عرض مشاركة واحدة
قديم 30-10-21, 11:34 PM   #191

روز علي
 
الصورة الرمزية روز علي

? العضوٌ??? » 478593
?  التسِجيلٌ » Sep 2020
? مشَارَ?اتْي » 712
?  نُقآطِيْ » روز علي is on a distinguished road
افتراضي


اغلقت باب الغرفة بقوة وهو تستند عليه بسكون تام بدون اي حركة ظاهرة على ملامحها المتيبسة وبدون اي حياة ، لتتنفس بعدها بشهيق منتحب وهي تحاول السيطرة على موجة البكاء المُلحة والتي دائما ما تنتابها بهذه المواقف وهي تجتاحها بإصرار حتى احرقت عينيها وجسدها بلسعة مؤلمة .

زمت شفتيها باستماته وهي تقاوم ارتجاف جسدها لتمسح بعدها على وجهها بكفيها وهي تهمس بين شهقاتها بأنين وبهذيان سيطر عليها
"لقد قال بأنها حامل ! ولكن كيف حدث هذا ؟"

قبضت على يديها فجأة بانقباض وهي تحرك رأسها بالنفي هامسة بتفكير مشتت
"هو لم يقترب منها سوى مرة واحدة بعد زواجهما ! وقد تأكدت بنفسي بعدم تكرار ذلك مجددا طول تلك الفترة الماضية ؟ هل هذا يعني بأنه ناتج عن علاقة واحدة جمعت بينهما معا ؟"

امسكت جبينها بكفيها وهي تنظر للأسفل بضياع لتتابع هذيانها باستنكار وذهول اكبر
"ولكن لماذا حدث هذا معها ؟ وفقط من اول محاولة غير مقصودة ؟ بينما انا التي حاولت مرارا على مدار خمس سنوات كاملة وانا اجرب كل الحلول الممكنة والتي توصلت إليها مع الطبيبة الخاصة بحالتي فقط لأستطيع ان احمل بطفل واحد ؟ وهي استطاعت فعلها بكل بساطة وبدون اي جهد مذكور !"

نفضت ذراعيها للأسفل بتشنج وهي تصرخ بالهواء باستنكار وكأنها قد فقدت السيطرة على اعصابها المنهارة مسبقا
"لماذا هي من تحمل بالطفل بيننا ؟ لماذا تلك اللعينة من تحمل به ؟ ما لذي فعلته ليكون الطفل من نصيبها هي ؟ ذلك الحلم وكل المجهود والذي بذلته بأن احمل انا الطفل قد ضاع كله هباءً ؟ لماذا يا إلهي !"

زفرت انفاسها بحشرجة مؤلمة وبغصة تكاد تنحر روحها المحطمة والتي خسرت معها حلمها الوحيد بأن تحضر اول حفيد لعائلة الفكهاني ، وها هي احلامها تسرق منها واحدة تلو الأخرى بتتابع متسلسل بداية بحب زوجها واهتمام عائلته لتصل بالنهاية لأهم سبب يجعلها زوجة بحق وتستحق الحياة بين هذه العائلة وهو بأن تنجب طفل عائلة الفكهاني ويأخذ اسم العائلة ويكون ولي العهد لها ، حتى لم يتبقى لها بنهاية المطاف سوى مرتبة زوجة بالاسم بعد ان كانت كل شيء بحياتهم فيما مضى !

ابتعدت عن الباب بخطوات متعثرة بانهيار لتجلس بلحظة على طرف السرير بخواء وهي تحاول ترتيب افكارها الاخيرة وموازنة وضعها الجديد ، لتمسح بعدها على رأسها بعنف للحظات وهي تشد بأصابعها على خصلات شعرها المتشابكة بقوة ، قبل ان تبتسم بسخرية مريرة بارتجاف وهي تهمس بخفوت بارد وبنظرات دامعة بحرقة
"يبدو بأنني بالنهاية غير قابلة للإنجاب مثلما غير قابلة للحب ! مجرد كائن ضائع بين حياة الآخرين وبين هذا وتلك لا يلقى اي اهتمام ؟"

ارتخت مفاصل اصابعها على خصلات شعرها لوهلة قبل ان ترتمي ذراعيها جانبا بهدوء ، لتضع بعدها كفها تلقائيا على معدتها وهي تشدد على قميصها بقوة وبدون اي شعور سوى بغريزة الغيرة والتي تكاد تذبح روحها على كل شيء لم تستطع ان تملكه يوما .

رفعت يدها بهدوء وهي تلتقط الهاتف من على المنضدة بجانبها بصمت ، لتضغط بعدها عدة ازرار بارتجاف على شاشة الهاتف امامها لتجري بلحظة الاتصال ، وضعت الهاتف بجانب اذنها وهي تستمع لطنين الهاتف بصمت تام وبلحظة كان يفتح الخط من الجانب الآخر .

ساد الصمت بين الطرفين للحظات بدون ان يبادر احد بالكلام ، ليخرج بعدها الصوت الغاضب بنبرتها المتعالية وهي تصرخ بعصبية واضحة
"ماذا تريدين الآن يا سلوى ؟ لم يكد يمر وقت على عودتك للمنزل اخيرا حتى عدتِ للاتصال مجددا ! وإياكِ وان اسمع منكِ اي شكوى او نحيب بسبب تصرفات ضرتك الثانية ، بل الذي عليكِ فعله هو ان تكوني اقوى امامها وتثبتِ......"

قاطعتها التي خرجت عن صمتها بابتسامة هاوية بذبول وهي ما تزال مأسورة بصدمة ما حدث قبل قليل
"لا فائدة يا امي ! فقد خسرت امامها مجددا ، وهذه المرة خسارة لن استطيع تعويضها بأي شيء آخر !"

صمت من بالطرف الآخر للحظات قبل ان يعود صوتها الغاضب بنبرة اخفت بارتياب
"ما هذا الذي تتحدثين عنه يا سلوى ؟ وماذا حدث لعقلك الآن لتقولي مثل هذا الكلام ! هل عدنا لحالة الجنون واليأس مجددا ؟"

شددت اكثر على الهاتف بيدها وهي تغرز اسنانها بطرف شفتيها لا شعوريا حتى ادمتها هامسة من بينهما بأنين مهتز لا يكاد يسمع
"لقد حاولت كثيرا وتكرارا بدون اي نتيجة ترجى ! بينما هي حصلت عليه بمنتهى السهولة وبدون ان تستغرق اي وقت او عناء....."

شهقت فجأة بغصة البكاء والتي قضت على مقاومتها الاخيرة بكتمها بداخل خلجات روحها اكثر مما يحتمل جسدها ، لتغطي وجهها بيديها بلحظة وهي تجهش ببكاء مرتفع وبعويل كاسر مذبوح ومختلف عن طريقة بكاءها السابقة والتي تدل هذه المرة عن مدى المعاناة والتي تكبتها بداخلها وهي تخرجها بانفجار باكي مثل بركان ثائر فاض عن حد الاستيعاب ، وبدون ان يصلها صوت والدتها القلق والبعيد تماما عن مجرى سمعها وبعد ان وقع الهاتف بجانبها
"سلوى اين ذهبتِ ؟ اجيبِ يا فتاة وتكلمي معي ! لا تتركيني متخبطة هكذا بأفكاري ؟ ارجوكِ تكلمي معي يا ابنتي"

ولكنها لم تسمع اي شيء من كل هذا وهي مشغولة بإخراج كل مشاعرها المكبوتة والتي اختلجت بداخل قلبها ما ان شهدت واقعة ذلك الخبر على حياتها الزوجية والتي سحقت كل حلم كانت تعيش عليه يوما .

______________________________
بعد مرور اسبوع......

كانت تكتب على طول الورقة امامها بهدوء صامت وهي تريح جانب رأسها المرتمي على ذراعها المرتخية فوق طاولة المقعد بدون ان تعطي اي اهتمام لكل الثرثرة والتي تدور من حولها بقاعة تمتلئ بكل اصناف واشكال الطلاب والذين يفوق عددهم عن مئة طالب....شددت فجأة بأصابعها على القلم بتشنج وهي تحين منها التفاتة سريعة بطرف عينيها نحو جهة معينة ما ان التقطت اشارة بأنها مراقبة...لتعبس بعدها زاوية من شفتيها بخمول وهي تلاحظ ارتباك نظرات فريستها والتي ابتعدت من فورها عنها بخوف تجلى على محياها بوضوح بدون ان تفهم سبب ما فعلته !...زفرت انفاسها بملل ما ان اكتشفت سوء ظنها وهي تعود بنظرها للأمام وللقلم المتحرك بين اصابعها المتصلبة وهي تتابع كتابة ما كانت تفعله بهدوء تحسد عليه...فيبدو بأنها قد اصبحت بالآونة الاخيرة ترتاب من اي شيء يقع تحت نظرها وتحت تأثير غريزتها وكل جسدها متأهب لأي وضع طارئ يحدث معه واكثر من اي مرة سابقة !

تنهدت بابتسامة طفيفة بدون ان تمنع نفسها وهي تتذكر كلام صديقتها الحالمة والتي كانت تسخر منها دائما بسبب نظرتها نحو الآخرين وسوء ظنها بهم بدون ان تجرب الاختلاط بهم عن قرب او التأكد من ظنونها نحوهم ، فهي بالنهاية كائن منعزل لا يحب ابدا صنع الصداقات مع احد او تجربة عالم الاختلاط الاجتماعي وتكوين العلاقات مع كل من يقابله ، ولن تنسى ابدا حياتها المدرسية المأساوية والتي كانت عبارة عن كوارث متتالية بسبب شخصيتها العنيفة والتي كانت تترصد لأي احد يخطئ بحقها إذا كان بقصد او لم يكن ، وكم عانت كثيرا بسبب هذه المشكلة وخاصة مع نوعيات محددة تتقصد الضرر لها على الدوام او مضايقتها بشتى السبل حتى كادت تفصل من المدرسة عدة مرات وبكل مرة تنفذ بمعجزة ما بسبب وجود شقيقتها بجانبها ومحاولتها الدائمة لدعمها بكل الطرق ، وهذا ما ادى عن زيادة وحدتها بعالمها المنعزل وبعيدا عن كل الكائنات التي تعيش من حولها والتي لا تنظر لها سوى بكره وبسوداوية انطبعت بداخلها ، وكل ما استطاعت الحفاظ عليه بتلك المرحلة هي علاقتها بصديقتها الوحيدة (صفاء) والتي لم تحتاج لصنع اي صداقة او عواطف بينهما تكونت تلقائيا ونبتت بينهما بدون اي مجهود يذكر فقط اشارات خفية يرسلها قلبها ناحية قلب الاخرى لتفهم سر الرباط الذي يجمعهما بدون كلام ...

رفعت رأسها بهدوء وهي تعتدل بجلوسها بصمت ما ان اعلن الاستاذ عن لحظة انتهاء المحاضرة ، لترتب من فورها الأوراق المبعثرة بداخل دفترها وهي تدسها بعدها بداخل حقيبتها بعشوائية .

وما ان نهضت عن المقعد وهي تثبت حزام الحقيبة فوق كتفها حتى تصلبت قليلا لبرهة وهي تنظر جهة الذي كان يهتف باسمها من لحظة ، تقدمت بخطوات ثابتة بصمت باتجاه الاستاذ الواقف امام طاولة المحاضرة باتزان ، لتقف بعدها امامه عدة لحظات بدون ان تنظر له قبل ان تسمع صوته الجاد وهو يهمس بجمود
"ألم تحضري الموضوع الذي طلبت منكِ كتابته خلال يومين ؟ ام انكِ عدت للنسيان مجددا !"

زمت شفتيها بوجوم بائس وهي تهمس بخفوت لا يكاد يسمع
"اعتذر مجددا على التأخير بتسليم الموضوع ، واعدك بأن اسلمه لك بالغد بدون اي تأخير"

سكنت الاجواء بينهما للحظات قبل ان ينطق الواقف امامها بجدية عملية
"اسمعي يا ماسة ، اعلم بأنكِ تمرين بظروف بهذه الفترة بسبب زواجك الذي لم يكد يمر عليه اسبوع ، واقدر هذا جيدا واتفهم هذا التغيير المفاجئ والذي يحدث بحياة كل فتاة ، وهو ما جعلني اتساهل مع عدد غياباتك المتكررة عن المحاضرات وعن تقديم حلول الدروس الاخيرة ، ولكنني اراهن بأنكِ تستطيعين فعلها والتنظيم بينهما لتقدمي افضل ما لديكِ فأنتِ بالنهاية نابغة الدفعة ؟ لذا اتمنى ان تنتبهي من الآن لهذه النقطة وتركزي اكثر على مذاكراتك للدروس القادمة !"

اومأت برأسها بشرود قيدها بغلالتها المنعزلة وهي تسمع هذه الجملة على مدار سنوات بحياتها المدرسية لحياتها الجامعية مع اختلاف الظروف بدون ان يقدر احد ما تمر به حقا ! لتشدد اكثر من القبض على حزام حقيبتها وهي تهمس بابتسامة صغيرة بارتجاف بكل ما تستطيع من ثبات وبرسمية دائما ما تقابلها امام هذا النوع من الأوامر
"سوف احاول العمل على نصيحتك ، وشكرا لك على تفهمك يا استاذ مراد"

حرك رأسه بابتسامة متسعة بهدوء وهو يقول بثقة جادة
"اتوقع منكِ الافضل دائما يا ماسة الفاروق ، ولا تنسي الاختبارات النهائية قد اصبحت على الأبواب لذا ابذلي كل ما بوسعك واجعلي الجميع يفخر بكِ"

عادت للإيماء برأسها بجمود بدون اي حياة ظاهرة على محياها البارد ، وما ان كانت على وشك المغادرة حتى عاد للكلام وهو يقول بجدية
"اريد ان اطلب منكِ خدمة بسيطة وهذا إذا لم يكن لديك مانع ! الحقيقة هناك طالبة تعاني بصعوبة بفهم بعض الدروس واريد منكِ مساعدتها بشرح تلك الدروس لها باستراحة الغداء ، فأنا ارى بأنكِ افضل من يستطيع مساعدتها"

رفعت رأسها ببطء وهي ترفع حاجبيها بآن واحد هامسة بانشداه
"ولكن انا......"

قاطعها قدوم الفتاة والتي تقارب من سنها بشعر اسود طويل والتي انضمت لهما بلحظة وهي تقف بجانب الاستاذ هامسة بخفوت
"مرحبا"

قال (مراد) من فوره وهو يشير امام الفتاة بذراعه قائلا بعملية
"حسنا يا سلمى ، يمكنكِ الآن الذهاب مع نابغة الدفعة والتي سوف تساعدك بفهم الدروس الصعبة عليكِ ، واتمنى ان يساعدك هذا الأمر ويحسن من مستواكِ بالتحصيل"

تدخلت التي عقدت حاجبيها بحدة وهي تهمس بجفاء خافت
"اعتذر ولكن لا استطيع مساعدتها بمثل هذا الموضوع ، فهذا الأمر يفوق مقدرتي....."

قاطعها صوت الاستاذ وهو يقول بابتسامة هادئة برزانة
"لا بأس يا ماسة ، لقد طلبت منكِ المساعدة لأني لا استطيع الاعتماد على غيرك بهذا الأمر ، ولو كنت املك الوقت لما احتجت لطلب هذا منكِ ! فأنا لدي اشغال اخرى عليّ عملها ولا استطيع التوقف من اجل هذا الأمر"

اشاحت بوجهها جانبا بغضب مكتوم وهي تشعر بنبرته تحمل اللوم باتجاهها مصحوب بتأنيب الضمير وهو اكثر ما تبغضه بحياتها ، لتعود بنظرها نحوهما بسرعة وهي تهمس باستياء خافت
"حسنا انا موافقة ، لا امانع مساعدتها"

اتسعت ابتسامته وهو يقول بمودة هادئة
"شكرا لكِ على تفهمك ، واتمنى التوفيق لكما ، والآن عذرا عليّ الذهاب !"

غادر بعدها الاستاذ باتجاه خارج القاعة بلحظات ، لتتحرك بعدها التي قالت ببهوت وهي تسير بعيدا خلف الاستاذ
"هيا بنا لنرحل"

ارتبكت ملامح (سلمى) بتوجس وبعد ان غادرت امامها بلمح البصر لتلحق بها بسرعة وقبل ان تفقد اثرها .

جلست (ماسة) بجانبها عند مقاعد الاستراحة وهي تضع الكتاب فوق ساقيها والقلم يترنح بين اصابعها وشفتيها تنطقان بسرعة قياسية وببرود جليدي احاط بهما بثواني ، لتخرج عن صمتها التي همست بإحراج وهي تتلاعب بالقلم بتوتر
"لو سمحتِ يا ماسة الفاروق ! هل تستطيعين شرح النقاط بشكل واضح اكثر وببطء اكثر ؟"

نظرت لها للحظات بارتياب قبل ان تهمس بخفوت عابس
"كيف عرفتي اسمي ؟"

اخفضت نظراتها بوجل وهي تهمس بتفكير مرتبك
"لقد سمعت الاستاذ عدة مرات وهو يناديكِ بهذا الاسم بالقاعة"

حركت (ماسة) عينيها بعيدا عنها ببرود بدون كلام وهي تشرد بعينيها قليلا وكفها تطرق على الدفتر بالقلم لا إراديا ، لترفع بعدها عينيها ببطء لوهلة ما ان تابعت الاخرى كلامها هامسة بخفوت حزين
"خاتم زواجك جميل ! مبارك لكِ"

عبست ملامحها بلحظة وهي تخفض نظرها ليدها الممسكة بالقلم والخاتم ذو الألماسة الكبيرة يظهر من بين اصابعها بوضوح ، لتهمس بعدها لا شعوريا بخفوت
"شكرا"

ابتسمت بهدوء وهي تهمس بشرود حالم
"هذا جميل ! هل هي قصة حب ام زواج تقليدي ؟"

انفرجت شفتيها بارتعاش لوهلة وهي ما تزال تحرك حلقة الخاتم بأصابعها بهدوء قبل ان تتمتم بوجوم عابس
"زواج تقليدي ، فهو يكون ابن خالي"

ارتفع حاجبيها بدهشة لحظية وهي تشرد هامسة بخفوت مرتجف
"يا له من قدر !"

اخفضت رأسها بارتباك ما ان شعرت بنظرات الاخرى تكاد تخترقها لتقول من فورها بحيرة خافتة لتجلي تفكيرها بعيدا
"انا لم ارى صديقتك صفاء منذ ايام ! هل حدث معها مكروه ؟"

تجمدت ملامحها لبرهة وهي تهمس بعدم اهتمام
"لقد تزوجت قبل فترة ولم يعد بإمكانها العودة للجامعة"

ارتفع حاجبيها بصدمة وهي تهمس بذهول مندفع
"ولكن لما لا تستطيع ؟......"

صمتت من فورها ما ان وجهت لها نظرات جليدية وهي تهمس لها بحدة خافتة
"وما دخلكِ انتِ !"

ارتجفت ملامحها بجزع وهي تضم قبضتيها معا قبل ان تهمس بتخبط واضح
"اعتذر ولكنني اذكر بأنها كانت من النوع الشغوف والمثابر بالدراسة والذي لا يتخلى عن حلمه مهما كانت الظروف ! كيف تغيرت هكذا وتخلت عن هدفها ومسعاها بالحياة ؟......."

ابتلعت باقي كلامها بوجل امام التي قاطعتها باستنكار حاد
"كيف تعرفين كل هذا ؟ انتِ....."

توقفت عن الكلام وهي تمسك بذقنها بتفكير عميق وبعينين حادتين بتموج قاتم ، لترفع بعدها حاجبيها مع اتساع مقلتيها بآن واحد هامسة بخفوت منفعل اقرب للازدراء
"انتِ هي إذاً سلمى حمدي صحيح ؟ لقد توقعت ان تكوني هي ولكني تفاجأت !....."

ردت بسرعة بانفعال استبد بها
"غير صحيح ! اقصد لقد اخطئتِ بيني وبين فتاة اخرى"

ابعدت يدها عن ذقنها وهي ترفعها امام وجهها ليدور اصبعها الطويل حولها هامسة بخفوت مشتد
"بل هذه انتِ ! صديقتي القديمة والخائنة والتي تسببت بالمشاكل لي ومحاولة فصلي من المدرسة بالتعاون مع اعدائي ، استطيع معرفتك من الندبة والتي سببتها لكِ !"

ارتعشت ملامحها ما ان استقر اصبعها على مكان الندبة بجبينها بقوة ، لتخفض وجهها بسرعة وهي تهمس بتعثر وبندم واضح
"انا ، انا اعتذر على كل شيء ، لم اكن اقصد حدوث كل هذا ، لقد ارغموني على فعلها بذلك الوقت ، صدقيني لقد احببت كثيرا رفقتك انتِ وصفاء !"

قبضت على يدها وهي تخفضها بعيدا عنها لتهمس بلحظة ببرود جليدي
"غير مهم ، فكل هذا قد اصبح من الماضي الآن ، وصغار الأمس لم يعودوا صغارا !"

رفعت عينيها بوجل للحظات قبل ان تمسك بيدها المستكينة فوق ساقها وهي تهمس بحزن عميق
"ارجوكِ انسي كل ما حدث بالماضي يا ماسة ، ولنبدأ من جديد بدون اي ذكريات قديمة ، انا ارغب بالعودة كما كنا بالماضي نحن ثلاثتنا ، سيكون هذا رائعاً....."

نفضت يدها بعيدا عن كفها وهي تنهض واقفة بتصلب بلحظة حتى اوقعت المذاكرات ارضا ، لتقول بعدها بشبه ابتسامة ساخرة وهي تنظر بعيدا عنها بقسوة
"حقا يا سلمى ! بعد كل هذا الوقت الطويل تقررين العودة لحياتنا ؟ لقد قلتها من قبل وسوف اكررها صغار الأمس لم يعودوا صغارا"

عادت للكلام برجاء اكبر وهي تضم قبضتيها معا بإصرار
"ولكنكِ الآن وحيدة بدون اي اصدقاء ! ألا استطيع ان اكون صديقتك مجددا ؟ وانا اعدك بأننا سنكون افضل الاصدقاء كما بالماضي وافضل"

حادت بنظراتها نحوها لبرهة قبل ان تتسع ابتسامتها بغموض ساخر وهي تحرك كتفيها هامسة ببرود باهت
"اعتذر يا عزيزتي ولكنكِ من اختار ان يكون ضمن تلك القائمة مسبقا ! وايضا انا لدي صديقة واحدة بالفعل ولا افكر باستقبال المزيد منهم ، فهي تكفيني ولا احتاج لغيرها ، لذا اعذري قلة ثقتي ولكني افضل البقاء وحيدة طيلة حياتي على ان اعود لمن خان العهد ونكر !"

تجمدت (سلمى) بمكانها بدون حراك وهي تنظر لها بانشداه صامت ، لتحمل (ماسة) حقيبتها عند كتفها ومذاكراتها بين ذراعيها وهي تلوح لها بيدها الحرة هامسة بلا مبالاة
"لقد لخصت لكِ كل ما يخص الدروس الغير مفهومة بالنسبة لكِ على ورقة بداخل الكتاب ، وبالمقابل لا تحاولي الظهور امامي مجددا وطلب مساعدتي ، وشيء آخر توقفي عن مراقبتي ومتابعتي بكل مكان اذهب إليه فهذا يضايقني بشدة ويدفعني للجنون !"

غادرت بعدها من امامها باتجاه ساحة الكلية وهي تنظر امامها ببهوت ساكن وبخطوات جامدة ، وامور كثيرة تموج بعقلها وبحياتها والتي لطالما كانت مثل البحر تلقيها بكل مرة بتيار مختلف واشد قسوة عن سابقه لتكون عبارة عن دروس ومواعظ لها ، والاكثر قسوة من كل هذا هو شعور انكسار الثقة والذي زرعته تلك الفتاة بطفولتها لتكون هي الدافع والتغيير اتجاه نظرتها نحو العالم والذي لم ينصفها يوما !

قبضت على يديها المعانقتين مذاكراتها بشدة وهي تعود لنفس التقلب بين التوق والتفكير والحسرة على ذلك الغائب القريب والذي لم تراه او تلمحه منذ اسبوع ! يا ترى كيف حاله الآن ؟ ومتى سيعود ؟ نفس الاسئلة لم تبارح تفكيرها منذ ذلك الوقت والذي رحل به ذلك الغائب مثلما كان يفعل جميع من حولها...فهل سوف يختلف عنهم ؟!

______________________________
خرجت من غرفة الإدارة وهي تحمل عدد كبير من الملفات والتي تتعلق بكل تلميذ موجود بفصلها ، وهي تحاول التشبث بالملفات بذراعها لتغلق باب الغرفة بيدها الاخرى ، تنهدت بتعب وهي تتمسك بالملفات بذراعيها معا لتكمل سيرها باتجاه مكتبها لتراجع كل ملف بيدها على حدى وبدقة متأنية بدون اي ضوضاء .

كانت تسير ببطء شديد وبإنهاك اصبح يراودها كثيرا مؤخرا ، لتتوقف بهدوء وهي تلتفت بنصف وجهها ناحية صوت الهتاف الطفولي قبل ان ترفع حاجبيها بدهشة وهي تنظر للذي كان يجري نحوها ببداية الممر ، ليقول بعدها بلهاث ما ان وقف امامها وهو يبتسم لها بابتهاج
"هل تحتاجين للمساعدة ؟"

عبست ملامحها بلحظة وهي تلتفت له بكلتيها قبل ان تهمس بوجوم صارم
"ما لذي تفعله هنا يا سامي ؟ انت تعلم جيدا بأنه يمنع الجري بالممرات وبين الفصول بوقت الفسحة ! بل عليك ان تكون الآن مع جميع الطلاب بالساحات قبل موعد انتهاء الاستراحة"

تبرمت شفتيه وهو يقول بعبوس متذمر
"ولكني لا احتاج للاستراحة فهي مملة جدا وطويلة ، وايضا اردت مساعدتك بأعمالك ، لذا هل تسمحين لي ارجوكِ ؟"

عقدت حاجبيها بارتباك لبرهة لتقول بعدها بجدية وهي تحتضن الملفات بكل قوة
"لا هذا غير مسموح يا سامي ، وعليك ايضا الاستفادة واغتنام الفرصة من الاستراحة لتشحن بها طاقتك وتقدم لجسدك وذهنك الراحة ومن اجل ان تستطيع اكمال باقي اليوم بنشاط وقوة اكبر ، فأنا لا اسمح ابدا بالتهاون بمثل هذه الأمور الضرورية"

زم شفتيه برفض وهو يهمس برجاء شديد
"ارجوكِ يا معلمة روميساء ، اسمحي لي بمساعدتك فقط هذه المرة !"

ردت عليه بصرامة اكبر وهي تلوح بذراعها بأمر
"ماذا قلت الآن يا سامي ؟......"

صمتت من فورها بتشنج مفاجئ ما ان انزلقت الملفات من ذراعها بلحظة لتتلقفهم الارض من اسفلها بعشوائية ، نظرت ببؤس للملفات امام قدميها وهي تتنفس بتعب استبد بها ، لتنحني من فورها على ركبتيها وهي تلتقط الملفات والاوراق والتي خرجت منها برفق ، رفعت رأسها بعينين متسعتين بتعجب وهي تنظر للطفل والذي بدأ بجمع الملفات معها قائلا بندم محرج
"انا اعتذر"

ابتسمت بهدوء حاني وهي تتابع جمع باقي الملفات عن الأرض بصمت ، وما ان استقامت بمكانها حتى مد الطفل بالملفات بحوزته لها وهو يتمتم بهدوء
"تفضلي يا معلمة روميساء ، وانا سوف اخرج للساحة مع الطلاب حتى تنتهي الفسحة"

زمت شفتيها بصمت قبل ان تشدد من احتضان الملفات بين يديها وهي تهمس بخفوت مبتسم
"لا بأس يا سامي ، يمكنك مساعدتي بإحضار هذه الملفات معي للمكتب ، ولكن بعد ان ننتهي ستعود حالاً لتكمل الفسحة مع رفاقك بساحة المدرسة ، هل هذا مفهوم ؟"

نظر لها بسعادة وهو يومأ برأسه بقوة قائلا بحماس
"حاضر يا معلمتي"

اتسعت ابتسامتها برفق وهي تستدير للأمام بلحظة هامسة بود
"إذاً هيا بنا ، ولكن إياك وان توقعها من بين يديك !"

وصلت امام المكتب الخاص بها بلحظات لتفتح الباب من فورها بالمفتاح بحوزتها ، لتتجه بعدها امام المكتب وهي تضع الملفات من فوقه بحرص وترتيب ، لتلتفت باتجاه الذي ما يزال يسير بخطوات صغيرة وبصعوبة وهو يحاول التمسك بالملفات القليلة بذراعيه الصغيرين بتشبث .

عضت على طرف ابتسامتها وهي تتقدم امامه بلحظة لتتناول منه الملفات بهدوء وهي تريحه من الحمل الثقيل على كاهله الصغير ، وضعت الملفات مع رفاقها فوق طاولة المكتب بهدوء ، لتلتفت من فورها امام الطفل الساكن بمكانه ينتظر امرها التالي ، لتقول بعدها بلحظات بابتسامة صغيرة بامتنان
"شكرا لك يا بطلي الصغير ، لقد انقذتني اليوم"

اخفض رأسه الصغير بإحراج وهو يهمس بخفوت واثق يتخلله الخجل
"اجل بالطبع ، يمكنكِ الاعتماد عليّ دوما ، اقصد ليس دائما احيانا !"

ضحكت بمرح خافت بدون شعور منها وهو يخرجها من شخصيتها الصارمة والتي تتلبسها دائما بلحظة ، لتمسح بعدها من تحت عينيها الضاحكتين برفق وهي تهمس بابتسامة هادئة بمرح
"لا تقلق يا بطلي الخارق ، فأنا لن استطيع الاعتماد عليك بكل شيء ، فهناك اشياء لن يتحملها حجمك الصغير على طفل بسنك !"

رفع رأسه بصدمة وهو يلوح بقبضته قائلا بتذمر
"انا لست طفل ولا صغير ، لقد بلغت الثامنة من عمري ، وهذا يعني بأني اصبحت رجلا ويستطيع الاعتماد عليه"

عضت على طرف ابتسامتها بقوة لتمنع نفسها من الضحك مجددا ، قبل ان تقول بابتسامة واثقة بمحبة
"اعلم ذلك جيدا ، وألا لما سمحت لك بحمل الملفات معي !"

لانت ملامحه الصغيرة قليلا بدون ان يفقد عبوسه وهو يخفض نظره بهدوء ، لتقول بعدها من جديد باهتمام جاد وهي تستند بالمكتب من خلفها
"كيف اصبحت حالة والدك ؟ هل ما يزال يعاني بصعوبة بالسير ؟"

اجابها بهدوء بالغ بعد ان اختفى المرح من صوته الطفولي
"اجل بخير ، وقد عاد للعمل بالشركة منذ فترة قصيرة ، بعد ان كان يدير امور عمله بالمنزل ، ولكنه ما يزال يعاني من عرج طفيف غير مرئي تقريبا"

عقدت حاجبيها بوجوم وهي تشعر بصوته الحزين والذي يدل على رفضه لفكرة عودة والده للعمل وبعد ان اعتاد على وجوده بالمنزل ! لتقول بسرعة ببعض المرح وهي تلوح بيدها ببساطة
"هذا رائع ! هذا يعني بأن والدك قد بدأ يستعيد صحته وحياته الطبيعية اخيرا كما كان عليه ان يحدث ، عليك ان تكون مبتهج من اجل والدك يا صغيري فهذا اكيد سيكون للأفضل......"

قطعت كلامها فجأة وهي تبتعد عن الاستناد بالمكتب ما ان شعرت بلحظة بألم طفيف بأسفل معدتها ، لتسير من فورها للأريكة وهي تجلس عليها بتعب سرى بكامل جسدها بلمحة خاطفة ، وهي تريح كفها على بطنها بقوة وكأنها تحاول منع الألم القابع برحمها من التمادي معها اكثر ، انتفضت لا شعوريا وهي تنظر للذي امسك بذراعها برفق وهو يهمس بتوجس قلق
"هل انتِ بخير يا معلمتي ؟ هل تعانين بألم بمعدتك ! هل تؤلمك بشدة ؟"

حركت رأسها بالنفي بشحوب وهي تهمس بابتسامة هادئة بلطف
"لا يا صغيري ليس هناك شيء يؤلمني ، انا بخير تماما ولا اعاني من شيء"

عقد حاجبيه الصغيرين بعدم اقتناع وهو يخفض يديه هامسا بإصرار
"لا هذا غير صحيح ! انتِ تتألمين الآن ، وانا اعرف هذا جيدا لأني كنت بأحيان اعاني من آلام المعدة عندما اتناول شيء ضار او غير مفيد"

اتسعت حدقتيها الخضراوين بصدمة لوهلة قبل ان تضحك بقوة وهي تهمس من بين ضحكاتها بمرح
"لا ليس هذا هو السبب يا صغيري ! فأنا لا اعاني من هذه الاشياء ابدا"

عبست ملامحه بلحظة وهو يقول بعناد واصرار اكبر
"لا انتِ لا تقولين الحقيقة ! وانا متأكد بأنكِ تعانين من آلام المعدة ، ابي كان دائما يخبرني بأن اقول الحقيقة على الدوام وان اكون صادقا مع نفسي لكي لا اواجه المشاكل بحياتي"

ارتفع حاجبيها بارتباك وهي تهمس بابتسامة جانبية بحنية
"هل هذا ما كان يقوله والدك حقا ؟"

اومأ برأسه ببطء وهو يتمتم بهدوء
"اجل ، عندما كنت اكذب عليه بخصوص آلام معدتي وبأني لا اعاني من شيء ، كان يخبرني بأن الكذب لن ينجيني من مشكلتي ولن يساعدني ابدا ! لذا عليّ ان اكون صادقا بكل شيء اقوله لكي لا اواجه الصعوبات بحياتي"

اتسعت ابتسامتها بحنان تدفق بمقلتيها الجميلتين بدفء الربيع ، لتخفض بعدها نظرها لكفها المستريحة على بطنها والتي توقفت عن آلامها وهي تقول بخفوت شارد
"انت على حق يا صغيري ، وبما انك طالبي المفضل سأخبرك الآن بسر ! بالحقيقة انا حامل بطفل وهذه الآلام تراودني بين الحين والآخر من تأثير الحمل ، لذا لا تقلق فهذه الآلام طبيعية وهي بالنسبة لي اجمل آلام قد تمر عليّ بحياتي"

رفع وجهه الصغير مع اتساع عينيه بصدمة لحظية ، لينطق بعدها بتلعثم وهو يشير بأصبعه الصغير باتجاه بطنها بارتباك
"هل هذا يعني بأن هناك طفل يعيش بداخلك الآن ، صحيح ؟"

اومأت برأسها بسعادة تمكنت من ملامحها المتفتحة ببهجة جديدة وهي تهمس بمحبة
"صحيح يا سامي ، هناك طفل صغير يعيش بداخلي وهو الذي يؤلمني لأنه لا يطيق صبرا حتى يأتي لهذا العالم"

تجمدت ملامحه بانشداه لوهلة قبل ان يصفق بحماس مفاجئ وهو يقول بسعادة
"مذهل ! وانا لا اطيق صبرا حتى ارى ابن المعلمة روميساء ، من اجل ان نصبح اصدقاء مقربين ونلعب معا دوما ، رائع !"

عادت للضحك بسعادة بشوشة وبراحة من ردة فعله اتجاه امر حملها والذي دفعها بطاقة إيجابيه اكبر وحماس لقدوم الطفل والذي جاء بغفلة عنها ، لتقول بعدها بصرامة مفاجأة وهي تكتف ذراعيها بقوة
"هيا يا سامي ، عليك العودة إلى رفاقك كما وعدتني"

اومأ برأسه بطاعة وهو يجري لخارج المكتب لتوقفه بآخر لحظة وهي تقول له بمحبة
"سامي استمتع بوقتك وتأكد من شحن طاقتك لنهاية اليوم"

صرخ بآخر كلمة وهو يجري بعيدا
"حاضر"

حركت رأسها بابتسامة صغيرة وهي تريح رأسها لظهر الأريكة براحة وكفها قد عادت لتستقر فوق بطنها بهدوء تام ، وهي تشرد بعيدا بخيالاتها عن شكل الطفل والذي سوف يخرج للحياة من رحمها ليأخذ شكل والديه ومن صفات كليهما ليكون بالنهاية اجمل مخلوق قد تراه عيناها...قريبا .

_______________________________
كانت تقطع سيقان اوراق العنب بالسكين بيدها قبل ان تدسها بداخل اكياس التخزين الخاصة ، وهي تتابع ما تفعله يديها بتركيز بدون ان تنسى افتعال البسمة الهادئة على شفتيها الورديتين وهي تقابل بها كلام المرأة الجالسة بجانبها وهي تتكلم بجدية هادئة
"هناك نقص بالمواد الغذائية والخضار من اجل المطبخ ، وعلينا كتابتها بالقائمة بين الاشياء التي تنقصنا لطعام الغداء ، ولن ننسى شراء الاجبان والزيتون والألبان من اجل الفطور ، وبما ان موسم اوراق العنب قد قارب على الانتهاء فنحن بحاجة لتخزين كميات اكبر منه للفصل القادم ! وألا ماذا ترين ؟"

اومأت برأسها بشرود حتى انسابت خصلات من شعرها الحريري عند جانب وجهها وهي تهمس بخفوت رقيق
"انتِ افضل من يعلم عن امور المطبخ وكل ما ينقص الوجبات الرئيسية باليوم ، وانا مجرد مساعدة مبتدئة هنا اي شيء تختارينه وتريدين فعله فأنا سوف اكون حاضرة ، انتِ فقط اؤمري وانا انفذ"

اتسعت ابتسامتها بحنان وهي تقطع سيقان الاورق معها لترتبها بداخل الاكياس هامسة بهدوء
"لا داعي لتتعبي نفسكِ كثيرا معي ، فأنا لا احب الراحة او الجلوس طويلا قبل ان انهي جميع اعمال المنزل وبمجهود يدي وبعرق جبيني ، فهذا بالنسبة لي مبدأ تربيت عليه لسنوات ولا استطيع التخلي عنه الآن فقط لأن احوالنا المادية قد اصبحت افضل عن السابق ، ويمكنك تسميته بمفهوم عصركم بمبادئ عفى عنها الزمن او شيء من هذا القبيل !"

اتسعت ابتسامتها بدون شعور وهي تحرك السكين على ساق الورقة برفق هامسة بخفوت مبتهج لتجاري كلامها الاخير
"رائع ! انا ارى بوضوح تعارض آراء عصركم بعصرنا نحن الجيل الجديد ؟ ولكن يبقى دائما عصركم هو المتقدم على الجميع وله هيبته بين الناس مثل تراث العرب ، صحيح ؟"

ضحكت بخفوت متعب وهي تلوح بالسكين قائلة بابتسامة متسعة بعطف
"هذا بالنسبة لكِ يا صغيرتي ، فليس الجميع يتشابه بوجهة نظركِ هذه وخاصة بوقتنا هذا والذي لم يعد يعترف بشيء يتعلق بتراث البلاد او التقاليد القديمة والتي كانوا يعيشوا عليها عصرنا ! هذا حال العالم المعاصر يا صغيرتي"

سكنت ملامحها وهي تشرد بما تفعله لثواني قبل ان تحيد بنظراتها نحوها وهي تهمس بابتسامة صغيرة بتردد
"عمتي هل تسمحي لي بسؤال ؟ إذا كنتِ لا تمانعين !"

نظرت لها بحيرة وهي تهمس بابتسامة حانية بخفوت
"اجل يا عزيزتي اسألي ما تشائين"

عادت بنظرها للأمام بإحراج وهي تتلمس على الورقة بنصل السكين هامسة بلحظة بشرود
"لقد اخبرتني بأن ابن شقيقك اوس كان يعيش معكم فيما مضى وارضعته مع جواد ، هل هذا يعني بأن والدته كانت متوفاة بذلك الوقت ؟"

توقفت (هيام) قليلا بدون ان تصل السكين لساق الورقة لثواني وهي تتنفس بهدوء ظاهري ، لتعود بعدها لإكمال تقطيع الساق الطويلة برفق وهي تجيب بابتسامة هادئة وبحشرجة صوتها الحزين
"لا ليس هذا ما حدث ، الحقيقة لا اعلم ماذا اخبركِ ولكن زوجة متحت قد هربت منذ سنوات وتحديدا بعد ولادة اوس بأشهر ! الجميع يقول بأنها قد اختفت من على وجه الأرض بدون ان يعلم احد إلى اين وصلت وما حالها الآن ؟ حينها كان اوس ما يزال طفلا يحتاج للرضاعة والغذاء وبدونها لن يستطيع العيش ، لذا احضره متحت لزوجي وطلب منه انقاذه وتقديم الغذاء له قبل فوات الآوان ، ولم اتردد عندها بتقديم المساعدة له كان جواد ما يزال طفلا بعمر السنتين ومن تلك اللحظة التي ارضعت بها ذلك الطفل من حليبي اصبح بمرتبة ابني جواد تماما ، اتمنى فقط لو يعطف على قلبي الملهوف لرؤيته ويعود لي فقد اشتقت له كثيرا"

عضت على طرف شفتيها لا شعوريا وهي تنظر لها بتلك العينين العسليتين بغصة قديمة على اثر كلامها ، قبل ان تحني نظراتها قليلا لكفها الممسكة بالسكين وهي تهمس من جديد بنفس برودة صوتها
"وكيف استطاعت ترك ابنها بهذه البساطة ؟ ألم تشعر بالحنين او العطف نحوه وهي تتركه وتغادر هكذا ! كيف واتتها الجرأة على مثل هذه الخطوة وترك طفل رضيع لا يعي شيئاً وهو يحتاج لها اكثر من اي وقت آخر ؟ انا ارى بأنها لا تستحق ان تكون ام !"

تنهدت الجالسة بجوارها ببطء وهي تتابع عملها بدس اوراق العنب بداخل الاكياس بحرص قائلة بهدوء جاد
"الذي لا تعرفينه بأن متحت شقيق زوجي رئيس عصابة خطيرة واصحاب سوابق كثيرة ! وبمعرفتي به فهو اخطر مما تظنين واقوى اكثر مما تتصورين يمكنك القول بأنه عدو البشرية ، وحسب ما سمعت ايضا فقد تزوج من فتاة يتيمة ارغمتها عائلتها على القبول به بسبب سمعته السيئة والتي دفعت الجميع للهروب منه وعدم موافقة احد على الارتباط به ، وكان مصير هذه الفتاة الصغيرة هو تذوق الويل والعذاب تحت رحمته لأشهر طويلة حتى ذاقت ذرعا من حياتها وقررت الهروب بعيدا وسيلة للتخلص من بطشه ، لذا لا تحكمي على احد من النتائج امامك قبل ان تعرفي اولاً الاسباب والتي دفعت لهذه النتيجة !"

ضغطت على السكين بتشنج لوهلة قبل ان تتابع تقطيع سيقان الاوراق باهتزاز سيطر على مفاصلها وهي تهمس بعدم مبالاة متعمدة
"ولكنها مع ذلك ملامة بتركها لابنها من خلفها لتنجو بنفسها وتترك ابنها يعاني اليتم بسببها ، فهي تعلم جيدا شعور اليتم وجربته من قبل كيف استطاعت دفع ابنها للمرور بهذه التجربة القاسية ! انها......"

تأوهت بألم وهي تنفض السكين بعيدا عنها وبعد ان سببت الجرح الصغير بطرف اصبعها بموجة غضبها العارمة ، لتلتفت الاخرى ناحيتها بقلق وهي تهمس بابتسامة حانية بعطف
"انظري ماذا فعلتِ بنفسكِ يا صفاء ! يبدو بأنكِ قد انفعلتِ بالحديث عن الموضوع اكثر مما ينبغي حتى اصبت اصبعك الصغير والذي لا دخل له بموجة غضبك !"

عبست ملامحها وهي تنظر لها بدموع الإحراج هامسة بابتسامة مكبوتة
"يبدو بأنكِ على حق ، احيانا اتصرف بغباء عندما انفعل من شيء ما بدون ان انتبه !"

اومأت برأسها بتفهم وهي تهمس بابتسامة دافئة
"هل لهذه الدرجة تفتقدين والدتك ؟"

رفعت عينيها العسليتين بوجل لوهلة قبل ان تهمس بخفوت شارد طغى عليها حزن الذكرى
"اجل كثيرا ، بالرغم من اني لا اعرفها ولم ألتقي بها يوما ولا اتذكر شكلها ! ولكني مع ذلك مشتاقة لها اكثر من اي وقت مضى"

انحنت ابتسامة (هيام) بهدوء وهي ترفع يدها لتربت على كتفها برفق قبل ان تقول بعدها بلحظات بابتسامة لطيفة
"لا تحزني يا حلوتي فكل شيء مقدر ومكتوب سوف يحدث ، ونحن ليس علينا سوى الدعاء لهم بالمغفرة لأنهم هم السابقون ونحن اللاحقون"

نظرت لها (صفاء) بدموع حبيسة قبل ان تشق ابتسامة صغيرة تفاصيل ملامحها الدامعة بلحظة ، لتتراجع (هيام) بجلوسها وهي تلتقط المنديل من على الطاولة قبل ان تناوله لها بلحظة وهي تهمس بمحبة بشوشة
"هيا خذي وامسحي الدم عن اصبعك ، يكفيكِ عمل إلى هنا انا سأتابع الباقي ، وايضا احتاجك بأمور اخرى لتساعديني بها لذا من الافضل ان تستغلي الفرصة الآن للراحة قبل ان نعود للعمل ، حسنا ؟"

اومأت برأسها بسعادة طفيفة دائما ما تزرعه هذه المرأة بداخلها وهي تمسك بالمنديل من يدها بصمت لتلفه حول اصبعها الصغير بهدوء ، وما ان نهضت عن المقعد حتى عادت للكلام وهي توجه لها نظرات مرتبكة هامسة بحيرة خافتة
"فقط سؤال اخير ! لما توقف اوس عن زيارتك وانقطع عنكِ ؟ ألم تكوني بمرتبة والدته بحياته ؟ ام انه لا يهتم بهذا !"

ابتسمت بهدوء وهي تعود لعملها على اوراق العنب قائلة بجمود لم يخفي العتاب بصوتها
"لقد منعه جواد من زيارتنا او تخطي عتبة منزلنا منذ وفاة غنوة ، فهو يحمله كل المسؤولية بسبب افعال والده بنا ، لذا لم يجرؤ يوما على القدوم لمنزلنا مجددا ولم اراه من وقتها ، كل ما اتمناه ان يكون بصحة جيدة وبخير !"

ارتفع حاجبيها بارتباك شل حركتها وهي ترفع قبضتها لصدرها بارتجاف متخبط تاهت انفاسها معه ، لتستدير من فورها بدون كلام قبل ان تسير بعيدا باتجاه الرواق الطويل ، وهي تفكر فقط بما اكتشفته الآن ومدى الحقد الذي يملئ قلبه حتى يصل به بأن ينبذ شقيقه من حياته بسبب افعال الغير ، وكم يذكرها هذا بحالها تماما وهي تحاسب على افعال الغير بدون اي حق حتى دمر احلامها الجميلة بالحياة فقط لأنها ولدت بتلك العائلة !

زفرت انفاسها بتهدج تشعر به يحرق خلجات صدرها وهي تحاول العودة لشخصيتها الجديدة والتي تلبستها على مدار الاسبوع الفائت ، وكل هذا من اجل الاستمرار بعقد الزواج المؤقت ومتابعة مسرحية الانتقام لآخر لحظة ، ومن اجل ان يعفو عنها يوما ما على اخطاء غيرها لا علاقة لها بها....يوما ما .

نهاية الفصل يا حلوين.......


روز علي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس