عرض مشاركة واحدة
قديم 23-10-21, 10:19 PM   #179

روز علي
 
الصورة الرمزية روز علي

? العضوٌ??? » 478593
?  التسِجيلٌ » Sep 2020
? مشَارَ?اتْي » 720
?  نُقآطِيْ » روز علي is on a distinguished road
افتراضي الفصل الثامن والعشرون

الفصل الثامن والعشرون.......
ما ان حل المساء كانت تجري باتجاه باب المنزل وهي تمسح يديها المبللتين بقميصها القطني ، وما ان فتحت الباب حتى تسمرت بمكانها بشهقة محجوزة وشفتيها تهمس بلا وعي
"مازن !"

ابتسم المقابل لها بشراسته المعهودة وهو يخلع النظارة السوداء من فوق عينيه العسليتين ونظراته تتمعن بها من رأسها حتى اخمص قدميها بتمهل شديد متعمد تتخلل به السخرية ، ابتلعت صدمتها من رؤيتها له امامها وبهذا المكان تحديدا بدون ان تعلم كيف استطاع الوصول لمكان سكنها الجديد بهذه السهولة ؟

زمت شفتيها بارتجاف طغى على جسدها بأكمله بلحظة ما ان قال المقابل لها بزمجرة شرسة وبحاجبين مرفوعين بضيق
"ماذا هناك يا صفاء ؟ ألا تريدين استقبال شقيقك بمنزلك ؟ هل هذه هي آداب التعامل مع الاشقاء !"

تلجلجت بمكانها قليلا وهي تحاول النطق بحنجرتها المحجوزة بهول اللحظة والتي لم تتجاوز صدمة رؤيته بعد ، لتتراجع للخلف قليلا بفعل ذراعه والتي دفعتها بعيدا عن الباب ليدخل ببساطة وهو يقول بفظاظة
"بما انكِ قليلة تهذيب ولا تريدين استقبال شقيقك ، فأنا سأكون اقل تهذيبا منكِ واتصرف وكأني ضيف بمنزلك ولست بحاجة لأي ترحيب منكِ"

اتسعت عينيها بجزع وهي تنقض عليه بسرعة لتتعلق بذراعه بتشبث وهي تهمس بخفوت متوجس
"لا لا تستطيع يا مازن...."

قاطعها بتجهم وهو يتمتم بوجوم عابس
"ماذا قلتِ الآن ؟ هل هذا يعني بأنه غير مرحب بي بالمنزل يا صفاء !"

حركت رأسها باهتزاز بدون ان تجد الكلمات المناسبة والتي عليها الرد بها ، لتهمس بسرعة بارتباك متعثر
"لما اتيت إلى هنا يا مازن ؟"

ارتفع حاجبيه بسخافة وهو يهمس بخشونة ساخرة
"هل هذا سؤال تطرحينه على اول زيارة لشقيقك بمنزلك الجديد ؟ حقا انتِ بلهاء وما تزالين !"

اخفضت نظراتها بارتجاف وهي ما تزال متمسكة بذراعه بأناملها المتعرقة برعب تربص بروحها بلحظة خاطفة ، فهي لن تنسى ما آلت إليه زيارة صديقتها ، وهذا يعني بأن الأمر لن يختلف بزيارة شقيقها كذلك وقد تحوّل للأسوء ، رفعت حدقتيها باتساع ما ان سمعت صوته المريب وهو يقول بجمود
"ماذا هناك يا صفاء ؟ وما لذي تخفينه عن شقيقك الوحيد !"

عضت على طرف شفتيها بنحيب وهي تستمع لصوت حفيف العباءة الخافت والقادم من التي انضمت لهما بلحظات ، ليقول بعدها الذي نفض ذراعه بعيدا عن شقيقته بعنف ليلوح بها جانبا قائلا بابتسامة باردة بتسلية
"يا خادمة ، هلا ذهبتي واحضرتي لي كوب عصير بارد لو تكرمتي ؟ فأنا اشعر بالعطش الشديد من كل هذه المسافة الطويلة والتي قطعتها لأصل إلى هذا المكان"

نظرت بسرعة نحو التي كان يوجه لها الكلام لتشهق بذعر وهي تنظر لصاحبة الملامح الباردة والتي كانت تنظر لشقيقها بعيون سوداء ساكنة ، لتعاود بسرعة الإمساك بذراعه وهي تقول بابتسامة مرتجفة بوجل للتي ما تزال واقفة بمكانها
"انا اعتذر بشدة يا عمتي ، فهذه اول زيارة لشقيقي هنا وهو لا يدرك عما يتكلم ، لذا اعتذر مجددا"

حولت (هيام) نظراتها لصاحبة العبارة الاخيرة لتسكن للحظات بدون اي تعبير يعلو ملامحها وكأنها قد تحنطت بمكانها وبدون اي ردة فعل سوى عبوس طفيف احتل محياها لوهلة صدمها بشدة ، ضمت شفتيها بحزن وهي تنظر للتي استدارت بعيدا عنهما لتعود من حيث جاءت وبصمت مهيب شطر قلبها بقسوة بدون ان تدرك ذلك ! وكأنها قد تلقت للتو صفعة غير مرئية موجهة من تلك المرأة والتي تبدو اختفت منها كل معالم الحنان والعطف والذي كانت تغدقها به ليتجلى بلحظة الحزن والبرود على تفاصيل حياتها .

نقلت نظراتها بعبوس لشقيقها وهي تهمس بعتاب حزين
"ما كان عليك فعل هذا ، لقد اخطأت بشدة...."

قاطعها الذي كان يزمجر بملل وهو ينفض ذراعه بعيدا عنها بقوة ، ليسير بعدها امامها وكأنه يملك المكان قبل ان يجلس على كرسي بمنتصف البهو ، قال بعدها وهو يسند قبضتيه فوق ركبتيه بابتسامة قاسية
"هيا اذهبي واحضري لي العصير يا صفاء ، وإذا لم تفعلي فلن ارحل من هنا ، لذا قدمي الضيافة لشقيقك وكوني مهذبة"

تنفست بارتباك وهي تضم قبضتيها معا هامسة برجاء منتحب
"ارجوك يا مازن ان ترحل من هنا ، فأنا لا استطيع استقبالك وهذا سيدخلني بالمشاكل ، لأن زوجي لا يسمح بمثل هذا النوع من الزيارات ، ارجوك ان تفهمني ارجو...."

قاطعها بغضب وهو يضع ساق فوق الأخرى بعجرفة قائلا بجفاء
"اخرسي يا صفاء ، واذهبي واحضري العصير بدل هذا الجدال الممل ، فأنا لست غريب عن هذه العائلة حتى لا يعجب زوجك هذا النوع من الزيارة ، وإذا لم يعجبه الأمر فليأتي إلى هنا ويواجهني وانا سأكون على اتم الاستعداد له"

انفرجت شفتيها بارتعاش من احتمال ان يفعلها حقا ويخلق شجار مع زوجها والذي لن يتوانى عن رد الضربة له بأضعاف فهو شقيقها وتعرفه جيدا ، زفرت انفاسها بتوتر وهي تهمس بخفوت جامد
"حسنا يا مازن ، سأذهب لأحضر لك العصير ، وبهذا الوقت إياك وان تتحرك من مكانك ، هل فهمت ؟"

ردّ عليها ببرود جليدي
"هيا تحركي"

نظرت له بقلق ما يزال يشوش على تفكيرها المتخبط بذعر ، لتتحرك ببطء بعيدا عنه وباتجاه المطبخ وهي ما تزال تشيعه بنظراتها المرعوبة بشك حتى اختفت عن نظره تماما .

تلبدت ملامحه بغموض وهو يستعيد كلمات الرسالة التي وجدها بجيب سترته قبل ان يكتشف بأنها من (ماسة) ، رفع وجهه ببطء وهو يراقب الذي دخل من باب المنزل بهدوء ، لينهض بعدها عن الكرسي بتحفز تنبهت معه كل حواسه وهو ما يزال يتابع الذي اغلق الباب من خلفه بصمت ، وما ان سار عدة خطوات حتى توقف باللحظة التالية بتجمد قاسي ما ان وقعت عينيه على صاحب النظرات الباردة بدون ان يشعر بالخطر الوشيك والذي بدأ يحوم من حولهما ، لتدوم اللحظات بينهما طويلة بطول السنوات وبطول العذاب والمزروع بداخل ذلك القلب الاسود والذي بدأ يتحرر ويتسرب بكل تفاصيل حياته وبمجريات تدفق دماءه والتي تعايش معها منذ ذلك العهد .

بادر بالكلام الذي فرد ذراعيه بكسل وهو يقول بابتسامة جانبية بدون ان يصله شيء من سهام نظرات المقابل له بحقد محمل بغبار الماضي موجهة نحوه مباشرة
"مرحبا بزوج شقيقتي ، صدفة رائعة ان اقابلك اليوم ، فأنا لم تحن لي الفرصة للتعرف عليك عن قرب والتشرف بمقابلتك"

ازدادت حدة انفاسه حتى لم يعد يستطيع السيطرة على تلك الدوامة السوداء والتي القى بها بلحظة غفلة ليكون هو السبيل بتحريرها بدون ان يعي ذلك ، وبلحظة كان يندفع الجسد باتجاهه بسرعة البرق وبلمح البصر كان يعتقل عنقه بقبضتيه الساحقتين وهو يلقي به على سطح الطاولة خلفه بعنف ، وما ان ادرك الطرف الآخر ما يجري حتى كان يدنو منه بشراسة وهو يهمس بفحيح قاتل
"ما لذي تفعله بمنزلي يا قاتل ؟"

اتسعت عينيه العسليتين بقتامة وهو يحاول تلقف انفاسه صارخا باستنكار مذهول
"ما لذي تفعله بقريبك يا مجنون ؟ هل نسيت بأننا قد تناسبنا وتزوجت من شقيقتي ! هل هذا هو إكرام الضيف عندكم ؟"

صرخ فجأة بهياج احتل كيانه وهو يطرق برأسه بالطاولة بعروق بدأت تنبض بمفاصل اصابعه
"اخرس وإياك وان تنطق بحرف ، انت لست بقريب ومن المستحيل ان اقرب لعائلة خائنة مثلكم ، انتم مصيركم هو السجن والعذاب والذي عليكم تذوقه على جرعات كما فعلتم معنا ، وانا اعدك بأن عذابك لن ينتهي هنا ، بما انك قد اتيت بقدميك لمصيرك المحتوم والذي انتظرك كثيرا"

تصلبت ملامحه بلحظة وهو يهمس بجنون من بين انفاسه الذاهبة
"ماذا تقصد ؟ هل فقدت عقلك ؟ وماذا فعلت لكم حتى تحقد عليّ هكذا !"

ابتسم بالتواء طفيف لا يمت بالمرح بصلة وهو يتمتم امام وجهه القريب بحقد قديم ظهر للعيان
"هل نسيت بهذه السرعة يا قاتل ؟ هل نسيت تلك المهمة والتي كلفك بها صديقك الحقير الآخر من اجل ان تصلوا لمآربكم ؟ هل نسيت تلك الضحية والتي لم تكن سوى لعبة بين ايديكم الحقيرة ؟"

ارتفع حاجبيه ببطء وبعد ان سكنت حركته لوهلة وهو يحاول التنفس والتفكير بذات الوقت ، ليهمس بالنهاية بعبوس متجهم
"مستحيل ان تكون انت ! هل انت ؟...."

اكمل كلامه المبتور وهو يقول باحتقار واضح بكل ما يحمله بغل نحوه
"اجل انا شقيق غنوة ، تلك الفتاة التي قتلتها بيديك"

انتفض كل جزء بجسده بقوة وتأهب وهو يشب يديه بقبضتيه الخانقتين له بلحظة صارخا بدفاع واستنكار بذات الوقت
"غير صحيح انا لم ارتكب شيء ، ابتعد عني حالاً قبل ان يحدث ما لا يحمد عقباه....."

قاطعته الصرخة المنتحبة من الخلف والتي تبعتها الكأس والتي تحطمت ارضا بقوة وهي تتنفس بشهيق مذعور
"جواد !"

ما ان التفت (جواد) للخلف قليلا حتى استغل الآخر الفرصة وهو يركل ساقه بقدمه ليبعده عنه بقوة ، ليستقيم امامه بعيدا عن الطاولة وهو يخرج بلمح البصر السلاح ليوجهه امامه مباشرة ويده تمسد على عنقه بتشنج ليهمس بأنفاس مضطربة بخشونة استولت عليها الغضب
"لقد تجاوزت حدودك اكثر مما ينبغي ، وانا لم ارتكب معك اي ذنب ، وبخصوص تلك القصة فهي كاذبة تماما وكلها تلفيق...."

قاطعه الذي وقف امامه ببرود بدون ان يتخلل الخوف بمحياه وبابتسامته القاسية بقتامة
"وما تزال تنكر الأمر ، ولكن ماذا عن خطة كسب ثقتها ومحبتها لك قبل ان تستولي على كيانها وتذبحها بسكين الحقيقة ؟ هل تنكر هذا ايضا ؟"

كانت تشاهد بعيون عسلية دامعة التي ركعت ارضا وهي تنقل نظرها بتشوش بينهما بدون ان تفقه شيئاً مما يتكلمون عنه ، بينما اضطربت يده الذي كان يحمل السلاح ليشدد عليه بقوة بلحظة وهو يهمس ببرود
"هي التي وثقت بي وقدمت لي حبها بدون ان يتخلل الشك بعقلها ، وانا لم اطلب منها شيء ، لذا عليك لوم شقيقتك على خطأها وليس عليّ فقد تبين بأنها مجرد ساذجة....."

انتفض من الصرخة القاسية وهو ينطلق مثل الصقر على فريسته ليلقي به على الطاولة مجددا اوقع معه السلاح بعيدا عن مرمى يده ، ليعصر عنقه بقبضتيه بقوة اكبر حتى كاد يزهق انفاسه وهو يصرخ بغضب اسود جارف حرر كل ذرة كبرياء بداخله اطلق لها العنان
"وتقولها امامي يا حقير ! أليس انت من لعب على عقلها ليكسب حبها ؟ أليس انت من قتلها برصاصة من سلاحك ؟ وبعد كل هذا تريد لومها على ثقتها العمياء بأمثالك ، خطأها الوحيد هو بأنها اعطت ثقتها لمن لا يستحق ولمجرد آفة حقيرة لا يملك اي ذرة رجولة"

صرخ بقوة وهو يتلوى بعيدا عنه بعنف
"إذا كنت واثق بأنني قاتل غنوة ، لما إذاً تناسبت مع عائلتنا واخترت شقيقة عدوك ؟"

عقد حاجبيه بشراسة اكبر حتى تغيرت ملامحه بغمامة سوداء داكنة اظهرت الحقد المتأصل بداخله وهو يبصق الكلام بوجهه بنفور واضح
"من اجل ان احقق انتقامي منكم ، وافعل تماما كما فعلت انت سابقا بغنوة ، وتذكر بأن هذا هو حصاد افعالك يا حقير ، واعدك بأن اذيقها كل المرارة والتي اذقتها لتلك الطفلة الساذجة التي وثقت بك يوما"

ابتلع ريقه بصعوبة فوق قبضتيه الساحقتين وهو يهمس بخشونة
"اللعنة عليك ، ستندم بشدة على هذا"

ازدادت قبضتيه على عنقه بدون رحمة وهو يهمس بتصميم بعدم التراجع
"هذا إذا بقيت حيا بعد هذه الليلة !"

انتفض (جواد) برأسه جانبا ما ان شبت يدين قاسيتين على مرفقه وصوتها يقول بأمر صارم يخرج لأول مرة بكل هذه القسوة
"اتركه حالاً يا جواد ، ولا تدعني اغضب عليك ليوم الدين ، هيا اتركه"

صرخت بكلمتها الاخيرة ليزيد من حشر عنقه بقبضتيه وكأنه لم يسمعها وهو يصرخ بها بجنون ناظرا امامه بدون ان يأبه بتشنج جسده وهو يكاد يودع انفاسه الاخيرة
"هذا ليس من شأنك يا امي ، هيا ارحلي ، اريد ان اصفي حسابي معه لهذا الحقير ، وهذا ليس الوقت المناسب لإظهار شفقتك المخزية على هذا الحقير والذي دمر اغنية حياتنا ، وانتِ ما تزالين تسامحين وكأن ليس ابنتكِ التي قتلت....."

سكنت الاجواء من حولهم فجأة ما ان دوى صوت الصفعة الخاطفة على تقاسيم ذاك الوجه الجليدي ، ليفلت تدريجيا عنق الذي سحب نفسه بعيدا عنه بشق الأنفس ، وما ان فعل حتى تلقف انفاسه عدة لحظات بتشنج وكفه تعدل من ياقة قميصه قبل ان ينحني بلمح البصر ليلتقط سلاحه من الأرض ، ليتوازن بعدها بمكانه ببعض الترنح وهو يوجه هذه المرة نظره للجاثية ارضا لا تشعر بما يدور من حولها وكأنها قد فقدت كل معالم الحياة بتفاصيل حياتها والتي انقلبت رأساً على عقب حتى لم يعد على قلبها الصغير المقدرة على استيعاب كل هذا .

تنفس بتحشرج وهو يلوح بالسلاح بوجهها قائلا بتشنج ما يزال يطغى عليه التعب
"هيا تحركي يا صفاء ، لنغادر من هنا"

ولكن لا حياة لمن تنادي فقد كانت بعالم آخر لا ينتمي لعالم البشر بصلة ، وما ان عاد للهتاف بصرامة اعلى حتى صدرت منها حركة طفيفة من رأسها لا تكاد ترى علامة على النفي بدون ان توجه له اي نظرة ، ليزمجر بعدها بخشونة وهو يستدير مغادرا بعد ان نفذ صبره منها
"حسنا استمري ببلاهتك حتى يقضي على آخر نفس بكِ ، انا راحل"

افاق (جواد) من صدمته وهو يلتفت بحذر لوالدته الساكنة بمكانها ، ليرفع بعدها يده وهو يتلمس مكان الصفعة هامسا بصدمة سيطرت على نبرة صوته
"هل صفعتني يا امي من اجل ذاك النكرة ؟...."

قاطعته التي رفعت سبابتها بوجهه باهتزاز وهي تهمس من بين اسنانها بانفعال وغضب مكبوت تفجر فجأة
"اخرس يا ابن متحت ، فقد اثرت اليوم الكثير من المشاكل وهذا يكفي ، لقد وصلت لنقطة الانتهاء ولا داعي للمزيد من التضحيات والتي لم يعد لها قيمة الآن"

ارتفع حاجبيه بدهشة وهو يحاول التقاط كلماتها الجديدة بصعوبة شديدة ، ليقول بعدها بأكثر كلمة اثارت تركيزه وسخطه
"هل قلتِ للتو ابن متحت ؟ هل نسيتِ بأنني ابن مصعب ؟ ام اختلطت عليكِ الاسماء من الغضب ؟"

نفضت ذراعيها للأسفل بعنف فاجأته وهي تصرخ بغضب مذبوح تحرر من مسكنه
"بل انت مثله تماما ، صحيح بأنه شقيق والدك ، ولكنك قد اخذت طباعه وصفاته الحقيرة ، انعدام الرحمة وصفة القتل وعدم التسامح والانتقام كلها موجودة بك ، انت لم تأخذ شيء من والدك ذلك الرجل الرحيم العطوف والذي لم يستطع يوما ان يؤذي مخلوق ، انت لست ابن والدك بل انت ابن متحت...."

صرخ بشراسة الذي ضرب الكرسي بجانبه بذراعه ليقع ارضا بقوة
"إياكِ يا امي ان تشبهيني بذلك الرجل الحقير ! إياكِ فأنا لست مثله ابدا ومن المستحيل ان اكون مثل ذلك الرجل الأناني الجشع والذي سلبنا كل ما نملك منذ وفاة والدي ، كيف تستطيعين ان تشبهيني به ؟"

صرخت فوق صوته بنحيب قاسي وهي تضرب صدرها بقبضتها بطريقة اخرجت الجروح من صميمها
"وبماذا انت تختلف عنه ؟ وانت فعلت ما هو افظع منه ! عندما خدعت فتاة بريئة وادخلتها بحرب انتقامك ، عندما قسوت مع شقيقك اوس وحرمته من تخطي عتبة بيتنا وانت تنبذ الرابط الذي يجمعكما ، عندما حاولت اغتيال عمك وسرقته بارتكاب حادثة مدبرة بمكان عمله ، وكله من اجل تحت مسمى الانتقام واستعادة حقك المهدور بتدمير كل من حولك ، هل هذه هي الصفات والتي تفخر بها ؟"

غيم الصمت الثقيل على ثلاثتهم بدوامة هالكة لا يقطعها سوى انفاس المنتحبة والتي كانت توجه له الكلام من لحظة بحقائق متوالية كانت قد دفنتها بركام حياتها يوما ، ليتحرك الجامد من مكانه ببطء وهو يهمس بآخر كلمات خرجت من جوف معاناته والتي تجلت لأول مرة على تقاسيم ملامحه
"لقد كنت افعل هذا من اجلكما يا امي ، ولكن يبدو بأن الأمر لم يكن يستحق !"

ارتمت الواقفة جالسة ارضا بجانب الكرسي المقلوب وهي تنظر للذي غادر من المنزل امامها بصمت ، لتخرج بعدها الشهقات من صدرها المحمل بالشقوق والهموم والتي اثقلت عليها حتى ذبحت آخر ذرة سعادة بها ، نقلت نظراتها الهادئة لصاحبة الصوت الباكي والتي زحفت نحوها حتى جلست امامها هامسة ببكاء
"عمتي هيام انا اعتذر...."

حركت رأسها بالنفي بسرعة وهي تربت على رأسها بحنان عاد للتدفق بصوتها الحزين المشروخ
"لا يا صغيرتي ، لما الاعتذار ؟ انتِ لم تخطئي بشيء"

زمت شفتيها بدموع تحررت من مقلتيها الغارقتين بحزن عميق ضرب آخر وتر بشعورها الحالم وكأنها سبب كل المآسي والتي حدثت امامها الآن ، لترتمي لا شعوريا بأحضانها وهي تجهش ببكاء عنيف هامسة بأنفاس متقطعة مثل الغريق بدون ان يجد طريق نجاته
"انا لا افهم شيئاً يا عمتي هيام ؟ لما حدث كل هذا ؟ ولماذا جواد يكرهني هكذا ؟ ما لذي اخطئت به وما علاقة مازن بالأمر ؟ اريد ان افهم ارجوك اتوسل إليكِ"

حركت رأسها بدموع تسربت من عينيها السوداوين بدون ان تمنعها وكفها تمسح على رأسها هامسة بخفوت حزين اتعب خفقات قلبها الضعيف
"سأخبركِ بكل شيء يا حبيبتي ، ولكن ارجوكِ ان تتوقفي عن البكاء فأنا لا احب ان اراكِ تبكين ، ولا اريد ان اسبب لكِ البكاء ، فلو كان البكاء يصلح كل شيء افسدناه لما توقفنا يوماً عن البكاء !"

_____________________________
كانت تجلس بمنتصف السرير بتكور وهي تنظر بعيدا بشرود اصبح يحوم على ملامحها الثلجية والتي تحولت لطبقة باردة بدون اي ذرة شعور...لتتنفس بعدها بتهدج ما يزال يحتل خلجات روحها الثائرة....لتحين منها نظرة بحدقتيها الساكنتين لذراعيها وللجروح الباهتة التي ما تزال آثارها مصقولة على بشرتها الرخامية بتعاليم واضحة...بدون ان تحقق الهدف المنشود منها .

قبضت على يديها بقوة وهي تغرز اسنانها بطرف شفتيها بقسوة ما ان تذكرت كل الاحداث الماضية والتي تلت كل مجريات احداث الصباح وتلك اللحظات الحميمية بحياتهما المجردة من العاطفة...وهي تشعر بكل جزء مجروح بجسدها تذكرها بلمساته القوية والتي طغت على ألم فعلتها وهو يستغل اللعبة والتي بدأت بها بنفسها لصالحه الشخصي....لتصبح طوع امره وبمتناول يده بلحظات كما يفعل عادةً بكل مرة...وهو يخونها بجسدها والذي لم تعد تستطيع تكهن اي ردة فعل تنشئ عنه وكأنه يتصرف بتلقائية تامة بدون ان يرسل الأمر لعقلها !

زفرت انفاسها بنفاذ صبر وهي تجول بنظرها بالجوار وبعد ان عادت الغرفة لترتيبها ونظافتها والتي تليق بأفخم الغرف بالجناح بدون ان تعلم متى حدث هذا ؟...لتلمح بعدها طاولة الزينة والتي فرغت من كل العطور ومستحضرات التجميل والتي كانت تحتلها بالصباح....حتى انها قد لاحظت خلو الغرفة من اي اشياء حادة او ادوات قاتلة وكأنه يتقصد فعل كل هذا...لكي لا تتجرأ على اعادة نفس تلك اللعبة المجنونة والتي تبدو لم تروق له .

ابتسمت بسخرية مريرة انزرعت بزاوية شفتيها المرتجفتين بذبول ما ان توقف ذهنها على نقطة معينة وعلى جملة كانت تستخدمها حجة لكي يتوقف هدر الاسئلة والذي كانت تمطرها به ما ان تعود من المدرسة (لقد كنت ألعب)...لطالما كانت تعود من المدرسة محملة بالجروح والاوساخ بدون ان تعترف بأنها قد تعرضت لعراك مع فتيات المدرسة واللواتي يتقصدن إزعاجها ومضايقتها على الدوام....وبطبيعتها الشرسة كانت ترد لهن الإهانات بردة فعل عملية بالضرب والقتال حتى تخرج من المعركة مصابة بكل انواع الكدمات بمعركة غير متكافئة الاطراف....واحيانا يصل الأمر لتدخل مدراء المدرسة والمعلمين وبكل تأكيد هي التي تكون الملامة الوحيدة بكل هذا بسبب تمردها وسمعتها الغير مشرفة والتي جلبت لها كل معاناة بمسيرتها بحياتها المدرسية .

تنهدت بهدوء وهي ترفع عينيها باتجاه صاحب تلك الاصوات المزعجة والتي سبقت دخوله للغرفة امامها بلحظات ، ليسير بعدها بخطوات ثابتة امامها وهو يدندن بلحن معين بتعمد كانت قد حددت مسارها بالفعل ، وما ان وقف مقابل لها امام السرير حتى مال قليلا بمغزى وهو يقول بابتسامة جانبية بانتشاء
"كيف حالكِ الآن يا ألماستي ؟ اتمنى ألا تكوني قد افتعلت حماقة اخرى بغيابي !"

زمت شفتيها بحنق توهج بمقلتيها البحرية لوهلة قبل ان تشيح بوجهها بعيدا عنه بدون ان تنطق بأي كلمة او ان ترد على كلامه ، ليحرك بعدها كتفيه بلا مبالاة وهو يغير اتجاه خطواته بلحظة ليتابع مساره بعيدا عنها قائلا بجدية
"حسنا بما انكِ قد كنتِ مهذبة بالثلاث الساعات الماضية ، وسنتغاضى عن كل حماقاتك بالصباح ، فقد اصبحتِ الآن تستحقين الخروج من الجناح لتناول العشاء وحضور حفلة الفندق والتي ستقام الليلة ، فنحن لم نستطع تناول اي طعام بهناء منذ بداية شهر العسل الخاص بنا"

ردت عليه من فورها بدون اي حياة
"لن افعل"

ابتسم بهدوء بدون ان يهتم لردها الأخير وهو يقلب بين الملابس امامه ، ليخرج بعدها قطع من الملابس وهو يقارن بها قائلا بانبهار مزيف
"ستكون هذه أول حفلة لكِ بعد الزواج ، لذا عليكِ ان تكوني بأبهى طلة بدون ان يستطيع احد منافستك ، بالرغم من كل السبل والتي تفتعلينها بتشويه انوثتك وجمالكِ !"

نظرت له بأطراف عينيها بضيق وهي تتمتم بوجوم مغتاظ
"وبسبب ما افتعلته وحدث بالصباح ، لن استطيع الظهور بالصورة التي تتخيلها بتلك العلامات والتي تملئ جسدي والتي ستبعث كل الظنون السيئة برؤوس الحاضرين ، لذا انسى امر الخروج تماما من اجل ألا نشوه سمعة عرسان شهر العسل"

التفت نحوها بهدوء لبرهة قبل ان يغلق الخزانة بقوة بعثت الرعشة بأطراف جسدها المنقبضة ببرود ، ليتبعها بابتسامة مائلة بلحظة وهو يهمس بخشونة ساخرة
"لا بأس يا عزيزتي ، فلا احد سيرى تلك الخدوش والجروح الصغيرة ولن يعلم احد عنها سوى من يملك الحق بذلك ، لذا ارتاحي من هذه الناحية ودعي مهمة إخفاء عيوب زوجتي لي"

انفرجت شفتيها بأنفاس مضطربة ضربت مجرى تفكيرها لثواني دائما ما يصدمها بفحوى كلامه وبمضمون حديثه بدون ان تتوقع اجوبته القادمة والتي تصيب هدفها على الدوام ، وهي التي لم تعد تستطيع مجاراة حركاته اكثر والتي اعلنت على هزيمتها اكثر من مرة !

عبست ملامحها بلحظة ما ان وصل امامها وهو يفرد الثوب الاحمر الطويل امام عينيها الباردتين...وهي تزيد من سخط ملامحها ما ان مرت بعينيها بلمحة خاطفة على قماش الثوي الحريري من الشيفون الامع بلون الاحمر القاني شبيه بالياقوت....لتتجمد انفاسها لوهلة ما ان وصلت لحمالات الثوب الرفيعة جدا بدون اي اكمام طويلة....وهذا يعني بأنه...

ادارت عينيها بعيدا بانقباض وهي تهمس بجفاء باهت
"لم يعجبني بتاتاً ، وانا لا احب ان ارتدي مثل هذا النوع من الاثواب فهو مكشوف جدا"

ارتفع حاجبيه بخفة وهو يلقي نظرة سريعة على الفستان ، قبل ان يعود بنظره لها مجددا وهو يلوح بيده قائلا ببساطة
"تقصدين بأنه مكشوف الذراعين ! لا تقلقي فهناك سترة خاصة بالثوب سترتدينها فوقه ، وعندها لن يظهر شيء للعيان"

شددت من معانقة ساقيها بدون ان تظهر اي نية بالاستجابة على صفحة ملامحها الجليدية ، لتشعر بيد قوية تسحبها من ذراعها غصبا وهي تنزلها عن السرير برفق قبل ان يوقفها امامه تماما .
رفعت وجهها بغضب وقبل ان تنطق بكلمة اخرستها كلمته الآمرة وهو يقول
"اخرسي يا ماسة ، واذهبي وبدلي الثوب بدون اي جدال لا طائل منه ، وألا اخذتكِ للحفلة وانتِ بهذه الهيئة"

اخفضت نظراتها بهدوء وهي تتمتم بخفوت بارد
"لن ارتديه ، حتى لو كان آخر يوم بحياتي"

عقد حاجبيه بتجهم لبرهة قبل ان يلوح بالثوب امام نظرها قائلا بنفاذ صبر
"ولما لا ترتدين ؟ ما لعيب به حتى لا يعجبك ؟....."

قاطعته بسرعة بانفعال مفاجئ
"قلت لك لا أريد ، ولن ترغمني عليه"

ما ان همت بالرحيل حتى اعتقل ذراعها بقوة وكأنه كان يتوقع نيتها بالهروب ، ليدنو بعدها بوجهه بالقرب منها وهو يلوح بأصبعه السبابة امام انفها بقسوة قائلا بتهديد على وشك افتراسها
"ليس هناك منفذ للهروب يا ماسة ، لأننا سنحضر هذه الحفلة معا ونتناول العشاء رغما عن انفك ، وهذا الذي تفعلينه سيدفعني للتهور اكثر وسيكون عندها قد فات الآوان على الندم"

تسمرت بمكانها لبرهة بدون ان تصدر اي صوت بعد ان جمد الدماء بعروقها بنبرة صوته والتي تغيرت فجأة لمنحى آخر ، ابتسم بعدها الذي كان يضرب انفها بطرف اصبعه قبل ان يضع الثوب الطويل فوق كتفها بصمت ، ليدفعها بعدها من ذراعها باتجاه الحمام الملحق عدة خطوات ، قبل ان توقفه التي تجمدت بمكانها بلحظة ليلتفت للخلف قليلا هامسا بوجوم
"ماذا الآن ؟ ألم نقل !...."

قاطعته التي استلت ذراعها منه وهي تكمل طريقها نحو الحمام بثبات
"استطيع دخول الحمام لوحدي ، شكرا لك على المساعدة"

ارتفع حاجب واحد بحدة وهو يتمتم من خلفها بجدية
"لا تنسي ، اسرعي بتبديل ملابسك ، وإياك والتأخر"

زفر انفاسه بضيق ما ان اغلقت الباب من فورها بقوة ، ليتراجع بخطواته وهو يعود لفتح الخزانة مجددا ليخرج من فوره البدلة السوداء الانيقة والتي تناسب المكان الذاهب إليه .

بعدها بعشر دقائق كان يعدل بربطة عنقه بهدوء ، ليبتسم بعدها برضا وهو يرفع يده لخصلات شعره المسرحة للخلف بعناية وهو يعيدها بأصابعه لتصفف مع باقي الخصل .

التفت بعدها جانبا ما ان سمع صوت باب الحمام يفتح بهدوء وببطء مريب ، ليضيق بعدها عينيه بحيرة ما ان حل الصمت التام بالأجواء بدون ان يظهر المختبئ خلف الباب .

تقدم امام باب الحمام عدة خطوات قوية ، ليصل لسمعه بثواني الصوت الباهت من خلف الباب الموارب وهو يلمح الأصابع البيضاء الممسكة بطرفه بقوة
"لقد نسيت ان اؤخذ معي السترة الخاصة بالثوب ، هلا اعطيتني إياها لو سمحت ؟"

عقد حاجبيه باستياء غزى ملامحه بلحظة بدون ان يستطيع الوصول لأي جزء بها وهي تتعمد اخفاء نفسها جيدا خلف الباب الموارب ، بدون ان يفهم كل هذا الحياء والخجل والذي تلبسها فجأة اتجاه زوجها ؟ وهو يتحرق شوقا لرؤية شيء من ذاك الثوب وكيف يبدو عليها الآن !

عض على طرف شفتيه بضيق وهو يهمس بصوت اجش عابث
"لن افعل قبل ان تخرجي امامي وتريني كيف يبدو عليكِ الثوب ؟ فأنا ارى بأنه ليس من العدل ان تتركيني اتشوق هكذا لرؤيتك ! وايضا انا زوجك لذا لا داعي لكل هذا التعنت"

زادت ابتسامته بتسلية ما ان لمح تجمد اصابعها وانشداد مفاصلها على طرف الباب الخشبي ، ليأتي الجواب الذي يتوقعه وهي تقول بعناد شرس
"هذا ليس مضحكا يا شادي ! وهيا اعطني السترة حالاً وألا لن اخرج"

اطبق على شفتيه وهو لا يفهم كل هذا العناد الموجود برأسها الصخري وكأن اسد سيفترسها ! ليقول بعدها بجمود وهو يطرق الأرض بقدمه بقوة
"ألن نتوقف عن لعبة العناد يا ماسة ، إذا لم تخرجي امامي الآن فأنا عندها سأدخل للحمام بنفسي ، فليس من الصعب عليّ دفع مثل هذا الباب الخشبي ، فأنا عند رغباتي لا شيء يحول بيننا"

انقبضت الاصابع اكثر حتى ابيضت بشحوب قبل ان تنزلق بعيدا عن الباب...وما هي ألا لحظة حتى انفتح الباب بالكامل وهي تخرج منه بصمت وبرأس منكسة قليلا...وقفت بعدها امامه تماما وهو مشغول بالتجول على تفاصيل الثوب الرقيق والذي حدد جسدها الغض بوضوح ملفت...وهو يكتشف لأول مرة بأنها تكاد تذوي من الهزال من تحت قماش الثوب الضيق وبلون قاني نحتها مثل التمثال الجليدي...ارتفع لوجهها ما ان قالت بضعف غريب تخلل صوتها بنبرة مضطربة
"اريد ان ارتدي السترة ، فأنا لا اشعر بالراحة بهذا الثوب المكشوف !"

ارتفع حاجبيه بترقب وهو يدقق بالنظر على اكتاف الثوب المكشوف...بحمالات رفيعة تكاد تكون غير مرئية لتظهر ذراعيها النحيلين جدا صعودا لكتفيها المجوفين عند العظمة المتصلة بعنقها...وببشرة شاحبة تكاد تقرب لشكل الشبح بهزالها وبياضها والذي زاد عن الحد المعقول والذي يشعر به مختلف عن باقي اطراف جسدها الاخرى !...والآن فقط اكتشف تعمدها المتعنت عدم ارتداء ذاك النوع من الملابس المكشوفة والذي تعمدت ان تجعلها جميعها محتشمة مثل ثوب الزفاف والذي اختارته بأكمام طويلة وبصنع مختلف عن فساتين الزفاف الاخرى .

عقد حاجبيه بتأهب وهو يمسك بذراعيها المتصلبين بدون اي مقدمات والتي كان قد لاحظ حركتهما الخفية بإعادتهما لخلف ظهرها...وبممانعة ضعيفة قضى عليها بثواني...وهو يشدد من إمساك ذراعيها هامسا قرب اذنها بتصميم نافذ
"اتركيها يا ماسة"

ارخت مفاصل اصابعها على قماش ثوبها ليرفع كلتا ذراعيها امام نظره بلحظة ، قبل ان تتسع عينيه بدهشة وهو يلامس بأصبعه السبابة مسار الحروق الواضحة والتي جفت وبقيت مع مرور السنوات ، لتبقى فقط آثارها واضحة على بشرتها الثلجية مثل وشم انطبع بداخل جزء من ذراعيها النحيلين ليتلاحم معه ويستقر منذ زمن .

تنفس بهدوء وهو يطبق على اسنانه بقسوة احتلت روحه بلحظة وهو يتذكر ما تعرضت له تلك الحروق من قبل سائل القهوة الساخنة ، بدون ان يدرك بوجود تلك الحروق والتي منعت عنها التأثر بأي اصابة قد تودي بها ، وما يزيد شعلة الغضب المتقد بداخله بأنه لم ينتبه ولو لمرة واحدة بلحظاتهما الحميمية لوجود تلك الحروق والتي تثبت بعد النظر والذي يعيش عليه بحياته ! فهل هي التي اتقنت اخفاءهم ام انه هو الذي لا يرى امامه سوى ما يريد رؤيته ؟

افاق من تخبط افكاره صوتها الهادئ وهي تهمس بابتسامة جافة بدون اي تعبير
"لا داعي لملامح الأسى والحزن ، واعتذر لأنك قد خدعت بهذه الطريقة القاسية بدون ان اكشف لك بالعيوب التي اعاني منها....."

صمتت ما ان ضغط بأصبعه السبابة على شفتيها بقوة وهو يقترب من وجهها هامسا بصوت اجش هادئ
"هششششش ، لا اريد ان اسمع منكِ صوتاً"

ابتلعت ريقها برهبة وهي تنصاع لكلامه والذي بث بروحها الهائجة مثل السم ليوقف هياجه ، ليدنو اكثر امامها وهو يقبل اصبعه فوق شفتيها وبالحقيقة لم تصل القبلة لها فقد كان اصبعه الحاجز بينهما ، وكم اثارت تلك الحركة البسيطة الأهوال بدواخلها الثائرة مثل براكين استطاع اخمادها بلحظة .

ابتعد عنها قليلا وهي تشاهد بعينين متسعتين الذي امسك بالسترة الحمراء بنفس لون الثوب القاني ، ليلبسها إياها فوق كتفيها وهي تنصاع لحركاته المتأنية بإدخال كل ذراع على حدة بأكمام السترة القصيرة ، وما ان انتهى حتى شعرت بالراحة التامة ما ان اختفت تفاصيل ذراعيها واكتافها وكل ما كان مكشوف منها داخل السترة الانيقة والتي زادت جمال الثوب القاني .

رفعت رأسها باتجاه الذي رفع ذراعه نحوها وهو يتمتم بصوت اجش واثق
"هل نذهب الآن يا ألماستي ؟"

ابتسمت بارتجاف وهي ترفع يدها ببطء وبتردد قبل ان تلف اصابعها النحيلة حول مرفقه وذراعها بذراعه ، لتشعر بعدها بيده الحرة وهي تلمس انفها بخفة قائلا بابتسامة قوية بهدوء
"ابتسمي دائما ، فقد خلق الابتسام لينير الوجوه الجميلة"

اتسعت ابتسامتها لا إراديا وهي تحني نظراتها بهدوء بحياء استبد بها بلحظة غادرة ، ليبتسم بنشوة وهو يقودها لخارج الغرفة ولاستقبال العالم بأول خروج لهما بعد الزفاف .

_______________________________
انفتح باب المنزل لتظهر من خلفه خادمة كبيرة بالسن والتي ما ان وقعت نظراتها على الطارق حتى اتسعت ابتسامة بشوشة على محياها ، لتبتعد من فورها عن طريقه وهي تمد ذراعها قائلة باحترام
"مساء النور سيد هشام ، تفضل بالدخول"

اومأ برأسه باتزان وهو يتجاوزها قائلا بوقار
"كيف حالك اليوم يا خالة ميسون ؟"

حركت رأسها بهدوء وهي تهمس بامتنان
"بخير ، شكرا لك على السؤال"

قال بعدها وهو يوجه نظره بأنحاء المنزل الكبير
"ولكن ألا يوجد احد بالمنزل !"

قالت بسرعة بابتسامة صغيرة بلطف
"بل الجميع موجودين وهم الآن....."

قطعت كلامها صراخ الطفلة الراكضة على السلالم بعجلة وهي تنطق بذات اللحظة باندفاع
"خالي هشام هنا"

اتسعت ابتسامته بسعادة بتفاصيل ملامحه المتعبة ما ان وصلت امامه الطفلة الراكضة بثواني ، ليتلقفها بين ذراعيه بلحظة وهو يرفعها عاليا لعنان السماء لتخرج عندها ضحكاتها البريئة بفرحة طفولية ، اخفض ذراعيه وهو يدسها بأحضانه بحنان هامسا امام رأسها الصغير بمرح لا يظهره سوى امامها وبعد ان يتخلى عن شخصيته الصارمة والتي يتقمصها طول اليوم
"كيف حالكِ يا ملاكي ؟ اتمنى ان تكوني ابليتِ حسناً ولم تسببي المتاعب او المشاكل لأحد طول الاسبوع الماضي ، من اجل ان افكر إذا كنتِ تستحقين الحصول على هديتك ؟"

تشبثت الطفلة بعنقه والتي لا تتجاوز السادسة من عمرها وهي تهمس بعيون تبرق بانتصار السعادة
"هذه المرة لم اسبب اي مشاكل لأي احد وكنت فتاة مطيعة طول الاسبوع الماضي كما وعدتك ، وهذا يعني بأنني استحق هديتي ، صحيح ؟"

ضحك بتعب قبل ان يخفت صوت الضحكة تدريجيا ليمسك بعدها بأنفها بأصابعه الطويلة قائلا بتحذير مزيف
"هل هذا الكلام صحيح ام تكذبين عليّ لتحصلي على هديتك ؟ لأنني استطيع سؤال والدتك إذا كنتِ قد اخطئتِ بالتصرف بالأيام الماضية"

ارتبكت ملامحها بوجل وهي تحرك رأسها بالنفي هامسة بعبوس خافت
"غير صحيح انا لم اكذب ، قد اكون اخطئت مرة او مرتين فقط ، ولكني حقا كنت فتاة مطيعة ولم اسبب اي مشاكل"

عقد حاجبيه بشك وهو ينظر لابتسامتها البريئة والتي ذكرته بشيء آخر شبيه لها ، لتعبس زاوية من شفتيه بوجوم شارد وهو يتذكر نفس الابتسامة بوجه مدور طفولي تستخدمها كسلاح لتخفي بها كذبها عنه وتدفعه ليخضع لها بنهاية الأمر .

رفع رأسه باتجاه الخطوات المتجهة نحوهما بثبات وهدوء للمرأة التي تعلو ملامحها الفاتنة ابتسامة جميلة برقي ووقار وشعر بني طويل مسترسل على جانبيها ليستريح على كتفيها برخاء ، وما ان وقفت امامهما تماما حتى ازدادت ابتسامتها اتساع وهي تهمس بخفوت حنون
"لقد سمعت صوت امل وهي تصرخ على السلالم ، وعرفت بأنه انت الذي تسبب بصراخها ، كيف حالك يا هشام ؟"

ابتسم بتعب وبإنهاك بعض الشيء وهي يقول بصوت جاد قوي
"انا بخير يا اسمهان ، وسعيد جدا برؤيتكم ، فقد اشتقت لكم كثيرا لذا قررت زيارتكم والاطمئنان عليكم"

اومأت برأسها بشرود وهي تقول ببعض الضيق المزيف
"لو كنت حقا تشتاق لنا ، لما تأخرت هكذا بزيارتنا !"

ارتفع حاجبيه بدهشة وهو يتمتم بجمود
"لقد كنت عندكم بالأمس وتناولت طعام الغداء معكم بعد إصرار شديد منكِ !"

زمت شفتيها بحزن وهي تهمس من بينهما بقنوط
"ولكنه كان بالأمس وقد فات وقت طويل عليه ، وقد انتظرنا كثيرا زيارتك اليوم ولكنك لم تحضر"

تنهد بإنهاك وهو يمسد على جبينه بيده للحظات ، ليخرجه من حالته صوتها وهي تتابع كلامها بقلق متوجس
"تبدو متعب يا هشام ! هل انت بخير ؟"

حرك رأسه بهدوء وهو يتمتم برفق
"اجل بخير يا اسمهان ، فقط متعب قليلا بسبب العمل الطويل اليوم"

عبست ملامحها بحزم وهي توجه كلامها للطفلة التي ما تزال تستقر بأحضانه قائلة بجدية
"هيا يا امل انزلي عن خالك هشام فهو متعب ، وايضا عليكِ ان تخلدي للنوم مبكرا من اجل الذهاب للمدرسة غدا"

تبرمت شفتيها بحزن وهي تهمس بتذمر مستاء
"لا لن اذهب قبل ان يعطيني خالي هديتي ، لقد وعدني وانا اريد هديتي"

عادت للكلام بحزم اكبر وهو تقول بأمر
"اسمعي الكلام يا امل ، وبالغد تحصلين على هديتك من هشام ، والآن إلى النوم حالاً"

رفعت عيون دامعة للذي قال لها بقوة وهو يربت على رأسها بحنان
"لا تقلقي يا ملاكي ، سأحضر لكِ الهدية بالغد بعد المدرسة ، انا اعدك"

انزلها ارضا برفق قبل ان تنطلق الطفلة بعيدا عنهما وهي تلوح بيدها صارخة بتصميم
"لا تنسى ، لقد وعدتني"

استقام بهدوء وهو يراقب التي عادت لصعود السلالم بسرعة ، ليشعر بعدها باليد الحانية وهي تمسك بذراعه هامسة بجدية
"هيا تعال نجلس قليلا ، بدل الوقوف هكذا"

سار معها حيث سحبته باتجاه الارائك بمنتصف البهو الواسع ، ليجلس من فوره بإنهاك استبد به وهو يريح يديه فوق ركبتيه بصمت ، قالت بعدها التي جلست بجانبه على نفس الاريكة بهدوء
"اخبرني عن العمل يا هشام ، كيف هي احوال عملك بالجامعة ؟ هل ما تزال تعمل بأكثر من وظيفة بنفس اليوم ؟"

عقد حاجبيه بهدوء وهو يتمتم باقتضاب
"كل شيء بخير ليس هناك من جديد ، اخبريني انتِ عن زوجك ألم يعد بعد من سفرته من الخارج !"

ضمت يديها معا بهدوء وهي تهمس بابتسامة رقيقة باتزان
"لا لم يعد وهذه المرة قد يحتاج لأيام بسفره بالخارج حتى ينهي صفقة العمل ، ولكنه يتصل بنا يوميا ليطمئن علينا ويخبرنا عن احواله"

نظر لها للحظات قبل ان يعقد حاجبيه قائلا بتذكر
"صحيح لماذا لم ارى ابنكِ حاتم باستقبالي ؟"

ردت عليه بابتسامة حانية برقة
"لقد ذهب للنوم منذ وقت طويل ، وألا لما كان ضيع عليه فرصة استقبال خاله هشام ، ولكن هذا افضل من اجل ان نستطيع التكلم بحرية اكبر"

ادار وجهه بعيدا عنها بصمت وهو يريح ذقنه فوق قبضته بشرود ، ليقطع الصمت صوتها مجددا وهي تقول بحيرة واجمة
"هشام انت لا تبدو بخير ابدا وكأنك مهموم وقد لاحظت هذا عليك منذ ايام ، انا اقول بأنه من الأفضل لك ان تأخذ استراحة من العمل ، فأنت تتعب نفسك كثيرا به وكأنه ليس لديك شيء تفعله سوى الذهاب لتلك الجامعة وألقاء المحاضرات بها ، لذا من الافضل ان تستريح من كل هذا وتأخذ إجازة قصيرة"

ابتسم بدون اي مرح وهو يتمتم بوجوم
"وماذا تريدين مني ان افعل بالإجازة مثلا ! اُفضل ان اضيع وقت الإجازة بالعمل الجاد والذي يفيد غيري من طلبة العلم"

عبست ملامحها الجميلة وهي تكتف ذراعيها هامسة بحزم
"انت تقول هذا الكلام لأنك لا تجد ما تفعله بحياتك الفارغة ، وقد قصدت بكلامي بأن تأخذ استراحة لن تضر بالعمل وان تعود للسكن معنا بالمنزل وبين اولاد شقيقتك الذين يحبونك كما بالماضي....."

قاطعها الذي رفع رأسه فجأة وهو يقول بجدية صارمة
"هذا غير جائز يا اسمهان ، فأنا قد اصبحت الآن رجل مستقل معتمد على نفسه ، ولا يصح ان اعود للعيش معكم بعد ان كونت نفسي واصبح لدي حياتي الخاصة بعيدا عن الجميع"

ردت عليه بتبرم مستاء
"لو كنت حقا قد كونت حياتك الخاصة كما تقول ! لكنت الآن متزوج ولديك امرأة واطفال بدل حياة العزوبية والتشتت التي تعيشها وكله بسبب علاقة قديمة دمرت كل حياتك"

تصلبت ملامحه لوهلة وهو يعتدل بجلوسه بصمت بعيدا عنها ، لتقول بسرعة التي تداركت نفسها وهي تضع يدها على ركبته هامسة بأسف
"اعتذر يا هشام ، لم اقصد ان اجرحك بكلامي ، اكرر اعتذاري ، ولكن صدقني كل ما اقوله من اجل مصلحتك يا شقيقي فهذا الذي تفعله....."

قاطعها الذي امسك بكفها على ركبته وهو يقول بجمود باهت بدون اي حياة
"كفى يا اسمهان ، لا اريد سماع اي كلام عن هذا الموضوع ، ومرة اخرى إياكِ وان تتدخلي بحياتي الخاصة ، لكي لا افكر عندها بالانقطاع عن المجيئ لمنزلك"

انحنت عينيها بحزن ما ان افلت كفها بهدوء ، لتضم قبضتيها معا عند حجرها لوهلة وهي تتمتم بأسى
"حسنا يا هشام كما تشاء ، فأهم شيء عندي هي راحتك وان تعيش بهناء مع الشخص الذي يحبك ويسعدك بحياتك"

حانت منه التفاتة نحوها لبرهة قبل ان تقع عينيه على العقد الرقيق الملتف حول عنقها ، ليبتسم بعدها بهدوء وهو يقول بشبه ابتسامة باردة
"هل ما تزالين تضعين العقد للآن ؟ يبدو بأنه قد اعجبكِ كثيرا !"

تغضن جبينها بحيرة للحظات قبل ان توجه نظراتها للعقد حول عنقها والذي ينتهي بلؤلؤة صغيرة عند الصدر ، لتعود للنظر له بابتسامة كبيرة عادت لتعتلي ملامحها الفاتنة وهي تهمس بثقة
"اكيد لن اخلعه فهذه اجمل هدية اتلقاها من شقيقي الوحيد ، وقد اصبت هذه المرة باختيار الهدية ، فهي جميلة جدا ورائعة ، لقد اثبت لي بأنك تمتلك ذوق رفيع رغم كل عيوبك"

ضحكت بعدها بمرح بدون ان يشاركها مرحها وهو يبتعد بتفكيره لأمور اخرى اخذت عقله على حين غفلة بدون ان يخبرها بأنه قد استعان برفيقة باختيار هذا العقد الرقيق ، افاق من شروده على صوتها وهي تنهض من جانبه قائلة بابتسامة لطيفة بمحبة
"سأذهب لأطلب من الخدم تحضير مائدة عشاء كاملة لنا ، فلا تظن بأنني سأتركك هكذا بدون عشاء ، وايضا من اجل ان نكمل سهرتنا معا كما كنا نفعل بالماضي بما انه ليس هناك شيء نفعله"

عقد حاجبيه بوجوم ما ان غادرت من امامه بعيدا عنه بدون ان تنتظر رأيه بالأمر ، وماذا كان يتوقع منها تلك العنيدة والتي لا تسمع لأحد سوى ما يأمرها به عقلها وعلى سجيتها ؟ ودائما ما تنتصر وتنفذ ما برأسها بدون ان يقف احد بوجهها .

يتبع..........


روز علي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس