عرض مشاركة واحدة
قديم 05-12-21, 01:14 AM   #230

روز علي
 
الصورة الرمزية روز علي

? العضوٌ??? » 478593
?  التسِجيلٌ » Sep 2020
? مشَارَ?اتْي » 711
?  نُقآطِيْ » روز علي is on a distinguished road
افتراضي

كانت تسير بطريق الممر الطويل وهي تتمعن بأوراق الملف بيدها ، لتتوقف بعدها لوهلة ما ان سقطت ورقة هاربة من الملف تسربت منه بدون ان تشعر ، انحنت على ركبتيها وهي تحاول الوصول للورقة قبل ان تسبقها يد اخرى بالوصول لها وهي تلتقطها قبلها ، لترفع بعدها رأسها بعلامات الحيرة التي اعتلت وجهها وهي تنظر للتي وقفت امامها تمد لها بالورقة بابتسامة بريئة تحمل رجاء خفي خلف مظهرها اللطيف الجميل .

اعتدلت بوقوفها وهي تضيق عينيها بمغزى قائلة بجمود خافت
"إذاً ماذا هناك ؟ ماذا تريدين ؟"

زمت شفتيها بامتعاض وهو تلوح بالورقة هامسة بعبوس
"ماذا سيكون هناك مثلا ؟ فقط اردت مد يد المساعدة لكِ"

حركت رأسها بقوة وهي تسحب الورقة منها بلمح البصر هامسة بوجوم
"هل هذا كل شيء حقا ؟ ألم ترتكبِ اي مصيبة جديدة وتنتظرين مني حلها لذا تحاولين التملق عليّ !"

شهقت بتمثيل وهي تضرب بقبضتها على صدرها هامسة بثقة مسرحية
"كيف تتهميني مثل هذا الاتهام ؟ تعلمين جيدا مدى اجتهادي ومثابرتي بالعمل بدون ان اسمح لأي اخطاء بأن تفسد سجل عملي بهذه الشركة"

لوت شفتيها بسخرية وهي تدس الورقة بالملف هامسة ببرود
"اشك بأن يكون هذا صحيحاً ! على كل حال إذا لم يكن لديكِ اي مشكلة فأنا ذاهبة ، وحظا موفقا بالعمل يا مجتهدة"

انتفضت بسرعة وهي تمسك بذراع التي استدارت هامسة لها برجاء
"انتظري يا سيدرا ، انا احتاج لمساعدتك"

توقفت بمكانها للحظة قبل ان تقول بجفاء بارد بدون ان تستدير لها
"بماذا تريدين مني مساعدتك يا بيان ؟ وما هو نوع المشكلة التي تسببتِ بها اليوم ؟"

عبست ملامحها بلحظة وهي تهمس بخفوت يائس
"ليس هناك اي مشاكل من اي نوع ، ولكني اريد منكِ التحدث مع المدير واقناعه بأن يعطيني إجازة من العمل لفترة من الزمن لأن زفافي سيكون بنهاية الاسبوع ، واحتاج لأيام للتجهيز قبل زفافي ولا استطيع فعلها مع العمل المتراكم عليّ ، لذا ارجوكِ ان تقدمي هذا المعروف لي ، ولن اطلب منكِ بعدها اي شيء بحياتي"

تنفست بجمود للحظات قبل ان تسحب ذراعها بعيدا عن يدها وهي تستدير امامها لتهمس بعدها بهدوء جاد
"ولما لا تفعلين هذا بنفسكِ ؟ ما دخلني انا بمواعيد انشغالك وتجهيزاتك لزفافك !"

رفعت قبضتيها امام صدرها وهي تهمس برجاء متوسل
"لا تقولي هذا الكلام يا سيدرا ، فأنا خائفة من ان يرفض طلبي او ان يوبخني بسبب تقصيري الدائم بالعمل وسجلي الغير مشرف عنده ، لذا إذا طلبتي انتِ منه قد يوافق وخاصة بأنكِ مقربة منه ولديكِ منزلة....."

قاطعتها فجأة باستنكار غاضب وهي تمسك خصرها بيدها الحرة بتحفز
"ماذا قلتِ يا بيان ؟ مقربة منه ومنزلة خاصة ! هل جننتِ ؟"

ردت عليها بسرعة وهي تلوح بكفها بتبرير
"لا يا عزيزتي ليس هذا ما كنت اتكلم عنه ! انا قصدت بأنه يفضلك عن باقي الموظفين عنده بسبب مثابرتك بالعمل وجديتك به وصفاتك الحسنة والتي يحبها كل مدير ان تكون موجودة بموظفيه ، وليس لشيء آخر مثل انكما مقربين من بعضكما كثيرا كالعشاق....."

عادت لمقاطعتها بنفير انفاسها الشرسة ببؤس
"كفى يا بيان ، لا اريد سماع المزيد عن هذا ، واخبرتكِ بها من قبل ليس هناك اي شيء يربط بيني وبين المدير غير العمل ، سمعتي ؟"

اومأت برأسها باهتزاز وبابتسامة ظريفة بوداعة ، لتتنهد بعدها بتعب وهي تستدير بعيدا عنها قائلة باقتضاب
"سأحاول التكلم مع المدير بخصوص مشكلتك العويصة فأنا الآن ذاهبة إليه ، وبعدها لن اتدخل إذا رفض طلبكِ او لم يتجاوب مع مشكلتك ، فهذا اقصى ما استطيع تقديمه لكِ"

همست بسرعة بابتسامة متسعة بسعادة وببريق امل جديد احتل محياها
"شكرا جزيلا لكِ يا سيدرا ، واعدكِ بأن تكوني اول المدعوين بحفل زفافي ، وهذا سيكون شيء بسيط ردا على كل ما قدمته لي"

اومأت برأسها ببهوت وهي تكمل طريقها على طول الممر المؤدي لمكتب المدير ، وهي تشعر به اطول عن السابق بدون نهاية واضحة له ذكرتها بحياتها الباردة بدون ان تحدد مكان نهايتها ومحطتها القادمة بعد ان وصلت لعمر منتصف العشرين من شبابها الراحل ، وقد اصبح ذلك الحلم والذي تملكه غالبية الفتيات بالعالم بخصوص الزواج من اميرها مجرد سراب لا معنى له بحياتها ، وبعد ان فقدت الأمل بإيجاد ذلك الامير والذي تحول بلحظة لكابوسها الذي يطاردها بأحلامها وحاضرها ومجرم قتلها بسكين حقيقته !

وقفت امام باب المكتب وهي تطرق عليه بأدب للحظات ، لتفتح بعدها الباب امامها ما ان سمح لها بالدخول ليطل عليها بلحظة مكتبه الانيق بديكور الغرفة الفاخرة التي تليق بمدير الشركة .

وقفت بمكانها ما ان قال الجالس خلف المكتب بابتسامة بشوشة بترحاب
"اهلا بوصولكِ يا سيدرا ، لم تتأخري على موعدك بالعمل ، وهذا هو المتوقع منكِ دائما"

اومأت برأسها بابتسامة طفيفة وهي تتجاهل تلميحه عن سبب تفكيره بتأخرها عن العمل اليوم وما حدث بالصباح ، لتتقدم بعدها عدة خطوات وهي تقول بعملية جادة بدون اي مرح
"لقد جهزت لك اوراق الحسابات والميزانية بالشركة وقد تأكدت منهم بنفسي ، وهي تحتاج لتوقيعك وختمك عليها ، فهل انت متفرغ لها الآن ؟"

تقدم بجلوسه وهو يشير بذراعه لتقترب كما يفعل معها دائما قائلا بابتسامة جانبية بجدية
"تعالي واريني الاوراق لننتهي من امرها بما انكِ قد تأكدت منها ، فليس هناك داعي للانتظار اكثر"

عقدت حاجبيها بتفكير وهي تقول بحيرة خافتة
"ألن تتأكد منها ايضا يا سيد عمير ! فقد يكون هناك شيء ينقصها...."

قاطعها بابتسامة واثقة وهو يفرد كفه امامها بقوة
"ولما التأكد بما انكِ قد فعلتي هذا قبلي ؟ وانا واثق بكِ وبقدرتك بالعمل اكثر من اي موظف آخر عندي ، فأنتِ بطلة هذا القسم يا سيدرا"

اخفضت وجهها ببعض الحياء والذي تشرب بملامحها بلحظة خاطفة لم تشعر بها منذ زمن ، لتمسك بطرف وشاحها بارتباك وهي تهمس بامتنان شديد
"شكرا لك سيد عمير ، هذا من دواعي سروري ان احصل على كامل ثقتك بي ، فهذا الكلام بالنسبة لي ميزة افتخر بها"

صمت للحظات وهو يراقبها عن كثب بدون توقف مستغلا لحظة خجلها السريع والذي لون بشرتها السمراء بتورد لطيف ، ليقول بعدها بابتسامة جادة بدون ان يبعد ناظريه عنها
"إذاً هل ستعطيني الملف الذي يحوي الاوراق ؟ فقد تخدرت يدي وهي ممدودة هكذا"

انتصبت بمكانها وهي تتقدم بسرعة بخطواتها امام المكتب قبل ان تسلمه الملف بيده بإحراج على وشك الفتك بها ، لترفع بعدها رأسها بتذكر وهي تقول بجمود بارد
"اريد ان اتكلم معك بأمر ، الحقيقة لقد طلبت مني بيان ان اخبرك بأن تعطيها اجازة فترة ايام قبل موعد زفافها بنهاية الاسبوع لتستطيع التجهيز له ، فهي تقول بأنها لن تقدر على فعل هذا بجانب العمل بالشركة ، وهذا كل شيء"

كان يمسك بالقلم ليوقع به على الاوراق قائلا بتعجب جاد
"حقا ! تريد اخذ اجازة اخرى غير التي اخذتها من اجل حفل خطبتها ؟"

عضت على طرف شفتيها بامتقاع وهي تهمس بخفوت
"اجل يا سيدي هذا ما طلبته مني ان اوصله لك"

اكمل توقيع الاوراق وهو يقول بجمود مريب
"ولماذا لم تأتي بنفسها لتطلب مني هذا الأمر ؟"

ردت عليه من فورها بتفكير بارد
"ربما لأنها تخاف من مواجهتك بعد كل هذا الكم من الاخطاء والذي ارتكبته بعملها وافسد صورتها بنظرك وبسجل عملها !"

ردّ عليها ببساطة وهو يمسك بالختم بجوار الاوراق
"ومن اجل هذا السبب هل تتوقعين مني ان اوافق على طلبها فقط لأنها استخدمتكِ وسيلة للحصول على ما تريد ؟"

اتسعت عينيها بدهشة وهي تقول من فورها باستنكار
"ماذا تقصد يا سيد عمير ؟ هل تظن بأني احاول استغلال مكانتي لأحصل على موافقتك من اجلها ؟ هناك فرق بين مد يد العون لها وبين محاولة استغلال مكانتي !"

رفع رأسه نحوها بقوة نفذت لكيانها وهو يقول بابتسامة غامضة بهدوء
"ليس هناك فرق بينهما ، ولكني مع ذلك سأوافق على طلبها بشرط ان تخبريني بطبيعة القرابة التي تجمعك بذلك الاوس !"

فغرت شفتيها بأنفاس ذاهلة للحظة قبل ان تطبق عليهما بعبوس مرتجف لتهمس بعدها ببرود منقبض
"ماذا يعني هذا ؟"

تراجع بجلوسه وهو يعود لابتسامته المتسعة ببشاشة قائلا بمرح مزيف
"لقد كانت مجرد مزحة ، لما تأخذين كل شيء على محمل الجد ؟ وبالمناسبة اشعر بالفضول لمعرفة قرابتكِ بذلك الرجل الغريب فهو لا يبدو من معارف العائلة المقربين ! واتمنى ألا يزعجك فضولي بهذا الأمر ، فكل شيء يخص موظفين شركتي بحياتهم الشخصية يهمني من اجل ان ادونه بسجلهم"

غرزت اسنانها بطرف شفتيها لا شعوريا وهي تخفض نظراتها بهدوء لتهمس بلحظة بخفوت شارد
"هو ليس قريب جدا من العائلة وما يربطنا به بعيد جدا بعلاقة معقدة لن تستطيع فهمها ، وليس مهم ان تتعرف عليه فهو لا يشكل بحياتي اي شيء"

حدق بها بغموض للحظات قبل ان يعود لملامحه الهادئة وهو يرفع الملف امامها قائلا بابتسامة جانبية بقوة
"إذا كان هذا رأيكِ فلا بأس بذلك ، المهم هو مجهودك بالعمل واخلاصكِ بما تقدمينه من ثمرة لهذه الشركة"

اومأت برأسها بعيدا عنه بتفكير شارد اخذها على حين غفلة ، لتعود بنظرها له ما ان قال بجدية وهو يلوح بالملف امامها
"لقد انتهيت منه ، إذا كنتِ ما تزالين تذكرين امره !"

ابتسمت باضطراب وهي تتناول الملف منه بهدوء ، لتقول بعدها بلحظة بتردد خافت
"وماذا بخصوص طلب اجازة لبيان ؟"

ضم يديه فوق سطح المكتب وهو يقول بابتسامة مائلة بمغزى
"انا موافق على اعطاءها اجازة ولكنها ستكون مهلة يومين فقط قبل زفافها ، وليس من اجلها هي بل من اجل صديقتها والتي تتستر دائما على مصائبها ، ما رأيكِ الآن ؟"

اعتلت بسمة هادئة محياها اظهرت غمازات خديها باحمرار طفيف خجول ، لتهمس من فورها بامتنان خافت بود
"شكرا لك يا سيد عمير ، سأعمل على إيصال رسالتك لها ، والآن اعذرني"

استدارت من فورها وهي تسير مباشرة باتجاه باب المكتب وابتسامتها تتألق على محياها بسعادة نادرا ما تظهر عليه وهي تنتظر بفارغ الصبر لتوصل لتلك المزعجة رسالتها والتي سوف تجعلها تطير من السعادة ، بينما النظرات ما تزال تلاحق خروجها بهدوء جمدت ابتسامته وكل شيء يحوم من حوله لتظهر وجهه الحقيقي المخفي عنها وهو يردد بهمس خافت بقهر مدفون
"إلى متى يا سيدرا ؟ إلى متى ستعاندين ؟ لقد بدأت افقد صبري عليكِ وهذا ليس جيد لكِ يا سيدرا !"

______________________________
كان يقود سيارته الفارهة على الطريق السريع المزدحم بالسيارات وهو يكاد يطير بها بعيدا عن الطريق ليوصله لوجهته والتي يشعر بها ابعد نقطة من بقاع الأرض ، وكل شيء يدور من حوله اصبح يتحد ويتعاون ضده ليفسد عليه رحلة وصوله لذلك المكان الذي اصبح مجرد الوصول له حلم بعيد المنال ، وهو لم يتمنى بحياته شيء بهذه الشدة كما يتمنى الآن ان تنتهي هذه الطريق وتختصر عليه رحلته العصيبة والتي توشك على تدمير ما تبقى لديه من اعصاب انهارت بعد آخر ما تلقت بتلك الرسالة القصيرة والتي تعبر عن كل شيء حدث بغيابه .

شدد اكثر على عجلة القيادة بقوة اكبر حتى ابيضت مفاصل اصابعه وهو لا يشعر سوى بالطريق يميد امامه على ذكرى تلك الرسالة والتي تداخلت بعقله وهو يعيد تكرارها على اسماعه بدوامة اهلكت تفكيره المشتت بنقطة واحدة تشكلت على هيئة صوتها الحزين
(انا احتاجك بشدة ، ارجوك لا تتركني انت ايضا ! انا وحيدة !)

تنفس بتعب تجلى على خطوط محياه بوضوح لأول مرة عوضت عن كل سنين العمل بكل مراحل حياته المثالية ، ليكون اليوم عبارة عن سيل من المشاعر الهادرة والآلام المعنوية مرت على ذهنه وحياته بلحظات خاطفة وبلمح البصر فقط من دقائق من رؤيته لتلك الرسالة القصيرة ، وهو ما يزال يذكر بتلك اللحظة الحاسمة بعد خروجه من غرفة الاجتماعات ليخرج حينها هاتفه من جيب سترته وهو يلمح قائمة من الاتصالات الطويلة وكلها من نفس المتصل ، وما ان تأكد من هوية المتصل حتى اتجه مباشرة للاتصال على نفس الرقم بدون اي انتظار ، ولكنه لم يسمع اي اجابة من الطرف الآخر وهو يصدر طنين خافت قبل ان يقفل الخط نهائيا .

اخفض الهاتف عن اذنه وهو يشتم بغضب ليتغضن جبينه بلحظة وهو ينظر للرسالة الفائتة والتي لم ينتبه لوجودها للوهلة الأولى ، ليفتحها من فوره بقلب متوجس يشعر به يكاد يخرج من صدره بوجل مما ينتظره ، وما ان فتح الرسالة امامه حتى تسمر للحظات طويلة شعر بها اطول فترة تمر عليه بسنوات حياته كاملة ، ولم تأخذ منه سوى ثواني معدودة حتى كان يجري اتصال آخر من قائمة الارقام عنده ، ليضع بعدها الهاتف على اذنه وهو يجيب بنبرة صخرية تحمل الخوف من المجهول
"صباح الخير يا سندس ، لقد اتصلت لأسألكِ عن حال روميساء فهي لا تجيب على اتصالاتي"

تجمدت ملامحه بدون اي شعور وهو يستمع للصوت الخافت بوجل واضح وكأنها قد رأت شبحا للتو
"صباح النور سيد احمد ، السيدة روميساء قد غادرت منذ فترة ، انا اقصد بأنها قد نقلت للمشفى وهي الآن غير موجودة لتجيب على اتصالك"

مرت لحظتين قبل ان يقول بهدوء جاد بدون ان يظهر شيء مما يجيش بداخله وبدأ يتوسع هناك
"ما لذي تتفوهين به يا سندس ؟ كيف ذهبت للمشفى ؟ ولماذا ؟ اريد ان اعلم بكل شيء حدث بغيابي !"

اجابت بسرعة بتهذيب متوتر وهي تكاد تتعثر بكلماتها
"الذي حدث يا سيد احمد بأن روميساء قد تعثرت بأول درجات السلم وغابت عن الوعي ، وما ان لمحها الخدم بتلك الحالة حتى اتصلوا مباشرة بالمشفى ليصلوا لنا بدقائق وينقلوها معهم ، وهذا كل ما حدث يا سيدي"

اخذت انفاسه بالتخبط بتسارع طفيف وهو يهمس فجأة بذهول قاتم
"هل هذا يعني بأنه لم ينتبه لها احد بوقت سقوطها على السلم ؟ لم يكن هناك احد معها بذلك الوقت !"

ردت عليه الخادمة بخفوت متوجس
"لا يا سيدي ، لم يكن هناك احد معها ، ولم ينتبه لها الخدم سوى بعد سقوطها على السلم وغيابها عن الوعي"

قبض على يديه بلسعة خاطفة آلمت فؤاده الذي يكاد ينفجر من فرط شعوره الآن وهو يهمس بذهول اكبر انهى آخر ذرة صبر لديه
"ماذا تقصدين ؟ أليس هناك احد بالمنزل معها ! اين ساكني المنزل عنها ؟ اين كنتم انتم عنها ؟ كل هذا العدد من الخدم بالمنزل ولم يراها او ينتبه لها احد ؟"

ردت عليه من فورها بتبرير مضطرب
"لا لم يكن هناك احد متواجد من ساكني المنزل بتلك اللحظة ، والخدم كانوا مشغولين بالعمل على مائدة الطعام من اجل امسية الليلة للضيوف المهمين وكل ما طلبه منا السيد الكبير ، لذا لم ينتبه احد لوقوع السيدة روميساء عند درجات السلم....."

قاطعها بصوت قوي النبرات بصرامة بدأت تنفذ بصوته بغضب متقد
"كفي عن هذه التبريرات الفارغة ، اخبرتكم من قبل ان تنتبهوا لها اكثر وتحرسوا على رعايتها بما انها تحمل ابني وحفيد العائلة ، ولكنكم بدلا عن ذلك تهتمون بأمر امسيتكم الغبية والتي لا تساوي شيئاً امام حياة زوجتي ، ولكن لا بأس سأتعامل معكم ما ان اعود للمنزل ، الآن اخبريني بأي مشفى نقلوها ؟ وبأي ساعة نقلت بها ؟"

اجابت الخادمة بصوت يرتجف بتلعثم مثير للشفقة بعد ذلك التوبيخ القاسي بعث كل ذعر بروحها لأول مرة يخرج من ابن العائلة الهادئ الرزين
"لقد نقلوها لمشفى المدينة المركزي من الساعة العاشرة تقريبا...."

قال من فوره وهو يعود لهدوئه الصارم الذي يحمل الكثير من الاهوال
"حسنا فهمت ، فقط سؤال اخير اين هما ماسة وسلوى ؟ ألم يكونا معها بتلك اللحظة !"

ردت عليه بالطرف الآخر بلحظات بتهذيب
"السيدة الصغيرة ماسة خرجت من المنزل منذ الصباح الباكر ، واما سلوى فلم ارها تخرج من غرفتها منذ مغادرتك للمنزل"

اومأ برأسه بجمود بدون ان يفكر بالأمر كثيرا وهو يتمتم ببرود
"حسنا ، هيا اغلقي الخط الآن ، وإذا عرفت اي شيء بخصوص روميساء لا تنسي ان تعلميني به !"

اغلق الخط وهو يزفر انفاسه باضطراب متهدج يشعر به بدأ يؤلم رأسه ويتسرب بأنحاء جسده مثل السم القاتل والذي لا فرار منه ، لينطلق بعدها بثواني باتجاه الممر المؤدي للمكتب الكبير ، وما هي ألا لحظات فاصلة حتى اصبح امام الصرح الشامخ والذي كان يجلس خلف المكتب وهو يقول له بكلمات موجزة باختصار
"انا ذاهب للاطمئنان على روميساء بالمشفى ، فقد نقلوها هناك منذ ساعة ، لذا عذرا على ترك العمل فهذه حالة طارئة !"

تجهمت ملامح والده وهو يرى ابنه على وشك المغادرة ليقول بلحظة بصوت جهوري آمر
"انتظر هنا يا احمد ، ماذا تقصد تريد ترك العمل ؟ هل تظن نفسك تلهو هنا وتستطيع الانسحاب عن العمل بالوقت الذي تشاء ؟ لا تنسى منصبك بهذه الشركة والذي اصبحت تحتله هنا بموقع المدير المرتقب ، لذا حاول انجاز عملك المنطوي عليك بأكمل وجه وبعدها فكر بالأمور الثانوية"

قطب جبينه لوهلة وهو ينظر له باستهجان عابس قائلا باقتضاب
"ولكنني اخبرتك بأنها حالة طارئة وليست من الامور الثانوية ! وبعد ان انتهي منها سأعود لإنجاز العمل على المشروع ، ولا تنسى بأن اليوم كان من المفترض ان يكون عطلة لي...."

قاطعه بجمود قاسي بدون ان يتأثر بكلامه
"العمل بمنصب الرئيس لا يأخذ إجازات او عطل ، وقد اخبرتك بذلك مسبقا من اجل ان تصل لمركز الرئيس بشركة حوت الفكهاني عليك بذل مجهود مضاعف لتحصل عليه بعيدا عن العواطف وحياتك الشخصية"

ارتفع حاجبيه ببعض الدهشة بخضم مشاعره الثائرة باللحظات السابقة ليقول بعدها باستنكار متعجب وهو يحاول الحفاظ على ثبات شخصيته امامه
"هل تقول عواطف وحياة شخصية يا ابي ؟ لقد اخبرتك بأنها قد نقلت للمشفى بدون اي رفيق معها ! وانا اريد الاطمئنان على حالتها وعلى سلامة ابني ، هل اخطئت بطلب هذا ؟"

ساد الصمت بينهما طويلا بقسوة النظرات الرمادية والتي كان يتبادلها بعضهما للآخر ، ليقطعها الصوت الجهوري بقوة صارمة بدون اي رأفة بحاله
"وانا اخبرتك بأن منصب المدير ليس مزحة ولا يتحمل اي اهمال او استهتار من قبل علاقاتك الشائكة والتي قد تؤثر بسير العمل ، ولا تقلق على حال زوجتك فهي موجودة بأفضل مشفى بالبلد سيعرفون جيدا كيف يتعاملون مع مشكلتها ويهتمون بأمرها ، ولا ارى هناك اي داعي لتواجدك معها والذهاب لها قد تعرقل سير عمل الاطباء هناك ! وانا متأكد بأنها مجرد نكسة تمر بها كل امرأة حامل لا تحتاج ان تقطع العمل من اجلها !"

تصلبت خطوط زوايا شفتيه ببهوت بانت تعب العمل بوضوح على وجهه وهو يتذكر كلمات تلك الرسالة الصغيرة والتي تبين مدى الألم والذي واجهته قبل غيابها عن الوعي ، وليس ألم السقوط عن السلم او اعراض الحمل بل ألم عدم وجود احد بجانبها بتلك اللحظات اليتيمة !

قال بعدها بلحظات وهو يستدير بنصف جسده بوجوم اكتسح ملامحه كما كيانه
"افعل ما تريد يا ابي ، ويمكنك ايضا خصم رتبتي بالشركة او حرماني من منصب المدير ، فأنا مع كل ذلك لن اتخلى عن روميساء ولن اتوقف ساكنا واتركها تعاني وحدها بالمشفى ، فقد قررت ان تكون روميساء زوجتي من اجل ألا تأتي اللحظة والتي تعود به من جديد وحيدة كما تخلينا عنها بالسابق"

افاق من افكاره القاتمة ما ان وصل امام مدخل المشفى الكبير بدون ان يشعر بالوقت الذي مر بسرعة وانتهت به رحلته العصيبة ، وبعدها بثواني انطلق راكضا بين الممرات بالمشفى بعد ان استعلم عن مكان غرفتها وهو يشعر بها تتيه منه كلما اقترب اكثر من المكان المقصود .

وقف بعدها امام الغرفة المحددة وهو لا يقوى على الاقتراب منها وانفاسه تخرج بتسارع بدون توقف بسبب جريه الطويل على السلالم عوضا عن استخدام المصعد ، ليتراجع بعدها تلقائيا ما ان خرجت الممرضة من نفس الغرفة ، لتوجه نحوه نظرات حائرة وهي تهمس بتفكير عملي
"هل انت من اقرباء الآنسة روميساء الفاروق ؟"

اخذ عدة انفاس وهو يومأ برأسه بالإيجاب ليقول بعدها باضطراب مشتت وانظاره معلقة على باب الغرفة
"اجل انا زوجها احمد الفكهاني ، هل هي بخير ؟ كيف حالتها ؟"

ارتبكت ملامحها بشحوب بعثت الخوف بقلبه الذي يكاد ينفجر بأي لحظة ، وقبل ان تقول سبقها بانفعال مكبوت بدون ان يمنع نفسه
"صحيح ، كيف حال الطفل ؟ هل هو بخير ووالدته ؟"

قالت بسرعة بابتسامة جادة يشوبها بعض الأسف
"اعتذر على هذا يا سيد احمد ، ولكن زوجتك قد وصلت لنا بحالة حرجة جدا ، وخاصة بأنها قد خسرت الكثير من الدماء وكانت تعاني بنزيف حاد بمكان موضع الجنين ، ونحن قد بذلنا كل ما بوسعنا لإنقاذ الأم فقط وتركيز عملنا على مساعدتها ، فهي بهذه الحالة العصيبة كنا على وشك فقدان كليهما معا ، وبفضل الله ورحمته علينا استطعنا ابعاد الأم عن وضع الخطر بمجهود طاقم الاطباء لدينا والذي لم يتوقف عن العمل لثانية حتى تأكد من سلامتها واستقرار حالتها ، لذا عليك ان تحمد ربك بما حدث يا سيد فكهاني فنجاتها من هذه المحنة تعد وحدها معجزة !"

كان يتابع كلامها بتركيز تشتت لوهلة لم يستطع ان يلتقط منه سوى بضع كلمات مهمة اوضحت كل شيء غامض بعقله الشارد ، ليمسد بعدها على جبينه بأصابعه للحظات قبل ان يقول ببعض التفكير الذي ما يزال يتحلى به للآن
"هذا يعني بأن ابننا انا وروميساء قد مات ! صحيح ؟"

اومأت برأسها بهدوء مريب وهي تهمس بمواساة
"اجل هذا ما حدث يا سيدي ، ولكن كن واثقا بأن الله سيرزقكم بغيره الكثير ، لذا كن شاكرا بنعمة نجاة زوجتك من هذه الحادثة"

تنفس بقوة اكبر وهو يشعر بشح الهواء بداخله ليهمس بعدها بكل ما يقدر من ثبات مهتز
"هل استطيع رؤيتها الآن ؟"

حركت رأسها بأسف وهي تهمس بخفوت عملي
"لن تستطيع الآن يا سيدي ، فهي ما تزال تحت العناية ولم ننتهي بعد من نقل الدماء لها والتي فقدتها بجسدها ، انتظر حتى تستعيد وعيها بالكامل بعدها يمكنك رؤيتها ، والآن عذرا عليّ الرحيل"

اومأ برأسه بجمود وهو ينظر للممرضة التي غادرت بعيدا عنه بلحظات ، ليشعر بتعب بأنحاء جسده وبقواه تخور فجأة ، وما هي ألا لحظة حتى ارتمى جالسا على مقاعد الانتظار بقوة هزت الأرض من حوله بعد محاربة استغرقت طول الساعات الماضية مع كل آلامه المدفونة لكي لا تظهر على العلن ، والآن فقط يشعر بالوهن يسيطر على كامل جسده وبكل آلامه تتسرب للخارج بعد حبسها بداخل روحه المذبوحة ، بدون ان يبارح كلام تلك الممرضة تفكيره والتي قضت على كيانه وارتشفت آخر ذرات هدوء حياته وسعادته الجديدة والتي اثمرت مع زوجته لتعود لتسرق منه وتنهب بطريقة لم تخطر على باله ابدا !

رفع رأسه عاليا فجأة وهو يسنده بظهر الكرسي بملامح سكنت عن الشعور ما ان علق ذهنه بأهم نقطة غفل عنها عندما ذكرت الممرضة حالة (روميساء) الحرجة وما كان سيحدث من احتمالية فقدانها مع الطفل ، ليشعر بالألم يتوسع بداخله بخواء وبمهمة ضخ الدماء لقلبه اصبحت اكثر صعوبة عن السابق ، وهو يتخيل فقط حياته كيف ستكون بدون (روميساء) ؟ كيف ستكون بدون ان يتذوق من تلك الفاكهة والتي اضافت من حلاوتها لحياته مكونا كان ينقصه ؟ وكله بسبيل انجاب طفل لن يكتمل وجوده اساسا بدون تلك الشجرة والتي اثمرت منه لتذبل بعدها مثل كل شيء يفقد جذوره واصله بالحياة ! وهذا حاله تماما فهي التي تسقي ثماره وبدونها ستذبل حياته مثل روح فقدت خافقها !

______________________________
كانت تسقي الازهار بمرشة الماء اليدوية بالتتابع وهي تدندن بلحن ما منسجم مع حركاتها الرشيقة مثل كل مرة تنساب بها مع الاجواء التي تخلقها من حولها بمحيط جديد بدأت تستعيد به روحها المفعمة بالتفاؤل والحياة وهي تعود للفتاة الحالمة المبتهجة....ولكن بدون ان تستطيع كسر حلقة الحزن والتي قيدت حياتها وغيرت من تفاصيلها منذ فترة قصيرة...وهي تحاول بكل جهدها الحفاظ على جانبها الجديد والذي صنعته من كل جوانب شخصيتها العاطفية والمكسورة لتخلق من بينهما شيء جديد تأقلمت معه وتناسب مع الأجواء التي اصبحت تحوم من حولها مؤخرا ...

تباطأت حركاتها قليلا بدون ان تتوقف عن رش قطرات الماء فوق الازهار الصغيرة والتي بدأت تتفتح ببراعم صغيرة اطول عن السابق ، وهي تتنهد بابتسامة ناعمة بشرود متأملة مجموعة ازهارها الرائعة وصغارها المفضلين والتي تمثل كل واحدة عندها مكانة خاصة بقلبها الوسيع والذي يتسع لملايين من هذه الازهار وكأنها حديقة غنية تسكن بأعماق قلبها ، وهذا كان ينطبق على البشر كذلك وكل من سكن بقلبها بدون اي شروط ليرحل ببساطة عنه وينزع جذوره من ارضه ليترك الاثر العميق من حوله بدون ادنى تفكير بصاحب ذلك القلب الوسيع والذي استقبل وجوده ذات يوم .

رفعت مرشة الماء بهدوء وهي تتوقف عن هدر المزيد من القطرات للحظات ، لتنظر بعدها عاليا ما ان عادت خيالات ليلة امس لتسوير عقلها مجددا بتلك اللحظات اليتيمة والتي قضتها مع زوجها لأول مرة مثل اي زوجين طبيعيين فرض عليهما الزواج من بعضهما لحل الخلاف بين حقد وموت احد بنات العائلتين ، ولكنهم بالحقيقة عكس ذلك تماما فلا احد منهم ارغم على الآخر ولم يذكر احد امر الحقد بينهما بسبب موت غير مقصود لابنة عائلتهم ! ما تزال تذكر من حينها بعد الانتهاء مباشرة من تنظيف سفرة طعام العشاء وغسل الصحون والاطباق ، لتسير بالرواق بهدوء حتى تقابلت معه وهو يقف بنهاية الممر بجمود ملامحه المرتسمة فوق وجهه وكأنه كان ينتظر قدومها منذ ساعات ، لتبتلع بعدها ريقها بتأهب منقبض ما ان بدأ بالتقدم نحوها عدة خطوات ثابتة كانت تزيد من انكماش جسدها لا إراديا ، وما ان وصل امامها اخيرا حتى مال بجذعه فجأة بحركة سمرت عضلات قلبها وكل عضو ينبض بجسدها وهو يبعد عن وجهها شعرة ليهمس بخفوت بارد بأمر
"اريدكِ ان تكوني بغرفتي بغضون دقيقتين ، فقد حان الوقت لتلقي العقاب على افعالك ، وإذا فكرتِ بالهروب فلن اتوانى عن اللحاق بكِ لغرفتك وتعرفين الباقي جيدا !"

اتسعت عينيها العسليتين بجمود اكبر وهو كل ما استطاعت فعله بلحظة تهديده المبطن وقد نسيت امر عقابه تماما ، ليعتدل بعدها باستقامة وهو يستدير بلحظة ليسير مباشرة باتجاه الممر المؤدي لغرفته وبصمت قاتم .

زفرت انفاسها بتسارع وهي تمسد على صدرها بكفها مستشعرة كل نبض يصدر من قلبها الملتاع ومن التفكير بنوع العقاب والذي ستتلقاه الآن على يديه ، فيبدو بأنه لم يكتفي بعد من مهمة تعذيبها بكل يوم يمر عليها بهذا الزواج ليكون اقسى من الذي قبله ! فما لذي ينتظرها الآن مع مصير مجهول وقدر بائس لم يقف بصفها يوما ؟ وكله بسبب لسانها الاحمق وما يحمله من تهور سيقضي على آخر نفس بحياتها !

طرقت على باب غرفته بتردد لثواني قبل ان تفتح الباب ما ان سمح لها بالدخول ، لتتلقى بداية نظراته السوداء المسلطة عليها بتلك الطريقة والتي تكشف كل جزيئات جسدها وكل ما هو مستور عن العين وهو فقط مستند بطرف إطار مكتبه ، لتنطق بعدها بلحظة اخرى استهلكت كل طاقتها المختزنة هامسة بوجوم متعثر
"ها انا قد اتيت لغرفتك كما طلبت ، ماذا تريد مني الآن ؟"

تلبدت ملامحه بدون اي تعبير قبل ان يحرك رأسه بقوة وهو يتمتم بعمق
"اقتربي"

عبست ملامحها بشك من نواياه نحوها وهي تلوح بيدها هامسة باستياء
"لا بأس ، يمكنك التكلم معي وانا هنا ، فأنا لا اعتقد بأنه من الجائز الاقتراب منك....."

قاطعها بصرامة اكبر بدون ان يهتم لكل كلمة نطقت بها الآن
"قلت لكِ اقتربي"

تقدمت بسرعة بخطوات واسعة بانصياع تام ، لتقف بعدها على مقربة منه وهو ما يزال ينظر لها بنفس الطريقة المسلطة والتي تتعب كيانها دوما ، لتسمع صوت خطواته وهي تتراجع بلحظة بعيدا عنها ليتبعها باللحظة التالية عودة الخطوات لموقعها السابق وقبل ان يتغلب عليها فضولها وترفع رأسها قصف صوته بقوة وهو يضرب رأسها بملمس شبيه بالورق
"امسكِ هذا يا صفاء"

رفعت رأسها بارتجاف سرى على كامل اطرافها وهي تنظر بحيرة لمجموعة الاوراق بيده بدون ان يدخل كلامه عقلها بطيء الاستيعاب ، لتنتفض بلحظة على مسمع صوته الصارم وهو يتمتم بضيق واضح
"ما بكِ تجمدتِ هكذا ؟ اخبرتكِ ان تمسكِ بالأوراق وليس ان تتأمليها ببلاهة !"

انفرجت شفتيها عدة مرات بذهول قبل ان تتناول منه الاوراق بسرعة هامسة بإحراج خجل
"اعتذر ، لم انتبه"

حدق بها بغموض للحظات طويلة قبل ان يقول بجدية وهو يدس يديه بجيبي بنطاله بتحفز
"حسنا لننتقل الآن للموضوع الاهم ، اريد منكِ ان تختمي هذه الأوراق جميعها من الألف للياء بدون ان تنسي حرف ، وهذا اكيد سيكون طريقة للتكفير عن ذنبكِ وعقوبة من اجل نطقك بذلك الكلام ، واعدك بأنها إذا تكررت مرة اخرى فلن اضمن لكِ ردة فعل طبيعية كما الآن ، فهمتِ ؟"

ارتفع حاجبيها بدهشة شتتت انظارها لوهلة لتهمس بعدها بوجوم مرتبك
"هل هذا كل شيء ؟ حقا !"

عقد حاجبيه بتفكير لبرهة وهو يتمتم بهدوء
"ماذا ؟ ألم يعجبكِ هذا العمل ! هل تريدين تجربة عقوبة اخرى غيرها ؟....."

قاطعته بذعر وهي تحرك كفيها هامسة بابتسام طفيف
"لا كل شيء بخير ، وانا سعيدة جدا بهذه العقوبة"

اومأ برأسه بجمود وهو يلتفت جهة المكتب لينشغل بترتيب بعض الاوراق ، لتعقد بعدها حاجبيها بتوجس غزى ملامحها وهي تهمس بخفوت
"حسنا ، ومتى يمكنني ان انجز هذا العمل ؟"

ردّ عليها ببرود بدون ان ينظر لها
"ستعملين عليها الآن وتنهينها قبل بلوج ضوء الفجر"

فغرت شفتيها بارتعاش مشدوه لوهلة قبل ان تهمس باستنكار خافت
"ولكننا قد اصبحنا الآن بمنتصف الليل ! كيف لي ان انهي ختم كل هذه الاوراق والتي تحتاج الليل بطوله لفعلها ؟"

حرك رأسه ببرود وهو يلوح بذراعه قائلا بجفاء
"لا بأس فقد اعتدتِ على فعلها بمكتب والدك فيما مضى ، واكيد قد كسبت الخبرة والسرعة بهذا العمل ، أليس كذلك ؟"

زمت شفتيها بامتعاض وهي تضرب بظاهر كفها على الاوراق هامسة بقنوط
"هذا ليس سببا مقنعا لتستخدمه ضدي وتجعلني انجز اعمالك المتراكمة بحجة العقاب !....."

صمتت بوجل ما ان التفت نحوها وهو يوجه لها نظرات ساكنة اوصلت الرسالة لها بدون كلام مترافق مع التخبطات والتي احتلت دواخلها بلحظة ، ليقول بعدها بحاجبين معقودين بتصلب بدون ان يترك نظراتها
"هل تريدين مني ان اضاعف العقوبة لكِ على هذا الكلام ؟ فيبدو بأن هذه العقوبة لم تفي بالغرض المنشود !"

حركت رأسها بالنفي بقوة حتى آلمت عنقها من تشنج الخوف الذي اسرها بهالة نظراته ، لتعتلي ابتسامة باهتة محياه وهو يضع امامها على طرف المكتب اوراق اخرى قائلا بحزم
"هذه اوراق اخرى اضيفيها مع قائمة الاوراق معكِ عقوبة لكِ على تذمرك الآن ، ومع كل تذمر او تكاسل بالعمل ستزيدين عليكِ رصيد عملكِ المبذول والذي لن تنتهي منه لليوم الثاني او ما بعده"

اتسعت حدقتيها العسليتين بصدمة وهي تنظر لكمية الاوراق امامها بالإضافة للأوراق بحوزتها والتي كانت مهمة انتهاءها منها مستحيلة ! فكيف الآن مع كل هذه الكمية من الاوراق ؟

همست بعدها بلحظات بعبوس بائس
"هذا ظلم بحق البشرية !...."

عضت على طرف شفتيها بجزع وهي تتدارك نفسها هامسة بتعديل مرتبك
"اقصد هذا رائع ويسعدني ان انجز هذا العمل المستحيل ، فهو يبدو لي مثل الاختبار والغير مستحيل"

ارتفع حاجب واحد بحدة لوهلة قبل ان تعتلي شبه ابتسامة على طرف شفتيه وهو يحاول ان يكتمها بأسنانه ، وهو ما دفعها لتتسمر بمكانها بصدمة وعينيها تتبع خطوط ابتسامته الصغيرة والبعيدة عن كل ملامح السخرية وكأنه يستمتع بما يفعله بها ولثاني مرة ترى تلك الابتسامة !

افاقت من شرودها ما ان ابتعد من امامها وهو يدور حول المكتب ليجلس بلحظة على مقعده قائلا بجدية صارمة
"هيا لا تتجمدي هكذا ببلاهة ، فهذا ليس وقت احلام يقظتك ! فأنتِ عليكِ ان تنهي هذا العمل قبل بلوج الفجر ، هل هذا مفهوم ؟"

عقدت حاجبيها بضيق وهي تنظر له يجلس بكل عنجهية وملوكية خلف المكتب وكأنه زعيمها والذي يحمل كل سمات الزعماء الظالمين ، جلست على الكرسي امام المكتب بهدوء وهي ترتب الاوراق فوق بعضها البعض بحرص ، لتمسك بعدها بالختم بجوارها والذي وضعه مع الاوراق وهي تبدأ بختم الاوراق به بسرعة متمهلة كما اعتادت ان تفعل بمكتب والدها مثل آلة طباعة .

تجمدت اصابعها على طرف الورقة وهي تتابع ختم الاوراق بحركة اصبحت تتباطأ تدريجيا ، بدون ان تشعر بهالة الحزن والتي احاطت عقلها لوهلة ما ان تذكرت تلك الايام البعيدة والتي كانت تقضيها مع والدها بمكتبه لتساعده بأعماله وتهتم بصحته حال تدهورت بأي لحظة ، ولم تفكر بأنها ستصبح مجرد ذكريات منسية رحلت مع اصحابها ومع اقرب الناس لها ولقلبها المفطور بهم والذي قدم الكثير بسبيل الحصول على رضاهم وحبهم ، فهل يا ترى ما يزال والدها يفتقد وجودها بتلك الذكريات ام انها وحدها من تشعر بذلك الحنين والذي لطالما طوق حياتها الحالمية والمعلقة بالجميع ؟!

انتفضت لا شعوريا وهي توقع الختم من يدها ما ان قصف صوت الجالس امامها مخترقا هالتها
"صفاء هل تسمعين ما اقول ؟"

رفعت يدها بارتجاف وهي تدس خصلات شعرها خلف اذنها هامسة ببعض الوجل
"اعتذر لم اسمع"

قطب جبينه بضيق وهو ينحدر بنظراته للختم الذي انحدر على قميص منامتها ليلطخه بالحبر قبل ان يستقر بجانب الاوراق ، ليقول بعدها بعبوس وهو يعود بنظره لرأسها المنكسة بهدوء
"هل انتِ سعيدة يا بلهاء ؟ لقد شوهتي قميصك بالحبر ، اخبرتكِ ان تختمي الاوراق وليس القميص !"

حركت رأسها بإيماءة طفيفة دفعت خصلات غرتها للانسياب فوق ملامحها المخفية وهي تهمس بخفوت مشتد
"اعتذر حقا على هذا ، يبدو بأنني قد فقدت المهارة بإرضاء الآخرين بعملي معهم ، فأنا لم اعد تلك الطفلة المرضية والمطيعة والتي تملئها العاطفة والشغف لإسعاد الآخرين دائما على حساب سعادتها"

تغضن جبينه بوجوم لبرهة وهو لا يعلم لماذا رأى انعكاس صورته بداخلها وما يوحي به شكلها المنكسر والذي يراه لأول مرة ؟

اعتدل بجلوسه باستقامة وهو يقول بأمر ناظرا لها بعيون صقرية
"صفاء قفي امامي"

وقفت امام المكتب بهدوء ساكن وهي ما تزال منكسة الرأس بصمت ، ليقول بعدها بصوت اكثر خشونة بأمر
"ليس هنا ، تعالي قفي امامي مباشرة"

اخذت لحظات استيعاب قبل ان تتحرك وهي تدور حول المكتب لتقف بعدها امام مقعده تماما ، استدار بجسده نحوها بإمارات صارمة ما تزال تحتل محياه ، ليقول بعدها بصوت اخفض قليلا بدون ان يحيد بنظراته عنها
"ارفعي رأسكِ وانظري بعيني مباشرة"

رفعت رأسها كما طلب وهي تنظر له بتلك الأحداق الواسعة بلون عسلي غائم بدون اي شعور يختلف عن كل حالاتها السابقة ، ليدس بعدها يده بجيب بنطاله قبل ان يرفعها نحوها هامسا بخفوت اجش
"خذي وامسحي بقع الحبر عن قميصك"

نظرت بانشداه للمنديل النظيف بيده لتتناوله بعدها بارتجاف طغى على مفاصل اصابعها وهي تحاول مسكه بقدر المستطاع بأطراف اصابعها بحذر خوفا من ان يفعل معها كما فعل سابقا عندما ناولته كأس الماء ، ولكن لم يحدث ما كانت تتمناه وهو يقبض على اصابع يدها بكفه القوية اخترقت كيانها ، وبلحظة كان يسحبها من نفس الكف للأسفل بلمح البصر ليصبح بعدها وجهها امام منحنيات صدره الصلب وساقيها اسفل المقعد ، وقبل ان تتدارك وضعها كانت تشعر بملمس قبلته القاسية على شفتيها المرتجفتين وذراعه تطوق خصرها وترفعها امام جسده بقوة طاحنة كسرت عظامها الهشة بحرب عاطفية اعطت مذاق جديد لحياتها الحالمية .

تمسكت تلقائيا بياقة قميصه وهي تتنفس بتسارع يكاد يخرج نبضات قلبها من قفصها الصدري وقبلاته تنشر على بشرة وجهها برقة لم تسبق ان جربتها معه ، ليتغضن جبينها بلحظة مع اتساع مقلتيها العسليتين بتموج ذهبي من تدفق المشاعر على سطح محياها ، وهي تشعر بتصلب جسده المفاجئ والذي ابتعد عنها وارتخاء ذراعيه عن خصرها معلنا توقف الحرب الحميمية بينهما .

اخفضت يديها عن ياقة قميصه وهي تتراجع لا إراديا لتجلس على ارض الغرفة امام مقعده بسكون ، بينما كان (جواد) يعدل من وضع جلوسه وهو يريح مرفقيه فوق ذراعي المقعد وكأنه يحاول استعادة اتزان صلابته والتي كان على وشك فقدانها من لحظة كادت تدمر كل شيء .

انحنت زاوية من شفتيها بحزن وهي تحدق بالمنديل والذي وقع منهما بدون ان يدرك كليهما ذلك ، لتلتقط بعدها المنديل بهدوء وهي تقف على قدميها باتزان بقدر استطاعتها ، وما ان فعلت حتى قالت بخفوت حزين وهي تشيح بنظراتها جانبا
"اعتذر حقا على الاقتراب منك ، واعدك بأن احاول ألا اتجاوز حدودي مجددا"

التفت نحوها بهدوء وهو يضيق عينيه السوداوين بلحظة قبل ان يتمتم بجمود جاف
"انا الذي دفعتك للاقتراب مني ، لذا لا داعي لتجميل صورتي وألقاء باللوم على نفسك ، فيبدو بأنني انا الذي اصبحت اتجاوز حدودي بدون ان ادرك ذلك"

نظرت له بسرعة بعينين متسعتين بصدمة وهي لا تصدق ما سمعته اذنيها الآن باعتراف لم ينطق به من قبل ! ام تراها ضربت رأسها واصبحت ترى احلام يقظتها متجسدة امامها حقيقة ؟

تشنجت اطرافها لوهلة ما ان لمحت طرف ابتسامته والتي تظهر على محياه لثالث مرة وهو يتابع كلامه قائلا بخفوت شارد
"انتِ فتاة خيالية لديكِ طاقة سحر كبيرة ينبغي ان نحتاط منها ، وهذا ما كان عليّ فعله قبل ان اقع صريع هواكِ ويفوت الآوان على النجاة !"

رفعت قبضتها وهي تريحها فوق صدرها النابض بنشيج خافت تشعر بخفقات قلبها وصلت لطنين اذنيها بنغمة صاخبة غيرت مجريات حياتها ، وهي تستمع لاعتراف كبير من زوجها الجليدي والذي ظنت بأنه لا يكن لها سوى الكره والحقد ليغير كل شيء باعترافه الآن والذي يوحي بأنه قد وقع بحبها او شيء من هذا !

شددت بعدها على المنديل والذي عصرته بداخل قبضتها بتوتر قبل ان تهمس بخفوت متلعثم بحياء
"انا ، انا الآن عليّ انهاء عملي قبل انبلاج الفجر ، لأنه....."

قاطعها بهدوء جاد وهو يحيد بنظراته نحوها بتصلب
"ليس هناك داعي لإكمال العمل على الاوراق ، يمكنكِ الذهاب الآن وتبديل قميصك الملطخ بالحبر والخلود للنوم ، وانا سأكمل ما تبقى من عمل"

عقدت حاجبيها بحيرة وهي تهمس بتوجس
"ولكن هذا عملي انا ، وايضا لن تستطيع انهاءه وحدك....."

قاطعها بصرامة اكبر وهو ينظر لها بقوة
"ماذا قلت لكِ يا صفاء ؟"

عضت على طرف شفتيها بحياء وهي تشعر بنغمة نطق اسمها على اذنيها خافتة بلذة جديدة مع تشديد آخر حرف ، لتنتفض بعدها لا شعوريا ما ان قصف صوته بخفوت عميق مع حاجبين معقودين بقلق
"صفاء ما بكِ ! هل تسمعين ما اقول ؟"

اومأت برأسها بسرعة وهي تهمس بابتسامة صغيرة ببعض السعادة
"اجل بخير ، كل شيء بخير"

زفر انفاسه بجمود وهو يعود للعمل على الاوراق امامه ، لتقول بعدها بتردد وهي تضم قبضتيها معا
"هل هذا يعني بأني لست معاقبة ؟"

رفع رأسه بعيدا عن الاوراق لوهلة وهو يقول بابتسامة جانبية ببرود
"اجل لستِ معاقبة يا صفاء ، ويمكنكِ اعتبار نفسكِ حرة وقد افرج عنكِ زعيمك الظالم"

عضت على طرف ابتسامتها بوجل وهي لا تصدق مدى مقدرته على قراءة افكارها والتي جعلته يكتشف اللقب والذي اطلقته عليه بمخيلتها ! لتستدير بسرعة بعيدا قبل ان تكشفها ابتسامتها وهي تتجه من فورها لخارج الغرفة ، قبل ان تتوقف بآخر لحظة عند باب الغرفة وهي تلتفت بنصف وجهها هامسة بخفوت مرتجف
"صحيح لقد كنت على وشك قول شيء قبل ان اوقع الختم على ملابسي ! ماذا كنت تريد ان تقول ؟"

نظر لها بجمود لبرهة وهو يعقد حاجبيها ببطء ليقول بعدها بلا مبالاة وهو يعود للنظر للأوراق بيده
"لا تهتمي لهذا فلم يكن بالأمر المهم على كل حال"

افاقت من ذكريات الامس وهي تعود للنظر للأزهار الصغيرة امامها ، لتجثو بعدها على ركبتيها وهي تبتسم بنعومة رقيقة لترفع كفها بسلاسة قبل ان تلامس بأصابعها بتلات الازهار الملونة ، لتهمس بلحظة بنفس النعومة وبنبرة حائرة بخفوت
"يا ترى ماذا كان يريد ان يخبرني بذلك الوقت ؟ وهل هو كان صادقا بقول تلك الاعترافات ؟ كم يخيفني ان اكتشف الحقيقة واكون فقط اعيش على الوهم والذي ينسجه خيالي دائما كما كان يحدث منذ طفولتي !"

مالت عينيها بحزن عميق وهي تشرد بلمساتها على بتلات الازهار لثواني ، لتضم بعدها كفيها بين ركبتيها ببرود مفاجئ وهي تهمس مع نفسها بنبرة اكثر حزنا وبوجع واضح
"لم يتبقى سوى عشرة أيام على انتهاء عقد زواجي ، فهل هذه ستكون نهاية آلامي بالحياة ام ستكون بداية كل ألم جديد زرعته بيدي وبخيالات الماضي والتي نشبت عنها منذ زمن ؟"

_______________________________
كانت تريح ذقنها فوق ركبتها بسكون وهي تنظر امامها بشعور بالخواء والذي يصيبها دائما عندما تختلي مع رفيقتها الوحدة....ولكن هذه المرة مختلفة فقد ظهر هناك دخيل اخترق عالمها واخذ مكانه بينهما بدون سابق إنذار او تنبيه....وهي ليس عليها سوى الخضوع لوجوده والذي سيطر على جليد واقعها وتسرب بثقوب ماضيها بشعور بالحياة والتي لم تجرب خوضها يوما .

زفرت انفاسها ببطء شديد وهي تستعيد القليل من جموح كيانها والتي لم تهدأ بعد كل شيء ، لتهمس بعدها بخفوت باهت بعد صمت دام لدقائق طويلة
"هل ما تزال هنا يا شادي ؟"

مرت لحظات اطول مما يحتمل صبرها الضيق وهي تنتظر اي بادرة تدل على وجوده من حولها ، وما ان يأست من سماع الاجابة حتى همست بعبوس سيطرت عليها رجفة خاطفة
"شادي ؟ انت هنا ؟ شادي !......"

تنفست الصعداء ما ان وصلها الصوت الخافت مخترقا الفاصل الخشبي الذي يسندهما وهو يهمس ببطء عميق
"انا هنا يا ماسة ، كيف تريدين مني ترككِ بهذه السهولة ؟"

اغمضت عينيها بهدوء وهي تهمس بشبه ابتسامة ساخرة
"يمكنك الذهاب إذا كنت قد مللت من الجلوس هكذا مثل حارس البوابة ، ولكن لا تنسى العودة ما ان تنتهي فترة ادانتي والتي حددتها بنفسك"

ابتسم بميلان متسلي بدون ان تراه وهو يهمس بتفكير مستاء
"كنت اود حقا الذهاب وترككِ لوحدكِ لارتاح من عنادك وصلابة رأسك ، ولكني لن اقدم على فعل مثل هذه الخطوة المتهورة بترك المنزل بين يديكِ ، فأنا اتوقع منكِ كل شيء ولو حرقتِ المنزل ومن فيه فلن افاجئ ابدا ! فبعد ما فعلتي بنفسكِ بالجناح بأيام بداية زواجنا اصبحت اعرف جيدا اي نوع من الفتيات انتِ وكيف يجري تفكيرك !"

امتعضت ملامحها وهي تفتح عينيها بألوان قاتمة عادت لتموج على سطح روحها ، لتهمس بلحظة من بين اسنانها باستهزاء شرس
"هل تراني مختلة عقلية حتى اقدم على مثل هذا التصرف ؟ لا تقلق يمكنك الوثوق بزوجتك وتركها مع نفسها وهي تعدك بأنها لن تؤذي نفسها ولن تقدم على اي حماقة بغيابك ، فهي ما تزال تملك عقل بكامل قواه بعد كل شيء !"

تنهد للحظات قصيرة وهو يهمس بوجوم غامض
"لن افعل هذا ، لأني اعرف جيدا بأنكِ اكثر شخص مهمل بالعالم بالاهتمام بنفسه وبالحفاظ على حياته ، فهو ينسى دائما بأن حياته بأكملها لم تعد ملكه وحده"

عضت على طرف شفتيها بضيق وهي تتمتم من بينهما بانفعال
"أليس لديك ولو بعض الثقة بحماية زوجتك لنفسها ؟ ام انها انعدمت منذ ذلك الوقت بجناح شهر العسل ؟"

غيم الصمت بينهما لوهلة قبل ان تسمع صوته بانخفاض تستطيع به الشعور بابتسامته الواثقة
"بالطبع انا اثق بزوجتي ولكن مشكلتي مع تفكيرها وعقلها الاحمق والذي يتوقف عن العمل ما ان يجتاحه الغضب ليصبح بحجم عقل النملة"

انفرجت شفتيها بأنفاس ذاهلة ممزوجة بالغضب المتهدج والذي تفجر بأوردتها ، لتنصب رأسها عاليا وهي تديرها للباب بجوارها بلحظة قبل ان تضرب ظهرها بكل قوة حتى هزت خشب الباب بينهما هامسة بعنف تلون ببحة الغضب بصوتها
"ماذا قلت عني الآن يا احمق الفكهاني ؟ سأريك من هي التي تملك عقل نملة يا متشدق !"

ضحك بانخفاض طفيف وهي تستمع لكل حركات وذبذبات صوته عبر البوابة الفاصلة بينهما والتي ترسل الرعشات لكل منهما ، ليقول بعدها بابتسام ساخر بهدوء
"هذا ما كنت اتكلم عنه ، لهذا اخبرتكِ بأنني لا اثق بعقلك الجامح والذي يفقد سيطرته ما ان يشعر بعجز صاحبه ، صحيح ؟"

ادارت وجهها للأمام وهي تتنفس بحدة بدون ان تعلق على كلامه ، لترتخي بعدها مفاصلها وهي تريح ظهرها لباب الغرفة بخمول تام ، لتهمس بعد عدة لحظات بملامح جليدية بدون شعور
"لقد قلت بأنك تعرف جيدا اي نوع من الفتيات انا ، هل هذا يعني بأن لديك خبرة واسعة بأنواع الفتيات واللواتي قابلتهن بحياتك ؟"

سكنت ملامحه للحظة قبل ان يريح ظهره للباب كما تفعل قائلا ببرود جاد
"حسنا لدي بعض الخبرة بالفتيات من ايام الجامعة ، فقد كنت اجذب جميع الانواع والذي كان يحوم من حولي مثل النحل ، ولكن لم يكن هناك تجارب ناجحة فقد كانت جميعها تبوء بالفشل وتعطيني بعض الدروس القيمة بالحياة لكي لا تثق بأي مخلوق كان قبل ان تلوج بأعماقه وتعرف ما هو معدنه حقا ، وهذا الحال استمر معي حتى نهاية مسيرتي بالجامعة والتي حملت معها بجانب شهادة التخرج شهادة تخص تجارب الحياة"

حركت رأسها بشرود بدون اي تعبير يسكن محياها البارد ، ليصلها سؤاله بلحظة وهو يقول بهدوء جاد
"وماذا عنكِ يا ماسة ؟ أليس لديكِ اي تجارب او خبرات بالجامعة !"

شقت ابتسامة باهتة تقاسيم ملامحها بسخرية وهي تتبعها بالهمس ببرود جليدي بدون اي حياة
"لم يكن هناك مجال لأخوض تجارب بالجامعة فقد كانت حياتي بأكملها عبارة عن تجارب واختبارات منذ مولدي لهذه اللحظة ، لذا منذ دخولي للجامعة كان كل شيء بسيط بالنسبة لي ولا يقارن بما تعلمته سابقا وصنع مني انثى لا تميل للعب بالعلاقات الاجتماعية ومكتفية بما تحمله معها وما بقي راسخ للآن"

كان يستمع لها بهدوء تام وهي تخرج له جزء من شخصيتها المختبئة خلف رداء الثبات والقوة ، ولكنها بالحقيقة مجرد انثى ضعيفة تكسرت اجنحتها منذ ولادتها لتصبح على هذه الصورة المشوهة تفنن الجميع بقتلها بدون ان يعدلها احد او يغير من اصلاح كسورها المغمورة بصميم روحها .

عقد حاجبيه بجمود ما ان سمع صوتها الخافت يصله ببحة حزن باردة
"هل تراني كائن مجنون ومنفر يا شادي ؟ بعد ما اقترفته بأيام الفندق وجعلك تغير نظرتك كاملة نحوي وتخاف من اي شيء قد اؤذي به نفسي !"

تغضن جبينه بقتامة لبرهة قبل ان ينطق بابتسامة اتسعت برفق
"ما يزال تفكيرك احمق كما هو يا ماسة ، كل ما اتمناه ان تفكري بقلب عقلك وتشعري اكثر بأحاسيس الآخرين وكل ما يلوج بدواخلهم ، قد تستطيعين عندها تعديل نظرتك للآخرين وعدم طرح مثل هذه الاسئلة الغبية امامي مجددا !"

ردت عليه من فورها ببهوت جامد
"هذا ليس جواب السؤال يا شادي !"

اخفض رأسه قليلا وهو يتنفس للحظات ليهمس بعدها بصوت اجش خافت وصلها بوضوح عبر ذبذبات الباب الخشبي
"لقد شعرت بخوف من تأذي الكائن الاغلى على قلبي بلحظة تهور منه وغفلة مني ، وهناك فرق بين شعور الخوف وبين شعور النفور منه ، هل فهمتِ الآن يا مجنونة ؟"

اشاحت بوجهها جانبا وهي تضرب بقبضتها على الباب برفق هامسة ببأس
"مزعج"

ارتخت ابتسامته بلحظة ما ان اخترق رنين هاتفه الاجواء المحصورة بينهما ، ليتأفف بعدها بضيق وهو يخرج الهاتف من جيب بنطاله قبل ان يجيب من فوره هامسا بهدوء
"نعم مرحبا !"

ارتفع حاجبيه بدهشة لحظية غيرت ملامحه بتوجس وهو ينهض بلحظة من مكانه باستقامة ، ليقول بعدها بارتباك واجم بدون ان ينتبه للإذن والتي كانت تسترق السمع على كل حركة صدرت منه
"ماذا تقول يا احمد ؟ وكيف حدث هذا ؟ هل هي بخير ؟"

تجمدت ملامح (ماسة) كما جسدها وهي تترجم كلامه بعقلها السريع والذي ربط كل شيء بشخص واحد ، لتبتعد ببطء عن سطح الباب ما ان سمعت آخر مكالمته وهو يهمس بكلمات موجزة
"حسنا يا احمد ، سنحاول ان نكون عندك بدقائق"

اخفضت نظراتها بتلبد طاف على سطح حياتها للحظات ، وبدون ان تسمع صوت قفل الباب وهو يفتح ليتبعها بإدارة المقبض قبل ان ينفتح تدريجيا امامها بثواني ، رفعت حدقتيها الزرقاوين بتشوش لحظي وهي تنظر له باهتزاز ضائع تسرب منه إليها ، وبلحظات كانت تهجم عليه بخطوتين لتتمسك بقميصه بتشبث وهي تصرخ بفورة الجنون بطريقة تختلف عن جنونها السابق فقد تخلل بها بعض الاهتزاز
"ماذا حدث لروميساء يا شادي ؟ وماذا اخبرك احمد ؟ هيا تكلم ماذا فعلتم بشقيقتي ؟......"

توقفت عن الكلام باهتزاز الدموع بحدقتيها المحتدتين وهي تهمس فجأة بتذكر مرتبك
"ماذا حدث للطفل ؟ هل هما بخير ؟ لا تبقى صامتا هكذا !"

امسك بكتفيها بقوة تخللت لعظامها الهشة وهو يدنو بوجهه امامها هامسا بروية وهدوء
"اهدئي يا ماسة ، وانا اعدك بأننا سنعلم بكل شيء ما ان نصل للمشفى"

نظرت له بتشتت زادت من غلالة عينيها المتسعة وهي تهمس بانشداه منفعل
"مشفى ؟ هل روميساء بالمشفى ؟"

عض على طرف شفتيه وهو يلعن نفسه مئة مرة عما تفوه به امامها ، ليشعر بعدها بارتخاء يديها بعيدا عن قميصه ناقضت توقعاته او هكذا يخيل له ؟ وهو يحدق بسكونها المريب وكفها تمسح تلقائيا على خديها الحمراوين بقوة من حبس الدموع ، قبل ان توجه له نظرات باردة اكتسحت محياها بلحظة وهي تهمس بخفوت محتد بجوف روحها
"لن اسامح ايً منكم إذا اصاب مكروه شقيقتي ، سمعتم يا عائلة الفكهاني !"

ارتفع حاجبيه باستهجان وهو يتابع التي غادرت من امامه بلمح البصر بعد ان ألقت برسالتها الغامضة تلك والتي تحمل الكثير ، ليكور قبضته بلحظة وهو يضرب جبينه باجتياح استبد به وبعد ان ضاق الوضع به مجددا ، وها هو يحاصر بعقبة جديدة مجهولة المصدر والمصير عليه إيجاد حل لها والتخلص منها قبل ان تنفذ تهديدها ابنة الفاروق المجنونة !

نهاية الفصل يا حلوين وبانتظار آرائكم بفارغ الصبر....


روز علي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس