا القرب وتستشعر هالته المهيبة والتي تدور من حوله بكل مكان يخطو به وكأنها قد بدأت تتعرف على استاذها الصارم للتو !

رفعت يدها الأخرى وهي تغطي بها شفتيها ما ان بدأت بالتثاؤب بنعاس غيم عليها لوهلة ، لتنتفض بعدها بمكانها بوجل وهي تعتدل بجلوسها بلحظة ما ان وجه الواقف امامها حافة الكتاب بوجهها كما عادته كلما اخطئت بالتصرف وهو يهمس بحزم هادئ
"كم مرة عليّ ان انبهكِ بأنه ممنوع التثاؤب بمحاضرتي فهذا يشعرني بالإحباط واليأس ، ويشتت افكاري وكأنني كنت طول هذا الوقت اكلم نفسي"

عبست ملامحها وهي ترفع عينيها بتعب هامسة بخفوت متذمر
"ولكن هذا صعب ! فهذه حركة لا إرادية ولا استطيع التحكم بها"

تصلبت ملامحه بضيق وهو يلمح التعب والظاهر على ملامحها وبنبرة صوتها الحزينة والقريبة من الاطفال ، ليعود بعدها لرفع حافة الكتاب وهو يضرب بها جبينها قائلا بابتسامة جانبية
"توقفي عن التذمر مثل الاطفال ، فأنا اعلم جيدا بأنكِ تستخدمين هذه الطريقة لخداعي وانهاء الدرس يا اميرة الحيل"

امتعضت ملامحها لوهلة وهي تحرك رأسها بعيدا عن الكتاب قائلة بابتسامة ماكرة
"حسنا بما انك قد كشفت خدعتي ، هل نستطيع انهاء الدرس هنا فأنا اشعر بالتعب الشديد والارهاق ؟ وليس جيد على صحة قلبي الضغط عليه اكثر من اللازم !"

ارتفع حاجبيه ببرود وهو يرفع الكتاب قائلا بابتسامة متصلبة بسخرية
"تظنين نفسكِ ذكية ! وبالمناسبة بعد هذا الكلام الظريف والذي امتعتني به الآن ، فأنا لن اتراجع عن الضغط عليكِ بمزيد من الدروس ولساعتين متواصلتين لكي تتعلمي بأن لا تفكري باللعب على استاذك بحجج لا يصدقها طفل"

انفرجت شفتيها بانشداه للحظات قبل ان تهمس باستنكار
"ولكنك لا تستطيع البقاء لساعتين متواصلتين ! فأنت لديك محاضرات بالجامعة بعد خروجك من هنا"

عقد حاجبيه ببطء لبرهة وهو يتقدم امامها بلحظة ليسند كفيه فوق سطح الطاولة امامها قائلا بابتسامة باردة
"لا بأس لن اذهب لمحاضراتي اليوم ، وسأقضي يومي بطوله بصحبتك ، أليس هذا رائعا قضاء الوقت سويا بالدراسة مع استاذك ؟"

اتسعت مقلتيها العسليتين بصدمة وهي تحرك رأسها بالنفي لا إراديا ، قبل ان تنتفض لا شعوريا وهي تمسك بيده من على سطح الطاولة بكفيها معا هامسة برجاء
"لا يا استاذ هشام لا تفعل هذا ، فأنا لن اتحمل ان ادرس لساعتين متواصلتين ، سأموت من التعب إذا استمريت بالدراسة لساعة اخرى ، ارجوك ان تعطف على طالبتك المسكينة فهي ليس لديها سواك"

تشنجت ملامحه بلحظات وهو يشعر بملمس كفيها الصغيرين على يده وهي تتشبث به بقوة ، لينظر بعدها لرأسها المحني قليلا وخصلات من شعرها القصير انحدرت لجانبي وجهها بحزن وكأنها تشاركها حالتها !

وما ان رفع يده الاخرى لرأسها حتى سمع صوتها الخافت وهي تكمل همسها بنبرتها الحزينة والتي توديه للجنون
"اعدك بأني لن اعيد ذلك الكلام مرة اخرى ولن اتذمر من محاضرتك بعد الآن ، وانت افضل استاذ تعرفت عليه بالجامعة بأكملها بدون اي مجاملة"

ارتفع حاجبيه بانتباه وهو يقبض على يده الحرة قبل ان يبعدها وهو يقول بتعجب ساخر
"كلام رائع ! وهل المطلوب مني الآن ان اصفق لكِ واسعد لأنني اكتشفت بأني الاستاذ المفضل عند طالبتي الصغيرة ؟"

رفعت رأسها باللحظة التالية بصدمة وهي تبرم شفتيها المتكورتين قائلة بصدق
"صدقني انا اقول الحقيقة ، ولم اقصد ابدا السخرية بكلامي ، ولكنك دائما تظن بطالبتك الصغيرة السوء....."

قاطعها الذي كان يضحك بهدوء بدون ان يمنع نفسه وخاصة امام شكلها العابس وهو يقول بابتسامة
"لقد كنت امزح معكِ فقط يا غزل ، فأنا اصدقك بكل الأحوال"

زمت شفتيها بوجوم وهي تبعد كفيها عن يده لتدير عينيها بعيدا عنه هامسة بحنق
"لا افهم من المضحك انا ام هو ؟"

توقف عن الضحك للحظات وهو يتنحنح بتحشرج ، ليرفع بعدها بلحظة حاجب واحد بحدة وهو يتمتم بجمود
"هلا اخبرتني عن ماذا كنتِ تتكلمين الآن يا آنسة غزل ؟"

عادت بنظراتها نحوه بارتباك وهي تهمس بتلعثم واضح ملوحة بيديها بتوتر
"لا لقد كنت اقول اتمنى ان تدوم الضحكة على وجهك دائما وبكل يوم يا استاذي"

حدق بها للحظات وهي تحاول الابتسام امامه ببلاهة واضحة بطريقة تظهر بأنها تخفي كذبة من خلف ابتسامتها ذكرته بتصرفات طلاب الابتدائية ! ليبعد بعدها يديه عن سطح الطاولة لبرهة وهو يستقيم بوقوفه امامها ليغلق عندها الكتاب قائلا بهدوء جاد
"حسنا يا غزل ، سنكمل باقي الدرس بالمحاضرة القادمة ، ولا اريد ان اسمع منكِ مرة اخرى اي شكوى او ملل بالمحاضرة وألا لن اشفق عليكِ مهما فعلتِ"

قفزت واقفة بحماس وهي تقول بابتسامة متسعة بسعادة
"شكرا لك يا استاذي الكريم ، كنت اعلم بأنني لم اخطئ عندما اطلقت عليك لقب افضل استاذ قابلته بحياتي والجامعة محظوظة جدا بوجود استاذ رائع مثلك"

حرك رأسه بابتسامة مندهشة وهو ينظر لفورة حماسها والمتناقضة عن التمثيلية الحزينة والتي قدمتها امامه قبل قليل ! ليقول بعدها بابتسامة جانبية بسخرية
"هذا رائع حقا ! المزيد من الكلام المؤثر والمدح المبالغ به ! هل تحاولين كسب رضاي او محبتي بهذه الكلمات ؟"

اتسعت ابتسامتها بجمال وهي تقول بثقة بالغة
"بل هو كلام خارج مني وبكل صدق العالم ، وانا اعدك بأن من ستتزوجك ستكون اكثر امرأة محظوظة بالعالم بحصولها على زوج مثلك"

تسمر بمكانه للحظات بدون ان يشعر بنفسه سوى بمنظر ابتسامتها الجميلة وبنبرة صوتها العذبة وهو يمزجها مع صورة اخرى بعيدة جدا عن الواقع ، وهو يتخيل شكل المرأة والتي ستكون اكثر امرأة محظوظة بالعالم بكونها اصبحت زوجته وتحل ذلك المكان وبجانب ذلك الزوج !

قطب جبينه فجأة وهو ينفض تلك الأفكار عن رأسه وعن مخيلته والتي اخذته إليها بغفلة عنه ، ليستدير بعدها بعيدا عنها وامام نظراتها الحائرة وهو يمسك بحقيبته بهدوء ، قبل ان يغادر من الغرفة بأكملها بلمح البصر وبدون ان يعلق بشيء على كلامها الأخير والذي بقي معلق بينهما إلى امد غير محدد ؟

يتبع............


روز علي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس