عرض مشاركة واحدة
قديم 30-10-21, 11:15 PM   #190

روز علي
 
الصورة الرمزية روز علي

? العضوٌ??? » 478593
?  التسِجيلٌ » Sep 2020
? مشَارَ?اتْي » 711
?  نُقآطِيْ » روز علي is on a distinguished road
افتراضي

تنهدت بهدوء وهي تتهادى بخطواتها البطيئة عند سياج الحديقة الخلفية بالصباح الباكر ، وهي تدس كفيها بجيبي قميصها الرياضي وهواء الشتاء مع دفء اشعة الشمس الصباحية تعطيها طاقة غريبة تخللت بخمول جسدها الضعيف وبسكينة بروحها التائهة عن منبرها ، وهو اجمل وقت قد تفضل به ان تقضيه مع نفسها والاستمتاع بلحظات خلوتها الهادئة والتي تستطيع بها ان تصفي ذهنها بعيدا عن ضغوطات الحياة والتي اهلكت مقدرتها على الاستمرار بخوض المزيد منها .

وقفت للحظات وهي ترفع رأسها ببطء باتجاه اشعة الشمس الصافية بهذا الوقت المبكر والذي تكون به معتدلة بدون اي رياح عاتية او موجات من حرارة مرتفعة ، لتبتسم بعدها بإشراق باهت لوجه الشمس وكأنها ترحب بها وتستقبل نور اشعتها الدافئة بسعادة كبيرة غمرت قلبها الصغير بالتفاؤل وبأمل جديد انزرع بمنتصف روحها الساكنة ، تغضن جبينها فجأة وهي تضيق عينيها بهالة مزعجة عادت لتجتاح عالمها الصافي بصوت اقدام الاطفال من حولها وهي تشكل حلقة تقترب من مجالها تدريجيا ، وصوت الضحكات تملئ المكان المتواجدة به مترافق مع صراخهم وحماسهم الذي يزداد من محور حياتها رويدا رويدا بدون طريق للخروج منه
"هيا يا غزل اركضي ، اركضي قبل ان تمسك بكِ"

ارتجفت ابتسامتها كما ملامحها التي شحبت بذبول ما ان عادت للذكرى والتي توقف بها كل شيء جميل بحياتها ، وهي تحاول الجري بقدميها الصغيرتين بكل سرعة بدون ان تستطيع مجاراة سرعتهم حتى انتهى بها الطريق ما ان تعثرت لتقع ارضا بقوة بدون اي حراك او شعور سوى بنبضات قلبها والتي اصبحت تقرع بأذنيها بطنين مزعج ، وبعض الاصوات عادت لتخترق غمامتها بتداخل غريب وبعد ان اختفى صوت الفرح ليحل مكانه الحزن
"لقد وقعت غزل ارضا ، علينا اخبار المعلمة ، لما لا تتحرك ؟ هل هي بخير ؟ هل هي تتنفس ؟ هل هي على قيد الحياة ؟"

اخفضت وجهها بقوة بعيدا عن اشعة الشمس وهي تحك جبينها بارتجاف احتل مفاصلها لوهلة وبعد ان طغى على مفعول سعادتها بنور الشمس والتي حرقت قلبها بذكريات بعيدة ، زفرت انفاسها ببطء وهي تعود لتدس كفيها بجيبي قميصها بهدوء ظاهري ، لتتابع بعدها خطواتها بلحظة بجانب السياج حول الحديقة وهي تنظر لمسارها بدون اي هدف ، رفعت يدها للسياج لا إراديا وهي تتلمس بأصابعها على سطح خشبه البارد بهدوء وكأنها ترسم معزوفة خاصة بها وبخط طريق حياتها المستقيم .

تجمدت بمكانها لوهلة وهي تستمع لصوت خطوات منتظمة بطريق مسارها تقترب من مجالها تدريجيا ، لتتنفس بعدها بارتجاف احتل كيانها بلحظة وهي تفكر بهوية الشخص الذي سيحاول تتبع خطواتها الآن بهذا الوقت المبكر من الصباح ؟

زمت شفتيها بتوجس ما ان توقفت الخطوات عن الاقتراب منها نهائيا ، لترفع قبضتها لصدرها تلقائيا وهي تدعو بداخلها بذعر ان يكذب ظنها ولا يكون من تفكر به ! زفرت انفاسها بثواني وهي تستدير ببطء للخلف وبشك بدأ يزداد بقلبها حتى تحول لليقين ، لتتسمر بعدها بمكانها بذهول وهي تخفض قبضتها بسكون ما ان وقعت عينيها المتسعتين على من كانت تفكر به من لحظة وعلمت بوجوده وكأنه هاجس اصبح يلاحقها منه !

امتعضت ملامحها بلحظة ما ان تأكدت من وجوده وبأنه ليس وهم من خيالها ، لتقول من فورها بوجوم وهي تشتت نظراتها بعيدا عنه
"ما لذي تفعله هنا ؟"

ارتفع حاجبيّ (هشام) وهو يقول بابتسامة متزنة بدون ان يتأثر بنبرة صوتها الساخطة وطريقتها بتفادي النظر له
"هذا ليس اسلوب لطيف بالتكلم مع استاذك والذي يجدر بكِ ان تكنّي له الاحترام والوقار !"

عقدت حاجبيها باستهجان لوهلة وهي تهمس بخفوت محتد
"من قال بأنك ما تزال استاذي ؟ انت الآن مجرد شخص غريب عني لا يربطني به اي صلة ، وبالمقابل لست مضطرة لأكن لك اي احترام او ان اتعامل معك بلباقة ، سمعت يا هشام ؟"

اتسعت ابتسامته بقوة وهو يمرر نظرات سريعة عليها هامسا بصوت اجش ساحر
"إذا كان ترك مهمة تعليمك ستدفعك لنطق اسمي مجردا ! فأنا موافق على هذا"

فغرت شفتيها بارتعاش وهي تخفض نظراتها بتخبط استبد بها قبل ان تهمس بإحراج
"ما لذي تتكلم عنه ؟ انا اتكلم معك بجدية ! لما لا تأخذ كلامي على محمل الجد ؟"

عض على طرف ابتسامته بتمهل وهي ينظر لها مثل طفلة متذمرة تحاول مجاراة حركات الكبار بدون ان تفلح بذلك الدور ، ليتنفس بعدها بهدوء للحظات قبل ان يقول بجمود
"سأتكلم معكِ بجدية عندما تتوقفي عن هذا الاسلوب الوقح بالتكلم مع استاذك ، عندها قد اعرف كيف اتعامل معكِ وما لذي يناسب طفلة مشاغبة مثلك !"

رفعت عينين متسعتين بوجوم وهو ما يزال يسخر منها كعادته بعد كل ما فعله معها سابقا ! وبدون ان يشعر بأي ذرة تأنيب ضمير ؟

اخفضت نظراتها بعيدا عنه وهي تهمس باستياء
"كيف عرفت انني هنا ؟ ومن اعطاك الإذن بدخول حديقة منزلي ؟"

ردّ من فوره بابتسامة هادئة
"الخادمة اخبرتني بذلك ، ولم اشأ ان اضيع مثل هذه الفرصة"

عضت على طرف شفتيها وهي تهمس بسخط
"امي"

رفعت عينين مشدوهتين ما ان قال الذي تابع كلامه بابتسامة جانبية بتفكير
"ولكني ارى بأن فكرتكِ هذه رائعة ولم تخطر على بالي من قبل ! تغيير بيئة التدريس من جو الغرفة والتي تبعث على الملل لتجربة التدريس بالخارج وبهذا الطقس الجميل والذي يبعث على النشاط والتفاؤل ، والافضل من هذا بأنه لن يؤثر على صحة قلبك بل على العكس سيكون تنشيط افضل له"

ارتفع حاجبيها بصدمة قبل ان تعبس بلحظة وهي تهمس بحدة اكبر لا تناسب نبرة صوتها الرقيقة
"توقف عن هذا الكلام ، لقد اخبرتك بأني لا اريدك ان تكون استاذي بعد الآن ، ما هو الغير مفهوم بكلامي ؟"

حرك رأسه بهدوء وكأنه لم يسمعها وهو يقول بابتسامة واثقة بدون اي تأثر
"اعتذر ولكني لم افهم اي كلمة مما نطقتِ به الآن ! بل ما اعرفه بأنكِ كنتِ متعبة ومريضة لذا لم تستطيعي الحضور عند زيارتي بالأمس"

عبست ملامحها بضيق حتى كادت تنفجر من غيظها مما يجري من حولها ومن تصرفات والدتها الغير معقولة والتي تجاوزت الحدود ! لتحاول بعدها التنفس بهدوء وهي تنظر له بإيباء قائلة بابتسامة جادة وبكل عزم حاولت التحلي به
"حسنا بما انك مصر على كلامك ولا تريد استيعاب شيء ، سأخبرها لك بطريقة اخرى مباشرة ومفهومة ، انا لم اعد احتاج لخدماتك بعد الآن يعني لقد طردتك من هذه الوظيفة ، ولا اريدك ان تشرف على مساقات دراستي لأني لم اعد اريدك ان تأخذ هذا الدور بحياتي ، هل فهمت الآن ام اعيد مجددا ؟"

كان يراقبها بهدوء وبصمت تام بدون اي انفعال يعلو ملامحه ، ليقول بعدها بنبرة غريبة وبابتسامة واثقة بقوة
"لا تستطيعين لأن الخيار ليس بيدك ، وهذا الذي تفعلينه مجرد هدر للوقت القيم بأمر محتوم المصير !"

انفرجت شفتيها مع اتساع حدقتيها العسليتين بآن واحد بدهشة دامت بينهما لدقائق ، لتتمالك بعدها نفسها بسرعة وهي تلوح بذراعها بعنف هامسة باستنكار غاضب
"لا تستطيع فعل شيء ، فأنا التي اقرر مصير دراستي هنا وليس انت !"

ردّ عليها بسرعة بثقة اكبر
"بل استطيع"

تجهمت ملامحها اكثر وهي تهمس بعصبية حانقة
"لا تستطيع"

زادت ابتسامته اتساعا وهو يهمس بمرح متسلي
"بل استطيع"

زمت شفتيها بضيق وهي لا تستطيع الاستمرار بهذه المنافسة والتي استنزفت منها كل طاقتها مع كرامتها المهدورة مسبقا ، بينما لانت ملامح الواقف امامها وهو يشعر بأنه قد تجاوز الحد بالفعل معها واكتفى من لعبة المراوغة هذه وبعد ان تسلى بمتعته الخاصة والتي اشتاق لها كثيرا مع هذه الطفلة المشاغبة ، ليتقدم بعدها امامها عدة خطوات وهو يقول بجدية هادئة بعد ان توقف عن لعبة الهزل اخيرا
"اسمعي يا غزل انا......"

تصلب بمكانه فجأة ما ان تراجعت للخلف تلقائيا بارتعاش صدمه بشدة ، وما ان رفع نظراته نحوها بهدوء حتى تحركت بسرعة بعيدا عنه وهي تحاول تجاوزه بصمت ، لتتوقف بآخر لحظة ما ان امسك بذراعها برفق بدون مقدمات شلتها عن الحركة تماما بارتجاف سرى على طول ذراعها بلحظة خاطفة .

حادت بنظراتها نحوه بارتباك ما ان افلت ذراعها بلمح البصر وكأن تيار كهربائي صعقه للتو ، ليتغضن جبينها بوجوم وهي تستمع لصوته ما ان عاد لثباته المعهود
"اسمعي اريد التكلم معكِ بشأن ما حدث بذلك اليوم....."

قاطعته لا شعوريا بابتسامة باهتة
"لا بأس ، ليس بالأمر الجلل الذي يحتاج للاهتمام....."

قصف صوته بقوة وهو يستدير نحوها بكلتيه قائلا بجدية صارمة
"لا تقاطعي كلام استاذك عندما يتكلم يا غزل"

اشاحت بوجهها بعيدا عنه بعدم اهتمام ، ليتابع كلامه بهدوء وبابتسامة متزنة بقوة
"ما حدث بذلك اليوم لم يكن خطأك ، لقد تماديت كثيرا بكلامي وقلت امور لم يكن عليّ قولها ، ولكن رؤيتك مع ذلك الرجل الغريب عنكِ دفعني لأفكر بأنكِ من ذلك النوع من الفتيات واللواتي يقيمون علاقات مع شبان بمسمى الصداقة ، فقد رأيت من هذه العينات الكثير بمسيرة عملي بالجامعة ، وايضا بحياتي الشخصية كذلك ، لذا اعتذر عما بدر مني !"

ادارت وجهها نحوه ببطء وهي تتابع كل كلمة نطق بها بانتباه مشدوه صدمها بشدة وكأن شخص آخر من يتكلم امامها الآن وليس استاذها الصارم الذي يهوى السخرية منها ولا يعترف بأخطائه ! وكل هذا لا شيء امام اعتذاره الاخير والذي يخرج منه لأول مرة وبندم واضح .

عضت على طرف شفتيها بارتعاش ما ان نظر لها بقوة لتقول من فورها بابتسامة حاولت ان تجعلها غاضبة
"حسنا لا بأس ، ولكن لم تخبرني هل وصلت الهدية لحبيبتك المجهولة ؟"

ارتفع حاجبيه بتركيز وهو يرفع معه رأسه قائلا بتفكير
"هدية ! لا اتذكر اي شيء عن الهدية ؟"

عبست بغضب وهي تهمس من فورها بثورة
"انا اقصد ذلك العقد والذي اخترته هدية من اجل فتاة ، وكنت تريد اخذ رأيي به"

اخفض وجهه بلحظة وهو يقول بحاجبين مرتفعين بسخرية
"اجل تلك الهدية ، وما دخلك انتِ ؟"

تبرمت شفتيها وهي تكتف ذراعيها هامسة بغرور مزيف
"لأنني انا من اخترت العقد ، واريد ان اتأكد بأنه قد وصل لصاحبه وحضي على إعجابه"

دس يديه بجيبي بنطاله وهو يميل بجسده امامها قليلا جمدها بمكانها قبل ان يتمتم بابتسامة بمغزى
"اجل لقد اعجبها كثيرا وطارت من الفرح عندما اعطيتها إياه وكأنها لم ترى هدايا من قبل"

عقدت حاجبيها بقوة وهي تتراجع قليلا للخلف هامسة بخفوت حاد
"هذا جيد لقد ارحتني حقا"

استقام بمكانه لوهلة وهو يعود للكلام بجدية متزنة
"إذاً هل ما تزالين غاضبة مني بسبب ما حدث ؟ ام عليّ ان اعيد شرح الوضع مجددا !"

رفعت عينيها بارتباك وهي تلوح بيدها هامسة ببرود
"لا لا داعي لذلك ، كل شيء بخير"

تنفس براحة بعد ان انتهى من هذه المهمة العصيبة والتي اخذت تفكيره لأيام ، ليقول بعدها بعملية جادة وهو يعقد حاجبيه بقوة
"حسنا هل نستطيع الآن متابعة المحاضرة والتي توقفنا عليها ؟ ام ستستغلين الفرصة لتأخذيها إجازة من الدراسة !"

تنفست بارتجاف وهي تضم قبضتيها معا هامسة بابتسامة صغيرة برجاء
"هل نستطيع استئناف اليوم من المحاضرات ؟ ارجوك واعدك ان نعوضها بالأيام القادمة"

ابتسم بهدوء وهو يستمتع بنبرة صوتها الحزينة والتي عادت لطريقتها السابقة ، ليحرك رأسه بيأس منها وهو يقول بابتسامة جانبية
"حسنا لا بأس ، لن نأخذ هذه المرة محاضرة ، ولكن إياكِ وان تتمادي اكثر بطلباتك فأنا لن اتساهل معكِ بالمرات القادمة"

اومأت برأسها بطاعة وهي تهمس بابتسامة مشرقة
"شكرا لك يا هشام"

ابتسم بهدوء وهو يعود لسماع اسمه مجردا منها ويبدو بأن لسانها الصغير قد اعتاد على نطقه مجردا وليس من السهل ان ينزعه عنها ، ليستدير بعدها للجهة الاخرى وهو يقول بهدوء
"حسنا وداعا الآن يا مشاغبة ، ولنا لقاء آخر غدا ، لا تنسي"

ليتابع بعدها طريقه بعيدا وهو ما يزال يبتسم بقوة بدون ان يمنع نفسه وبعد ان كسب اسمه منها والذي سيكون ضمن اشياء كثيرة سيكسبها منها مستقبلا حتى يربح بها كاملة بالنهاية وكما يتمنى .

______________________________
دخل للمنزل مباشرة بدون مقدمات وهو يصطدم بالخادمة التي اطلت عليه وهي تتراجع للخلف بذعر من هيئته الهمجية الشرسة ، ليقطب جبينه بلحظة وهو يقول بفظاظة شرسة
"من انتِ ؟"

انتفضت الخادمة الكبيرة التي تبدو بعمر الخمسين واكثر وهي تهمس بارتجاف
"انا الخادمة الجديدة والتي توظفت من جهة الآنسة صفاء ، من اجل ان اهتم بأمور الطبخ والتنظيف بالمنزل و....."

قاطعها الذي صرخ بنفاذ صبر وهو ينظر لها بقتامة
"اخرسي كفى ، اين هو ابي الآن ؟"

اجابت بسرعة بطاعة تامة
"السيد جلال موجود بغرفته الآن"

حرك عينيه العسليتين بعيدا عنها بهدوء قبل ان يتجاوزها بلمح البصر باتجاه السلالم بدون اي كلمة اخرى ، ليترك من خلفه التي كانت تتنفس الصعداء وهي تهمس بتفكير واجم
"يبدو بأن هذا هو ابنه الكبير مازن ! ولكن لما يبدو بهذه الحالة المخيفة وكأنه خارج من حرب ثيران ؟"

وصل (مازن) لغرفة والده بلحظات ليفتح الباب من فوره بقوة بدون استئذان وهو ما يزال يتنفس بتعب ثائر ، ارتفع رأس الجالس على الكرسي بجانب نافذة الغرفة بهدوء قبل ان تتسع عينيه المجهدتين بصدمة بجفنيه النصف مغلقتين وهو ينظر لابنه الكبير والغائب عن العالم والذي لم يراه منذ شهرين تقريبا حتى فقد الأمل من عودته .

ابتسم بتغضن زوايا شفتيه بهدوء وهو يقول بسعادة غريبة بدون اي تعبير
"واخيرا عدت للمنزل يا مازن ! وتذكرت بأن هناك رجل كبير بالسن ينتظر عودتك بفارغ الصبر وهو يودع لحظاته الاخيرة بالحياة بمفرده بدون ان يسأل عنه احد"

عقد حاجبيه بحدة وهو يتقدم عدة خطوات بعيدا عن إطار الباب ، قبل ان يقف قريبا منه وهو يهمس بعد عدة انفاس بوجوم عابس
"اريد التكلم معك بموضوع هام ، ولن اغادر قبل ان احصل على جميع إجاباتي"

ادار وجهه بعيدا عنه بصمت مريب وهو يهمس بخفوت ساخر بحشرجة صوته المتعبة
"لقد كنت غائب كل هذه المدة بدون ان تترك اي خبر عنك ؟ والآن تعود للمنزل فجأة بدون اي ترحيب لكي تطرح عليّ بعض من اسئلتك بكل وقاحة وانت تتوقع مني ان اتعامل مع الموقف ببساطة واجيبك على ما تريد سؤاله !"

تجهمت ملامحه بقوة وهو يقبض على يديه بلحظة قبل ان يقول من بين اسنانه باستياء غاضب
"اعتذر ولكني احتاج بشدة لمعرفة كل ما حدث بغيابي وما يجري الآن ، فليس عدلا ان يحصل كل هذا وانا آخر من يعلم !"

غيم الصمت من حولهما لدقائق طويلة لا يقطعها سوى تنفس هياج الواقف بالقرب منه ، ليصلب بعدها جسده بقوة وهو يهمس بخشونة هادئة بدون ان يسيطر على الهياج بصوته
"كيف تزوجت صفاء من ابن مصعب ؟ وكيف سمحت بحدوث هذا !"

سكنت الاجواء من حوله لثواني قبل ان يتكلم الجالس بالكرسي بدون ان يحرك نظره بعيدا عن النافذة
"وما دخلك انت بموضوع زواجها ؟ بعد ان غبت كل هذه الأيام بدون ان يظهر لك اثر ! تأتي الآن وتتبجح امامي بالسؤال عنها ؟"

ردّ عليه من فوره وهو يلوح بذراعه بغضب
"لأنها ما تزال شقيقتي وامرها يهمني"

ادار وجهه ناحيته فجأة بجمود وهو يتكلم معه لأول مرة بنبرة غاضبة ببؤس
"كاذب ؟ لو انك تهتم لأمرها كما تقول لما تسببت بكل هذه المشاكل بحياتنا والتي ما نزال نعاني منها للآن وبنتائجها ! لو انك حقا تفكر بسمعة وشرف شقيقتك لما جربت اللعب تلك اللعبة الخطيرة مع فتاة غريبة لا يربطك بها شيء ؟ الحياة دوارة من اخذت منه شيء سيعود عليك ويأخذه منك بنفس الطريقة ذاتها !"

كان ينظر له باتساع مهتز وهو يزيد من الضغط على اسنانه حتى كاد يحطم فكه ليهمس بعدها بدفاع
"غير صحيح انا لم ألعب بشرف احد ، انا حتى لم ألمسها ولم اقربها بسوء....."

قاطعه بصوت نافذ وهو يقول بهدوء ظاهري
"ولكنك خضت معها لعبة الحب وعلقتها بك بتلك الطريقة الشائنة حتى اصبح حبها قيد بعنقك وذنب لن يتركك ليوم الحساب !"

صرخ وهو ينفض ذراعيه للأسفل بهياج
"توقف يا ابي عن توسيع دائرة اتهامي وكأنني تقصدت حدوث كل هذا ، لقد كان خطأهم هم ولم يكن ذنبي انا"

ضرب على ذراع الكرسي بقبضته بقوة وهو يقول بصرامة هادئة تصلبت معها ملامحه المتغضنة
"لا تحاول ألقاء اللوم على الآخرين يا مازن ، فأنت المتهم الوحيد بالجريمة كاملة ومن قتلها بسلاحه"

ردّ بسرعة وهو يقول باستنكار مهتز
"لقد كان مجرد خطأ ، مجرد خطأ ، لم اكن اتقصد قتلها بتلك الرصاصة ، بل كنت احاول انقاذها من بين براثنهم ، ولكني فشلت ولم افلح"

حرك رأسه بهدوء وهو يعود بنظره للنافذة بسكون تام قبل ان يهمس بشرود
"غير مهم فقد حدث ما حدث وانتهى كل شيء ، وانت استطعت النجاة من هذه الجريمة والتي كانت على وشك سجنك خلف القضبان لبقية حياتك ، لذا عليك ان تكون ممتنا بوجود والد يسأل عنك ويهتم بمستقبلك"

ارتفع حاجبيه بوجوم للحظات قبل ان يحك جبينه المتعرق بقسوة وهو يهمس بخشونة
"ولكن يا ابي ماذا عن صفاء ؟ لقد تزوجت من شقيق تلك الفتاة وما تزوجها سوى لينتقم من عائلتنا على ما حدث لابنتهم ! هل ستتركها هناك تعاني بسبب ذنبي انا ؟ علينا استعادتها حالاً قبل ان يقتلها او يعذبها اكثر....."

صمت فجأة ما ان نطق الشارد بالنافذة بهدوء وهو يقول بنبرة خاوية بغرابة
"لن نفعل شيء ، فقد عقدنا اتفاقا من اجل ان تستمر الهدنة بيننا ولتبقى انت بعيدا عن دائرة اتهامهم علينا البقاء بما نحن عليه وبدون اي تدخل من الطرفين ، فلا تنسى بأن هذه ضريبة اخطائك ونحن علينا بدفعها"

قطب جبينه بضيق وهو يمسح وجهه بتخبط اكتسح ملامحه بلحظة ، ليخفض يديه بخمول تام وهو يهمس بخفوت متوحش
"ماذا يعني هذا ؟ هلا وضحت لي كلامك اكثر ؟"

ضم قبضتيه معا بسكون لبرهة قبل ان يهمس ببرود وبملامح متلبدة بهدوء
"لقد كنت اعلم بحقيقة هذا الزواج والهدف منه ، فقد خيرني بالفعل قبل الزواج بيوم بين القبول بتسليم ابنتي لدافع الانتقام وإيقاف الاحقاد وبين القاء القاتل الحقيقي خلف القضبان وقضاء باقي حياته بالسجن ولن يتوانى عن فعلها فهو يملك كل الأدلة والمؤكدة والتي يستطيع بها القضاء على مستقبلك بأكمله ، ولم يكن لدي خيار سوى القبول بتسليم صفاء لتدفع هي ثمن اخطائك انت ومن اجل ان انقذك من مصير مظلم سيقضي على مستقبلك ويحرمني منك ، وكل ما افعله للآن هو من اجل حمايتك وابعادك عن كل انواع الاخطار والتي قد تهدد حياتك"

كان يتابع كلامه وهو يستمع لنبرة صوته الهادئة بذهول زحف على تقاسيم وجهه الحادة ممزوج بالاستنكار مما يسمعه ويراه امامه ! ليحاول بعدها النطق بانفعال وكأنه يسخر من نفسه
"هل تخليت عن صفاء من اجل ان تنقذني من تهديده ؟ بدون ان تفكر بمصير تلك الطفلة بمثل هذه التضحية !"

زفر (جلال) انفاسه بحشرجة التعب وهو يتكلم بثبات ساكن
"اعلم ان هذا الخبر صادم لك ! واختياري بتسليم صفاء على ان اسلمك انت يبدو بمنتهى الأنانية ، ولكن بالنهاية لم يكن بيدي شيء افعله سوى ان انقذك انت واحمي مستقبلك من الدمار ، وايضا انا على يقين بأنها ستكون بخير فهي قوية وستتحمل....."

قاطعه بقوة بعد ان فقد السيطرة على نفسه وهو يهمس باستهانة
"هل تقول تتحمل ؟ انها مجرد طفلة صغيرة جبانة ؟ كيف ستتحمل مثل هذا الأمر ! مستحيل ان تستطيع مجابهة مثل ذاك الصرح الكبير وبحقد سيقتل حمامتك نهائياً !"

تنفس بهدوء وهو يكتف ذراعيه باتزان ليهمس بعدها ببرود وكأنه يتكلم عن شخص غريب عنه
"كل شيء سيكون بخير يا مازن ، فقط كل ما اريده منك ألا تعاود الاقتراب من تلك العائلة مجددا ، وان تنسى امر صفاء بالوقت الحالي من اجل مصلحتنا جميعا ولكي لا نخسرك كذلك معها وتذهب تضحيتها هباءً"

اتسعت عينيه العسليتين بتوحش وهو يحرك وجهه جانبا ببعض الصداع والذي شوش عليه تفكيره لوهلة من كل هذه التخاريف والتي يسمعها والصادرة من والده شخصياً ، ليستدير بعدها للخلف بهدوء وهو يدس كفيه بجيبي بنطاله بجمود صخري قبل ان يهمس بخفوت خاوي وهو يعود لصفحة الجليد
"اعتذر ولكني لن استطيع تنفيذ مطلبك الاخير ! فأنا الذي اعرف جيدا مصلحة نفسي واكثر من الجميع ، ولن تكون ابدا بتضحية الآخرين بأنفسهم لحمايتي من مصيري المحتوم ! فهذه حياتي انا وانا الذي اتحمل تبعات اخطائي وكل ما ينشأ ويصدر عنها"

التفت ببطء ناحية الذي خرج من الغرفة بأكملها بلمح البصر ، ليحرك بعدها رأسه بيأس وهو ينظر عاليا بقلب مثقل بالهموم وبتفكير لا يبارح عقله منذ وقت طويل ، ليهمس بعدها بالجملة والذي كررها على مدار ايام طويلة وبتعب ارهق كيانه
"سامحيني يا حمامتي الصغيرة على كل شيء ، وكل ما اتمناه ان لا يقسو قلبكِ عليّ ، فوالدك ما يزال يحبك"

______________________________
كان يدمر كل شيء امامه بالغرفة بهياج مندفع فقد به كل برود اعصابه وكأنه ثور خارج عن السيطرة يبطح كل شيء يراه امامه بدون اي هوادة او تراجع...وكلام والده ما يزال يزيد من شعلة الغضب المستعر بداخل جنبات روحه مثل مرجل منصهر على وشك حرق واذابة كل ما يصله نيرانها...وهو ينفث كل النيران المخزنة بداخله بتدمير كل ما تصله يديه بحالة من الجنون الغير محدود وبدون اي انضباط او تفكير .

توقف بعدها بدقائق بإنهاك شل حركة اطرافه لثواني وبعد ان استنزف كل طاقاته المحمولة بداخل جمر روحه ، استند بالجدار بتعب وبأنفاس حادة بحرارة مفرطة على وشك تمزيق خلايا جسده وهو يمسح وجهه بيديه بتعرق وقسوة ، ليخفض بسرعة يديه للأسفل وهو يلتقط سيجارة من جيب بنطاله قبل ان يشعلها من فوره بالقداحة بيده الاخرى ، لينفث بعدها دخان السيجارة مع انفاسه بالجو ونظراته معلقة بالدمار العاصف امامه والذي احدثه بالغرفة بلحظة بدون اي شعور او اهتمام .

رفع عينيه العسليتين باحمرار قاتم مهيب وهو يتابع سحب الدخان امامه بسكون احتل حياته فجأة ، لتتداخل بلحظة بعض الخيالات البعيدة مع ضباب الدخان والذي كان يشاهده بنفس النظرات الشاردة المجردة من اي مشاعر عندما بدأت حكايته قبل سنوات والتي طبعت بذنوب حياته الكثيرة ، وبعد ان عقد قسم مع نفسه بأن لا يعود لتلك الذكريات والحفرة السحيقة والتي خرج منها بأعجوبة وانتهى وبدون اي اصابات او مشاكل بعكس الآخرين معه ، بتلك اللحظة ما يزال يذكر رنين الاسم على اذنيه والذي انتشله من شروده ليكون لعنة وصمت بحياته
"غنوة مصعب"

نظر له بسرعة باتجاه الشاب الجالس امامه بغرفة صغيرة لا تتجاوز اعمارهم الثامنة عشرة وهو يشاركه بنفس الدخان الخارج من سجائرهم حتى ملئت الغرفة بأكملها بضباب انفاسهم ، حرك عينيه بعيدا عنه بلا مبالاة وهو يهمس بشبه ابتسامة ساخرة
"هل هي فتاة جديدة تسعى للحصول عليها بعد ان ذقت ذرعا من الفتاة الاخيرة ؟"

حرك رأسه بتلك الطريقة التي تشير برغبته للاستعداد للصيد وهو يبتسم بشرود قائلا بشراسة
"بل هي تختلف عن جميع الفتيات اللواتي تعرفت عليهن ، وهذا لأنها تمتلك كل الصفات والتي حلمت بها بنوع الفتاة والتي لم اجربها بحياتي ، ولن تستطيع تصور رغبتي الحارقة بالحصول عليها وضمها لمجموعتي الخاصة"

ارتفع حاجبيه ببطء مندهش وهو يتابع تدخين سيجارته بعدم اهتمام ليهمس بعدها باستهزاء واضح
"لقد ادهشتني حقا بكلامك ! يبدو بأنك قد انتقلت لمستوى آخر بذوقك باختيار فتياتك ؟ ولكن هل ستكون فتاتك الجديدة مجرد نزوة عابرة مثل جميع من قبلها ؟"

ضحك بخشونة وهو يلوح بسيجارته بتسلية قائلا بابتسامة مفترسة بتصميم
"بل هي اجمل نزوة قد تمر على حياتي بسنوات عمري الثامنة عشر ! وكل ما انتظره هو حصولي عليها وجعلها طوع امري وكما اريد"

ضيق عينيه بلحظة وهو ينفث الدخان بهدوء قبل ان يتمتم بوجوم غير معبر
"حسنا وما دخلني انا بمخططاتك هذه والتي لا تهمني بشيء ولا تشكل فرق بحياتي !"

تقدم فجأة بجلوسه بتحفز وهو يسند يديه فوق ركبتيه وبابتسامة اتسعت بلحظة بمغزى قبل ان يهمس بمكر
"انت هو اساس خطتي يا مازن ، فأنا اريد منك انت ان تحصل لي على تلك الفتاة وتسلمها لي وهذا بعد ان تستدرجها بلعبة الحب وبطريقتك الملتوية الشهيرة والتي تسحر الفتيات الصغيرات ، لتسلمها لي بعدها ببساطة وينتهي دورك هنا"

عقد حاجبيه بغموض وهو يخفض وجهه قليلا هامسا ببرود
"ولما لا تحاول انت الحصول عليها بنفسك ؟ لما اخترتني انا تحديدا من اجل هذه المهمة السخيفة باللعب على فتاة لا يربطني بها شيء ؟"

زفر انفاسه بهدوء بدون ان يبعد نظراته عنه وهو يقول بيأس مزيف
"لو كنت استطيع الحصول عليها لما استعنت بك ! فهي تبدو من النوع العنيد والذي لا يقبل بالعلاقات العابرة وهذا ما يعجبني بها ! وقد جربت حظي معها ولم افلح بشيء ، وبما انك شعبي بين الفتيات ولديك خبرة واسعة بالتعامل مع هذا النوع ، فلن تمانع مساعدة صديقك الوحيد بهذه المهمة المستحيلة وبهذه الظروف العصيبة"

كان يحرك رأسه بعيدا بتصلب وهو يفكر بهذا النوع من الفتيات والذي لديه نبذة واسعة عنه لا يبارح تفكيره ابدا ، وهو يتمثل بطفلة صغيرة متمردة تستطيع القضاء على كل من يتعرض لها بنظرة واحدة لها وبوقاحتها الغير محدودة مثل الشياطين الصغيرة !

قال بعدها بلحظات بهدوء وهو يكمل نفث دخان سيجارته
"ما هو نوع تلك الفتاة بالضبط ؟"

ردّ عليه من فوره بابتسامة متسلية
"انها فتاة مدرسة وهي لا تتجاوز عمر الخامسة عشرة ، صغيرة وجميلة بشكل لا يوصف وتستطيع العبث بغرائز الجنس الآخر بنظرة واحدة لها"

تشنجت ملامحه وهو ينظر له مباشرة قائلا ببساطة
"ألم تجد سوى طالبة مدرسة لتلعب معها ! هذا النوع لا احب المخاطرة معه فهو يسبب لي الكثير من المشاكل ، لذا انسى الأمر ؟"

اعتدل بجلوسه وهو يقول بحاجبين معقودين بحدة
"لا تقل هذا يا رجل ! فأنت املي الوحيد والاخير بالحصول عليها ، إذا لم تساعدني فسأخسر حب حياتي للأبد"

عبست ملامحه بلحظة وهو يلوح بيده قائلا بلا مبالاة
"لما لا تبحث عن فتاة اخرى لتلعب معها ؟"

اسند مرفقه بذراع الكرسي وهو يهمس بابتسامة مفترسة بكسل
"الأمر ليس بهذه السهولة يا مازن ، فقد اختار القلب وانتهى الأمر ومشاعري نحوها لن تتغير مهما حدث وجرى"

زفر انفاسه بحدة وهو ينهض عن الكرسي بقوة ليستدير بعدها بعيدا عنه وهو يهمس بجفاء باهت وبدون اي اهتمام
"إذاً حل مشكلتك لوحدك ، فأنا كما اخبرتك لا علاقة لي بمثل هذه الأمور التافهة والتي لا تعنيني بشيء ، وليست من اختصاص عملي هنا"

ولكن ما ان ابتعد قليلا عنه حتى قال الجالس من خلفه بأريحية وبجمود قاسي
"إذا رفضت مساعدتي ستخسر فرصة الانضمام لعصابة مأمون ، وإذا اردت يمكنني ان اكون واسطة لك واجعلك تدخل لها وتكون عضو بها بكل يسر وسهولة ، أليس هذا ما تريده !"

تسمر بمكانه للحظات طويلة وكل الافكار تدور برأسه بدوامة واسعة وبتخبطات متداخلة بين صراع الرغبة والرفض ، ليتنفس بعدها من بين اسنانه بيأس وهو يهمس بخفوت مقتضب
"هل الفتاة تعيش مع عائلتها ؟ فلا اريد التورط بين عائلة محافظة او متشددة"

اجابه بلحظة بابتسامة عملية بنشوة الانتصار
"الفتاة يتيمة وهي تعيش مع والدتها فقط ، لديها شقيق واحد لكنه يعيش بعيدا عنهما بسبب ظروف العمل والدراسة ، يعني الطريق مفتوح امامك !"

زفر انفاسه بهدوء شديد قبل ان يخرج همسه بخواء فارغ
"لا بأس ، اعتبر الأمر محلول عندي"

ارتخت عضلاته بخمول تام ما ان خرج من دوامة ضباب ذكرياته وهو يجلس على الارض ببطء وبسكون تام ، ليرفع بعدها يده بصعوبة وباهتزاز وهو يحاول رشف عدة انفاس من دخان سيجارته قبل ان يطلقه بسماء عالمه ، لتعود تلك الذكريات الضبابية لأسر عقله بتلك الذكرى البعيدة وبداية تلك اللعبة اللعينة ، وهو ما يزال يرى تلك الفتاة الصغيرة التي كانت ترتدي زي مدرستها وهي تتجه مباشرة بطريق مرصوف بالحجارة بخط مستقيم بدون ان يقاطعها احد وكفها الصغيرة تتلاعب بأوراق الياسمين المعلقة بجدران المنازل الحجرية بطريقها بانسجام .

كان يراقبها عن كثب وهو يرى الرجل الذي اعترض طريقها فجأة بدون سابق إنذار ، وبلحظات قصيرة كان يصل لها بلمح البصر ليهجم على الرجل الغريب وهو يمسك بياقة قميصه ليلصقه بالجدار بجانبه بضربة واحدة فقط من قبضته ، ما ان استوعب الرجل صدمته حتى جرى بتعثر بعيدا عنهما بلحظات .

نفض ذراعيه بقوة وهو يدس كفيه بجيبي بنطاله قبل ان ينظر بأطراف عينيه نحو التي همست بإحراج لون بشرتها البيضاء باحمرار طفيف
"شكرا لك"

عقد حاجبيه بجمود وهو يقف امامها تماما ليحرك رأسه بإشارة للطريق قائلا بهدوء
"هيا تحركي امامي"

ارتفع حاجبيها الصغيرين بدهشة قبل ان تحرك رأسها بإيماءة طفيفة وهو تستدير بعيدا عنه قبل ان تتحرك باتجاه مدرستها بثبات ، كان يسير من خلفها على بعد خطوات منها طول طريق ذهابها للمدرسة بدون ان يحيد عن مسارها ، وما ان وصلت لمدخل المدرسة حيث تجمعات الطلاب هناك حتى التفتت من فورها للخلف وهي تشاهد الذي غير مسار طريقه بعيدا عنها بصمت كما جاء ، ليستمر على هذه الحال وهو يتابعها يوميا طول طريق ذهابها للمدرسة بكل صباح تخرج به من المنزل بدون اي كلل او ملل ، حتى صادف اليوم الذي نادت به على ذاك الغريب بصوتها المحرج الهادئ
"عفوا ! هلا اخبرتني ما هو اسمك ؟"

نظر لها للحظات قبل ان يهمس بابتسامة هادئة بجمود
"اسمي هو مازن"

زمت شفتيها بارتباك وهي تتلاعب بأصابع كفيها هامسة بخفوت
"لما تلاحقني بكل مرة اذهب بها للمدرسة ؟ هل تريد مني شيء ؟"

اجابها ببساطة وهو يحرك يده جانبا ببرود
"أليس هذا واضحا ! لكي اتأكد من سلامة الطريق امامك فقد لاحظت بأنكِ وحيدة وليس هناك اي احد يرافقك وطريق مدرستك خطير ، وهذا واجبي ناحية ابنة منطقتي"

اتسعت عينيها السوداوين الواسعتين بانشداه لوهلة وهي تهمس بابتسامة صغيرة بارتباك
"حقا هذا لطف منك ! لم اكن اعلم ان هناك رجال من امثالك ما يزالون موجودين على كوكب الأرض !"

ارتفع حاجبيه بوجوم وهو يشعر بنفسه قد ذاق ذرعا من هذه التمثيلية السخيفة والتي تناقض حقيقته ، ليستدير من فوره بعيدا عنها وقبل ان يبتعد سمع صوتها الهامس بسعادة غريبة بحياء
"اسمي هو غنوة بالمناسبة ، ويمكنك مرافقتي بطريق ذهابي للمدرسة دائما بدل ان تتسلل من خلفي هكذا بكل مرة !"

تجمدت ملامحه بصدمة وهو لا يصدق كيف وصل لطريقه بسرعة وبسهولة هكذا بدون اي شقاء او عناء ؟ ليلتفت بنصف جسده نحوها بلحظة وهو يصدم بنظراتها المسلطة نحوه بطريقة تختلف عن سابقتها وبابتسامة كبيرة كانت تحتل وجهها الدائري الصغير بجمال ، ليتدارك نفسه بسرعة وهو ينتشل نظراته عنها ليكمل طريقه بعيدا عنها وبدون ان يلقي نظرة اخرى عليها .

تنفس بهدوء وهو يسعل بقوة اتعبت حنجرته ، ليريح بعدها مرفقه فوق ركبته المنتصبة وهو يشرد بذكرياته البائسة والتي اطلق سراحها اليوم ، كل ما يتذكره بعدها بمجريات تلك اللعبة هو مناوبته الدائمة على اصطحابها يوميا بطريق ذهابها للمدرسة حتى اصبحت عادة بالنسبة له وهو يزيد ذلك الرباط الوهمي بينهما بدون ان يكون لديه سبيل بإيقافه ، وعندما شعر بعدها بدنو الخطر القريب منه والذي يوشك على تدمير رتابة حياته واستنزافه كذلك كل طاقته ليكون النقيض عن نفسه امامها قرر الانسحاب من اللعبة والتخلص من هذه المهزلة .

وقف امامه مجددا بنفس المكان وهو يقول له بهدوء ظاهري بغلاف البرود
"جابر لقد قررت الانسحاب من اللعبة ، ولم اعد اريد الاستمرار بها"

صرخ بسرعة الواقف امامه باستنكار ممزوج بالذهول
"ولكن لماذا تنحسب الآن ؟ بعد ان اقتربنا اخيرا من الوصول لهدفنا تقرر الهروب الآن !"

استدار بعيدا عنه وهو يتجه نحو الباب قائلا بعدم مبالاة
"هذا كل ما لدي ، ومنذ البداية اخبرتك بأن هذه الأمور ليست من اختصاصي"

تجهمت ملامح (مازن) فجأة ما ان سمع كلام الواقف من خلفه بنبرة محتقرة بازدراء
"انت بهذه الطريقة تضيع فرصة ذهبية بالانضمام لعصابة مأمون والتي لن تأتي مثل هذه الفرصة مرة اخرى ، وانا بنفسي سأتأكد من عدم انضمامك لها بحياتك"

كان قد وصل له بخطوات فاصلة ليلكمه بوجهه بقوة لدرجة اوقعته جالسا على الكرسي بعنف وهو يهمس فوق وجهه بتوحش مفترس
"إياك وان تحاول التحكم بي بمثل هذه الطريقة الحقيرة ، فأنا لست لعبة بين يديك لتستغلها لأغراضك الدنيئة وكما يحلو لك ، ولا يشرفني ايضا ان اكون صديق لزير نساء مثلك"

نفض ذراعيه للأسفل بعنف وهو يسير من فوره باتجاه الباب بهياج مندفع ، ولم ينسى تلك الكلمات والتي قالها صديقه من خلفه بوعيد الحقد والانتقام
"ستدفع ثمن هذا غاليا يا مازن ، انا اعدك ، لن ارحمك"

شدد من الضغط على اسنانه بقسوة وهو يبتسم بسخرية شامتة بحالته عندما لم يأخذ كلامه على محمل الجد ، حتى تدمر كل شيء بيوم واحد فقط وبساعات قليلة وامام عينيه ، وكل ما حدث قبل حلول العاصفة هو سماع كلمات واحد من اصدقاء عصابته وهو يقول له بلهاث مذعور
"بسرعة يا مازن تصرف ! لقد اختطف رجال جابر تلك الفتاة واقنعوها بأن تأتي معهم من اجل مقابلتك ، وهي ذهبت معهم بملء إرادتها ، ويخبرك جابر ايضا بأنه يريد مقابلتك عند مصنع البلاستيك القديم بغضون دقائق"

بعدها كل شيء حدث بسرعة خيالية حتى نسي معظم الأحداث هناك بين الوقت الذي استغرقه بالوصول لهم وبين وقته بالتفكير بحال تلك الفتاة والذي كان السبب الرئيسي بتوريطها بكل هذا ، ولم يجد نفسه سوى امام صديقه الذي كان اقرب الاصدقاء له وهو يصوب المسدس بوجهه والذي حصل عليه من اجل الدفاع عن نفسه بحكم عمله بين العصابات ، بينما الواقف امامه يمسك بذراع الفتاة صاحبة الزي المدرسي والذي يدل بأنها قد اختطفت بوقت ذهابها للمدرسة ، وهي منكسة الرأس بدون ان يظهر شيء من وجهها المغطى بستار شعرها وبسكون موحش ، بادر بعدها بالكلام صاحب الصوت المتوحش وهو يهز الفتاة بتملك قائلا بانتشاء واضح
"انظر لقد حصلت اخيرا على فتاتي بدون مساعدتك ، ولكن شكرا لك على خدماتك فقد ساعدتنا كثيرا"

صرخ فجأة بغضب وهو يلوح بالمسدس بعنف
"اترك الفتاة يا جابر ، اتركها حالاً"

ابتسم بميلان خبيث وهو يخرج مسدسه من خلف ظهره ليرفعه لرأسها قائلا بضحكة ساخرة
"لماذا كل هذا الدفاع عنها يا صديقي ؟ هل يعقل بأنك قد وقعت بحبها ؟ يا لهذه الخيانة الكبرى !"

عاد ليشدد على اسنانه بقسوة وهو يهمس من بينهما بحنق نافذ
"هذا ليس من شأنك ، ولن اسامحك على الكذب عليها وقول كلام على لساني ، ايها الحقير"

حرك رأسه بأسف مزيف وهو يهمس بخفوت متسلي
"لا تحاول لعب دور البطل المغوار ، فقد كشفت كل ألاعيبك امامها ، وهي الآن تعلم عن خططنا كاملة ومن الذي كذب على مَن ! لذا لا داعي للمزيد من التمثيل بما ان اوراقنا قد كشفت الآن امام بعضنا البعض يا صديقي العزيز"

كان ينقل نظراته نحوها بصدمة وبخوف خفي وهو يلمح رأسها والذي ارتفع نحوه ببطء شديد قبل ان يتقابل بلحظة مع عينيها واللتين اختفى منهما كل بريق بمقلتيها السوداوين الواسعتين وبنظرة كره خفية لمعت بظلام احداقها لتطغى على نظراتها القديمة والتي كانت تملئها بعاطفة حبها المجنون به لتبدلها بكره واضح ونفور بارد ، تلك النظرة لم ينساها بحياته ابدا فقد كان يراها بعيون (ماسة) ايضا حتى اصبحت بعيون جميع الفتيات وهو يتحول للكائن المكروه والمنفور بالنسبة لهم ، وما حدث بعدها هو جنون فقد السيطرة على جماحه وهو ينوي اطلاق النار على صديقه والتخلص من ذاك الشعور المؤلم والذي بعثه بداخله بالموت البطيء ، وهو يصرخ بلحظة بكل حقد وغضب وبطيش الشباب والذي يستبد به عادة عندما يصل غضبه لأقصاه ويطلق جماح رعونته
"سأقتلك ايها الحقير ، لن اسامحك عليها ، لن ادعك تبقى على قيد الحياة بعد كل ما فعلته الآن !"

لم يرى بعدها سوى ابتسامته الشامتة بخبث وهو يضغط زناد المسدس بكل قوة وتهور لتنطلق الرصاصة بلحظة بخط مستقيم قبل ان تصيب آخر من توقع ان تصل له وهي تستبدل بصاحب الابتسامة بلمح البصر ، اتسعت عينيه باهتزاز مذعور لأول مرة وهو يشاهد الجسد الصغير والذي ارتمى قتيلا امام عيون جميع افراد العصابتين بصدمة حلت على الجميع لثواني ، بينما اول من قطع الصدمة الذي قال بحزن مزيف بدون اي تأثر بما حدث الآن
"يا إلهي ! لقد قتلت فتاتي يا مازن ! كيف فعلت هذا بصديقك العزيز ؟ حقا انت مجنون !"

سكنت ملامحه وجسده وكل شيء يحيط به بدون اي حراك وهو ما يزال يسمع صوت ضحكه الشرير بسخرية قميئة وهو يغادر بعيدا عنه وبعد ان دمر كل شيء ببساطة ، لتختفي بعدها الاصوات الواحدة تلو الاخرى حتى لم يتبقى سوى صوت تخبطات صدره المتسارع وصراع عقله المستميت وحرب بين المنطق والقلب وشخص عالق بينهما لا يعرف السبيل بالفرار .

نهض عن الأرض بتعب وببعض الدوار الذي بدأ يلف رأسه بصداع رهيب شطره لنصفين ، ليخطو قليلا للأمام بإنهاك وهو يعرج بقدميه بصعوبة قبل ان يرتمي على السرير بتعب وهو يكمل دوار احلامه مع ذكرياته السحيقة بدفنها بملاءة السرير براحة ، وهو يفكر فقط بكل ما اقترفه بحياته من آثام وذنوب وكل ما دفع الفتيات واللواتي اقترن به بصلة يوماً لكي لا يكنوا له سوى الكره والنفور حتى اصبح بالنهاية كائن بشع لا يستحق الحياة بنظرهن ، (ماسة) و (صفاء) و (غنوة) ، جميعهن يختلفن بصفات الشبه والتصرفات ولكنهن يتشاركن بشيء واحد اجتمعن عليه معا وهو الكره والنفور نحو الرجل والذي دمر حياتهن يوما وما يزال ، وهو يتذكر الانصاف الإلاهي بهذه الحياة القاسية والتي تعطي كل منه حقها بها بدون اي نقص او خسارة
(كما تدين تدان)

يتبع.......



التعديل الأخير تم بواسطة ebti ; 30-10-21 الساعة 11:43 PM
روز علي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس