عرض مشاركة واحدة
قديم 05-12-21, 12:49 AM   #229

روز علي
 
الصورة الرمزية روز علي

? العضوٌ??? » 478593
?  التسِجيلٌ » Sep 2020
? مشَارَ?اتْي » 711
?  نُقآطِيْ » روز علي is on a distinguished road
افتراضي

كانت تقف من خلفه تماما وهي تكتف ذراعيها فوق صدرها بإمارات الغضب مع لمحة عتاب رقيق ، وهي تتابع الواقف امامها بحدقتيها الخضراوين المتسعتين بشحوب مثل غابة نخيل ذابلة جفت ارضها وسيقانها بحالة جفاف نادرة ، لتزفر بعدها بنفس الوجوم العابس وهي تهمس بنبرتها والتي لم تخفى العتاب بها
"يا لك من ظالم يا احمد ! كيف تريد تركي هكذا بهذا اليوم ؟ بعد ان اتفقنا سويا على قضاء ايام عطلتنا من العمل بالخروج للترفيه عن انفسنا والاستمتاع بعيدا عن العمل ! وها انت قد اخلفت بوعدك كالعادة بدون ان تفكر بشعوري وبأهمية هذه الأيام بالنسبة لي ولطفلنا !"

التفت الواقف امام المرآة بنصف وجهه وهو يبتسم لها باتزان شغوف بدون ان يتأثر بحزنها الرقيق والذي كان المتسبب به منذ وصول رسالة تخص العمل على هاتفه يطلبون بها حضوره بأمر طارئ اليوم من بين كل الأيام ، وها هي تتذمر وتشكو فوق رأسه منذ ما يقارب الساعة والتي قضاها بين استحمام وتهذيب وتنميق مظهره بدون ان يعطيها ما تريده وتسعى للحصول عليه برجائها وتذمرها الذي فاق عن حده ، ولو كان شخص آخر غيرها لما تحمل دقيقة اخرى مع تذمرها والذي ينخر الرأس بإصرار وعناد سميك !
ولكن بما انه من ظلمها بوعدها بالخروج اليوم ليخرق بعدها الاتفاق بينهما بسبب رسالة من العمل ، فهو يستحق إذاً كل شيء قد تفعله به ويخرج منها والذي يكون لا شيء امام ما فعله بها من ذنب لا يغتفر !

اعاد نظره للأمام وهو ينزل اكمام قميصه قائلا بجدية هادئة وهو يعود لشخصيته العملية
"كم مرة علينا ان نعيد الكلام يا روميساء ! تعلمين بأن الأمر ليس بيدي ولا املك الخيار به فقد طلبوني بالعمل من اجل امر طارئ بخصوص المشروع الذي اعمل عليه ولا استطيع تركهم بهذا الظرف العصيب ! وبما انني المسؤول والمشرف على هذا المشروع فمن واجبي اتمام مهامي وواجباتي على اكمل وجه بدون اي نقصان ، ألم يكن هذا كلامكِ سابقا ؟"

عبست ملامحها ببؤس وهي تهمس باستياء حانق
"ألا يستطيعون الاعتماد على انفسهم ! لما عليهم استدعائك بهذا الوقت واليوم تحديدا ؟ ألا يعلمون بأن اليوم عطلة وراحة للعمل ! هل عليهم افساد كل شيء بهذا اليوم ؟ يا للإزعاج !"

كان يعقد هذه المرة ربطة عنقه وهو يتمتم بجدية متزنة بدون ان يهتز لعتابها
"لا نستطيع فعل شيء حيال هذا يا عزيزتي ، فقد حدث وان يتم استدعائي بهذا اليوم تحديدا ، وعند العمل لا نستطيع التهاون به او الانسحاب عن اداء وظائفنا ، فأهم شيء عندنا بالشركة هو ان نرضي العميل ونريه عن مدى مثابرتنا بإنجاز المشروع الموكل لنا"

ردت عليه من فورها بتشنج لا إرادي
"اجل وستفعل هذا على حساب رضى زوجتك !"

عقد حاجبيه بجمود وهو ينظر لها بالمرآة قائلا ببعض القسوة
"روميساء ألن ننتهي من هذا ؟ لم اعهدك بكل هذا العناد الطفولي !"

انحنت حدقتيها بحزن عميق وهي تخفض ذراعيها هامسة بخفوت باهت بعد ان يأست من الرجاء
"كل هذا بسببك انت ! لو كنت اعلم بأنك ستخذلني هكذا لما املت نفسي واستعددت لهذا اليوم حتى انتظرت قدومه بلهفة وحماس لم اشعر بهما منذ فترة طويلة ! فأنا دائما انتظر قدوم ايام عطلتنا والوقت الوحيد بحياتنا والذي نقضيه سويا بعيدا عن كل صراعات العمل وكل ما قد يفصلنا عن بعضنا ، ولكن يبدو بأنك لا تهتم حقا بكل هذا !"

تغضن جبينه بوجوم وهو ينظر لها بالمرآة بعد ان تغيرت تعابير ملامحها العاتبة لشيء آخر اكثر حزنا لمس شيء بكيانه بمرارة اصابته بالصميم ، ليتنهد بعدها بيأس وهو يستدير امامها بلحظة ليمسك عندها بكتفيها بقوة وهو يقرب وجهه من رأسها هامسا بابتسامة حنونة يخصها لها وحدها
"حبيبتي لا تغضبي مني هكذا ، فأنا لا يهون عليّ حزنك ولن اتحمل ترككِ وانتِ بهذه الحالة ، وصدقيني لو كان الأمر بيدي لما تركتكِ لحظة واحدة قبل ان احقق لكِ كل امنياتك !"

رفعت رأسها بسرعة وهي تهمس بابتسامة متسعة بأمل
"إذاً حقق لي امنيتي ولا تذهب للعمل ، ارجوك فقط هذه المرة"

ارتفع حاجبيه بتجهم وهو يخفض يديه قائلا بجفاء
"لا تحلمي بها !"

زمت شفتيها بتبرم وهي تخفض وجهها من جديد هامسة ببرود بائس
"كنت اعلم ، فهذا هو حال امنياتي بالحياة ، تنتهي قبل ان تتحقق"

تنفس بجمود لوهلة وهو يحاوط جسدها بذراعيه بقوة ساحقة ليدس وجهها بداخل صدره وهو يقبل شعرها الناعم ليهمس فوقه بصوت اجش محب
"لا اريد سماع هذا الكلام مجددا تنطقين به امامي ، فأنتِ اكثر من تعلمين بما امر به الآن وجميع اعمال الشركة ملقاة على كاهلي بدون اي سبيل لي بالراحة ، لذا كل ما اتمناه منكِ الآن ان تبتهجي وتودعي زوجك بابتسامة جميلة فاتنة لكي تواسي بها قليلا هذا الرجل المسكين وتخفف من خسارته الكبيرة بقضاء الوقت مع حبيبته والبقاء بجانبها طيلة اليوم"

عضت على طرف ابتسامتها بحياء وهي تتمسك بقماش قميصه هامسة بداخل طيات صدره بفرحة وليدة
"حسنا يا احمد ، ولكن بشرط ان تعدني بقضاء الوقت معي بيوم آخر لنعوض عن ذهاب اليوم ، وغير هذا لن اوافق"

ضحك بخفوت اجش هز خفقات صدره التي ضربت فوق وجهها الذي غاص بداخله ، لتشعر بقوة اكبر تحاوط جسدها تكاد تحطم عظامها وهو يهمس عند اذنها بخفوت يحمل الشغف والراحة معا
"هكذا اريدكِ دائما يا روميساء متفهمة لظروف زوجك ومحبة لكل ما يقدمه لكِ من عطايا ، فهذا اكثر ما يعجبني بكِ ويفرحني بشخصيتك المتفردة ، وايضا لا نريد ان يأخذ طفلنا وجهكِ العبوس ومزاجكِ العكر ، فلا ينقصنا ان نكون بواحد ونصبح باثنين......"

انفجر بالضحك بمرح وهو يتراجع بعيدا عنها ما ان ضربته على صدره بقبضتيها هامسة بعبوس محرج
"ليس هناك شيء يضحك !"

كتم ضحكته بأسنانه ليهمس بعدها بلحظات بإمارات صارمة عادت لتلبسه بقوة
"حسنا يا متذمرة ، احضري لي سترتي الآن فقد تأخرت كثيرا بسببك وبسبب عنادك"

تنفست بوجوم وهي تتجه مباشرة نحو السرير لتلتقط السترة من فوقها قبل ان تعود إليه بلحظات ، وما ان عادت للوقوف من خلفه مجددا حتى البسته السترة فوق كتفيه وهي تساعده على ادخال ذراعيه بها برفق بدون اي تعبير يسكن ملامحها الشاحبة ، ليرتدي بعدها الساعة حول معصمه وهو يدقق النظر بها بالمرآة ليقول عندها بتصلب
"اين هي الابتسامة ؟ انا لا راها !"

حررت ابتسامة مرتجفة بشحوب بدون اي مشاعر وهي تحاول العودة لربط زمام امورها بشخصيتها المعتادة ، ليستدير بعدها قليلا بدون ان ينظر لها وهو يسير مباشرة لخارج الغرفة قائلا بعجلة
"انا راحل ، انتبهي على نفسك"

عبست ملامحها اكثر بحزن عبث بجمال روحها ببرودة تخللت لتفاصيل حياتها لوهلة ، لتسمع بعدها نفس الخطوات الهادئة والتي كانت تسير نحوها مباشرة قبل ان تتبعها اليد الدافئة والتي امسكت بذقنها بلحظة ، لترفع وجهها برفق قبل ان تشعر بالقبلة الرقيقة والتي طبعت على شفتيها بهدوء شديد اعاد الحياة لروحها الباردة مثل تدفق الدماء بأوردتها بحرارة قبلته .

رمشت بعينيها بارتعاش وهي تحدق بوجهه القريب منها ما ان قال بصلابة قوية
"هل ظننتِ بأني سأرحل بدون ان اودعكِ ؟ سأشتاق لكِ كثيرا يا فاكهتي الحلوة"

اتسعت مقلتيها الخضراوين بألوان ازهرت واكتسحت تربتها الجافة بعد ان امتلأت بالعاطفة الجياشة ، وهي تهمس بابتسامة ناعمة افلتت على طرف شفتيها
"وانا ايضا سأشتاق لك"

تنهد بفورة ثائرة ضربت ملامحها بسخونة انفاسه وهو يقبل هذه المرة خدها لينتقل لا إراديا لجبينها وانفها وذقنها بنعومة رقيقة ساحرة اسرتهما معا ، وبلحظات كانت تدفعه بصدره بعيدا عنها هامسة بمرح حازم
"هذا يكفي ، ستتأخر هكذا عن العمل"

اطبق على اسنانه بقسوة وهو يتنفس بيأس ، ليستدير بلحظة بعيدا عنها وهو يتمتم بصوت مغتاظ بقوة
"لا تنسي استغلي هذا الوقت بالنوم باكرا ، فلن اسمح لكِ بالنوم بهذه الليلة ، سمعتي !"

انفرجت شفتيها بأنفاس ذاهلة بحياء لون وجهها باحمرار طفيف وهي تشاهد الذي رحل لخارج الغرفة ، لتعض بعدها على طرف شفتيها بوجوم لبرهة وهي تعزم امرها بلحظة ، لتلحق به من فورها وهي تخرج من الغرفة لتتجه بسرعة لحاجز السلم ، وما ان وصلت عند بداية السلم حتى صرخت بحماس وهي تلوح بيدها باتجاه الذي وصل لمنتصف السلم
"لا تتأخر بالعودة يا احمد ، فأنا سأكون بانتظارك بفارغ الصبر"

التفت بوجهه للخلف بدهشة قبل ان تعتلي ملامحه نفس الابتسامة الحانية بجاذبية ، ليرفع بعدها ذراعه عاليا وهو يلوح لها بنفس القوة قبل ان يكمل نزول السلالم بعيدا .

بينما التي كانت تراقب المشهد الحي امامها بالقرب من الممر بدون اي مشاعر او تعابير ، فقط ابتسامة شامتة بحقد هي ما اعتلت ملامحها لتهمس بعدها بكل ما تحمله من كره لهذا الكائن القابع بحياتها
"سنرى إلى اين ستصل هذه العلاقة المثالية الخالية من اي عراقيل قد تفسد عليها سير علاقتهما ؟"

_______________________________
وقفت عند باب المطبخ وهي تراقب الحركة المستمرة من الخدم المتواجدين بالمكان وهم يعملون على قدم وساق بدون اي توقف او ملل ، وبإشارة واحدة كانت خادمة محددة من ضمن الطاقم تهرول ناحيتها بلحظات ، لتقف بعدها امامها بطاعة وهي تهمس بتهذيب خافت
"نعم يا سيدتي ، هل تحتاجين للمساعدة ؟"

نظرت من حولها بريبة قبل ان تعود بنظرها لها هامسة بتصلب خافت
"ما هي قائمة المشروبات التي تحضر لروميساء بهذا الوقت عادةً ؟"

عقدت حاجبيها بتفكير لوهلة قبل ان تجيب من فورها بعملية
"كانت بالسابق تحب ان تشرب القهوة دائما بكل صباح ، ولكنها بعد الحمل اصبحت تكتفي بكأس من الحليب الدافئ عوضا عن المشروبات التي قد تؤثر بصحة الجنين او الحامل"

غامت ملامحها بعيدا عنها بدون ان تنتبه لسحابة الغيوم الداكنة والتي اسرت عقلها للحظة خاطفة ، لتفيق بعدها من دوامة افكارها على صوت الواقفة امامها وهي تقول بتفكير خافت
"هل تريديني بمهمة ما يا سيدتي ؟"

اومأت برأسها بهدوء وهي تكتف ذراعيها بقوة هامسة بابتسامة انحنت بجمود
"اجل احتاجكِ بهذه المهمة يا زهراء ، فأنتِ الوحيدة التي تستطيع مساعدتي هنا ، فهل انتِ مستعدة لتكوني عون لي بهذه المهمة ؟"

اتسعت عينيها بحماس وهي تبتسم بميلان خبيث تفهمه كليهما جيدا ، لتحرك يدها بجانب رأسها بإشارة الطاعة وهي تهمس بخفوت مستعد
"انا طوع امركِ يا سيدتي"

زحفت الابتسامة بانتصار على طرف شفتيها وهي تتلفت من حولها بعيون حادة بتأهب ، لتنظر بعدها للخادمة بقوة وهي تميل بوجهها امامها هامسة ببطء شديد بفحيح خطير
"اسمعي جيدا ما عليكِ فعله وطبقيه بالحرف ، اريد منكِ ان تحضري كأس الحليب الخاص بروميساء بدقائق قبل ان يصل لها ، ويمكنكِ اختلاق اي عذر بذكائكِ لتلهي به الخادمة التي ستهتم بتسليمها كأس الحليب ، وإياكِ وان يشعر اي احد بحركاتك او بما تفعلينه ! فإذا حدث شيء خارج هذه الخطة فأعدكِ بأن تكون العواقب وخيمة ، فهمتِ ؟"

اومأت برأسها بطاعة وهي تهمس بابتسامة ماكرة بنفس سموم سيدتها
"امركِ يا سيدتي ، اعتمدي عليّ وكوني على ثقة بنجاح خطتك"

رفعت رأسها بتعالي وهي تحرك عينيها بإشارة لتباشر بتنفيذ الخطة الآن ، لتنسحب الخادمة بسرعة من امامها وهي تعود لداخل المطبخ بلحظة وامام عينيها المحدقتين بها بتتبع حاد .

بعدها بدقائق كانت تحدق بكأس الحليب الممتلئ بتفحص وعناية وهو موضوع على الصينية امامها ، لتخرج بعدها الظرف الصغير من جيب بنطالها وهي تفتحه بحذر ورفق وكأنها تخشى من ان يفلت بعض من رذاذه من الثقوب الصغيرة به .

بدأت بتنزيل رذاذ المسحوق فوق سطح الحليب ببطء حتى لم تنتبه للكمية الكبيرة والتي سقطت منه ، لتعيد بسرعة الظرف لداخل نفس الجيب بحذر ، قبل ان تمسك بالملعقة الكبيرة بجانب الكأس وهي ترفعها ببطء لتحرك بها الخليط الخاص بالحليب بثواني ليتجانس معه ، وبعد ان فرغت منه استقامت بمكانها وهي تمسك بكأس الحليب بيديها الاثنتين بحرص ، لتناوله بعدها للواقفة بجوارها تنتظر طلبها التالي وهي تتلقفه من بين يديها بسرعة .

قالت (سلوى) وهي تتراجع بعيدا عنها بإمارات صارمة بحزم
"هيا ارجعي الكأس بسرعة كما احضرته ، فهمتي !"

اجابت من فورها وهي تومأ برأسها بالإيجاب
"حاضر"

غادرت مجددا باتجاه المطبخ لتعيد الكأس من المكان الذي احضرته منه ، وبلحظات كانت تشاهد بعيون حادة الخادمة المسؤولة عن إيصال كأس الحليب وهي تغادر باتجاه السلالم بثبات .

وصلت الخادمة عند باب الغرفة لتطرق على الباب بأدب وهي تنتظر الرد ، ليفتح بعدها الباب امامها بلحظات وهو يطل عليها الوجه الباسم بهدوء ، لتقول الخادمة بسرعة بتهذيب وهي تمد الكأس لها
"لقد احضرت لكِ كأس الحليب الصباحي يا سيدة روميساء كما تحبين"

اتسعت ابتسامتها بسعادة هادئة وهي تمسك الكأس منها هامسة بلطف ممتن
"شكرا لكِ يا عزيزتي ، هذا لطف منكِ"

احمرت ملامح الخادمة بحياء وهي تهمس بتهذيب خافت
"هل تريدين شيء آخر يا سيدة روميساء ؟"

هزت رأسها بالنفي وهي تهمس بمودة
"لا شكرا ، لا اريد ان اعطلك اكثر عن عملك ، يمكنكِ الذهاب الآن"

اومأت الخادمة برأسها بأدب وهي تغادر بعيدا عن غرفتها ، لتغلق بعدها الباب من خلفها بهدوء وهي تدلف للداخل بخطوات متأنية قبل ان تلتقط الورقة التي تخص وظائفها المدرسية من على المنضدة الجانبية ، وبلحظة كانت تجلس فوق طرف السرير باسترخاء وهي ترفع الورقة امام وجهها وبذات اللحظة كانت تضع حافة كأس الحليب عند شفتيها لترتشف منه على مهل شديد وباحتساء شحنها بكمية طاقة مملوءة بالحياة بمزيج من المشاعر الربيعية باختلاط نكهة الشتاء بها .

مرت الدقائق بسرعة خاطفة حتى لم تشعر بأنها قد شربت آخر رشفة من الكأس الفارغ ، لتضع بعدها الكأس جانبا فوق المنضدة بصمت بدون ان تبالي بالنظر لقاعدة الكأس والتي تظهر آثار مسحوق بقي مترسب بقاع الحليب المتكتل بوضوح !

شددت على طرف الورقة بتشنج ما ان شعرت بتموج الكلمات امامها بدوار طفيف جعل الرؤية تهتز امامها بلحظة ، لتضيق بعدها حدقتيها الخضراوين بشحوب غزى محياها وهي تزيد من غباش مجال نظرها ، لتخفض بالنهاية الورقة من امامها ما ان وجدت استحالة تركيز مدار نظرها بنقطة محددة ، بدأت بالضغط بأصبعيها السبابة والإبهام فوق مقدمة عظمة انفها بألم طاف على ملامحها بشحوب اكبر وهي تشعر بالدوار والحركة يزيدان من تشتت افكارها بتموج غائم قيد عقلها بسلاسله بدون ان تقدر على مقاومتها اكثر .

انتفضت واقفة باهتزاز كان يزيد من دوارها المؤلم والذي لف عقلها بلمح البصر ، لتصلب ساقيها بلحظة وهي تثبت قدميها بالأرض بمقاومة عنيفة للتشبث بالواقع ، وهي تتمسك بكل ما تصله يديها بمحتويات غرفتها حتى وصلت لهدفها وهي تمسك بهاتفها من على الطاولة بيدين مرتجفتين ، لتستند بعدها بحافة الطاولة بيد واحدة وهي تحاول الضغط بيدها الحرة بأصابع متعثرة على عدة ازرار بشاشة هاتفها ، وبثواني كانت تجري الاتصال مع اقرب شخص تذكرته بخضم تشتت افكارها العائمة بدوارها الذي اصبح يطرق على كل انحاء جسدها بدعوة قوية لسحبها لعالمه السحيق .

تنفست بارتعاش وهي تقابل الصمت التام من الطرف الآخر قبل ان يتوقف بعدها عن الرنين وهو يدل على انشغال صاحب الرقم ، لتشتم بداخلها بقوة وهي تعيد الاتصال بارتجاف متخبط بدون فائدة ترجى وهي تتلقى بكل مرة نفس النتيجة !

ابتلعت ريقها بتعب وهي تفلت الطاولة من خلفها لتمسح على خصلات شعرها بإنهاك الدوار الذي لا يريد ان يبارح رأسها بإصرار يكاد يقضي على مقاومتها الاخيرة ، لتمسك بعدها ببطنها بشدة بألم عاد ليراودها بذات المكان بقوة دفع اكبر قتلت بقايا الصبر بداخلها وهي تهمس له بأنفاس ذاهبة بنشيج
"ارجوك ، هذا ليس الوقت المناسب لتحمل ألمك ، يا إلهي ساعدني !"

تحاملت على نفسها بلحظات وهي تعزم امرها لتخرج من الغرفة بأكملها بخطوات مهتزة بتمايل طفيف ، علها تجد السبيل للراحة من كل هذا الألم ومن يساندها بهذه المحنة والتي تمر عليها لأول مرة بحياتها الشخصية والعملية ! فهي على يقين تماما بأن الاعراض التي تنتابها الآن ليست ضمن الاعراض الطبيعية التي تمر عليها عادةً من تأثير الحمل او ارهاق من العمل الطويل ؟ وهذا هو ما يبعث الشك بروحها ويؤكد الظنون برأسها ناحية ما تتعرض له من ظواهر غريبة غير اعتيادية بحياتها !

استندت بحاجز السلم بإرهاق شديد وبأنفاس لاهثة على وشك فقدانها ، لتعود للعبث بهاتفها من جديد وهي تطبق على شفتيها بهمس جاف مرهق حد الألم
"ارجوك يا احمد ، اجبني الآن ، انا احتاجك بشدة !"

لعقت طرف شفتيها بجفاف ما ان توقف الرنين مجددا بدون رد ، لتبحث بقائمة المتصلين عن احد تستنجد به وهي تكتشف لأول مرة خلو القائمة من المقربين منها بعد ان تجردت شجرة عائلتها والتي انقطعت منذ زمن حتى لم يتبقى لها منها سوى شقيقتها والتي تحتاج لمن يساندها اكثر منها ، بدون ان تعلم اصلا اين هي الآن ؟ ولماذا اختفت منذ الصباح بيوم العطلة ؟

شددت على الهاتف بقوة وهي تحاول الاتصال بها وكما توقعت لا يوجد رد بسبب وضعها للهاتف على الصامت مثل كل مرة تحتاجها بها وكأنها لا تملك هاتف ! وهي لا تعلم ما فائدة حقا وجود الهاتف بحوزتها إذا كانت لا تستخدمه بهذه الأوقات ؟

زفرت انفاسها بتعب اكبر وهي ما تزال تضغط على بطنها بألم مبرح زاد عن الحد المحتمل ، لتعود لنفس الرقم السابق بآخر ذرة امل وهي ترسل له كلمات مختصرة بعجز وتوسل عله يرحمها ويراها
(انا احتاجك بشدة ، ارجوك لا تتركني انت ايضا ! انا وحيدة !)

وهذه كانت آخر كلمات كتبتها على هاتفها الذي انزلق من يدها بلحظة وهي تتعثر جاثية على اول درجة من السلم بإنهاك خدر اطرافها عن الحركة ، لتتابع بحدقتيها الباهتتين الشبه مفتوحتين الهاتف الذي اكمل سقوطه لنهاية السلم بعد ان انقلب على رخام درجاته مئة مرة ، فقدت معه الحق بطلب المساعدة والنجدة من مقربين تخلوا عنها ورحلوا ليتركوها ملقاة بالزاوية مثل حالة هاتفها تماما .

هبطت تدريجيا على درجات السلم وهي تريح رأسها على عتبته الرخامية بدون ان تقدر على الاستمرار اكثر بحرب المقاومة التي اخذتها على مدار سنوات ، بدون ان يقدر احد المجهود الجبار والذي تبذله بهذه الحياة والتي تحكمها المصالح فقط ، لتغلق بعدها جفنيها المرهقين على احداقها الدامعة بعجز ويدها ما تزال تمسد على بطنها مثل تهويدة ما قبل النوم هامسة باطمئنان
"اعدك بأن احميك يا بني ، فقط ابقى معي ولا ترحل !"

هدئت انفاسها اخيرا براحة وهي تنسحب لذلك العالم البعيد والذي فصلها عن الواقع بثواني ، لتقف من خلفها التي كانت تشاهد كل ما حدث امامها بعيون تجردت من الرحمة ونفس دنيئة بمشاعر الحقد التي غذت روحها وهي تحكم تصرفاتها ، لتصل لمستوى من الحقد والغيرة المريضة بسبيل تحقيق الانتقام الذي يرضيها ويريح روحها السوداوية والتي اسرتها بهالة السلبية بحياتها ، همست بعدها بلحظات بخفوت مصقول بكمية المشاعر السلبية والتي تحملها نحوها وحُقنت بها
"والآن لن يكون بمقدورك إنجاب ثمرة ذلك الحب ، ولنرى كيف سيكون مسار علاقتكما بعد هذه الخسارة الذريعة !"

______________________________
تنفست بوجوم عابس تكاد تنفخ نيران من انفها وسحب ادخنة من اذنيها حبست الاجواء من حولهما وعبثت بهواء السيارة النقي ، وكأنها لا تتنفس غير ادخنة بقايا روحها المحترقة بداخلها بغضب اخرجت العنان له بأحشائها وكأن جمر ما يسكن بباطن خلجاتها ، وهي على هذه الحالة العابسة تكتف ذراعيها فوق صدرها منذ ما يقارب الساعة بل بالأحرى منذ ان ادخلها لسيارته رغما عنها وانطلق بها لوجهة غير معروفة بالنسبة لها بدون ان يدع لها السبيل بالفرار ، وقد اغلق كل ابواب السيارة بإحكام وحتى النوافذ ما ان حاولت رمي نفسها من باب سيارته وهو يزيد من حصاره الخانق وكأنها حيوان موبوء من الخطر ترك لها الحرية لتعيث بالعالم فسادا وبنفسها اذى اكبر ، وهذا لا شيء امام كلماته الاخيرة والتي نطق بها ما ان حاولت تحطيم النافذة بجوارها وما سبق محاولة رمي نفسها من باب السيارة ليقول لها بصرامة مهددة تخرج منه لأول مرة

(حركة مجنونة اخرى يا ماسة ، وسأغير اسلوبي المهذب معكِ ، ولن اعاملكِ على اساس بأنكِ زوجتي بل سوف اعاملك كما يفعلون مع المجرمين المدانون الخارجون عن القانون ، وتعلمين جيدا ما يحدث لهم فقد كنت منهم يوما ما !)

شددت اكثر على اسنانها بقسوة تحجرت معها ملامحها حتى ظهرت خطوط دقيقة بتقاسيم وجهها تظهر مدى الصراعات التي تعصف بدواخلها وهي اكثر ميزة قد ورثتها عن والدتها ذوات البشرة الرخامية ، لتقبض على يديها بحجرها بارتجاف طفيف على اثر تلك الكلمات البسيطة والتي كانت بمثابة ضربة خاطفة خدشت كبريائها العالي بدون ان تدرك مدى ألمها والذي لم تشعر به سوى مؤخرا مثل وضع الملح على الحرق بعد ان كان قد التأم ! فهل لهذه الدرجة كلماته عن ماضيها الملطخ شكلت كل هذا الألم بداخلها ؟ ام انها هي التي اصبحت بكل هذا الضعف ؟

حركت رأسها جانبا وهي تتنفس بهياج اكبر لفحت زجاج النافذة تكاد تصهر سطحها ، لينطق بعدها الكائن الساكن بجوارها وهو يقول بجمود باهت بنبرة اخفض عن كلامه السابق
"هلا توقفتِ عن سحب الاكسجين عنا وتحويله لنيران من ادخنة انفاسكِ الشبيهة بتنين خارج عن السيطرة ؟ فقد بدأت اجزم بشم رائحة حريق منبعث منكِ تكاد تخنقنا وتمنع عنا تنفس الهواء النقي !"

شددت من تكتيف ذراعيها فوق صدرها بحركة عصبية بدون كلام وهي تلصق جبينها بزجاج النافذة بدون ان تعطيه انتباه بعد إهانته الاخيرة لها ، ليقطب بعدها جبينه بتصلب وهو يعاود الكلام بنظرات جانبية ببرود
"ألن تتغير هذه الملامح عنكِ ؟ فهي لا تروقني ابدا ! انها تجعلني وكأنني قد قتلت والدكِ او عائلتكِ بمجزرة مأساوية !"

ولكنها آثرت الصمت مجددا بدون ان تعطيه الجواب او ان تتنازل عن الكلام ، لتحتد ملامحه اكثر وهو يشعر بصمتها البارد يكاد يقضي على ذرة الصبر الاخيرة بعقله بظاهرة لم تحدث معه من قبل ! ليقول مجددا بابتسامة خاوية شقت طرف شفتيه باستهزاء ساخر
"ماذا حدث يا ألماستي ؟ هل اكل القط لسانكِ ؟ لم اعتدكِ بكل هذا الضعف بالردّ على خصومكِ !"

تجهمت ملامحه عندما قابل صمتها بشكل اكثر وقعا على روحه وكأنها تهديه فن جديد بالرد عليه اقسى من كل ردودها السابقة ، ليشدد اكثر على عجلة القيادة حتى ابيضت مفاصل اصابعه بدون ان تترك عينيه رحلة التحديق بسكونها الذي يثير كل شد الاعصاب بداخله .

قال بعد عدة لحظات بتسلط قاسي بنبرة آمرة
"ماسة ابعدي رأسكِ عن زجاج النافذة"

عندما لم تصدر منها اي ردة فعل تدل على وجودها بهذا العالم ، ليقول عندها بأعصاب مشدودة اكثر بغضب متهدج
"ألم تسمعي ما اقول ؟ ام اصبتِ بالصمم كما اصبت بالخرس ! هل من المفروض ان القنكِ كل شيء بنفسي ؟"

حركت رأسها قليلا فقط انش بدون ان تبعد كامل وجهها عن النافذة ، ليلتفت من فوره نحوها وهو يلمح السيارة السريعة التي اقتربت من جانب سيارته ليصرخ بلحظة بصرامة مفاجئة
"ماسة ابعدي رأسكِ اللعين عن زجاج نافذة السيارة"

وما ان مرت السيارة بسرعة الضوء حتى حاد هو عن طريقه وهو ينحرف بعيدا عنها بأعجوبة ، ليتنفس بعدها الصعداء لوهلة وهو يحدق بجواره بعد ان عادت لجلوسها المعتدل وهي تنظر امامها بدون اي حياة وكأن شيء لم يكن ، ليقود بعدها بيد واحدة وهو يرفع يده الاخرى عاليا ليحاوط بها كتفيها بقوة قبل ان يسحبها ناحيته بلمح البصر ليرتمي رأسها على صدره الصلب بلحظات اخذتها على حين غفلة .

افاقت على وضعها الجديد بداخل احضانه وهي تحاول التلوي بعيدا عن صدره وذراعه التي كانت تطوق كتفيها عن الحركة ، وما ان تعبت من القتال مع قيوده حتى همست بوجوم منقبض بخفوت
"اتركني يا شادي"

قال من فوره بابتسامة مندهشة بتعجب
"واخيرا نطقتِ ! لقد كدت اشك بأن تكوني خرساء !"

عضت على طرف شفتيها بغيظ اكبر وهي تخفض نظراتها هامسة باستياء
"واعاني من الصمم ايضا ، لا تنسى !"

ضحك بخفوت اجش لأول مرة خفف من وطأة الوجوم المسيطر على الاجواء بينهما منذ ساعة ، ليهمس بعدها بخفوت متسلي ارخت من التصلب الساكن بمحياه
"اعتذر يا عزيزتي ، ولكنكِ من تزرعين هذه الأفكار بعقول الناس المقربين منكِ"

حركت عينيها جانبا وهي تتمتم بجفاء
"لست مضطرة لأثبت لك شيء"

حرك رأسه بيأس بدون ان يجاريها بكلامها يكفي سكونها بداخل احضانه وصمتها والذي تخلت عنه اخيرا ، ليسمع صوتها مجددا وهي تهمس بخفوت حانق
"هلا تركتني الآن ؟ فأنت لن تستطيع القيادة جيدا ويدك الاخرى تقيدني هكذا !"

اجابها ببساطة وهو مستمر بقيادته بيد واحدة بسلاسة فائقة ويده الاخرى ملتصقة بكتفيها بدون ان تعطيها الحرية
"انا مستعد لأتحمل آلام يدي وتخدر ذراعي على ان اترك لكِ حرية التصرف ، فأنتِ عندما تتركين جماح غضبك ليسيطر على كيانك تنسين كيفية حماية نفسكِ والمحافظة عليها بدون ان تدركي بأنها ليست ملك لكِ وحدكِ بعد الآن !"

كورت شفتيها بوجوم وهي تهمس بضيق خافت
"لست عادل ابدا"

احتلت ملامحه بسمة طفيفة بدون شعور وهو يكمل رحلته بطريق السيطرة عليها والوصول للمكان المتجهين له بأمان ، وبلحظات كان يقف بالسيارة امام بناية صغيرة الحجم تتكون تقريبا من طابقين ، وما ان افلت حصارها حتى انتفضت بعيدا عنه وهي تحاول فتح الباب المقفل بدون فائدة ، ليقول بعدها الذي خرج من الباب بجواره هامسا بتسلط
"انتظري حتى اخرج لكِ ، فأنتِ يا عزيزتي ما تزالين مدانة"

حدقت به بجمود جليدي يكاد يوديه قتيلا وهو يغلق الباب من خلفه بقوة ، ليدور امامها ببساطة حتى وقف بجوارها بلحظات ليفتح بعدها الباب الخاص بها وهو يمد ذراعه بدعوة للخروج قائلا بهدوء
"والآن يمكنكِ الخروج"

زفرت انفاسها بعبوس وهي تخرج من السيارة بالفعل ، وما ان وقفت على قدميها حتى اغلق الباب من خلفها بلحظة قبل ان يمسك بيدها بقوة ، ليسحبها بعدها بثواني باتجاه البناية بصمت بدون ان يضيف اي منهما كلام آخر .

وقف كليهما امام باب الشقة الصغيرة وهي تنظر له يفتح الباب بالمفتاح بحوزته ، لتقول عندها بخفوت حائر بدون ان تمنع نفسها
"ما هذا المكان الذي اخذتني إليه ؟ هل هو منزل غير منزلك الريفي ؟"

دفع الباب امامه وهو يقول بابتسامة جانبية بجدية
"هذه الشقة كنت استخدمها للازمات بحياتي بأيام مراهقتي الطائشة ، وهو ما استطعت ادخاره بتلك السنوات لأشتري شقة بعيدا عن الجميع وبحجم مصاريفي آن ذاك ، اما المنزل الريفي فقد صممته وبنيته بنفسي ببداية سنوات عملي بالتصميم"

ادارت عينيها الزرقاوين وهي تتأمل الشقة الصغيرة من الداخل بمحتويات بسيطة تختلف تماما عن فخامة ذاك المنزل الريفي بطابعه الانيق والمتناسق ، لتفيق من افكارها بلحظة على يده والتي سحبتها معها لداخل المنزل ، لتعود لعنادها الشرس وهي تتشبث بالأرض هامسة بعبوس
"لما احضرتني لهذا المكان ؟"

التفت نحوها بنصف وجهه وهو يهمس بشبح ابتسامة خافتة
"من اجل ان ادينك"

انفرجت شفتيها بانذهال لا شعوريا وهو يدفعها للداخل بقوة اكبر ، لتتصلب ملامحها بغضب مكبوت لوهلة وهي تفلت كفها من داخل قبضته بعنف اكبر ، قبل ان تتبعها بالهمس بضراوة مليئة بالمشاعر المتنافرة
"ما لذي تريد الوصول له بتلك التصرفات ؟ لما تتصرف دائما على هذا النحو ؟ كن واضحا معي !"

تنهد بهدوء وهو يستدير بكلتيه امامها ليدس بعدها يديه بجيبي بنطاله قائلا بجدية غامضة
"حسنا يا ماسة سنتكلم بوضوح ، انتِ الآن مدانة على تصرفكِ الاخير والذي عوض عن كل ايامكِ الخالية من الاخطاء لتكون وصمة عار وبقعة سوداء بسجلكِ عندي ، فأنتِ لم تقابلي تلك الفتاة بدون إذني وحسب بل ايضا عبثت بمعلومات مكتبي وبقائمة عملائي والعاملين عندي ! وهذا تجاوز توقعاتي حقا واذهلني بشكل لا يمكنكِ تصوره !"

زمت شفتيها بارتجاف وهي تهمس من بينهما بقنوط
"كنت تعلم بذلك !"

ارتفع حاجبيه ببرود محتد وهو يهمس باستهجان واضح
"لم يكن من الصعب عليّ معرفة ذلك بعد ما اخبرتني به يا مجرمة الحواسيب ، وايضا لقد شككت بالأمر بعد قدومكِ لمكتبي وقيامك بتلك التمثيلية هناك والتي لم تكن نابعة من قلبك !"

حركت كتفيها باستخفاف وهي تهمس ببساطة
"حسنا لقد حاولت كل جهدي ولكني لم انجح ، يبدو بأنني فاشلة بالأمور العاطفية وتمثيل مشاعر غير موجودة بداخلي ، لذا ارجو منك ان تعذر قلة خبرتي !"

عقد حاجبيه بضيق لا إرادي وهي تتكلم بكل هذه الاريحية بموضوع حقيقي لا يقبل السخرية ، ولو انها اجادت الكذب وتصنعت القليل من الكلام المزيف لكان افضل بكثير من سماع هذه الحقيقة والتي اثارت بداخله الكثير من البرود الجائح !

عادت للكلام عندما طال صمته وهي تهمس بنفاذ صبر
"هل انتهيت من تحقيقك الفارغ ؟ فأنا لن اجيبك بشيء ولن اعطيك ما تود سماعه !"

ردّ عليها من فوره بتهديد غاضب
"ماسة اخرسي"

ضمت شفتيها بامتعاض وهي تكتف ذراعيها هامسة بجمود
"انا لست الملامة"

ردّ بقوة اكبر بصراخ مرتفع
"قلت اخرسي"

عبست ملامحها برعشة احتلت كيانها وهي تهمس بحنق ثائر
"توقف عن اخراسي بهذه الطريقة بكل مرة ! فهذا يزعجني....."

تقدم خطوتين ناحيتها ارهبتها وهو يعود للهمس بجمود اكبر بفحيح خافت
"قلت لكِ اخرسي"

صمتت بالفعل بارتجاف لا إرادي وكأنه يبعث بطاقة من حولها تستطيع السيطرة عليها وتقييد جموح غضبها بكلمة واحدة منه غيرت مسار التحدي بينهما ، وبلحظات كان يتابع كلامه بهدوء ظاهري بدون ان يترك الجمود ملامحه
"انتِ على حق بكلامكِ انا الملام بكل هذا ، فقد اخطئت عندما ارخيت دفاعاتي نحوكِ واعطيتكِ اكثر من المفروض ان تحصلي عليه ، فأنتِ من النوع الذي يحتاج لصرامة وحزم اكبر يختلف عن الناس الآخرين والطبيعيين ، وليس من الجيد التهاون مع هذا النوع العنيد والذي سيجلب لنا الألم من مجرد اللعب معه ومراعاة مشاعره"

عضت على طرف شفتيها وهي تهمس من بين اسنانها بشراسة
"توقف عن التكلم وكأنني نوع من الحيوانات الموبوءة !"

اتسعت عينيه بذهول ساخر وهو يتمتم بتفكير مستنكر
"حيوانات موبوءة ! كان عليكِ القول بالأصح نوع من البشر يتطلب علينا اخذ الحيطة منهم"

زفرت انفاسها بقسوة وهي تشيح بوجهها بعيدا عنه بغيظ يكاد يفتك بروحها الهائجة بحصاره المنيع ، تصلبت بمكانها بتسمر ما ان وصلها صوته بهدوء عميق وهو يغير مسار حديثهما
"اسمعي يا ماسة سوف اسامحكِ هذه المرة عن التصرف الاخير والذي بدر منكِ ، ولكن لا اعتقد بأني سأحمل كل هذا التعاطف والتسامح معكِ طويلا ! لذا افعلي شيء واحد لكلينا ولا تكوني عنيدة لكي لا نصل لمستويات لا اريد الوصول لها ، واقصد بكلامي إياكِ والاقتراب مجددا من تلك الفتاة بحياتك لا من قريب ولا من بعيد ، وإذا سمعت بأنكِ قد اقتربت منها او حاولت التحدث معها فلن امررها لكِ كما افعل دائما وقد حذرتك ! هل كلامي مفهوم ؟"

قبضت على يديها بقوة حتى آلمت مفاصلها وهي تشرد بنقطة بعيدة لم تبارح افكارها يوما واتعبت مخيلتها المرهقة
(لما كل هذه الحماية حول الفتاة ؟ من تكون بالنسبة له ؟)

اعادت حدقتيها الزرقاوين نحوه ببهوت لتتلونا بلحظة ببحار هائجة عادت لسطح سمائها وهي تصوب بأصبعها السبابة امام وجهه قائلة بتصميم شرس
"من قال بأني اريد سماحك ؟ انا لن اتوقف عن تحقيق هدفي بما انك مصر على عدم اعطائي ما اريد ، إذاً تحمل التبعات واتركني افعل ما اشاء !"

عبست ملامحه بتقاسيم وجهه الباردة للحظات اشتعلت بينهما بحرب المشاعر الطاحنة ، ليصلب فكه بقسوة وهو يحني ابتسامته بارتخاء طفيف هامسا ببرود
"إذاً لا املك سوى هذا الخيار ! استمتعي بفترة ادانتكِ يا عزيزتي الموبوءة"

اتسعت عينيها بصدمة اضطربت معها انفاسها وهي تشاهد الذي ابتعد عن مرمى اصبعها ليغادر خارج الشقة ببساطة ، لتنتفض بعدها بغريزتها وهي تخفض يدها بسرعة لتنطلق تلقائيا بذات اللحظة خلف الذي ما ان وصلت له حتى اغلق باب الشقة بوجهها وهي تسمع صوت غرز المفتاح بقفل الباب بثواني .

شهقت بادراك وهي تبتعد بسرعة عن الباب لتحاول تحريك مقبضه بعنف حتى كادت تخلعه من مكانه ، لتصرخ بآن واحد بصوت غاضب مهتاج وقبضتها الحرة تضرب على الباب بقوة
"افتح الباب يا شادي ، افتحه حالاً قبل ان اكسر مقبضه"

ردّ عليها بالطرف الآخر من الباب قائلا بهدوء بارد
"لن تخرجي من هنا يا ماسة مهما حاولتِ قبل ان تنتهي فترة ادانتكِ وتمسحي تلك الأفكار من عقلك الاحمق ، قد افكر عندها بإخلاء سبيلك"

ضربت على الباب بقوة اكبر وهي تصرخ بأعلى صوتها بعصبية افلتت زمامها
"لن اسامحك عليها يا شادي ، هيا افتح الباب يا متعجرف ، يا احمق ، يا مجنون ، يا مختل ، يا كتلة الغباء......"

استمرت بسيل الشتائم حتى تعبت حنجرتها وجفت ولم يعد بمقدورها نطق المزيد بدون ان تجد اي ردّ من الطرف الآخر والذي حل عليه الصمت فجأة ، لتشعر بخواء كبير بدأ يتوسع من حولها وداخلها بدون ان تمنع تخلل البرودة بمفاصلها بوحشة ظللت حياتها ، لتنزلق تلقائيا على سطح خشب الباب البارد ببطء حتى استقرت بالنهاية جالسة على الارض وجانب جسدها مستريح على الباب بخمول تسرب بداخلها بخدر .

همست بلحظات بصوت اجوف ببحة صوتها المتعبة
"اكرهك ، اكرهك يا شادي"

ارتجفت انفاسها بلحظة ما ان سمعت صوته يتهادى قرب اذنها الملتصقة بالباب
"اصمتِ ، فقط اصمتِ يا ماسة"

ابتسمت بارتعاش باهت ما ان اكتشفت قرب وجوده من حولها وهو يجلس على نفس وضعها بالطرف الآخر من الباب ليبقى على تواصل معها حتى وهي بوضع الادانة والذي قيدها به مثل سجين محبوس بقفصه حتى إشعار آخر ، لتهمس بعدها بلحظات قصيرة بسكون غيم على محياها
"انت تنزعج دائما من كلمة اكرهك ، ولكنك لا تمانع بأن تجعلني اكرهك ، ألا ترى نفسك ظالم !"

ساد الصمت بينهما طويلا حتى خرج صوته ببرود الباب المنبعث منه
"يبدو بأنني قد اصبحت مؤخرا بنظري الجميع ظالم ، وانتِ لن تختلفي عنهم بشيء"

اطبقت على شفتيها بوجوم وهي تهمس بقهر خافت
"ولكني زوجتك ! ألا يشكل هذا عندك فارق !"

ارتجفت اطرافها ما ان قال خلال الباب بدفء غريب تسرب لروحها الباردة بلحظة
"اجل يشكل فارق وهذا هو اكثر ما يؤلمني"

رفعت يدها بارتجاف وهي تدس خصلات غرتها الطويلة لخلف اذنها بحزن عميق اعتلى محياها لوهلة ، لتهمس بعدها بخفوت شديد بأسى
"يبدو بأنك تتحمل الكثير من الألم مع هذه المجرمة"

ردّ عليها بلحظتين بخفوت شديد بصوت اجش واثق
"لا بأس ، فقد تأقلمت مع الألم منذ زمن طويل ، وانتِ يا ماسة اجمل آلامي بالحياة"

اتسعت عينيها باهتزاز لحظي لون الاحمرار الطفيف محياها البارد وهو يتشرب بحمرة جديدة زاهية ، لتغطي وجهها بسرعة بذراعها بحياء استبد بها وهي تهمس بسعادة خفية تحررت مع دمعة صغيرة من بين ركام حاضرها
"إذا كان هكذا سيكون الحال ، فأتمنى ألا تنتهي مهلة هذه الادانة"

بينما كان الجالس بالطرف الآخر يستمع لكل كلمة تهمس بها تصله عبر ذبذبات الباب الذي كان يتلقف كل مشاعرهما المحصورة بينهما ، وهو يهمس كذلك بنفس سعادتها بشرود غائم
"اتمنى ذلك ايضا يا ماسة"

______________________________
خرجت من بوابة البناية بخطوات قوية وهي تشد المعطف الشتوي حول جسدها بدون ان تدع شيء يحيدها عن طريقها المستقيم ، ولا سماع اصوات الخطوات المتربصة لها على الدوام بكل يوم ودقيقة وهي تترقب كل حركاتها بشكل يدعو للاستفزاز بدون ان ينجح شيء من تهديدها وتحذيرها لصاحب الخطوات والذي تجاوز بعناده كل توقعاتها !

تنهدت بغضب على وشك الفوران بداخلها والتسرب ليتحرر من اسرها ، وهي تتجاهل تماما سماعها لتلك الخطوات التي تبعد مسافة كبيرة عنها ومع ذلك تشعر بها قريبة جدا منها تكاد تلامس خطواتها الثابتة على الارض الوعرة ، وهذه الحالة اصبحت تلازمها منذ ما يقارب الاسبوع من رؤيتها له عندما كان جالسا على طرف الطريق الفارغ بمنتصف الليل ، كانت حينها تخرج اكياس النفايات لتلقي بها بالحاوية الموجودة بنهاية الطريق ، وما ان انتهت من مهمتها حتى عادت بنفس الطريق لتراه عندها بتلك الحالة الهائمة البعيدة عن الواقع ، وبدون ان تمنع نفسها قالت ببرود وهو تسير بجوار مكان جلوسه
"اخبرتك ان تتوقف عن الجلوس قريب من مكان سكني ، انت هكذا تجلب لي الشبهة"

مرت لحظات قبل ان تسمع الصوت البارد بخواء غريب
"لقد رأيت شقيقي اليوم ، وهو ما يزال يكرهني ولا يطيق النظر لي"

زمت شفتيها بارتجاف قشعرت بدنها بلمحة خاطفة من الجو الشبه بارد والذي اخترق كيانها بخواء كلماته ، لتتنفس بعدها بجمود وهي تحاول تحجير صوتها هامسة بسخرية واضحة
"هل هذه كذبة جديدة لتحاول الحصول على شفقتي ؟ فأنا لم اعد استطيع تصديق اي شيء تنطق به بخصوص حياتك التي تبين بأنها كلها كذبة نسجها خيالك لتصل بها لمآربك !"

صمت للحظات طويلة لا يقطعها سوى صوت صفير الهواء البارد بمنتصف الليل تسرب بثقوب ارواحهما الخاوية ، لتسمع بعدها صوته مجددا بنفس البرود مع لمحة تعجب
"هل تظنين حقا بأن كل ذلك كان كذبة ؟"

فغرت شفتيها لوهلة وهي تطبق على اسنانها بقسوة لتستدير بعدها للجهة الأخرى بإيباء ، قبل ان تنطق بهدوء ظاهري بدون ان تبالي بنظراته والتي ارتفعت نحوها
"غادر من هنا يا اوس ، وفكر بكذبة جديدة تقنع بها نفس الفتاة والتي صدقت كذباتك على مدار شهور وانطلت عليها الحيلة"

ما ان خطت خطوتين بعيدا عنه حتى سمعت صوته هذه المرة بنبرة حزن تخللت بين تيارات الهواء الهائمة من حولهما
"لقد كانت هذه الحقيقة يا سيدرا ، فأنا لم اكذب عليكِ بأي شيء اخبرتكِ به عن حياتي الشخصية ، كل ما فعلته هو اخفاء حقيقة والدي عنكِ وسجل اعماله ، وهذا لا يعد كذبا فقد كنت احاول الحفاظ عليكِ لا اكثر ! اعتذر على هذا يا سيدرا"

انتفضت لا شعوريا وهي تفيق من دوامة افكارها والتي غرقت بها مثل كل مرة تنعزل بها مع نفسها ، لتلتفت بعدها بوجهها بعد ان حادت عن طريقها لأول مرة منذ بداية مسيرها على مسمع بوق سيارة اصم اذنيها واخترق هالتها لوهلة .

توقفت بمكانها بتصلب وهي تنظر للسيارة التي استقرت بمحاذاتها ليطل بلحظة رأس صاحبها من النافذة وهو يرفع نظارته الشمسية عن عينيه قائلا بدهشة مبتهجة
"صباح الخير يا سيدرا ، يا لها من صدفة رائعة ! وانا الذي كنت اقول لما الصباح جميل ومشرق اليوم ؟"

عقدت حاجبيها بوجوم وهي تشك بكلامه بهذا الجو البارد والذي يميل للكآبة بدون اي نسمة صيف رحلت عنه منذ زمن بتقلب الأحوال الجوية ! ولكنها مع ذلك فقد تجاهلت التعقيب على هذا الكلام ورميه بتعليق لاذع اعتادت على فعلها بلسانها الحاد امام هذا النوع من الظرافة ، لتقول بعد عدة لحظات بابتسامة جميلة استطاعت اتقانها على مدار اعوام بعملها بدون اي ملل
"صباح النور يا سيد عمير ، النهار قد اشرق برؤيتك ايضا يا سيدي"

اتسعت ابتسامته بتمايل وهو ينظر لها عن كثب قبل ان يقول بمرح منشرح
"كم مرة اخبرتكِ يا سيدرا بأني لا احبذ الألقاب بيننا ! فهي تشعرني بأني عجوز اكبر منكم بعشر سنوات ولا انتمي لعالمكم"

حافظت على ابتسامتها باتزان بدون ان تعلق على كلامه كما تفعل دائما مع كل مجاملاته ومزاحه معها إذا كان مقصود او غير مقصود ، بينما نسيت العينين المتربصتين لها والخطوات التي توقفت على بعد امتار منها بسكون ينبئ عن الكثير من المشاعر المطمورة بداخل صاحبها ، وهو ينتظر فقط إشارة منها لينقض على كليهما ويحرق السيارة ومن فيها وهو يتعرف مسبقا على شكل السيارة وصاحبها بداخلها .

قال (عمير) بابتسامة جانبية بدون ان يبعد نظراته عنها
"انتِ ذاهبة للعمل صحيح ؟ تعالي لأوصلكِ معي فنحن ذاهبين بنفس الطريق"

حركت يدها بارتباك وهي تهمس بلباقة مهذبة
"لا شكرا سيد عمير ، فأنا اُفضل الذهاب للعمل سيرا على الاقدام ، فهي رياضة جيدة لي وتريحني اكثر"

حرك رأسه بتفكير وهو يقول باستياء خافت
"ولكن الجو بارد الآن ! وانا ارى بأن الذهاب معي سيكون افضل بكثير من التعرض للبرد والاصابة بالمرض ، ويمكنكِ ممارسة الرياضة بوقت آخر يكون به الجو افضل"

زمت شفتيها بامتعاض وهي على وشك القول بأنه الآن كان يقول الجو مشرق وجميل فكيف اصبح بلحظة الجو بارد وليس جيد ممارسة الرياضة به ؟ لتقول من فورها بدل ذلك بابتسامة صغيرة بامتنان
"شكرا على عرضك حقا يا سيد عمير ، ولكني مع ذلك اُفضل الذهاب سيرا للعمل ، فقد اعتدت على فعل هذا كل صباح ، ولن يشكل عندي فارق تقلب الجو اليوم فهو اجمل بكثير من التعرض لحروق الشمس وخاصة بأنه اجمل فصول السنة ، لذا عذرا منك"

عبست ملامحه بسكون للحظات قبل ان يقول بجدية هادئة
"هل لهذه الدرجة لا تحبين الذهاب معي يا سيدرا ؟"

تلجلجت بمكانها بتوتر لبرهة وهي تجيب بسرعة بلطف باسم
"لا ليس هكذا هو الأمر يا سيد عمير ! فقط لا اريد ان اتعبك معي دائما بإيصالي للعمل ، بينما يمكنني الذهاب بمفردي ، لذا ارجو منك ان تتفهمني"

عادت الابتسامة لتغزو ملامحه وهو يقول بمزاح
"لقد كنت امزح معكِ يا سيدرا ، وانا اتفهم موقفك تماما ، ولكني لا اجدها جميلة ان اترككِ بمنتصف الطريق تذهبين للعمل وحدك بينما نحن نعمل معا بنفس الشركة وطريقنا واحدة ! وانا لا امانع ابدا ان اوصلك للعمل كل يوم بما ان السيارة ذاهبة معكِ وبدونكِ ، وألا ما رأيكِ انتِ ؟"

قبضت على يديها بقوة وهي تشيح بنظراتها جانبا هامسة ببهوت
"انا اعتذر يا سيد عمير ، ولكني لا استطيع الموافقة !....."

قاطعها بهدوء بدون ان يفقد ابتسامته بوقار
"لا بأس يا سيدرا ، لن اصر عليكِ اكثر إذا كنتِ غير موافقة ، فأنا لا احب ابدا ان اعرضكِ للضغط الشديد بهذا الأمر ، ولكن تذكري بأني دائما موجود بجواركِ مهما كان الوقت الذي تحتاجين به للمساعدة"

غامت ملامحها بثواني وهي تقبض على يديها بعزم ، لتقول بسرعة بخفوت محرج
"سيد عمير انا......"

تسمرت بمكانها بوجل ما ان شعرت بالخطوات المقتربة من مجالها وكلمة واحدة قطعت سير افكارها بلحظة
"سيدرا"

اتسعت عينيها بتوجس وهي تلتفت باتجاه الذي وقف بالقرب منها بلحظات بملامح باردة اكتسحت محياه بجمود ، لتنتفض برأسها للأمام ما ان قال الذي ما يزال يراقب الوضع بريبة هامسا بجمود
"من انت يا سيد ؟"

ما ان كان على وشك اجابته بقتامة سوداء تجلت بنظراته حتى قاطعته التي امسكت بذراعه وهي تهمس بعملية مرتبكة
"هذا يكون قريبي اوس ، وهذه اول زيارة له بهذه المدينة"

اومأ (عمير) برأسه بتفهم وهو يقول بهدوء غريب
"حقا هذا جيد !"

بينما كان (اوس) شاردا بملمس يدها القابضة على ذراعه بقوة غير مقصودة وبدون ان تدرك ما تفعله ، ليعود بنظراته بقتامة ناحية الذي قال بترحاب وهو يبتسم باتساع بشوش
"مرحبا بك يا اوس ، تشرفت بالتعرف عليك ، واهلا بك بيننا"

شقت ابتسامة باهتة طرف شفتيه استطاع استجلابها بصعوبة شبيه بتجعد اقرب من ابتسامة ، ليهمس عندها بكل ترحاب لا يمت بالود بصلة
"اهلا"

كان ينظر له بابتسامة غامضة للحظات ليوجه بعدها نظراته للواقفة بجواره وهو يقول لها بإشارة بيده بمودة
"حسنا عليّ الذهاب الآن ، سأكون بانتظاركِ يا سيدرا فلا تتأخري بالمجيئ"

اومأت برأسها باهتزاز هامسة بكلمة واحدة باختصار
"حاضر"

غادرت السيارة بعيدا عنهما وهي تتابع اثرها بابتسامة سرعان ما احتضرت لتتحول لتجهم غاضب بلحظات ، استدارت بسرعة للجانب الآخر وهي تنطق من بين اسنانها بشرار حاقد
"انت كيف تتجرأ !......"

قطعت كلامها بلحظة وهي تتابع مسار نظره نحو يدها التي ما تزال تمسك بذراعه بقوة ، لتخفض يدها بسرعة بتخبط مرتجف سرى على طول ذراعها مثل المخدر السام ، وهي لا تصدق ما فعلت قبل لحظات وكيف واتتها الجرأة لتمسك بذراعه وتعرفه بذلك الرجل بهذه البساطة ؟ وكل ما كان يخيفها ان يكتشف ما كان يربط بينهما ؟ ولكن أليس لم يعد هناك شيء يربط بينهما بعد الآن ! ام انه الخوف الدائم من طبيعته الشرسة والتي تتحكم بها مبادئ الملكية والتي كانت تسبب لها المشاكل بعلاقتهما فيما مضى ؟

تنفست بقوة وهي تدس خصلات شعرها بطرف وشاحها لتلهي نفسها بعيدا عن تلك الافكار ، قبل ان تهمس بشراسة خافتة غاب عنها الغضب
"إذاً ما هو الذي كنت تفكر بفعله بهذا التصرف ؟ ألم انبهك ألا تقترب مني مجددا !"

حرك رأسه بابتسامة جانبية وهو يهمس بسخرية
"ولكني لم افعل شيء انتِ التي تصرفتِ من تلقاء نفسك !"

نفضت ذراعيها للأسفل بغضب وهي تنظر له بتهدج هامسة باستياء حانق
"ولكنك كنت على وشك فعلها ، أليس هذا صحيحا ؟"

ارتفع حاجب واحد بجمود وهو يهمس بخفوت غامض
"وكيف تعرفين هذا ؟"

ردت عليه باندفاع لا إرادي وهي تلوح بذراعها بسخط
"لأن هذا ما كنت تفعله دائما طول مسيرة علاقتنا ، بالرغم من اني انبهك دائما بمحاولة كبح غضبك بعيدا عن الآخرين"

صمتت بامتقاع ما ان ادركت الغباء الذي كانت تنطق به بدون ان تشعر بمجريات الاحداث بينهما ، لتتسع مقلتيها البندقيتين بلمحة حزن ما ان قال بابتسامة واثقة بهدوء
"اعلم هذا جيدا ، وهو ما منعني عن تلقين ذلك المتبجح درسا لن ينساه بحياته ، فأنا اتناسى كل شيء ألا ما علمتني إياه على مدار سنوات يا سيدرا"

ارتفع حاجبيها بسكون هائم طاف على ملامحها الباهتة لبرهة ، لتتلبس ملامحه قناع العبوس بلحظة ما ان تابع كلامه بجفاء ساخر
"لم ارى بحياتي شخص لحوح ومزعج مثله بدون ان يستسلم لرفضك ! كان عليكِ ان تضعي له حدا لكي لا يتمادى مجددا كما فعل الآن"

ضمت شفتيها بحنق مشتعل وهي تتمتم من بينهما بانفعال مكبوت
"توقف عن مثل هذا الكلام يا اوس ، فأنت لا تختلف عنه بصفة الالحاح وعدم الاستسلام بل اراك اسوء منه بهذه الميزة ، حتى انك قد تجاوزت كل الحدود والتي وضعتها لك بإصرار مزعج حتى فقدت الأمل منك"

عقد حاجبيه بتفكير حتى برزت الندبة بمنتصف الجبهة قائلا ببهوت
"هل تظنين هذا حقا ؟"

حركت رأسها بيأس وهي تتأفف بنفاذ صبر لتستدير بلحظة للخلف ، قبل ان تهمس ببرود جليدي وهي تشد المعطف حول خصرها مكملة طريقها المستقيم
"غادر من هنا يا اوس ، وإياك واللحاق بي مجددا فهذا قد بدأ يضايقني"

قال بسرعة من خلفها بخفوت بارد ارهبها
"لقد كنتِ على وشك الرضوخ له والذهاب معه بسيارته !"

سكنت بمكانها للحظات قبل ان تتابع طريقها وكأنها لم تسمعه ، وبثواني كانت تسمع صوت خطواته وهي تعود لاتباعها وكأنه ليس لديه شيء يفعله سوى اللحاق بها والحوم من حولها مثل حيوان ملتصق بصاحبه يهاجم من يقترب منه ويتبع خطواته دائما بدون ان يتخلى عن رفقته ، وهي تفكر بكلامه الاخير بخصوص الذي كانت تود قوله لذاك قبل مقاطعته لها والذي كان عكس تفكيره تماما

(سيد عمير انا اعتذر ولكني اريد منك ان تتوقف عن المرور بمنطقة سكني ، وهذا الشيء الوحيد الذي تستطيع مساعدتي به ، واعتذر على الإزعاج)

يتبع.........


روز علي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس