عرض مشاركة واحدة
قديم 21-11-21, 12:43 AM   #213

روز علي
 
الصورة الرمزية روز علي

? العضوٌ??? » 478593
?  التسِجيلٌ » Sep 2020
? مشَارَ?اتْي » 711
?  نُقآطِيْ » روز علي is on a distinguished road
افتراضي

اعتلت ابتسامة شاردة عند زاوية شفتيه وعينيه على ورقة الاختبار امامه والتي كان يمسك بها بتأمل منذ ما يقارب النصف ساعة ، وهو يقرأ محتواها وكلماتها بدقة لا متناهية وباهتمام بالغ لا يتطلب كل هذا بقراءة ورقة اختبار احد طلابه المألوفين ! ليعيد قراءة نفس النص الاخير المكتوب بزاوية الورقة بنهاية اسئلة الاختبار حتى حفظ احرفها الصغيرة عن ظهر قلب

(هذا اقصى ما استطيع تقديمه بالاختبار ، لذا ارجو منك ان تتساهل معي قليلا ولا تقسو عليّ بوضع درجتي النهائية ! فكل انسان بالحياة له حدود بقدراته وليس هناك من شخص كامل ، المهم هو العمل وبذل المجهود بطريق احلامنا ، فلا تنسى هذا كلامك انت وليس كلامي انا ! وشكرا لك على تفهمك يا هشام)

تنهد ببعض اليأس بدون ان يفقد ابتسامته الشاردة والتي ازدادت بميلان شغوف لا تظهر سوى بالحالات النادرة والتي قلما كانت تظهر بحياته العملية المجردة من العواطف ، وكل فكره بشكلها الطفولي المتوسل الذي كان يعلو ملامحها بلحظة كتابتها لهذه الرسالة بنهاية اختبارها ، وهي لا تتوقف عن ابهاره بكل مرة يتقابل معها وبكل محاضرة يلقيها على اسماعها بمكان حجرة دراستهما بمنزلها والذي اصبح العالم الخاص بهما وحدهما بدون اي طلاب آخرين يسرقون اهتمامه وتركيزه عنها ، وقد اصبح ذاك الوقت والذي يقضيه مع محاضراتها المنفردة بمثابة الوقت المستقطع والذي يظهر به شخصيته الطبيعية معها والاجازة والتي كان يهفو لها بحياته .

عبست ملامحه ما ان اخترق ضباب افكاره صوت التي وقفت امام طاولة المحاضرات وهي تهمس له بتردد واضح
"هل تسمح لي بالكلام يا استاذ هشام ؟"

رفع (هشام) نظره بهدوء باتجاه الواقفة امامه بحياء واضح ، ليترك عندها الورقة جانبا وهو يضم قبضتيه فوق سطح الطاولة قائلا باتزان جاد عاد لتلبسه
"تكلمي يا ماندي ، ماذا تريدين ؟ هل استطيع مساعدتك ؟"

ارتبكت ملامحها اكثر وهي تحاول صياغة الكلام هامسة بخفوت شديد
"الحقيقة لقد طلبت منا العمل على مشروع جديد يخص احضار وسيلة للمادة ، وقد تكفلت بمهمة تقسيمنا على شكل ثنائيات للعمل معا ، ولكني لا ارى بأنني سأستطيع التعاون مع الشريك والذي اخترته لي ! فقد كنت اظن بأني سأكون مع صديقتي بهذا ولكني وجدت نفسي مع شخص آخر لا استطيع التآلف معه !"

قطب جبينه بجمود لوهلة ليقول بعدها بجدية عملية بدون ان يحيد بنظراته عنها
"ولكنني فعلت هذا يا ماندي بسبيل تحقيق الهدف المنشود من المشروع ، فأنا اريد منكم ان تكونوا متعاونين مع بعضكم ومتآلفين مع شركائكم مهما كانت طبيعة الشريك الآخر المختار لكم ، لذا فكرت بمزج وخلط الاسماء معا ووضع كل منكم مع شريك مختلف عن الآخر وبعيدا عن شركائكم المعتادين ، لتستطيعوا التكيف مع الوضع والظروف الراهنة والتي قد تحاصر حياتكم وكيفية التصرف بذلك الموقف العصيب"

ردت عليه بسرعة بعبوس متوتر يكاد يفتك بها من إحراج الموقف
"ولكن يا استاذ هشام هذه ليست المشكلة ! انا استطيع التعاون مع اي شريك تختاره لي ولا امانع هذا ، المشكلة هي بشريكتي نفسها فهي لا تريد مساعدتي بشيء وترفض كلياً التعامل معي او ان نعمل معا بنفس المجموعة ، وتقول لي دائما بأن حظها العاثر وضعها مع شريك من امثالي لا تقرب لمستواها !"

عقد حاجبيه ببطء وبوجوم بدأ يستولي على ملامحه الرزينة ليخرجه عن هدوئه المعهود ، ليقول من فوره بتصلب قاتم
"ما اسم تلك الشريكة ؟"

اجابت بسرعة بتوتر اكبر
"سامية المنذر"

اعتلى الجمود محياه وهو يحاول السيطرة على قوة الغضب الجبارة والتي تهدد بتدمير آخر ذرة اتزان عنده ما ان مر وقع الاسم على ذاكرته والتي لا تخلو من الحقد المكنون نحوه ومن قلبه المحمل ناحيته ، لينهض بلحظة واقفا عن مقعده وهو يوجه نظراته بأنحاء القاعة المكتظة بجميع انواع الطلاب وهو يبحث عن فريسته المقصودة وسبب المشاكل بأقرب الناس له !

قال فجأة بصوت جهوري آمر ما ان وصل للرهينة
"سامية المنذر تعالي امامي الآن"

انتقلت كل الأنظار ناحية التي تحركت من مكانها بخيلاء وهي تتجه مباشرة امام طاولة الاستاذ الواقف بانتظارها بخطوات متقاطعة بوقاحة منقطعة النظير ، وما ان وقفت بلحظات امامه بجانب الفتاة الاخرى حتى قالت بنظرات بريئة بدلال انثوي
"نعم يا استاذ هشام ! هل من مشكلة ؟"

احتدت ملامحه بلحظة وهو يكتف ذراعيه بتصلب قائلا بصرامة منخفضة
"هل ما سمعته صحيح بخصوص العمل على المشروع والذي طلبته منكم قبل يومين ؟"

ابتسمت بإغراء وهي تميل فوق سطح الطاولة هامسة بحيرة خافتة
"وما لذي سمعته ؟"

تجهمت ملامحه بلحظة وهو يضرب على سطح الطاولة بلمح البصر هزتها بمكانها ليهمس عندها بأمر
"احترمي نفسكِ وقفي امامي باتزان !"

اعتدلت بمكانها بعبوس وهي تنظر للذي اكمل كلامه بصرامته المعتادة والتي يتخلل بها الوقار
"لماذا تعاملين شريكتكِ بكل هذا الاحتقار ؟ ألم اطلب منكم ان تعملوا مع شركائكم المختارين بود وتعاون لترفعوا من درجاتكم ! ام تحاولين الاستهانة بأوامري الصارمة والواضحة للجميع والتمرد عليها بمضايقة شريكتكِ والتي اخترتها معكِ ؟"

امتعضت ملامحها بضيق وهي تحيد بنظراتها للساكنة بمكانها بازدراء ، لتقول بعدها بلحظات بجموح وهي تنظر امامها بإيباء متعالي
"ولكني لست راضية عن تقسيمك للثنائيات هكذا ! فقد اخترت لي شريكة عديمة الفائدة لا يعتمد عليها ، كيف لي ان اعمل مع فتاة مثلها لا تنتمي لعالمي ؟....."

قاطعها بغضب صارم وهو ينظر لها بقوة تظهر على محياه لأول مرة بكل هذا الازدراء والتعنيف
"كفى هراءً يا سامية ! لقد اخبرتكِ بها من قبل انا لا اسمح لكِ بإهانة الطلاب الآخرين بهذا الشكل الغير مسموح به بداخل قاعة الدرس ! فهذه جامعة وليست ملهاة كل شيء يسير حسب مزاجك وما يعجبك انتِ فقط ، لذا اقول لكِ مجددا إذا لم تراعي المبادئ والتي وضعتها لكم وبقيتِ تتجاوزين الحدود المرسومة مع زملائك بالدفعة ، فيؤسفني بأنني سأقول لكِ لا يشرفني ان تكوني طالبة عندي بهذا المساق !"

فغرت شفتيها بصدمة لحظية قبل ان تنتفض بمكانها بعنف وهي تستند بيديها على سطح الطاولة قائلة باستنكار منفعل
"ماذا تقصد بهذا الكلام يا استاذ ؟ هل تحاول التخلص مني ؟....."

قاطعها مجددا وهو يهمس بآخر كلامه المنتهي وبعد ان فقد السيطرة على قيود غضبه
"هذا آخر كلام عندي يا سامية ، لذا افضل شيء تفعلينه بحالتك لكي لا اضطر بالنهاية لحرمانك من المساق هو العمل على تعديل سلوككِ وتصرفاتكِ مع الناس وطلاب دفعتك ، ومن اجل مستقبلك المهني بعد تخرجك والذي سيكتب بملفك الشخصي ، لذا انتبهي فأنا لن اتهاون معكِ بعد الآن !"

عضت على طرف شفتيها بقهر لمع بحدقتيها بشرارة حارقة بصمت ، لتستدير بلحظة بعيدا عنه وهي تهمس بنفور خافت قبل ان تكمل طريقها بعيدا عنهم
"لقد توقعت هذا ! فيبدو بأنك لا تعطف سوى على امثال تلك الفتاة المختبئة تحت رداء براءتها"

اكملت طريقها لخارج القاعة امام انظار الجميع المشدوهة بتركيز منذ بداية النقاش الحاد بينهما ، ليزفر بعدها انفاسه بقوة وهو ينقل نظراته للفتاة الاخرى قائلا لها بحزم جاد
"لا تقلقي يا ماندي ، سأبحث لكِ عن شريكة اخرى لتتعاوني معها بالمشروع"

اومأت برأسها بهدوء وهي تهمس بامتنان خجل
"شكرا جزيلا لك يا استاذ ، انا ممتنة جدا لك"

اومأ برأسه بتصلب وهو يحمل حقيبته مع الأوراق ليغادر باتجاه باب القاعة قائلا بصوت جهوري قاطع
"لقد انتهت المحاضرة"

غادر بعدها بعيدا عن انظارهم المسلطة على مكان اختفاءه ، وكل ما كان يدور برؤوسهم آن ذاك عن سبب انقلاب استاذهم الصارم الرزين وجعله بهذه الصورة الغاضبة وكأنه ينوي الانقضاض على احدهم !

وصل (هشام) للممر الطويل والذي يبعد عن قاعات المحاضرات وكل فكره مشغول بصحة ما فعله الآن من تناقض عن شخصيته الصبورة والتي لا تنفعل ولا تنهز رغم الصعاب والتي تمر امامها ! فماذا تغير به الآن ليغضب كل هذا الغضب من كلام تلك الفتاة الوقحة والتي لا تسوى شيء بحياته ؟

توقف لبرهة وهو يراقب بتعجب الحشد الكبير عند منتصف الرواق ، ليسرع بعدها بخطواته بلحظات وهو ما يزال يدقق بالمنظر امامه بوجوم اكتسح ملامحه بدون ان يحيد بنظراته عنهم ، وما ان وصل قريب من التجمع حتى تغضن جبينه بارتياب وهو يلمح الشاب الواقف امام الفتاة الباكية والتي على ما يبدو قد جرحها بشدة بدون ان يتبين مكمن المشكلة بينهما ؟

ارتفع حاجبيه بهدوء ما ان غادر الشاب بعيدا عن الفتاة بدون كلام يبدو بأنه قد استنزفه امام الفتاة قبل قدومه ، واما الفتاة فلم يتحرك بها ساكن وهي متجمدة بمكانها بدون حراك من هول الصدمة والتي لم تفق منها بعد .

حرك عينيه بعيدا بملل وهو يستدير للجهة الاخرى ليتابع سيره بطريق اخرى ، ولكن ما لم يتوقعه ان تتباطأ خطواته على مسمع بعض الكلام والذي بدأ بالوصول لأذنيه بثرثرة مزعجة
"هل رأيته كيف اهانها امام الجميع ؟ بالرغم من انهم لم يكد يمر أيام على خطبتهما وكانا معا مثل عصافير الحب !"

تسارعت خطواته تلقائيا بعيدا عن سماع تلك القصص التافهة والتي تخص مشاكل العالم الشخصية ، بدون ان يشعر بتصلب خطواته لوهلة والتي توقفت عن الحركة تماما مثل كل شيء يحيط به ما ان وصل له كلام آخر بازدراء ساخر
"ولكن هذا ليس جديد على ذلك المتلاعب ، فقد فعلها من قبل وتخلى عن الفتاة الجميلة غزل رأفت وقد كانا معا مثل عصافير الحب واكثر !"

تكورت قبضتيه بتسمر لحظي قبل ان يعود كل شيء لطبيعته المعهودة وهو يتابع طريقه بعيدا عن سماع المزيد من تلك الثرثرة والتي اصبحت تثقل عليه بحمل كبير وبألم اخذ يتوسع بموطن روحه بدون إرادة منه او خلاص ...

______________________________
امسكت بقبعتها من على الأرض بهدوء وهي تتمعن بالنظر لها باهتمام بالغ وقد لاحظت خدش بسيط بمقدمة طرف القبعة ، لتعقد بعدها حاجبيها بحدة وهي تستمع للصوت المتسلي من خلفها وهو يقول بتساؤل
"إذاً يا آنستي ما سبب زيارتك لمكتبي اليوم ؟ أليس لديكِ بهذا الوقت جامعة !"

زفرت انفاسها ببؤس وهي تستقيم بمكانها هامسة بغيظ بدون ان تنظر له
"بلى لدي جامعة"

ارتفع حاجبيه بتعجب للحظات وهو ينظر لظهرها المتصلب والمرسوم بشموخ تمثال احترافي يأبى استرسال الكلام معه ، ليقول بعدها باستياء وبعد ان يأس من انتظار تكملة كلامها
"حسنا ولماذا لم تذهبي للجامعة اليوم ؟"

مرت لحظتين لتليها استدارت الجسد امام عينيه برشاقة لتستقر على القبعة والتي عادت لفوق رأسها قبل ان تهمس بخفوت وكتفيها يتحركان مع كلامها بسلاسة
"لقد قررت التغيب عن الجامعة اليوم واستغلال الفرصة بالمجيئ لمكتبك بالصباح الباكر"

تغضن جبينه بحيرة وهو يريح يده فوق خده قائلا باهتمام
"ولماذا ؟"

سارت امامه بخطوات واسعة لتصل للمكتب والذي مالت عليه بخفة وهي تهمس امام عينيه مباشرة بابتسامة اتسعت بمغزى
"من اجل قضاء الوقت معك"

تغضنت زاوية شفتيه بابتسامة طفيفة وعينيه تلاحق خطوط ملامحها المحفورة بدقة بقرب المسافة بينهما ، ليعض بعدها على طرف شفتيه بمكر وهو يرفع يده بعيدا عن خده ليضرب بأصبعه السبابة طرف انفها الطويل هامسا بصوت اجش خافت
"ماهرة بالتلاعب بالكلام ! كما ماهرة بلعب بمشاعري والتي تتحرك حسب طبيعة مزاجك !"

رفعت وجهها قليلا وهي تهمس بابتسامة صغيرة بغرور
"اعتقد بأنني احاول مجاراتك !"

امسك ذقنه بأصابعه وعينيه على تموج عينيها البحريتين واللتين تظهران بمهارة فنون حيلهما المتلاعبة بقلب اي انسان ، ليهمس بعدها بابتسامة اتسعت بتسلية
"هل لهذه الدرجة لديكِ الشغف لقضاء الوقت معي لتفوتي محاضراتك لليوم والتي لم تفعليها من قبل ؟"

ردت عليه ببساطة وهي تبتسم بثقة فاتنة
"اجل كثيرا"

حرك رأسه بدهشة مما يسمع ليقول بعدها بابتسامة مسترخية بنشوة
"رائع ! يبدو بأن الكثير من التغييرات قد طرأت على زوجتي بفترة غيابي ؟ وهذا اكيد للأفضل ! متشوق لقضاء الليل معكِ واحياء كل ليالي الجفاف العاطفي بيننا"

زمت شفتيها بفرط الحياء والذي يبعثه دائما بخلايا روحها وهي تشيح بنظراتها هامسة بحنق
"يا لوقاحتك !"

اخفض نظراته لا شعوريا لكفها الممسكة بطرف المكتب واصابعها النحيلة تطرق على سطح المكتب بتوتر واضح دائما ما ينتابها بعلاقتهما العاطفية ، ليقبض بلمح البصر على كفها بقوة وهو يضم اصابعها بداخل قبضته بتملك ورأسه يتلامس مع رأسها برفق ليتبعها بالهمس بنبرة صوته الخفيضة بانتشاء
"اعشق كلمة وقح منكِ ، فهي إذا لم تعرفي تثير الغرور بالرجل وتسعد طبيعته التي تهوى ارتشاف كل شيء جميل بالمرأة !"

عادت بعينيها نحوه لوهلة بتحدي النظرات المعتاد بينهما والذي يمزج كل أنواع المشاعر بين حرارة نظراتهما الملتهبة ، لتتنفس بلحظة التي ابتعدت عن سطح المكتب بخفة وهي تستل كفها من داخل قبضته لتمسك بعدها بمقدمة قبعتها وهي تحاول تحاشي نظراته هامسة ببرود جاد
"لا تسيء الظن وتبتعد بعقلك بأمور لن تحدث مطلقا ! فقد اتيت إليك من الصباح الباكر لأحقق معك ببعض الاسئلة"

تراجع بجلوسه وكأنه قد تلقى ضربة غير متوقعة بوجهه وهو يهمس بخفوت ساخر
"حسنا ليس هناك من جديد فقد توقعت هذا !"

عقدت حاجبيها بقناع الجمود والذي تلبسها بلحظة وهي تكتف ذراعيها فوق صدرها هامسة بخفوت جاد
"لقد تأخرت كثيرا اليوم بالوصول للعمل ! بالرغم من انك ملتزم دائما بخصوص مواعيد دوام عملك ، صحيح ؟"

ابتسم بهدوء وهو يرد عليها ببساطة بالغة
"تعلمين بأنني عدت من السفر بالأمس وبهذه الحالة احتاج ليومين حد اقصى من الراحة لأستطيع بهم استعادة طاقتي ونشاطي ؟ ومع ذلك ارغمت نفسي واتيت للعمل اليوم بدون ان اهتم للتعب الجسماني وقلة النوم كما ترين....."

قاطعته من فورها بتشنج ممتعض
"توقف عن المراوغة ! واجبني على سؤالي"

حدق بها للحظات قبل ان يحرك كتفيه هامسا بعدم اهتمام
"لقد استغرقت بالنوم"

عبست ملامحها وهي تهمس من بين اسنانها بوجوم
"لم تفعل ، فقد اخبرني الخدم بأنك قد غادرت من المنزل الساعة الثامنة صباحا !"

اتسعت عينيه لوهلة وهو يضرب بيده على اعلى صدره قائلا بابتسامة مسرحية
"هل تراقبيني يا زوجتي ؟ يبدو بأنكِ قد جهزتِ جيش من الجواسيس ليتتبع حركاتي !"

عضت على طرف شفتيها بغضب مكتوم وهي تهمس بوجوم خافت
"هل ستجيب ام لا ؟"

تنهد بهدوء وهو ينظر بعيدا عنها قائلا بجمود
"لقد ذهبت لمكان آخر قبل ان اتجه للعمل"

ردت بسرعة بخفوت مشتد
"إلى اين ذهبت ؟"

حاد بنظراته نحوها وهو يهمس بخفوت بارد
"تعلمين مسبقا صحيح ؟"

ارتجفت اطرافها بصقيع انفاسها والتي تجمدت بحنجرتها لوهلة ، لتهمس بعدها بانفعال ساخر بدون إرادة منها
"إذاً تعترف بفعلتك بكل فخر ! مزعج"

اشاحت بوجهها جانبا لبرهة وهي تتنفس باحتقان مشتعل ، لتشدد من القبض على يديها بألم وهي تكمل تحقيقها هامسة ببهوت
"ماذا تعني مونتريال ؟"

غيم الصمت بينهما للحظات فاصلة قبل ان يخرج الهمس ببرود عبث الجليد بروحها
"لا اعلم !"

التفتت من فورها ناحيته بهياج استبد بها وهي تطبق على اسنانها بغضب لتصرخ بلحظة باستنكار
"اخبرتك ان تتوقف عن الكذب والمراوغة ! فأنا اكره بشدة هذا الجانب الساخر منك ! توقف......"

صمتت بارتجاف داخلي ما ان وقف الذي قال بقوة بتصلب جاد
"اخرسي يا ماسة ! فأنتِ التي عليكِ التوقف عن المراوغة بالأسئلة المبهمة والتي لا يوجد داعي منها ، فأنا اعلم جيدا بكل شيء قد رأيته بصباح اليوم ، لذا توقفي عن كل هذه الاسئلة الغير مجدية سوى بتعذيب نفسك !"

غامت ملامحها قليلا بصمت وهي تخفض نظراتها المظللة بسحابة كاتمة اجتاحت كيانها الهائج ، لتهمس بلحظة باستهزاء متصلب
"لن تتغير ابدا ، احمق الفكهاني"

ما ان استدارت بعيدا عنه بلحظة حتى شعرت بذراعه وهي تعتقل خصرها من الخلف بلمح البصر بدون ان تعلم كيف قطع المسافة بينهما بتلك السرعة ! لتنحصر نبضات قلبها الثائرة بفجوة بروحها قبل ان تتسارع باللحظة التالية بصخب اصم اذنيها ما ان اصبحت بداخل احضان المسيطر على حياتها من كل اتجاه وذراعيه تطوقان جسدها بقوة تخللت عظامها الهشة بدفء وجوده المحتل كيانها .

همس بعدها الذي ضربت انفاسه اذنها بحرارة كلماته
"لما تحبين تعقيد كل شيء بحياتنا يا ألماستي ؟ بالرغم من ان الحياة اسهل بكثير مما تتخيلين ! فقط لو تتوقفي عن كل هذا"

ضمت شفتيها بارتعاش سرى على طول جسدها المخدر تحت هالته المسيطرة ، لتنظر بسرعة امامها ما ان سمعت الطرق على باب المكتب ليتبعها فتحه للمرة الثانية ليطل نفس الوجه المتبرج هامسة بعملية
"سيدي اعتذر عن الإزعاج ، ولكن هناك عميل....."

احمرت السكرتيرة بارتباك على المشهد الحي امامها وهي تهمس بسرعة بتشتت محرج
"اعتذر مجددا ! لم اقصد ان ادخل بهذه اللحظة ! لذا اعتذر بشدة ، والآن عذرا"

اوقفها مكانها الذي استقام باتزان وهو يقول بجدية صارمة
"اسمعي يا سالي ، اريد منكِ ان تلغي كل المواعيد لليوم مع العملاء ، فأنا قد قررت المغادرة الآن مع زوجتي بأمر طارئ ، لذا اهتمي بالباقي لليوم وشكرا على تفهمك"

فغرت (سالي) شفتيها بارتجاف وهي تحاول الكلام ليخرج على شكل همس متلعثم بانذهال
"ولكن يا سيدي لم تكد تعود للعمل سوى اليوم بعد غياب طويل ! وايضا....."

قاطعها بقوة وهو يقول بحزم جاد
"هذا قراري يا سالي ولا اريد نقاش بالأمر ، وايضا موضوع عودتي للعمل اليوم كان قرار خاطئ ومتسرع"

اومأت برأسها بارتجاف طفيف وهي تنسحب بسرعة من فرط إحراجها الذي تعيشه لمرتين هامسة بخفوت
"حاضر"

حرك (شادي) رأسه باتجاه التي نطقت بجمود صخري
"كيف تستطيع التصرف بكل هذه الا مبالاة مع هذه النوعية من البشر الطفيلية !"

رفع ذراعه وهو يحك شعره بتفكير لثواني قبل ان يهمس بابتسامة باردة
"اعتقد بأنني تأقلمت !"

حادت بنظراتها نحوه بضيق ممتعض بدون كلام ، ليبتسم بعدها بالتواء متسلي وهو يهمس بحاجبين مرفوعين بتذكر
"صحيح كيف عرفتِ بأمر مجيئي للعمل اليوم ؟ لماذا كنتِ بكل هذا التأكد بأني رغم كل شيء سآتي للعمل ؟"

ابتسمت بهدوء شديد وهي تلوح بيدها هامسة بغموض
"الحدس !"

حرك رأسه بشبه ابتسامة وهو يتجه بلحظة لسترته المعلقة على الكرسي من خلف المكتب ، ليرتديها بعدها فوق كتفيه بلحظات وهو يدخل ذراعيه بداخلها وامام عينيها الباردتين بدون شعور .

وقف امامها وهو يمسك بيدها الباردة بدون مقدمات قائلا بنفس ابتسامته الباردة بسحره الخاص
"لنغادر الآن يا عزيزتي ولنقضي وقتنا معا بمكان لا يوجد به طفيليات مزعجة قد تعكر علينا صفو جونا ، ألم تكن هذه رغبتك !"

تشنجت ابتسامتها بضيق وهي تنظر بعيدا عنه بعدم اهتمام وبدون ان تستطيع افلات يدها والتي دخلت مملكة قبضته الساحقة لأصابعها...وبدون سبيل للتخلص من وجوده والذي رسخ هناك بالفعل وتفرع .

_____________________________
وضع كأس العصير المحلى امامها يعلوها طبقة من الكريمة البيضاء المخفوقة مع حبة كرز صغيرة تحتل القمة ، لتتابع بنظراتها الذي وصل امام الطرف الآخر من الطاولة وهو يضع امامه كأس العصير الآخر الذي يحوي على نفس نوع العصير الخاص بها مع اختلاف بسيط بلون الكريمة البنية التي تعلو كأسه .

زفرت (ماسة) انفاسها بهدوء وهي تنصب مرفقها فوق الطاولة لتريح ذقنها فوق قبضتها هامسة بشرود واجم
"ما هذا الذي نفعله هنا ؟"

جلس على الكرسي المقابل لها بأريحية وملامح الرخاء تعلو محياه الباسم ، وهو يقول بابتسامة ساحرة اتسعت بجدية
"لقد احضرتكِ لهذا المكان الهادئ والمنعزل عن العالم الخارجي بعد ان وجدت بأنه الأنسب لقضاء الوقت والذي نختلي به مع بعضنا اخيرا بدون إزعاج البشر ، وخاصة بأن البشر بهذا الوقت نادرا حتى تجدي منهم من يزور مثل هذه الأماكن الصغيرة والتي لا تشكل واجهة جذابة لهم ، لذا استمتعي بوقتك بقدر ما تشائين يا عزيزتي فلن يزعجك احد هنا او يضايقك بعد الآن"

حركت عينيها جانبا وهي تحدق بديكور المكان القريب من الكوخ الخشبي اكثر من مقهى بأجواء حميمية اكثر مما يحتمل عقلها وقلبها المتأرجحين على خيط منطق عاطفتها ، وهي تلاحظ الاعداد القليلة لرواد المكان الذين لا يتجاوزون عن ثلاث او اربع زوار كما قال فهو ليس من الاماكن المشهورة او المعروفة لتجذب السكان القاطنين بالمناطق المجاورة !

عادت بنظرها للأمام ما ان تابع كلامه بنفس ابتسامته المسترخية وهو يخلط الكريمة مع العصير بالملعقة الصغيرة قائلا بهدوء
"استمتعي بمشروبك البارد يا ألماستي ، فقد يطفئ القليل من جموح عقلك الثائر منذ الصباح ويوقف الأسئلة التي ما تزال تعيش بمنابت عقلك السميك !"

زمت شفتيها بحنق وهي تهمس من بينهما بقنوط بدون ان تجاريه
"اخبرتك بأني لا احب الاشياء الحلوة !"

ارتفع حاجبيه باهتمام وهو يهمس بتفكير بدون ان ينظر لها
"لماذا ؟ هل تعانين من السكري ؟"

ردت عليه من فورها بعبوس اكبر
"لا اعاني من شيء ! فقط لا احبها مثل كل شيء جميل يجذب الأنظار له"

غرف من الكريمة الرخوية وهو يدسها بفمه بلحظة قائلا بحاجبين مرتفعين بدهشة متسلية
"حقا غريبة ! لا تحبين القهوة السوداء بسبب مرارتها ولا تحبين كذلك الاشياء الحلوة بسبب السكر بها ! إذاً ما هو وضعكِ بالحياة بين هذين الاثنين ؟ قد تكونين حاجز غير مرئي بينهما او قد تكونين مخلوق يحاول اثبات وجوده بعالمه الخاص ! أليس كذلك يا ألماستي ؟"

اتسعت حدقتيها الزرقاوين بتموج غائم اسر هالتها للحظات بدون ان تدرك ذلك ، وسؤال واحد يراودها دائما منذ ولادتها ما هي طبيعة شخصيتها بين هذين المكونين ؟ وهل هي حقا مجرد حاجز عالقة بينهما بدون فائدة من وجودها !

رمشت بمقلتيها الواسعتين بارتجاف وهي تستمع للذي تكلم مجددا بنفس ابتسامته المتسلية بمتعة وكأنه يتذوق الأحرف مع الكريمة بانتشاء مثير
"ما بكِ يا بلهاء ؟ ألا تعلمين بأنكِ بالفعل لستِ من كلتا الاثنتين ! بل انتِ المكون الجديد الذي لا يمزج مع اي منهما فقد خلق بهذا الكون الوسيع ليخالف كل الاشياء المعتادة والمتمحورة من حوله ليتميز بفرادة نوعه ! لذا كل ما اقوله لكِ بأنكِ اجمل مخلوق مثير قد وجد بين جميع شخصيات البشر ، أليس كلامي صحيح يا ألماستي ؟"

انفرجت شفتيها بانشداه لوهلة وهي تعض على طرف شفتيها ببطء مرتعش قبل ان تحني نظراتها هامسة بصوت مغتاظ باستياء
"كيف تستطيع اللعب بالكلمات هكذا ؟ فقط لو اعلم اي شخصية هي التي تتقمصها !"

رد عليها وهو يحرك كتفيه ببساطة هادئة
"ربما اكون مثل حالتكِ فنحن الاثنين لا شبيه لنا بهذا العالم فقد خالفنا الجميع وحتى انفسنا !"

رفعت حاجبيها بوجوم وهي تهمس من فورها بضيق
"ولكننا مع ذلك لا نشبه شخصيات بعضنا ولن نكون"

حرك رأسه وهو يتابع استمتاعه بمذاق الكريمة بفمه والملعقة نصفها يتأرجح خارج فمه وعقله شارد بمكان آخر وكأنه يعيش بعالمه البعيد عنها تماما والذي حجزه بأسوار منيعة من المستحيل عليها اجتيازها ، وهذا الشعور كان يلازمها دائما عندما يصر جميع من حولها ان يقصونها بعيدا عن عالمهم بدون ان تعطي الأمر اهتماما كبيرا بسبب انعدام عامل الاجتماع عندها ، ولكن الآن فقط تشعر بذلك الشعور يزداد عبئا على روحها المحملة بالكثير من سوداوية الماضي تكاد تقضي على مذاق السعادة والذي بدأ يتخلل اخيرا بأروقة حياتها الباردة بعد تعب وشقاء استمرا طويلا ! ام هي مجرد اوهام من مخيلتها لا اكثر ؟

ابتلعت ريقها بقوة وهي تخفض رأسها بضعف لحظي احتل كيانها لوهلة قبل ان تهمس بخفوت واهي وهي تكور قبضتيها بحجرها
"هل نستطيع الذهاب الآن فقد ضقت ذرعا من المكان ؟"

عقد حاجبيه بجمود وهو يعود بنظره نحوها ليهمس بلحظة ببرود جاد
"لما كل هذه العجلة يا عزيزتي ؟ وكأنكِ لستِ من طلب قضاء الوقت معي والاختلاء وحدنا ! أليست تلك رغبتك انتِ منذ البداية ؟"

ضربت فجأة بقبضتيها على سطح الطاولة هزت كأس العصير بمكانه وهي تهمس من بين اسنانها بجموح اطلقت سراحه
"توقف عن القول بكل مرة بأنها كانت رغبتي ! فقد كنت اود بالفعل قضاء الوقت معك لأعرف حقا ما تكون شخصيتك الحقيقية وما تخفيه عني ! وما لذي يدفعك لتكون بكل هذه الشراسة بأقصائي بعيدا عن اسرارك المسورة ؟ وإذا كنت حقا تهتم بأمر زوجتك التي لم تحسب لها حساب حال معرفتها بما يدور من حولك !"

حدق بها بجمود للحظات بدون كلام بأجواء ضبابية مائلة للحزن ليقطعها الذي نطق اخيرا بابتسامة غامضة بعمق
"وهل عرفتِ اي من اسئلتكِ تلك ؟"

رفعت وجهها بسرعة بارتجاف وهي تزيد من عبوس ملامحها تدريجيا حتى انتفضت بلحظة واقفة بقوة وهي تتمتم بصوت باهت غاب عنه بحة الغضب
"لم اعد اريد ان اعرف ، فقد ايقنت بأنني قد دخلت بلعبة خاسرة تلاعبت بقوانينها بدون ان اعلم ! ومع شخص غير عادل مثلك !"

مالت ابتسامته ببرود مسترخي وهو يلوح بالملعقة هامسا ببسمة هادئة
"الحياة غير عادلة يا ألماستي ، لذا لا تتوقعي مجددا الرحمة من الخصم المقابل لكِ لكي لا يصدمك بنتيجته !"

شددت من القبض على يديها بقوة بهمس جاف لا يكاد يسمع
"لقد صدمتني بشدة يا شادي واكثر مما تتصور ! هل لهذه الدرجة انت بلا رحمة ؟"

غامت ملامحه بهدوء والهزل يغيب عنها بلحظة بدون ان يستطيع النطق بالمزيد من الكلام والذي تصلب بحنجرته وليس فقط بسبب تجلي الحزن بملامحها الفاتنة بسكون بل ايضا بسبب ظهور التي لفتت انتباهه من خلفها بلمحة خاطفة ، لتدخل بعدها على الجدال الحامي بينهما وهي تهمس بسعادة غامرة
"مرحبا بالعرسان ، لم اركما منذ فترة طويلة ، انا سعيدة جدا بهذه المصادفة الفريدة والتي جمعتنا"

عبست ملامح (ماسة) بغضب وهي توجه نظراتها للذي ما يزال جالس مقابل لها بملامح تدل على الانزعاج الواضح من هذه المقاطعة ، لتشق من فورها ابتسامة ساخرة محياها وهي تحمل حقيبتها بهدوء هامسة باستهزاء مستاء
" يبدو بأن مهمة قضاء الوقت بالخلاء قد فشلت ! فقد اخطئت بتوقعاتك يا سيدي ! وها هو قد تبين بأن صنف الطفيلين يعرفون هذا المكان ايضا ؟ وهذا ليس غريب على معشوق الملايين والمُطارد من الجميع !"

تغضن جبينه بوجوم بدون ان يجاريها هذه المرة وبعد ان غادرت بعيدا امام عينين خضراوين تشيعها بنظرات حاقدة بازدراء خفي ، لينقل بعدها نظراته ببرود للتي قالت امامه بخفوت محرج بدلال
"اعتذر على هذه المقاطعة يا شادي ، يبدو بأن ظهوري المفاجئ لم يرق لكم !"

حرك رأسه بالنفي وهو يقول بشرود بدون اي مرح
"لا بأس يا لينا ، يمكنكِ الجلوس إذا اردتِ !"

ابتهجت ملامحها بغرور وهي تجلس من فورها بخيلاء على الكرسي والذي كانت تجلس عليه الأخرى ، لتقول بعدها بسعادة مزيفة وهي تنظر لكأس العصير الممتلئ الغير ملموس
"ما هذا العصير يا شادي ؟ هل هو يخص زوجتك ؟"

نظر بعبوس لكأس العصير للحظات ليحيد بعدها بنظراته جانبا وهو يتمتم بلا مبالاة
"يمكنكِ شربه إذا اردتِ ؟ فهو سينتهي بمقلب القمامة على كل حال !"

اتسعت ابتسامتها اكثر وبدلال واضح وهي تلعق من الكريمة عليها بسعادة كبيرة غمرت كيانها ، بينما شرد (شادي) بمكان اختفاء زوجته بدون ان يكلف نفسه عناء مهمة لحاقها وبعد ان ألقت به بتلك الكلمة الاخيرة والتي نعتتها به بكل قهر...فهل هو حقا بلا رحمة ؟

يتبع..........


روز علي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس