تتحدث الرواية عن الأمل الباهر من بعد اليأس العاتي, ولعل هذا مغزاها، الذي ختم به المؤلف الرواية العبقرية الضخمة في رسالة الكونت مونت كريستو
(إياك أن تنسى يوما أن حكمة البشرية جمعاء, تتلخص في هاتين الكلمتين: ” انتظر، وتذرع بالأمل”)
وكأن الأمل يضمن كل شيء، فضلا عن الثروة التي أورثها لأنقى شخصيتين في الرواية في النهاية
ليس في الدنيا سعادةٌ مطلقة وشقاء مطلق، وإنما هناك مقارنةٌ بين حالةٍ وأخرى، ومن ذاق الألم والعذاب كان أقدر الناس على أن يحسَّ السعادة القصوى. وينبغي أن نعرف الموت كي نقدّر متعة الحياة.
تعالوا نبذة بسيطة عن ألكسندر دوماس الذى نال قسطاً ضئيلاً من التعليم النظامي، لكنه نمّى ثقافته، وخاصة التاريخية، أثناء وقت فراغه حيث عمل باديء الأمر محرّراً في مكتب كاتب عدل، ثم في خدمة دوق أورليان، ولاحقاً في بلاط ملك فرنسا لويس فيليب. دفن ألكسندر دوماس حيث ولد في مقابر قريته حتى كان عام 2002 عندما أمر الرئيس جاك شيراك بنقل رفاته في تابوت جديد مغطى بقماش مخملى أزرق وتم نقل التابوت في جنازه نقلها التلفزيون وفي حراسه أربعه حراس يرتدون ملابس مثل ملابس الفرسان في قصته الشهيره الفرسان الثلاثه إلى مقبرة العظماء في باريس، كما تحول بيته خارج باريس إلى مزار وتم فتحه للجماهير.
فقد خلَد ألكسندر دوماس (1802/ 1870)، الكاتب الفرنسي الشهير، اسمه برائعته «الكونت دي مونت كريستو». فهي درة تاج أعماله، وأكثرها ترجمةً إلى اللغات الحية. فعظمة هذه الرواية ونبلها تظهر عند النهاية حيث اعترف البطل بحكمة الله البالغة وعلمه المطلق.
ويفترض بعض النقاد والباحثين الأدبيين أن رائعة ألكسندر دوماس مبنية على أُسس حقيقية بعض الشيء، إذ يقال إن والد الكسندر دوماس – وكان يدعى ألكسندر دوماس أيضًا – كان ضابطًا مغوارًا مشهودًا له بالشجاعة والإقدام في الجيش الفرنسي في عصر نابليون بونابرت (لاحظ أن دوماس الابن قد اختار عصر نابليون بالذات زمنًا لها)، سافر دوماس الأب مع نابليون في حملته الشهيرة على مصر، وإبان العودة جنحت به السفينة التي كانت تقله ووقع في أسر الإيطاليين هو وعالم جيولوجي يدعى ديودات دي دولوميو (Déodat de Dolomieu)، دي دولوميو كان جيولوجيًا بارزًا ضمن فريق العلماء الذين رافقوا بونابرت في حملته على مصر.
على أية حال فقد سجن الضابط والعالم معًا لمدة ناهزت ثمانية عشر شهرًا. هذا القسم الواقعي قد يكون أساس القسم الأول من القصة، السجين المظلوم والحكيم المحكوم عليه بالسجن مدى الحياة.
ولكن ماذا عن القسم الثاني؟، ماذا عن أمير الانتقام؟ إذ ربما كانت بضاعتنا ورُدَّت إلينا دون أن ندري |
لقد كان دوماس الأب في مصر، وبالتأكيد سمع الكثير من حكايات الحضارة ة، أو على الأقل سمع عن أحدها وعن بطلها “الملاح التائه”، وقد يكون قد حدَّث ألكسندر دوماس الابن عنها. إذا افترضنا أن هذا قد حدث فربما نكون قد أجبنا عن السؤال المتعلق بأصل الرواية، بل ربما نكون قد عللنا أيضًا سر تسمية دوماس للسفينة التي كان دانتيس ربانًا لها باسم «فرعون»، واسم خادم دانتيس (النوبي) علي، وسر إشادة ألكسندر دوماس في ثنايا الرواية بالمصريين مرارًا، بل وربما عللنا أيضًا سر تفوق التعريب (في أمير الانتقام) في كثير من النواحي عن القصة الأصلية، إذ ربما كانت بضاعتنا ورُدَّت إلينا دون أن ندري
قصة "الملاح الغريق"، أو "الملاح التائه"، موجودة بالمتحف الإمبراطوري في سان بطرسبرغ، لا يعرف أحدًا مكان اكتشافها الأصلي، كما يؤكد الأثري فرنسيس أمين لــ"بوابة الأهرام "، لافتاً إلى أن العالم الروسي فلاديمير سميرنوف جولينيشف، كان له دور كبير في شيوع قصة "الملاح التائه"، التي تروي حكايات البحارة الذين تغربوا عن بلدانهم، فضلا عن دوره في نشر أبحاث عن قصة "الفيضان الأكبر".
وتحكي قصة "الملاح التائه" حكاية بحّار رحل مع مجموعة من البحارة، على ظهر سفينة ضخمة، إلى المناجم، لتتعرض سفينتهم في الرحلة إلى عاصفة قوية أغرقت السفينة، ولم ينج من العاصفة سواه، بعد أن تشبث بلوح من الخشب، لتلقيه الأمواج على شاطئ جزيرة، وجد عليا المأوى والغذاء وتحدث معه ثعبان ".
وتتابع القصة "أن الثعبان سأل الملاح ثلاث مرات من الذي جاء به للجزيرة، ولم يستطع الملاح الإجابة، فأخذه الثعبان إلى جحره وسأله ثلاث مرات نفس السؤال، فحكى الملاح وهو يرتعد قصته، وأنه كان في مهمة ملكية، فطمأنه الثعبان، وقال له إنه في مأمن، وأن الله هو من نجّاه، وأنه سيتم إنقاذه بعد أربعة أشهر، حيث سيعود لبلده على ظهر سفينة".
و"حكى له الثعبان قصته، في أنه واحد من 75 ثعبانًا عاشت على الجزيرة، بالإضافة إلى ابنته الصغيرة، وأن نجمًا سقط فأحرق بقية الثعابين، وبقى هذا الثعبان وحده"، وتمتد القصة إلى عودة "الملاح التائه" لوطنه، مهديًا الملك هدايا حملها من الجزيرة، وأكرمه الملك.
وبالنسبة للصراع على الحكم
تدور أحداث رواية «الكونت دي مونت كريستو» في مرسيليا إبان الصراع بين نابليون بونابرت ولويس الثامن عشر على الحكم. فهو صراع كثيرا ما تكرر بين الخير والشر فى كل العصور وفى كل الثقافات. وقد تمثل سيرة ريتشارد قلب الأسد -الذي حاول استعادة عرشه من أخيه جون المغتصب عقب عودته من الأراضي المقدسة، لكنه لم يوفق ومات غريبًا مظلومًا أقرب إلى ميتة الشهداء في المتخيل الأوروبي أصلاً مفترضًا للرواية.
وبالرجوع الى صورة الثراء والبذخ فى رواية دوماس
تجد المقريزى يذكر واقعة تاريخية وهى زيارة منسي موسى -سلطان مالي- إلى القاهرة في عصر سلاطين المماليك، وبذخه وإنفاقه الأسطوري للمال الذي قارب حد السفه، فتتسبب في انهيار سعر صرف الذهب في أسواق الصرف بالقاهرة إلى حد وصول الدينار الذهبي إلى 6 دراهم من الفضة . فقد تكون أخبار هذه الزيارة قد تناقلت عبر الأوربيين فى القاهرة والأسكندرية. وهذا وجه الشبه بثراء وبذخ «الكونت دي مونت كريستو» الزائر النبيل الغامض الذي لا يقيم للمال وزنًا، والقادم من مكان ناءٍ بعيد، يعرف الجميع ولا يعرف أحدٌ أنه السجين الفار «إدمون دانتيس» الذي عاد لينتقم من خصومه.
“أمير الانتقام” هو فيلم قام بتجسيده الممثل المبدع أنور وجدي، وقام بكتابة السيناريو والحوار له كل من يوسف جوهر ويوسف عيسى بمشاركة من مخرج العمل هنري بركات، وقد عرض للمرة الأولى بدور العرض بالقاهرة عام 1951.
يمثل أمير الانتقام وأمير الدهاء تمصيرًا بارعًا للقصة الأصيلة، ومزجًا بديعًا للتراث الشرقي والغربي معًا في خليط مذهل، فنرى البطل قد حمل اسم حسن الهلالي.
ولعل المعربان قد خطر ببالهما سؤال المشاهد: لمَ يثق الهلالي هذه الثقة بلص قاطع طريق؟، ومن ثم وضعا على لسان اللص عبارة فحواها أنه يخدمه برقبته فهو لا ينسى أنه أنقذ رقبته من حبل المشنقة!، ثم ثغرة أخرى في قصة اكتشاف الهلالي لأعدائه الذين زجوا به في السجن. فالشيخ جلال (الراهب فاريا في الرواية الأصلية) كشف للهلالي عن الثلاثة الذين زجوا به في السجن (جعفر وشاهين وبدران) لكنه أغفل الإشارة إلى متولي المرابي (كادروس الخياط في الرواية الأصلية) الذي لم يكن يعرف حدود دوره في المؤامرة عليه، ومن ثم فقد زاره الهلالي في بيته وقدم له جوهرة على سبيل المكافأة. ثم عيّنه -فيما بدا وكأنا مكافأة إضافية له- وكيلاً لأعماله التجارية في القاهرة. لم يكن متولي مستهدفًا من قبل الهلالي من البداية، فلم يكن ضيفًا على حفله التي دعا إليها أعداءه الثلاثة ليختار أيهم يبدأ به انتقامه
الجديد عند ستيفن كينج (Stephen King) «ريتا هيوراث والخلاص من شاوشانك» هو ان الكنز ليس فقط كما هو واضح ثروة مدير السجن نورتن التي جمعها باختلاساته واستغلاله لنفوذه، والتي أدارها له آندي دفرين السجين بكفاءة بعيدًا عن أعين الأجهزة الرقابية كونه مصرفيًا ناجحًا قبل أن يدخل السجن، وانما الكنز أيضا، كما عبر ريد عن هذا بقوله «السجن مكان غريب؛ في البداية تكرهه ثم لا تلبث أن تعتاد عليه! افلكنز هو التخلص من عقدة (سجن الروح)
وللأصل أو الأدق القصة الجقيقية المقتبسة منه الرواية حكاية أخرى الرواية
[IMG]file:///C:/Users/Suzy/AppData/Local/Temp/msohtmlclip1/01/clip_image001.jpg[/IMG]
ففى تجربة صحفية جديدة، تقدم صحيفة «لوفيجارو» سلسلة من التحقيقات الشيقة ذات البعد الأدبى، التى تتناول المفارقات العجيبة والأصول الحقيقية الكامنة وراء أهم الروايات الفرنسية، التى كان لها أكبر الأثر فى توجيه الحركة الأدبية العالمية.
ومن أشهر الروايات التى تناولتها «لوفيجارو» بالتحقيق، كانت التحفة الأدبية: «الكونت دى مونت كريستو» للكاتب الفرنسى الكسندر دوماس (1802- 1870)، التى انتهى من كتابتها عام 1844، لتحقق بعدها شهرة كبيرة، ويتم اقتباسها فى صياغة عدد كبير من الأعمال السينمائية حول العالم.
وتعتمد الرواية الشهيرة على تيمة «الخيانة» و«الانتقام». وقد قدمتها السينما المصرية فى صياغة قريبة من الأصل الفرنسي، وذلك من خلال الفيلم الشهير «أمير الانتقام»، من بطولة النجم الراحل أنور وجدى (1904- 1955)، فى أحد أشهر أدواره: «حسن الهلالى».
كتب دوماس روايته بمساعدة ومشاركة من الكاتب المسرحى والروائى الفرنسى أوجست ماكيه (1813-1888)، لتدور أحداثها فى عصر القائد الفرنسى الشهير نابليون بونابرت (1769- 1821)، بعد أن تمت تنحيته عن الحكم ونفيه إلى جزيرة «آلبا»، بينما كان بطل رواية دوماس هو البحار الشاب «أدموند دونتس»، الذى تمكن رغم صغر سنه من قيادة السفينة التى كان يعمل عليها بعد وفاة قبطانها، مما دفع مالك السفينة إلى ترقيته، فأثار ذلك حقد وضغينة زميله «دانجلرز» ضده، فضلا عن غيرة صديقه «فرناند»، حيث كان الأخير يحب خطيبة أدموند وتدعى دونتس.
فيتفق دانجلرز وفرناند على الوشاية بأدموند بتهمة أنه موال للإمبراطور المعزول بونابرت، من ثم يتم القبض عليه وسجنه لمدة 15عاما، حتى يتمكن من الهرب بمساعدة زميله فى السجن، الذى يعطيه قبل وفاته خريطة ترشده إلى موقع كنوزه وأمواله بجزيرة «مونتى كريستو»، فيحصل أدموند على الكنز المدفون ويعود مرة أخرى إلى بلاده بهيئة جديدة، وينتقم ممن خانوه وسجنوه ظلما.
كان دوماس بعد أن قدم روايته الشهيرة «الفرسان الثلاثة»، يبحث عن موضوع لرواية لا تقل عنها أهمية، فوجد ضالته فى مذكرات مأخوذة من أرشيف باريس. وتدور هذه المذكرات حول قصة فرانسوا بيكود، وهو صانع أحذية شاب تم اتهامه بجريمة ظلماً وسجنه، ليقرر بعدها الانتقام ومعاقبة الخائنين. فتولدت لدى دوماس تيمة القصة الأساسية عن ضحية مؤامرة أدت به إلى السجن، يعود بعدها إلى الحرية ويتمتع بالثروة، التى تركها أحد زملائه السجناء للانتقام من أعدائه.
أما عن اختيار المكان، فقد قام دوماس عام 1842 برحلة فى البحر الأبيض المتوسط، اكتشف خلالها جزيرة قبالة «آلبا»، تحمل اسمًا شاعريًا ومثيرًا هو «مونتى كريستو»، حيث أثار سحر المكان خياله وتضافرت عناصر المكان مع فكرة المذكرات التى أطلع عليها، مما أثمر الرواية الرائعة، التى تنقل أبطالها ما بين «مرسيليا» إلى
على أية حال هي رواية كل العصور، هذا هو العمل الخالد, العبقري الذي يحوي داخله سُنن الواقع الذي يتناول هموم الشعوب وبلايا البشر
ي رواية كل العصور، هذا هو العمل الخالد, العبقري الذي يحوي داخله سُنن الواقع الذي يتناول هموم الشعوب وبلايا البشر
هل في ألكسندر دوما عرق عربى
تعرض للعرب بإشارات عديدة وغزيرة, فقد ذكر خادمه النوبي علي، والذي وصفه بأنه خادم عربي أمين, كذلك اسم السندباد البحري الذي وقع به كونت مونت كريستو أو إدمون على خطاب جولي موريل.
وكذلك عندما لمح لمدام فيلفور عن رغبته في العيش بالأجواء الشرقية، على نسق الملك ميتريداتس, وضمه للعرب وسكان الشرق الأوسط لفئة الشعوب المتصفة بالنشاط والحيوية، وعن استخدامهم للسم كأداة للدفاع والهجوم على أعداءهم، مُحددا, فئة النساء الفاضلات من المصريات ضمن عدة جنسيات أخرى, وإجادتهن لعِلم الكيمياء ومزج السوائل، واستعانتهن به على قضاء حوائجهن, ما يبهر الطبيب المُحترف.
ثم المدح في الشرقيين بأنهم أقوى جنانا فيما يتعلق بمسائل الضمير, وسياق عدة جُمل تُعلي من قدر الشرقيين, وتُحسن من سيرتهم في الإيمان بالثواب والعقاب.
وذكره لألف ليلة وليلة، وكنوزها, وذكره للقسطنطينية أكثر من مرة, ووصفه لهايدي بعَقد ساقيها تحتها على الطريقة الشرقية, وقصة هايدي عن أجواء عربية فيها أسماء عربية مثل أبيها الباشا علي، وخورشيد، وسليم، والسلطان محمود, مما يُعرب عن حقيقة اطلاع المؤلف على الثقافة العربية والشرقية والإسلامية، واتصاله الوثيق بروافدهم، بل واستيراده لأفرادهم، واستعانته بعلومهم، واحتفائه بحضارتهم.
ولعل أبلغ جُملة يُمكن الاستشهاد بها على هذا الاستحضار الشرقي البارز في الرواية، هذا الجزء من صفحة 55 بالنسخة الثانية:
(أما الانتقام بمعنى التعذيب البطيء العميق المُستمر، فمن رأيي أن يتبع المرء فيه القاعدة القديمة (العين بالعين، والسن بالسن)، كما يقول الشرقيون أساتذتنا في كل شيء، أولئِك المحظوظون الذين رسموا لأنفسهم حياة من الأحلام وجنة من الحقائق!)
فكأنه يشيد بالقرآن, باعتبار وجود كلمات (العين بالعين، والسِنِ بالسن) كآية فيه، مؤكدا إجمالا بأن الشرقيين (أساتذتنا في كل شيء) هُم سادة العالم في العلوم الدنيوية والأخروية، بحضارتهم الإسلامية، بناء على ما ورائها من كلمات قرآنية أو قاعدة إسلامية صميمة.
تمتلئ الرواية بالقيم النبيلة: منها الصبر، والقناعة، والرضا، والعِلم، والأُنس، والحب للأب وللمحبوبة، والإيمان بالله وبالقضاء والقدر، والوفاء، وفِعل الجميل، والاعتراف بالجميل، والإنسانية، والرِفق، والحكمة، وحُسن الظن بالبشر، والحرص منهم كذلك.
وأورد عدة فقرات من هذه المعاني:
ـ (ــ لحظة واحدة يا صديقي العزيز, لقد جعلت دأبي حتى الآن, أن أُعلن الحرب ضد الظروف، لا البشر! لم أجد بأسا أو خطيئة ما, في أن أثقب جدارا أو أُحطم درجة سلم، ولكني لا أستطيع إقناع نفسي بسهولة, بأن أثقب قلبا حيا أو أنتزع حياة.) صفحة 29 من النسخة الثانية.
– “إن الإلمامَ بالحقائِقِ أمرٌ سهلٌ، لكن ثَمَّةَ فَرقا كبيرا بَينَ العِلمِ وبينَ أن تعرفَ, رُبَّما لا يَحتاجُ الأمرُ مِنكَ إلا لِسنتينِ اثنتينِ, كيما يَستنَيرُ رَأسُكَ بالعِلمِ, أما أن تَعرِفَ ما تَعلَمُهُ، أو أن تَفهَمَهُ فَهمًا حَقيقيا، أو تَسترشِدَ به في حياتِكَ، فَذلِكَ أمرٌ يَستغرِقُ العُمرَ كُلَّهُ. أنا مَثلا لن أكُفَّ عَن العِلمِ حتى غُروبِ شَمسِ حَياتي”. صفحة 77 من النسخة الأُولى.
– (إن أولئِك الذين يُولدون في الثراء, ويملكون وسائل إشباع جميع رغباتهم, لا يعرفون كيف تكون السعادة الحقيقية في الحياة، أما الذين عاشوا وَسط أمواج الحياة وأعاصيرها, فهؤلاء وَحدهم يُقدرون قيمة الجو الذي يسوده الصفاء والهدوء!) ص 79 من النسخة الثانية.
– (فما جدوى الزمن، بل ما جدوى مكافئات التفوق والأوسمة والنياشين والجرائد العِلمية, إذا هي لم تأخذ بيد المجتمع نحو كمال أوفى؟ على أن الإنسان لن يبلغ درجة الكمال المُطلق؛ حتى يتعلم كيف يخلق ويهلك، وهو يعرف كيف يُهلك, وهذه نصف المعركة !) ص88 من النسخة الثانية.
أما ما راقني من تلك القِيم، وبرز بقوة في الرواية، الأخلاق والذكاء والإنسانية والعدالة, الذين اتصف بهم إدموند أثناء انتقامه، ولعله بذلك وَضع قاعدة لنفسه في ذلك، عندما كان يتحدث مع مدام فيللفور قائلا:
(هناك أشخاص قليلون, يَعمد الواحد منهم إلى إغماد سكينه في قلب مخلوق بشري مثله، أو يدس له مثل تلك الكمية التي تحدثنا عنها من الزرنيخ كي يُزيله من الوجود ويمحوه محوا, ومثل هذا القاتل المتوحش يكون شاذا أو غبيا وخارجا على المألوف، ولكي يبلغ هذه الدرجة من التوحش, يجب أن يغلي دمه في عروقه, ويرتفع نبضه، وتُستثار مشاعره إلى أقصى حد, ولكن لو فرضنا أنه استعاض عن الكلمة الخشنة بمُرادفها الأكثر نعومة، وبدلا من أن يرتكب جريمة القتل الفظيعة, يكتفي بإبعاد خصمه عن طريقه ببساطة، دون عنف أو خشونة، ودون لجوء إلى الآلام التي تجعل من الضحية شهيدًا ومن المُعتدي جزارًا، بل دون دم، أو تأوهات، أو هزات عنيفة, ودون إحساس بوطأة اللحظة المُرَوِعة الحاسمة، لحظة ارتكاب الجريمة الفاصلة بين الحياة والموت, عندئذٍ يُصبح في إمكان الشخص أن ينجو من قبضة القانون البشري الذي يقول: (لا تزعج المجتمع), وتلك هي الطريقة التي يُدبر بها الشرقيون هذه الأمور وينجحون فيها، حيث لا يُقيم الناس اعتبارا للزمن, ولا يستعجلون النتائج!) ص 89 النسخة الثانية.
ونجد صدًى لهذا المعنى، عندما انتقم من دانجلرز، لكنه لم يُبالغ في انتقامه، وكف يده عن المزيد من الانتقام:
xxxx ـ أنا الرجل الذي بعته وانتزعت منه خطيبته وسحقته؛ كي تصل على جثمانه إلى المجد والثراء! أنا الرجل الذي قتلت أباه جُوعا، وعرضته هو للموت جوعا, ومع ذلك فهو يغفر لك، لأنه يطمع في أن يغفر الله له! أنا إدمون دانتيس!
وعندئذٍ أطلق دانجلر صرخة مروعة, وخر على ركبتيه, فصاح به الكونت: “انهض, فحياتك في أمان، الأمر الذي لم يتح لشركائك, فأحدهم جُن، والثاني مات, احتفظ بالخمسين ألف فرنك لك, إني أمنحك إياها, أما الملايين الخمسة التي سرقتها من المستشفيات فقد ردتها إليها يد أمينة”.
ثم التفت إلى فامبا قائلا: “حين يفرغ من طعامه أطلق سراحه”
هذا المشهد بالأخص يهبنا إدراكا مُهما, بأن انتقام المظلوم كان من جنس عمل الظالمين، ولم يتجاوز فيه حده، ولم يتخل عن إنسانيته ونُبله، بل ظل للنهاية مُتوازنا ناعما رفيقا، حتى أنه لم يتدخل إطلاقا بيده في دماء أو افتراء، بل نال ظالموه عقابهم العادل على آثامهم الماضية.
حتى عندما أحس إدموند دانتيس بأنه تجاوز حده، رجع إلى نفسه، وأعطى نفسه فرصة العفو عن الطرف الأخير في مربع ظُلامه, بل وتاب إلى الله، طالبا العفو من الله إن كان قد اتخذ صِفة لا تنبغي له، وذلك عندما أرسل خطابا في النهاية إلى مكسمليان موريل وحبيبته فالنتين فيللفور، قائلا:
(وقل للملاك التي ستُشاركك حياتك أن تُصلي بين حين وآخر, من أجل رجل حسب نفسه ــ كما فَعل إبليس من قبل ــ في مرتبة الله، لكنه يعترف الآن في خشوع ومَذلة, أن الله وحده هو الذي يملك الإرادة العُليا والحكمة اللانهائية, فلعل هذه الصلوات تُخفف من وَخز الضمير الذي يشوب حياته
إيكم والظلم فالظلم ظلمات وسيعود لصاحبه وكل من شاركه ..صمتا ).
– (إن الجريمة مهما يتم تدبير براعتها, فإنها تبقى آخر الأمر جريمة يُعاقب عليها القانون، وحتى إن أفلت مُرتكبها من حُكم القانون, فلن تَغفل عنها عين الله الساهرة.
إن الشرقيين أقوى جنانا منا في مسائل الضمير، ولا جحيم عندهم, هذا هو الفارق!) ص89 من النسخة الثانية.