عرض مشاركة واحدة
قديم 28-11-21, 12:57 AM   #92

م ام زياد

مشرفة منتدى قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية م ام زياد

? العضوٌ??? » 389344
?  التسِجيلٌ » Dec 2016
? مشَارَ?اتْي » 2,607
?  نُقآطِيْ » م ام زياد has a reputation beyond reputeم ام زياد has a reputation beyond reputeم ام زياد has a reputation beyond reputeم ام زياد has a reputation beyond reputeم ام زياد has a reputation beyond reputeم ام زياد has a reputation beyond reputeم ام زياد has a reputation beyond reputeم ام زياد has a reputation beyond reputeم ام زياد has a reputation beyond reputeم ام زياد has a reputation beyond reputeم ام زياد has a reputation beyond repute
افتراضي

العروس اخت القرود

في تمامِ الساعة الحادية عشر إلا سبع دقائق أعلن منبه هاتفي أن موعد الإستيقاظ قد حان أخيرًا،
وقبل أن تتساءل إحداكن عن ماهية الدقائق السبع سأخبركن عن السر وهو أنني أحب هذا الرقم كثيرًا وفي الغالب استخدمه دون بقية الأرقام الأخرى.. نعم هذا هو سر الرقم سبعة ببساطة يا رِفاق.
بعد أن انهيت ترتيب فِراشي وقمت بغسل وجهي توجهت رأسًا إلى المطبخ وكالعادة وجدت هناك القرود الثلاثة في انتظاري،
سحبت أحد كراسي الطاولة المستديرة، وما إن استويت في جلستي رافعة أحد ذراعيّ بشكل رأسي، ومرفقي مثبتًا على سطح الطاولة، بينما خدي يستريح على باطن قبضتي حتى بدأت القرود الثلاثة في الحركة السريعة لأداء العمل اليومي الذي كلفتهم به مُذّ باتوا قادرين على القيام ببعض الأعمال السهلة،
الأول تولى النداء على أمي حتى تُعدّ لنا الفطور والثاني قام بتمشيط شعري ريثما تحضر أمي أما الثالث فوقف قُبالتي على أحد الكراسي يقص عليّ ما حدث في البيت منذ أشرقت الشمس وحتى استيقظت أنا من نومي.
زفرت بملل بمجرد أن سمعته يقول: " وقبل قليل سمعت أبي يخبر العم سالم أنه سينتظره وعائلته على العشاء "
غمغمت بضجر: " أوف، ضيوف في بيتنا أيّ أن هناك طعام سيُعَدّ وحملة نظافة مِن العيار الثقيل ستتم و... "
قاطعني صوت أمي التي دلفت لتوها للمطبخ، تُكمِل كلامي: " وستقومين باستقبالِ الضيوف والجلوس معهم لبعض الوقت كأيّة فتاة تتحلى بالذوق واللباقة و... "
كان دوري لأُقاطعها وأنا أُجادل رغم أني أعلم أن كلماتي لا قيمة لها: " ولِمَ أجلس معهم أنا وأبي مَن دعاهم في الأساس؟ ثم أليس مِن المفترض أن يلزم كل فرد بيته بعد أن انتشر ذاك الفيروس وزادت أعداد المصابين والموتى "
رمقتني أمي شزرًا وهي تتجه إلى الموقد بينما تابعت جدالي عديم الفائدة: " اعترفي يا أمي أن ضيوفكِ هؤلاء مصابين بالفيروس وأنكِ وأبي تُخططان للتخلص مني وقرودكما الثلاثة عن طريق انتقال العدوى منهم إلينا "
لم تُبالي أمي بثرثرتي وهي تُعدّ الفطور المكون مِن شطائر الجبن التي أُحبها بالإضافة إلى كوب الشاي بالنعناع وحينها صاحت قرودها بآلية: " نحن أيضًا نريد فطورنا أمي "
فتتنهد أمي قائلة: " حالًا يا صِغار "
بينما أعبس أنا متمتمة: " المَثل يقول (أكان ينقص المشرحة أحد القتلى) بينما أنا ابتُليت بثلاثة قَتلى دُفعة واحدة "
لم أنلّ إلا إبتسامة شامتة مِن أمي كان جوابها تمتمة غير راضية مني: " لو كنت بومة ما كان حظي ليكون بهذا السوء "
وضعت أمي أمامي طبق الشطائر وإلى جواره كوب الشاي خاصتي وكذلك فعلت مع كل واحد مِن قرودها الثلاثة الآخرين ثم تركت لنا الساحة خالية وخرجت من المطبخ وحينها فقط بدأ الصِراع اليومي المُعتاد.
سألت بهدوء قلّما تحدثت به معهم وأنا أُوزع نظراتي بينهم حيث يجلسون قُبالتي: " أحتاج لحُجة قوية أستطيع من خلالها التهرب مِن حضور هذه الجلسة البائسة.. هل مِن فكرة مُقترحة لدى أحدكم؟ "
رفع الأول إصبعه السبابة قبل أن يقول بهدوء: " يمكنكِ أن تُخبري أمكِ أنكِ مريضة "
أجبته بعبوس: " لن تُصدقني وإن أقسمت لها بأغلظِ الأيمانِ "
فهتف الثاني بحماس: " يمكنكِ تصنع النوم حينها وبالطبع لن تتمكن أمكِ مِن الصياح عليكِ والضيوف بالخارج "
قضمت قطعة من شطيرتي بغلّ بينما أُجيبه ببؤس: " صدقني أمك لا تحتاج للصياحِ عليّ فمع أول صفعة سأهبّ على الفور وأُنفذ كل ما تأمرني به "
حينها فقط تدخل الثالث بهدوء أقرب ما يكون إلى اللا مبالاة، قائلًا: " اقترب موعد امتحاناتكِ على ما أظن ويُمكنكِ اتخاذ استذكار دروسكِ حُجة "
رفعت حاجبي بتفكير قائلة: " وماذا إن قالت (لن ينهار العالم لتأجيل المُذاكرة لساعتين)؟ "
رد عليّ بنفس لا مبالاته: " أخبريها أن جدولكِ مضغوط وليس أمامكِ الكثير من الوقت حتى تُضيعي على نفسكِ ساعتين "
صمتّ لحظة ثم سألته بترقب: " ولكنني بالفعل أملك وقتًا إضافيًا والجدول ليس مضغوطًا وهي تعلم ذلك؟ "
حينها رفع إليّ نظراته الحانقة رغم أن نبرته لم تتغير بينما يُجيبني: " يمكنكِ الانتظار لبعض الوقت ثم أخبريها أن جدولكِ تم رفعه بالأمس والآن فحسب اكتشفتِ أنهم أعادوا تجهيز جدولًا جديدًا ولم يعد بوسعكِ إضاعة الوقت في شيء عدا الدراسة "
أصدَرت همهمة تنمّ عن تفكيري في اقتراحه فعقّب الأول: " على كل حال ابن العم سالم ليس بهذا السوء فهو طاووس وسيم بأسنان بيضاء لامعة "
حدّقت به مُرددة: " طاووس! "
بينما عقّب أحد القرود بحماس لا ينفك يُبارحه: " وأخيرًا سأتمكن من سؤاله عن نوع معجون الأسنان الذي يستخدمه حتى تكون أسنانه نظيفة وبيضاء بهذا الشكل على الدوام "
ليبتسم الأول بسخرية متمتمًا: " ومَن أفسد أسنانك الصغيرة يا حمادة؟ "
فيصيح المعنيّ باعتراض: " هذا على أساس أنك لا تُشاركني في أكل الحلوى التي اشتريها! "
وبدأ الشجار بينهما يتحول من الحديث إلى التقاذف بحبات الفاكهة المسكينة لينتهي بي الحال بصحبة القرد الثالث في إحدى زوايا المطبخ نُكمل تناول فطورنا الذي شاركتنا فيه من حينٍ لآخر إحدى حبات الثمارِ التي تُلقى في مرمانا بدون قصد.
*****

الساعة السادسة والنصف مساءً؛ كنت وأُمي نرفع أطباق الطعام عن المائدة بعد أن انتهى العشاء اللطيف.. جدًا وانتقل الضيوف إلى غرفة الاستقبال بصحبة أبي لأتنفس حينها الصعداء،
إن سألتني إحداكن عما حدث في الخطة وكيف حضرت هذا العشاء الكارثي فسوف أقتلها دون الشعور بلحظة ندم واحدة فالأمر شديد الوضوح،
أُمي اكتشفت حيلتي ببساطة بعد أن ولجت إلى الصفحة الرسمية لِجامعتي على حساب الفيسبوك وتأكدت من صحة جدولي الذي ادعيت أنه خطأ.
انتهينا في بضعة دقائق من تنظيف المائدة بمساعدة القرود الثلاثة وأتت اللحظة الصعبة وهي مُشاركتي للضيوف في جلستهم اللطيفة في نظر الجميع عدايّ بالطبع،
بأدب دخلت بصحبة أُمي وأهديت العم سالم وزوجته بسمة في ظاهرها الترحيب وفي باطنها النقمة على حضورهما الذي سيجعلني حتمًا أقع في شجار مع والديّ بعد رحيلهما وابنهما الذي غلبَني في العبوس،
وحين توجهت حيث جلست أُمي لأُجاورها وجدت العمة نورا تربت على المكان الشاغر بجانبها في دعوة منها حتى أجلس إلى جوارها وعلى الفور استحضرني مشهد الدكتور رأفت الذي قام بأداء دوره الفنان فؤاد المهندس في مسرحية *سُكّ على بناتك* حينما فعل معه المِثل أحدهم في مشهدٍ ما، ورغم رغبتي في الرفض إلا أني أنصعت لطلبها بعدما رمقتني أُمي بنظرة تهديد صريحة ثلاثية الأبعاد.
بدأت عبارات الترحيب الحارّة تتقاذف من والديّ ناحية العم سالم وأسرته تارة والعكس تارة أُخرى حتى تغير مجرى الحديث فجأة من الترحيب إلى طلب الزواج،
وكان ردّ فعلي المُعتاد هو رسم البلادة على وجهي كإجابة فورية وواضحة تنمّ عن رفضي الحاسم، الذي لن يتغير على هذا الطلب ولو بعد ملايين العقود، إلا أني للمرة الأولى أجد أبي يتجاهل إجابتي الصامتة حين وجه لي القول: " هلا أخذتِ خالد إلى الشُرفة لتكونا على راحتكما في الحديثِ يا سارة؟ "
وددت قول لا، لكنني لم أستطع سوى طاعة أبي حينما رماني بنفس نظرة التهديد الصريحة.. ما به العالَم تحالف ضدي فجأة؟
فتحت باب الشرفة وأشرت له ليدخل لكنه قال ببساطة: " مِن بعدكِ يا آنسة سارة "
فرفعت حاجبي مُحدِثة نفسي: " اممم أول ملاحظة.. إنه مُهذب "
وقفت أُطالع السماء بصمت بينما شعرت به ينظر نحوي فالتفت له برأسي مغمغمة من بين أسناني: " لماذا تُحدق بي هكذا؟ "
فرفع حاجبيه بعدم فهم يقول: " ماذا؟ "
فما كان مني إلا أن عبست متمتمة: " قِف مِثلي، ظهركَ لهم ووجهكَ للسماء، فأنا لا أرى حاجة مِن وقوفكَ هكذا تنظر إليّ "
لم يتحرك من مكانه، وظلّ على نفس وقفته فابتسمت بسماجة قائلة: " هل أنت أصمّ؟ "
فعبس مُجيبًا: " بالطبع لا "
فقُلت: " جيد، وأنا لست بكماء، إذن أنا يمكنني النطق وأنت يمكنك سماعي وهكذا لا أرى أيّة مشكلة.. صحيح؟ "
أومأ بعدم فهم فتابعت قولي: " إذن افعل كما قلت، وكُفّ عن النظر إليّ "
فعل ما طلبته منه بعدما حدجني بنظرة حانقة منحته مُقابلها ابتسامة سمجة، وطال الصمت بيننا لبضعة دقائق حتى سألني: " ما هو طموحكِ في الحياة؟ "
واستحضرني من جديد أحد مشاهد مسرحية *سُكّ على بناتك* والذي أدّته إحداهن تحت اسم فوزية رأفت (أنا امرأة بلا قيد، أريد خبزًا وحنانًا)
إلا أن اجابتي كانت مختلفة قليلًا حين أخبرته: " أنا امرأة بلا طموح، أريد خبزًا وجبنًا "
غمغم ببلاهة: " ماذا؟ "
فحركت كتفيّ بدون رد ليعود هو للحديثِ من جديد، قائلًا: " أنا أُحب النظام كثيرًا وأعشق الهدوء و... "
قاطعته قائلة ببسمة واسعة: " وأنا مُنذ اللحظة بتّ أعشق الفوضى والأصوات المُزعجة، اممم هل تعلم لقد اكتشفت أن الضوضاء شيء جميل "
صمت لحظة ثم قال بصوت شعرت بأنه يحمل الكثير من الحماس دون أن يبالي بمُقاطعتي السابقة له: " وأُحب القراءة وقضاء الوقت في البيت، اممم نادرًا ما أُشارك أصدقائي الجلوس في أحد المقاهي "
رددت ببساطة: " وأنا أيضًا أُحب القراءة والبقاء في البيت ولا أملّ من تأمل سقف غرفتي أبدًا "
التفتَ حينها نحوي قائلًا ببشاشة: " هذا جيد، هل ترين؟ هناك بعض التوافق بيننا "
ففعلت المِثل والتفت نحوه مُجيبة ببرود: " تقصد كان بيننا، لأنني مُنذ اللحظة قررت تغيير ولائي من القراءة إلى الجهل التام واكتشفت أنني لم أختر لون طلاء البيت الذي أعيش فيه، هل تُصدق ذلك؟ لذا فقد عقدت النية على الشعور بالملل من البقاء في البيت عدا ساعات النوم "
طالعني بدهشة للحظات ثم قال: " لماذا أشعر بأنكِ عدائية نحوي؟ "
فأجبته ببساطة: " لأنك حاليًا عدوّي بالفعل "
ردد بذهول: " عدوكِ! "
فأومأت برأسي قائلة: " بلى، أنا لا أريد أن أتزوج، وأنت تريد أن تتزوج، لذا فقد وقع اختيارك على الفتاة الخطأ وحتى اللحظة التي ستغادر فيها بيتنا مع والديكَ فأنت.. عدوّي "
سألني بحذر وكأنه يتحدث إلى مجنون: " ولماذا ترفضين الزواج؟ "
فعبست أجيبه كمَن يتحدث إلى أبله: " لأني لا أريد أن أتزوج "
مال برأسه يسألني بترقب: " وما المطلوب مني الآن؟ "
ابتسمت ببراءة زائفة وقلت: " أن تُعلن رفضكَ لي وتغادر بيتنا إلى غير رجعة "
ران بيننا الصمت للحظات ثم ابتسم ببرود وقال: " حسنًا "
وقبل أن يُتيح لي فرصة الرد وجدته قد تركني وحدي في الشرفة وخرج ليقول على الفور: " تأخر الوقت ويجب أن نُغادر يا أبي "
ثم.. غادروا وما لبثت سيارتهم أن تتحرك من أسفل بِنايتنا حتى سألتني أمي بطريقة هجومية: " ماذا فعلتِ بالرجل حتى خرج بوجه مُكفهر ورحل بهذه السرعة؟ "
رمشت ببراءة وأجبتها: " لم أفعل شيء، وإن لم تصدقيني يمكنكِ أن تسألينه يا أُمي "
حينها تدخل أبي بتهكم يقول: " هذا إن عاد مرة ثانية "
فابتسمت بسعادة متمتمة: " إن شاء الله لن يعود "
*****

في تمام الساعة السابعة صباحًا كنت أُغادر غرفتي متوجهة إلى المطبخ وفور أن رأتني أُمي طالعتني بتعجب، سائلة: " لماذا استيقظتِ باكرًا على غير العادة؟ "
فأجبتها بتلقائية: " لدي مُذاكرة يا أمي "
فأومأت بتفهم متمتمة: " حسنًا سأُعِدّ لكِ الفطور... "
ولم تكدّ جملتها أن تكتمل حتى صاحت القرود الثلاثة: " ونحن يا أمي أيضًا نريد الفطور "
ناظرتهم بغيظ قبل أن أُتمتم بنزق: " لن آكل، سأُذاكِر "
*****

بعد ساعتين فحسب كنت أُلقي الكتاب من يدي هاتفة بنبرة باكية: " يا إلهي! لماذا تتسرب المعلومات مني وأنساها بهذه السرعة؟ "
طالعت بقية الكتب ثم هتفت ببؤس: " أحتاج لشحن طاقتي أو للهروب منكم بمعنى أدقّ "
غادرت غرفتي واتجهت إلى المطبخ وبآلية فتحت الثلاجة وتفحصت محتوياتها بمللٍ حتى سمعت فجأة صوت أمي من خلفي تسألني: " ماذا تفعلين هنا؟ "
أجبت بعبوس: " كما ترين يا أُمي آخذ جولة استكشافية في ثلاجتكِ الأثيرة "
همهمت أمي بخفوت فلم أتبين ما قالته من كلمات وما إن كدت أُغلق باب الثلاجة حتى سمعتها تقول بغير رضا: " يجب أن تُنهي جولتكِ سريعًا فالكُتب تناديكِ يا آنسة والوقت كالسيف "
حينها التفتّ لها برأسي متمتمة ببراءة: " حاضر أمي، سأشرب وأعود لمُذاكرتي "
اومأت بصمت وخرجت من المطبخ في نفس اللحظة التي دلفت قرودها الثلاثة لأبتسم حينها بمكر قائلة: " أحتاجكم يا شباب "
تبادلوا النظرات فيما بينهم قبل أن يُطالعوني بصمت والحماس يتراقص في مُقلهم ليتناهي فجأة صوت والدنا وقد عاد للبيت مُحملًا بالعديد من المشتريات التي طلبتها أمي وحينها أصدرت لهم أوامري: " أحضِروا كل ما هو صالح للأكل حالًا مِن فاكهة وحلوى "
انطلقوا خارج المطبخ وبدؤوا في تنفيذ ما أمرّتهم به بينما عُدّت أنا إلى تفقد محتويات الثلاجة من جديد، وبعد لحظة تناولت ثمرة تفاح طالعتها بغير شهية ثم قضمت منها بآلية وفجأة تحولت القضمة إلى قضمات وقضيت على التفاحة المسكينة ثم التقطت أُخرى،
بدأت آكل التفاحة الثانية بتلذذ متمتمة: " اممم طعمكِ لذيذ، أحببتكِ يا تفاحة "
وبينما آكل من التفاحة التي في قبضتي عُدت لجولتي الاستكشافية فتوسعت عينيّ بإعجاب وأنا أنظر إلى عناقيد العنب المصفوفة بشكل أنيق أفضل من أحلامي والنجوم تلتمع في مُقلتيّ وكأنني لم أرَ قط أيّ نوع من أنواع الفاكهة.
سحبت حبّة عنب وتذوقتها تلتها ثانية وفي الثالثة وجدت نفسي أهتف، وأنا أغمز بطرف عيني: " عنب! يا لجمالكَ يا عنب! أحببتكَ يا فتى "
بخفة أحضرت طبقًا كبيرًا ثم شرعت في وضع الكثير من ثمار الفاكهة فيه من تفاح وعنب و... إلخ، وأنا أهتف بذهول: " ما هذا الجحود يا بشر! كل هذه فاكهة في ثلاجتنا ولم يخبرني أحد من قبل "
وضعت المزيد في الطبق وأنا أُتمتم: " ما هذا ولدينا خيار أيضًا، يا لهنايّ! أنا أُحب الخيار "
*****

بعد القليل من الوقت كنت أفترش الأرض ومن حولى القرود الثلاثة وقد بدأنا للتو عقد سباق بيننا بعد أن جمعنا ما استطعنا جمعه من ثمار الفاكهة والحلوى،
بدأنا الأكل بسرعة، مَن يرانا يحسب أننا نُعاني من تبعاتِ مَجاعة طويلة سابقة ولم نرَ الطعام في حياتنا قط بينما في حقيقة الأمر كان الرهان بيننا على مَن يمكنه أكل العدد الأكبر من حباتِ الثمار التي جمعناها خلسة دون علم أمي، وفي النهاية على الفائز تحديد العقاب المناسب من وجهة نظره على الباقيين.
وها قد أنهت أمي حملة الترتيب والتنظيف اليومية على ما يبدو فقد وصلنا صوتها وهي تُنادي قرودها دون أن يُلبي أحدهم نداءها بينما الكل مُنشغل بمعركته الخاصة مع الثمار اللذيذة.
بعد لحظات تفاجأت بها تقتحم غرفتي وما إن فتحت فمها لتوبخني على عدم الرد عليها حتى رانت عليها معالم الدهشة والذهول وهي ترى الفوضى العارمة التي أحدثناها في الغرفة ليتلاشى الذهول في لحظة وتحلّ محلّه شرارات الغضب وهي تقول: " هل هذه هي المُذاكرة التي تدّعين انشغالك بها منذ استيقظتِ من نومكِ؟ ثم ما هذه الفوضى؟ هل أُنظف أنا طوال النهار لتعيثي أنتِ الفساد في لحظة؟ "
رمشت ببراءة عساني استجلب عطفها لكنها كانت قد بلغت الحدّ الأقصى من غضبها وعلمت أنني هالكة لا محالة وعلى الدنيا السلام.
لم يُكلف أحد القرود الثلاثة عناء الدفاع عني بينما أمي تصبّ عليّ جام غضبها وكأنني وحدي المُذنبة.. ما هذا الظُلم البيّن يا سادة؟!!
عادت أُمي لصياحها: " لقد مللت من تنبيهكِ وتحذيركِ ولا أعلم حقًا أأتحدث إلى فتاة بالغة أم إلى طفلة لا تعي عواقب ما تفعله؟ "
عبست بطفولية وأنا أُلوح بكفي القابضة على حبّة الخيار المسكينة قائلة: " وماذا فعلت الآن يا أمي؟ أكُلّ هذا التوبيخ والصياح لأنني شعرت بشهيتي مفتوحة ورغبت في تناول القليل من الطعام؟ أنا حتى لم أُنهِ حبّة الخيار خاصتي بعد! "
مسحت أمي على وجهها بقلة حيلة وفقدان صبرها واضح في نبرتها الحانقة: " إذن أنتِ تريدين أن تأكلي لأنكِ جائعة حقًا وليست هذه حجة لكي تتهربين من الدراسة؟ "
طالعتها ببلادة للحظات وفي سري أقول: " ما هذا؟ كيف علمت أن هذه مجرد حجة؟ تُرى هل وشى عقلي لها عليّ؟ "
لم أستطع تبرير موقفي في الحقيقة وقبل أن تبدأ أمي في شنّ هجومها عليّ من جديد، دلف أبي إلى غرفتي قائلًا ببسمة واسعة رغم الدهشة الساطعة من مُقلتيه: " لقد وافق يا سارة "
قطبت أمي وهي تسأله: " ماذا تقصد يا أحمد؟ "
فأجابها أبي وبسمته تتسع أكثر: " لقد أنهى سالم الاتصال معي للتو وأخبرني عن إعجاب ابنه خالد بسارة وأنه يريد إتمام الخطبة في أقرب فرصة يا فريدة "
ابتسمت أمي بتعجب قائلة: " صدقًا لم أتوقع استمراره في طلب الزواج الذي عرضه بالأمس بعد أن انفرد مع تلك الحمقاء وحدهما، ظننته ذهب ولن يعود "
تمتمت أنا بصدمة: " وهذا ما ظننته أنا أيضًا وعقدت عليه الآمال "
لم يبدو أن أحدهما أستمع فقد وجدت أبي يطالعني باسمًا بحنو وهو يقول: " خالد شاب محترم ومِثال مُشرّف للزوجِ الصالح الذي يتمناه أي أب لابنته، أنتِ حقًا محظوظة به يا سارة، مُبارك يا ابنتي "
طالعته ببلاهة متمتمة: " خالد مَن؟ "
فأجابني: " ابن عمكِ سالم الذي زارنا بالأمس يا سارة "
ومن صدمتي وجدت نفسي أقول: " سارة! سارة مَن؟! "
تناظر والديّ فيما بينهما بتعجب وحيرة بينما نهضت القرود الثلاثة وتركوا الفاكهة جانبًا وأحدهم يُجيبني: " أنتِ هي سارة، هل نسيتِ اسمكِ؟ "
قطبت ما بين حاجبيّ وسألته في المقابل بغباء: " ومَن تكون؟ "
فأبتسم بحماس، قائلًا: " أنا اللهو الخفيّ "
فتقدم الثاني وعرّف عن نفسه بهدوء: " وأنا طاقية الإخفاء "
ثم لوح الثالث بكفه وتمتم بلا مبالاة: " وأنا غير موجود "
حدقا والديّ في وجوهنا وكأنهما يشاهدان مجموعة من الحمقى حتى كانت كلمة الختام التي أُسدِلَ عليها السِتار من نصيبي حين قُلت: " كااات، المشهد هايل يا جماعة، مين العروسة بقى؟ "😁


كالدُّمى المُتحركة ذهبت مَعهم لاختيار مَحابس الخُطبة التاريخية كما وصفتها القرود الثلاثة لإغاظتي، كنت أسير جنبًا إلى جنبِ العريس المأسوف عليه، وكلانا يرتدي الكمامة الوقائية فحجَبت ثلاثة أرباع ملامح وجهي، ولا أُخفيكم سرًا لقد كنت في غاية السرور لهذا بعد أن رفضت وضع أيًا مِن مستحضرات التجميل، وأصريت على موقفي هذا مما جعل أُمّي تصفني ب *البومة* ولكن لا يهم ذلك، أنا راضية عن نفسي هكذا.

طوال الطريق لم أُبادله كلمة واحدة، بل تركته كالببغاءِ يتكلم ويردّ على نفسِه حتى ملّ فصمَت، بينما كان ما يشغل حيز تفكيري كلّه هو كُرهي للذهبِ وها أنا رُغم ذلك سأضطر مُجبرة لتزين بنصري به، ولكن المشكلة ليست هنا يا سادة؛ المعضلة في كَوني لا أحب إطلاقًا لبس الخواتم في يدي اليُمنى.

وقفت أمام العُلب المخملية للمحابِس الذهبية بعينين تلمعان إعجابًا، وحانت لحظة الاختيار فأشرت على أحدهم فابتسم خالد بتعجبٍ وسألني: " هل أنتِ واثقة أن هذا ما تريدين؟ "
حينها رفعت حاجبي بتهديدٍ وأجبته: " بلى، هذا ما أريده، هل لدى سيادتك أي اعتراض؟ "

يبدو أنه بالفعل كان لديه اعتراض على اختياري ولكنه ابتلعه مع ريقه ولزم الصمت بينما صاحب محل المجوهرات يُناولني ما اخترت، فلبسته بتأني لا أعلم له مِن سبب مما جعل خالد يعقّب بتعجبٍ أكبر: " إنه مِن الذهب وليس مِن الزجاج يا سارة، لن ينكسر حتى إن وقعَ منكِ أرضًا


م ام زياد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس