عرض مشاركة واحدة
قديم 02-10-21, 09:28 PM   #165

روز علي
 
الصورة الرمزية روز علي

? العضوٌ??? » 478593
?  التسِجيلٌ » Sep 2020
? مشَارَ?اتْي » 711
?  نُقآطِيْ » روز علي is on a distinguished road
افتراضي

الفصل السادس والعشرون.........
كان يضرب بقدمه الجدار من خلفه برتابة وهو ينظر امامه بقتامة باردة وبغضب على وشك النفاذ والتسرب بكل إنحاء جسده المشدود ببطء شديد ، وهو لا يعلم ما هذه الحماقة والتي وافق عليها من لحظة بدون ادنى تفكير ومن اجل حفلة تافهة لإرضاء تلك الطفلة الباكية ؟ هل يعقل بأن يكون كلام والدته الاخير قد اثر به بالرغم من انه كان يُخرج دائما اسوء من هذا بدون ان يبالي بتحذيرات والدته وعتابها الصامت عليه ؟ والذي اكثر ما يعلمه عنه بأنه لا يدوم سوى ليوم واحد قبل ان يرضيها ببساطة بقلبها الحنون والذي لا يعرف للقسوة طريق فقط تمثل الغضب على من تحبهم لكي يخضعوا لأمرها لا اكثر ، فماذا حدث إذاً ليغير رأيه هكذا ويوافق على مهمة اصطحابها للحفلة الغبية والتي تخرق قوانينه الصارمة بمهلة هذا الزواج والذي يشعر به اصبح يثقل على كاهله اكثر مما يتحمل ؟ فهل بدأ بتخاذل من الآن قبل ان ينتهي الشهر ام انه رغبة بعدم سماع انينها الباكي الرقيق وهي تتوسل إليه ان ينفذ طلبها ويطلق سراحها وكأنه سجانها !

رفع يديه بسرعة وهو يمسح تقاسيم وجهه الغاضبة بكبت وبصداع بدأ يجتاح رأسه بتصميم لا يريد ان يبارحه ، ليدس من فوره كفيه بجيبي بنطاله وهو يميل للأمام قليلا بإنهاك ناظرا للأرض الرخامية الملساء بثبات ، وامواج من ماضي سحيق بدأ بالتداخل مع صداع رأسه وبصوت بعيد ما يزال يحفظ نبرته الطفولية وهي تتوسل له برقة تشبه التي سمعها منذ لحظات فقط الفرق هي طريقتها المراوغة والتي تستخدمها عادةً ليوافق على طلبها
"ارجوك يا جواد و يا شقيقي الحبيب ان تسمح لي بالذهاب للحفلة ؟ فأنا اريد بشدة الذهاب لتلك الحفلة ولا استطيع التغيب عنها لأن مثل هذه الحفلات لا تحدث كل يوم ! لذا اتوسل إليك إذا كنت تحبني حقا ويهون عليك حزني فستقبل باصطحابي معك للحفلة بدون اي تفكير"

ردّ عليها المقابل لها بنفس الجواب الصارم مع ابتسامة ساخرة بجمود
"حركة جميلة منكِ ! ولكن جوابي ما يزال الرفض ولن اصطحبكِ لأي حفلة فارغة بمنتصف الليل فقط للتسلية واللهو"

عبست من فورها الملامح المتشربة بحمرة قانية ناسبت تفاصيله الصغيرة بوجهها الدائري وهي تهمس بحنق بالغ
"هذا ليس عدلا ابدا يا جواد ! كل صديقاتي يذهبن للحفلات ويستمتعن بحياتهن ؟ اما انا فلا اذهب لمكان سوى للمدرسة وهذا منتهى الظلم ، ماذا سيحدث لي عندما اصل لسن عجوز وتنتهي فرصتي بعيش الحياة الجميلة ؟......."

قاطعها بتصلب وهو يرفع حاجبيه ببرود ساخر
"غنوة ألن تكفي عن هذه التمثيلية العاطفية الفاشلة لأنها لن تؤثر بي ولو قليلا ؟ ولا تحلمي ايضا بالذهاب لتلك الحفلة فهذا القرار لا جدال به !"

امتعضت ملامحها باحتقان وهي تكتف ذراعيها فوق صدرها هامسة من بين اسنانها بضيق
"اشك بأن يكون هناك شيء يؤثر بك يا جبل الجليد القاسي !"

حرك رأسه بضحكة ساخرة ما ان يسمع لقبه منها والذي تنعته به بتلك الطريقة الغاضبة بطفولية ، ليتنفس بعدها بروية للحظات وهو يرفع يديه ليمسك بكتفيها الصغيرين بقوة ، قبل ان يقول بابتسامة حانية يكنها لطفلته الغاضبة والتي لا يهون عليه حزنها كما قالت
"اسمعي يا غنوة انا لا اتقصد القسوة عليكِ او حجزك بالمنزل رغما عنكِ ، ولكن هناك امور خطيرة تدور من حولنا بالعالم بدون ان نشعر بها يتوجب علينا الحرص منها جيدا واخذ كل الحيطة ! وكل ما افعله من اجل مصلحتك وحمايتك من ذلك العالم يا صغيرتي ، فأنا كم اغنية حياة لدي بالمنزل وكم ابنة لدي بالعالم ؟"

تشنجت ملامحه بلحظة ما ان رفعت عينين سوداوين واسعتين بتمام القمر يغطيهما غشاء من الدموع والذي بدأ يهطل منهما كعادتها عندما تفشل كل اسلحتها معه والدموع تسيل على خديها المدورين لتزعزع بلحظة كيانه بأكمله ، وهي تهمس بنحيب ورجاء باكي
"اريد الذهاب للحفلة يا جواد ، انا اشعر بالوحدة ولم يعد لدي اي اصدقاء بعد تغيبي عن حفلاتهن ، لذا لا اريد خسارة باقي اصدقائي ، ارجوك لا تكون بكل هذه القسوة معي !"

اشاح بوجهه جانبا بحدة لبرهة قبل ان يعود بنظره لها بلحظات وهو يهمس بخفوت مستسلم
"حسنا لا بأس سنذهب للحفلة هذه المرة فقط ، هل انتِ سعيدة الآن ؟"

تهللت ملامحها بسعادة بالغة لوهلة وهي تمسح خديها بقوة ، قبل ان تهجم عليه بلحظة وهي تطوق عنقه بذراعيها بعنف صارخة بسعادة عادت لاحتلال صوتها الباكي
"شكرا لك يا جواد و يا والدي الحبيب انا اكثر ابنة محظوظة بوجودك معها ، واعلم بأني سأكون دائما بأمان ما دمت موجود بعالمي"

رفع رأسه بقسوة وهو يستند بالجدار من خلفه نافضا تلك الغلالة والتي ما يزال مأسور بها للآن لتذكره بكل مرة بسوء ظنه وخيانته لذلك الوعد بحماية تلك الطفلة والتي رحلت بطريقة شنيعة وبأسوء مما كان يتخيل ؟ وبدون حتى ان يكون موجود بحياتها بتلك اللحظات كما وعدها سابقا !

اغمض عينيه لعدة لحظات قبل ان يفتحهما بسرعة على مرأى التي خرجت من الغرفة بهدوء بدون صوت ، وهو يضيق حدقتيه السوداوين بلحظة خاطفة ما ان اكتشف بأن الثوب الذي كانت ترتديه هو نفسه الثوب الوردي القصير والذي لا يتعدى ركبتيها والذي ارتدته بيوم زيارته لها ليطلب يدها من والدها ، ولم يشعر بعدها بنفسه وهو يبتعد عن الجدار تدريجيا وعينيه تلاحق جسدها بتأمل بطيء بدون ان يغفل عن جزء منه من تحت قماش ثوبها ، وهي تخفض نظراتها بحياء بعيدا عنه وبعض الخصلات القصيرة المتحررة من عقدته الفوضوية تلامس عنقها وحول وجهها بإغراء واضح .

انتفضت لا شعوريا وهي ترفع وجهها المشدوه نحو الواقف امامها والذي كان يقول بتصلب بدون اي تعبير يعلو ملامحه الساكنة
"اذهبي وبدلي الثوب"

انفرجت شفتيها للحظات وهي تهمس بغباء واضح
"ماذا ؟!"

قطب جبينه بحدة اكبر وهو يزيد من قبض يديه بداخل جيبي بنطاله بدون إرادة منه هامسا بتشديد واضح وبصرامة اكبر
"ألم تسمعي ما اقوله ؟ اذهبي وبدلي الثوب حالاً !"

رمشت بعينيها عدة مرات بانتفاض وهي تخفض نظرها بارتباك لثوبها الجميل والاحب على قلبها من بين جميع اثوابها ، وهي تعود لرفع عيون عسلية حائرة هامسة بعدم فهم
"لما ! ألا يبدو الثوب جميل عليّ ؟"

تنفس بحدة اكبر وهو يتمتم من بين اسنانه بقسوة ساخرة ضربتها بالصميم
"لا لم يعجبني بتاتا فهو يناسب فتيات الليل وليس لامرأة متزوجة تهتم بسمعة بيتها ! لذا بدليه الآن قبل ان افقد صوابي وألغي موضوع الخروج بأكمله"

عضت على طرف شفتيها الورديتين بامتقاع وهي تحاول كتم شهقاتها الصغيرة بصدمة من الاتهام المجحف بحقها تجاوز جميع اهاناته السابقة لها بدون اي تفكير بقلبها المتقافز فرح والذي سحقه بقسوته الآن !

ابتلعت الغصة بداخلها لبرهة بدون ان تسمح لشيء آخر او تافه بتخلل فرحتها الآن ، لتهمس بعدها بوجوم حزين وهي تكلم نفسها بشرود
"فقط قل بأنك لا تريد اصطحابي معك للحفلة بدل كل هذا الشقاء بتعذيبي !"

تجهمت ملامحه بلحظة وهو ينحني بوجهه امامها قائلا بجمود خطير
"ماذا قلتِ الآن يا آنسة صفاء ؟"

رفعت وجهها بسرعة نحوه وهي تهمس بابتسامة مرتجفة بخفوت
"لقد كنت اقول بأني سأذهب لتبديل الثوب كما امرت"

حرك رأسه للخلف وهو يهمس بنفس جموده الصخري ناظرا بعيدا عنها
"جيد ، إذاً هيا اذهبي بسرعة فلم يبقى من وقتك سوى خمس دقائق"

اومأت برأسها بارتجاف وهي تستدير من فورها لتدخل للغرفة بلحظات وهي تغلق الباب من خلفها بصمت ، ليتنفس الآخر بغيظ عابس وهو لا يعلم ما لذي يفعله بالضبط بلعب هذه اللعبة السخيفة معها وهو يرى بأنه لو رفض منذ البداية اصطحابها معه لما وصل لكل هذا الآن ؟

وبعد دقائق معدودة كانت تخرج اخيرا من الغرفة للمرة الثانية....ولكن هذه المرة بفستان طويل يصل لكاحليها تقريبا بلون الاسود الحالك وهو يضيق عند خصرها بحزام فضي رفيع معقود بمنتصفه شكل فراشة صغيرة...وبأكمام قصيرة من الشيفون الاسود الرقيق وهو يظهر نحافة وبياض ذراعيها بوضوح....واما شعرها فقد كان ما يزال معقود بفوضوية فوق رأسها مظهرا عنقها البيضاء الطويلة من ياقة ثوبها الواسعة شبيهة بالنعامة...بدون اي زينة او حلي سوى عقد ذهبي رقيق جدا يطوق عنقها ليناسب بشرتها الشفافة ...

تقدم امامها عدة خطوات وهو ما يزال مستمر بتأمله البطيء لها والذي يوصلها دائما لحافة الانهيار بكل مرة وكأنه يستمتع بإشعالها مثل الفتيل المشتعل ؟ شهقت بدون صوت ما ان نزع عقدة شعرها بلمح البصر لينتشر شلال شعرها العسلي حول وجهها وعنقها واعلى ذراعيها مخفيا كل مفاتنها والتي قد تظهر من تحت قماش ثوبها الرقيق من الأعلى ، وما ان افاقت على نفسها وهي تتلمس خصلاتها التي وصلت لنهاية ذراعيها حتى همست بغمامة حائرة
"ولكن لماذا ؟....."

عاد للكلام الذي كان يتخلل خصلاتها الحريرية بكفه وكأنه يتأكد من نعومته وانتشاره من حولها مثل الستار قائلا ببرود
"هكذا افضل ، لنذهب الآن"

تغضن جبينها بتشوش لوهلة بدون ان تنطق بالمزيد من الاسئلة ما ان امسك بكفها بقوة وهو يتخلل اصابعها قبل ان يقبض عليها بلحظة بعثت الحرارة بأوصالها ولقلبها والذي عاد ليتراقص فرحا ، وكم ذكرتها بلحظة خروجها من منزل والدها بنفس إمساكه لها الآن ! ليسحبها بعدها بلحظات لخارج المنزل بدون اي كلام آخر لا فائدة منه وقد يفسد تلك اللحظات الفريدة والتي تتمنى ان لا تنتهي وتبقى معها للأبد .

______________________________
كانت تضم قبضتها بتصلب وهي تريح ذقنها المشدودة فوقها بدون اي تعبير منحوت بملامحها الحجرية...وعينيها فقط تلوج بكل انواع المشاعر المتداخلة ببقعة بحار هائجة بدون ان تحدد مسار مركبها وهي تتقلب فقط بين نقاط عدة من خوف ورهبة من الماضي المكلل من حولها وانشداه وترقب شديد من القادم امامها....بينما عقلها يرتب افكاره بتسلسل منطقي وكأنه يدرس كل الكائنات والوجوه المحيطة به بدون توقف وكل جزء بها متأهب بانتفاض غريزي اكثر من اي مرة وكأنها على وشك الانقضاض على احدهم...ومن يلومها وهي التي عاشت بمجتمع ذكوري مريض هي فريسته تستعد فقط للانقضاض على كل من يتجرأ بنهش لحمها بمسابقة بينهما حتى اعتادت على الأمر وتأقلمت بوضع وصم بجسدها بردة فعل محددة يصدرها عقلها لباقي جسدها مثل تحذير بوشك اقتراب الخطر !

تنهدت بنفس اطول وهي تشعر باقتراب نفاذ صبرها على وشك الانهيار امام كل هذا الكم الهائل من الفوضة والضوضاء من حولها والتي لم تعد تحتمل بالنسبة لها ، ولولا وقوف (روميساء) بجانبها على المنصة تستقبل كل الضيوف الراغبين بالتعرف على العروس والمباركة لها بدون ان تتعرف على اي احد منهم لما استطاعت التصرف معهم كما تفعل شقيقتها وهي تأخذ مكانها باستلام المباركات والتهليلات بأدب ولباقة لطالما اتصفت بهما بحياتها مهما كانت حالة الظروف المحيطة بها...

رفعت وجهها بعيدا كما جسدها المتصلب بتأهب وهي تمسد على ذراعها بشعور منتفض ما ان لمحت كالعادة مجموعة من الرجال يملكون نفس صفات (مازن) والذي لا تعلم ما حاله الآن ؟ وهل سيستمر بغيبوبته حتى تنتهي الحفلة بدون اي مشاكل ؟

عضت على طرف شفتيها بارتعاش ما ان شعرت بيد وهي تربت على كتفها بحنان هامسة بهدوء
"هل انتِ بخير يا ماسة ؟ تبدين متعبة !"

زفرت انفاسها من بين شفتيها المتصلبتين لوهلة وهي تخفف من ارتعاشها هامسة بوجوم باهت
"متى سينتهي كل هذا ؟ لقد تعبت حقا"

مسدت على كتفها بهدوء بدون ان تفقد ابتسامتها الجميلة امام الناس وهي تهمس برفق
"لا تقلقي سينتهي عندما تتوقفين عن الشعور به ، فهذه حفلتك بالنهاية وعليكِ اظهار ولو بعض السعادة والتفاؤل بها ! ربما عندها تنسين التعب والوقت الطويل والذي سيمضي سريعا عندما لا تعطينه اهتماما"

ارتفع حاجبيها بجمود مع ابتسامتها الساخرة وهي تكتف ذراعيها بلحظة هامسة بخفوت بارد
"شكرا على النصيحة القيمة ، لو كنتِ تهتمين لأمري ولو قليلا لما دفعتني للوصول إلى هنا وحضور هذه الحفلة التافهة بصفة عروس !"

تنهدت بيأس وهي تبعد يدها بسكون وعينيها الخضراوين تتابع الضيوف الجدد المقتربين نحوهما وهي تهمس لها بصرامتها الهادئة مغلفة بالرقة
"هذه اسخف كذبة اسمعها بحياتي ! وانتِ تكررينها دائما بالرغم من انكِ انتِ التي اوصلتِ نفسكِ لكل هذا بدون ان يجبرك احد او يدفعك على شيء ؟ لذا ابحثي عن كذبة اخرى تقنعيني بها ويصدقها عقل !"

تأففت بنفاذ صبر وهي تشيح بوجهها بعيدا عنها بملامح صخرية عادت لتكتسح صفحة وجهها بلحظة ، بينما اتسعت ابتسامتها بجمال التي كانت تستعد لاستقبال الضيوف المكونين من امرأة وابنتها ومعهم طفل صغير يبدو عليهم صفات الثراء الفاحش والرقي بملابسهم وهيئتهم المنمقة .

تصلبت بوقوفها وهي تضم يديها معا مبتسمة بتهذيب ما ان وقفوا امامها لتبادر المرأة بالكلام من فورها وهي تقول بابتسامة هادئة تبعث الشك بالأطراف
"مبارك زواج شقيقتك ، واتمنى لكِ ولها السعادة الابدية والراحة بحياتكما القادمة بعد ان انتسبتما لعائلة الفكهاني والتي يفخر كل سلالة عائلة شريفة بالانتماء لهم"

ارتفع حاجبيها بدهشة لحظية من نطق كلماتها الاخيرة والتي تدل على معرفة قوية بهم بالرغم من انها لم تقابلها بحياتها ! لتتدارك بعدها الموقف بسرعة قبل ان يصل مفهوم كلامها لشقيقتها وهي تهمس بمودة خالصة
"شكرا لكِ يا سيدتي على لطف مقامك ، واتمنى لكِ ايضا السعادة لكِ ولعائلتك ويشرفنا جميعا الانتساب لعائلة الفكهاني فهي تبقى من سلالة عائلة والدتي"

عبست ملامح المرأة قليلا بعدم رضا وكأنها ليس هذا ما كانت تتوقعه من ردة فعلها على كلامها المبطن والذي يحمل الكثير ، لتعود بسرعة لابتسامتها المتعالية برقي وهي ترفع يدها بغرور واضح قائلة
"وانا ايضا يشرفني كثيرا التعرف عليكِ يا روميساء ، وخاصة بأن ما يجمعنا اكبر بكثير مما تتخيلين ، فأنا اكون والدة سلوى والتي تكون ضرتك وزوجة احمد الفكهاني الاولى"

ارتبكت ملامحها لوهلة وهي تتلقى الخبر الاكبر صدمة بحياتها والتي تجعلها تقابل والدة تلك المرأة والتي تقاسمها بزوجها شخصياً ومع عائلتها ! وقد غفلت تماما عن احتمال تواجد افراد عائلتها بالحفلة بما ان ابنتها تنتمي لهذه العائلة مثلها تماما .

رفعت يدها بسرعة بحياء ما ان اطالت بتجمدها من هول الصدمة لتصافحها بخجل وهي تبتسم لها بلطف يشوبها الاحمرار المرتبك ، بينما كانت المقابلة لها تقيمها بنظرة واحدة بدون ان يعتلي ملامحها اي تعبير مما يجول بداخلها .

وما ان سحبت كفها بلحظة حتى قالت بمودة فشلت بإتقانها
"هذا الشرف لي يا سيدة والدة سلوى"

اومأت برأسها بدون تعبير وهي تجول بنظراتها عليها بتعمد قبل ان تنقلها لبرهة للعروس الساكنة بمكانها والتي كانت تتلاعب بباقة الورود على سطح الطاولة بدون اهتمام حقيقي وكأنها ليست المقصودة بكل هذه المباركة !

لتعود بعدها بنظرها للواقفة امامها ولفريستها وهي تبتسم لها بدون اي مرح حقيقي هامسة بمحبة مزيفة
"لقد كنت قد حجزت شادي الفكهاني لابنتي الثانية ، ولكن يبدو بأن شقيقتك قد استولت عليه كما استوليتم على اولاد عائلة الفكهاني"

مرت لحظات ساكنة على الجميع حتى خفت صوت الموسيقى والضوضاء من حولهم لبرهة ، لتقول بعدها التي افاقت من صدمتها وهي تمسك والدتها من ذراعها بقوة هامسة بانشداه غير مصدق
"ما هذا الذي تقولينه يا امي انا ؟......."

قاطعتها التي لكزتها بمرفقها بصرامة لتصمت ، لتقول بعدها بلحظات التي كانت تبتسم بلباقة لم تتأثر بعد كل شيء بجاذبيتها الملفتة للأنظار
"شكرا لكِ على اهتمامك ، ولكنه القدر والذي كتب لشقيقتي ان تتزوج من ابن خالها شادي الفكهاني ، وانا متأكدة تماما بأن القدر كذلك يخبئ لابنتك بما هو افضل لها ويسعدها بحياتها القادمة"

تجمدت ملامحها وهي على وشك الكلام لولا التي تدخلت وهي تقول لأول مرة بابتسامة ودودة بدون اي تزييف
"هذا لطف منكِ يا روميساء ، واتمنى ايضا لكما كل السعادة الابدية والراحة مدى الحياة ، والآن عذرا علينا الذهاب ! ومبروك زواج شقيقتك مجددا"

اومأت برأسها بامتنان وهي تشاهدها تسحب والدتها معها رغم ممانعتها لتسير معها لأسفل المنصة ، قبل ان تلتفت قليلا برأسها وهي تصرخ بالطفل الساكن بمكانه بصرامة
"هيا يا يامن تحرك !"

انتفض الطفل الذي كان شاردا بالمرأة الجميلة امامه وهو مسحور بجمالها الأخاذ بطريقة طفولية ، ليبتسم بعدها بشقاوة وهو يلوح لها هامسا بسعادة قبل ان يجري بعيدا عنها بلمح البصر
"وداعا يا جميلة ، لنا لقاء آخر"

اتسعت عينيها الخضراوين بذهول مصدوم بدون ان تخرج من صدمة كلام تلك المرأة ليأتي هذا الطفل الجريء وهو ينعتها بالجميلة بكل وقاحة تراها لأول مرة على طفل ! لتضحك من فورها لا إراديا فقط شعور بكلمات ذلك الطفل اراحها كثيرا لينسيها بعضا من كلام والدته المسموم والذي لم تلمح به اي محبة تكنها نحوها مثل حال ابنتها تماما .

عادت بخطواتها لتقف بجانب الساكنة بمكانها طول نقاشها مع المرأة وهي تأخذ دور المشاهد والمستمع فقط بدون كلام ، ومن حسن حظها بأنها لم تتدخل وألا لكانت حدثت حروب هم بغنى عنها .

قالت بعدها وهي تبتسم لها بلطف ما يزال الارتباك يأخذ حيز بملامحها بعد كلام تلك المرأة
"كيف هي احوالك ؟ لم اسمع صوتك منذ مدة !"

رفعت عينيها الباردتين بعيدا عن باقة الورود وهي تنظر لها بسكون ، لتعود بلحظة لخفض نظرها وهي تهمس بعدم مبالاة متعمدة
"كيف سأكون مثلا ؟ انتظر نهاية هذه المسرحية والمسماة حفل زفاف وهي اقرب فقط لاستعراض مبتذل امام ناس من طبقات مخملية !"

تنفست بهدوء وهي تنظر بعيدا عنها بدون كلام بعد ان فقدت الأمل بتغيير نظرتها بحفل الزفاف والمقام من اجلها بدون ان تبتذل اي مجهود حتى بابتسامة سعادة امام كل هذا الاستعراض كما تقول ، لتسمع بعدها صوتها البارد والذي اختفى منه كل لمحة من السخرية
"هل جرحكِ كلام تلك المرأة المبتذلة وعائلتها المستعرضة ؟"

التفتت نحوها بهدوء لتصدم بعينيها المتسعتين بجمود قبل ان تبتسم بشحوب ساخر وهي تقول
"لقد سمعنا كلام اسوء وافظع من هذا الكلام بكثير فيما مضى ! لذا لما قد يضايقني مثل ذلك الكلام والذي لم تقصد منه سوى إهانتي والانتقام من اجل ابنتها والتي سرقت زوجها ؟"

حركت رأسها بعيدا عنها بتصلب وهي تهمس بابتسامة جانبية بخفوت
"انتِ لم تسرقي احد يا روميساء ، بل هم الذين لم يستطيعوا المحافظة على زوج ابنتهم والذي ضاق ذرعا من ابنتهم المتسلطة المدللة والتي لا تطاق الحياة معها ابدا ، لذا فلتستمر بكرهها ونقمتها عليكِ بما انها لن تأثر بكِ ولو قليلا ولن يغير كلامها من وضع العالم الذي تعيش به"

اومأت برأسها بشرود لبرهة قبل ان تعود ابتسامتها لتشرق بمحياها الجميل بلحظة وهي تنظر بعيون خضراء متسعة ببريق لصاحبة الابتسامة الرقيقة والمتجهة نحوهما مباشرة ، لتقول من فورها بسعادة عادت لتتألق بحياتها وهي تنظر بطرف عينيها للجالسة بجانبها بمغزى
"انسي كل هذا الحزن والبؤس الآن ، لأنني قد وجدت لكِ اخيرا الشخص المناسب والذي سيزيل عنكِ هذا الرداء المقيت ويبدل حياتك لبهجة دائما ما تحضرها معها !"

نظرت لها بحيرة واجمة لوهلة وهي تحين منها التفاتة لمسار نظرها...لتقع من فورها على المتجهة نحوهما والتي كانت تلوح لها بيدها برقة ساحرة وبابتسامة عسلية جميلة دائما ما تتألق بمحياها....وكأنها مبعوثة للعالم من اجل ان تبهج حياة من حولها بسحر يطغى على وجودها لا يعرفها ولا يشعر بها سوى من تعايش مع تلك الهالة الرقيقة والتي تغلف حياتها منذ الصغر....لتكون للعالم اكسير حياة وملاذ للآخرين بدون ان يرى احد حزنها الجديد والذي اصبح يلوح بحياتها ببهوت اصبح يتجلى عليها رويدا رويدا حتى يدمر آخر ما تبقى من جمال لا يليق ابدا بظلم العالم....

_______________________________
كانت العينان الهادئة بهدوء العواصف بتوابع ما يجول بداخله من مشاعر جياشة كارثية تراقبها عن كثب بتركيز جديد منذ بداية الحفلة....بل بالأحرى منذ خروجها من المنزل بتلك الطلة الملكية والجديدة عليه والتي تليق بحفلات ارقى العائلات بالمجتمع المخملي والمتناقض عن هيئتها السابقة بحفلة العمل والتي كانت تبدو بها مثل طفلة صغيرة تائهة تشاهد العالم من حولها لأول مرة....ولكنها الآن تتحدى الحفلة المتواجدة بها بأناقة مظهرها وفخامة محضرها وكأنها معتادة منذ شبت عن الطوق على حضور مثل هذه الحفلات من الطبقة المخملية الراقية....بدون ان يغزو بقلوب الحاضرين اي نوع من الشك ولا بأنها عاشت بحياة جربت بها كل انواع الذل الهوان وهي تصل لمستوى اسوء من الحضيض .

يتذكر جيدا مظهرها والذي ما يزال مزروع برأسه مثل النار بداخله والتي تتقد بثانية لتعود لتنضب بالثانية الاخرى وخاصة عندما حطت عينيه على شكلها من رأسها حتى اخمص قدميها....وهي ترتدي فستان قاتم بلون التوت لأول مرة يجرب رؤية الألوان القاتمة عليها....والتي كم زادت من فتنتها وجاذبية سحرها والتي تخترق القلوب وتتربع هناك بدون استئذان ولا انتظار ! وهو يرتفع لشعرها الاسود المعقود والمصفف فوق رأسها بأناقة وتهذيب عند مسرحة شعر محترفة كانوا قد ذهبوا إليها هي وشقيقتها....لتظهر لمعان شعرها الفاحم وهي تترك خصلتين مجعدتين عند صدغيها لتنساب عند جانبيها بلفائف ناعمة تغريك للتلاعب بها...وهي تظهر استدارة وجهها ذو البشرة البيضاء الشاحبة مع طلاء شفاه توتي بنفس لون الثوب...وهو يصاحبها احمرار طفيف اصبح يحتل اعلى وجنتيها مؤخرا بدون ان يعلم إذا كان من ضغط العمل الشديد او من نفسيتها المتقلبة وثورتها الجديدة بالآونة الاخيرة ؟ وهو لا يفهم سبب كل تقلباتها الاخيرة بالثلاث ايام الماضية بدون ان تفتح له اي مجال لعقد اي هدنة بينهما وكأنه قد اذنب بحقها ؟!

تصلبت ملامحه بلحظة ما ان تذكر عندما تجاهلت وجوده كالعادة عند مدخل المنزل وهي تسير بأناقة مظهرها بعيدا عنه ، عندها لم يتمالك نفسه اكثر وهو يمسك بذراعها ما ان وقفت بمحاذاته ليقول من فوره ببطء خطر وبجمود ما يزال يحافظ عليه
"إلى اين يا آنسة روميساء ؟ المفروض ان تنتظري حتى نذهب معا ومع زوجك ! ام تريدين التكهن بموقع قاعة الحفلة لوحدك ؟"

تسمرت بمكانها لوهلة قبل ان تقول بابتسامة باردة وهي ترفع رأسها بقوة
"لا تقلق عليّ يا زوجي العزيز ، فقد حفظت مكان موقع القاعة مسبقا ، ولا احتاج لك لترشدني لمكان وجهتي كما لم احتاج لك بذهابي للمدرسة ، والآن فكر فقط بمهمة إيصالي زوجتك الاولى والتي تحتاج إليك اكثر مني"

تشنجت ملامحه بغضب وهو يرفع حاجب واحد بحدة مفكرا بالغباء الغير محدود والذي دفعه يوما ليعلمها القيادة وتمتلك سيارة خاصة بها ! والسبب والذي جعلها تتخلى عن جميع خدماته بالحياة وتستقل بنفسها بعيدا عنه واكثر مما يحتمل .

حاد بنظراته نحوها بحدة وهي تحاول نزع يده بعيدا عن ذراعها باستماته وبملامح متلبدة بوجوم عابس ، ليشدد بعدها تلقائيا على ذراعها بقوة بدون ان يهتم لصوت احتكاك عظامها وتأوهها الواضح وهو يهمس بأمر نافذ بدون ان يبعد نظراته عنها
"وانا قلت بأنكِ ستذهبين معي ومع ضرتك الثانية وبدون اي اعتراض ، فأنا لم اسلمك رخصة القيادة وسيارة خاصة بكِ لتذهبي بها لكل مكان يحلو لكِ ، وتنسين صاحب هذا المعروف والذي قدمه لكِ بيوم من الأيام يا ناكرة الجميل وقليلة الأدب"

رفعت وجهها بسرعة مع شفتيها المنفرجتين بلون التوت البري وهي تهمس من بينهما بقنوط زاد احمرار وجنتيها باحتقان الغضب
"انا قليلة ادب يا احمد ! حقا هل تراني هكذا بالنسبة لك ؟"

التوت ابتسامته لا إراديا بتشنج التأثير وهو يتمتم بدون صوت بشغف واضح
"بل انتِ ملكة الحفلة والتي لم ترى عيني بجمالك !"

تجمدت ملامحها لبرهة بشعور بالارتعاش والذي تخلل بأطرافها بلحظة وهي تحاول قراءة الهمسة والتي غادرت شفتيه بحاجبين معقودين بوجل ! لتقول بعد عدة لحظات بوجوم وبعد ان فقدت القدرة على التفكير
"بماذا كنت تهمس الآن ؟!"

عادت ملامحه للعبوس لوهلة بدون ان يتنازل بأخبارها بما نطقته شفتاه لكي لا تزيد تمردا وبهذه اللحظة بالذات وبموقف جاد لا يتطلب اي غزل من اي نوع ، وهو يقول بجمود صخري وبجدية عادت لتغزو ملامحه بلحظة
"هذا ليس من شأنك ، وإياكِ وان تفكري مجددا بذلك الغباء بالذهاب لوحدك للحفلة او لأي مناسبة تحدث بالعائلة بدون شريكك وزوجك ، فهذه المناسبات مهمة جدا ان يتواجد بها معكِ زوجك ليس فقط من اجل صورتك امام الاقارب والاصدقاء بل من اجل سمعتك امام المجتمع العريق ، هل فهمتِ ما اريد إيصاله لرأسكِ العنيد ؟"

امتعضت ملامحها بحنق وبرفض عاد للبريق بمقلتيها الخضراوين الواسعتين ليلوج بداخلها بتناقض كما يحدث معها مؤخرا وكأنها طاقة تريد ان تفجرها بأيً كان بدون ان تعرف مصدرها ؟ وقبل ان توقف جماحها كانت تقول بجفاء بارد وهي تتلوى لتحرر ذراعها بغضب اكبر
"لا لم افهم ولا اريد ان اصغي لك ! فأنا ليس لي شأن بمجتمعك العريق والذي لا انتمي له بأي شكل ، لذا اتركني اذهب وفكر بصورتك امام مجتمعك بعيدا عني....."

قاطعها بموجة غضب عارمة بعد ان افلت اسرها بداخله وهو يقبض على ذراعيها معا مستديرا امامها بكلتيه ليصرخ بلحظة بوجهها باستنكار متجهم
"كفي عن هذا يا روميساء ، فهذا لم يعد يحتمل صدقا ! فقط اريد ان اعلم بماذا اخطئت معكِ لتنقلبي ضدي هكذا حتى اصبحتِ على هذه الصورة المتناقضة والشرسة وانتِ تعصين كل ما اقوله لكِ بتحدي سافر لم اعد استطيع مجاراتك به ؟ ألديكِ جواب واحد لهذا الانقلاب الغير مسبوق ؟"

زمت شفتيها بامتقاع مرتجف سرى على طول جسدها وهي تحدق به بتلك المقلتين الواسعتين بدون اي جواب او شعور ، وكل ما تفكر به فقط هو الشيء الذي بدأ بالتكوّن بداخلها رغم كل ما يحيط به بدون ان تجد مبرر له سوى بجواب واحد غير متيقنة منه ولا تريد الجرأة على التفكير به ؟ وهي ما تزال متخبطة بكل ما تعيش به إذا كان مشاعر غير منصفة او حياة غير سوية بالنسبة لها !

نفض ذراعيها بعيدا عنه اقرب للقسوة ما ان تداخل بينهما صوت آخر يتبعها بطرق عالي لكعبي حذائيها المسننين وهي تقول بدلال انثوي
"هل تأخرت عليكما ؟ إذا كان هذا صحيحا فأنا اعتذر فلقد نسيت مكان عطري الفرنسي والذي كنت استخدمه عادةً بالمناسبات ، لذا اعذرا تأخري عليكما !"

اخفضت نظراتها بجمود بدون كلام وهي تدلك على ذراعيها تلقائيا بصمت واجم ، ليقول بعدها الذي حرك رأسه بعيدا عنها بتصلب بارد
"غير مهم ، لنذهب الآن للحفلة فقد تأخرنا بما فيه الكفاية"

ليدس بعدها يديه بجيبي بنطاله بلحظة قبل ان يتسمر بمكانه بتصلب ، ليرفع بعدها حاجبيه بجمود وهو ينقل نظراته بينهما بتمهل قائلا بأمر صارم
"سأذهب لأحضر مفتاح السيارة من غرفتي ، لا تتحركا من مكانكما حتى عودتي"

وقبل ان تصدر اي ردة فعل منهما كان قد غادر بسرعة باتجاه البهو الواسع للمنزل بصمت ، ولكن ما لم يتوقعه بعودته بدقائق معدودة هو صدمته بعدم وجود زوجته الثانية ، وهو يتذكر جواب التي كانت تبتسم له بسخرية باردة وهي تحرك كتفيها بعدم مبالاة متعمدة
"لا تنظر هكذا فقد رحلت زوجتك الثانية بحجة بأنها لا تستطيع الانتظار حتى تعود ، وتقول لك بأنها اكبر عمرا وخبرة من ان تنتظر من يوصلها لوجهة حياتها القادمة !"

تأفف بنفاذ صبر وهو يضرب مقدمة جبينه بقبضته بغضب مكتوم ما يزال يستعر بأحشاء روحه ، وهو يخرج من دوامة افكاره غصبا مسلطا نظراته من جديد لنفس الوجهة ، ولكن مع موجة غضب تكاد تدمر كل ما يحيط بها وهو يرى تلك الهالة الغير مرئية والتي تجعلها محط اهتمام الجميع بهذا المجتمع الراقي بدون ان تصدر منها اي هفوة قد تأثر بتلك الهالة المحيطة بها طول الحفلة ، والحق يقال بأنه لم يجد منها للآن اي خطأ قد يؤثر بصورتهم بسوء وامام الجماهير بحفلة تجمع كل طبقات المجتمع ، وهي تتصرف مع كل من تقابله بلباقة وجمال تسحر العين وتلعن القلوب بجمال اسلوبها والواضح للعين وخاصة امام عينيه الحارستين لها ولأدق حركاتها ، وحتى انه لوهلة دخل الشك لرأسه وخاف من اندلاع العاصفة بأية لحظة ، ما ان لمح وصول عائلة (سلوى) وذهابهم مباشرة لمقابلة تلك الأنيقة والتي تستقبل كل مباركات العروس وكأنها والدة العروس شخصياً ، ليرتاح بعدها بلحظات وبعد ان انزاح الشك من رأسه ليطفئ القليل من نيرانه المتهدجة بداخله ، وهو يرى ابتعاد تلك المرأة مع ابنتها والتي تظهر من ملامحها خسارتها الفادحة بدون ان تطول شيء مما كانت تخطط له امام تلك الانيقة والتي فاق اسلوبها وسحر حضورها الجميع ، وماذا كان يتوقع غير هذا من زوجته المنصفة والتي تظهر روعتها مع الجميع سوى مع زوجها ؟

تنهد بعدها بحرقة غريبة وهو يعود بنظره للحاضرين الآخرين مفكرا فقط بعبارة واحدة كانت تجول بفكره منذ بداية الحفلة وايقن الآن بصحة المقولة

(الفاكهة الجميلة حلوة المذاق مع الجميع ألا مع صاحبها والذي لا تذيقه سوى من مرارتها)

______________________________
رفعت رأسها فجأة ما ان تنبهت اذنيها لصوت موسيقى هادئة بنعومة الامواج منبعثة من مكبرات الصوت بأنحاء القاعة قاطعة الاجواء والتي كانت تحوم بالمكان...حتى بدأت بعض الرؤوس بالارتفاع تدريجيا والانصات لصوت الموسيقى باهتمام بالغ...وما هي ألا لحظات حتى ظهر صاحب الحفلة وهو يسير بخطوات واثقة باتجاه العروس الساكنة بمكانها بدون اي تعبير يعلو ملامحها وعينيها تتلاحم مع عينيه المسلطة عليها بدون ان تترك اسرها...والأعين من حولهما بدأت بالتتبع بينهما بتشوق وفضول طغى على الاجواء الحائلة بينهما ...

صعد المنصة بثواني بدون ان يترك حصار عينيها ليقف بعدها امامها تماما وهو يتأمل حدقتيها الزرقاوين بلونهما السماوي الجديد....وبدون اي حواجز او جدران تفصل بينهما وعن رؤية فتنة عينيها الجميلتين ببهوت ما يزال يأسره....ليبتسم بعدها بجمود صامت ما ان بدأت ملامحها بالشحوب المتحجر على تفاصيل وجهها الدقيقة والتي لم تخفي المساحيق اي جزء منها...وهي تخفض جفنيها الحمراوين ببطء بتلك الطريقة الساحرة والتي تعطيه الفرصة لتأملها بحرية اكبر واشباع غريزة الغرور الذكورية والتي نمت معها...ليسمع بعدها بثانية ذلك الصوت البارد ببحة حزينة ما تزال تحاول اخفاءها بروحها المنتفضة
"ما لذي تخطط لفعله الآن ؟ ألم تكتفي من كل هذا العرض المسرحي !"

عض على طرف ابتسامته بتسلية وهو ينحني قليلا امامها بدون ان يأبه بالنظرات الدائرة من حولهما ، وهو يهمس بصوت اجش واثق بنبرة منتشيه
"انا احاول الاستمتاع بحفل زفافي ، ولكن متعتي ناقصة بدونك ، لذا اريد منكِ مجاراتي بهذه المتعة لنستطيع ان نتقاسمها معا ، ولكي لا يظن الشعب الناظر لنا بأن هناك من عداء بيننا او ارغام من الطرفين على هذه العلاقة"

ارتفع حاجبيه ببرود متسلي لوهلة ما ان رفعت بلحظة حدقتيها المستديرتين على اتساعهما الفاتن بغضب بدأ يموج بتلك الاحداق الصامتة ويبرز بعض الدموع الندية بأطراف استدارتهما بدون ان تغادر سماء عينيها ، وكأنها تنبثق من نيران الغضب المندلعة بداخلها بدون ان يشعر احد بألسنتها ، وكم سيكون سعيدا عندما يطفئ تلك النيران بهذا الكائن الفاتن نهائياً وإلى الأبد !

نطقت بعدها بلحظات بابتسامة ساخرة استطاعت الحفاظ على ثباتها والمتناقضة مع شكلها الحزين
"ولكنها الحقيقة وعلى الجميع ان يعلم من ارغم الآخر على هذا الزواج ! وما هي الوسيلة التي استخدمها لتوافق على هذه المهزلة ؟ لذا توقف عن زيادة هذه الشعلة من الكره والتي ستحرقك حياً"

ابتسم بهدوء بدون ان يتأثر بأي حرف نطقتها شفتيها المرتجفتين غضبا وقهرا بدون ان ينتشل عينيه عنها ، وهو يعود للكلام بحركة من رأسه للخلف قائلا بابتسامة مستهزئة ببساطة
"يمكنكِ ان تضحكي على شخص آخر غيري يا ماسة ! فأنا اكثر من يعلم برغبتك بدفن كل شيء يتعلق بذلك الماضي بعيدا ، وانا لست اقل منكِ رغبة بذلك ، لذا توقفي عن تصعيب الأمر على كلينا واجعلي كل شيء يسير بسلاسة وكما هو مخطط له ومقدر للجميع"

تنفست بارتجاف قبض على روحها لوهلة وهي تحرك مقلتيها حولها لا شعورياً بغريزة الحذر ، قبل ان تعود بنظرها له بلحظة وهي تضيق عينيها الزرقاوين ببهوت بعد ان حل السكون على امواجها هامسة بامتعاض خافت
"وماذا الآن ؟!"

لانت ملامحه لبرهة امام كلماتها الاخيرة والتي خرجت منها مثل انين البحر بعد زوال العاصفة عنه ، ليرفع بعدها رأسه بلحظة وهو يتنهد بابتسامة منتصرة قبل ان يمد ذراعه امامها وهو يقول بصوت اجش جهوري وبجاذبية غريبة
"هل يمكنكِ مشاركتي بهذه الرقصة يا عروسي ؟"

سكنت الاجواء من حولهما للحظة فقط قبل ان يعلو صوت التصفيق والحماس بأجواء القاعة بثواني معدودة ومنهم بدأ بالتشجيع والتصفير بحماس منقطع النظير وكأنه عرض ملهاة امامهم وما كانوا ينتظرونه منذ بداية الحفلة !

عضت على طرف شفتيها بغيظ مما وقعت به وهي تنظر بأطراف عينيها باستياء للفتاتين واللتين كانتا تشاركان بموجة التصفيق والحماس ، وكأنهم يعيشون اجواء حفلات الزفاف حقا بالعلم بأنهم اكثر من يعلموا برفضها الشديد لمثل هذه العروض والمشاركة بهذه الحفلات السخيفة ؟ حولت نظراتها امامها بلحظات وهي تتأفف بضيق ممسكة بيده بقوة تكاد تكون عنيفة بدون مقدمات ، ليسحبها من فوره ببساطة الذي كان يبتسم باتساع جذاب امام العيون الناظرة لهما وهو يسير معها بهدوء باتجاه ساحة القاعة المستديرة بأضواء ملفتة بتموج خاطف .

وما ان وقفت امامه بمنتصف الساحة والاضواء مسلطة باتجاهها بكل مكان بالقاعة حتى شعرت بالرعب يجمد حركاتها بانتفاض تخلل اطرافها لوهلة ، وهي تتحول لمحط انظار الناس المحدقة بها بتركيز حاد بعث الرعشة والبرود بأعماق روحها الغائرة ، وكأنها عادت للخوف الغريزي من نظرات الناس ومن تحليل سبب كل نظرة تخرج منهم والتي تصيب قلبها بكل انواع الطعنات ، وخوف دائم من انكشاف السر المستور خلف تنكر باهت على وشك الزوال تدريجيا بدون ان تحدد وقت نهاية دورها بلعبة المجرمة الصغيرة !

ارتجف كل طرف بجسدها المشدود ما ان شعرت بيديه تمسك بخصرها بقوة انغرزت بروحها وهو يقربها منه ببطء شديد....حتى التصقت بمنحنيات جسده الصلب بقوة والذي تشعر به يتجاذب مع شحنات جسدها المتنافرة بطريقة كارثية ألجمتها بمكانها....لترفع بعدها عينين مشدوهتين ببهوت وهي تقابل نظرات سوداء قوية بابتسامة جامدة تزين طرف شفتيه وهو يشير بعينيه بدون اي حركة ظاهرة لكتفيه بأمر صامت لتضع يديها فوق كتفيه....اخفضت نظراتها بلحظات وهي ترفع يديها بارتجاف واضح سيطر على مفاصلها....قبل ان تصل بهما لكتفيه وهي تزيد من قبض اناملها على قماش سترته لا إراديا بتشنج وبتأثير غريب طغى على مشاعرها الملتهبة بنيران جديدة بعيدا عن الغضب وهي تطفو على سطح روحها المتخبطة بصدرها....ولم تشعر بحركاته الثابتة مع بداية الرقصة والتي لم تكن سوى عبارة عن حركات متأنية كانت تزيد من ضغط يديها كما جسدها المنتفض والذي كانت تدفن كل انتفاضاته بقرب جسده والذي تلاحم معها وانتهى ....

يتبع..........


روز علي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس