عرض مشاركة واحدة
قديم 14-10-21, 09:10 PM   #521

آمال يسري

كاتبة في قسم قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية آمال يسري

? العضوٌ??? » 462711
?  التسِجيلٌ » Mar 2020
? مشَارَ?اتْي » 946
?  نُقآطِيْ » آمال يسري is on a distinguished road
افتراضي جئت إلى قلبك لاجئة 💜


الفصل الثاني والثلاثون 💜
*************
من خلف نافذة المكتب، دارت عيني أحمد في الحديقة في انتظار عودة نغم التي أحس بتأخرها، هو تركها كي تختلي بنفسها قليلا لكن الجو بارد وملابسها التي خرجت بها خفيفة كما أنها بالتأكيد في حاجة إلى راحة فالنوم ربما يفيدها، وحتى لو خاصمها كما يفعل معه الآن لكن ربما إن مددت جسدها المتعب طوال اليوم يغلبه نومها فيفوز لتغفل بعض الوقت، نظر في ساعة يده بينما يمسد لحيته المشذبة فيما نسمات الهواء صاحبها ذرات خفيفة من المياه ترشق الأرض تعلن عن ليلة مطيرة!.
هنا ترك مكانه دون تردد وسار تجاه باب مكتبه يخرج منه ثم إلى حيث تجلس نغم مصرا أن لا يستمع لعنادها وأن ترتاح قليلا.
هبط درجات السلم بخفة، يسير بذات الخفة تجاه حوض السباحة بينما المطر يزداد ويبلل ملابسه!.
ما إن وصل حيث المفترض تكون نغم، تجمد مكانه كأنه تسمر أرضا واتسعت حدقتاه، احتبست أنفاسه في مشهد مهيب ربما لن ينساه طوال عمره..! بينما يرى جسد نغم يغوص في الماء، يداها تتبعها مستسلمة، لا تحارب كي تطفو على سطح الماء، تاركة خلفها فقاعات تهدأ رويدا رويدا كنبضات قلبه التي تكاد تتوقف لولا أنه استعاد وعيه ليهرول تجاه حوض السباحة…
ها هي سترتاح!؛ ستترك لهم الدنيا التي لم تعد تتسع لها، حبست أنفاسها، تفتح عينيها، ترى أمامها عمرا كاملا كله ألم ، شريط حياتها يمر أمامها بطيء وسط الماء الذي وكأنه كان على ميعاد معها، يضمها مرحبا، يطبطب على وجعها، يشوش رؤية ألمها الذي يجرح عينيها كما يفعل في قلبها، هنا هاديء جدا، لا تسمع تلك الاصوات التي تشبه سياط النيران، هنا؛ لا توجد هالة ولا كريم، هنا لن ينهش أحد جسدها، لن يعايرها أحد بيتمها، هي اللقيطة على أرضهم أما هنا فلا تفرقة..
سترحل ولن تضطر لمواجهة أهل أحمد ولن تجعله يغصب نفسه على زيجتها كي يمحو ذنبه، لن يشفق عليها، لن ترى نفسها ضعيفة.…
ألقى أحمد بجسده في الماء، يشوش لها كل ما فكرت فيه وهي التي ظنت سترحل بلا وداعه ولا نظرة عينيه التي باتت داعمة لها، ترى لهفته عليها وهو يتلقفها بين يديه ضاما إياها لصدره بكل قوته، يصعد بها إلى سطح الماء، رغم محاولاتها الواهنة أن لا تستكين له، تنتزع نفسها منه بضعف كي تظل في القاع، تفتح فمها تستنشق الماء لتختنق مع أوجاعها!؛ تغيب بعيدا لكنها تشعر بدقات عالية تخبط في صدرها كما لو كانت تعيش داخلها لتدعمها كي تكمل!.
وضعها أحمد برفق على حافة الحوض، تعلو انفاسه وتهبط بصخب، جثا على ركبتيه جانبها، يحس بانهيار روحه !؛ تهدم جموده بينما يرى جسدها ساكن بلا حراك فيكاد كل بدنه يتوقف معها، يهتف بوجع كأنها ستسمعه ويسألها:
" كيف حدث هذا!؟؛ لما تركتك وحدك وأنا أعلم بأنك في أشد الحاجة لقربي!"
يضغط بيديه على صدرها ينادي اسمها بوجع شق روحه، يهمس بصوت متحشرج:
" لا تتركيني يا نغم، لا ترحلي، فالطريق لا زال في بدايته، لأجلي أنا فأنفاسي تغادرني معك.."
يديه كانت لا تبارح صدرها، تضغط عليه علها تستفيق فيما السماء كانت سخية كأنها تبكي نغمته فيرتطم قلبه بين أضلعه، عاد الضغط بكفيه مرارا وتكرارا، ينظر لها بعدم تصديق، وجهها ازداد شحوبا ونحولا، عيناها الخضراوين اللتين كانتا دفئا في برد الشتاء!؛ مغمضتين لا تنظران له، لا ترمقه بنظرتها الشرسة ولا تلك الحانية التي تشبه نظرة الأم لابنها! ولا بتلك النظرة التي تجمع بينهما، ألم يخبرها بأنها تستطيع جمع كل تلك النظرات في مرة واحدة؛ بلى، سيخبرها حينما تُرد له سالمة، خفقات قلبه تعلو بعنف فلم تعد ضلوعه تتحمله وعينيه تصرخ أترحلين؟!
ليهتف بصوت مخنوق ودموعه تنساب سخية تمتزج مع مطر الشتاء:
" لا ترحلي.. !"
علت نبرة صوته وهو يقترب منها يعيد كلمته ثم ينظر للسماء برجاء هامسا بتضرع يارب قبل أن ينحني قربها يحدثها وهو يضغط على صدرها بأن لا تتركه حين شهقت بقوة تلقي ما في جوفها من ماء استنشقته بنفسها!، زفر أحمد بكل قوته وهو يحدق في وجهها دون تصديق بينما يضم رأسها بين كفيه ويهتف بلهفة:
" أنت هنا لم ترحلي!"
ظل يعيدها عدة مرات بينما نغم تنظر له بإعياء شديد، عيناها تدور في محجريها غريقة تلقفها سباح ماهر يخفيها بين أضلعه!.
رفع أحمد وجهه للسماء شاكرا الله بتضرع قبل أن يحملها بين يديه ويسير مهرولا تجاه الفيلا.
★★★
في ذات الوقت كانت ياسمين تجلس على السرير فيما تضع حاسوبها أمامها، جانبه أحد الكتب التي سوف تذاكر فيها، فكرت أن تسهر قليلا للانتهاء من بعض دروسها لكنها لا تستطيع التركيز فكل انتباهها توجه صوب أحمد ونغم، تشعر بشيء غريب وسط كل هذا!؛ نعم هي وافقت على ما قاله أخيها ولم تفكر حتى أن تجادله وذلك أنها تثق في كل قرار يقدم عليه فرجلا كأخيها عاش سنوات عمره وحيدا وفي عقله الرزين كما أنه حافظ على حياة كالتي يعيشها وإرث والده لن يخطأ في قرار زواجه لكنها لا تستطع منع نفسها من القلق بأن يكون أخيها طلب معلمتها كي يحميها من تلك الألسنة التي لا ترحم، ربما تأثر بما عانته نغم اليوم فانهيارها وحزنها كان واضح وهي لا تعرف ما حدث بالضبط من زميلتها بالعمل ليجعل ملامح نغم شاحبة كأنها فارقت الحياة مع دموعها التي رافقتها طوال الوقت الذي قضته معهما على العشاء رغم أنها كانت تمنع نفسها من ذلك لكن الدموع كانت تنساب بين الحين والآخر في غفلة منها، كل هذا جعل ياسمين تخاف أن يكون عامل مساعد في لين قلب أخيها وتقديمه المساعدة لها في هيئة زواج!.
أغلقت الحاسوب وكذلك كتابها فيما تزفر بعمق، تلتفت إلى صورة أخيها القابعة على الكومود تتساءل؛ لو لم يكن كما تظن بأنه سيتزوج معلمتها لأجل حمايتها إذن ما السبب!؛ متى أحب الميس وكيف لم تر هذا ولم تشعر به وهي دوما بينهما؟!، كلا منهما يتفادى لقاء الآخر بقصد!؛ إذن أي حب هذا!؛ أخذت الصورة من على الكومود، تتأمل وجه أخيها الحبيب، تبتسم له كأنه يراها بينما تهمس له:
" أبيه، أنا أحب ميس نغم وأتمناها زوجة لك وأخت لي لكن إياك أن تتزوجها حماية لها لأنك سوف تمل مع الوقت وحينها أنا من سيخسرها وليس أنت فقط!"
تنهدت طويلا وهمست :
" قد تظنني لا أفهم كيف هو الحب لصغر سني لكنني أعلم كيف يكون منذ أن خطت قدماي الحياة ورأيت عيني أبي تنظر لأمي بهذا الحب العمق، عرفت كيف يعشق رجلا إمراة ويحترمها من حنان أبي وخوفه على أمي؟، لكن أنت والميس…"
قاطعت كلماتها وهي تضع الصورة على الكومود ثم تابعت محدثة إياه :
" عيناكما تتنافران، هذا الجد في علاقتكما لم يوح لي بأي حب…!"
مسدت جبينها بألم وهي تهمس:
" يا إلهي رأسي سينفجر من التفكير!"
لاح أمام ناظريها وجه أبيها الحاني لتأخذ هاتفها من على الكومود تفكر في الاتصال به، تفضفض له عما حدث وما يجول في خاطرها وربما قال لها ما يهدأ مما هي فيه حين صدح صوت أحمد في أرجاء الفيلا يكاد يهدم جدرانها( يااااسمين)
★★★★
بخطوات سريعة دخل احمد لبهو الفيلا وصوته الجهوري يعلو، ينادي على أخته فيما يتوجه صوب غرفة نغم التي تتهدل يديها جانبها بلا حول لها ولا قوة، وضعها على السرير بلطف شديد، يدثرها بكل الأغطية التي جاءت يديه عليها، يهمس سائلا إياها وهو ينحني قربها:
" أنتِ بخير!"
فترمش بعينيها في وهن أن نعم فينخلع قلبه وهو يراها بهذا الضعف كما لم تكن قبل!.
تبعته أم سيد بهلع وهي تضرب على صدرها بخوف على تلك الفتاة التي لم تر منها إلا كل خير منذ جاءت ضيفة خفيفة للفيلا.
هرولت ياسمين على درجات السلم بينما صوت أخيها يصدح في المكان يناديها فتكاد تتعرقل مع كل درجة تنزلها إلى أن وصلت لغرفة نغم حيث صوت أحمد، تتخطى أم سيد التي تسأله ماذا تفعل للمساعدة دون أن يجيبها كأنه في عالم آخر حين هتفت ياسمين بهلع عن سبب ندائه الذي يهدد بإيقاف قلبها.
تجمدت ياسمين مكانها وهي تراه غارقا من أعلاه إلى أخمص قدميه بالماء فيما ينحني يغطي نغم التي تنتفض تحت الأغطية..
هنا سيطرت على نفسها وتحركت تجلس جوار نغم وتسأل أحمد بذعر عما حدث؟!.
تحرك الأخير بخفة إلى الخزانة، يفتحها ويأخذ منها أغطية أخرى يغطي بها نغم بينما يقول :
" انزلقت قدماها من على حافة حوض السباحة!"
فرد الغطاء على نغم بينما عيناه تشرد، يذكر كيف كانت يديها مستسلمتين لا تقاوم للصعود على سطح الماء كما أنها كانت تدفعه عنها كي لا ينقذها..!
شهقت ياسمين فأعادته من شروده وهي تنحني على نغم تضمها لها وتهمس تسألها إن كانت بخير لكن الأخيرة كانت تغيب بين اللحظة والأخرى ليقول أحمد لاخته:
" بدلي لها ملابسها وأنا سأتصل بالطبيب كي يأتي!"
رنت ياسمين بعينيها تجاه أخيها بغموض و الذي رمق نغم بنظرة طويلة! قبل أن يتركهما معا! تتبعه أم سيد التي توجهت للمطبخ فور أن أخبرها أحمد أن ترتاح، كان الأخير يحس بأن كل هذا ضمن إطار أسرته، لا يريد من أحد التدخل، نغم ليست في حاجة لتلك النظرة المشفقة في عيني ام سيد فتلك النظرة وحدها كافية لانهيارها .
قامت ياسمين من مكانها وفتحت الحقيبة الخاصة بملابس نغم والتي لم تفكر الأخيرة بترتيبها في الخزانة، أخذت منها بيجامة وطرحة ومنشفة ثم عادت جانب نغم تهمس لها أن تعتدل كي تبدل لها ملابسها فيما نظرت لها نغم من بين أجفانها الثقيلة وردت بإعياء بنعم بينما تحاول أن تساعد ياسمين في ذلك .
ما إن أنهت ياسمين تبديل ملابس نغم ولفت لها طرحتها على قدر معرفتها حتى سمعت أحمد يدق على باب الغرفة، سمحت له بالدخول لتجده هو الآخر بدل ملابسه بأخرى بيتية مريحة، دلف للحجرة ووقف جانب السرير يسألها عنها لترد بأنها على حالها، نظر للساعة بقلق في انتظار الطبيب الذي اتصل به منذ أن تركهما معا، يشعر بأن الوقت لا يمر، عيناه تتسمر على نغم بينما يشبك يديه خلف ظهره، يرمقها بنظرة عميقة دافئة تمتزج بحزن شق قلب ياسمين التي اختلست النظر له، تحس بأن كل هواجسها خطأ وبأنها بالفعل لم تلحظ حبهما الذي بدا واضحا على أخيها الآن..
تفهم بأن أحمد ليس من هذا النوع الذي يصرح بمشاعره لكنه يعطيها بسخاء في أفعاله كما تراه الآن وهو يقف جانب نغم كحارسها الأمين الذي لا يغفل عنها أبدا، أحست بالراحة تتوغل لجسدها وهي تتيقن بأن زواج أحمد من نغم ليس لحمايتها ولا لشفقة من أخيها! فلهفته وخوفه اللذين تراهما الآن، يتحدثا نيابة عنه ولو غلف عينيه بألف باب!.
مجيئ الطبيب قاطع أفكارها والذي قابله أحمد بلهفة ليوصله حيث ترتاح نغم ليتركهم ويخرج بينما ياسمين ظلت جانب نغم لم تغادرها .
وقف أحمد في الخارج يذرع المكان جيئة وذهابا بقلق شديد، يخبط قبضة يده في كفه الأخرى، شعره الطويل نسبيا لا زال يقطر ماءا لكنه لم يهتم لتنشيفه، فقط عليه الاطمئنان على نغم حين فتح الباب ليخرج منه الطبيب وياسمين التي ابتسمت بحنو لاخيها الذي جرى على الطبيب بلهفة واضحة يسأله عنها وكيف هي الآن..!؟
وحين أخبره الطبيب بأنها ستكون بخير لكن قسط من الراحة مع بعض العلاج الذي كتبه لها سيساعدها على الشفاء خاصة وأن حرارتها ارتفعت قليلا؛أطلق أحمد تنهيدة طويلة بينما يوصل الطبيب للباب ويعطي الروشتة لأحد العاملين كي يأتي بما فيها قبل أن يعود لنغم والتي عادت ياسمين للجلوس جانبها.
★★★
ما إن وصل الدواء حتى أعطته ياسمين لنغم بنفسها، كانت الأخيرة كالمخدرة، تفتح عيناها بثقل شديد، تقاوم النوم لكنها لم تستطع حين غفت مستسلمة للنوم الذي اصطحبها أخيرا بين جدرانه على غير إرادتها، لامست ياسمين وجه نغم الناعسة بحنان شديد، تهمس لها بكلمات دافئة بينما أحمد وقف يتأملهما معا، يحس بنفسه معهما وكأن السنين تعود به لهذا الطفل الصغير الذي كان قلبه ملؤه الحب لا يشوبه شائبة، نغم وياسمين ليسا إلا بلسما لجروحه وإن ابتعدت إحداهن عنه نزف بقوة..
زفر بعمق قبل أن يدور حول السرير و يمسد على شعر ياسمين المجعد لتلتفت له بينما يقول لها:
" اصعدي لغرفتك لترتاحي"
هزت رأسها بنفي فقال :
" أنت لديكِ دروس في الصباح الباكر لذا عليكِ الراحة وأنا هنا لا تقلقي!"
ثم رنا ببصره تجاه نغم واستطرد:
" وكما ترين نغم نائمة الآن!"
وقفت ياسمين من مكانها ، تتيقن بأن أحمد لن يستمع لرفضها لذا احتضنته وهي تقول:
" سأصعد لغرفتي وإن احتجت لشيء نادني"
ربت على ظهرها بحنو ثم أبعدها بلطف عنه بينما يحتضن وجهها يقبل جبينها بعمق؛ يخبرها بحبه الذي يغمر كيانه و تعانده شفتيه بنطقه، أحست ياسمين بقبلته العميقة بأنه يعوضها عن كل سنين عمرها التي لم تجمعهما سويا؛ ترى بتلك القبلة أعماقه التي تضج مشاعر دافئة لها، يخصها بها..
تنهد أحمد بخفوت يستجمع رباطة جأشه بينما يهمس لها أن تصعد لتنام.
لاحظت ياسمين تهربه من النظر في عينيها خاصة مع دمعة عزيزة تلمع في عينيه!، التمست له العذر بعد كل ما واجهه اليوم فيما يرى نغم بتلك الحالة لذا ابتسمت له وطبعت قبلة على وجنته ترد بها حديثه الصامت ودون أي كلمة تركته وذهبت إلى غرفتها.
يتبع💜


آمال يسري غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس