عرض مشاركة واحدة
قديم 25-09-21, 11:34 PM   #162

روز علي
 
الصورة الرمزية روز علي

? العضوٌ??? » 478593
?  التسِجيلٌ » Sep 2020
? مشَارَ?اتْي » 712
?  نُقآطِيْ » روز علي is on a distinguished road
افتراضي

بعد مرور ساعات طويلة وما ان دقت الساعة السابعة مساءً حتى بدأت الضوضاء الصاخبة تلوح بالأفق مصاحبة مع اصوات قرع الطبول ونغمات الموسيقى المتدرجة من الصاخب للهادئ ومن الرقيق للناعم ملتف بغمامة حول اجمل قاعات المدينة للأفراح والحفلات ، ليحضرها اناس من جميع انواع الطبقات بالمجتمع وكل من لديه اهتمام بحضور مثل هذا النوع من حفلات الزفاف والتي تجمع فردين من عائلتين وطبقتين متناقضتين كل التناقض ، والسؤال الذي يحير اغلب الحاضرين عن سر تلك العلاقة والتي تجمع بين ابنة المجرم وابن طبقة العائلة الكبيرة ؟

كانت العروس والمقصودة بكل هذه الحفلة الاسطورية والمقامة على شرفها تجلس امام المرآة الكبيرة والتي كانت تعكس بذات الوقت صورة لامرأة شبيهة بعرائس الدمى بعينين زرقاوين جميلتين نزعت عنهما العدسات ليظهر لونهما السماوي الباهت بدون اي غيوم او سحب....وببشرة ثلجية من الرخام الابيض القاسي بدون ان تظهر اي تعبير على تلك التقاسيم والتقاطيع الدقيقة بنحت خلقي وبدون ان تأثر بها تلك المساحيق الخفيفة والتي لم تخفي سوى هالة الحزن والتي ترافق جمودها الصخري والقابع بروحها....وهي تخفي كذلك هالات جفنيها الحمراوين والتي تظهر دائما مدى الكبت والذي تحجره بالدموع المنسكبة على روحها بدون ان تظهر شيء لكي تلون بالنهاية جفنيها بذلك الاحمرار القاني اسفل تلك العينين الجميلتين...وشفتيها الحمراوين بلونهما القاني الطبيعي وهي تزيد من لونهما الدموي بطلاء التبرج الصاخب....بدون ان تفهم فائدة كل هذه الألوان السخيفة على صفحة وجهها والتي لا تزيد حياتها سوى قتامة بدل ان تدخل البهجة على فرحة زفافها المنتظر بدون ان تستطيع اختراق روحها بألوان اسودت بعينيها منذ زمن !؟

رفعت يدها تلقائياً وهي تتلمس على تسريحة شعرها الغريبة والمعقودة بالأعلى بإحكام وخصلاتها مشدودة بعدد كبير من المشابك الفضية لتظهر كتلة شعرها بالمنتصف وحولها بعض الخصلات القصيرة المتهدله بعشوائية ناعمة بينما خصلة طويلة من غرتها المتمردة بقيت تحتل صفحة جبينها العريض بدون ان تصفف مع باقي الخصل...لتصل بالنهاية لفستان الزفاف الطويل والذي يناسب نوع هذه الحفلة بطبقات من قماش الحرير الناعم وهو يتدرج من الشيفون الرقيق بالأسفل ليرتفع تدريجيا بشيفون افخم واعرض مع كل طبقة حتى يلتف بخصر مستدير مع طبقة شيفون لامع عند الصدر....ومع اكمام طويلة من نفس الشيفون الرقيق والذي يزين طول ذراعيها ببعض العقيق الفاخر وهو ينافس بياض بشرتها الرخامية...وبدون ان تعلم من اين اعتلت بلحظة ابتسامة ساخرة شفتيها المشدودتين ما ان مرت عبارة مشهورة سمعتها من الكثيرين من الذين قابلتهم بحياتها والذين ليس لهم تصنيف من البشر
(دمية تعيث بالقلب فسادا !)

زفرت انفاسها بهياج مفاجئ احتل كامل جسدها لوهلة بكل مرة تسمع بها تلك العبارة الوقحة والتي تدفعها لتصب جام غضبها على صاحبها ، وكأنها حقا مجرد دمية الجميع يتحكم بها كما يشاء وهم يطلقون عليها كل ما يحلو لهم من ألقاب بدون ان يأبه احد برأيها ونفورها البدائي من هذا النوع من البشر .

امسكت بالمنديل امامها فوق سطح طاولة الزينة لوهلة لتمسح به بثواني على جبينها المتعرق بقسوة ، بالرغم من برودة الجو من حولها بهذا الطقس العاصف والذي هدأ عن السابق وكأن كتل الهواء الباردة قد انحصرت لتختفي معها سحابات الهموم والتي كانت تحتل السماء بجو ماطر حزين !

وقفت بمكانها فجأة بانتفاض لا إرادي بغريزتها الطبيعية وهي تتلفت من حولها بريبة للحظات ، قبل ان تقع على نافذة الغرفة بقاعة الحفلة والتي كانت تصدر تلك الاصوات الغريبة والتي بعثت الشكوك برأسها !

عبست ملامحها بتوجس لبرهة وهي تبادر بالتقدم ببطء باتجاه النافذة المفتوحة وبحذر شديد ، وما ان وقفت امامها مباشرة وهي تنظر للفراغ بالخارج بحيرة حتى قفزت للخلف تلقائياً بلحظة واحدة وهي تقع ارضا بقوة ، ما ان اندفع نحوها الكائن الغريب والذي دخل لها من النافذة بغفلة منها وبدون ان تشعر به !

اتسعت مقلتيها الزرقاوين بصدمة لم تدم سوى للحظات قبل ان تعود لصلابتها وهي تصرخ باستنكار حاد
"انت يا مجنون كيف تتجرأ على الدخول هكذا !......"

قاطعها الذي كان ينفض سترته من الغبار وهو يعتدل بوقوفه قائلا بابتسامة متوحشة برضا
"جيد لم يضع تعبي بالبحث عن الغرفة هباءً ، فقد كانت حساباتي صحيحة ودقيقة بالنهاية ، لكي تعرفي فقط بأنه لا شيء يستطيع الوقوف امامي بهدف الوصول لكِ"

امتعضت ملامحها لوهلة وهي لا تصدق لما وصل له حالها مع هذا الاحمق حتى يخرج لها من العدم مثل شبح الموت ليفسد عليها اي فرحة قد تفكر بطرق بابها بخجل ؟ استندت بيديها على الأرض وهي تحاول النهوض على قدميها لتنظر بغضب ليده والتي امتدت نحوها وهو يهمس بفحيح
"اعطني يدكِ يا دميتي"

دفعت يده بعيدا عنها بلحظة وهي تقف باستقامة بصمت ، ليرفع بعدها حاجبيه ببطء الذي كان يراقب بها بتمهل وافتراس من رأسها حتى اخمص قدميها وهو يهمس بانبهار واضح
"تبدين دمية بحق وتعيث !......."

قاطعته التي رفعت قبضتها بقوة وهي تصرخ بانفعال غاضب
"إياك وان تقول تلك العبارة الحمقاء"

اتسعت ابتسامته بملل امام التي كانت تحاول تعديل ثوبها الطويل والذي انحنى قليلا بدون ان تبالي بوجوده ، ليقول بعدها من فوره بابتسامة زادت بميلان مفترس
"ما بكِ ! هل انتِ متضايقة من وجودي هنا بهذا اليوم المهم من حياتك ؟ والذي ستحتفلين به مع زوجك المستقبلي والذي يستحق الحصول على دمية مثلكِ واكثر مني !"

تصلبت ملامحها بشراسة وهي تضغط على اسنانها بحدة هامسة من بينهما بقنوط مشتعل وهي تلوح بذراعها جانبا
"كم مرة عليّ ان اخبرك بأني لست دمية ملك لأحد ! فأنا لم اخلق من اجل ان اكرس حياتي لكم واكون لعبة بين ايديكم القذرة ، وبخصوص الشخص الذي سيتزوجني فهو لا يملك نفس المفهوم المشمئز والذي تعيشون عليه جميعا وتنظرون له من خلالي"

اختفت ابتسامته بلحظة وهو ينظر لها بعينيه الناعستين والتي ازدادت قتامة باردة لبرهة ، لتنفض بعدها ذراعيها بقوة وهي تستدير بعيدا عنه هامسة بعنف
"هيا اخرج من هنا يا مازن وعد من حيث اتيت ، فأنا لن اخضع لك مهما حاولت معي وكل محاولاتك ستبوء بالفشل لأن الدمية التي تعرفها لم يعد لها وجود بقاموسي ! لذا ارحل بكرامتك افضل لك ولي وللجميع حفاظا على ما تبقى من سمعتك"

زمت شفتيها بصمت وترقب وهي تشعر بخطواته من خلفها تتحرك بتخبط بعيدا عنها قبل ان تختفي بلحظة ، ليتغضن بعدها جبينها لوهلة ما ان عاد صوت الخطوات برأسها وهي تقترب منها بسرعة ارسلت الرعشة بكل اطرافها المنتفضة !

وما ان كانت على وشك الاستدارة حتى تسمرت بمكانها بوجل ما ان طوقت الذراع عنقها بلمح البصر وهي تشعر بفوهة المسدس مصوبة على جانب رأسها وانفاسه المشتعلة تخترق بشرة عنقها المكشوف ببرودة سرت بطول ظهرها ، وقبل ان تنطق بحرف سبقها الذي قال بنشوة وهو يقرب شفتيه من اذنها بقوة تزداد على عنقها الهش حتى شعرت بها ستخنقها بأي لحظة
"حركة واحدة متهورة منكِ وسينتهي كل شيء لتودعي عندها فرحة زفافك المرتقب والذي سيتحول من فرح لحزن وحداد !"

تجمدت ملامحها تحت بشرتها الجليدية ببرود شرس وهي تهمس بابتسامة ساخرة وكأنها ترحب بمطلبه بسعادة منقطعة النظير
"وهذا ما كنت انتظره منك ، وصدقني اجمل شيء ستقدمه لي بحياتك هو الموت على يديك لتنتهي عندها كل حروبنا بهذه الحياة اخيرا"

مرت لحظات ساكنة بصمت قبل ان يقطعها من فوره بضحكة خشنة خبيثة وهو يعود ليقرب شفتيه من اذنها هامسا بلحظة بابتسامة شامتة وبنبرة صوته الحاقدة بغل وانتصار
"لا يا عزيزتي هذا لن يحدث ، فأنتِ هي اساس كل حروبي منذ سنوات كيف تريدين مني ان افرط بكِ واقتلكِ بهذه البساطة ! لقد قصدت بكلامي بأن روح اخرى هي التي ستودعينها لتخرج من هنا جثة هامدة قبل ان تفرحي بها بحياتك"

عبست ملامحها ببطء وباستيعاب مشتت لوهلة قبل ان تتسع بلحظة كل من عينيها وحواس ادراكها لما تسمعه وما ان وصل لها فحوى كلامه ونواياه الاجرامية المستترة ، لتقبض بعدها تلقائياً على يديها بقوة حتى شعرت بها تخترق باطن كفيها وهي تهمس بلحظة باستنكار غير مصدق
"انت تكذب لن تفعلها !......"

قاطعها بضحكة اكثر خشونة حتى اظهرت مدى قبحها بين خلجات صوته وهي تضرب بأذنها مثل قصف المدافع ، قبل ان يتبعها بلحظات بصوته الخافت الشرس بثقة بالغة ضربتها بالصميم
"هل تراهنين على حياته ؟ صدقي او لا ولكني اعدك بأن لا اخيب ظنك وما ان ألمحه امامي الآن سأطلق عليه رصاصتي بدون ادنى تردد وامام عينيك الجميلتين"

عضت على طرف شفتيها بنشيج صامت لبرهة بدون ان تجد ما تفكر به بهذه اللحظة بالذات وبعد ان غابت عنها كل افكارها وحلولها البديلة بلحظة غادرة وكأنها ليست الذكية المعروفة بحل اصعب العقد بحياتها والتي لم تخلو منها يوما ؟ فما لذي حدث لعقلها الآن يمنعها من التفكير ولو بحل سريع يخرجها مما هي فيه الآن ؟

ارتعشت مفاصلها اكثر وكل عضلة بجسدها قد تجمدت بمكانها ما ان عاد للكلام بنفس الهمس المشمئز بترقب خطير
"ما هو قراركِ ؟ هل ننتظر حتى نشيع جثمانه امامك لتصدقي بأني لا اكذب ابدا ؟......."

قاطعته بانقباض حاد وهي تحاول العودة لضبط زمام امورها بتشتت افكارها
"حسنا ماذا تريد مني ان افعل الآن ؟"

اتسعت ابتسامته بميلان ساخر وهو يهمس بسعادة باردة
"واخيرا بدأتِ تفهمي سير اللعبة"

تنفست بجمود مرتجف بدون اي تعبير ما ان فك قيدها بلحظة وهو يبعد ذراعه عن عنقها مع فوهة المسدس بجانبها ، لتحجر بعدها ملامحها الجليدية بقسوة ما ان شعرت به يمسك بكتفيها ليديرها نحوه بلحظة ، وما ان قابلت نظراته الساخرة بعينيها الباردتين مخفية كل المشاعر والتي تلوج بداخلها حتى قال ببساطة وهو يلوح بالمسدس امام وجهها بتسلية
"والآن يا دميتي ستفعلين كل ما اقوله لكِ حفاظا على حياة الابرياء الموجودين بهذه الحفلة السخيفة واولهم ذلك الزوج المصون ، لذا اتبعي كلامي بكل طاعة وبدون اي اعتراض لا داعي منه ما دمتِ الآن مع الشخص الذي يستحقك"

اغتصبت ابتسامة حاقدة توديها كل نفورها منه بدون كلام وهي تحيد بنظراتها جانبا لوهلة ، لتعقد بعدها حاجبيها ببطء وهي تلتقط اول الخيط لمهربها من اسره ومن وجوده المحاصر بحياتها المهددة بخطره .

عادت بنظرها للأمام بقوة ما ان قال بصرامة آمرة وهي يدس المسدس بجيب بنطاله بهمجية
"هيا بنا لنغادر من هذا المكان الكريه والذي لا يناسب افكاري ، قبل ان اتهور واصوب على جميع الموجودين من الحمقى المدللين والذين يظنون نفسهم يملكون العالم !"

اومأت برأسها للأسفل بصمت قاتم وهي تراقب بطرف عينيها الزرقاوين الذي استدار امامها وهو يتقدمها باتجاه باب الغرفة ، لتتراجع بخطواتها للخلف بحذر قبل ان ترفع ذراعها بسرعة وهي تلتقط بلحظة المزهرية الزجاجية من فوق طاولة الزينة لتمسك بها بوضع المدافع ، وبلحظات كانت تسير عدة خطوات للأمام وبلمح البصر وقبل ان يفتح باب الغرفة طوقت عنقه بذراعها كما كان يفعل معها وهي تهمس ببرود محتقر
"انا اعتذر ! ولكن للضرورة احكام !"

وقبل ان يدرك شيء من فحوى كلامها الخافت كانت تحطم المزهرية الزجاجية فوق رأسه بلمح البصر حتى تحولت لشظايا متناثرة تساقطت من حولهما مثل هطول المطر ، وهي تنظر بأحداق حاقدة برضا للذي هبط امامها بسلاسة وهي تحرر عنقه بلحظة ليقع ارضا وهو يفقد الوعي تماما عن كل من حوله .

تنفست بابتسامة هادئة بارتعاش وهي تضع كفها على صدرها المتخبط بتقافز خفقات قلبها الملتاع ، لتضغط عليه من فورها تدريجيا حتى هدأ تماما وكأنها تأمره بالخنوع والصمت بدون اي تأثر حقيقي بادي على ملامحها ، لتلقي بعدها بما تبقى من المزهرية بيدها ارضا وعينيها على الجسد الخامد امامها بدون اي حركة .

رفعت عينيها للأعلى بوجل وهي تنظر للساعة المعلقة فوق الجدار بتوجس بدون ان تنتبه للوقت ! لتضغط بعدها على اسنانها وهي تشتم بغضب ، قبل ان تتحرك من فورها وهي تبدأ اولاً بسحب الجثة الهامدة بإمساك يديها لتحركها بسرعة بضع انشات ، لتدفعها بعدها باللحظة التالية بقدميها وهي تخفيها تحت السرير بالغرفة بحذر حتى تأكدت تماما من عدم ظهورها وعدم مقدرة احد على رؤيتها .

اتجهت بعدها لتنظيف الزجاج المتساقط والمتناثر على ارض الغرفة حتى انتهت تماما وهي تلقيه جميعه بسلة النفايات الصغيرة .

ما ان تنفست الصعداء حتى شهقت بذعر ما ان سمعت الطرق القوي على باب غرفتها والصوت المألوف يناديها من خلفه ، توقفت بسرعة امام المرآة وهي تعدل القليل من شكلها وهيئتها لتظهر افضل من السابق وهي تهدأ الانفعال الذي ما يزال يسيطر على خفقات قلبها وانفاسها .

التفتت من فورها باتجاه الباب والذي فتح فجأة ليقول من فوره الذي وقف عند إطاره بابتسامة جذابة غزت بلحظة ملامحه الباردة
"اين انتِ يا ألماسة ؟ لما كل هذا التأخير ! هل تريدين ترك العريس بدون عروسه ؟"

ابتسمت بجمود وهي تتقدم امامه بخطوات ثابتة بصمت تام ، وما ان وقفت امامه تماما حتى انتفض بمكانه وهو يمسك بذقنها بقوة ليرفعه امامه بلحظات وهو يهمس بقلق بالغ
"ماذا هناك يا ألماستي ؟ هل هناك ما يضايقك !"

حركت رأسها بالنفي بدون ان تنطق بحرف آخر وهي نفسها لا تستطيع شرح ما تشعر به الآن من تخبط غريب اوقف كل حياة تسكن بقلبها النابض بقسوة ؟ ليرفع بعدها رأسه عاليا وهو يجول بنظراته بالغرفة قائلا بوجوم وهو يرفع حاجب واحد بشك
"هل كنتِ تحاولين الهروب يا ألماستي ؟ ولكن المشكلة هنا بأن الغرفة بطابق مرتفع والانتحار منها ليس حلا للهروب من مصيركِ معي"

رفعت عينيها الزرقاوين باهتزاز وهي تهمس بابتسامة هاوية ببهوت
"لا تقلق فقد تعايشت مع مصيري وانا وهو بحالة سلام"

ارتفع حاجبيه لبرهة بغموض قبل ان يبتسم باتساع وهو ينحني امامها هامسا بأذنها بمكر
"اتمنى ان يدوم هذا السلام لصباح الغد"

انفرجت شفتيها بانشداه وهي تدفعه بصدره بقبضتيها بعنف هامسة بخفوت محتد لون وجنتيها بحمرة طفيفة
"وقح"

ضحك بانشراح لوهلة وهو يمسك بذراعها بلحظة ليضعها حول مرفقه بهدوء ، قبل ان يسحبها معه لخارج الغرفة بلحظات وهو يقول بابتسامة صغيرة بصوته الاجش وبدون ان يترك عينيها المعلقة به بصمت
"لقد نسيت ان اخبركِ بأنك تبدين اليوم من اجمل ما يكون مثل الألماسة الحقيقية والتي لا احد يكتشف جوهرها سوى من يعرفها جيدا ويدخل لحياتها !"

ابتسمت بهدوء وهي تشيح بوجهها بعيدا عنه وكل ما يدور برأسها كلامه الاخير ومعناه والذي عبث بنبضات قلبها بسمفونية جديدة لم تحدث معها من قبل ؟ ومختلفة تماما عن معنى تلك العبارة الكريهة والتي كانوا يطلقونها عليها كل من يعرفها ظاهرا بدون ان يجرب احد الدخول لحياة تلك الدمية الجميلة كما يقولون ؟!

______________________________
كانت تسير بالقاعة الكبيرة بخطوات ثابتة وهي تجول بنظراتها بكل زاوية وبانبهار خفي بالمكان الافخم والذي تراه بحياتها الضيقة والتي لم يتواجد بها يوما مثل هذه الرفاهية فاحشة الثراء وحتى انها قد تجاوزت حفلة العمل والتي حضرتها بمنزل العائلة ! وخاصة بأنها تجمع كل طبقات المجتمع الراقي بمكان واحد يخلط كل انواع البشر والتي لهم صلة ولو من بعيد بهذه العائلة العريقة ، والتي لم تنتمي لها سوى بسبب والدتها والتي تكون السبب الرئيسي بانتمائهم لهذا العالم الكبير والوسيع والذي تجاوز مخيلاتهم الصغيرة آن ذاك .

ابتلعت ريقها بحشرجة مسننة وهي تجثم فوق صدرها كاتمة انفاسها لوهلة ، وهي تشرد بعينيها بالأضواء الخافتة المنتشرة بأنحاء القاعة لتعطي جمالا ساحرا بالأجواء من حولها ، فهي تقريبا لم تحضر حفلات زفاف منذ سنوات طويلة ولم يطرق الفرح على ابواب قلوبهم الصغيرة منذ امد بعيد ، ألا حفلة زفاف واحدة حضرتها مجبرة بسن التاسعة تقريبا ولم تكن ضمن الافراح والتي تسعد قلوب حاضرها عندما تكون متعلقة بحياتها القاسية والتي انقلبت رأساً على عقب ليأبى الفرح من وقتها بالدخول بين شقوق شظايا زجاج محطم انكسر وانتهى الأمر ، والسحابات تغيم على حدقتيها الخضراوين لبرهة بدون إرادة منها او شعور ما ان عادت لتلك الذكرى والتي توقفت بها حياتها ، عندما كانت تشاهد بعينيها الخضراوين تلك العروس والتي كانت تتزين وتتجهز من اجل زفافها المنتظر وكأنه لم يسبق لها الزواج من قبل ، وهي تبدو بأبهى طلة من الممكن ان تظهر بها اجمل عروس ما تزال بريعان شبابها ، وهذا ليس غريب على الجميلة الساحرة والدتها والتي كانت محط اهتمام الجميع من الجنس الآخر لولا مزاجها العصبي والذي كان يفسد صورتها ببعض الاحيان بحالات هستيرية غريبة ؟

تذكر جيدا عندما تدفقت الدموع بمقلتيها بدون اي سعادة حقيقية وهي تتمسك بكفيها الصغيرين بثوب والدتها الحريري وصوتها يخرج مرتجفا ببكاء متوسل
"ارجوكِ يا امي لا تفعلي هذا وتتزوجي بذلك الرجل ، ماذا سيحدث لو علم والدي بفعلتك ؟ انتِ بهذه الطريقة تخونين والدي بالزواج من رجل آخر !"

انتفضت برأسها نحوها لوهلة بدون ان تفقد ابتسامتها الجميلة وهي تحرك رأسها هامسة بخفوت مشتد
"روميساء كم مرة عليّ ان اعيد لكِ يا حبيبتي بأن والدك قد مات ولم يعد له وجود بحياتنا ! لذا انسيه تماما وفكري فقط بفرحة والدتك بهذا الزواج ، فبعد هذا العمر الطويل عادت السعادة لتنير حياتنا من جديد ومع رجل سيكون العوض عن كل ما تلقيناه من اذى وذل من العالم"

حركت رأسها بالنفي بشدة وبوجه محتقن وعينيها الكبيرتين تسبحان بالدموع الحبيسة وهي تهمس برفض عنيد
"لا لن يعوض عن وجود والدي بحياتي ، ولا اريده ان يكون بمرتبة ابي ، ولا اريدكِ ان تتزوجي منه فهو ليس الرجل المناسب لكِ ابدا"

اهتزت ابتسامتها لوهلة قبل ان تتحول لعبوس صارم بلحظة امام مرأى ابنتها وهي تحاول ضبط اعصابها فقط بهذا اليوم ، لتلوح بعدها بذراعها جانبا وهي تقول من بين اسنانها بضيق واضح
"لماذا لا تفهمين ما اقوله يا حمقاء ؟ ذلك الرجل والذي تتكلمين عنه بسوء قد وافق على الزواج من والدتك الارملة ، ومعها قد وافق على وجودكِ انتِ وماسة بحياته وتحت رعايته ومسؤوليته الخاصة بالرغم من انه ليس مضطرا لذلك ! وانتِ ما تزالين تكرهينه ولا تريدينه ان يكون الرجل المناسب بعد كل ما فعله من اجلنا بعكس والدك......"

صرخت فجأة بانتحاب التي كانت تضرب الارض بقدميها بعنف وهي تبكي بصمت
"لا غير صحيح هو ليس والدي ! ولا اريده ان يكون والدي ، انا اكرهه واكرهكِ اكثر لأنكِ لا تحبين والدي والذي يكون افضل منكِ بكثير....."

صمتت بارتجاف ما ان تلقت الصفعة القاسية والتي لونت وجنتها بحمرة قانية بلحظة ، بينما كانت تنظر لها صاحبة تلك الهالة العصبية والتي تنتابها بين الحين والآخر وهي تلون عينيها بزرقة قاتمة دموية ، لتتدارك بعدها نفسها وهي تنظر لابنتها التي كانت تشهق بصمت ودموعها تشكل خيوط رفيعة فوق وجنتها الحمراء من الصفعة ومقلتيها الخضراوين تنظران لها بجمود قاسي تقابله لأول مرة من ابنتها الكبرى .

لتزفر بعدها انفاسها بارتباك وهي تحاول تهدئة ثورتها ، ما ان انحنت امامها وهي تمسك بكتفيها الصغيرين قائلة بابتسامة متصلبة بدون ان تفقد عصبيتها
"اسمعي الكلام يا صغيرتي ولا تغضبيني اكثر ، فأنا افعل كل هذا من اجل مصلحتنا جميعا ، فنحن لا نستطيع العيش بدون رجل وسند يساعدنا بمصاريف معيشتنا ، لذا عليكِ تقبله بحياتكِ ولو مرغمة لأنه هذا هو الحل الوحيد لنعيش بهذه الحياة والتي نبذتنا منذ سنوات فلا احد يطيق وجودنا بهذا العالم"

نظرت لها للحظات بدون كلام وبعد ان خفت البكاء قليلا وهي تمسح الدموع عن وجنتها بكفها الصغيرة هامسة بخنوع
"حاضر يا امي"

ابتعدت عنها من فورها بلحظة وهي تعود لابتسامتها الجميلة قائلة بلا مبالاة وهي تنظر لنفسها بالمرآة بسعادة
"اذهبي وراقبي شقيقتك الصغرى ريثما انتهي من تجهيز نفسي ، فلن اتحمل اي دمار او خراب قد تسببه تلك الطفلة المجنونة بيوم حفلتي ، فلم يبقى سوى القليل على بدء الحفلة"

اومأت برأسها ببرود وهي تراقب سعادة والدتها بدون ان يصل لها اي قبس من تلك السعادة الغريبة ، وهي لا تعلم لما لا تشعر بالراحة للزوج المنتظر والذي سيحل مكان والدهما ويكون سند العائلة الجديد وكأنه تحذير خفي لما هو قادم بحياتهما ؟

تنهدت بهدوء وهي تخفض نظرها بعيدا عن الاضواء والتي غشت عينيها بهالة مزعجة لوهلة....لتمسح بعدها يديها بارتباك بقماش الفستان الحريري بلون التوت البري وهي ينزل على جسدها بضيق من الأعلى ليتوسع عند وركيها بانتفاش لطيف حتى يصل لكاحليها....وبكمين قصيرين يصلان عند مرفقيها ومفتوحين عند الاكتاف بشق طولي غير ظاهر تقريبا....ويلتف بشريطة من قماش الثوب حول عنقها مثل الطوق ومربوط بعقدة خلف عنقها بأناقة ليغطي صدرها بالكامل باحتشام ...

زفرت انفاسها بابتسامة راضية وهي تنظر للثوب والذي اشترته بآخر لحظة مع كمية التجهيزات الاخرى والتي تولتها بأكمل وجه ، فقط ليكون كل شيء مثالي وكما تراه الآن بدون ان تغفل عن شيء ، فهي تعلم جيدا بأن مثل هذه الحفلات المبهجة والتي تدق ابوابهم بسعادة لا تحدث كل يوم ، وكل ما تسعى إليه فقط ان تصل هذه السعادة لشقيقتها الصغرى نافضة هالة الألم والحزن عنها والتي اكتسحت حياتهم منذ سنوات .

ضمت قبضتها فوق صدرها وهي تحين منها التفاتة بطرف عينيها وتحديدا للذي كان مشغول كالعادة بالتكلم مع اقارب العائلة كثيرين الافراد ومدراء العمل بشركته ، وهو محور اهتمام كل من بالحفلة وخاصة بأنه الوحيد والذي تبرع بالاهتمام بالمدعوين واستقبالهم بحفلة شقيقه .

عقدت حاجبيها بوجوم وببرود جليدي اكتسح ملامحها لوهلة بدون إرادة منها وهي تتمنى ان تحظى ولو على القليل من معاملته اللطيفة نحو الناس والتي كان يغدقها بها على الدوام فيما مضى قبل ان تسبب بذلك الشرخ الكبير بحياتهما والذي يبدو لم يلتئم للآن ! وكيف سيفعل وهي تقابل كل محاولاته بالرفض بسبب انشغالها بالأيام الماضية بالتجهيز لحفل شقيقتها الصغرى وملازمتها لها ليل نهار ؟ بدون ان تدع له اي مجال ليستطيع الدخول به بينهما بعناد مستميت غريب ! وهذا غير تقلباتها المزاجية والتي اصبحت تنتابها مؤخرا مع تخبطات مشاعرها العنيفة والتي لم تستطع للآن الثبات على شعور محدد ، ليزيد عليها حالتها الجسدية والنفسية المتدهورة وهي تشعر بشيء غير طبيعي بدأ يزعزع هدوء حياتها إذا ساءت الظن ؟

تسمرت بمكانها لبرهة ما ان عادت بنظرها للشخص والذي اصبح ينظر لها بثبات متجمد بلحظة ، وعينيه الرمادية ترنو بين الجمود والبرود بدون ان يرحمها بنظرة لطيفة تنسيها كل هموم ايامها الماضية كما كان يفعل معها بالماضي ، ولكن لم يحدث شيء من هذا وتلك النظرات تتحول باللحظة التالية لقسوة الاستهجان وهو يشملها بنظرات غريبة من رأسها حتى اخمص قدميها ، فقط لحظة قبل ان يشيح بتلك العينين والوجه بعيدا عنها مكملا انسجامه مع المحيطين به وكأن شيء لم يكن ! وبدون ان يبالي بما حطمه بتلك النظرات وبالشرخ الدامي والذي اصبح اكثر اتساعا عما سبق !

رفعت كفها بسرعة وهي تمسح دموع غير ظاهرة على وشك الانسكاب عند طرف عينيها بدون ان تفسد زينة وجهها الهادئة ، لترفع بلحظة رأسها بقوة وإيباء باتجاه العروس القادمة برفقة خالها الممسك بها من جهة وزوجها من الجهة الاخرى ، وامام الجماهير والحاضرين المتحلقين من حولهم ، وكل منهم قد بدأ بأخذ مكانه بتأهب وانتظار وببعض الفضول وبصمت طغى على اجواء الحفلة الناعمة للحظات طويلة ...

_______________________________
كانت تشهق ببكاء صامت وعينيها العسليتين سابحتين بدموع حارة تأبى الهطول اكثر من هذا وهي تغرق وجنتيها المحمرتين باحتقان ساكن ، وهي تحاول منذ ساعة تقريبا بدون فائدة مع الجبل القاسي الواقف امامها ، وهو ينظر بعيدا عنها بدون ان يرحمها بنظرة شفقة او رأفة تعطيها بعض الأمل في امر معدوم النجاح ومفروغ منه كما كان يقول منذ قليل بحكم قوانينه التعسفية والتي تكون منتهى الظلم بالنسبة لها .

تنفست بعدها بتعثر وهي تحاول مجددا لآخر ذرة امل وكرامة متبقية لها ، وهي تضم قبضتيها معا هامسة بحزن موجع ورجاء شديد
"ارجوك يا جواد ان تسمح لي بالذهاب لحفلة صديقتي فقط لدقائق معدودة ، فهذه الحفلة مهمة جدا لصديقتي وقد كنت قد وعدتها من قبل بأني سأحضرها ، ليس من العدل ان تحرمني حتى من الذهاب للحفلة !......."

ابتلعت كلماتها مع شهقاتها ما ان عاد للكلام بحدة نافذة للصبر وهو يوجه لها نظرات سوداء تحمل الازدراء والاستنكار معا
"اخرسي يا صفاء ، ألم تفهمي ما قلته سابقا واعدته لكِ مرارا ! فيبدو بأنكِ قد اصبحتِ تستهينين كثيرا بالقوانين والتي وضعتها لكِ بمهلة هذا الزواج ؟ وآخر ما افكر به هو حفلة صديقتك السخيفة والتي لا تستحق حقا كل هذا الاصرار الطفولي ! لذا افعلي ما اقوله فقط بدون اي عصيان او تذمر فرأسي لم يعد يحتمل"

انتفضت تلقائيا وهي تنفض ذراعيها للأسفل بحركة متشنجة هامسة بانفعال محتقن
"هذا قاسي جدا ! فقط اريد ان افهم لما لا تسمح لي بحضور حفلة صديقتي ولا الخروج من المنزل ؟ هل تظن نفسك تعيش بالغابة وانت حارسها والذي يمنع من اي احد اختراق قوانين قبيلتك هذه ؟"

ارتفع حاجبيه بتجهم ساخر لوهلة من تحليلها الطفولي لأمر بمنتهى الغباء ! ليتقدم بعدها بخطوتين نحوها قبل ان يمسك بلحظة بذراعها بقوة وهو يقربها امامه هامسا بتشديد حاد لا يقبل الجدال
"لقد قلتها ولن اكررها مجددا ، ذهاب لتلك الحفلة ممنوع أياً كان نوع تلك الحفلة والصلة والتي تربطك بصاحبها ، والنقاش بهذا الموضوع منتهي وإياكِ وان تعيدي فتحه امامي مجددا"

زمت شفتيها الورديتين عدة مرات بارتجاف لوهلة قبل ان تحني عينيها بعيدا عنه بحزن ساكن وهي تتمتم بوجوم خافت
"اتمنى ان تنتهي مهلة هذا الزواج سريعا عندها قد استطيع العودة لحياتي الطبيعية قبل ان تجتاحها !"

تصلبت شفتيه بدون كلام لبرهة وعينيه تتحركان عليها بصمت قاتم وبدون اي تعبير ظاهر على محياه فقط حدقتيه متحجرتين بسواد زاد عن السابق ، لينفض بعدها بلحظة ذراعها بعيدا عنه بصمت اقرب للعنف قبل ان يغادر من الغرفة بأكملها بخطوات جامدة بقوة حتى صدم الباب بجانبه بقسوة كاد ان يخلعه من مكانه .

زفرت انفاسها مع شهقة صغيرة ما تزال عالقة بروحها المنتحبة وهي لا تصدق ما تعيشه الآن من قسوة وظلم تجاوز حدود مخيلتها ؟ لتمسح بسرعة خديها من الدموع بظاهر يدها وهي تنظر للتي دخلت بعدها بثواني وهي تجول بنظرها عليها بتوجس هامسة بقلق
"ماذا هناك يا صفاء ؟ ولماذا جواد يبدو غاضب هكذا ؟"

تنفست بحزن وهي تخفض نظراتها بصمت وبعد ان استبد بها التعب والبكاء بالساعة الماضية ، لتشعر بعدها بيدين تمسدان على كتفيها المنحنيين وهي تهمس لها بعطف حنون لا يخلو منها تعب وحزن السنين
"لا داعي للحزن يا صغيرتي كل شيء يهون بالحياة إذا تحلينا بالصبر والعزيمة ، وانا متأكدة بأن جواد لا يقصد اذيتكِ او جرحك بكلامه فهو رغم كل شيء يملك قلب طيب خلف جليد قسوته لا يعرف عنه سوى من اختبره"

اومأت برأسها بشرود وابتسامة جانبية لا تعلم من اين بدأت تحتل طرف شفتيها بأسى على قلب طيب اغدقها بالحب يوما ما منذ كانت طفلة تحت مسمى فارس احلامها ؟ لتهمس بعدها لا شعوريا بروح انقبضت بلحظة بشرخ زجاج دامي
"ولكن اين هي الطيبة عن هذه القوانين والتي يحجز بها حريتي بمهلة زواج غير موجودة بمسميات الحب والزواج ؟"

صمتت (هيام) بارتجاف ملامحها الشاحبة بدون ان تجد ما ترد به على تصرفات ابنها والتي تجاوزت الحد بقوانين الحقد والانتقام ! قالت بعدها بسرعة وهي تخفض يديها عن كتفيها قائلة بتفكير مرتبك
"لا تهتمي لهذا الآن ، واخبريني بماذا كنتِ تناقشين جواد منذ ساعة حتى خرج من الغرفة غاضبا ؟"

نظرت لها بعيون دامعة لوهلة ما تزال تنبض بالأمل الميت قبل ان تنتفض بلحظة وهي تمسك بيديها بقوة هامسة برجاء
"ارجوكِ يا عمتي هيام ان تقنعي جواد بأن يتركني اذهب لحفلة صديقتي اليوم ، رجاءً احتاج للذهاب بشدة ولا اريد تفويت مثل هذه المناسبة"

عقدت حاجبيها بارتباك لبرهة وهي تهمس بخفوت حائر
"هل هي نفسها التي زارتك قبل ايام ؟"

اومأت برأسها بقوة حتى تطايرت بعض من خصلات شعرها الناعمة مع حركاتها وهي تهمس بسعادة دامعة
"اجل هي نفسها ، واليوم يكون حفل زفافها وقد تواعدنا من قبل بأن يحضر كل منا حفل زفاف الآخر ، ولكن للأسف لم يستطع اي منا تحقيق هذا ، ويبدو بأنني انا ايضا سأخلف بوعدي ولن اشارك صديقتي بفرحة هذه اللحظة ؟"

ابتسمت بحنان متدفق بعينيها السوداوين الواسعتين بحزن وهي تربت على كفيها الممسكين بيديها قائلة بخفوت
"يبدو بأنكِ تحبينها كثيرا !"

حدقت بها للحظات بغلالة دموعها الغائرة قبل ان تعتلي ابتسامة باهتة على تقاسيم وجهها الناعمة ، وهي تهمس بكل حب تملكه بقلبها الصغير للكائن والذي رافقها بكل سنوات طفولتها
"بل هي الشيء الثابت والجميل والذي تبقى بحياتي عندما غادرت كل الاشياء الجميلة من محور حياتي ! وهي تخون العهد بيننا بدون اي وجه حق لتتركني وحيدة اعاني مع ذنبي والذي لم اعرف للآن اين كان العيب به ؟"

عبست ملامحها بوجوم وهي تنظر لدموعها والتي عادت للسيل على وجنتيها بصمت موجع ، لتسحب بعدها يديها برفق وهي تربت على كتفها بحنان محاولة تهدئة حزنها للحظات ، قبل ان تغادر من امامها وهي تنسحب لخارج الغرفة بصمت بعد ان عزمت امرها .

وقفت امام باب المنزل المفتوح والذي وصلت له بلحظات ، لتجول بعدها بنظراتها قليلا قبل ان تقع على الجالس عند درجات سلم المدخل وهو مشغول بتدخين سيجارته بشرود غير مبالي .

تقدمت بخطواتها قليلا قبل ان تتوقف تماما ما ان اخترق الصمت الذي قال بأنفاس باردة بجمود صقيعي
"عودي ادراجكِ يا امي ، لأنه ليس لي مزاج الآن للتكلم مع احد"

تنفست بروية وهي تشدد من القبض على يديها قائلة بنبرة عطف تتخللها بعض الصرامة
"ألا تريد تناول طعام العشاء ؟ ام انك تفضل تناول دخان السجائر المضر بالصحة والنفس !......"

قاطعها من زفر انفاسه بحنق وهو يرفع رأسه للأعلى بقسوة
"ارجوكِ يا امي هذا ليس وقت محاضرات الصحة والنظافة ، ولا اريد التكلم عن اي شيء ولا تناول شيء ، فقط اريد الانفراد مع نفسي قليلا !"

تنهدت بهدوء وهي ترفع يدها بارتجاف لتعدل الوشاح من حول وجهها بقوة ، قبل ان تهمس بعبوس متصلب نافضة هالة الحزن عنها
"سأتركك ولكن قبل فعل هذا اريد منك ان تسمع مني هذه الكلمتين ، لا يهمني كل ما تصدره من اوامر بحق تلك الفتاة ولا قوانين حقدك المتأصل بداخلك اتجاه تلك الفتاة المظلومة والتي ليس لها اي علاقة بحادثة موت غنوة......."

قاطعها بنبرة خاوية من بين اسنانه القاسية
"امي الرحمة !......."

عادت للكلام بحدة اشد وبحزن اكبر وهي تتابع كلامها بثبات تحسد عليه
"اصمت واتركني انهي كلامي اولاً ، صحيح بأنني لم اعترض يوما على كل ما تفعله بحياتك المستهترة والقوانين القاسية والتي تتبعها بعلاقتك الزوجية ! ولكن تذكر بأن تلك الفتاة تبقى زوجتك وما تزال على ذمتك للآن ، لذا لا بأس بإسعادها قليلا بحضور حفلة صديقتها والتي لن تتزوج كل يوم ولن تأثر بمبادئ حقدك المرضي ولا بقوانينك الصارمة !"

مرت لحظات باردة بتفاصيل حياتهما القاسية قبل ان يخرج الرد الاجوف من الذي ما يزال مستمر بتدخين سيجارته بدون اي انتباه حقيقي
"هل هي من ارسلتكِ لتكوني تذكرة ذهابها ؟"

عقدت حاجبيها بوجوم لبرهة وهي تستدير بنصف جسدها ، لتهمس بلحظة بنبرة هادئة بدون اي تعبير
"اسمعني جيدا يا جواد إذا لم تفعل ما اقوله فلن اسامحك عليها ما حييت ! هذا إذا كنت تهتم بمسامحتي من الاساس وعتابي عليك والذي لن يقارن بعتاب الأيام الماضية ؟"

رفع رأسه بحدة بالتفاتة للخلف وهو يلمح آخر طيف من ظلها الداخل للمنزل وصوت حفيف عباءتها ما يزال يرفرف بأذنيه المرهفتين ، ليعود بنظره ببطء للأمام لبرهة وهو يدخن آخر رشفة من سيجارته ، قبل ان يتبعها بلمح البصر برمي السيجارة بعيدا بسواد الظلام الحالك من حوله وهو يتلقف عدة انفاس بقوة سوداوية قبضت على انفاسه لثواني .

ابتسم بالتواء طفيف وهو يعود لقناع البرود الجليدي ، ليقف بعدها بلحظة بجمود ثابت وهو يصعد درجات السلم ليسير من فوره لداخل المنزل .

دخل للغرفة بلحظة بدون استئذان ليقفز الجسد الجالس على السرير بارتعاد بجفلة وبعيون عسلية اصابها الذهول لوهلة ، وقبل ان تفيق من حالتها اللحظية قال بدون مقدمات بجمود صخري وكأنه مرغم على فعل كل هذا
"اسمعيني جيدا لديكِ فقط عشر دقائق قبل ان تكوني جاهزة لأوصلك لحفل صديقتك السخيف واعيدك منه ، وإذا تأخرتِ اكثر من الوقت الذي حددته لكِ فلا تحلمي عندها ان اوصلك لأي مكان فليس لدي وقت لكل هذه السخافات !"

انفرجت شفتيها بانشداه مصدوم لثواني قبل ان تشرق ملامحها الباكية بابتسامة كبيرة اخترقت غمامة حزنها وشموس عينيها الدامعة لوهلة ، لتنتفض بلحظة تلقائيا وهي تنهض بعيدا عن السرير بتعثر قبل ان تنقض على الساكن بمكانه بأول مبادرة منها لم تحدث من قبل ، وهي تعانق خصره المتصلب بذراعيها هامسة فوق منحنيات صدره ببهجة خالصة
"شكرا لك على موافقتك ، شكرا لك"

تجمد بمكانه للحظات وهو يستشعر بقرب جسدها ونعومة تفاصيله الطفولية توشك على نهاية صبره وذوبان حواجزه الجليدية بشعلة طاقتها الملتهبة والتي لا يشعر بها سوى من حرق بألسنتها ، ليحجر بعدها ملامحه باتزان لبرهة وهو يمسك بكتفيها ليبعدها عنه برفق ، لينظر بقتامة لخصلات شعرها الحريرية والتي ما تزال عالقة بقماش قميصه الاسود بسبب دموعها الحارة والتي عادت للنزول من فرط السعادة على ما يبدو !

زفر انفاسه بجمود وهو يرفع يديه عن كتفيها ليحيط بهما وجهها وهو يرجع خصلاتها الناعمة بأصابعه لخلف اذنيها عدة مرات حتى تحولت لهوس بدون إرادة منه ! ليقبض بلحظة على كفيه وهو يخفضهما بقوة بالإجبار ليدسهما بجيبي بنطاله وهو يهمس بصوت اجش منفعل
"لا تنسي اسرعي بتجهيز نفسكِ لننتهي من كل هذا التهريج ونعود بسرعة"

اومأت برأسها بحركة غير ظاهرة ما ان استدار بعيدا عنها وهو يخرج من الغرفة بأكملها بصمت ، لترفع بعدها نظراتها بدموع حبيسة من فرط مشاعرها والتي انتابتها لأول مرة بدون إرادة منها ، وكفها تتلمس مكان الخصلات خلف اذنها بدون شعور وبسعادة غريبة عادت لتضرب نواقيس قلبها بخلجات صدرها المتقافز فرحا وطربا !

نهاية الفصل وبانتظار آرائكم بفارغ الصبر ........


روز علي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس